? العضوٌ???
» 475418 | ? التسِجيلٌ
» Jul 2020 | ? مشَارَ?اتْي » 1,362 | ?
نُقآطِيْ
» | |
البارت الحادي عشر بعد المائة محاولة اختطاف 💥
كان عز الدين يجلس على أريكته المفضلة وسط الصالون , يضع رجلا على رجل مقابل التلفاز الذي يخفض صوته ,
يمسك كتابا سياسيا في يده , يطالعه باهتمام خلف نظاراته الطبية , و يلقي نظرات خاطفة من وقت الى آخر على شريط الأخبار ,
كان مندمجا مع صفحات الكتاب , لدرجة لم يلحظ فيها زوجته التي اقتحمت القاعة , و وقفت أمامه كصنم بملامح متجهمة ,
رفع الرجل رأسه حينما طال وقوفها , ليصدمه شحوب وجهها الشديد , و عينيها خضراوين المحتقنتين الدامعتين ,
قام عز الدين من مكانه , و أمسك بكتفيها بيديه , محدقا بقلق شديد الى وجهها قبل أن يسألها
" ماذا هناك عدراء , هل أنت بخير ؟ "
هزت المرأة رأسها نافية كونها بخير , و قد بدأت دموعها بالتساقط تباعا , مما أدخل زوجها في نوبة ذعر
" هل يؤلمك شيء ؟ هل أنت مريضة ؟ "
طرح أكثر أسئلة تقلقه , فأسوء شيء ممكن أن يتقبله في وضعه الحالي , أن تسقط عدراء مريضة ,
لكنها لم تجبه الا أن رفعت هاتفها ، أمام وجهه لتسأله سؤالا واحدا
" هل هذه هي ؟ "
عبس عز الدين بسماع كلماتها المبهمة , لكنه سارع و اختطف الهاتف من يدها ,
ليحدق بذهول الى الصور الظاهرة على شاشته ,
فجأة تحولت دهشته الى وجوم حينما أدرك أن
" هي "
التي سألت عنها عدراء هي ابنتهما ,
المرأة كانت بصدد التجول بسأم , في بعض الصفحات الشهيرة , للمودة و الأزياء على الانترنت , محاولة الاطلاع على آخر الصيحات ,
لتظهر لها صور أحد رجال الأعمال , العرب المشاهير بطريقة متكررة , مع الكثير من الأخبار التي تتحدث عن زوجته الجديدة ,
في البداية كانت تمر عليها مرور الكرام , بما أنها لا تهتم بالنميمة الاجتماعية ,
لكن صورة مقربة لوجه ملك اختطفت أنفاسها , و جعلتها تتشنج بسبب صدمتها ,
و رغم أن وجهها كان مموها , لا يسمح للغرباء بالتعرف عليها , الا أنها ليست جاهلة الى درجة , عدم التعرف على فلذة كبدها ,
شخصت عيناها و أصدرت شهقة مكتومة , قبل أن تركض ناحية زوجها بأرجل مرتجفة , ليس لتخبره عما اكتشفته ,
و لكن ليؤكد لها هوية الرجل , الذي اختطف ابنتهما و حرمهما منها ,
بما أنه الوحيد مع سامي الذي قابله سابقا , و بما أن الصحافة لم يجدوا حرجا , من ترك شخصيته مكشوفة للمشاهدين .
أخذ عز الدين نفسا عميقا , و قد أدرك اخيرا سبب حزن زوجته , لكنه سارع الى اطفاء الهاتف , و وضعه جانبا قبل أن يضمها محاولا مواساتها
" نعم انها هي "
أجابها أخيرا بنبرة حزينة , و قد شعر بتشجها بين ذراعيه , مما زاد في ضمته لها شدة ,
لتترك عدراء بعدها العنان لدموعها , حتى تنسكب بغزارة شفقة على حالها مع زوجها , و حسرة على ابنة فقدتها فجأة .
تنهد عز الدين و قد آلمه قلبه لحالها , فلهذا السبب بالذات لم يصطحبها معه ,
حينما ذهب لرؤية ملك آخر مرة , كانت ستنهار هكذا و توجع قلبه عليها
" لم تبكين الآن ؟ ألا نعيش سويا بشكل جيد ؟ "
سألها بصوت خافت مهتز , و كأنه هو نفسه لا يصدق ما يتفوه به ,
لكنه مجبر على تهدئتها , فمجاراتها ستزيد في ألمها ,
بعد أشهر من المعاناة و الشعور بالغدر , عاد الزوجان تدريجيا الى حياتهما السابقة , مع كثير من التغيرات ,
حاول عز الدين العودة لادارة مشفاه , الا أن التعاملات الكثيرة , صارت تحت اشراف سامي , الذي لا يتردد في تقديم يد العون له ,
و اكتفى هو بالاستمرار في العناية , بمرضاه بعيدا عن الأضواء .
أما عدراء فقد تقلص نشاطها في عيادتها , و انشغلت هي الأخرى في ادارة الجمعية , لكنها كانت تكتفي بمتابعة فريقها عن بعد , معتزلة المجتمع الذي كانت نجمة لامعة فيه ,
و قد كانت تشكر الله كثيرا , لأن عز الدين حاله مستقرة , و لم يعاني من أية مشاكل صحية منذ مدة .
بعد دقائق أطلق عز الدين المرأة من حضنه , قبل أن يمسك بوجهها بين يديه , و يحاول كفكفة دموعها التي لا تنضب
" أنا بخير الآن و عدت الى عملي و مرضاي , و أنت أيضا بخير و تعملين بشكل جيد ,
نحن لدينا بعضنا أليس كاف ؟ "
حاول الرجل اقناعها بأنهما ليسا بحاجة , الى ابنة جاحدة كي يكونا بخير ,
لكن عدراء كانت أبعد من تصديق كذبته , و عينيه تبوحان بمدى شوقه هو الآخر لها , و الذي يحاول مداراته بعناده المعتاد .
تمالكت المرأة نفسها تدريجيا , لتسألة بنبرة مبحوحة , و قد علا الفضول ملامحها
" هل هو مشهور الى هذه الدرجة ؟ "
استغرب عز الدين سؤالها , لكنه هز رأسه ايجابا , اذا كان بيت علي الذي زاره مرتين يدل على شيء , فسيدل على مدى ثرائه الفاحش ,
اضافة الى أنه بحث عن بعض أخباره في الانترنت , بعد عودته في المرة الأولى التي اكتشف فيها زواجه بابنته ,
ليتفاجأ أنه ذائع الصيت في مجاله , و واحد من أكثر رجال الأعمال نجاحا و احتراما , بالنسبة للآخرين بالطبع ,
لكنه لم يبح باسمه مرة لعدراء , خشية أن تحاول الوصول اليه , و تهين نفسها معه .
" تقول الأخبار أنه من بين أكثر , رجال الأعمال الشباب نجاحا في المنطقة ,
الفندقة اختصاصه مع الكثير من الاستثمارات عبر العالم ,
ورث أصول ممتلكاته من والده , و طورها لتصبح امبراطورية سياحية لا تقهر , ما يملكه يعتبر ثروة تقدر بالمليارات "
اختصر عز الدين ما يعرفه عنه , و قد أدرك أن عدراء لم تكن مهتمة فحسب , بالبحث خلف عدوهما الأول ,
و الا لكانت وصلت الى الكثير من المعلومات , دون الحاجة لاخفاء الأمر عنها .
تاهت نظرات المرأة أمامه , و كأنها تفكر في تحليل شائك لما قاله , قبل أن تبادره بنبرة مرتجفة
" اذا كان ثريا بهذا القدر , لم سيحتاج أن يتزوج ابنتنا بتلك الطريقة ؟
كان سيكون رجلا مناسبا جدا لا يرفض , لو أنه فكر بالتقدم لها مراعيا الأصول "
كان كلام عدراء منطقيا جدا , حتى لو كان غريبا عن هنا ,
ما كانا رفضاه لو تقدم لطلب يد ملك , خاصة اذا كانت مغرمة به ,
لطالما وعدا نفسيهما ألا يحرما ابنتهما , من الرجل الذي تختاره مهما كانت شخصيته و أصوله ,
كدرس أخذاه من معاناتهما , حتى يرتبطا في عمر متأخرة ,
لم يخطر يوما على بالهما أن ملك , لن تكلف نفسها حتى عناء تعريفهما على صهرهما .
تراجع عز الدي خطوة الى الوراء , قبل أن يهز رأسه بقلة حيلة و يجيبها
" لا أدري , لكن هؤلاء الأثرياء يملكون عادة الكثير من الأسرار ,
و يعيشون حياتهم بطريقة مختلفة مستخدمين نفوذهم ,
في سنه هذا قد يكون متزوجا بالفعل و لديه فرقة أطفال , و عادة أمثاله من الرجال يحبون تجديد حياتهم ,
مع نساء شابات مناسبات , يرتبطن بهن سرا دون الظهور في الصورة ,
خاصة اذا لم يرغبوا أن يشاركن , عوائلهم الأساسية الثروة و الارث ,
و في معظم الأحيان تكون الزوجة الأولى , أحد أفراد عائلته الكبيرة ,
أو لها علاقة مباشرة بالثروة التي يديرها , لذلك لن يجرؤ على اثارة غضبها بزيجة ثانية "
كان هذا نتاج تفكيره لشهور طويلة , بحثا عن أسباب زواج ملك , بتلك الطريقة المبهمة و المهينة .
" لكن زواجهما موثق كما فهمت , و ليس عرفيا أو سريا ,
الكثيرون بالفعل يعرفون بشأنه "
عارضت عدراء افتراضه , محاولة مناقشته بمنطق , لأول مرة منذ ما حصل ,
فلطالما ثار غضب الرجل و اشتد حنقه , كلما فتحت الموضوع أمامه و لو تلميحا
مرر عز الدين يديه على وجهه باجهاد , قبل أن يجيبها و كأن الأمر يؤلمه
" ربما لأنه تورط في حملها لابنه ,
أكيد لم يحسب حساب ما حصل , و اضطر الى اعلان الزواج ,
أنا فعلا لا أعرف "
عبست عدراء لتحليله و أجابت مستنكرة
" لكن ملك لم تكن لتقبل علاقة سقيمة كهذه , هي تعرف أنها تستحق زواجا حقيقيا ,
ابنتي التي أعرفها لا تتنازل عن كرامتها , من أجل أي شيء , و لو كان حب حياتها "
ليقاطعها عز الدين بنبرة منزعجة
" التي كنت تعرفينها عدراء , تقصدين التي كنت تعرفينها ,
لأن ملك التي وجدتها هناك , ليست ابنتي الفخورة بنفسها , و الشامخة كسنديانة معمرة ,
تلك كانت شابة وقحة , لم تجد حرجا في الوقوف أمامي بتحد ,
لتخبرني أنها في بيت زوجها , و أنها لن تغادر معي ,
قد يكون أغراها بمركزه أو ماله , أو ربما غرر بها في لحظة ضعف ,
و اضطرت لتصحيح خطئها درءا للفضيحة "
لكن عدراء كانت معارضة و بشدة لافتراضاته هذه المرة
" لا ابنتي ليست طماعة , لن أصدق بعد ألف سنة أنها أغريت بثرائه ,
يا الهي هي لم تكن حتى , تعتمد على ممتلكاتنا في حياتها , لتلجأ الى رجل غريب , حتى ترفع من مكانتها ,
أكيد هناك أمر آخر لا نعرف عنه شيئا , أنا متأكدة عز الدين "
أنهت جملتها بنشيج جديد , و قد عادت دموعها للانهمار مجددا .
برؤية حالها البائسة بدأ عز الدين يربت على ظهرها , لتهدئتها قبل أن يضيف
" اذا كما افترضت قد تكون أخطأت معه , و لم تشأ أن نلومها أو نحتقرها ,
لست متأكدا بقدرك عدراء , و لكن ما أنا واثق منه , أننا سنراها في يوم ما ,
ملك ستعود هنا نادمة على اختيارها الخاطئ , ستطلب الصفح بندم كبير ,
حينها سأجعلها تغادر مجددا , لأننا سنكون ميتين بالنسبة لها "
التمعت عينا المرأة بخوف كبير من صدام مماثل , لكنها لم تقل شيئا معارضا لقراره ,
هي لا يمكنها لومه على كل الاذلال , الذي لحق بهما بسبب ما فعلته ملك ,
و رغم معارضتها لطردها ان هي أتت فعلا , الا أنها أبدا لن تسمح لأحد في الدنيا ,
بأن يهين زوجها حتى لو كانت ابنتهما الوحيدة .
.
.
.
" الزمي أدبك , المرأة التي تهينينها زوجتي , لا أسمح لك بالحط من قدرها ,
اذا أرادت صرف كل ما أملك فسأكون راضيا , و أكرر لا شأن لك بالأمر " .
صرخ علي في وجه المرأة التي يبغض بكل صرامة , قاطعا عليها طريقا أخرى لاهانة ملك .
وقفت أميرة هناك مصدومة لا تصدق أذنيها , و هي تحدق بينهما باحثة عن سر ما يحصل
" كيف تغير هذا الرجل فجأة و أصبح أعمى البصيرة ,
حتى يبقى مع امرأة تتباهى باستغلاله كملك ؟
هل ألقت عليه سحرا أو أنه تحت الابتزاز ؟ "
لكن ما لا تعرفه أميرة , أن ملك خضعت لألف اختبار بدل المائة ,
و نجحت فيها بامتياز و دون استدراك , و الآن ثقة علي بها عمياء , تماما كثقته بنفسه في كل الأمور ،
حتى لو طلبت روحه لن يشكك أبدا في نواياها ، و آخر ما قد يهتم به كلام امرأة حاقدة مثلها .
صمت علي قليلا قبل أن يسترسل بنبرة تهديد
" ما سمعته قبل قليل ، لا أريدك أن تكرريه أمام أحد ، و الا لن أعدك أنني لن أفقد صبري ,
اذا نسيتي سأذكرك أنني متزوج بالفعل , و أنت آخر امرأة أفكر في التعرف عليها ،
و أحذرك لا داعي للذهاب و الاشتكاء لأمي ، تعرفين أنني لا أتأثر بكلام أحد ,
اضافة الى أن والدتي تحب كنتها بالفعل , لذا لا تتوقعي منها أن تقف معك ضدها "
هو يعرفها جيدا ليخمن أنها , ستلعب ورقة صفية في خطوتها القادمة ,
و لم يجد بدا من قطع الطريق عليها , رغم أن مسألة تقدير صفية لملك أمر حقيقي .
و فاجأته أميرة حينما تهدج صوتها لترد عليه
" لكنني أحبك علي , لطالما أحببتك وحدك "
كانت آخر محاولاتها الانتحارية لاغتيال كرامتها , التي لم يهدرها الا هذا الرجل متحجر القلب ,
و التي أثارت شفقة ملك على حالها اليائسة ,
هي لم تجرب يوما أن تحب أحدهم بقوة , و لا يبادلها المشاعر بل و يصدها بطريقة قاسية ,
لكن المشهد الأليم أمامها , يقول أن الأمر معذب حد الموت .
بقدر ما أثارت اعترافاتها انزعاج ملك , بقدر ما أدت كلماتها المترجية , مفعولا عكسيا على علي ,
الذي عبس لما سمعه بشدة , و نهرها دون رحمة مجددا
" يا الهي ألا تفهمين ؟
أنا متزوج و أحب زوجتي حد الموت ,
و حتى لو أننا افترقنا لا سمح الله , لن تكوني يوما مكانها أبدا "
كان صوته ساخطا ثابتا دون ذرة تردد , تملؤه القسوة التي لطالما عرفتها عنه , و التي لم ترها تذوب الا أمام هذه الدمية ,
التي يقف يطوقها بذراعه بكل تملك , و كأنه يخشى أن تتبخر من جانبه .
" ألهذه الدرجة يكرهني ؟ "
تساءلت أميرة بروح معذبة , و ظهرت فجأة نظرة مجروحة في عينيها ,
و كأنها على وشك البكاء بسبب رفضه لها
و هي التي اعتقدت أن السد الذي كان بينهما , قد زال بوفاة مريم , ليتضح أنه يعارض علاقتهما حتى لو كان وحيدا ,
هي كانت لديها فرص أكبر بوجود زوجة عليلة , قد تتمكن من انتزاعه منها يوما ما ,
أما الآن مع امرأة تعادلها في كل شيء , فكفة ملك مرجحة بقوة , بسبب حبه الجارف لها ,
و الذي لا يتورع عن الاعلان عنه جهرا .
في المقابل شعر علي بالرضا , لرؤية يئسها من تجاوبه معها , لأنها فهمت أخيرا أنه لم يحبها و لن يحبها يوما ,
ملك فقط من ستكون في عقد زواجه الأبدي , حتى و لو هجرته لن تحل احداهن مكانها , و لو بعد قرن من الزمان .
بعد ما قاله علي لم تعرف ملك فيما تفكر , و قد زاد تشنجها و ارتباكها برفضه الصريح لأميرة ,
التي دخلت وصلة بكاء تحت أنظارهما , مثيرة شفقة ملك أكثر عليها , و حنقها من قسوة علي المبررة ,
هي تعرف أنه محق في التصرف بحزم اتجاهها , أي لين من طرفه سيمنحها أملا ,
و لو ضئيلا في امكانية ارتباطهما , و سيكون أشد ألما عليها من صده هذا .
رغم نظراتها المتأثرة لم تتدخل ملك , في الجدال الدائر أمامها , لكن بما صرح به الآن , كان واضحا أنه سمع كل كلمة قالتها قبل ظهوره ,
و هي التي اعتقدت أنه جاء متأخرا , على وصلة كذبها الغبية تلك
" لكن هل يعقل أنه فهم قصدها , عن أنه كان مجرد تمثيل , لرد استفزاز أميرة و هو الآن يجاريها ؟
أو أنه يحاول المحافظة على ماء وجهه , و الادعاء أمامها فقط حتى تبتعد عن حياته ؟
ثم سيقوم لاحقا بمحاسبتها على الموضوع "
أصبح فجأة ذهنها مشوشا و أنفاسها متسارعة , و قد أدركت متأخرة أي مأزق زجت بنفسها فيه ,
ما كان عليها أن تلقي , بكل تلك الأكاذيب التي يسهل اكتشافها , و ما كان عليها أن تتدخل لتفريقهما
" ما شأني أنا بمسائله الغرامية الشائكة ؟
و لم تحمست فجأة كحمار بري , للدفاع عنه و كأنه يخصني فعلا ؟ "
بالوصول الى هذه النقطة عبست ملك باستياء , فآخر شيء قد تقبله أن تتحول هذه التمثيلية الزائفة , التي اخترعتها في لحظة طيش , الى حديث من حولهما .
" صفية "
تذكرت ملك أخيرا علاقة والدته بأميرة , يا الهي ستكون في ورطة معها ,
فالمرأة تركبها عفاريت , حينما يذكر هذا الموضوع أمامها ,
ان شمت صفية خبرا عن حملها الكاذب , لن تتوقف قبل أن تكتشف حقيقة الأمر ,
و ستكون حينها عبرة لأميرة , و صديقاتها بعد كشف خداعها .
انغمست ملك في جلد نفسها , و قد جف حلقها و داهمها عرق بارد , متسائلة عن تمكن الآخرين , من الكذب بسهولة دون مشاكل ,
فيما تورطت هي بكل غباء , في فخ نصبته لنفسها ,
و لم تستفق الا و علي يمسك يدها , و يدنو منها ليطل على وجهها الشاحب ,
و قد أجفلتها لمسته , و كأنها نسيت وجوده قربها ,
رفعت ملك رأسها للنظر اليه بعينين شاردتين , لتتفاجأ به قريبا جدا من وجهها ,
حيث كان يبتسم لها بكل دفء , و بدأ يكلمها بكل حنان
" حبيبتي قلت أنك تشتهين الكسكسي ، لنذهب و نشتريه رأيته في الرفوف هناك ,
لا أريد لطفلي أن يعاني من الجوع "
"...."
كاد يغمى على ملك من شدة الاحراج , هذا الرجل مجنون بكل المقاييس , و لا يبدو أنه سيدع هذا يمر بسهولة ,
أما علي الذي وجد فرصته , ليناديها كما يرجوه قلبه دون معارضتها له ,
فقد استدار دون أن يمنح أميرة , فرصة لقول أمر آخر , و أخذ بيد ملك ليبتعدا سريعا ,
تاركين المرأة واقفة مكانها كتمثال متحجر , تكاد تصاب بفالج بسبب الغضب .
لكن الأمر كان نافعا هذه المرة , فقد شعرت باليأس من تغيير الوضع ,
و أدركت أنها ضيعت فرصتها سابقا , و لن تحصل على واحدة أخرى ,
بعدما تأكد لها مما رأته , صدق مشاعرهما اتجاه بعضهما , فهذان الاثنان يبدوان على وفاق تام , و كأنهما في شهر عسل مزمن .
ترقرقت عيناها بدموع حبيسة قهرا , لتتساءل و هي تراقبهما يبتعدان عن نظرها
" هل عليها أن تنتظر أن ينفصلا لاحقا لاعادة المحاولة ؟
و ماذا لو بقيا سويا طوال العمر ؟ "
لم تعرف أميرة فيما تفكر , و لكنها جرت أذيال الخيبة و عادت أدراجها , مكتفية بجرعة الاذلال التي حصلت عليها .
بمجرد أن اختفت أميرة من مجال رؤيتها , توقفت ملك مكانها فجأة , و سحبت يدها من يد علي الذي أطلقها مرغما ,
لكنها لم تجرؤ على النظر في وجهه , ليس بعد كل ما سمعه منها من أكاذيب تخصه .
أدرك علي فورا مدى احراجها , و وقف بكل هدوء ينتظر ما تريد قوله ,
هو يعرف أنها لا تكذب عادة , و لكن عليه الاعتراف أنها أذهلته , بفصاحة لسانها و أجوبتها المفحمة ,
فرغم أن أميرة لعبت على الوتر الحساس بينهما و هو عدم الثقة , الا أن ملك بفراستها تمكنت من اسكاتها ,
و لسوء حظ أميرة أنها وقعت تحت يدها , فلم تكن لها أية فرصة معها للنجاة .
ثقة ملك في نفسها و عقلانيتها المطلقة , في كل ما تقوله و ما تفعله , هي من أهم الصفات التي يحبها علي فيها ,
فهي لا تتردد لقول رأيها , و مجادلة من أمامها بالمنطق , حتى لو كان معاديا و غاضبا ,
يا الهي هي وقفت ندا له , حتى في أوج عداوتهما , غير مبالية بامكانية تأذيها من طرفه ,
و لطالما أفحمته بردودها البليغة , و جعلته يجثو على ركبتيه استسلاما لنقاشاتها ,
هو حتى لا يذكر عدد المرات التي أذعن فيها لطلباتها , فيما يضطر هو لانتهاج الخداع في كل مرة , حتى يقنعها بالامتثال لبعض الأمور البسيطة ,
ادراكه بأنها قوية كفاية , و لا تحتاج حماية من أحد , يضخم فخره بها و حبه لها ,
و يؤكد له في كل مرة صحة اختياره لها , كزوجة تليق به و بمكانتها كأم لأطفاله ,
رغم ذلك هو لا يمانع أن يكون مصدر أمانها , و عزوتها كما حصل قبل قليل , لا شيء في الدنيا يسعده بقدر اعتمادها عليه ,
و لو في مواقف بامكانها الدفاع فيها , عنه و عن نفسها بكل جدارة .
فيما كان علي يحدق ناحيتها بكل استمتاع و فخر , بعدما تحولت فجأة من لبؤة مفترسة , الى قطة ترخي أذنيها خجلا ,
كانت ملك تأخذ أنفاسا عميقة , و تفرك أصابعها توترا محاولة تجميع أفكارها , ثم نطقت أخيرا بصوت هامس
" أنا آسفة لم أقصد الكذب بتلك الطريقة ,
أردت فقط ابعادها عن طريقي "
كان صوتها خافتا يعكس شعورها بالحرج .
لم يقل علي كلمة لبضع دقائق , قبل أن يبتسم و يرد بجرأة
" و ماذا لو أردت أن تصبح هذه الكذبة حقيقة ؟ "
تفاجأت ملك برده الجريء , و رفعت رأسها لتتبين جديته فيما قاله ,
لكن علي أشاح بوجهه سريعا , و تظاهر بمشاهدة أحد المنتجات الغذائية , الموضوعة على الرف بجانبه ,
ثم أضاف بهدوء محاولا تشتيت انتباهها , عن زلة لسانه الحقيقية
" آسف لأنها أزعجتك بسببي , في المرة القادمة تجاهليها و أخبريني "
حدقت اليه ملك بشرود , فهي لم تفهم قصده , مما قاله قبل اعتذاره
" هل يعقل أن ما قاله مجرد مزحة ؟
أو أنه جزء من مشاكساته لارباكها , كما صار يفعل مؤخرا ؟
أو ربما هي مجرد أمنية غالية على قلبه , فهي كانت قريبة جدا من خصوصياته ,
حتى تدرك مدى شوقه للحصول على أطفال غير رنا "
طاف هذا الافتراض عقل ملك , فلا يعقل أنه يريد جعل الكذبة حقيقة , هي لا يمكنها التصرف كزوجة حقيقية ,
مشاركته حياته و إنفاق ماله , كما لا يمكنها إنجاب طفله ,
قد يكون الأمر بسيطا بالنسبة له كرجل , أن ينجب من امرأة دون مشاعر واضحة ,
فالرجال يجيدون الفصل بين العلاقات الروحية و الجسدية , كما سمعت صديقاتها دائما يقلن ,
لكنها مختلفة هي مرأة عاطفية و حساسة , تحتاج أن تحب والد أبنائها ,
قبل أن تنجبهم و تحبهم ,
و هي حتى لا تعرف بم يشعر به , هذا الرجل بخصوصها حاليا , غير ما تستشعره من امتنان و ندم ناحيتها ,
مشاعر جيدة أكيد لكنها غير كافية , للوصول الى نقطة الارتباط الحقيقي , كما يعرفه عقلها و يأمله قلبها .
هي لا يمكنها فرض رجل على قلبها , أو فرض نفسها عليه , فيما يلف مشاعره الغموض , و يلف مشاعرها الاكراه .
بالنسبة لملك يبدو الأمر خياليا , فعلي مجرد رجل كان يحقد عليها و يكرهها ,
صحيح أنهما عقدا هدنة مؤخرا , لكن هذا لا يمحي حقيقة , أن هذا الرجل غير حياتها , أو بالأحرى أوقفها و سرق سنة منها ,
لا يعقل أن تكمل معه و كأن شيئا لم يكن , أو حتى أن تشعر ناحيته بشيء , و إلا سيكون مصيرها الرفض و الاهانة ،
تماما كما حصل قبل قليل مع طليقته , و هي تشعر بعدم الراحة , لمجرد التفكير في الأمر ,
ملك تعرف أن علي مرتاح في قربها فقط , لأنه متأكد أنها لن تحيك الخطط للايقاع به و ملاحقته ,
بمجرد أن تغير طريقها و تقرر الاعجاب به , ستلتحق بقائمة نسائه مكسورات القلوب .
أجفلت ملك و اتسعت عيناها , بعدما أدركت المكان الذي وصلت اليه بتفكيرها ,
و هي لا تعرف حتى , منذ متى صار علي أحد اختياراتها لمستقبلها , حتى تناقش امكانية القبول به أو رفضه ؟
في المقابل كان علي جادا جدا , و قال ما يأمل تحققه منذ مدة , و حرص على مراقبة تماوج تعابيرها , ردا على اعترافه بمكنونات قلبه ,
لكنه شعر بخيبة أمل داهمة , بسبب ملامحها المستنكرة , مما جعله يتراجع كما في كل مرة
يبدو أنه لن يتحلى بالشجاعة أبدا للبوح بمشاعره ,
أو ربما عليه اتباع نصيحة أخته و تركها ترحل , لربما قبلت بمشاعره لاحقا دون ضغط ,
أما الآن فلا يبدو أنها تشعر ناحيته بشيء , و لا يعرف إن قال ما يريده ،
ما الذي ستفكر فيه ملك , و الى أي مدى ستكون ردة فعلها عنيفة ؟
هو يريد مشاعر صادقة من جهتها , لا يريد أن يشعر أنه مفروض عليها , أو أن تعتقد أن عرضه , قد يهدد فرصة مغادرتها من هنا ,
كل ما يريده علي هو علاقة حقيقية برضاها ، و مشاعر متبادلة دون أية حسابات جانبية ,
لكنها خيبت ظنه حينما كررت , منذ أيام طلب اطلاق سراحها ,
و هو لا يعرف الى الآن , كيف يعتذر عن كل الفوضى , التي أدخلها على حياتها بسوء فهمه و تهوره ؟
و لا كيف يعوضها عن كل ما حصل , لذلك التزم الصمت و لم يزد حرفا .
" علي بني ماذا تفعل هنا ؟ "
قطعت فاطمة السكوت المحرج بين الاثنين , و قد استغربت وجوده هنا , بعدما عادت بحثا عن ملك ,
لكن علي رد بكل بساطة
" كنت مارا و أردت القاء نظرة "
رمقته فاطمة بنظرة مستغربة تقول
" أرجوك آخر مكان يمكن أن تمر عليه هو هنا "
لكنها لم تعد تتعجب من أي شيء يفعله , مادامت ملك معنية فكل شيء وارد .
استأذن علي بعدها مباشرة و غادر , دون حتى أن يلقي نطرة مجددا ناحية ملك , التي زادت حيرتها و تشوش ذهنها
" أكيد كان يمزح "
حدثت نفسها و كأنها تطمئنها , و سرعان ما استعادت هدوءها , و استكملت تسوقها برفقة فاطمة .
.
.
.
في المساء عاد علي الى البيت , و كما تعود يسأل أول شيء عن رنا و ملك ,
كانت الاثنتان تقفان في المطبخ , تلبسان مئزرين متماثلين , و تضعان منديلين على رأسيهما ,
و قد بدتا منشغلتين جدا في خبز كعكة ما , مما ذكره بمنظر مماثل تكرر كثيرا مؤخرا .
كانت رنا تقف على كرسي حتى تطال الحوض , يداها مغروستان في العجين , و ملك تقف الى جانبها تعطيها تعليمات ,
كانت كمية الدقيق على ملابسهما , أكثر مما في الوعاء , و واضح أنهما طردتا الخادمات للانفراد بالكعكة المسكينة .
وقف علي قليلا بباب المطبخ , قبل أن يقرر مقاطعة الحملة أمامه
" مساء الخير "
استدارتا ناحيته و ردتا عليه بصوت واحد
" مساء الخير "
" ملك أحتاجك في المكتب حينما تنهين "
بادر علي و هزت ملك رأسها
" أكيد "
بعد ساعة دقت رنا باب المكتب , ثم دخلت و هي تحمل قطعة حلوى , في يدها تتبعها ملك , و وضعتها أمام والدها على المكتب .
رفع علي حاجبه باستغراب , و حدق الى الصحن أمامه , كانت قطعة مقطوعة عشوائيا من الكعكة ,
مطلية بكريمة بطريقة غير متناسقة , و فوقها بعض قطع الفراولة الطازجة .
رفع علي رأسه و حدق ناحية ملك باستنكار , و قد أدرك أنه أول فأر تجارب ستقضيان عليه بكعكتهما ,
لكن قبل أن يقول كلمة واحدة , بادرته هي بابتسامة مصطنعة
" رنا صنعت هذه الحلوى لأول مرة , و تريد منك تذوقها و قول رأيك "
كانت نبرة تهديد بين أسنانها , مع نظرة متحدية تقول
" اعترض و سأقتلك "
ليحدق علي بين ملك و ابنته , التي كانت تشعر بالفخر , لأنها صنعت أول كعكة لها .
بلع الرجل ريقه و تنحنح , فهو لا يحب الحلوى , ثم رمق قطعة الكعك بنظرة حانقة ,
قبل أن يمد يده في صمت تام , و يتذوق ما أمامه بحذر واضح , تحت أنظار رنا المترقبة .
لكن سرعان ما ظهرت ابتسامة رضا على وجهه , وضع شوكته و أشار بعدها للطفلة بأن تقترب ,
ليأخذها في حضنه , و يقبلها قبل أن يبدي رأيه
" لذيذة جدا حبيبتي ,
متأكد من أنك ستكونين , طباخة ماهرة في المستقبل "
ضحكت رنا بسبب الاطراء و سارعت لتوديعهما , و الخروج من المكتب بكل حماس
" سآخذ لخالة فاطمة و عم صالح نصيبهما "
هز علي رأسه و مسح فمه
" صالح المسكين لديه سكري و الكعكة حلوة جدا ,
سيدخل العجوز غيبوبة على يد ابنتي "
تدخلت ملك مجددا لتنهره
" إياك أن تقول ذلك و تكسر بخاطرها , هي أخبرتني أنها ستتدرب على صنعها ,
لأنها تريد اهداءك واحدة في عيد ميلادك ,
لكن أنا لم أخبرك شيئا , هذا سر و عليك أن تتفاجأ حينما تفعل ذلك "
ملك تعرف أنه صريح جدا بانتقادات لاذعة , حينما يبدي رأيه في كل شيء ,
و هي لا تريد أن تحزن رنا بسبب ذلك ,
رغم أنها متأكدة أن هذا المتسلط , يراعي خاطر ابنته استثناءا , لكن لا بأس بتذكيره .
بسماع كلامها عن عيد ميلاده , توقف علي عن الابتسام فجأة , و حدق ناحيتها بجدية فاجأتها
" لم يهدني أحد هدية منذ كنت طفلا "
حدثها بنبرة هامسة و كأنه يفكر بعمق .
هو يحرص طوال عمره , على أن يحصل على ما يحتاجه بنفسه , لا ينتظر هدايا مجانية من أحد ,
بالنسبة له ما يتعب من أجله ، يكون أكثر قيمة و تقديرا , لذلك يقتصر اليوم على تهان , من المقربين منه دون أحداث مميزة ,
هو لا يتذكر حتى متى توقف , عن الحصول على كعكة بشموع فوقها ,
ربما منذ اليوم الذي أدرك فيه أنه لم يعد طفلا , و أنه مسؤول عن أمه و شقيقته الوحيدة , و قد كبر فجأة عن احتفالات الصبيان .
أضاف علي بعد تفكير بسيط
" أنا حتى لا أحتفل بعيد ميلادي "
و هز كتفيه بلامبالاة .
" متى عيد ميلادك ؟ "
سألت ملك بفضول و قد توقعت مسبقا , أن هذا الرجل البارد مختلف عن باقي البشر ,
و أضافت بسخرية و عينيها تلمعان حماسا
" رنا ستهديك الكعكة المطلية , و أنا سأهديك هريسة حلوة "
بدت و كأنها تريد الانتقام منه , بالقاء قنابل سكاكر على رأسه .
توقعت ملك أن يضحك على كلامها , لكنه حدق إليها بنظرة متألمة , و كأنها قالت أمرا محزنا .
صمت علي قليلا قبل أن يجيب بتردد
" عشرون يناير "
تجمدت الابتسامة على وجه ملك , و اتسعت عيناها من الصدمة , و قد فهمت الآن فقط , سبب تلك النظرة المتجهمة على وجهه ,
فهذا نفس تاريخ الحفل الخيري , الذي التقته فيه لأول مرة .
علي لا يحتفل بعيد ميلاده كما أخبرها , لكنه يحرص على تنظيم حفلات خيرية خلاله ,
حتى يبدأ السنة الجديدة من عمره بأمر يفتخر به ,
لكنه لن ينسى أبدا عيد ميلاده الرابع و الثلاثين , و الذي حصل فيه على أجمل هدية في سريره , لكنه طردها و أفسد حياتها بجنونه .
شرد علي و قد استعاد كل تفصيل حصل ليلتها , و لم تفارق عينيه وجه المرأة الجالسة أمامه ,
و الذي علاه الشحوب فجأة , لتشيح بعينيها بعيدا عنه .
التزمت ملك الصمت المربك ، و جلست تحدق الى يديها , فذلك التاريخ أسوء يوم في حياتها , هي لن تستطيع محوه من ذاكرتها مهما حاولت ,
لكنها لم تقل ما يزعجه , فالنظرة المتأسفة في عينيه كانت كافية , و ألم أن يقترن ميلاده بأسوء ذكرياتها كان جارفا .
سرعان ما استعاد علي تركيزه , من تلك الذكريات البغيضة , فتح درج مكتبه و أخرج كيسا ناوله لملك
" تفضلي "
تمالكت ملك نفسها هي الأخرى , ثم مدت يدها و فتحت العلبة
" ما هذا ؟ "
" هاتف من أجلك , وضعت فيه شريحة , بامكانك استخدامه مباشرة "
كان علي قد اشتراه قبل يومين , لكن ما حصل مع أميرة صباحا حفزه لاعطائها اياه .
صمتت ملك لا تعرف ما تقول , و كان علي من تكلم مجددا
" لا أريد أن يتكرر ما حصل في الشركة , أو مع أميرة بأي شكل من الأشكال ,
اعتبريه من أغراض المنزل التي تستخدمينها , بإمكانك تركه لاحقا حينما تغادرين "
قال العبارة الأخيرة همسا , و قد بدا عليه الانزعاج الشديد .
أمسكت ملك الهاتف بين يديها تراقبه , أرادت أن ترفضه كما تعودت ,
لكن ما يقوله علي منطقي , لذلك غيرت استراتيجيتها الى المقايضة
" سآخذه لكن بشرط "
لمعت عينا علي فقد توقع أن تجادله بشراسة , و لا تقبله في النهاية لكنها فاجأته
" أي شيء من أجلك "
و سارع لسماع طلبها الذي فاجأه
" أريدك أن تجهز الأوراق اللازمة , للتنازل عن الارث لرنا "
التزم علي الصمت محاولا اتخاذ قرار مناسب , هو يعرف كم أنها عنيدة , و لا تغير رأيها بسهولة ,
و هو لا يمكنه الاصرار على الرفض ككل مرة ,
لأن ملك ستفعل ذلك في كل الأحوال , بمجرد استعادة أوراق هويتها , و لن يكون له أية كلمة في الموضوع ,
و بالتالي فقد قرر استغلال الأمر حاليا , على الأقل ستأخذ الهاتف منه .
" حسنا سأخبر المحامي لتجهيزها "
ابتهجت ملك و لم تصدق أنه وافق أخيرا
" فعلا ؟ "
هز علي رأسه للتأكيد
" أمممم , الآن أعطني هذا "
أخذ بعدها الهاتف من يدها , و بدأ بالضغط على أزراره
" وضعت هنا رقم البيت , و رقم هاتف رنا و حتى رقم علياء "
أرادت ملك أن تسأله عن رقمه , لكنها خجلت لأنه سيعتقد أنها تتطفل عليه , لكن علي سرعان ما ابتسم و أضاف
" وضعت رقمي الخاص في الاتصالات المستعجلة , اضغطي الرقم واحد و سيتصل بي مباشرة "
ابتسمت ملك له و لم تعلق , و كأن هذا الرجل يقرأ ما يدور في عقلها , دون حتى أن تقوله
" شكرا لك "
" لا بأس على الرحب "
" حسنا اذا لم يكن هناك أمر آخر سأذهب , تصبح على خير "
" تصبحين على خير "
حياها علي و قد شعر بالرضا , لأنها قبلت أخيرا أن تأخذ شيئا منه .
لكن بمجرد أن استدارت تذكرت أمرا هاما , عادت و حدقت فيه بنظرة وجلة قبل أن تسأله
" هل أميرة تلك على علاقة وطيدة بوالدتك ؟ "
قطب علي جبينه بتشوش , فلم يستوعب سبب ذكرها لأميرة الآن , لكنه أجابها بصراحته المعهودة
" أجل هي ابنة أحد أصدقاء والدي رحمه الله المقربين , و والدتي لطالما كانت ممتنة له ,
بسبب مساندته لها خلال أزمتها مع العائلة , تستطيعين أن تقولي أنها تودها كثيرا "
ظهر خوف جلي على ملامح ملك , لم يفهم علي سببه ,
رغم أنه استبعد أن تكون متوترة , من افسادها للعلاقة بينهما , بالذهاب و الشكوى لأمه
" مابك لم تبدين متوترة ؟ "
سألها مباشرة ففي كثير من الأحيان , لا يستطيع اختراق دفاعاتها العقلية ,
و لا يمكنه تخمين فيما تفكر مهما اجتهد , و هذا بالذات ما يكاد يفقده عقله أمامها .
ارتجف صوت ملك و احتقنت وجنتاها , قبل أن تجيبه على استفساره
" هل تعتقد أنها ستوصل لها , الأخبار الكاذبة التي قلتها لها ؟ "
قالت تقصد قصة الحمل الزائف , و عضت على شفتها بعدما استعادت , قلة حيائها المفاجئة هناك في المول .
تحكم علي في ضحكة ساخرة بعناء , فمنظرها المرتبك الآن كان مثيرا للشفقة ,
تنحنح محاولا السيطرة على نفسه , و قرر أن يغيضها بما أنها صارت هوايته المفضلة
" حسنا بمعرفتي بالمرأتين , بامكاني أن أقول أن والدتي , في طريقها الآن الى هنا ,
مصحوبة بحاوية ملابس و لعب أطفال "
ظهرت الصدمة على وجه ملك , التي انفرجت شفتاها برعب واضح ,
أطلق العنان لضحكة عالية من طرف علي , الذي انحنى على مكتبه يقهقه كرجل مخبول ,
عبست ملك و قد أدركت أنه خدعها مجددا , قبل أن يتمالك نفسه , من نوبة ضحكه و يضيف
" حسنا لا تقلقي , هي لن تذهب هناك بعدما قلته لها "
" بغيض "
تذمرت ملك من تصرفه الأرعن , و غادرت هذه المرة دون استئذان , و قد كادت مزحته الثقيلة توقف قلبها ,
لا أحد يعرف مدى تسلط صفية بقدرها , و آخر شيء تريده أن تفتح عينيها صباحا ,
لتجدها ترابط في غرفتها , لتعرف حقيقة ما يجري بينها و بين ولدها .
بدخولها غرفتها تنفست ملك الصعداء , رغم أنها لا تعرف ما يفعله علي , لابقاء والدته بعيدا عن طريقها , الا أنها ممتنة لذلك فهي لا تحب مواجهتها ,
جلست على جانب الفراش , و قلبت الهاتف الجديد بين أصابعها , و كما توقعت جهاز آخر طراز كلفه ثروة , لا يبدو بأن هذا الرجل , يعرف شيئا اسمه بساطة .
تنهدت ملك بتوتر و قد راودتها فكرة , كانت تتهرب منها منذ حصول ما حصل معها , دون أن تملك أسبابا واضحة لفعل ذلك ,
فتحت تطبيق الفايسبوك على شاشتها , و بدأت بعد تردد مضن لدقائق , بادخال معلوماتها الشخصية بأصابع مرتجفة , للاطلاع على صندوق أسرارها الأزرق ,
هي كانت لديها عدة فرص لفعل ذلك سابقا , فرنا لديها هاتف متطور تتركه أمامها دوما , و لوح الكتروني تدرس به ,
هواتف مريم و علياء و حتى علي , التي كان بامكانها استعارتها و القاء نظرة ,
لكنها كانت تشعر بالجبن كلما فكرت , فيما يمكن أن تجده هناك , من مستجدات بعد رحيلها ,
لكن الآن و قد صارت وحدها مع هاتف خاص بها , فقد قررت اتخاذ هذه الخطوة , داعية الله ألا ترى ما لا يرضي قلبها .
.
.
.
مرت نهاية الأسبوع سريعا , أصبح الخريف على الأبواب في أواخر سبتمبر , و لم تتبق الا خمسة أيام على عيد الأضحى ,
كانت رنا قد غادرت السبت صباحا الى رحلتها , و قد حرص علي و ملك على ايصالها الى أمام الباص ,
و رغم أنها توسلت ملك لترافقها , الا أنها رفضت بحزم , معللة أن على الطفلة أن تتمتع , ببعض الاستقلالية بعيدا عمن حولها , و وافقها علي كالعادة ,
و قد عادت الطفلة محملة , بعشرات الذكريات لتحكيها لملك , التي بقيت مستيقظة الى وقت متأخر , حتى تسمع ما لديها من أحداث مثيرة .
بعد الحاح كبير من ملك , سمح لها علي بأن تتنازل عن أسهم الشركة لرنا ,
و أن تنقل الأموال باسمها كما وعدها , الا أنه أقنعها بصعوبة للاحتفاظ ببيت الشاطيء ,
و لم تجد ملك بدا من الموافقة , لأنه سيكون الصلة التي تجمعها بالطفلة من جهة , و اكراما للمرحومة من جهة أخرى ,
قامت بعدها هي بتوقيع الأوراق اللازمة , و تركت الباقي لعلي و المحامي .
شعرت ملك بعدها بارتياح كبير , لم يبق سوى ثلاثة أشهر و تغادر , أكيد لن تستغرق القضية وقتا مطولا أكثر من هذا ,
و رغم أن علي وعدها ببذل جهده لانهائها , الا أن لا أخبار في الأفق .
هي لا تعرف كيف مرت الأشهر التسعة الماضية , و قد حدثت أثناءها الكثير من الأمور ,
ذابت هي في هذا البيت و أحداثه , و أصبحت جزءا منه رغما عنها .
رغم ذلك هي تشتاق كثيرا جدا لوالديها , منذ مكالمة والدتها تلك لم تسمع صوتها ,
أما والدها فمنذ خرج غاضبا من هنا لم تلمح وجهه .
كانت ملك تشعر بالقلق طوال الوقت على صحة والدها , سامي قال في آخر زيارة أنها سيئة ,
لكنها كانت مطمئنة لدرجة ما ,
لأنه لو حصل أمر سيء لا سمح الله , لكان سامي أعلمها فقد وعدها أن يعتني بهما , و هو يحفظ وعوده دائما .
حينما أعطاها علي الهاتف و ولجت الى صفحاتها , حاولت التجسس على صفحتي والديها الشخصيتين على الفايسبوك , لكنهما كانتا غير نشطتين منذ مدة طويلة ,
لم تستغرب ملك الأمر , فهما لم يكونا معجبين بالصفحات الاجتماعية يوما , و أكيد غيابها زاد الأمر سوءا ,
لكنها كانت تحصل على بعض المعلومات العامة , من صفحة المستشفى و الجمعية و نشاطاتهما
و كانت صور والديها القديمة , ما يطفيء لهيب اشتياقها لهما , دون أن تجد الشجاعة لارسال رسالة واحدة لهما .
أما بالنسبة لأصدقائها و معارفها , فهي لم تجد سببا للاتصال بهم , بعد أن رأت كلاما عنها لم يرقها ,
لذلك قررت أنها لن تخبر أحدا , عما حصل معها قبل والديها , وحدهما لديهما الحق في المعرفة , و هي لا تدين لأحد بتفسير
" لكن هل ستقدر على شرح كل ما حصل معها ؟ "
كان السؤال الذي يؤرقها طوال الوقت .
كانت ملك تشتاق أيضا لبيتها عملها و دراستها , هي تعرف بأن العودة الى حياتها السابقة ستكون شاقة جدا ,
لكنها مرت هنا بتجربة لن تنساها , و الأسوء أنها لن تستطيع نسيان من قابلتهم هنا .
" هل سيسمح لها علي بالبقاء , على اتصال بابنته بعد رحيلها ؟ "
رنا أكثر شخص تعلق قلبها به هنا , و لا تعلم كيف ستتعود من دونها لاحقا ,
هي طلبت منه صراحة هذا الأمر سابقا , لكنه لم يعطها جوابا نهائيا , و تركها على الظروف .
كانت ملك محتارة جدا , بين الاستمرار في العلاقة مع هؤلاء , أو قطعها تماما بعد عودتها ,
لكنها تشعر منذ الآن بألم في قلبها , بمجرد أن تتخيل اختفاء رنا و فاطمة , و حتى علي فجأة من حياتها ,
أجل علي رغم أنها تتجنب التفكير فيه , الا أنها بطريقة ما , تشتاق اليه حينما يغيب , و تصبح مهمومة حينما يحزن ,
تحب رؤية ابتسامته الدافئة , حتى أنها صارت تستمتع , بسخريته اللاذعة بطريقة غريبة .
و ما زاد الأمر سوءا في الآونة الأخيرة , الاتصالات الهاتفية المطولة بينهما , و الرسائل الكثيرة التي يحرص علي على ارسالها , حتى أثناء انهماكه بالعمل ,
و التي تبدأ بالقاء السلام , و تنتهي بأحد مقالبه السمجة , أو سخريته التي صارت تمتعها ,
مع الكثير من الوجوه الضاحكة , أمر لم تفعله ملك مع رجل حتى أثناء مراهقتها .
هو حتى يتصل بها من غرفته , كل مساء ليتمنى لها ليلة سعيدة , و قد كان الهاتف الذي أهداها اياه , أكثر نعمة حمد الله عليها .
" هل يعقل أنه التعود ؟ "
سألت ملك نفسها بالتفكير في وضعها الغريب
" هل يمكن أن أعيش دون رؤية , علي و رنا بقية حياتي ؟ "
شعرت ملك باحباط كبير , و لم تعرف بما تجيب تساؤلها .
لم تكن متأكدة مما يجب فعله , لكن ما هي متأكدة منه حاليا ,
أنها اذا عادت و أخبرت والديها الحقيقة , لن يسمحا لعلي برؤية وجهها بقية حياته ,
خاصة والدها الذي كان واضحا كرهه الشديد له , و تحامله عليه أثناء زيارته هنا , و قد كان يعتقد أنه زوجها ,
فما بالك حينما تقول له ما حصل فعلا , أكيد سيحجز في أول رحلة , ليأتي هنا و يخنقه ان هو عرف بالحقيقة .
كانت شكوك ملك كثيرة , لكن الأمر المؤكد الوحيد , هو أنها لن تبقى هنا هذا أمر واقع ,
لكل واحد منهما حياته الخاصة , و علي أكيد سيعيد بناء حياته مع امرأة أخرى ,
لن يبقى أرملا الى آخر عمره , ليس وصف طويل من النساء المناسبات تنتظرن اشارة منه ,
و اذا كانت مريم المرحومة طيبة كفاية لتقبلها , هي متأكدة أن أية امرأة أخرى , ستشترط خروجها من هنا قبل مجيئها ,
و لسبب مجهول يثير الأمر زوبعة داخل قلبها , تحاول تجاهلها طوال الوقت .
.
.
رغم تخبط أفكارها , كانت ملك تعيش يومياتها , بصفة عادية كفرد من هذه العائلة , علي صار مراعيا جدا لدرجة ادهاشها , تصرفاته مختلفة و حنونة , لا يرد لها طلبا مهما كان نوعه ,
و لولا الوضعية الغريبة التي يعيشانها , لاعتقدت أنه مغرم بها ,
لكنها شبه متأكدة أنه يحاول التعويض , عما حصل بينهما بطريقته الخاصة ,
هي ليست غبية بامكانها رؤية , الشعور بالذنب العارم في كلماته و عينيه ,
و هي تحاول جاهدة ألا تصعب الأمر عليه , فلسبب ما ألمه يؤلمها , رغم أنها الضحية هنا .
رنا كالعادة تشتاق لوالدتها من وقت الى آخر , اصطحبها علي مع ملك الى قبرها بعد عيد الأضحى , الذي مر كئيبا جدا ,
غير النحر و التهاني لا شيء مميز , و قد فارقتهم مريم دون رجعة
يومها بكتا لساعات قبل أن تعودا الى حالتهما الطبيعية , متسببتين بأزمة نفسية لعلي .
لكن لحسن الحظ أن الأطفال ينسون بسهولة , و من السهل تشتيت انتباههم ,
كما أن لا أحد يدع لها , وقت فراغ حتى تكتئب و تحزن , فهي تلتصق بملك كظلها و ترافقها أينما تذهب
" المدرسة , الطبيبة النفسية , التسوق "
مخففة بذلك الحمل عن والدها , الذي يختفي من وقت الى آخر بسبب انشغاله .
أما علي فقد قرر أخذ الأمور بروية , ملك صارت تثق به مؤخرا , و قد قالت أنها لم تعد تكرهه بلسانها ,
لذلك سيعطي مشاعرها مزيدا , من الوقت و التحفيز حتى تبادله اياها ,
هو يعرف أنه أخلف وعده لها , باطلاق سراحها بمجرد تبرئتها ,
و يعرف أنه أخلف وعده لنفسه , بالتوقف عن التسبب بالألم لها , الا أنه يقبل بأي عقاب مقابل ألا تتركه الآن .
.
.
.
في صباح السبت كعادتها , رافقت ملك رنا لحل وظائفها , استعدادا لزيارة طبيبتها النفسية في الرابعة ,
مؤخرا أصبحت المراجعات أقل عددا , لأن رنا تتعافى بسرعة , و لم تعد تختلف عن أي طفل في سنها .
قرر علي ايصالهما الى العيادة , قبل الذهاب الى الشركة ,
رغم أنها نهاية الأسبوع , الا أنه لا يطيق البقاء وحده , في المنزل دون وجود ملك و رنا ,
و طلب من ابراهيم أن يستعيدهما في السادسة .
في المكتب كان كريم غارقا في أوراقه , حينما فتح باب مكتبه فجأة , و ظهرت أمامه أسيل بملامح جد غاضبة
" هل هذه نتيجة ثقتي بك أن تخونني يا كريم ؟ "
صرخت في وجهه لدرجة أجفله فيها صوتها .
ذهل كريم لما سمعه , عن أية خيانة تتحدث ؟ و تجهم وجهه ليبادرها
" ما بك أسيل عما تتحدثين ؟ "
لكن اجابتها كانت أكثر غرابة , و تحمل اتهاما لا يقبل الفصال
" عن علاقتك الغرامية بتلك المهندسة , أو أنك كنت تعتقد أنني لن أعرف بالأمر ؟ "
وقف كريم من مكانه و اتجه ناحيتها بملامح شاحبة
" عن أية مهندسة تتحدثين ؟ "
كان يسألها و هو يراقب ملامحها , و أجابت هي بنبرة باكية
" تلك المرأة المدعوة ليديا , هل ستنكر ؟ "
كز كريم على أسنانه , و مرر يده على شعره
" تبا "
" يا الهي اذا أنت لا تنكر أمر علاقتك بها ؟ "
صرخت أسيل في وجهه , و بدأت بالبكاء بالفعل
" ليست هناك أية علاقة بيننا , هي مجرد شخص أعرفه من خلال عملي "
حدثها كريم بهدوئه المعتاد , محاولا نفي التهمة عنه .
لكنها كانت مصرة جدا
" فعلا ؟ لكنها لا تتوقف عن التحدث عنك و التغزل بك ,
هي حتى أخبرتني أنها معجبة بك كثيرا "
ردت أسيل مستهجنة , لكن كريم سارع لنفي الأمر مجددا
" هي حرة في مشاعرها , لكن أنا لا أحبها أنا أحبك أنت "
زادت نرفزة أسيل بانكار كريم
" لكنها أرتني صورا لكما وحدكما , تتناولان الطعام في مطعم منذ شهر , و قالت أنك دعوتها على العشاء "
و أنكر كريم مرة أخرى
" يا الهي هي تكذب , المرة الوحيدة التي أكلنا فيها سويا , كانت أثناء مؤتمر اقتصادي ,
و كنا أول الواصلين فقط , لم نكن وحدنا حتى علي كان هناك ,
ثم هي كانت رئيسة الفريق الهندسي , لذلك كانت متواجدة معنا "
" اذا أنت لا تنكر معرفتك المقربة بها ؟ "
كان كل ما سمعته مما قاله , مما أثار حنق كريم
" أسيل كفي عن الجنون نحن لسنا مقربين , علاقتنا مهنية بحتة , لأنها أشرفت على بعض مشاريعنا لا أكثر ,
أنا حتى لا أعرف شيئا عن الصور التي تتحدثين عنها "
حاول كريم أن يمد يده و يحتضنها لتهدئتها , لكنها تراجعت خطوة الى الوراء , حدقت اليه بغضب و وضعت هاتفها في وجهه
" اذا لم تكن على علاقة معها , لم تتصل بها يوميا اذا ؟ "
و أرته صورا لسجل اتصالات من هاتف لا يعرفه , كان رقمه مدونا هناك مرارا
" من أين أتى هذا ؟ "
سأل الرجل بدهشة و أجابت أسيل بثقة
" سمعتها تتحدث اليك و أردت التأكد بنفسي , استعرت هاتفها للاتصال و وجدت كل هذا "
"....."
صدم كريم لطريقة التحري الغريبة من العلقة , يبدو بأنه أعداها بوسوسته .
أمام صمته المطبق استأنفت أسيل هجومها
" ماذا هل ستنكر مجددا ؟ "
أخذ كريم نفسا عميقا و قرر قول الحقيقة , كذبه عليها أهون من تهمة خيانة
" أنا أتصل بها يوميا لأطمئن عليك و أعرف أخبار تدريبك "
صمتت أسيل فجأة و قد فاجأها ما قاله
" هل تراقبني ؟ "
و سارع كريم للتصحيح معترفا بالحقيقة
" طبعا لا , لكن ليديا كانت الشخص , الذي أوصيته للاعتناء بك ,
لا أريدك أن تسيئي الفهم "
" يا الهي كريم هذا أسوء , ألم تعدني أنك لن تتدخل في تدريبي ؟
هل تعلم تلك المرأة أنني خطيبتك ؟ "
" لا لم أخبرها , هي تعتقد أنك من معارفي فقط "
" جميل جدا سيد كريم , الآن أنت تشعر بالخجل لارتباطك بي ؟ "
بدأ كريم بالغضب لسماعه الاتهام
" أكيد ليس كذلك , أنا لم أخبرها حتى لا تكون هناك , محاباة لك من طرفها كما طلبت "
ضحكت أسيل بسخرية على تصريحه
" و هي تعتقد أنني مجرد معرفة لك , لذلك تحاول الوصول اليك عن طريقي ,
يا الهي أصبحت فجأة وسيطة لغراميات خطيبي "
عبس كريم بشدة
" قلت بأن الأمر ليس كذلك , كفي عن البكاء "
مد كريم يده مجددا لترضيتها , أكثر شيء يمقته رؤية دموعها , لكن أسيل لم تسمح له بلمسها , و تراجعت الى الوراء مجددا قبل أن تضيف
" أنا أخاصمك منذ الآن , لا أريد أن أسمع صوتك , و لا أن أرى وجهك ,
أنت خيبت ظني و كذبت علي , و سأفكر مجددا في علاقتنا هذه "
و ركضت خارجة من المكتب .
في الباب ارتطمت بعلي , الذي سمع الجدال من مكتبه و أتى ليلقي نظرة , بما أنه لا يوجد غيره هو و كريم هنا
" مرحبا أسيل "
ألقى التحية عليها , و ردتها هي على عجل دون أن تتوقف
" مرحبا "
" ماذا هناك ؟ "
سأل صديقه باستغراب , فقد بدا حالها سيئا جدا , مسح هذا الأخير وجهه بيديه , بطريقة يائسة و رد بجدية
" تعتقد أنني أخونها "
"....."
صمت علي لبعض اللحظات , قبل أن يبدأ بالضحك بصوت عال استفز كريم
" أيها المجنون , ألم تخبرها أننا نلقبك بأبي الهول بسبب وحدتك ؟
و أن الجميع كان يعتقدك شاذا لأنك لا تحب النساء ؟ "
رمقه كريم بنظرة حاقدة , و توقف علي عن سخريته ليسأله مجددا
" هل هي جادة ؟ "
" أجل اتضح أن تلك المهندسة ليديا , أخبرتها أنها معجبة بي و أن بيننا علاقة , دون أن تدرك أنها خطيبتي , و هي تصدق كلامها كما ترى "
" ألم تنف الأمر ؟ "
" بلى و هذا أسوء , لأنني اضطررت أن أخبرها حقيقة توسطي لتدريبها ,
مما أغضبها أكثر و الآن هي تخاصمني "
حاول علي اخفاء ضحكته دون جدوى , فملامح كريم اليائسة بمليون دولار , لكنه حاول مواساته بتعقل
" لا بأس دعها و شأنها الآن , أي نقاش حاليا سيزيد استياءها ,
تحدثا بهدوء لاحقا متأكد من أنها ستتفهم , و لا تنس أنك من أخلف بوعده لها "
لم يجد كريم غير اتباع نصيحة صديقه , في النهاية هو أكثر خبرة منه في النساء , رغم أن هذا المأزق كان من أفكاره الخارقة .
.
.
.
حينما انتهت الجلسة في العيادة , كان الظلام قد حل , فقد تجاوزت الساعة السادسة مساءا ,
نزلت ملك و رنا الى السيارة للعودة الى البيت , و بمجرد أن ركبتا قام ابراهيم بتشغيل المحرك ,
لكنه فوجئ بأحدهم يدق عليه زجاج النافذة , ليخبره أن العجلة اليمنى نائمة .
نزل ابراهيم مجددا لتفقد الأمر , فيما كانت ملك و رنا تراجعان كتابا ,
فجأة و دون سابق انذار , قام الرجل الذي رافق ابراهيم , بمغافلته و ضربه على رأسه , بعصا غليضة يحملها في يده , بمجرد أن أصبحا قريبين من العجلة المقصودة .
فزعت ملك و رنا من المشهد العنيف و صرختا بفزع , فقد سقط ابراهيم أرضا , غارقا في دمائه التي نزفت من رأسه , بدا و كأنه فارق الحياة فورا , فلم يكن يحرك ساكنا .
جفلت ملك التي ضمت الطفلة الى صدرها لثوان , لكنها لم تفقد تركيزها كلية , فلم تكن أول مرة ترى فيها مصابا مكسوا بالدماء ,
راقبت بعينيها المصدومتين الشاب الذي هاجمه , و الذي استدار بسرعة يريد أخذ مكان السائق .
و لحسن الحظ كانت ردة فعلها سريعة , قامت من مكانها وسط صراخ رنا , ارتمت على لوحة المفاتيح , و ضغطت زر اقفال الأبواب من الداخل .
بمجرد أن أدرك الشاب المعتدي , أنه لا يستطيع فتح السيارة , بدأ بالضرب على النافذة و الباب بشدة , و هو يكيل الشتائم و الكلام البذيء لملك
" أنت أيتها الحقيرة , افتحي أو سأحطم السيارة على رأسك "
كانت لغته العربية ركيكة , مخلوطة مع كلمات أجنبية .
لكن ملك تجاهلت تهديده , هي تعلم إن هي فتحت الباب , فستكون مع الطفلة في خطر محقق ,
لذلك بدل تلبية طلبه , قفزت الى الكرسي الأمامي , و أدارت المحرك و انطلقت بالسيارة ,
و في اللحظة التي رفع فيها , الشاب عصاه لتكسير الزجاج , كانت السيارة تسير بسرعة جنونية مبتعدة عن المكان .
فيما كانت ملك تحاول الفرار , كانت رنا تختبيء تحت المقاعد الخلفية , تضع يديها على أذنيها و تبكي من الخوف .
قادت ملك أمامها مباشرة , و هي تراقب الشاب الذي تركته خلفها في المرآة , و قد استدعى سيارة أخرى من مدخل الشارع , كان فيها شابين آخرين , و بدأوا في مطاردتهما باصرار .
بإدراك الأمر صارت ملك هي الأخرى خائفة بشدة , المعتدون كانوا مجموعة و هي لا تعلم ما الذي يريده هؤلاء منهما , سرقة اختطاف أو مجرد اعتداء , لكن كل الاحتمالات كانت مخيفة .
كانت ملك تقود بتوتر شديد , لم تكن مشكلتها في قيادة السيارة , لكن في الاتجاه الذي تسلكه ,
صحيح هي أتت مرارا مع رنا الى هنا , و لكن في كل مرة بصحبة السائق , هي لا تحفظ الشوارع و الأحياء , و العمارات هنا تبدو كلها متشابهة .
خاصة أن العيادة تقع في حي , شيد مؤخرا على أطراف المدينة , و علي اختار هذه العيادة بالذات , لأنها بعيدة عن الأعين المتطفلة , حفاظا على خصوصية حالة ابنته .
حاولت ملك تشغيل الجي بي أس , لكن سرعتها كانت تنقص بسبب تركيزها عليه ,
اضافة الى أنها لم تكن تسمع جيدا , ما الذي يقوله الجهاز من تعليمات , بسبب بكاء رنا المتواصل ,
لذلك تخلت عن الأمر ، و قررت قيادة السيارة الى أن تجد منفذا مناسبا .
كان الظلام قد حل بالفعل , و ملك كانت تقود دون ادراك منها الى أزقة فارغة , بدل العودة الى وسط المدينة ,
و قد صارت شبه متأكدة ، أن هذه محاولة اختطاف مخطط لها ، و هؤلاء يريدونهما أحياء بأي ثمن ، لا أحد يطارد هكذا من أجل مجرد سرقة .
طاردت سيارة المشبوهين سيارة ملك دون توقف , و كادت أن تدركها في مرات عديدة , لولا أنها دخلت في كل شارع قابلها , و كان خوف رنا يزداد , كل لحظة و مع كل التفافة .
حاولت ملك السيطرة على الأمر , و تهدئتها بتشتيت انتباهها
" رنا حبيبتي , هل ترين حقيبتي هناك ؟ "
" أممم "
أجابت الطفلة بصوت مرتجف خافت .
" حسنا حبيبتي أريدك أن تفتحيها و تخرجي هاتفي , علينا الاتصال بوالدك "
بعد تردد لدقائق , مدت الطفلة يدها و أخرجت الهاتف كما طلب منها
" برافو حبيبتي أنت فتاة شجاعة ,
الآن أريدك أن تقفزي الى الكرسي , الذي بجانبي لنتصل على بابا , اتفقنا ؟ "
كانت ملك تحاول اقناعها بالتعاون , و بعد الحاح لعدة مرات , نفذت الطفلة ما طلبته بصعوبة , انتقلت بعدها الى الكرسي الأمامي , و اتصلت بعلي بتوجيه منها .
بمجرد أن انفتح الخط , تحدثت بصوت باك و مرتعب
" بابا هناك أشرار يطاردوننا , أنا خائفة جدا "
أصيب علي بالهلع قام من مكانه , و حدق ناحية كريم بصدمة
" رنا حبيبتي أين أنت ؟ أين ملك ؟
من هؤلاء الذين يطاردونكم ؟ "
لم يفهم علي كلمة أكثر مما سمعه , كانت هناك أصوات كثيرة , في الخلفية مع بكاء ابنته , مما زاد في رعبه
بعدها كان كل ما أضافته رنا هو مكان تواجدهما
" أنا و ماما ملك في السيارة "
أخذت بعدها ملك الهاتف منها و سارعت للتحدث , اذا كان هناك شخص واحد , بإمكانه انقاذهما من هنا فسيكون علي
" ألو علي هناك من يطاردنا ,
اعتدوا على ابراهيم , و أنا الآن من يقود , لكنني لا أعرف أين نحن "
زاد ذعر علي بسماع ما قالته ملك , هو لم يسمع نبرتها الخائفة هذه مسبقا , مما يشير الى خطورة الموقف .
" اهدئي حبيبتي أنا سأتصرف "
خرجت الكلمة من فمه دون وعي , فخوفه على ملك لا يقل عن خوفه على رنا ,
لكن قبل أن يستفسر عن تفاصيل أخرى , سمع صرخة مدوية من الطرف الآخر , و انقطع بعدها الخط مباشرة .
بمجرد أن دوت الرنة في أذني علي , حتى كاد يفقد صوابه , و صرخ بصوت مفجوع
" ألو ملك أجيبيني , ألو ما الذي حدث ؟ "
لكن الخط كان ميتا من الطرف الآخر .
😘💞💞
...... |