عرض مشاركة واحدة
قديم 23-01-21, 10:26 PM   #138

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

أوقف يامن سيارته التي استأجرها ليستطيع الحركة كيفما يريد على جانب الطريق في منتصف الحي القديم.. لقد وصل إليه بعد بحث لمدة ثلاث ساعات خاصة وهو يجهل المنطقة بالتحديد.. إلى أن وجد اسمه على لوحة مميزة بعد أن تتبع وصف شاب عن مكانه تحديدا..
ترجل من السيارة ليجد نفسه يقف بمنتصف ذلك الحي البسيط الذي ما زال يحتفظ بعراقته رغم التمدن الممتد من حوله.. كان يشعر بالحيرة والتشتت ولا يعرف من أين يبدأ بحثه أو كيف.. من يسأل وعن من بالضبط.. تنفس بعمق هامسا "سامحكِ الله يا أمي ما ذنبي فيما فعله لتعاقبيني على غلطته"..
وجد قهوة عريقة يجلس عليها أناس يبدو عليهم البساطة يتحدثون سوياً بمحبة.. تقدم قليلاً يوقف الشاب العامل بالقهوة؛ بالتأكيد هو يعرف الكثير عن الحي قائلاً بارتباك "مرحباً أنا غريب عن هنا واحتاج أن أسألك عن شخص ما.. إن سمحت لي؟"
أجاب الشاب بطيبة ورغبة حقيقية في تقديم المساعدة "بالطبع أنا أعرف الجميع هنا"
ابتسم يامن وقد عرف أنه وجد الشخص المناسب لمساعدته "اسمها حياة محمد"
صمت الشاب طويلاً ليقول بأسى لعدم معرفته أو قدرته على تقديم المساعدة "لا يوجد أحد يسكن هنا بهذا الاسم"
ملأ الإحباط نفس يامن قائلاً وهو يربت على كتف الشاب بامتنان "شكراً لك"
ما إن التفت ليغادر حتى أوقفه الشاب بلهفة "انتظر تذكرت أتت واحدة بهذا الاسم منذ أسبوع أو أكثر تقريباً تسأل عن كابتن ماهر عبد الرحمن.. أعتقد أنه هو من يستطيع مساعدتك"
تجعد جبينه باستغراب متسائلاً "ماهر عبد الرحمن لاعب الكرة"
أومأ الشاب إيجاباً ليسأله يامن بلهفة " كيف أصل إليه؟"
هم الشاب أن يجيبه قبل أن يعبس بقلق هامساً بخفوت "آنسة يقين!"
وتركه بخطوات سريعة.. نظر يامن إلى ما جذب انتباه الشاب بعدما ضربه الاسم في مقتل.. لتتسع عيناه بذهول ويتخبط قلبه بفرح لم يستطع السيطرة عليه.. وكيف يسيطر عليه وقد رأى سلامه الذي حرم منه الفترة الماضية.. بينما عقله نشط متسائلاً ما الذي تفعله جنيته هنا.. أخذته قدماه طواعية إليها ليكتشف كلما اقترب منها أنها تستند على سيارة بيضاء خلفها بإعياء.. سمعها تطمئن الشاب بصوتها العذب "أنا بخير أحمد لا تقلق هكذا"
في تلك الأثناء وقبل أن يتثنى له أن يعلن عن وجوده.. وصل إليهم رجل عجوز طاغي الهيبة ليسأل بصوته الوقور "هل أنتِ بخير بنيتي؟"
تقدمت منه مجيبة برقة "نعم عمو بخير؛ بعض الإجهاد وعندما أعود للمنزل سأحصل على قسط من الراحة"
رد الرجل الكبير بلطف أمر "سأبعث أحمد معكِ حتى اطمئن أنكِ وصلتِ سالمة"
اعترضت يقين قائلة بلين "معي سيارتي لا تقلق"
عندما هم الرجل بالحديث ثانية ليتدخل يامن الذي وقف يتشرب رقتها الخلابة بتلهف قائلاً بهدوء "بإمكاني إيصالكِ بطريقي"
نظر له الرجل الكبير بتدقيق "عذراً هل أعرفك بني؟"
نظر له يامن بارتباك ويقين تنظر له بمفاجأة وقلب مضطرب.. وهي لا تستوعب من أين خرج صوته وكيف ظهر من العدم هكذا.. والأهم ما الذي يفعله بحيهم لو كان أحد قاطنيه لكانت عرفته ولكنها متأكدة أنه غريب عن المنطقة.. ومما أكد لها حدسها سؤال صاحب القهوة ذلك الرجل الذي يحتل مكانة كبيرة عندها.. لتقول بصوت ثابت واثق وقد استعادت ثباتها رداً على سؤال العجوز "أنا أعرفه عمو إنه صديق -أردفت وهي تنظر ليامن بدهشة- لا عليك لا أريد أن أتعبك"
هز رأسه وهو يقول بحنان "ليس هناك تعب على الإطلاق.. تفضلِي"
فتحت باب سيارتها لتأخذ أغراضها من داخلها وتغلقها جيداً.. ثم ذهبت معه بعد أن طمأنت قلق الرجل عجوز.. عندما بدأت السيارة بالتحرك همست يقين بامتنان "شكراً لك لم أكن لأستطيع القيادة بأي حال.. فقد كنت أشعر بالدوار"
نخزه قلبه لمرضها فأجاب بابتسامة صغيرة "لا عليكِ ليس بالأمر الكبير فقط أخبريني بعنوانكِ"
أملت عليه العنوان وهي تخرج هاتفها تجري اتصال لأكثر من مرة.. سأل باهتمام "أهناك ما يزعجكِ؟"
هزت رأسها نفياً قائلة بإحباط "هاتف بابا مغلق لا أستطيع الاتصال به؛ سأجرب الاتصال بعمي قد يكون بجواره"
ابتسم لها بتشجيع وهي تجرى الاتصال الثاني لتجيب بعد فترة "صباح الورد عمو، هل بابا بجوارك.. صمتت تستمع للرد لتقول برقة وابتسامة صغيرة زينت محياها.. لهذا السبب لا يجيب؛ لقد كنت بالحي القديم وشعرت بالدوار -ثم خفت صوتها وهي تجيب بخجل- لقد عرض علي شاب أعرفه أن يوصلني ونحن قادمان"
وضعت الهاتف قائلة بخفوت شديد "بابا يريد مقابلتك ليشكرك بنفسه"
ابتسم لها بلطف مجيباً بهدوء "حسناً لقد اقتربنا على كل حال"
نظرت من حولها قائلة "نعم ها هو المنزل هناك.. هل تسكن بالحي؟"
هز رأسه قائلاً بصراحة "كلا لقد كنت أبحث عن أحدهم"
ردت باهتمام روت به بعض من ظمأ روحه "أخبرني من هو.. أنا أعرف الجميع هناك أستطيع مساعدتك"
هز رأسه نفياً قائلاً "لن تعرفيه إنه لا يقيم بالحي.. بالمناسبة كيف تعرفين من بالحي؟"
أجابته برقة وفخر رآه في كلماتها "والدي وُلد وتربى هناك ورغم أنه انتقل بعد زواجه من الحي.. إلا أنه ظل على تواصل مع الجميع هناك وكذلك نحن"
هما أن يسألها عن ماهية هؤلاء النحن ولكنهما كانا وصلا إلى المنزل ليدلف بسيارته إلى المدخل.. وهو يتأمل الواجهة الأنيقة والبساطة الشديدة التي يتميز بها فأعطته دفئاً خاصاً..
وجدت خالد بانتظارها بالقرب من البوابة وبالداخل كان يجلس ماهر بمفرده.. نزلت من السيارة سريعاً لتسرع إلى والدها تلقي نفسها بين ذراعيه قائلة بهدوء "أنا بخير بابا لا تقلق.. دوار بسيط"
أخرجها خالد من بين ذراعيه وهو يضع يده على وجنتها متسائلاً بلهفة قلقة "بما تشعرين؟ هل آخذك للطبيب؟"
حركت رأسهاً نفيا بحركة سريعة وهي تستطيل مقبلة وجنته "سأخبر عمتي لمار بابا.. لا تقلق"
ضمها خالد إليه وهو ينظر بتقييم ليامن المأخوذ كلياً بصورة الأب وابنته..
أب.. والدها هو خالد يزيد أمه كانت من أشد المعجبين به وبكابتن ماهر كانت لا تفوتها مباراة لهما.. أخذ نفس عميق وهو يتلقف يد خالد التي امتدت لتصافحه وهو يقول بامتنان رغم تأمله الدقيق له.. يريد أن يعرف من ذلك الذي سمحت له ابنته بالتعامل معها بهذه الألفة "شكراً على إيصالها بني"
صافحه يامن وهو يشعر بدفء غريب امتلأ به صدره من تأمل ملامح والدها المطمئنة مجيباً باحترام "لم أفعل غير واجبي عمي"
ابتسم خالد بهدوء قائلاً بجدية "تفضل لأستطيع شكرك كما يجب"
هز يامن رأسه بنفي وهم أن يعترض وهو يختلس نظرة لتلك المختبئة في حضن والدها تنتظر بترقب.. ولكن خالد أحبط اعتراضه قائلاً بجدية "لن أقبل منك بأي رفض أبداً"
تقدم خالد وهو يحتضن ابنته وتبعه يامن إلى مقاعد معدة كجلسة تحت أشعة الشمس الدافئة في حديقة خضراء مزينة بعناية.. تركت يقين ذراع والدها لتهرع إلى هذا المهيب بطلته الأسرة وملامحه الوقورة لتحتضنه بقوة وهو يسألها بقلق وتجيب بحنان مزيلة قلقه..
شكر حظه وهو يتعرف على ماهر بإمكانه الآن أن يسأله إن كان يعرف والدته.. يبدو أن اليوم يوم سعده أو ربما حظه يبتسم له بسبب جنيته.. انتبه إليه ماهر ليرحب به بهدوء ويدعوه للجلوس.. شيء ما بالمكان أشعره أنه ببيته إحساس غريب تسرب إليه جعله يعقد حاجبه بغرابة.. وقفت يقين قائلة "ماذا تشرب؟"
رد سريعاً "لا شكراً لكِ أنا سأغادر الآن لدي عمل هام"
رد ماهر باستنكار "هذا لا يجوز وليس لائق أن تزورنا للمرة الأولى ولا تشرب شيئاً"
نظر نحوه يامن بتقدير قائلاً باحترام وارتباك طفيف "مرة أخرى إن شاء الله ولكن هل أستطيع أن أسألك عن شيء ما؟"
رد ماهر بطيبة "بالطبع سل ما شئت"
تردد يامن بالسؤال مجيبا بالحرج وهو ينظر بعيداً عن عيني ماهر الثاقبتين "لقد كنت بالحي أبحث عن شخص ما ودلوني عليك.. أخبروني أنك تستطيع أن تصلني به"
اعتدل ماهر بجلسته وهو يسأل باهتمام "من هو؟ أخبرني"
تعثر الاسم على شفتيه يشعر بحرج بالغ وهو يسأل عن أمه والتي لا يعرف عنها شيئاً.. فرك كفيه بعصبية.. كيف يقابل الرجل للمرة الأولى في حياته ويسأله عن والدته.. يا ترى كيف سيفكر به ولكنه مضطر ما باليد حيلة.. وقبل أن يخرج الاسم من شفتيه سمع اسمه بنبرة مألوفة مصدومة..
استدار واقفاً بذهول عارم ينظر إلى والدته تقف أمامه بجلباب منزلي مريح همس بصدمة وهو يتقدم منها "ماما!"
وقف خالد وماهر ينظرون لحياة تختفي بين ذراعي الشاب القويتين بدهشة ولفظ ماما يحوم حولهم بعدم فهم.. عبس ماهر مفكرا إذا كان لديها ابن لماذا لم تخبره؟ ماذا تخفين خلفكِ يا حياة؟ ولماذا عدتِ بهذا الوقت؟ أسئلة كثيرة كانت تطوف بعقله خاصة أنها منذ عادت لم تفعل شيء غير البكاء والاعتذار.. ولم يستطع الحديث معها بعقلانية..
بينما يقين شعرت بتشتت رهيب وهي تكتشف أن الطيف الذي يزورها مرة بالعام هو نفسه ابن عمتها.. أخرجها يامن من بين ذراعيه وهو يسأل بعتاب "ماما كيف تفعلين بي هذا؟"
همست حياة بفرح "لقد بحثت عني؟!"
زفر يامن بحنق وهو يجيب بجفاف "بالطبع ماما بحثت عنكِ ولكن ما تفعلينه الآن هو محض هراء ولعب أطفال"
تقدم ماهر ووقف بجوار حياة يضع يده على كتفها بحماية قائلاً بصوت مرح "تأدب أيها الشاب.. كيف تتحدث مع والدتك بهذه الطريقة؟"
رمق يامن يد ماهر بغضب حارق قائلاً بصوت خفيض حاد "عذراً ولكن من أنت؟"
لمعت المشاكسة بعين ماهر قائلاً بغضب مفتعل "تهذب يا ولد.. كيف تتحدث مع الأكبر منك بهذه الطريقة"
شعر يامن بالارتباك وهو ينظر إلى والدته التي ابتسمت برقة متقبلة يد ماهر عليها.. وصوت خالد يعلو قائلاً بمرح "توقف يا ماهر يبدو أن حياة لم تخبره أي شيء عنا"
نظرت حياة إلى خالد الذي حثها قائلاً "ألن تعرفِي ابنكِ بعائلته حياة؟؟"
تلجلجت حياة شاعرة بالاضطراب اشتدت يد ماهر حولها هامساً ببرود "ألن تعرفيه بعائلته التي حُرم منها وحُرمت منه؟!"
نقل يامن نظره بينهم لتلتقي عينيه بيقين التي ابتسمت له بدفء.. وخالد يضع ذراعه حوله بحنو قائلاً بهدوء "هذا يكون ماهر ابن خال والدتك وأخوها بالرضاع بمعنى أنه خالك.. وبما إني بمثابة أخيها فأنا أيضاً خالك"
نظر يامن لوالدته بذهول يخيم على قلبه وعقله.. ما عرفه الآن صاعقة هدت أمن واستقرار حياته التي سعى إليها طويلاً.. كيف يكون لها عائلة وتخفيها عنه.. بل الأدهى لديها أخ ولم تلجأ إليه عندما كان يعاملها بتلك الطريقة المهينة.. هذا ما كان يقصده والده أنها نبذت عائلتها لأجله.. اشتدت ذراع خالد حوله حينما همس بغضب "كيف تخفين عني هذا الأمر؟"
حينها تركها ماهر ووقف أمامه يشد على كتفه بحنو مجيباً بصوت حازم "كيف؟ ومتى؟ وماذا حدث؟ هذا كان في الماضي ونحن الآن بالحاضر.. انسى ما حدث لأنه يخصنا نحن"
نظر له يامن بضياع هامساً بصوت خافت "ولكن هذا أثر على حياتي"
جذبه ماهر يضمه بين ذراعيه مربتاً على كتفه بقوة.. مفضلاً الصمت وهو لا يفهم أبعاد حياة الفتى بعد.. استكان يامن شاعراً بالدفء بين حضن ماهر.. أخذ نفساً عميقاً مشبعاً برائحة لم يستنشقها قبلاً.. ربت خالد على كتفه قائلاً بمزاح "ابتعد ماهر واتركه لي قليلاً.. أنا خاله أيضاً"
ابتعد عنه ماهر ليحتضنه خالد بحنان بين ذراعيه قائلاً بترحيب دافئ "مرحباً بك بين عائلتك بني"
ابتعد عنه خالد لينظر لوالدته بعتاب قوي انتبه له ماهر ليقول بصوت عادي "لماذا لم تجهزِي إلى الآن.. هيا اذهبِي"
هزت رأسها وهي تتجه عائدة للمنزل.. بينما مدت يقين يدها بمصافحة قائلة بمرح "مرحباً وأنا أكون يقين ابنة خالك الكبيرة"
نظر لها يامن بدهشة وهو يتأمل تلك الحقيقة التي ربطتهما بصلة قرابة بعد أن كانت حلماً مستحيلاً فقط.. مد يامن يده مصافحاً إياها قائلاً بشبه ذهول "مرحباً وأنا يامن ابن عمتكِ"
ضحك خالد وهو يجذبه ليجلس بجانبه "إذاً حياة كانت عملك المهم أليس كذلك؟!"
أومأ برأسه غير قادر على التفوه بكلمة شاعراً بتخبط شديد في قلبه المسكين الذي يدق بعدم انتظام في محاولة لاستيعاب صدمته.. ابتسم ماهر وهو يربت على ركبته بقوة قائلاً بهدوء "هون عليك يامن وستفهم كل شيء قريباً"
ابتسم بتشنج وعينيه مذهولة بشكل غريب.. قررت يقين التخفيف من حرجه لتتحدث بنبرة طبيعية "ستذهبون إلى مكان ما؟"
التفت لها خالد يتأملها بحنان ترتدى فستان شيفون أرجواني اللون ذو تنورة واسعة وطويلة تصل لقدمها بكم يصل لمرفقها.. مجيباً بهدوء "تريد عمتكِ نيرة زيارة المقابر فقررنا الذهاب جميعاً"
أومأت بتفهم لينظر لها ماهر قائلاً باستفهام قلق "ماذا حدث لكِ لتشعرِي بالدوار؟!"
أخذت نفس عميق مجيبة بخفوت "هذا لأني لم أتناول فطوري قبل أن أخرج"
قطب ماهر جبينه بقلق "لماذا لم تتناولِي فطوركِ؟"
انتقلت لتجلس على طرف مقعده لتميل واضعة رأسها على كتفه.. قائلة بدلال آسر "لقد ذهبت للحي لكي اطمئن عليك وأشاركك الفطور ولم أعرف أنك عدت للمنزل"
ربت ماهر على رأسها بحنان قائلاً بوعد "سأعوضكِ بفطور غيره في المكان الذي تختارينه"
تأمل يامن المحيط من حوله وهم يتحركون حوله بأريحية.. كأنه ولد في المنزل وعاش به طيلة عمره.. وكأن وجوده في هذا البيت شيء طبيعي وليس أنه عضو جديد في العائلة.. كان الأمر بالنسبة له غريب وهو يتأمل الأحاديث العفوية الدائرة من حوله.. وكأنه وجد نفسه في حكاية غير حكايته.. بعد هذا الاكتشاف الخطير حياته ستنقلب رأساً على عقب..
بينما خالد جذب مجلة رياضية من المجلات العديدة أمامه آمرا يقين بأمر حاني "اذهبي لتفطرِي.. إياكِ والبقاء دون طعام ثانية"
أجابت بطاعة "حاضر بابا"
نظر ماهر بتدقيق إلى اسم المجلة قائلاً باستنكار "لماذا تقرأ هذه المجلة لا ينشرون خبر واحد صادق"
رفع خالد نظره من على المجلة مجيباً باستهجان "أعلم أنها إحدى الصحف الصفراء ولكن هجومهم هذه المرة على سيف"
أغلق المجلة بعنف وهو يلقيها قائلاً بحزن "وكأن سيف لا تكفيه مشاكله"
أتى صوتا أنثوياً رقيق يسأل بلهفة "ما به سيف خالد؟"
رفع يامن عينيه ليرى سيدتين جميلتين ترتديان عباءات شرقية سوداء وأوشحة ذات لون غامق.. إحداهما ذات لون عيون أزرق مميز وجمال وجهها لا مثيل له.. تطل طيبتها من ملامحها بوضوح.. والأخرى التي طرحت السؤال ذات غمازة فاتنة وكأنها حفرت في خدها.. رد خالد بلين "لا شيء لمار بعض الإشاعات فقط"
هزت رأسها بضيق قبل أن تنتبه إلى يامن الشاعر ببعض الخجل الطفيف قائلة بعفوية "عذراً من الشاب؟!"
رد ماهر بسلاسة "أه إنه يامن ابن حياة"
هب يامن واقفا شاعراً بالحيرة فيما يجب عليه فعله.. وقفت بجانبه يقين قائلة بمرح "سأقوم أنا بالتعريف"
أشارت إلى لمار قائلة بعبث وهي تغمز بعينيها لماهر "هذه ماما لمار زوجة عمو ماهر أو دماره أيهما تحب"
ضحكت لمار قائلة بعفوية بينما يامن يقترب منها بخطوات بطيئة "أيتها الشقية.. ثم مدت يده إلى وجنة يامن تداعبها بحنان قائلة بترحيب محب "أهلا أيها الوسيم لا داعي لهذا الخجل أنا هنا مثل حياة تماماً أتعشم أن تتقبلني والدة لك"
قبل يدها بتقدير قائلاً بسعادة لتقبله بينهم دون سؤال "بل أنا من سيكون سعيداً بقبولكِ لي كابن لكِ"
صدح صوت يقين بشقاوة "حسناً لقد أثرتِ عليه بفتنتكِ عمتي دمار.. والآن أعرفك بوالدتي ذات عيون البحر هنا بابا في الحياة.. وأعنيها حرفياً فهي ماما هنا"
ضحك خالد قائلاً بنبرة هزلية "ابتعد عن ابنتي ماهر لقد أفسدت أخلاقها"
ابتسمت هنا التي تقدمت من يامن وهي تشمله بنظرة أمومية وشعاع دافئ من عينيها اخترق قلبه.. جاعلاً إياه يشعر بسلام لم يصل إليه قبلاً وهي تقول بحنان عذب "مرحباً بك ابن جديد لي"
مال مقبلاً جبينها بتقدير وهو يهمس بخفوت "شكراً لترحيبكِ الدافئ بي"
جلست لمار بجوار ماهر وهنا بجوار خالد سائلة باستفسار "ألم ينزل أيهم ونيرة بعد؟"
رد خالد نافياً "لم أره منذ الصباح الباكر"
بينما همس يامن المأخوذ كلياً بشخصية يقين المرحة والجالسة على المقعد بجواره "من؟!"
ابتسمت يقين بحب لباقي عائلتها وهي ترد على همسته "أيهم رحيم تعرفه يعتبر خالك أيضاً.. وزوجته ماما نيرة لن تقابل شخصاً مثلها بحياتك أبداً.. ستلتقيهما بعد قليل"
ابتسم لها بالمقابل وهو يرى الأوضاع بمنظور آخر فأخيراً له عائلة كبيرة ومن ضمنهم جنيته الفاتنة.. لم يتفوه بحرف وهو يراقب بصمت الأحاديث الدائرة من حوله.. يتعرف على إحساس كونه له عائلة وليس وحيداً شريداً؛ بينما صمتت يقين احتراماً لصمته.. بعد فترة همست يقين بمحبة "عمو أيهم"
وصل أيهم إلى الجلسة بملامح مرهقة تشي بليلة طويلة دون نوم ألقى التحية بإرهاق.. سألت لمار باهتمام فائق "كيف هي نيرة الآن؟"
رد بقلق "أعتقد أنها بخير"
زفرت هنا قائلة بحنق خفي "لماذا وافقتها على الذهاب إلى المقابر هي تتعب عندما تذهب"
أغلق أيهم عينيه بتعب مجيباً بسخرية "هي من أصرت وتعلمين عندما تعاند على شيء"
أومأت هنا برأسها موافقة وأيهم نظراته تتركز على يامن المتابع الحوار برهبة تمكنت من قلبه.. وقف يامن واتجه إليه قائلاً باهتزاز وهو يمد يده المرتجفة إلى أيهم "أهلا خالي أنا يامن ابن ..."
تفرس أيهم بملامحه قليلاً قائلا بثقة مكملاً كلام الشاب "ابن حياة تشبه والدك قليلاً"
عبس يامن لتلك الجملة غير المرغوب بها مما جعل أيهم يبتسم وهو يشد على يده ويجذبه لحضنه مربتاً على كتفه بقوة "لا يكون الترحيب بخالك المكتشف حديثاً بمجرد مصافحة"
همس وهو يستكين بين دفء حضن أيهم الرحب "شكراً خالي"
رد أيهم بضحكة رائقة "تلك الكلمة لا أسمعها من أبنائي وأنت لست استثناء"
جلس أيهم على مقعده بعد أن أنهى الترحيب بيامن وخالد يوجه كلامه إليه بمزاح "أخبرتني ذات يوم ألا أجلس مع ماهر كثيراً لأنه يفسد أخلاقي.. والآن أخبره أن يبتعد عن ابنتي لقد أفسد رقيقتي الصغيرة"
نظر أيهم إلى يقين بحنان فاتحاً ذراعيه لها.. لتهرع إليه جالسة بجانبه وهي تخفى رأسها في صدره سألها بهمس "ماذا فعلتِ؟"
أجابت بطفولية جعلته يقهقه ضاحكاً وأربكت خافق هذا الذي يراقب بشغف كل همسة صادرة "كنت أمزح فقط"
زاد من ضمها له لتسكن على صدره مختلسة النظر لذلك الذي يبدو مبهوراً بما حوله.. أما يامن فكان يعايش أجواء لم يظن أنها حقيقية قط.. تلك المودة المترسخة بين أفراد هذه العائلة حقيقية جداً وتكاد تكون ملموسة..
الرقة التي يتعامل بها الكبار مع يقين أبهرته.. عندما تتحدث مع أحدهم يمنحها جل اهتمامه وكأن الكون يدور حولها بتلك اللحظة.. سؤال دار بخلده يا ترى كيف يكون تعاملهم مع الأبناء الذكور المختفين إلى الآن ولم يقابل أحد منهم..
قاطع تفكيره انضمام تلك السيدة الجميلة بملامح تجذب النفس رغم سنين عمرها.. وقوف أيهم واستقباله لها بحنان وحب خالص وابتسامتها المطمئنة التي أهدتها له.. انتباه الجميع لها وسؤالها عن حالها.. وقفت يقين بجوارها قائلة بوضوح وهي تشير تجاهه "عمتي نيرة أعرفك يامن ابن عمتو حياة"
أمالت نيرة نظرها لتنظر بتدقيق للشاب المتجه تجاهها باضطراب استشعرته بوضوح من لغة جسده.. تكلمت بصوت حاني مريح للقلب عكس ملامحها التي يبدو عليها الذبول "تبدو وسيماً يا فتى.. كم فتاة خسرت قلبها لأجلك؟"
رد عليها ببشاشة وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه.. يشعر بألفة غريبة تجاهها ربما هي ملامحها التي تعطيك أملاً بالحياة "للأسف ولا قلب للآن"
همست نيرة بأسى مصطنع "ما بهن الفتيات هل أصبن بالعمى؟!"
حينها ضحك يامن بصوت مرتفع لأول مرة منذ قدم إلى البيت.. اضطرب قلب يقين بين صدرها بجنون على أثر ضحكاته.. استطالت نيرة مقبلة وجنته قائلة بوعد "سنتحدث فيما بعد أريد معرفة المزيد عنك ولكن الآن هناك مكان لابد من زيارته"
ابتسم وهو يهز رأسه لها فيما قال ماهر "حياة ستأتي معنا أيضاً"
رد خالد وهو يقف "حسناً سنذهب نحن والحقوا بنا"
ذهب خالد وزوجته ومعهم أيهم ونيرة في سيارة خالد.. وتبعهم ماهر وزوجته وحياة بسيارة ماهر الذي همس ليقين ليشعرها بمزيد من الاطمئنان أنها ليست بمفردها، خاصة وأنهم لم يقفا على أخلاق الشاب بعد ولكن كونه ابن حياة منحه ثقة فطرية به "سيف وإياد بالملعب خلف المنزل"
ثم وجه حديثه ليامن بحزم "إياك والمغادرة قبل عودتنا"
وقفت يقين بعد ذهابهم قائلة بلطف "ماذا تحب أن تشرب؟"
رد يامن بحرج "لا شيء آنسة يقين"
ابتسمت يقين فأخذت قلبه قائلة ببساطة "أعتقد بعد صفة القرابة التي ظهرت بيننا الآن لا داعي للرسميات.. أنا دعوتك يامن فلتناديني يقين، ثم أنا لا أضيفك أنت بمنزلك ولست ضيف، ولكن أنا لا أعلم ماذا تحب أن تشرب؟"
ابتسم لها بامتنان يشعر أن كلماتها أزاحت شيئاً كان يثقل صدره مجيباً بعفوية "أنا أحب القهوة"
عبست يقين باستنكار قائلة بحزم "قهوة في وضح النهار.. لا طبعاً هناك سلطة فواكه تبرع عمتي لمار في تحضيرها سأحضر منها لي ولك.. ثم مالت هامسة بصوت خافت.. ولكن إياك أن تخبر ناري ستقتلنا أنا وأنت"



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس