عرض مشاركة واحدة
قديم 25-01-21, 07:19 PM   #7449

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile25

الفصل الخامس والخمسون (المشاركة 1)
*******
نحن نعرف من نحن، لكننا لا نعرف ما قد نكونه.
شكسبير
*******

وضعت بدور كوب القهوة بهدوء فوق الطاولة.. تراقب ابنها الذي اندمج بسهولة بين الأطفال الذين يلعبون بالمكان المخصص بالنادي..
جانب آخر لم تعرفه عن إياب.. سريع الاندماج مع من يسمح لهم بدخول مساحته بشروطه.. اجتماعي عكس ما كانت تظن.. طفلٌ طبيعيّ جداً وقد اعتقدت أن قيود راشد التي أقامها حوله في الفترة التي ابتعدا فيها جعلت منه شخصاً انطوائياً...
تنهدت وهي تهمس باستياء: "إذاً الرفض كان لي وحدي سيد إياب.. كما قالت جدتك لقد تقبلت الجميع ما عدا الشريرة التي أبعدتك عن أبوك كما كنت تعتقد في البداية"
أغمضت عينيها وهي تتنفس بعمق ثم همست من جديد بحديث داخلي: "كل شيء انتهى، انسي الماضي تماماً, نقطة وانتهى سطر الوجع بعودته وكل أفعالكم تم محوها"
"ماما"
أنزلت بدور ساقها وهي تقف من مكانها متجهة نحو ابنها سريعاً تجيب ندائه بلهفة.. وقفت أمام لعبة التزلج التي كان يقف هو أيضاً على أحد دراجتها.. "نعم حبيبي.. هل هناك شيء يزعجك؟"
رمى نفسه عليها بخشونة طفولية اختلت لثوان, حمدت الله أنها ارتدت حذاءً رياضياً وإلا كان تسبب في سقوطهما.. ضحكت من جديد وهو يندفع يقبل وجهها تارك آثار غرامه هناك وهو يقول: "اشتقت إليكِ وأريد أن أحتضنك كثيراً.. كثيراً"
"نصاااب" هتفتها وهي ترفعه لأعلى بمناغشة تمسك به جيداً من خلف ظهره..
قال بفضول: "ماذا تعني؟"
قبلت تحت عنقه تدغدغه بمرح ثم قالت بمشاكسه : "يعني أني اشتقت إليك جداً.. جداً أيضاً ولا أريدك أن تبتعد عني ولو لدقائق"
أرجع رأسه للخلف وهو يطلق بهجته الممتعة هاتفاً بمنطق:
"إذاً ماما نصابة"
عبست بأنفها قليلاً ثم قالت بمرح: "أووه أنتَ لم تدرك بعد كم فرد في عائلتك نصاب بالمشاعر"
عاد ينظر إليها يعقد حاجبيه بشدة ذكرتها للحظة بوجه من وجوه والده ثم قال أخيراً: "هل بابا نصاب؟!"
توترت ملامحها بضحكة منزعجة وهي تهمس بصوت أجش: "لأبعد حد ما عادت بدور تتحمله"
كور فمه كما احمرت وجنتاه وهو يقول بسخط: "إياب لم يعد يحبه، ولكن أريده أن يأتي اليوم ليقابل صديقتي الجديدة"
تنهدت بدور وهي تحمله متوجهة لطاولتها، وضعته فوق ساقها ثم قالت بهدوء شديد: "إياب اسمعني جيداً.. أنا لم يعد يرضيني تفوهك بكره البابا"
قال بعناد وكأنه يختصر كل القول: "لقد أزعج بدور وجعلها تبكي"
حركت أحد كتفيها باستسلام قبل أن تقول ببساطة: "وبدور أزعجته طويلاً.. هكذا الأمور بين الكبار يا صغيري"
قال بفظاظة فضولية: "هل جعلته يبكي مثلكِ؟!"
ربتت على ظهره وهي تهمس بالقول: "الرجال عادةً لا تبكي.. أنتَ خير من يعرف.. لكن دعنا نقول أني جرحته أيضاً"
عقد يديه على صدره بغضب ثم قال بإصبع محذر: "لا أريده.. أنا أحب والدتي فقط"
قالت بصوت ثقيل: "لماذا هذا الحقد يا إياب.. هذا يؤلمني "
توسعت عيناه بنظرة حزينة طفولية ثم قال بتلعثم: "لأني كنت أبكي، وهنا يؤلمني جداً، أريد ماما خاصة بي وهو كان يخبئكِ"
ضغط على صدره وحنجرته علامة على التوضيح.. جعلها تضمه بقوة, تقبل رأسه وعينيه ويده قبل أن تقول بشجن: "هو لم يخبئني.. بل داراك أنت حتى لا تصيبك شظية من أحدنا فتجرحك"
قال بحزنه وغضبه: "هل كنتِ سعيدة في بعد إياب؟ أنتِ لا تحبيني إذاً؟"
قالت بلهفة وهي توقفه على ركبتيها: "لا.. ليس هذا ما قصدته، ماما كانت حزينة جداً تبكي مثلك تماماً.. لا تشك في هذا للحظة"
ضم فمه بقوة وهو يقول بتقطع: "لا تقولي هذا إذاً.. يزعجني ، هو جعل كلينا يبكي"
ابنها ببساطة يريد إخبارها أن لا تتدخل وتدافع عن موقف أبيه حتى لا تفقده، ومن يلومها لو استخدمت نفس منطق راشد السابق الآن لتحمي علاقتها الوليدة بصغيرها.. ولا تدع أي شيء يؤثر بهما.. مؤكد هي لا تريد لابنها طفولة غير سوية، أن يشعر بهذا الغضب والحقد نحو أبيه.. ولكن أيضاً كيف لها المخاطرة بفقده.. فلتنتظر السيد راشد إذاً وترى ما هو قادر على فعله ليكسب الصغير من جديد قبلها؟!
قالت أخيراً بهدوء وحنان: "لن أتدخل.. ولكن أردتك أن تعرف إن كنت اشتقت إليه أنا لن أحزن أبداً لذهابك لزيارته"
رفع ذراعيه بلا معنى ثم قال بصراحة: "أنا سأغضب وأحزن إن تركتني أذهب"
قربته من جديد تحتضنه بقوة ثم قالت بنبرة صعبة: "لن أتركك أبداً.. أبداً.. لن تبتعد عن عيني ولو لحظة.. لقد عاد نمري الصغير ولن يسمح الطاووس السحري بأن يخرج من تحت جناحه ولو للحظة"
كافأها بابتسامة متملكة على فمه وهو يقول ضاحكاً مبتهجاً: "أنا أحبكِ يا ماما.. أحبكِ بقوة"
قلدته وهي تقول بنبرة طفولية: "وأنا أحبك يا بني.. بقوة بقوة كبيرة جداً"
:-"ألم يكن من الأفضل أن تؤديا مشهد العشق الممنوع هذا في منزلكما؟"
رفعت حاجباً واحداً بصلف.. وهي توجه وجهها نحو وجه المرأة الساخطة.. ثم قالت بنبرة أنيقة مازحة: "منذ عودته أصبحت كل السماء سقفنا وحدود العالم بيتنا.. لنزرع فيه ورود عشقنا"
جلست المرأة أمامها قبل أن تدعوها حتى ثم قالت بهدوء خالي من السخرية هذه المرة: "حمداً لله على سلامته, لقد سعدت جداً من أجلكِ"
أنزلت بدور ابنها ليقف بجانبها ثم قالت بهدوء: "متأكدة من هذا, كيف حالكِ يا إسراء؟ مرت فترة طويلة لم أركِ فيها"
انشغلت إسراء لبرهة في تأمل الفتى، ثم مررت يدها بحنان نحوه تمسد على شعره الكثيف برقة، تتأمل ملامحه ثم قالت أخيراً: "ما شاء الله جميل فعلاً كما قالت مريم.. ويشبهكِ"
قالت بضحكة أنيقة: "من بعض ما عندكم.. وإن كان يشبه والده أكثر"
رفعت إسراء عينيها نحو بدور ثم قالت بنبرة شجن: "ليس مهماً من يشبه.. طالما أنه عاد لذراعيكِ"
أسبلت بدور جفنيها تداري نظرة جرح ما زال ينبض عند ذكر معاناة لم تكن خفية على البعيد فما بال المقربين مثل إسراء.. لقد تقابلا بالطبع عدة مرات في منزل مريم وفي لقاءات مثل هذه بالنادي أو مطعم للأطفال عندما كانت تريد تسكين ألمها قليلاً بالاشتراك بنشاطات أبناء أختها.. التي ربطتها بالطبع علاقة بإسراء وعلى أثرها كانتا تتبادلان حديثاً, لن تقول صداقة وثيقة ولكنها أيضاً لم تكن معرفة سطحية..
قالت أخيراً بابتسامة ناعمة: "الحمد لله.. المهم كيف حالكِ؟ أنتِ اختفيتِ مؤخراً.. حتى يوم الزفاف لم أستطع الجلوس معكِ وقد بدوتِ أمم ماذا أقول؟"
قاطعتها إسراء وهي تقول مباشرة: "أتهرب.. أحاول التخفيف من علاقتي بمريم وأعتقد مكالمتكِ اليوم لي وإصراركِ على مقابلتنا أوضحت أنكِ تعرفين السبب"
فتحت بدور فمها تنوي قول شيء إلا أن تقافز ابنها بسعادة وخفة لم ترها فيه من قبل جعلها تصمت متوسعة العينين بصدمة.. نافست صدمة إسراء التي دبت على صدرها بطريقة لا تليق بمكانتها الاجتماعية ولا النادي الخاص بطبقتهم هذه وهي تقول: "الشرف يا ابنة أخي.. سأعلقكِ من لسانكِ الطويل يا أمل"
إلا أن أمل لم تسمع، ولم تهتم أصلاً عندما تركت يد مرح وهي تنطلق بسرعة عجيبة نحو إياب الذي هرول نحوها وتقابلا في المنتصف كلاهما يحتضن الآخر بقوة متبادلين أشواقهما الحارة..
حاولت مرح أن تنزعها من بين يدي الفتى ولكن هيهات.. "أنتَ يا عسلي, ابتعد عن ابنتي, ألم يعلمك أبوك أن احتضان فتاة عارٌ؟!"
إلا أن إياب لم يهتم أصلاً وهو يقبل وجنة أمل ويعود لاحتضانها من جديد..
بينما انشرح صدر بدور فخراً غير عادي ثم قالت بتسلي: "أبوه على الأغلب علمه أنه من العيب كسر خاطر أي أنثى تحتاج لاحتضان وقبلة"
إلا أن من تقدم لنزعهما من بعضهما كان سيف الغاضب جداً.. أخذ يجذب ابنة خاله بل وتطور الأمر أن يحاول ضرب إياب.. والذي ترك أمل يجذب يدها وهو يزيح سيف عنهما غاضباً بتشدد..
"أنت مزعج.. ابتعد عن صديقي.. لا أحبك يا سيف"
هتف سيف الذي يكبرهما بأكثر من عام: "وأنا لا أحبكِ.. ولكني سأضربكما أنتِ وهو"
رفع يده بالفعل مهدداً.. إلا أن إياب زجه فتلقته مرح تحميه من السقوط.. بينما قفزت إسراء وبدور من مكانهما لفض الاشتباك..
أمسكت إسراء سيف الدين تحاول تهدئته، بينما ابن أبيه ورغم كل التحذيرات لم يترك يد أمل عندما اقتربت منه بدور فأخبرها بكل هدوء وكأن شيء لم يكن: "هذه صديقتي أمل.. أنا أحبها.. هل نستطيع أخذها معنا؟"
حكت بدور جانب عنقها بحرج شاعره ببعض البلاهة، تقسم أن هذا الابن سيفقدها عقلها ويصيبها بالغباء الفعلي حتى عجزت عن التصرف..
إلا أن مرح هتفت وهي تقترب وتنتزع ابنة أختها التي اعترضت كما توقعت وهي تقول بغيظ: "تأخذ من يا مدلل؟ هل تظنها لعبة تستطيع مامي شرائها بمالها الكثير؟!"
ورغم سخط إسراء البادي وقتال سيف نحو أمل وإياب.. وابنها الذي ما زال يحتضن الفتاة التي تبادله الاحتضان بطبيعية.. إلا أن بدور وقفت تعتدل ببطء وتمهل، تتأمل الفتاة دون حيادية، وكأنها تمتلك وقت العالم كله.. وكل الحق..
"مرح الخليل.. هذه أنتِ أخيراً!"
نطقتها بدور بتلكؤ شديد، بصوت ناعم خطير، وعينين تتوهجان بخطورة أكبر.
وانتهى وقت نزاع الأطفال عندما هدرت إسراء في ابنها تأمره باللعب في المكان المخصص.. كما أبعدت أمل وإياب بكل تسلط أمام أعين المرأتين اللتين تنظران لبعضهما بتحدي واضح.. وشرر يبرق من عينيّ مرح..
(لا يفل الحديد إلا الحديد.. ولكن ما بال هاتين الاثنتين لا يبدو عليهما أي فلل أو اهتزاز؟!)
"كيف تعرفينها؟" قالت إسراء بحدة
كانت بدور ما تزال تنظر لعيني مرح دون ابتسام عندما قالت بخفوت: "لدينا صديق مشترك"
واضحة، صريحة، مباشرة. .هذا ما أصبحت عليه ولن تتنازل عن اتباعه.. لقد تلاعبت بالفعل وضغطت على إسراء دون أي حرج لتقابلها اليوم متعللة بحجة أن ابنها فات عيد ميلاده ولم تقيم له حفل ضخم كما يستحق نظراً لظروف خاصة.. إلا أنها أرادت أن تمنحه هدية مختلفة يقدرها ولم تكن إلا مقابلة الفتاة (أمل) قريبتها.. وبالطبع طلبت منها بشكل مباشر أن تأتي هذه الأمل مع قريبتها الأخرى التي لم تكن إلا مرح...
اقتربت إسراء من وقفتهما ثم قالت بخفوت شديد: "بدور.. أشك في أهدافكِ إلا أني ما أتيت إلا لأحذركِ أننا..."
التفت إليها بدور بهدوء ثم قالت: "أنكِ تريدين الابتعاد لأن الفتاة ابنة رجل لو عرفت عنه أختي سنخسرها"
شحب وجه إسراء قليلاً ثم همست: "لقد ادّعيتِ جهلكِ بهويتها"
أشارت بدور نحو المنضدة ثم قالت: "دعينا نجلس يا إسراء.. أنا لم أطلب مقابلتكِ لعداوة.. بالعكس أردت أن يرى الأطفال بعضهم و..."
قاطعتها مرح بتشدد شرس: "من صديقكِ؟ ولماذا تسعين خلفنا؟!"
مثلت ملامح بدور الصدمة ثم قالت: "أسعى خلفكم.. لماذا حبيبتي؟ من أنتِ تحديداً لأرغب في ملاحقتكِ؟"
لم تكن جميلة جمالاً مبهراً، كما توقعت من حديث تميم عنها ولكنها أيضاً لن تنكر أن الفتاة جذابة بشكل غير طبيعي.. لكن ليس هذا ما جذبها ولا الشرر الذي ينطلق من عيني الفتاة وتحاول كتمانه.. بل ما صدمها عامل العمر فهي تبدو في عمر شيماء أو أكبر بعامين تقريباً.. هل جُنّ تميم حقاً؟ لتسبب له هذه الطفلة كل جنون التملك والتحدي الذي تَخُطُّه كل نبرة عندما يتحدث عنها...
هتفت مرح أخيراً باشتعال: "ومن تظنين نفسكِ لتبيعي وتشتري في البشر وكأنكِ تملكين كل الحق.. متغطرسة"
هتفت إسراء محذرة بتوتر: "مرح!"
أجابتها بدور بهدوء وأنفة: "أنا بدور الراوي"
هتفت مرح بصلف بحت: "هااا.. لم أسمع عنكِ في طبق اليوم حتى.. وأنا من ظننت أنكِ وزيرة"
حملقت إسراء بصدمة متوقعة كارثة ستحدث لا محالة.. إلا أن ما صدمها حقاً قهقهة بدور التي قالت بتسامح لم يخلو من الضرب تحت الحزام: "الوزيرة بالعادة تنحني لي احتراماً.. فالمال يقود السلطة ..ولكن لا بأس.. أنا سمعت عنكِ ورغبت في رؤيتكِ، أي أنكِ تمتلكين شهرة واسعة عني يا مجرمة"
شحبت ملامح مرح وتوترت شفتاها بقوة مع نظرة رمادية غريبة سكنت عينيها.. ومضت للحظات قبل أن تفغر فمها ببطء وهي تحاول الكلام بتردد: "إسراء، ألا تريدين رؤية الصغار ربما يتناطحون من جديد؟"
بدلت إسراء النظرات بينهما تدريجيًا بخوف.. إلا أن النظرة التي سكنت عينا بدور وهي تومئ لها باطمئنان وابتسامة دبلوماسية.. جعلتها تحترم رغبة مرح وتنسحب..
وتواجهت الاثنتان وحدهما أخيراً.. وطال الصمت من جديد.. مرح تطرق للأسفل, تتنفس بهوجاء وغضب.. وهي تشتم رائحة الخوف تظلل عليها..
"تميم" همست مرح أخيراً بخشونة جامحة..
أسبلت بدور جفنيها وهي ترفع كوب الماء ترتشف بعضه قبل أن تجيبها ببساطة: تمنى أن أتقرب منكِ.. بل وأوصله إليكِ بأي ثمن رغم أن لا علاقة وثيقة تربطني معه أيضاً.. لكنه مُصِرّ أن لا أحد قادر على لعب هذا الدور معكِ إلا أنا.. وللحقيقة حجته بتشابهنا لا أرى أيّ منها"
رفعت مرح وجهها مجفلة، تسمح للتخبط أن يظهر بوضوح عليها، وهي تتفحص بدور من جديد..
كانت بدور رغم ما قالته ثابتة بشكل يثير الإعجاب، وجهها مرفوع بإباء وغرور.. ابتسامة ناعمة تحتل شفتيها، ولم تغادرها قط رغم حربهما الكلامية زادت ملامحها روحاً حلوة، شعر عسلي ناعم كانت ترفعه فوق رأسها في ربطة، رغم بساطتها إلا أنها كانت تزيد ملامحها بعض من الجاذبية..
ورغم الملابس البسيطة جداً.. جداً التي كانت ترتديها.. إلا أن رائحة الثراء والأناقة تفوح من رأسها حتى أخمص قدميها.. عكسها هي تماماً..
لطالما كانت الأكثر عشوائية بين أخواتها حتى في اختيارها للملابس الشبابية التي تقارب بطريقة ما ملابس الهيبز!
انحنت بدور نحو الطاولة وهي تنظر لساعتها الرياضية بماركة معروفة اختارتها خصيصاً لهذا الوقت من النهار لتناسب الملابس الرياضية.. عكس اكتفائها هي الدائم بساعتها التي لم تكن رخيصة أيضاً وبماركة هاتفها غالي الثمن.. ولكنها تظل لا تقارب أناقة هذه المرأة بصلة..
:-"هل انتهيتِ من تأملي؟"
قالت مرح بجفاف: "أحاول معرفة أي تشابه هذا الذي يدعيه الخائن"
أظلمت عينا بدور مرددة بسخرية: "خائن!! إذاً فسرتِ الآن وجه الشبه؟"
إلا أن مرح لم تهتم بتفسير معنى إجابتها وهي تقول بنبرة جافة: "كلفتِ نفسكِ.. أنا لن أقابل تميم، ولو كان فصل لحمي عن عظامي هو الثمن"
وعادت تلك الابتسامة تحتل عينا بدور من جديد وهي تقول بهدوء ورزانة: "ومن قال أني أريد منكِ مقابلته بالأساس؟ أنا رفضت طلبه أو مساعدته، الأمر لا يعنيني لأتدخل"
عبست مرح بضيق شديد وهي تسأل: "ما سر المقابلة إذاً؟"
قالت بدور بمرح: "الفضول.. نزعة قديمة غير مشرفة كانت بي.. ومن الواضح أني اشتقت لممارستها.. لذا فعلت على الفور"
رغم رداء الغشومية والاندفاع الذي تشهره الفتاة إلا أنها لم تكن سهلة، بل ذكية أكثر من اللازم عندما قالت بجمود: "أنتِ تكذبين.. بل هناك دافع آخر، تترددين الآن في قوله"
قالت بدور بهدوء: "ألا تريدين تناول شيء؟ لا أريدكِ أن تعتقدي أننا بخلاء"
قالت مرح من بين أسنانها: "عرفنا مدى كرم آل الراوي حين حضرت ذاك الزفاف الأسطوري بنفسي.. لو سمحتِ قولي مباشرة ما الذي أردته؟"
قالت بدور بعنف مفاجئ: "تميم يطاردكِ بكل شرارة لم أعرفها فيه، فاقداً عقله متخلياً عن كل وجوهه الخبيثة.. ما الذي فعلتيه؟ لماذا يردد أنه يعرف عنكِ أشياءً قد تدفعكِ لقتل نفسكِ إن كشفت؟!"
بهتت مرح وكأن شرارة الحياة هربت منها دون مقدمات مسبقة..
قالت بجفاف متقطع: "هل.. هل أخبركِ؟"
عادت بدور للهدوء ثم قالت: "ما كنت أجلس معكِ لو عرفت.. ولكن صراحةً لا أريد مطلقاً التدخل في حياة أحد لا أعرفه.. إلا أني كرهت نبرة الوعيد في صوته، لذا رغبت أن تعرفي.. كم عمركِ؟"
نفضت مرح وجهها وكأنها صدمت بالسؤال عقب ما قالته: "ماذا؟!"
قالت بدور: "سألتكِ عن عمركِ فأنتِ تبدين صغيرة جداً لتحمل أفعال رجل ماكر مثله.. بالأصل كيف تقابلتما؟ ومتى؟ ولماذا كل هذا الغل منه ضدكِ؟ ولماذا الوحشية من قِبَلِك حد أنكِ طعنته دون تردد؟ أنتِ صغيرة.. صغيرة جداً.. رباه"
نطقت آخر جملتها بنفس عنيف.. الأسئلة كثيرة وتثير الزاهد في محرابه, فما بالها هي التي يصر ذلك المجذوب على إقحامها في أمرٍ لا يخصها..
ساد صمت طويل وكلتاهما تنظر للأخرى بسكوت مطبق..
لم تكن بدور تنتظر جواباً شافياً.. فهي لا ترغب في المعرفة، ربما خائفة أن تتسبب في تحطيم حياة أحدٍ آخر دون أن تقصد.. ولكن المعاناة الشخصية لكل فرد من عائلتها تدفع بداخلها غريزة غير مفهومة...
إنها خائفة.. خائفة بحق على فتاة لا تربطها بها أي عاطفة..
قالت مرح أخيراً ببهوت: "لا أملك خيار إخبارك"
ردت بدور: "وأنا لا أريد المعرفة.. ولكن نصيحة مني ابحثي داخل أفراد عائلتكِ عن شخص تثقين به وأخبريه كل شيء.. ربما سيغضبه, سيندد بأيّ كان ما تخبئينه.. ولكن بالنهاية من منكِ لن يضركِ، سيحميكِ من أي جحيم محتمل"
بدت مرح قاتمة الوجه مخيفة العينين.. قبل أن تقول بنبرة شابهت الفحيح: "لا يستطيع أحد الهروب من ابن الخطيب.. حاولت واعتقدت أني فعلت.. ولكنه بالنهاية وجدني، ولكن أقسم بالله هذه المرة إن حاول الاقتراب لأقتلنه.. أنا لن أهرب.. ولن أخاف بل هو من يجب عليه النفاذ بجلده.. هو من سيتوسلني لأحرره من انتقامي"
تراجع رأسها للخلف وهي ترمش بعينيها وكأنها مصدومة من شراستها.. قبل أن تخفض رأسها منفجرة في ضحكة استفزت مرح للنخاع..
أشارت بدور بيدها وهي تقول: "أعتذر، لم أقصد الاستخفاف بكِ، ولكني تذكرت حمقاء دمرت حياتها في التوعد والانتقام وبالنهاية لم يحترق أحد في الجحيم سواها"
لم ترد مرح بشيء بل ظلت تنظر إليها بطريقة غامضة مريبة..
مما دفع بدور لتقول بالنهاية بصوت باهت رغم قوته: "لن يعطيكِ أحد نظرة كافية عن الانتقام إلا من ذاق مره.. كل شيء بالعالم له ثمن.. شيء تهدرينه من روحكِ بالمقابل.. الانتقام أعنف من العنف ذاته، كلما مشيتِ فيه خطوة خسرتِ جزءاً من نفسكِ، من إنسانيتكِ، ستتلظين في دروب طويلة من الشوك، لن تشعري بها لأن خمر الانتقام الملعون سيغيبكِ عن الوعي, يحرك شيطانكِ كدمى (الفودو), ستغرسين أنيابكِ وإبركِ في جسد جلادكِ.. ثم تكتشفين بعد فوات الأوان أن كل سن حاد لم يمزق إلا قلبكِ وروحكِ أنتِ.. الانتقام ليس لعبة الأقوياء كما تظنين.. بل هو فعل اليائسين ضعفاء النفس.. فحاذري يا مرح، وفكري جيداً قبل أن تأذي نفسكِ وكل أحبائكِ"
كانت مرح تلهث حرفياً وهي تنظر إليها بتخبط شديد، عاجزة عن الرد، عن الشرح، عن الصراخ بأنها لا تملك حلاً إلا العنف لتبعده عنها.. وأنها إن لم تنتقم من تميم؛ مؤكد هو سيفعل الأبشع من هذا..
"أنا.. أريد الذهاب للحمام.." قالت بعد لحظات من الصمت..
تنهدت بدور وهي تشعر بالأسى نحوها ثم قالت: "هل تريدين أن أذهب معكِ؟"
هزت رأسها بالنفي، مؤكد هي لن تسمح لهذه الغريبة أن ترى منها أكثر من ذلك..
لذا وقفت سريعاً متوجهة نحو إسراء، وسحبتها دون كلام لمكان مستتر تستطيع فيه إخراج صرخة استغاثة بحرية، علها تتخلص من هذا الكبت والضغط...
*****
لقد غابتا أكثر من اللازم إلا أنها تعذرهما بالنهاية...
صراخ أطفال وبكاء.. هدرت إحدى النساء بغضب عن طفلة متوحشة لا تليق بالمكان.. جعل بدور تجفل وهي تقف بقلق متوجهة نحو بقعة الأطفال..
وهالها ما رأت وأصابها بالهلع هي الأخرى، قفزت تقريباً وتخلت عن تأنيها المعروف.. وهي تقتحم دائرة نسائية.. تهتف بصرامة: "ابتعدي عنها"
نظرت إليها السيدة وهي تقول بنبرة أوشكت على البكاء: "عندما تحرر ابني"
هدرت بدور من جديد: "أمل أتركي الفتى حالاً"
كانت أمل تجلس حرفياً فوق طفل صغير يفترش الأرض تجذبه من شعره وتسببت في بكائه المنفطر.
"لقد أزعجني.. وأخذ أرجوحة إياب"
قالت المرأة الباكية وهي تحاول إزاحة أمل من تحت ذراعيها عن ابنها.. فتعاند أمل بالمقابل وتجذب شعره فيصرخ الفتى: "وهل كتبوها باسم هذا الإياب؟"
تدخل إياب وهو ينظر إليها بانبهار واضع يديه في جيبي بنطاله: "أتركيه يا أمل.. لقد انتقمت منه لي.. هذا يكفي"
تحركت بدور تساعد المرأة في تخليص رأس الصغير الضحية أولاً، ثم رفعتها تسيطر على رفس أمل العنيف، وهي تشوح بيديها صارخة: "لم أعضه بعد.. عضة واحدة وسأتركه"
أمسكت المرأة ابنها تهدئه ثم شردت من أمامها وهي تندد وتتوعد بمنع هذه الفتاة (البيئة) من دخول النادي مجدداً..
إلا أن بدور قالت ببرود: "تكبرين الأمر.. إنهم أطفال بلا عقل"
صرخت المرأة في وجه بدور: "قلت عقل.. ابنتكِ هي معدومة العقل والأخلاق"
نظرت أمل سريعاً نحو وجه بدور بقرف بادلته إياها، ثم هتفتا في صوت واحد وكأنهما تنفيان جريمة شنعاء عن أنفسهما: "سوكا ليست ابنتي" .... "هي ليست ماما"
نظرت إليهما المرأة بمزيد من الحنق والاستنكار.. قبل أن تخرج مسرعة من جديد تندد وتتوعد.
تحركت بدور نحو الطاولة تحمل أمل بذراعين ممتدة للأمام وكأنها كائن يجب إبعاده.. تبعها سيف وإياب.. أحدهما ينظر لأمل بحماية والآخر بتشفي بحت.
"أضربيها خالتي بدور"
هتفت أمل وهي تقاوم بدور بعنف: "لن يضربني أحد.. سأفتح رأسها قبل أن تفعل"
وضعتها بدور فوق الأريكة بعنف.. ثم كتفت ذراعيها بيد واحدة وهي تقول بنبرة مخيفة: "تفتحين رأس من يا مجذوبة؟"
لم تهتز ملامح أمل وهي تقول بشراسة ودون خوف: "أنتِ يا شريرة، لقد أبعدتني قبل عضه"
هل هي مختلة؟! الفتاة لا تهاب شيء كما يجدر بها أن لا تفعل..
نظرت لابنها من جديد بسخرية وهي تقول: "حقاً يا إياب.. هل أنت جاد تترك ابنتي الجميلة الناعمة لوليتا لصالح.. لصالح ماذا أقول؟ سوكا!"
وضع إياب كفيه في جيبي بنطاله من جديد وهو يشيح بذقنه ثم قال بمنطق بسيط: "لوليتا باردة... أمل قوية مثل النار"
امتعضت بدور وهي تصارع للسيطرة على هذه الأمل هامسة بسخط: "نار.. طبعاً يا ابن راشد وما الذي سيجذبك إلا روح نارية، أنت لن تسهلها على نفسك، روح الغزو والمطاردة للأصعب هو جزء من جيناتك"
جلست أخيراً وهي تُعدل صعبة المراس لتواجهها ثم سألت بقرف: "لماذا اعتديت على الفتى؟"
تولى إياب الرد وهو يجلس على مقعد أحادي: "كانت تدافع عني"
فغرت بدور فمها وهي تطلق اعتراض دون صوت ثم قالت: "تدافع عن من؟! وهل أنت تنتظر فتاة لتأخذ لك حقك يا إياب؟ خيبك الله"
إلا أن أمل هتفت بغلظة، وهي تقف في وجه بدور تنثر رذاذ لزج على وجهها: "أمل رجل شجاع.. تنصر الضعاف"
جففت بدور وجهها بقرف أشد وهي تهتف بحنق: "من الضعيف يا متشردة؟"
قال سيف بإغاظة: "تقصد ابنكِ.. ينتظر الفتيات لحمايته"
وقف إياب معترضاً ليبدأ الشجار مع سيف.. إلا أن أمل لم تمنحه الفرصة أصلاً، عندما قفزت في حركة خاطفة ملقية نفسها على سيف.. تجذبه من شعره، وتقضم ساعده المسكين تمنحه ساعة نافست جمال ساعة بدور ذات الجلد الطبيعي.. بأسنانها الطبيعية جداً...
*****
عندما عادتا إسراء ومرح كانت ملامح الأخيرة أكثر راحة وتماسك..
إلا أنهما عندما اقتربتا أطلقت إسراء صرخة ارتياع عندما وجدت بدور تضع ساق فوق الأخرى بكل أناقة.. تجلس على مقعد مواجه للأريكة الخوص.. بينما سيف يجاورها أمامه كوب عصير.. أما إياب كان يجلس مكتفاً يديه مبرماً شفتيه بغضب.. دون أن تمنحه أي شيء وبدا معاقباً.. ولكن ليس هذا سر جزعها..
صرخت مرح: "ابنتي المسكينة, ماذا فعلتِ بها؟"
نظرت بدور نحو أمل التي كانت ملقاة على الأريكة مكتفة اليدين بشال حريري. .ومقيدة الأقدام بحزام بنطال ينتمي لسيف...
قالت بهدوء شديد: "حاولت أن أفعل شيئاً صحيحاً"
هتفت إسراء: "بتقييدها.. حرام عليكِ"
قالت بدور بتهكم: "الحرام أنتم فاعليه.. بالله كيف تطلقون هذا الكائن دون ترويض ليفترس الناس!"
جلست مرح سريعًا تفك أولاً تلك الكمامة من على فم أمل التي أخذت في البكاء تارة.. وشتم بدور تارة مهددة بفتح رأسها..
"خيانة.. خيانة لن أغفر لكم"
تجمدت بدور مكانها وسقطت كل أقنعتها.. كما إسراء تماماً وهن ينظرن بذعر حقيقي هذه المرة.. نحو مريم.....
"ما بكن؟ هل رأيتن عفريت؟"
كانت إسراء باهتة.. باهتة جداً وهي تستقبل مريم التي اقتربت تقبل وجنتها بترحيب.. ثم جلست بجانب بدور تمسد على بطنها المتكور وهي تقول بثقل: "ما زلت بأول الطريق.. ولكني تعبت منذ الآن، هذا الحمل مختلف"
ارتعش فك بدور وهي تقول بخفوت: "هذا اختياركِ.. تحمليه ولا تتبرمي"
ضحكت مريم بصفاء غير منتبهة لملامحهن أو انفعالاتهن ثم قالت: "أتحمله وبكل روح رياضية.. حتى عندما يزعجني سيد إيهاب ويرفض مساعدتي في بعض الأمور مدعياً أنه ما زال غير راضي"
جلست إسراء جانبها وهي تستقبل إياس الذي اقترب ليجلس على حجرها ثم همست: "ربما كان غير راضي بالفعل"
قالت مريم بنعومة: "أشك.. أنتِ لا تريّ كيف يتحول لمراهق وهو يتلمس بطني باحثاً عن حركة الجنين"
حذرتها بدور بتوتر: "الأطفال حولنا.. سيطري على تفاخركِ المريب"
عبست ملامح مريم قليلاً وهي تنقل نظراتها بين الجميع ثم قالت بحنق: "ذكرتني.. ألم أسألكِ بالصباح أن تأني لنخرج سوياً.. وقلتِ أنكِ مشغولة"
صمتت قبل أن تنظر لإسراء وهي تقول: "وأنتِ منذ شهور طويلة كلما طالبتكِ بزيارة تتحججين بسفركِ لمحافظة زوجكِ مرة، وبضيوف يسكنون معكِ الآن مرات.. هيا ما بكما؟ هل ضجرتما من مرافقتي؟"
أمسكت إسراء يدها وهي تقول: "لا حبيبتي.. ولكن الظروف"
قالت مريم وهي تسحب يدها: "الظروف لم تمنعكما من التلاقي هنا.. منذ متى تتقابلان من وراء ظهري؟"
قالت بدور برفق: "تصفين الأمر كأنه مشين.. حسناً كانت محض صدفة.. أنتِ ما الذي أتى بكِ؟ أليس من المفترض أنكِ لا تتحركي للخارج وحدكِ في هذه المرحلة"
أشارت نحو صغيريها وهي تضيق عينيها نحو مرح ثم قالت: "مللت، والصغار أيضاً لذا حدثت إيهاب ليأتي ونتناول الغداء هنا"
تنفست بدور بارتياح قليلاً، إيهاب، قد تستطيع أن تجعله يسحبها من بينهن بلطافة دون أن تلاحظ أمل.. ولكن ليس كل ما يطلبه المرء يدركه..
عندما سمعت حديث جانبي لأمل وليبرتا.. تتعرف إحداهما على الأخرى، بل والأخيرة عكس طبيعتها تحاول جبر خاطر أمل وتعتذر بالنيابة عنها..
سألت مريم بفضول: "من هما؟"
ردت إسراء سريعاً: "أقارب مراد من البلد"
عبست بعينيها وهي تقول: "لا تبدو لي كذلك، قريبات زوجكِ جمعيهن محجبات تقريباً.."
تكلمت مرح التي تأملتها بصمت أخيراً: "أنا قريبة إسراء.. وليس زوجها، ربما أخطأت"
هتفت مريم بفضول: "هل لدينا أقرباء من خارج مصر, أول مرة أعرف.. لكنتها مختلفة"
كان توتر بدور واسراء وهما تنقلان النظرات بينها وبين أمل ومريم كفيلاً أن يجعلها تلتقط الخيط بذكاء غير مفصحة عن سر القرابة.. عندما قالت باختصار: "اسمي مرح.. وتشرفت بمعرفتكِ يا مريم"
والاسم الذي نطقته لتوها أشعل عقها كأضواء العيد.. والحسبة بسيطة لا تحتاج لتطويل.. مريم، وتوتر في تواجد ابنة أختها..
إذاً هذه هي المرأة التي سمعت زوج أختها مراراً ينطق اسمها بشجاره مع أخته.. هل هي حب قديم؟!
شعور بالغيرة التلقائية كان يمزقها على أختها.. وهي تتفحص الملامح المختلفة عنهن شكلاً وموضوعاً.. هذه المرأة لا تقرب لصلابتهن بأي طريقة، بل شابهت حلوى القطن شديدة النعومة والدلال.. ولكن لا يبدو عليها أنها تعاني أو تفتقد أشخاص، ومن خلال نبرتها شديدة النعومة وهي تنطق اسم هذا الإيهاب كان من السهل معرفة أنها غارقة في عشق زوجها حتى النخاع...
إذاً ما مشكلة ممدوح بالضبط معها وما الذي يريد التكفير عنه؟!
*****
"ما اسمكِ؟"
"أنا لوليتا" قالت ليبرتا بنعومة ورقة.. مناقضة لملامح أمل الصلبة العابسة دائماً..
بدا أن أمل استحسنت لأول مرة وجود فتاة حولها, قالت وهي تقف بعيداً عن مرح: "اسمكِ حلووو.. وأنتِ حلوة"
ضحكت ليبرتا بميوعة وهي تنفض شعرها وراء ظهرها بتفاخر ثم قالت: "وأنتِ أيضاً.. سأخبر ماما بدور أن لا تزعجكِ مرة أخرى.. لقد أصبحتِ صديقتي"
همست أمل بعبوس: "هل الشريرة والدتكِ؟"
هزت كتفها بنعومة: "أها"
قالت أمل وهي تنظر لإياب: "إذاً صديقي أخوكِ"
عدت ليبرتا على يدها وهي تقول: "أملك اثنين.. إياب وإياس.. وأنتِ؟"
هزت أمل رأسها بالنفي ثم قالت بتبرم: "كان لديّ فرح، ولكن الآن أصبحت خالتي.. لذا أنا ليس لدي اخوة"
اقتربت منها ليبرتا تحتضنها في فعل بدا كمعجزة ثم قالت: "لا بأس، أنا أختكِ الجديدة.. وإياس وإياب أخواكِ"
ضحكت أمل في معجزة أشد غرابة ثم قالت: "لا أنتِ وإياس فقط.. إياب صديقي"
لم يبدو على ليبرتا أي انزعاج وهي تقول: "إياب ثقيل الدم.. يزعجني.. أنا صديقة أفضل منه"
"لا تقولي هذا عنه.. وأنا سأطلب منه ألا يغيظكِ مرة أخرى"
نظرتا كلتاهما لبعضهما وكأنهما أجريتا صفقة عادلة لميثاق صداقتهما..
بينما كان حديثهما هذا مراقب من الأربعة نساء.. كانت مريم أول من تحدث بفرح وهي تقول: "هذه الأمل معجزة والله.. لقد أحببتكِ.. أحببتكِ.. كيف فعلتها؟ لا أصدق، كسبتِ ليبرتا في دقيقة"
ضحكت أمل بقهقهة طفولية.. بينما كان وجه إسراء يشحب ويشحب قلقاً على مريم وحدها..
هذا ليس عادل.. ليس عادل أبداً لها.. لقد فعلوا كل شيء ليجنبوها هذا الألم ولكن لا فائدة.. يضع القدر ترتيباته بالنهاية..
(الدم يحن لبعضه كما يقولون... والحب فطرة تولد معنا.. بينما الكره والغل مكتسب من أفعال أخطر كائن مؤذي على وجه الأرض.. الإنسان)
هتفت ليبرتا وهي تدب الأرض تحت قدميها: "توقفي مريم أنتِ تحرجيني أمام صديقتي الجديدة"
امتعضت مريم وهي تقول لبدور: "أنظري لتربيتكِ.. والله أنا مللت منها, متى تأتي الفتاة الجديدة لأفرسها؟"
ابتسمت بدور ابتسامة لم تصل لعينيها وهو تقول: "لم نعرف بعد إن كانت فتاة"
صمتت قبل أن تقول: "مريم لقد عطلنا إسراء وأنا أردت الذهاب للتسوق ما رأيكِ أنذهب؟"
قالت مريم: "لا أستطيع نقل قدم واحدة، ثم هذه قلة ذوق، سأبقى مع إسراء حتى تذهب"
أمسكت ليبرتا يد أمل وهي تقول: "هيا يا أمل لنذهب للعب مع الفتيان"
إلا أن مريم أوقفتها وهي تفرد يديها: "انتظري أريد أن أقبل صديقتكِ.. هل هي ابنتكِ يا مرح؟ فيها شبه منكِ"
أرادت مرح أن تجيب بنعم وتنهي توتر إسراء ولكنها بالنهاية وجدت نفسها تقول بصراحة: "ابنة أختي.. ولكن أنا من ربيتها منذ أن كانت في لفافة صغيرة"
تقدمت أمل بخجل غريب وتردد نحو مريم تضع إصبعها في فمها.. رفعتها مريم أمامها وسمعتها تقول: "بدور أيضاً ربت صغيريّ معي.. البعض يقول أن ليبرتا تشبهها.. ولكن ابنتي أجمل، يكفي أنها تحمل لون عينيّ أبيها"
لم يرد عليها أحد فالقلق كان يتغذى على أعصابهم..
وقفت إسراء تحاول إبعاد أمل عنها وهي تقول: "تعقلي وأنزليها, الفتاة ثقيلة"
هتفت أمل بغضب: "ابتعدي عمتي.. أريد تقبيل هذه الخالة الطيبة عنكن"
لم تنتبه مريم الضاحكة بإشراق لمناداتها وهي تمسك وجنتيّ الفتاة تقبلهما بقوة وهي تقول: "أنتِ الطيبة بطعم الشوكولاتة"
ضحكت أمل وهي تمسك وجه مريم بكفيها تبادلها القبلة بعمق.. ثم مسدت على شعرها الناعم الحلزوني وهي تقول بانبهار الأطفال: "أنتِ حلوة مثل لوليتا.. أنا أحببتكِ.. تعالي لبيتنا"
قلدتها مريم وهي تمسد الشعر الأسود الغزير الذي يلف جسد الفتاة ثم قالت: "لا أنتِ ستأتين عندي لأنظر إليكِ كل لحظة، أريد فتاة تشبهكِ.. لقد مللت من الأطفال الملونين"
كانت إسراء وبدور صامتتان تماماً كل منهما تلوم نفسها بشدة.
إلا أن مرح قالت محذرة بحبور: "احذري مما تتمنين.. إنها فتاة خطيرة"
قالت مريم وهي تتفحص الفتاة بعجب محاولة أن تجد أين الخطورة التي يتحدثن عنها ثم قالت ببهجة مازحة: "جميعكن ظالمات.. بل هي مسالمة ومؤدبة.. انتهى الكلام سآخذها"
هزت أمل كتفيها قبل أن تقول بهمس شديد طفولي وكأنها تتآمر: "أريد الذهاب مع إياب وليبرتا.. ولكن دوحا سيحزن، هو يخاف أن ينام وحده بعد أن غادرتنا ماما"
بهتت ملامح مريم، وتهدجت أنفاسها كمن طعن لتوه.. ولكنها تماسكت وهي تنظر بدقة شديدة لعيني الفتاة الخضراوين.. عينان تومضان.. عينان تعرفهما يقيناً وقد كانتا سر نجاة..
كانت نبرتها الآن ضائعة بشدة ومتخبطة.. نبرة من يصارع الحياة بلحظاته الأخيرة.. عندما همست بتقطع: "ما اسمكِ يا أمل.. أعني بابا, ما اسم بابا؟"
وقفت بدور هذه المرة تمسك كتفيها وهي تسحبها للوقوف رغماً عنها.. كما جذبت إسراء أمل وهي تصرخ تقريباً: "وما يعنيكِ باسم أبيها.. مريم؟"
إلا أن مريم الشاحبة هتفت باختناق: "اخرسي.. أصمتي تماماً"
وجاءت الصاعقة عندما قالت أمل وهي تحاول الوصول إليها فهي لم تفهم الكارثة التي حلت فوقهن: "اسمي أمل ممدوح زيدان"
الاسم الكامل لم يدع مجالاً للشك.. وماذا أملت أصلا؟!
ترنحت مريم فعلاً وهي تقف من مكانها مرتعشة, ضعيفة ومتألمة..
همست بدور برجاء: "مريم حبيبتي.."
وضعت مريم يدها على جبهته.. لقد احتضنت ابنة المجرم، قبلتها وضمتها لصدرها.. ونظرت لانعكاس عينّ الوحش لتوها..
همست: "أولادي.. أريد أولادي.. سنذهب من هنا"
قالت بدور بقلق: "اجلسي دقيقة، سأذهب لأنادي الولدين ونمشي سوياً"
هزت رأسها بنفي قاطع وهي تقول: "أريد أن أذهب.. لا أريد أن...."
إلا أن جملتها ضاعت مع طلبها.. مخالطة لصرخة ابنتها الجزعة كما صراخ الثلاث نساء اللاتي تلقين سقوطها قبل أن يحتضنها رحاب الأرض..
**********

يتبع...


Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس