تكاد هلال أن تطير فوق الأرض .. لا تصدق أنه قد فعلها لتوه .. بدأ خطواته ليعيد حق أبيها ، أخيها .. تحدق فيه بلهفة مستغيث .. مستفسرة على ما سبق وعلمته :" هي أيه الخطوة الجاية يا عاكف ؟!!".
حدق في عينيها المتألقة في سحر المطالبة بالحق .. زاد سحرها بدلتها الرسمية الرمادية فوق قميص حريري وردي اللون جعل وجنتيها تضيأن باللون الخوخي .. تحدث بهدوء مقاوماً شغفه فيها :" أحنا قدمنا بلاغ وهيتم التواصل مع مركز الشرطة في البلد .. علشان التحقيق .. خاصة أنت قدمتي بلاغ فيه إتهام صريح لمهران وحمدان .. مع شمول العائلتين بالإتهام .. أفضل حاجة أنهم خرجوا لعمي منصور شهادة وفاة .. ده خلانا نعمل نطلب بأعلام وراثة .. وكمان ما فيش تشريح للجثة .. المثبت رصاصة في االراس هي سبب الوفاة .. وطبعاً رصاصة طايشة زي العادة .. ماافيش حد بيشهد علي حد من عيلته مع العصبية الجامدة هناك ".
اغمضت عيناها على وجع قلبها .. يكفيها تكرار المشهد في عقلها .. امتدت أصابعه نحو كفها وجده بارداً .. ضغط عليه يدفئها .. تمتمت من بين شفتيها :" شكراً يا عاكف ".
غمغم باندفاع :" على أيه .. انا بس بانفذ وعدي لك .. علشان نعرف نعيش زوجين مع بعض لازم نخلص اسباب التهديد في حياتنا.. لازم نفوق ".
يدرك أنه تحت تهديد ممن لا يرحم .. خائف عليها وعلى جميع من يخصه .
لكنه لا يملك سوى حل واحد إختراق المصاعب ليتغلب عليها .. فالعجز أمام مشاكله هو العجز عن الحياة في حد ذاته .
أن كان هناك من يعتبره حمل سهل إصطياده .. ويريدون تحويله لذئب .. فليكن ذئب في بلد الذئاب وحمل مع الحملان .. حتى ينتهي أمر من يهددوه.
سألته بهدوء :" هو احنا رايحين فين ؟!!".
اجابها بتفكير يوب عقله :" على بيتنا .. الخالة رجاء جاية تتكلم معايا ومعها فاروق ".
علقت في استفسار يجوب داخل عقلها :" وبنات عمك مش جايين ".
علق بحركة نافية من رأسه .. بينما عينيه على الطريق عقله كان شارداً.. مما جعلها تشعر بالغيرة لتصل لأقصى حدها .. لماذا لا يجيبها .. فقط إشارات .
عقبت تسأله :" هي السكرتيرة هتعمل أيه ؟!!".
حركة مماثلة من رأسه .. بينما هي تنتفض غضباً تستمر لتخرج ضيقها :" لو كانت عندنا كان أهلها جتلوها .. دي ما عرفش عملت كده أزاي .. يعني تتجوز بدون أبوها .. ده عار عليهم ".
ظلت تتحدث في هذه القصة :" وانور ده أيه .. لا خوف على بناته .. داين تدان ".
بينما هو لا مجيب .. عندما سألت للهواء :" وده مين هيجبره يتجوزها علشان أهلها وكرامتهم .. علشان ما يضيعش مستقبلها ".
مالت شفته في زاوية :" علشان يتجوزها .. لازم ترجع تشتغل عندي تاني .. وقتها بس هتملي عليه شروطها .. وتاخد منه كل حاجة".
انتفضت ووضعت يدها على مرفقه :" لأ.. طبعاً.. اللي يخون مرة .. يخون على طول .. وشكلك بتفكر ترجعها ".
تحدث أخيراًبما يشغله :" أبوها جاني .. راجل غلبان .. عيال كتير وفقر .. البنت كانت فاكرة نفسها بتفتح باب الخير لعيلتها .. هي الوحيدة اللي شايلة البيت بمرتبها .. أخوتها على باب الله .. يوم أيوة وعشرة لأ.. لو رجعتها في مكان ما توصلش فيه لورقة .. بس قدام أنور هتكون في نفس منصبها .. تفتكري يبلع الطعم ".
علقت بجدية :" لو لسه محتاج منك حاجة أيوة هيبلعه ".
ثم عادت تحرك رأسها بقوة :" لأ يا عاكف .. ما ترجعش الخاين .. هيخونك تاني .. اللي يخون مرة يخون العمر ".
ثم سألته في مرارة تريد إقناعه :" هو انت خدت أمضتي أزاي على ورقة التنازل عن كل حاجة ليك تاني ؟!!".
حملق فيها لتستمر :" حطيت ورق كتير قدامي وشرحت بنفسك صح .. يعني ما قريتش حاجة .. كانت الورقة ضمنهم .. عارف مضيت ليه .. وثقت فيك يا عاكف .. شهم والشهم ما يخونش ".
وضع راحته على ظاهر كفها فوق مرفقه يدلكها ليطمئن قلبها .. متمتماً:" بحبك يا ولد منصور ".
رفعت أصابعها من تحت أصابعه .. نحو شعرها القصير تدفع الخصلة الطويلة نحو الخلف فتتراجع لمكانها .. ثم حدقت نحو النافذة تنظر للخارج .. تهمس من بين شفتيها بحبه الجارف .. وتملأ الفراشات معدتها تدغدغها بمشاعر غريبة عليها .
علا هاتفه بالرنين .. رفعه نظرإليه هاتفاً لها :" الأسطى جندي ".
علقت بسرعة :" رد عليه بسرعة .. يارب ما يكونش فيه حاجة وحشة ".
فتح الخط بينه وبين جندي :" صباح الخير أسطى جندي ".
وجدت صوته مرتجفاً في هلع :" لو هلال جنبك .. أسمع بس ".
همهم عاكف في تقطيبة نامت بين عينيه :" أيوة بتسلم عليك وعلى سكينة ".
أنصت لصوت جندي القائل بإختصار :" من حوالي ساعة كده .. الواد مدحت .. أكيد تعرف عنه ".
علق بهدوء :" أيوة أعرفه ".
استطرد جندي في اتصال سرده :" النهاردة هدد سكينة لو ما رجعتش ليه تاني هيعرف يوصل لبلد هلال ويبلغ اهلها بمكانها ومعاه صورة ليها على باب الفيلا يوم كتب كتابكم ".
علق عاكف يفرج عن القصة أمامها :" لأ ما تخافش .. قدمنا بلاغ النهاردة .. وبكرة المساء هنسافر بلد هلال .. وكله هياخد حقه .. قول لسكينة ما تخافش ".
لكنه استدرك شيئاًفاستفسر :" بس هو عرف منين المكان .. إلا إذا كان مراقبكم ".
سقط الخزي على لسان جندي فأثقله :" أيوة .. ألعن حاجة أن يكون أهل بيتك هم اللي بيخرجوا أسرارك .. مراتي بلغت فردوس .. والتانية طبعاً بلغت اخوها .. المهم الحمد لله انكم هتروحوا وتحلوا الموضوع .. لو عايز أهل الحارة كلهم معاك .. أحنا جاهزين ".
ناظرة إليها تنصت في ترقب ان يغلق الخط .. أغلق بالفعل ليلقي داخل قلبها الإطمئنان يعانق الخوف مع الرواية التي حدثت .. أدركت خلالها ان أأبيها بتصرفه الإنساني مع الناس أوجد لها السند الذي لو قالت الأهة .. سيدافعون عنها .
*******************
|