في اليوم التالي **
ترتدي ثوب زفافها الأبيض الطاهر .. تخرج من غرفة أعدها لهم أيهم في الفندق .. مالت عليها هلال في ثوب رمادي كجلد ثاني .. يظهر جمال قدها الممشوق .. محتشم بأكمام واسعة من قماش الجبير الفرنسي بذات اللون .. تتحدث بنعومتها :" مبروك يا حنين .. ماشاء الله أجمل عروسة .. فين أريج وخالتي ".
غمغمت حنين بخجل :" شكراً .. انت اللي جميلة من جوه ومن برة .. كفاية استقبالك أمبارح لينا .. هديتينا كلنا .. مش عارفة .. ماما وأريج فين ".
همست هلال بصوت رخيم :" هاروح أشوفهم علشان العقد ".
ابتسمت حنين بحب ورحابة روح :" هتقرصي زي أمبارح .. كانت احلى حنة اللي عملتيها لنا والله يا هلال .. عاكف ربنا حبه لما حطك في طريقه ".
ابتسمت هلال ابتسامة توسدت عينيها هامسة بجمال وتهذيب :" أنت الأجمل .. عيوني هارقص لك مع أنيسة كمان ".
رشقتها حنين في ظهرها بأسم صارت تتمنى الإبتعاد عنه:" هترقصي مع عاكف ".
نعم تريد الفرار منه ومن عواطفها تجاهه.. لدرجة جلست أمس مع الصغيرة حبيبة تلاعبا جوهر .. تفر من نفسها قبل أن تفر منه .
خرجت مغلقة الباب .. تريد القيام بكافة الأمور التنظيمية للحفل .. كما أبلغتها الخالة رجاء وحنين .. مازالت تتجنب أريج قإلا في الأمور العادية .. هناك حواجز قائمة بينهما .. فبينهما عاكف ذاته .
كادت تصطدم بشخص رفعت عيناها نحوه لتجده من يسكن عقلها في هذه اللحظة .. قبل أن يتحدث معها .. وجدت فاروق وأبيه خلفه .. أشار لها :" جايين ياخدوا الوكالة ".
ابتسمت في إرتباك .. ثم استخدمت نفس المصعد الذي مازال يعبق برائحة عطره .. تتنسمه وحدها .. حتى عطره تغلب على باقي العطور .. فكانت له السيادة .. هكذا هو عاكف سيد قلبها.
****************
في ذات الوقت**
" أنت بتسأل على أي بيت يا اخينا".
وضع مدحت كوب الشاي الفارغ على المنضدة المعدنية الصغيرة في محطة القطار .. فقد وصل لتوه .. غمغم مقترباً من آذن العامل في القهوة .. بعد ان سأل عن منصور هريدي .. فلم يجد إجابة :" عايز حد من بيت هريدي .. انا عارف مكان هلال بنت منصور ".
انتفض الرجل .. واضعاً اصابعه على شفتيه مصدراً صوت يصمته :" ششش.. عال أنك سألتني أنا .. لو جلت أسمها ممكن يكدروك .. أنا عاوصلك للي يحلي بجك من الخبرية دي ".
غمز مدحت بعينه .. مبتسماً :" والله أنت باين عليك بتفهم يا اخينا ".
عقب الرجل في لهفة :" عاروح اتصل بيه ونروح له مع بعضينا .. ويجوز يبعت د ياخدك بالعربية .. يكون زعج لك نبي ".
اختفى قليلاً داخل القهوة .. كان يتصل بوائل على هاتفه المحمول الذي ظل يرن بلا مجيب .. نادى منعم من مكانه :" لافيني المحمول ده .. أحنا ناجصين عيل زي كديه ".
قهقهة رجاله كادت تزعج الموات في هذا المكان .. بينما علق أحد الرجال :" الولد صبي الجهوة بيتصل بيه .. الولد ده ما بيسعاش في شي إلا ورا مصلحته ".
أمره منعم :" رد عليه وسمعني بيجول أيه".
فتح الرجل الهاتف الذي اصبح في يد أيا كان .. طالما صاحبه في صحبة المخدر نائماً تحت تأثير المسحوق القاتل .. سمعا صوت الرجل يتحدث :" سي وائل فيه واحد بيجول يعرف مكان هلال .. عايز حج الخبرية ، وأنا كمان أكيد ليا حلوان ، أنا فكرت فيك طوالي ".
اشار منعم للرجل الذي عمل على تبديل صوته قليلاً:" جدع يا واد .. هاته على أول طريق البلد ".
سأله مستفسراً عندما أدرك ان الصوت مختلف :" أيه يا سي وائل صوتك متغير .. كبرت كيه ميتى".
برر الرجل بسعلة :" عندي دور برد مغير صوتي .. هارسل لك حدا على أول الطريج ".
تحدث منعم بعد تفكير :" خلونا ناخد المعلومة منه .. ونخلص منه .. فاهمين ".
سأله الرجل :" نجتله .. بسيطة ".
حرك منعم اصبعه نهياً:" لع .. اخلص منه بطريجة تانية .. اللي زييه كل شوية هينط لك عايز فلوس .. اديه فلوس وحتة حشيش وبلغ عنيه شرطة الجطر .. طالما جاي المحطة يبجي بالقطر .. مش جريب هتلاجيه من مصر .. البت هناك .. لازمن ما ترجعش .. عايزين الصلح بين العيلتين يتفك ".
المصالح تتحكم في مصائر الجميع .. حتى الخائن ومن يبحث عن المصلحة لابد له من دفع ثمن خيانته وطمعه.
******************
وقف امامها يلقي بها للخارج :" برة دوارنا .. كل دهبك أخدته .. وفلوسك اتحطت في حساب مشترك وبعدها راحت لحسابي .. والتوكيل العام اللي عملته لك بليه واشربي ميته .. أما توكيلي لك لغيته .. ما عاد بينا عيشة .. عارفة سبب معيشتي معك .. كان الولد .. بعد ما ضاع ماعاد بينا شي .. وأنت طالج كمان ".
لا تعرف ماذا تفعل في هذا الليل .. لمن تذهب ؟!!.. لا تعرف .. صدح صوتها في قلب الليل بالصراخ :" حرامي .. غدار ".
أغلق الباب دونها .. لا يصدق الراحة التي تكتنف روحه وكأنه تخلص من عقاب شديد الوطء على روحه .
ربما أن وقت الخلاص من كل الذنوب .. فقد كانت اكبر ذنوبه .. وهناك في اعلى ذنب أخر .
تم الفصل ارجو أن ينال اعجابكم
|