عرض مشاركة واحدة
قديم 30-01-21, 11:58 PM   #15

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الأول:
***
وفي الأعلى:
استمعت إلى صوت الجرس الرتيب منتظرة إجابة الطرف الآخر أثناء مُشاكستها لابنة شقيقتها، حتى جاءها الرد بصوت دهِش:
_ألم تتركينني منذ قليل؟ ماذا تريدين؟ أنتِ تعشقين الثرثرة!
تظاهرت بالضيق وهي تهتف به:
_يا إلهي! أهكذا تُجيب من يُهاتفك زيدان؟ ثم أنا لا أتصل بك لأنني أريدك أنت، أين هو شقيقك الذي لا يجيب اتصالاتي؟ ولماذا لم يحضر لتناول الطعام معنا؟
لتأتيها ضحكته الرائقة وهو يرد:
_أهناك دعوة طعام وأنا لا أعلم عنها؟ سأعتبرها نذالة مُتعمدة منكِ رَغَد، لتوِّك تركتني بالشركة ولم تخبريني بشأنها.
وجاء ردَّها سريعًا مُتسِمًا باللامبالاة:
_أولًا: أبي هو صاحب الدعوة ولست أنا، ثانيًا: أخوك لم يأتِ ويبدو الحزن على رِهام لذلك السبب بينما هو تحجج باجتماع وهمي، ثالثًا: بإمكانك الحضور الآن إن أردت.
استأنف ضحكاته ثم رد بأسف مُصطنع:
_لا أعلم أين هو، وبخصوص الدعوة سأضطر آسِفًا للاعتذار، فاليوم ذكرى خطبتي السنوية أنا وشيرين وعليّ الذهاب إلى المقهى، سأنهي المكالمة الآن رَغَد كي لا أتأخر، بلِّغي رِهام وعمي فريد اعتذاري نيابة عن ذلك المتوحش الذي أوقعها حظها السيء معه.
ثم أنهى المُكالمة فورًا ليأتيها صوت والدتها مُتسائلًا:
_كنتِ تتحدثين مع زيدان، أليس كذلك؟! اطلبي منه الحضور!
التفتت رَغَد إليها وهي تُلقي بهاتفها على فراشها ثم أجابتها:
_نعم أمي، لقد دعوته بالفعل لكنه يقول أنه لديه مناسبة ولن يستطيع التلبية، ويعتذر لكِ نيابة عن ثائر.
ونظرة الضيق التي احتلت وجه أمها كانت سببًا كافيًا كي تتهرب من الغرفة مُصطحِبة ابنة شقيقتها قبل أن تبدأ السيدة ليلى في التبرُّم من زوج ابنتها وتنعي حظها، وحياتها الكئيبة!
**********
أخيرًا تململ باهر أرضًا وهو يُقرر العودة من نومه الذي طال لساعات لم تفعل هي خلالها شيئًا سِوى مُراقبته وانتظاره والاستغراق في ذكرياتهما العديدة سويًا..
يوم أن اعترف لها بحبه؛
يوم أن التقطا أول صورة تجمعهما بخطبتهما لتظهر سعادته واضحة، بينما الاضطراب والخوف عليها أكثر وضوحًا؛
يوم أن عُقِد قرانهما وأصبحت زوجته شرعًا وقانونًا فاختطفها إلى المطار مُتباهيًا؛
ثم...
يوم أن صرخ بها غاضبًا للمرة الأولى؛
يوم أن دفعها بيده للمرة الأولى؛
يوم أن سبَّها وأهانها وضربها و....
ولكل شيء مرة أولى!
وسافرت بذكرياتها إلى المرة الأولى التي ترى بها تلك الأقراص بأحد أدراج خزانته..
ذهول؛
فصدمة..
شجار؛
فوجه آخر!
وجه آخر لم تتخيل مُطلقًا أنه قد يُخفي مِثله، باهر الذي اقتنعت تمامًا أنها عرفته حق المعرفة، واجهها يومها بشخص آخر تمامًا..
ثم بكى مُتوسلًا سماحًا؛
فسامحت!
ثم عاد ثانية فتشاجرا..
ليبكي متوسلًا مرة أخرى؛
وأيضًا سامحت!
وأخرى.. وسامَحَت؛
وأخرى؛
وأخرى...
وبالأمس أخبرته أنها تتناول أقراصًا تمنع حملًا مُستقبليًا لأنها لن تُقامر بطفل من أب مثله..
كان أملها الأخير كي توقظه؛
أملها الأخير كي يعود إليها باهر القديم؛
أملها الأخير كي تُنبهه إلى ما يفقدانه بسببه؛
أملها الأخير كي يحصلا على بداية جديدة؛
لكن..
ها هي الآن تنظر إليه وهو يصحو من سكونه الذي يطول كل مرة بعد عودته من غيابات التيه التي يخطو إليها مُتعمدًا...
"لماذا أنام على الأرض؟!"
والسؤال الذي خرج بنبرته المُتحشرجة إثر النوم اقترن بوقوفه مُترنِحًا ووشوكه على السقوط مرة أخرى، ثم تابع سؤاله بآخر:
_لماذا تجلسين أرضًا بهذا الشكل؟
رَفَعت رأسها تنظر له بوجوم، ثم خرج صوتها هادئًا:
_ألا تتذكر ما حدث؟ ألا تتذكر ما الذي ألقى بك أرضًا باهر؟
بدأت الذكريات القريبة تندفع إلى عقله بسرعة ليتخفى صوته خلف جدار الحنق صائحًا بها:
_أهو لُغز ما؟! ما بكِ سُهَيْلَة؟
هبَّت واقفة وهي ترفع بين يديها شريطين يحوي كلا منهما نوعًا مُختلفًا من الأقراص، ثم انفجرت به صارخة:
_أتعلم ما هذان باهر؟ أتعلم أن تناوُلك لهذه الأقراص يجعلني أنا أتناول الأخرى؟ أتعلم أنني لم أعُد أشعر معك بأي أمان؟ أتعلم أنني أتمنى طفلًا وبنفس الوقت أدعو الله ألا أحصل على واحد؟
لكنه لم يهتم بكل ما تتفوه به وعيناه مُعلقتان بيدها اليُسْرى بدهشة ثم أخذ يبحث في جيوب ملابسه بسرعة، ولم يلبث إلا أن صاح بها:
_هل تُفتشين جيوبي أثناء نومي سُهَيْلَة؟ هل تسرقين أغراضي؟
فغرت فاها دهشة ثم صاحت به دامعة العينين:
_أهذا هو ما تهتم به الآن؟! أقول لك أنني أمنع الحمل وأننا ليس لدينا أطفال بسبب إدمانك وكل ما يزعجك أنني أُفتش بجيوبك؟!
جزَّ على أسنانه بغضب وهو يمد يده تجاهها ليختطف شريط الأقراص منها ففشل عندما تراجعت هي إلى الخلف، ثم صرخ بها غاضبًا:
_أنا لا أهتم، لا أهتم بالأطفال، ولا أهتم بكل ذلك الهراء الذي تتفوهين به هذه الفترة، ولا أسمح لكِ مُطلقًا بالتعدي على خصوصياتي.
حدَّقت به بذهول وتراخت يدها التي ترفعها جانبًا، ثم سألته بصوت باكِ:
_ألم تعُد تهتم بحياتنا ومستقبلنا باهر؟ ألم تعد تهتم بأي شيء يخصنا؟
خلع سترته ورماها أرضًا بعنف بالغ هاتفًا بها بنفاد صبر:
_ما علاقة ذلك بحياتنا سُهَيْلَة؟ أنا لازلت أحبك، بل أعشقك.
اقترب منها مُتوسلًا إياها بابتسامة لطالما خدعتها:
_أعطني الشريط حبيبتي، أعطني إياه وسوف نتناقش سويًا كما تشائين.
تطلعت إلى تقلُّب حالته بين لحظة وأخرى برعب وهي تُدرك تمامًا أنه قد خرج عن السيطرة، لتجد نفسها تهز رأسها رفضًا وهي تتراجع أكثر هاتفة بتصميم:
_لا باهر، لن تأخذه، إن أردت الحصول على فرصة أخرى لحياتنا سوف تتوقف عن تناول هذه الأقراص، وسنذهب الآن إلى إحدى المصحات كي يقوموا بعمل اللازم.
تراشقا النظرات في صمت تام..
التصميم منها والذهول منه؛
القوة منها ثم الاستهجان منه!
وما لبِث أن أطلق ضحكة_للمرة الأولى_ أرعبتها وهو يهتف بلهجة تراقص بها الخطر مُحذِّرًا:
_أتعنين أنكِ ستودعين زوجِك مصحة نفسية سُهَيْلَة؟!
ازدردت لُعابها وهي تحاول طرد الخوف الذي أخذ يكتنفها ولا تدرِ له سببًا ثم ردَّت بقوة مُفتعلة:
_أنت من ستقوم بذلك باهر، أنت من ستعمل معي على إنجاح زواجنا، وستعمل معي على بناء علاقة صحية بيننا، ثم حياة صالحة نتنعم بها.
وضحكته تعالت أكثر حتى شعرت بتخبط قلبها بصدرها، بينما الوجه الآخر لزوجها يُزيح الوجه الأول تمامًا، فتساءلت بداخلها بدهشة..:
كيف لم تلاحظ تقلُّبه؟!
كيف لم تلاحظ افتعاله؟!
كيف لم تلاحظ إخفاءه تجبُّرًا خالصًا؟!
ليقترب منها فتراجعت حتى التصقت رغمًا عنها بالعمود خلفها؛
بينما مال هو عليها مُحذِّرًا:
_للمرة الأخيرة سُهَيْلَة، أعطني الشريط وتوقفي عن هذا الهُراء!
ردَّت بأقصى قوة استطاعت الحصول عليها بمواجهته:
_أنا لا.....
لتمتد كفه تُحيط بفكها والشر يرتسم واضحًا على محياه صارخًا بها غير مُهتمًا بدمعاتها التي تنحدر على كفه بسخاء:
_الشريط يا سُهَيْلَة! كي لا أفعل ما تندمين عليه لاحقًا!
دفعته عنها بقوة مُشَوَّبة بذعر وهي تصرخ بدورها:
_لن أعطيك إياه يا باهر، سأتخلص منه مثل الشريط السابق، وكلما تحضر واحدًا سأتخلص منه، لن أيأس باستعادتك مُطلقًا، ستتوقف عن التعاطي وسنصل إلى حُلول سويًا و....
وابتلعت بقية كلماتها صارخة بعدما هبطت كفه على وجنتها بكل قوة، وقبل أن تفيق عاجلها بالصفعة الأخرى..
لكن الصفعة الأخرى كان تأثيرها أشد من سابقتها؛
فعندما ارتد رأسها إلى الخلف اصطدمت بالعمود ليدور رأسها وتتشوش رؤيتها ثم تسقط أرضًا كالحجر!
عندئذٍ فقط حصل هو على صحوته كاملة؛
فلا يُعقَل أن هذه الدماء التي تنساب أسفل رأسها تسرَّبَت خارج إحدى لوحات نشوات سُكرَتُه!
شحُب وجهه بلحظة وهو يتقهقر إلى الخلف، ثم عاد فجأة إليها مرة أخرى مُختطفًا السلسال الذهبي الذي يحيط بعُنقها وخاتمها الذهبي الذي تبقَّى من هدية خطبته!
وضعهما بجيبه بارتباك ثم انتزع شريط الأقراص من يدها المُتشبِّثة بها وينطلق إلى الخارج تاركًا إياها غارقة بِدِمائِها!
**********
""هل تشاجرتِ مع أبي يا أمي؟
أطلقت يُسْر ذلك السؤال وهي تساعد أمها في تجميع الصحون الفارغة من فوق الطاولة، بينما نطقت ملامح عبلة بالضيق الشديد، لكنها ابتسمت بافتعال وهي ترد:
_لا حبيبتي، لم نتشاجر، أخبريني أنتِ! هل وجدت ما نال إعجابك اليوم؟
تظاهرت يُسْر بالتدقيق في أحد الصحون وهي تتهرب من عيني أمها قائلة:
_لا، لم نجد شيئا مميزا، ربما سنفعل في يوم آخر.
حدَّقت عبلة بابنتها بتمعن وزفرت بيأس ثم جذبت الصحون منها وهي تناديها بصرامة، رَفَعت يُسْر عينيها إليها بقلق متسائلة بتوتر:
_نعم أمي؟ لِمَ تنظرين إليّ بهذا الشكل؟
اقتربت منها عبلة بسرعة وأمسكت ذراعيها وهي تحدثها بحزم بنبرة خافتة كي لا يسمعها زوجها ومُرافقيه:
_لم يفُت الأوان بعد، لازال بمقدورك التراجع يُسْر، أنا لا أشعر أن رمزي يناسبك مطلقا، أنتِ تستحقين من هو أفضل، فكري جيدًا ابنتي كي لا تندمي مُستقبلًا.
ظهر التأثر على وجه يُسْر مُرفق ببعض التخبط وهي تنظر لأمها بألم قائلة:
_ربما سأكتشف مُستقبلًا أنه يناسبني أمي، هو.. هو يقول أنه يحبني، وأعتقد أن ذلك يكفي.
احتدت نظرات أمها ثم هتفت بها بغيظ:
_لكنكِ لا تحبينه يُسْر، لا تحاولي إنكار ذلك، أنا أمك وأعلم جيدًا متى تُزيفين تقبلك للأمور، رمزي لم يصل إلى قلبِك حتى الآن بالرغم من مرور عامين على خطبتكما.
ابتعدت يُسْر عن يدي أمها وهي تحمل الصحون مرة أخرى قائلة بتخاذل:
_أمي، أنت تعلمين أنني لا أهتم بذلك في الواقع، لكنني ربما سأتعلم، سأتعلم تقبله عندما يصبح زوجي، من المُحتَمل أن يصل إلى قلبي أيضًا كما تريدين عندما أعيش معه، كما أنه ابن عمي وسيعتني بي جيدا.
ثم افتعلت ابتسامة وهي تشاكسها قائلة:
_ربما واحدة في هذه الأسرة ستكون قصة ارتباطها مختلفة قليلا، لا يجب أن تكون قصتي بذلك الاشتعال، يكفي شرارات العشق التي تنطلق طوال اليوم بينك وبين الأستاذ كمال.
نظرت لها أمها شزرًا تُخبرها بدون كلمات أنها تُدرك تمامًا مُحاولاتها الفاشلة للتهرب من الأمر، فعاجلتها ابنتها بارتباك جلي:
_أعتذر منكِ أمي، سأقوم بإعداد الشاي لأبي ولعمي ولرمزي.
وقبل أن ترد أمها انطلقت إلى المطبخ، فحدَّقت عبلة في إثرها بضيق شديد وهي تدعو أن تعدل ابنتها عن قرارها قبل أن تتورط في زيجة ليست مناسبة مطلقا!
**********
وَصَل زيدان إلى المقهى الهادىء الذي أصبح لا يذهب إلى سواه، ثم اتجه بتِلقائية إلى الطاولة التي اعتاد الجلوس حولها معها جاذبًا أحد المقاعد وعلى وجهه ابتسامة تلازمه بهذا المكان.
فــ.. هُنا فقط؛
يتخلص من كل همومه؛
يطرد كل مساوىء الحياة خارجًا؛
يثبت لهم أنه لن يكون تابعًا، أو خاضعًا، أو.. مجنونًا!
تعلَّقت عيناه بباب المقهى ثم تهادت الذكريات السعيدة داخل عقله فأغمض عينيه لها مُستسلِمًا...
منذ أربعة أعوام:
كان يدُق على الطاولة بأنامله بعصبية واضحة وهو يتطلع بين الفينة والأخرى إلى باب المقهى مُنتظرًا صديقه الذي تأخر كثيرًا كما عادته..
زفر بغيظ شديد وهو يسترجع شجاره ذلك الصباح مع شقيقه الأكبر الذي يتصرف وكأنه ملك الكون، فمنذ أن تقاعد والدهما عن العمل بسبب حالته الصحية الضعيفة انقسم الاثنان.. فهو قد فضَّل إفادة الشركة بدراسته الهندسة المِعمارية، لكن شقيقه يريده أن يساعده في الأمور الإدارية..
هو بالفعل لا يطيق الإدارة ولم يهتم بها يومًا حتى مع إصرار والدهما على تقسيم الأسهم التي امتلكها بالشركة بينهما مُناصفة، لكنه لا يرى في نفسه تلك الشخصية المُتسلطة الآمرة التي يتمتع بها ثائر ببراعة..
لِذا ومهما أصر عليه شقيقه أو أبوه لن يسمح لنفسه مُطلقًا بالغرق في بحور القوة والنفوذ، لطالما أحب الحياة البسيطة ولسوف يظل كذلك..
والآن أين هو صديقه الذي أصر عليه كي يقابله حتى يحُل النزاع بينه وبين شقيقه؟!
أين أنت يا باسل؟
ألن تتعلم احترام المواعيد مُطلقًا؟!
رَفَع عينيه إلى باب المقهى مرة أخرى بملل سُرعان ما انمحى وهو يرى تلك الشابة الجميلة تتقدم تجاهه وعلى وجهها ابتسامة.. رائعة!
عقد حاجبيه بدهشة وهو يحاول استيعاب أن تلك الابتسامة مُوجهة إليه شخصيًا، وقبل أن يُفكر وجد نفسه يبادلها إياها بكل سرور حتى توقفت أمامه بالضبط..
وبصوت رقيق خجول ابتدأت حوارها معه:
_عُذرًا يا سيد! هل لي أن أطلب منك طلب؟
نظر لها باستغراب ثم اعتدل بمقعده مُتسائلًا:
_مني أنا؟!
أصبحت الابتسامة أكثر رقة وبهاءًا وهي تومىء برأسها قبل أن تجيبه:
_نعم، أعتذر جدًا إن اعتقدت بأنني أفتقر للذوق، لكن أنا وصديقتاي نُقيم حفل عيد ميلاد ونُريد الجلوس على هذه الطاولة لأنها مُنعزِلة، حتى لا نزعج غيرنا.
نظر لها بدهشة مُختلطة بالاستنكار بسبب جرأة مطلبها ثم ألقى نظرة خلفها ليجد فتاتين تنظران إليهما بحرج بالغ، عادت نظراته إليها ثم أخذ يُلملم سلسلة مفاتيحه وهاتفه وهو يقف ببطء والعبوس على وجهه واضحًا فأسرعت هي تقول بلهجة مُعتذرة:
_آسفة جدًا يا سيد، إن كان مطلبي سيزعجك لا تهتم، سوف نجد مكانًا آخر.
حينها نظر إليها بتمعُن وهو يتفحص الأسف بعينيها، ليجد نفسه بدون تفكير مرة أخرى يبتسم وهو يهز رأسه رفضًا قائلًا:
_مهندس زيدان، ولن أنزعج إن كنتِ ستُعطيني قطعة من الكعكة، وكل عام وأنتن بخير.
أشرقت ابتسامتها فجأة فتسمَّر هو مكانه للحظات..
لحظات فقط حدَّق كلا منهما في الآخر؛
توردت وجنتاها فاتسعت ابتسامته؛
طأطأت رأسها أرضًا فحمحم هو بِحَرَج..
تراجعت إلى الخلف مُتَمتِمة بكلمات شُكر غير واضحة فأومأ برأسه وهو يتخطاها إلى طاولة أخرى، ليجلس مُتظاهرًا بالعبث بهاتفه حتى حضر صديقه أخيرًا قائلًا بأسف:
_عذرًا زيدان، زحمة السير كما تعلم.
رَفَع زيدان عينيه الحانقتين إلى قامته الطويلة، والرد كان تمتمة مغتاظة من بين أسنانه:
_حتى إن امتلكت طائرة خاصة، ستتأخر أيضًا يا باسل.
وباسل جلس خالعًا نظاراته الطبية زافرًا بعض الهواء على سطحها قبل أن يمسحه ويرتديها مرة أخرى، لينطلق على الفور في صُلب الموضوع الذي أتى من أجله..
فالأب حزين؛
والأم غير راضية؛
والأخ غاضب.. وغضبته دومًا عاتية!
لماذا لا يتركونه يعيش حياته كيفما شاء؟
_أنت تعلم أن أباك يريد...
ألقى باسل عبارته بحذر ليقاطعه زيدان بسخط نادرًا ما تمكن منه:
_يريد مصلحتي، كلهم يريدون مصلحتي، أليس كذلك؟!
زفر باسل حانقًا وأشاح بوجهه الأسمر بملل بينما أخذ يعدل من وضع نظاراته الطبية على أنفه..
ها هي المعزوفة المُعتادة ستبدأ!
_دعني أخبرك شيئًا باسل، ربما تعتقد أنت أنهم يريدون مصلحتي، لكن إن تعارضت تلك المصلحة مع ابنهم الأكبر سيُديرون ظهورهم لي وسيطلبون رضاه.
صفق باسل وابتسم بسخرية قبل أن يستغفر بصوت مسموع ولم يجد ردًا يتفوه به، بينما أدار زيدان رأسه بعيدًا فوقعت عيناه على أنقى ابتسامة رآها بحياته..
مرة أخرى..
ثم صار اختلاس النظرات بينهما واضحًا؛
مرتبكًا؛
مبتسمًا؛
حتى لاحظ صديقه فمال عليه مُندهشًا، وسأله بلا تصديق:
_هل تغازل تلك الفتاة يا زيدان؟
أجفل زيدان بِحَرج، وانتبه إلى أنه نسى وجوده تمامًا، ثم هتف به مستنكرًا:
_عن أي غزل تتحدث أنت؟ أنا لا أفعل ذلك بالطبع، لقد.. لقد..
وقبل أن يجد ردًا مُناسبًا وقع بصره على النادل الذي يقترب من طاولتهما حاملًا قطعتين من الكعك، وضعهما أمامهما بهدوء ثم قال بلباقة:
_الآنسة شيرين أرسلت هذا الكعك إليك مهندس زيدان، وتُرسل لك شُكرها.
ولمَّا انصرف النادل بهدوء اتجهت عيناه إليها تلقائيًا وهو يهُز رأسه شاكرًا فمنحته إيماءة خَجِلة.
_أو ربما هي من تغازلك!
اختفت ابتسامته وهو يتطلع إلى صديقه مُغتاظًا بينما الأخير يتلاعب بحاجبيه، ويبدو عليه الاستمتاع الشديد، حتى اضطر زيدان إلى سرد كل ما حدث كي يتوقف باسل عن رميُه بهذه النظرات الماكرة.
وقبل أن ينصرفا اتجه زيدان إلى النادل مُحاولًا استقطاب أية معلومات عنها ليندهش عندما علِم أنها ابنة صاحبة المقهى.
ذلك المقهى الذي أخذ يرتاده يوميًا فرآها أكثر من مرة..
تبادلا الابتسامات بضعة مرات..؛
ثم التحيات المُهذبة..؛
ثم أحاديثًا عابرة..؛
ولِمدة عام كامل تطور الأمر بينهما حتى أصبحا يتقابلا بنفس المقهى دونما اتفاق؛
وبنزعة جرأة لم يتصف يومًا بها وجد نفسه بإحدى المرات يجذب مقعدًا حول طاولتها متسائلًا:
_أتتزوجيني شيرين؟!
وتورد وجنتيها كان إشارة واضحة على إجابتها، ليتجه في نفس اليوم إلى السيدة مها والدتها فينتزع منها موافقة مبدئية حتى يحضر أهله ويطلبونها بطريقة رسمية..
وهكذا أصبحت خطيبته وحبيبته الأولى والأخيرة..
والآن فتح عينيه وهو يشعر باقتراب خطوات منه لتتسع ابتسامته مُرَحِّبًَا:
_مرحبًا سيدة مها.
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس