عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-21, 01:44 AM   #136

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,475
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




Part 58


"كل الوسائل التي كانت ستجعل الإنسانية أخلاقية قد كانت حتى الآن لا أخلاقية للغاية"
-فريدريك نيتشه-

جلس كين على كُرسي الجلد المُريح وهو يتصفح بهدوء إحدى الملفات ويقرأ مُحتوياتها ..
كان هادئاً للغايه ومُطمئن لكونه يملك على الأقل ساعتين قبل أن يبدأ أي أحد بالقدوم ..
سيبحث بهدوء حتى لا يُفوت أي أمر مُهم بسبب الإستعجال ..
لفتَ نظره الهاتف المحمول على المكتب ، ولكنه لم يشك بكونه قد نسيه ..
رُبما كان هاتفاً آخر ! فلا أحد الآن في هذا الزمان قد يترك الهاتف من يده حتى ولو لثوانٍ فكيف بنسيانه في مقر العمل ؟
وحتى ولو كان هُناك نسبةً ضئيله بكونه قد نسيه فلابد من أنه يملك محمولاً آخر فكُل الدكاترة هكذا حتى جان نفسه لطالما رأى بيده هاتفاً من نوع الأندرويد مُختلف عن هاتف الايفون هذا !
لذا لابد من أنه تُرك هُنا لحين موعد عمله القادم بعد ساعاتٍ قليله ..
هو حقاً يأخذ كُل شيء بهدوء تام ، فالحذر الشديد لن يُسبب سوى التشتيت وعدم القدرة على البحث جيداً ..
يقرأ الملف بتركيز شديد بعدما خلع درج المكتب المُؤصد بالقفل تاركاً كُل الملفات الباقية على أرفف الدولاب الكبير ، فهو على ثقة بأن ما خُبئ في الأدراج هي مُراده ..
وكانت ثقته في محلها ..
عيناه تُمشطان السطور تمشيطاً وهي تتسع بدهشة من كمية المعلومات الجديدة التي بعضها تؤكد شكوكه السابقه وبعضها جديدٌ عليه بالكامل ..
مُركزاً للغايه لدرجة عدم إحساسه لا بالوقت ولا بأي صوت ..
حتى يكاد يفقد القدرة على الإحساس بمن حوله فلقد فُتح الباب ودخل الدكتور بهدوء وهو لم يشعر به حتى !
تعلقت عينا الدكتور جان به بدهشة !
لقد عرف عن كون أحدهم إقتحم عيادته عندما رأى قفل الباب الخارجي فُتح دون مُفتاح ولكن أن يكون كين من بين الجميع ؟
هذا الشقي الصغير ! لطالما تحدثت جينيفر عنه وعن فضوله !
ألم يعرف بأن الفضول قد قتل قطة ؟
أغلق باب المكتب بهدوء وإتكأ على الجدار كاتفاً يديه الى صدره ينظر إليه وهو في غُمرة تركيزه التام ..
دقيقتين مرت قبل أن يرفع كين عينيه بشكلٍ لا إراديّ الى الأعلى وكأن عقله الباطني قد تنبه بوجود من يقف منذ فترة يُراقبه ..
إتسعت عيناه من الدهشة عندما وقعت على الرجل صاحب هذه العياده ..
على الدكتور جان بنفسه !
هذا مالم يحسب حسابه ...
لابد من أنه الهاتف اللعين !!
لم يُعره إهتماماً لأنه من داخله يعلم بأن اليوم هو اليوم المُناسب ليبحث خلفه ، لم يكن يُريد أن يشعر بالخطر ويرحل فهو إن لم يفعلها اليوم وجينيفر مُسافره فلن يستطيع فعلها في يومٍ آخر فهذان لطالما كانا يجتمعان في العيادة عندما تكون مُغلقه ..
لقد كان اليوم المثالي !
لما اصبح إذاً كُل شيء ضده وظهر في وجهه فجأه ؟!!
سُحقاً لهذا الهاتف !
إبتسم الدكتور جان يقول: أهلاً كين ، كان عليك إخباري بقدومك كي أُضيّفك جيداً !
إبتسم كين يقول: أهلاً دُكتور ، أعتذر لقدومي مُبكراً ، قررتُ قتل الوقت بالقراءة حتى يحين الموعد المسائي لفتح العيادة ..
بقيت الإبتسامة على شفتي الدكتور لفترة ثُم قال: هل تُحب الفن الإنجليزي ؟
لم يُجبه كين فهو لم يعرف هدفه من السؤال حتى ..
تقدم الدكتور يقول: أمثلتهم رائعه ، كمثل يُقولون فيه "الفضول قتل القطة" ! ألا يُشبه هذا موقفك ؟
وقف أمامه تماماً قبل أن يُمسك بشعره بشكلٍ مُفاجئ ليضرب برأسه المكتب ويُثبته عليه حيث وجهه يُقابله تماماً ..
شد كين على أسنانه في حين إنحنى الدكتور ليقترب منه أكثر وهو يهمس: أنت تعرف الكثير بالفعل فلما لا تتوقف عن فضولك هذا ؟ ألم تسمع بالمثل الإنجليزي الآخر الذي يقول "من طمع بالفوز بكُل شيء خسر كُل شيء" ؟!
أمسك كين بيده التي لا زالت تشد شعره وتُثبته على سطح المكتب وإبتسم رُغم ألمه يقول: لما درستَ الطب إن كُنتَ تعشق الأدب الإنجليزي الى هذا الحد ؟
إبتسم الدكتور جان يقول: كم أعشق تدمير طويلوا اللسان أصحاب النظرات الجريئة أمثالك !
ضاقت عينا كين وهو يعي حجم المُشكلة التي أدخل نفسه فيها ..
ماذا يفعل ؟ التوسل بالتأكيد لن يُجدي نفعاً ناهيك عن كونها ليست من مبادئه !
لا بأس ، رُغم أنه قرأ عن بشاعة ما يفعله هو وجينيفر إلا أنه لن يتمادى ..
الدكتور ليس أحمقاً ليُعرض نفسه لمشاكل مع العائله ..
أجل ، بالتأكيد سيتركه يرحل بعد بضع كلمات تهديد ..
الأمر بسيط ..
أو ....
هذا ما يُحاول إقناع نفسه به ..
فنظرات الدكتور جان كانت تقول عكس ذلك تماماً ..
تحدث كين يقول بهدوء: ليس وكأني سأقبل أن أكون فأراً لك كما قبل ريكس بذلك ..
بقيت الإبتسامة على شفتي الدكتور لفترةٍ قبل أن يقول: وهل تضن بأن ريكس قبل بهذا طواعيه ؟
إبتسم كين يقول: ماذا ؟ دسستُم له سمومكم في طعامه !
إزدادت إبتسامة الدكتور جان يقول: أوه هل إكتشفتَ أمر عصير البُرتقال ؟ وأمر قطع الشوكولا أيضاً ؟
أتسعت عينا كين بصدمه !
قطع الشوكولا ؟!!! هل دسوا سمومهم فيها أيضاً ؟!
إنفجر الدكتور ضحكاً وترك كين وهو يتجه الى إحدى الأرفف يقول: ماهذا ! لم تكتشف ؟! كان ريكس أذكى منك فلقد إكتشف كُل شيء مُبكراً ، لم تكن بقدر ذكائه للأسف ..
إعتدل كين واقفاً يشد على أسنانه وهو يرى الدكتور يأخذ قفازاتٍ طبية من كرتونٍ صغير على سطح أحد الأرفف وهو يُكمل: لم يكن فضولياً بقدرك ولكنه كان على قدرٍ كبير من الفطنه ، كان يفهم كُل ما يُقال وكُل ما يحدث ، كان مصدر قلق كبير لجينيفر ، من الجيد أنها حرصت على إبقائه تحت يديها منذ طفولته ! دمرته نفسياً وهاهي الآن تُدمره جسدياً ..
إرتدى القفازات في يديه ومن ثُم أخرج هاتفه الآخر يُرسل رسالةً الى أحدهم في حين أدخل كين يده في جيب بنطاله بهدوء حيث هاتفه فلقد أصبح يعلم قدر الخطر الذي هو فيه ..
عقد حاجبه فوصله صوت الدكتور جان يقول: هاتفك ؟ أخذتُه سابقاً ..
صُدم كين من كلامه فأكمل الدكتور بعدما أرسل رسالته وأغلق هاتفه: لا مجال للهرب ، دعنا نُدردش قليلاً فأنا أُحب أن أُطلع ضحاياي على أفكاري والمُستقبل الذي أُنشئه عبر التضحية بهم ..
شد كين على أسنانه هامساً: مُستقبل ؟! هُراء !
إبتسم الدكتور ونظر الى وجهه الحاقد يقول: كُل موتٍ مُباح في سبيل البشرية يا كين ..
زاد قلق كين من الداخل فكلمات الدكتور خطيرة للغايه ولا تُنبئ بخير بتاتاً !

***

2:01 pm
‎-سينت دي-



الجو بارد والسماء صافيه خاليه من الغيوم ومن الشمس أيضاً ..
كان ينظر اليها وهو يتسائل أين قد تختفي الشمس إن لم يكن هُناك أي غيوم ؟
تنهد ونظر الى خالته ووالدته حيث كانتا أمام شاشةٍ كبيرة فيها أسماء ومواعيد الأفلام لهذا اليوم ..
حقاً ؟ فيلم مع العائله ؟
خالته هذه عجيبه !
تقدم ودخل الى الداخل حيثُ كان يقف على الباب سابقاً لينظر الى يساره حيثُ ريكس الذي كان يقف بهدوء مُتكئ على إحدى أعمدة ديكور المكان وهاتفه النقال بين يديه ويبدو مُركزاً فيه للغايه ..
عيناه تكادان تخترقان الهاتف من شدة التركيز ، في ماذا هو مشغول ؟
تجاهله وتقدم من إليان التي تجلس على إحدى الكراسي وهاتفها بين يديها ، جلس بجانبها يُعلق: خالتي تضُننا لا نزال صِغاراً ، بالأمس ذهبت بنا الى البُرج لنُلقي نظرةً الى معالم المدينة ومن ثُم الى محل القطارات الصغيره لأجل أن نلتقط صوراً لعوالم المُدن المُصغرة واليوم الى ديرٌ قديم تحكي لنا عن تُراثه والآن تُريحنا بمُشاهدة فيلم بالسينما !
نظر إليها مُكملاً: إنها حتى تتحدث عن رحلةٍ نقطع فيها الغابة مشياً من أجل أن نصل بالأخير الى منطقةٍ عالية نرى فيها الوادي حيثُ تتواجد هُناك الكثير من المعالم التاريخيه ! وااه يا خالتي إنها تُعاملنا مُعاملة السيُاح ..
إليان ببرود: قُل لها هذا الكلام ..
تنهد إدريان يقول: كُلما أردتُ إخبارها بهذا وجدتُ الحماسة الكبيرة في عينيها تجعلني أتراجع ..
صمت قليلاً ثُم قال مُتسائلاً: هل هي تقوم بتمشيتنا أو تمشية نفسها ؟
ضحك بعدها قليلاً قبل أن ينظر الى هاتف إليان ليرى فيماذا هي مشغولة عنه ..
إتسعت عيناه بصدمه وسحب هاتفها يقول بإستنكار: بجدية إيلي !! تدرسين ؟!!
قطبت حاجبيها بإنزعاج تقول: هيّا إد ! أعد هاتفي ، إني فقط أفعلها في وقت الإستراحات لذا ...
قاطعها مُغلقاً هاتفها يضعه في جيب معطفه يقول: إنسي ..
دُهشت وقالت: إد لا تتصرف بلؤم !
إبتسم ووقف مُبتعداً عنها الى خالته ووالدته ليُعطي رأيه في نوع الفيلم قبل أن يورطوهم بفيلم من السبعينيات ..!
مطت إليان شفتيها بإنزعاج هامسه: سُحقاً ..
أشاحت بنظره بعيداً عنهم ليقع على ريكس الذي كان يُعاين هاتفه بإهتمام شديد ..
تذكرت صباح اليوم عندما أتته مُكالمةً من آلبرت ، لقد أظهر حينها تعابير الصدمة وبقي وجهه بعدها مخطوفاً بالكامل لفترةٍ طويلة ..
تتسائل ما سبب ذلك يا تُرى ؟
"تتسائل" ؟
أشاحت بنظرها عنه بضيق ..
في السابق لم تكن بحاجة لأن تتسائل ، كانت فقط تتقدم منه وتسأله عما به ..
ولكن ، الأمر أصبح صعباً الآن ..
عقدت حاجبها عندما رأت إدريان يبتعد عن والدته وهو يتظاهر بالنظر الى هاتفه بينما يقترب شيئاً فشيئاً من خلف ريكس وكأنه يُريد معرفة ما الذي يشغله بالهاتف طوال فترة خروجهم من المنزل ..
إبتسمت رُغماً عنها تهمس: فضوليّ أحمق ! أتمنى ألا يُلاحظه ريكس حتى لا يكون الأمر مُحرجاً ..
قالت أتمنى فهي تعرف ريكس جيداً ، حركةٍ غبية كهذه سيُلاحظها من دون أدنى شك !
راقبت ريكس لتتعجب من كونه لم يُلاحظ إدريان بل كان قاطب الحاجبين بإنزعاج شديد وهو يضغط الأزرار في هاتفه وكأنه يتشاجر مع أحدهم !
حقاً هي تُريد أن تعرف ما الذي يشغل باله !
لابد من أن مُكالمة آلبرت هي السبب ..
ماذا قال له ليُصبح ريكس بهذه الحدة والعصبيه ؟
في حين تظاهر إدريان بالوقوف في طابور لشراء الفُشار بينما يقترب قليلاً من خلف ريكس حتى أصبح هاتفه في مرمى نظره ..
فهو أيضاً قد لاحظ تغير ريكس من بعد مُكالمة آلبرت ..
هو أيضاً يشعر بفضول كبير لمعرفة السبب ..
إتسعت عيناه بصدمة وأشاح بنظره بسُرعةٍ قبل أن يُلاحظه ريكس وبدأ بالإبتعاد قليلاً حتى جلس على كُرسي بالقُرب من إليان التي لاحظت صدمته ..
وقفت لتتقدم وتجلس بجواره تسأل: مابك ؟
نظر إليها قليلاً قبل أن يهمس: لن تُخبري أحداً ؟
زاد قلقها تقول: كلا ..
رمى إدريان نظرةً سريعةٍ الى ريكس قبل أن يقول: هُناك خطب يحدث معه من دون أدنى شك ، هو لم يعد ريكس القديم بتاتاً ..
إليان: ماذا تقصد ؟
أدار بجسده الى جهتها يقول: في آخر سنة بالضبط أشعر وكأنه إنقلب تماماً ، بدأتُ الآن أشك بصدق كلام فرانس في آخر حفلةٍ حدثت ..
عضت على شفتيها وبداخلها غضب لا تعرف سببه حيثُ قالت: فرانس يكذب يا إيدي !! هو ...
قاطعها: وهل قُلتُ عكس ذلك ! مُنذ متى وأنتِ مُتسرعه ؟
أشاحت بنظراتها قليلاً قبل أن تنظر إليه وتقول: ماذا قصدتَ إذاً ؟
إدريان: أصدقك القول ، سألتُ ريكس بنفسي في تلك الليلة عما إن كان ماقاله فرانس صحيح فأنكر لي كلامه ، صدقته .. أو بالأحرى تظاهرتُ بتصديقه بينما في قلبي بعض الشك ولكني تجاهلته ، الآن أنا موقن بأن فرانس حقاً كان يكذب وريكس يستحيل أن يفعلها ..
تعجبت وسألت: وما الذي غير موقفك فجأه ؟
أشار الى ريكس يقول وهو قاطب الحاجبين: من يغضب وتشتد أعصابه طوال اليوم من أجل لُعبةٍ سخيفه يستحيل أن يملك عقلية مُجرمين !!
عقدت حاجبها بينما إتكأ إدريان بيديه على رُكبتيه يقول: واااه إني مصدومٌ فيه بالكامل ! أثار قلقي منذ الأمس لأكتشف بأنه كان يلعب ! كان يُحاول الفوز بمرحلةٍ سخيفه ! إنها لُعبة كور ملونة تملأ القنينات ، حتى أنا عندما كُنتُ طفلاً لم ألعب بهكذا ألعاب !
إبتسمت إليان رُغماً عنها ليُكمل إدريان بتساؤل: أتسائل ماذا دار بحواره مع آلبرت ؟ هل هو الآخر مثله ؟
نظر الى إليان يُكمل: هل هُما يتنافسان الآن على من يُنهي الفوز باللُعبة أولاً ؟
ضحكت إليان رُغماً عنها في حين ظهرت الدهشة على وجه إدريان يقول: أجل بالتأكيد ! آلبرت في مرحلةٍ مُتقدمه وهذا أثار حُنق ريكس ولهذا طوال اليوم غاضب يُحاول تجاوزه !
زاد ضحك إليان بطريقةٍ جذبت الأنظار اليها وهي تقول: إيدي توقف أرجوك !
قطب إدريان حاجبه يهمس: لا تجذبي نظره بضحكك إيلي ، إن علم أننا نتحدث عنه لا يمكنني تخيل ما قد يفعله بنا ! رُبما يصل به الأمر لقذف كُرات اللعبة نحونا ، صدقيني ريكس يفعلها ..
زاد ضحكها لدرجة أن ريكس فقد تركيزه باللعبة ورفع نظره إليها مُتعجباً ..
متى آخر مرة شاهد فيها إليان تضحك بهذه القوه ؟
وفي مكانٍ عام أيضاً !
بقي ينظر إليها لفترةٍ لتظهر بعدها شبح إبتسامةٍ على شفتيه قبل أن تتقدم جينيفر منهما تقول: ماذا يحدث معكما ؟
حاولت إليان إيقاف ضحكها وهي تمسح دموعها قائله: أُمي أبعدي إدريان عني ، إنه يُسبب لي الإحراج ..
إدريان بدهشه: وأنا الذي حاولتُ زرع البهجة في يومك !! أنتِ قاسيه ، تحطم قلبي ..
إبتسمت جينيفر لهما لتعقد حاجبها وتُخرج هاتفها عندما إهتز مُعلناً وصول رسالةٍ نصيه ..
قرأتها بوجهٍ خالٍ من المشاعر قبل أن تهمس: كين هذا ... لديه جُرئةٌ يجب أن يتم كسرها !
لم ترد على الرسالة بل إبتعدت قليلاً وهي تتصل على زوجها آليكسندر ..

من جهةٍ أُخرى ..
رد آليكسندر على الهاتف وهو للتو جلس على طاولة الطعام برفقة آلبرت وفلور فقط ..
إبتسمت وبادرته الحديث قائله: كيف حالك عزيزي ؟
آليكسندر: بخير ، ما أحوال الأولاد ؟
نظرت جينيفر بإتجاه إدريان الذي يُضحك إليان بحديثه فردت بإبتسامه: بغاية السعاده ..
هز رأسه بهدوء وتأكد بأنه كان على حق عندما قرر عدم إخبارهم بوضع فرانسوا السيء للغايه ..
آليكسندر: هذا جيد ..
جينيفر: ماذا تفعل في هذا الوقت ؟ هل تناولت طعام الغداء ؟
آليكسندر: للتو عدت من الخارج ..
جينيفر: أوه جيد ، ما أخبار الصِغار ؟ فلور وكين ؟
آليكسندر وهو متعجب من بدأها بالإسترسال بالاحاديث فهي لم تفعلها عن طريق الهاتف من قبل ..
أجابها: على ما يُرام ويبدو بأنهم أكثر إجتهاداً ففلور لم تُفارق كُتبها منذ الأمس وكين ذهب الى أصدقائه فلقد كونوا مجموعة دراسيه للإستعداد للإمتحانات النهائيه ..
إبتسمت لهذه الإجابة وقالت: حسناً ، هذا جيد ، إهتم بنفسك جيداً عزيزي ، أحبك ..
ومن ثُم أغلقت هاتفها قبل أن تدخل الى الرسائل وترد على رسالة جان ..

في حين أغلق آليكسندر هاتفه وهو يُفكر بكلام ريكس سابقاً بخصوص جينيفر ..
لم يملك وقتاً ليُحادثها قبل سفرها ..
الأمر يشغله جداً ..
ريكس لم يتحدث بالهُراء من قبل !
تنهد وعندما بدأ بتناول الطعام لاحظ آلبرت شارد الذهن تماماً منذ جلوسه على عكس فلور التي كادت أن تنتهي من صحنها غير آبهة للباقة في إنتظار من هم أكبر منها للبدء ..
سأله: آلبرت ماذا هُناك ؟
إستيقظ آلبرت من شروده وسحب الشوكة يغرسها في صحنه مُجيباً بهمس دون حتى أن ينظر إليه: لا شيء ..
هُناك شيء ، هذا واضح ..
لم يسأله آليكسندر عن ماهيته فلقد توقع كونه قلق لأجل أخاه ..
سأله بعد فتره: هل علمت إستيلا عما حدث ؟
هز آلبرت رأسه بهدوء يُجيبه: أخبرتُها هذا الصباح ..
لم يُعلق آليكسندر على الأمر بينما إبتسمت فلور وأخذت هاتفها لتحت الطاوله وبدأت تكتب رسالة الى أُختها تقول فيها:
"عمي قلق لأجلك ، لقد سأل آلبرت عنك قبل قليل"

قرأت إستيلا الرسالة بهدوء قبل أن تهمس: قلق ؟ هُراء !
تنهدت وأطفأت الهاتف قبل أن تنظر الى يسارها حيثُ يرقد فرانس بهدوء كالطفل تماماً ..
يده اليمنى في يدها اليُسرى تضغط عليها وهي تنظر الى عينيه المُغلقتين بسلامٍ تام ..
همست: ما نوع المُشكلة التي أوقعت نفسك فيها ؟ لما لا تتوقف عن صنع المشاكل ؟ ما سببك الآن ؟ كُنتَ تُحب جذب الأنظار نحوك في صِغرك ، والآن لما ؟ هل تُريد منا أن نندم على مُعاملتنا لك ؟ هل تُحب أن ترانا قلقين هكذا لأجلك ؟!
تنهدت بعمق وإنحنت تضع رأسها على السرير بجواره وهي لا تزال تشد على يده هامسه: حسناً ، أنا آسفه ..
ولم تقل أي شيء بعدها ..

***



إبتسم جان وهو يقرأ رسالة جينيفر التي تُخبره فيها أن يفعل ما يشاء ولن تمنعه عن شيء ..
واااه ، إنه يُحبها حقاً ..
أغلق هاتفه ونظر الى كين الذي كان يقف بالقرب من كُرسي المكتب وعيناه تُظهران قلقاً لا يُمكن تصوره مهما حاول إخفائه ..
تقدم جان منه يقول: كين لقد قررت ..
ظهر الحذر الشديد على ردة فعل جسده فإبتسم جان يقول: سأُعطيك هذا الشرف الذي يتمناه ملايين الناس ، شرف التضحية من أجل البشريه ..
شد كين على أسنانه يقول: شكراً ، لا أُريده ..
توقف جان أمامه وإنحنى إليه فتراجع كين الى الخلف كردة فعل تلقائيه ليجد نفسه قد جلس مُجدداً على الكُرسي ..
أمسك جان بيدي الكُرسي وإنحنى أكثر يهمس له: لا تقلق ، أعدك بأني سأكتُب إسمك وسيُخلد التاريخ تضحيتك ، وستتناقل قصتك عبر أجيال ، سيكون لك شأناً كبيراً يا كين ..
الهواء من فم كين كان يخرج برجفةٍ كبيره وجسده يُحاول التماسك قدر المُستطاع وبداخله ندمٌ لم يشعر به قط طوال حياته ..
بالكاد همس بصوتٍ حاول فيه أن يكون قوياً: لا أُريد ، شُكراً لإهتمامك ..
جان: لا يُمكن للأطفال إتخاذ القرار قبل بلوغهم سن الثامنة عشر ، الكبار هم من يعرفون مصلحتكم في هذا العمر ..
رفع إحدى يديه ووضعها على صدره مُكملاً: أنظر إلي أنا ! إيدن هو إبني الوحيد ، لا أملك طفلاً غيره ومع هذا لم أكن أنانياً !
عاود وضع يده على يد الكُرسي وهو يُكمل: ضحيتُ به لأجل كُل المشلولين في العالم ، الشلل مرض مُخيف يا كين ، مُخيف أكثر مما تضن ومُنتشر بصورةٍ فضيعه ! إنه ليس بالمرض الذي يُمكن الوقاية منه عبر الأدويه ! هو مرض يأتيك فجأه ، إما عن طريق حادث سير مُفاجئ ، أو سقوط من مكانٍ عالٍ ، أو رُبما عن طريق إبرةٍ أُخذت بشكلٍ خاطئ ، إنه مُخيف جداً ، فهو يأتي بدون مُقدمات .... ولا يُغادرك أبداً ..
صمت قليلاً ينظر الى عيني كين المُرتعبتين واللتان يُحاول أن يجعلهما ثابتين فإبتسم وأكمل: لهذا أنا هُنا ، أستخدم عبقريتي ومهارتي من أجل إيجاد دواء لهذا المرض ، لهذا جينيفر هُنا ، بمركزها ومالها تموّل لهذا المشروع ، لهذا أنا وهي هُنا لكي نُضحي بإبننا ليكون حقل تجارُبنا ، وكُل هذا من أجل البشرية يا كين ، من أجلهم صدقني ..
سيطر كين بالكاد على تنفسه المُرتجف وهو يهمس: وحوش ..
جان: وما المانع أن نُصبح هكذا من أجل إنقاذ ملايين المشلولين بالعالم ؟ هل هذا خطأ ؟! لا أُمانع أن ألقب بهذا ، المُهم البشريه ..
شد كين على أسنانه يقول: البشريه والبشريه !! ما تفعلونه هو إجرام لا تفعله حتى الحيوانات .!!
جان: حقاً ؟ ومن قال لك بأن البشر أفضل من الحيوانات ؟ كُلنا ... كُل بني جنس البشر أشد قسوةً من الحيوانات يا كين ..
إعتدل في وقفته ووضع يده على صدره يشد على معطفه يقول: فالبشر مجانين ، عروقهم المجنونة تجري في دمائِنا كُلنا !
إتسعت عيناه بشكلٍ مُرعب وهو يُكمل: ألا يُمكنك أن ترى العالم ؟! الحروب في كُل مكان ! والمُنضمات الإجراميه في كُل مكان ، الكُل يقتل ويسرق ويغتصب ويُفجر !!! الكُل يملك أهدافاً تحت مُسمياتٍ كاذبه كالعدالة أو الدين أو الإنسانيه وكُلها اسباب سطحيه يُبررون فيها على أعمالهم القاسية التي تجري في عروقهم ..
إنحنى مُجدداً مُقترباً من وجه كين يهمس: السياسيين ، الأغنياء ، هل هم مُستثنون ؟ كلا ، هم مجرمون أيضاً ، لم يصلوا الى مكانهم إلا عن طريق دوسهم على الفقراء ، قتل هذا وإسكات حُنجرة الآخر ، يتأنقون ببدل أنيقة وبإبتسامةٍ مُنمقه يُخفون خلفها وحوشاً أشد ضراوةً من الحيوانات المُفترسه .... والفُقراء ؟ لا أحد مُستثنى ، يبدو ضعيفين ولكن ما إن تأتيهم الفرصة حتى ترى وحوشاً !! ما إن يشموا قضية رأي عام حتى ينتشروا في الشوارع إضراباً يُكسرون المُمتلكات ويُفجرون المباني ويقتلون الشُرطه ، كُلنا متوحشون يا كين ، الوحشية في كُل مكان ، تراها في وجهك ، تقرأها في الهاتف أو تُشاهدها على التلفاز .. لا يُمكنك أن تكذب على نفسك بقول أن البشر كائنات رحيمه ، كلا ليسوا كذلك ، الكُل ليس كذلك ..
صمت قليلاً ليقول بعدها: هدفنا أنا وجينيفر هو المرضى بالعالم ، لما نكون متوحشين ؟ هل نحن مثل أولئك الذين يزرعون القنابل بغية قتل الأبرياء ؟ هل نحنُ مثل تلك الذئات التي تستهدف النساء بغية إشباع شهواتهم ؟ هل نحنُ كالسياسين المُتأنقين الذين يُنشؤون بالخفاء متاجر بشريه ومُنضماتٍ قذره للإستمتاع فقط وتغذية رغباتهم ؟
ضاقت عيناه وأكمل بهدوء تام: الكُل يضحي بالغير لأجل نفسه ، نحنُ لسنا وحشواً بقدرهم ، فنحنُ نُضحي لاجل الغير ..
إعتدل في وقفته وإبتعد عنه فبقيت عينا كين المُرتعبتين من كلامه مُعلقتان به لفترةٍ ليست بالقصيره ..
وجان تقدم من أحد الأرفف يبحث عن ملفٍ مُحدد ليقطع هذا الصمتَ قائلاً: حتى ريكس فهمنا ، وسلم نفسه لأجل التجارب هذه ، ضحى بحياته لأجل البشريه ..
همس كين ببضعة كلمات فإلتفت إليه جان يقول: ماذا قُلت ؟
شد كين على أسنانه يُكرر كلامه بصوتٍ أكثر وضوحاً: مُختلون ، كلاكما أنت وجينيفر مرضى نفسيين ..!
إبتسم جان يقول: لا ألومك فما زلت طفلاً لا تعي حقيقة هذا العالم ..
كين: بل أنت لا تعي كون أمثالك ليسوا سوى مُختلين يُصنفون من أسوأ أنواع المُجرمين في العالم !!
أخرج جان الملف والإبتسامة على شفتيه يبحث عن ورقةٍ فيه فأكمل كين: طفلٌ أخرجتموه الى العالم من أجل أن يكون فأر تجارب لكما ! حتى ريكس طوقته جينيفر من كُل مكان ولا أعلم كيف فعلتها ليُصبح جُزءاً من هذا الهُراء ، كُل ما أنا واثقٌ منه أنه لا يُريده ويُحاول الهرب منه دائماً !!
لم يُعلق جان بل إستمر بالتقليب في الملف فشد كين على أسنانه وهمس: تبتغون الشُهرة والمال وتقولون نهدف لأجل البشريه ..
أخرج جان الورقة المطلوبة وتقدم من كين واضعاً إياها أمامه على المكتب يقول: أنظر ، هذا هو أحد الأمراض التي لا علاج لها بالعالم مثل الشلل ..
نظر كين الى الورقة في حين أكمل جان يشرح: مرض السُكري ، من أكثر الأمراض المُنتشره بالعالم ، ولا علاج له ، فقط بعض الإبر التي تُحافظ على مُستواه ، هذا بالضبط ما زرعته جينيفر فيك ..
إتسعت عيناه بصدمة ورفع رأسه عن الورقة ينظر الى جان الذي أكمل: أوليست لطيفة معك ؟ لم تختر لك مرضاً مُميتاً كالإيدز مثلاً ، إنه مرض بسيط يبقى معك طوال العُمر ، وأنا سأستخدم جسدك لتجربة الأدوية التي أصنعها ، لو مُتَّ في أثناء ذلك فلا تقلق ، لستُ حقيراً لأحذف إسمك ، سأكتُبه بشرف كضحية ماتت من أجل إيجاد العلاج ، ومن يدري ، رُبما أتمكن من إيجادِ علاجٍ لك وحينها يالا الشرف الذي ستحضى به في هذا العالم !!
إنحنى قليلاً وهمس: ولكني سأكون واضحاً معك من البداية ، لقد ماتت عشرات التجارب من قبل ، كُن مُستعداً لأسوء الضروف حسناً ؟
لم تختفي الصدمة بعد من عيني كين وهو ينظر الى هذا الدكـ... بل الى هذا الوحش الذي يقف أمامه !
هل حقاً هُناك أشخاص فضيعين الى هذا الحد ؟!!
زادت صدمته تدريجياً عندما تكررت كلمة في إذنه ..
"زرعته" !!
هل هذا يعني ...
سأل بدون وعي: زرعتَ المرض بي .... هل هذا يعني .... شلل إيدن ...
ولم يستطع إكمال سؤاله بعد أن فُجع بإبتسامته البارده التي أجابته عن سؤاله ..
عن أن حتى شلل إيدن لم يكن بفعل حادث ..
بل كان مقصوداً !
ومن والديه ايضاً !!
تنامى حقد وكُره عظيم بداخله تجاههما !
لطالما كره جينيفر وعلم عن أبحاثها الغير قانونيه ولكن ...
لم يتصور قط أن تكون بهذه الوحشيه ..!
أن تشلّ طفلها من أجل ذلك !
وحش ... وحش عليه ألا يبقى في هذا العالم ..
كلاهما وحوش ..
همس يسأل سؤاله الأخير: وماذا عن ريكس ؟ بأي مرضٍ أصبتوه ؟
تنهد جان بشيء من الأسف يقول: موضوع ريكس يؤلمني قليلاً ..
كين بنفسه بشيء من السُخريه: "يؤلمك قليلاً ؟!! يالا رحمتك" ..
أكمل جان: أختارُ عادةً أمراض لا علاج لها ولكنها على الأقل ليست خطيره ، فمثلاً شلل الأطراف ليس خطيراً ويُمكن للشخص الإستمرار بالعيش بسهولة تامه ، كالسكر أيضاً ، ولكن عزيزتي جيني أصرت على أن يُصاب بمرضٍ صعب ، صحته تدهور بفعل ذلك وأنا أسهر الليل دائماً من أجل أن أجد علاجاً له ، فموت أحد التجارب يؤلم قلبي ..
تنهد وسحب الورقة يُعيدها في الملف وكين مصدوم من ملامح الحزن الحقيقيه التي ترتسم على مُحياه ..
أي حقارةٍ هذه ؟!!
هو حرفياً يقتُله ويقول بأن قلبه يتألم لأجل ذلك ؟!!
إنه حزين على الضحية التي يقتُلها ؟
مجنون ... جميعهم مجانين !!
مُعتلين نفسياً بحاجةٍ الى القتل وليس الى العلاج !!!
وضع جان الملف بالرف ومن ثُم إتجه الى دولابٍ زُجاجي مليء بالأدوية وبدأ بالعبث فيه حتى أخرج علبةً بلاستيكيه وسحب قارورة ماء قبل أن يتقدم من كين الذي ما إن إستشعر الخطر حتى وقف ولكن جان لم يدع له فرصةً لفعل شيء ..
أمسك فكه بقوة وأدخل قرصا حبوب بفمه فحاول كين إبعاده أو بصق الحبوب الى الخارج ولكن جان لم يترك له فرصةً حيثُ فتح علبة الماء وأجبره على شُربها ..
حاول كين ضربه أو أبعاده ولكنه سعُل كثيراً وإضطر لإبتلاعها مُرغماً ..
إبتسم جان وترك فكه فتهاوى كين على الأرض يسعل بقوه وكأن لديه أمل أن تخرج الحبوب الآن ..
تحدث جان يقول ببرود: أول مراحل العلاج ، صرتَ أنت أيضاً تحت رحمتي ، لن يُمكنك الإستمرار بالعيش إلا بأدويتي وإلا ستمرض وتتعب كثيراً وقد تموت ، إياك إخبار أحدٍ بالأمر ، فأنت بالتأكيد لا تُريد جرّ المُقربين منك الى هذا الجحيم ..
إتسعت عيناه بصدمه عندما رأى كين يُحاول إرغام نفسه على الإستفراغ ..
جلس بسرعه أمامه مُبعداً يديه عن فمه وهو يقول له بحده: دعها تأخذ مفعولها ! أنتَ من قُدتَ نفسك الى هذا الأمر بتطفُلك لذا نل جزائك بصمت !
نظر كين إليه بعينيه التي إمتلئتا بالدموع ليبصق بوجهه يقول بصوتٍ مُتحجرش بفعل السعال الذي سعله قبل قليل: حقير مريض !!! سأُدمرك ، سأجعلك تندم !!
جان: وفر تهديداتك لنفسك ، فأنا من سأُدمر كُل من هم حولك لو حاولتَ فتح فمك بشيء ... تُريد النجاة ؟ كُن مُهذباً معي وأعدك حينها بأني سأكون لطيفاً للغايه ، وربما إن أصبحتَ مُطيعاً سأبدأ بالتخلص من مفعول أدويتي السامة بجسدك لتُكمل حياتك مع السكر وأبره البسيطه ..
ضاقت عيناه وأكمل بتهديد: ولا تُحاول الإلتجاء الى الحكومة أو الشُرطه ، كين ... أنا من صنع هذه الأدوية ، ومفعولها يجعل الجسد مُدمناً عليها ، المُستشفيات لا تعرف تركيبها لذا لا يُمكنها أن تُخلصك منها ، أنا وحدي من أستطيع ، تقبل الأمر كين ..
إبتسم بهدوء وأكمل: لا نجاة من وضعك وإلا فكيف لا يزال ريكس مُستمراً فيه دون أن يقل كلمةً واحده ؟
إتسعت عينا كين بصدمةٍ كبيره من تهديده هذا ..
التهديد الذي يُخبره بأن حياته بالفعل أصبحت بيد حُقراء مثلهم ..
ولا يُمكنه التخلص من هذا الطوق الذي لفوه على رقبته ..
جسده إرتجف رُغماً عنه والندم الكبير ينهش قلبه نهشاً !!
لقد تدمر ..
تدمر تماماً ولا يُمكنه أن يهرب من هذا المصير بتاتاً ..

***

3:11 pm
-قبل عام-



تقف بهدوءٍ تام بردائها حالك السواد من بنطال وبوتٍ طويل ومعطفٍ الى الرُكبه ، حتى شعرها القصير كان حالك اللون كملابسها أيضاً ..
وبين يديها تُمسك بباقة ورودٍ صفراء ..
في لُغة الورود ، اللون الأصفر هو لون الأسف ، لون الإعتذار ،
لون الجُبناء !
الجُبناء الذين لم يستطيعوا فعل شيء ، لم يتجرؤا ويتبعوا قناعاتهم !
الذين لا يملكون سوى الندم ولا شيء غير الندم ..
وما أصعب من الندم تجاه الأموات ..

عيناها مُثبتتان على الحجارة البيضاء وعلى ما نُحت فيها كدلالة على هُوية من هو تحتها ..
على هوية الميت هُنا !
الرجل القوي بحضوره وبمكانته والذي غُدّر بِحقارةٍ تاركاً خلفه أبنائه الثلاثة ..
لا زالت تشعر بحضوره رُغم كونه تحت الرِمال !
إنحنت بهدوء ووضعت الباقة على قبره قبل أن تعتدل واقفه وتهمس شفتيها ببعض العبارات الخافته للغايه والتي لم تسمعها إذنها حتى ..
ولكنها كالعاده ... بِكُل تأكيد هي عبارات إعتذار ..
على جُبنها ، وعلى كونها كانت قادره على منع موته ....
ولكنها لم تفعل !
هي آسفةٌ على هذا أشد الأسف ..
رُغم كونه عدواً ... ولكنه لم يكن بالعدو الذي يستحق الموت ..
لقد إستحق الإحترام بجداره ..
وكان يستحق أن يُقاتَل بشرف ...
ولكنه قُتل بغدر !
-"ماذا تفعلين ؟"
وصلها صوته ... رُغم أنها لم تُقابله من قبل ولكنه يُشبه صوت والده تماماً ..
إنه إبنه الأكبر بدون شك ..
إلتفتت الى الجهة الثانيه لتُغادر فهي لا تُريد منهما أن يتقابلا ..
لو كانت تعلم أنه سيتواجد هُنا اليوم لما حظرت ..
ولكن أوقفها صوتُه يقول: كارمن ؟
دُهشت من كونه عرفها !
كيف ؟ هو لم يرى وجهها حتى !
إلتفتت بهدوء ليقع نظرها على شاب طويل أسود الشعر بعينين زرقاوتين يرتدي معطفاً بُني اللون ويرمقها بهدوءٍ تام ..
تقدم بإتجاهها حتى وقف بالقرب من باقة الورود التي وضعتها سابقاً فقال: ورود صفراء ؟ على ماذا أنتِ آسفه ؟
نظرت إليه بهدوء تام ، حتى نبرة صوته وهو يسألها كانت خالية من المشاعر ..
لا تعلم هل يسألها بدافع السُخرية أو هو جاد بسؤاله ..
أجابته بسؤالٍ آخر: كيف عرفتني ؟
بقيت عيناه مُعلقتان بها لفترةٍ قبل أن ينظر الى يساره عندما مر أبٌ برفقة طفلته قاصدين زيارة قبر الأم فتابعهما بنظره قبل أن يقول: أخبرني مرةً عن كونك كُنتِ بين يديه وكان بإمكانه الزج بك للسجن ولكن لم يفعلها إحتراماً للمكان وللظرف الذي كُنتِ فيه ..
عاود النظر الى عينيها مُكملاً: إحتراماً لكونك تزورين قبر والدتك وبرفقتك والدك المُسن ، كُل شيء كان مثالياً ! الدليل معك بالسياره ولا أحد حولك من رجالك كي يُعيقوه ، ولكنه لم يفعلها إحترماً لموت والدتك وإحتراماً لدموع والدك التي رآها تهطُل من أجلها .. تركك لأنه ليس ممن يستغلون الفرص في الظروف القاسيه ..
شد بعدها على أسنانه وهمس بحقد: سُحقاً لشرفه الذي تسبب بقتله غدراً !
أشاحت بنظرها بعيداً عنه دونما تعليق ..
هي آسفةٌ بما فيه الكفايه ! لا تُريد مزيداً من الذنب !
لا تحتاج لأن يُخبرها أحدهم عن كونها نجت بفضل شخص ومع هذا رأتهم يخططون لموته ولم تفعل لأجله أي شيء بالمُقابل !!
عاود النظر الى الورود لفتره قبل أن يهمس دون أن ينظر إليها: خذي ورودك ولا تأتي الى هُنا مرةً أُخرى ، لا أُريد أن يتنجس قبر والدي بحضور أمثالك ..
نظرت الى الورود حيث ينظر وردت عليه بهدوء: كونه والدك لا يعني أنه بإمكانك أن تُحدد من يستحق أن يزوره من الآخرين ..
نقلت نظرها الى وجهه الذي بدا غاضباً من كلامها وهو لا يزال يُطالع الورود وأكملت: يحق لي زيارته متى ما أردت ، إن كان قد أسدى لي خيراً ولم أُرجعه له بالمُقابل فهو وحده من يحق له الغضب من هذا فلا تُحاول أن تمتلك مشاعر والدك لك يا ثيو ..
رفع عينيه الى اللوحة الحجريه وبقي ينظر إليها لفتره وهو يتأمل حروف إسم والده الذي لطالما إفتخر به ..
أغمض عينيه بعدها قليلاً يتدارك الغضب الذي بداخله قبل أن يلتفت وينظر الى كارمن ليُفاجئها بسؤاله: هل أنتِ نادمة على تركه يموت بتلك الطريقه ؟ أتُريدين تصحيح خطأك ؟
ضاقت عيناها وبقيت صامته لفتره قبل أن تقول: تُحاول عقد إتفاق إذاً ؟
أشار بنظره الى الورود يقول: أُخلصك من شعور الذنب ، برأيُك كم مرةً زُرتُ والدي ورأيتُ وروداً صفراء ؟ أستبقين طوال عُمرك تعتذرين ؟
تقدمت لخطوات قصيرة حتى أصبحت أمامه تماماً وهمست له بهدوء: لا أُحب الخونه ، ولا أُريد أن أكون منهم ..
ثيو: ولما تُطلقين عليها خيانه ؟ إنها تصحيح خطأ ، سداد دين ، وسيلة إعتذار ، لها عدة مُسميات !
إبتسم لأول مرة وقال: ناهيك عن كون عيناك تفضحك يا كارمن ..
ضاقت عيناها تُحاول فهم ما يعنيه فأوضح لها ذلك قائلاً: كرهتِ قيامهم بقتله ، كرهتي الطريقة التي قتلوه فيها ، لا .... بل كرهتي نفسك ، وعملك ، وبداخلك شخصٌ آخر يطلب منك الهرب بعيداً عن حياة المُجرمين هذه !
إتسعت عيناها بدهشه فأكمل بهدوء: أنا مُحقق يا كارمن ، أستطيع معرفة دواخل الأشخاص من النظر لأعينهم فقط ..
كارمن: كُف عن إدعائك معرفة كُل شيء ، فقلما يُصيب أمثالك ..
ثيو: حسناً ، لنقل بأنه نادراً أُصيب بنظرتي للآخرين ، أجيبيني هل تجاوزتُ الصعب وأصبتُ هذه المره ؟
تعلقت عيناها الهادئتين تماماً في عينيه الواثقتين قبل أن تقول: أخبرني ماهو هدفك ؟
ثيو: ماذا برأيك ؟
تنهدت عندما صمت ينتظر إجابتها فقالت: الإنتقام ؟
ثيو: ولما تقوليها بتساؤل ؟ إنه جوابٌ واضح ..
كارمن بنبرةٍ فيها بعض السُخريه: ممن بالضبط ؟
لم يُجبها فقالت: كُن عقلانياً يا ثيو ، إنها مُنظمةٌ عمرها أكثر من عشرون سنةً تقريباً ، قويه ، متينه ، صعبه ! لن يُمكنك فعل أي شيء وحدك .. أنت لا تزال شاباً ، إستسلم فصدقاً أقولها أنا لا أتمنى لك نهايةً تُشابه نهاية والدك .. عش حياتك وجد حبك وكوّن أسرةً دافئه ..
إبتسم ثيو بهدوء يقول: يُمكنني فعل هذا بجانب إكمال عمل والدي الذي مات مغدوراً في منتصفه ، صدقيني أستطيعُ فعلها يا كارمن ..
إختفت إبتسامته ليقول بعدها بهدوء: فإن أردتِ الهروب من تلك الحياة وإبعاد ندمك الذي يُثقلك فيُمكننا مُساعدة بعضنا وستعرفين أين تجدينني ، وإلا فإبقي هُناك مُحملةً بالذنب لحين أن يأتي اليوم الذي أزج بك فيه بالسجن برفقة دارسي والبروفيسور والبقيه ..
ومن ثُم تجاوزها وغادر تاركاً إياها تُصارع مشاعرها التي تكاد تتمرد ..
فهي على عكس البقيه في المُنظمة ، تربت بوسط أُسرةً دافئه وعاشت طفولةً لطيفه ..
بداخلها مشاعر مدفونةً حتى لو كبُرت وسلكت طريقاً سيئاً مليء بالقسوة والإجرام ..
فالقلب مهما تصنع القسوة والبرود فهو دائماً يعود لأصل تنشئته ..


**

إستيقظ ثيو من شروده على صوت أُخته تقول: ماذا يا ثيو ؟!!!
نظر الى وجهها الغاضب يقول: ماذا ؟
روانا بإنزعاج: بالكاد إستطعتُ الحصول على بعضٍ من وقتك وها أنت الآن معنا ولكن عقلك مع عملك ! ألا يُمكنك أن تتظاهر بكونك مُستمتع على الأقل !
إبتسم يقول: عُذراً ، صدقيني لم أكُن أُفكر بالعمل ..
علق آندرو وهو يتصفح قائمة الطعام: أُراهن بأنه يُفكر بفتاةٍ ما ..
إنزعجت روانا هامسه: سُحقاً له ولفتاته ..
ضحك ثيو وقال: آسفٌ روانا ، سأجد فُرصةً مُناسبة لتُقابليها ..
إنفجرت روانا حال بدئه بالحديث عنها وقالت: حقاً ؟!! يالا سعادتي ! أخيراً ستستطيع أن تجعل زوجتك الجميلة اللطيفه المُجتهدة التي تدرس الدكتوراه في أرقى جامعات العالم تُعطينا القليل من وقتها وتزورنا كي نرى تلك الطفلة الصغيرة التي لم نرها سوى مرةً واحده فقط طوال اعوامها الأربع ..
تنهد آندرو يقول: روانا لم تترك أحداً لم تغر منه ، حتى زوجتك يا ثيو ..
ضربته روانا بقوة على رأسه جعلت تصفيفة شعره التي تعب لأجلها تتبعثر فقال بإنزعاج: لما تكرهين الحقيقه ؟!!
زاد غضبها منه فضحك ثيو وعلق حتى لا تتسلط على آندرو كعادتها يقول: حسناً آندرو لا يقصد ، هو يُحب إستفزازك فقط ..
آندرو بجديه وهو ينظر الى ثيو: كلا أنا أقصدها ، روانا تغار من زوجتك جداً ، لم أسمعها لمرةً تمتدحها في شيء ..
نظر الى روانا يُكمل: وتُصرين على أن تجدي لي فتاةً ها ؟ فهمتُ الآن لما ، لتختارين لي فتاةً اقل جمالاً ونجاحاً منك كي تشعري بالرضى عن نفسك ، وااااه الفتيات مُخيفات ..
أشاح ثيو بوجهه وإسترخى في مقعده ليتظاهر من الآن بأنه لا يعرفهما ..
عضت روانا على شفتيها بغضبٍ تام ومن تحت الطاولة رفعت رجلها وغرست كعبها في قدمه التي من الجيد أنه حماها بحذاءٍ من الجلد ..
صُدم منها وقال: حتى وأنا أرتدي حذائاً قاسياً لا تزالين تُريدين تدمير قدمي !
إبتسم وتقدم بجسده منها يهمس: حسناً ، سأصدمك ، سأتزوج من فتاة شقراء جميلة ناجحه و.... أطول منك ..
همس ثيو بداخله: "سُحقاً آندرو ، لقد إخترت الإستفزاز الغير مُناسب البته ، سيحترق المطعم بسببك"
إبتسمت روانا ولفت بكامل جسدها جهة آندرو تقول: حقاً ؟ لما ؟ ماذا تقصد ؟ هل أنا قصيره ؟
توتر آندرو من إبتسامتها وقرر تعديل الوضع قبل أن تقوم الحرب قائلاً: أقصد بأني سأختار فتاةً طويلة كالمودل ، لديهم جمال إستثنائي وقوي ..
ثم نظر الى ثيو مُغيراً الموضوع: وأيضاً روانا مُحقه ! متى سيمكننا رؤية إبنة أخانا الوحيده ؟! لم أرها مُنذ عامين عندما كانت بالكاد تمشي ، أُريد رؤيتها مُجدداً ..
إبتسم ثيو بهدوء يقول: لا عليك ، ستفعل ، وأعتذر لإبعادها هكذا ، والدتها تُكمل دراستها بدولةٍ أُخرى وبصراحه لا أُريد منها أن تعود في مثل هذه الأوضاع ..
أجل ..
ليس الآن ..
هو في خضم حرب مع تلك المنظمه ، بالكاد يحمي إخوته فكيف بعائلته الصغيره ؟
يُريد إبعادهم عن أي خطر ما داموا لم يعرفوا بعد عن كونه متزوجاً ..
تمتمت روانا مُعلقه بهمس: إرسال بعض الصور لن يضر ..
إبتسم وقال: ألم أُرسل لك ؟ هاتفي يكاد يمتلئ من صورها المُضحكة واللطيفه ..
شهقت روانا بصدمه تقول: أيُها الحقير ! ولا تُرسل لي صورةً واحده ! برأيك متى آخر مرةً رأيتُ فيها طفلاً بعائلتنا ؟
أشارت الى آندرو تقول: هذا الأحمق هو آخر طفل شاهدته ، ويالا العجب كُنتُ طفلةً أيضاً حينها ، قلبي حقاً يتألم وأنت لا تشعر ..
إبتسم ثيو يقول: آسف روانا ، صدقيني أنسى ذلك فعملي يأخذ كُل تفكيري .. سأُرسلك لك مقطعاً وليس صورةً فحسب ..
عدلت روانا كلمته قائله: مـقـاطـع ..
ثيو: حسناً حسناً الكثير من المقاطع ..
فتحت قائمة الطعام وبدأت تتشاور معهم بالأطباق فنقل ثيو نظره منها الى آندرو الذي يتعمد إختيار الأطباق التي تُعاني حساسيةً منها قاصداً إغاضتها ..
إنه يبدو على ما يُرام ..
حسناً ، هذا هو المُهم لديه الآن ..
قرر ألا يسأله عن شيء ما دام لم يتحدث هو بنفسه ..

***


4:23 pm



إزدادت إتصالات والدته عليه وإزدادت الرسائل المُرسلة التي لم يرد عليها حتى ..
يجلس في الحديقة المُقابلة لكلا المنزلين وقد أصبح متبلداً من شدة التوتر الذي أصابه من ساعة خروجه من المنزل خُلسه ..
مرت ساعات وهو يُراقب المنزلين من بعيد ولا أثر لأحد ..
لا لوالده أمام منزلهم أو حتى منزل جينيفر ..
ولا لتلك الفتاة آليس التي قد تكون على عِلم ببضعة معلومات ..
تنهد ونظر الى هاتفه عندما دقت المُكالمة الثالثة والسبعين وهمس: أردتُ إنهاء كُل شيء والعودة مُبكراً قبل أن تُلاحظ ، حسناً ما دامت لاحظت فلم يعد هُناك مجال للتراجع ، سأُنهي ما جِئتُ لأجله وبعدها سأعتذر إليها ..
أمال شفتيه وأكمل: ستغضب ، ستغضب كثيراً ولكن لا بأس ، إعتدتُ على ذلك ، سأخرج حتى يهدأ غضبها ومن ثُم أعود ..
لف بنظره في أرجاء الحديقة يُراقب العدد القليل من سُكان الحي وهم يتمشون هُنا وهُناك ..
هو حقاً مُتبلد بالكامل ، كُل شعور التوتر والقلق والخوف إختفى تدريجياً مع الوقت ..
هو فقط يجلس بهدوء ينتظر أي أحد ، والده أو آليس أو أي أحد قد يوصله إليهما ..
يعرف تقريباً عن شقةٍ يسكنها والده عندما تبعه مرةً قبل عامين ..
ولكنه غير واثق ما إن كان لا يزال في تلك الشقة أو غيرها ؟
لهذا هو يجلس في مكانٍ مُتأكد من أن والده لا يزال يعمل فيه ..
لو طال الأمر ولم يظهر قد يُفكر في زيارة تلك الشقه ..
رفع نظره مُجدداً الى منزله الذي أصبح عُرضةً للبيع وتأمله لفترة قبل أن ينقل نظره الى فيلا جينيفر ..
عقد حاجبه عندما لاحظ حارس الفيلا يتلفت حوله قبل أن يتسلل مُتجهاً الى الحديقه حيث يقف أحدهم على طرفها ..
همس مارك: ماذا يفعل ؟
رآهما يتجادلان لفترةٍ ليست بالقصيره فشعر ببعض الفضول ولكن لم يُحاول إشباعه وتجاهل الأمر فهو لا يعنيه بتاتاً ..
وضع السماعات في أُذنيه يستمع الى ألبومٍ موسيقيّ جمع فيه أغانيه المُفضله ..
إسترخى بجلسته مُنغمس بكلمات الأغنية التي يُحبها كثيراً لدرجة أنه شاهد الحارس يلف برأسه بالأرجاء قبل أن تتلاقى أعيُنهما ويقترب منه ..
إستوعب عندما أصبح قريباً فأخرج هاتفه وأطفأ الأُغنية ونظر الى الحارس وهو يهمس: هل لديه معلوماتٍ عن والدي ؟
وقف الحارس أمامه وإبتسم له يقول: مرحباً ألا زِلتَ هُنا ؟
مارك: حسناً أُريد مُقابلة مُدير أعمال جينيفر لسببٍ خاص لهذا قررتُ إنتظاره ..
الحارس: غريب ولما تُريده هو تحديداً ؟
تردد مارك في أن يُخبره الحقيقه ولكن قلبه الغاضب من والده جعله يفكر بالإنتقام عن طريق إخبار الجميع عن كونه يملك عائله ويملك إبناً ..!
أجابه: والدي ..
ظهرت الدهشة على الحارس وإلتفت الى الخلف حيث الرجل الآخر يُراقب من بعيد بعدها عاود النظر الى مارك يقول: والدك ؟ حقاً ؟ أولست يتيم الأبوين !
عقد مارك حاجبه وهو يتسائل في نفسه عما قاله والده عنه !!
هل قال للجميع عن إبنه بأنه يتيم ؟!!
هذه قسوه !
أجاب وبداخله إنزعاج وضيق كبير: كلا ، فقط والدتي مُتوفيه ، أبي على قيد الحياة ..
الحارس: وهو مُدير أعمال جينيفر ؟ السيد ريكارد ؟
مارك: أجل ..
الحارس: واثق من هذا ؟!
أصر مارك على رأيه يقول: أجل واثق ، وإن كان قد أخبركم بعكس هذا فهو كاذب !
الحارس: لديك ما يُثبت كلامك ؟
دُهش مارك يقول: ولما ؟!
شعر بأنها كالحرب بينه وبين والده ..
بين الحقيقة وبين كذبة والده ..
لم يُفكر بإصرار الحارس على تأكيد علاقتهما ، كُل تفكيره مُنصب بصدمته من حقيقة كون والده قد أنكر علاقته بإبنه ..
أخرج هاتفه النقال ودخل الى مجموعات الدردشة المدرسيه يُقلب بالوسائط حتى وصل الى صورةٍ صورها أحدهم لأسماء الطُلاب المُشاركين بمشروع الكيمياء ..
أراه الصورة فنظر الحارس الى الصورة وهو يهمس بداخله: "عُمره ، والقلادة تدل على أنه الطفل الذي يبحث عنه البروفيسور ! ولكنه ليس يتيم الأب كما قال لي ! هل هو الطفل المنشود أو لا ؟"
إبتسم ونظر الى مارك يقول: أجل ، إعذرني ..
كذب وهو يُكمل: قيل لي بأن ريكارد لا يملك أطفالاً لذا شككتُ بك ، آسف ..
أخرج هاتفه وقال: هل لك أن تُعطيني رقمك ؟ سأُريحك من عناء الإنتظار وأُعطيك خبراً ما إن يأتي ريكارد الى المنزل ..
إبتسم مارك وقال: هذا جيد ..
وبدأ يُمليه رقمه ومن ثُم غادر الى حيث يقف رفيقه منذ فتره ..
تنهد ليُبادر رفيقه بالسؤال: ماذا ؟
الحارس: لا أضنه هو ... إنه يملك عائله .. لديه والدٌ على قيد الحياة ..
قطب رفيقه حاجبيه يقول: ولكنه يملك صورةً لتلك القلاده ، وهو بعمر السادسة عشر ! نفس مواصفات الطفل الذي طلب منا البروفيسور التفتيش عنه في كُل مكان ..!!
فتح الحارس هاتفه يقول: أعلم ، وبالمُقابل يملك والدٌ على قيد الحياة ، لم يُخبرنا البروفيسور بهوية والد الطفل ولكنه قال بأنه بالتأكيد إما منسوبٌ لوالدته أو من دون نسب ، على أية حال سأُعطي البروفيسور هذه المعلومة وهو سينظر في أمرها ..


بالمُقابل ..
في غُرفة البروفيسور ..
يجلس على مقعد جلدٍ كبير ينظر الى الفراغ يُفكر برسالة الحارس بخصوص الطفل ..
مواصفاته كانت غريبه ، لا يُشبهه ولا يُشبه آليس في لون الشعر والأعين !
ربما ليس هو إبنه ..
طوال السنوات الماضيه وجد الكثير من الأطفال المُحتملين ..
يُشبهونه أو يشبهون آليس ومن دون هويه ولكن ولا واحدٍ منهم طابق تحليل الـDNA تحليله ..
ولكن ... هذه المرة الوحيدة التي يجد فيها طفل على معرفةٍ بتلك القلادة ..
القلادة التي لا توجد في أي مكانٍ بالعالم سوى معها هي ..
مع آليس والتي وزعتها بطريقتها الخاصه ..
لابد من أنها أعطت إبنها واحدة ..
ما دامت قد أعطت غريباً كفرانس فلابد من أنها قد أعطت حتى إبنها ..
جائته رسالة على هاتفه ففتحها وقرأ مُحتواها ليعقد بعدها حاجبه يقول: ريكارد ؟ من يكون هذا !
أتاه شعورٌ سيء يقول بأنه لم يجد ضالته هذه المرة ايضاً ..
أتته رسالةً ثانيه فيها صورةً قد ألتقطها الحارس خِلسةً لمارك وهو ينظر الى هاتفه يبحث في وسائط الدردشات ..
عقد البروفيسور حاجبه لثواني ينظر الى الصورة قبل أن تتسع عيناه بصدمه ..
لون الشعر مُختلف تماماً عنه وعن والدته ..
ولكن ملامحه ! ملامح آليس بكُل تأكيد ..
نظرته الى الأسفل حيث شاشة هاتفه كأنها نظرة آليس الشاردة في كأسها عندما يُقدم لها شراباً ..
التعابير نفسها !
يستحيل أن يُخطئ فهو يحفظ وجه وتعابير آليس أكثر من أي شيء في العالم !!
إعتدل في جلسته يُحني ظهره الى الأمام ويكتبُ رسالةً بكلا يديه وبأصابع سريعةٍ يطلبُ فيها من هذا الحارس ألا يفقده !
يطلبُ فيها أن يضعه تحت المُراقبة ويُرسل أي عينةٍ منه الى الدكتور ..
الى ذاك الدكتور الذي لطالما أرسل إليه عيناتٍ من أطفالٍ آخرين طوال السنين الماضيه ليُطابقها مع عينة شعره التي معه والتي في كُل مرةً تكون النتيجة سلبيه ..
هو واثق ..
واثق بأنها ستكون إيجابيةً هذه المره !
أرسل الرسالة ليقف بعدها مُتجهاً الى خزانته يُبدل ملابسه .. هل من بعد تلك الصورة التي كان فيها يُشبه آليس تماماً قد يستحمل أن يبقى هُنا مُنتظراً النتائج التأكيديه ؟
كلا !
إنه إبنه ..
إبنه الوحيد الذي أمضى سنواتٍ كثيرة في البحث عنه في كُل مكان ..
لن يبقى في باريس بينما هو هُناك في ستراسبورغ ..
سيقطع المسافات لأجل أن يُقابله ..
لطالما كرر بأنه سيقطع الدول وسيجول روسيا العملاقة كُلها لو تطور الأمر وعرف بأنه هُناك ..
لكنه هُنا ..
على بُعد كيلومترات قليله ..
اليوم الذي طال إنتظاره ..
قد أتى !

***

5:10 pm


إبتسمت وهي ترى نفسها بكامل زينتها بإنعكاس المرآة ..
هُناك القليل من الميك آب وشعرها الأشقر قامت بتصفيفه جيداً ..
أخذت لنفسها صورةً شخصية جيده للغايه وأرسلتها الى ريكس ..
هي مُصرةٌ على أن يمتدحها !
إنها جميلة فلما لا يقول كلمة طيبة لها ؟
حسناً ربما وقتها لأن شعرها كان مبلولٌ بعض الشيء والإضاءة سيئه والزاوية ليست بالشكل المثالي ..
لكنها الآن إتخذت جميع الإجراءات المُناسبه حتى أصبحت وكأنها عارضة صور ..
إبتسمت وهي تراه قد رد عليها بسرعه .. لابد من أنه كان ينتظر رسالةً منها بفارغ الصبر ..
"إزدتي قُبحاً"
فقط ، هذا ما كُتب لتختفي إبتسامتها فور قرائتها ..
تنهدت ورمت الهاتف تقول: "ينتظر رسالتي بفارغ الصبر"؟! يالها من ثقه !
مطت شفتيها تهمس: جليد متحرك ، متحجر قاسي ، باردٌ كالصقيع ..
رفعت صوتها وهي تنظر الى السقف تقول: جوليتـا يجب أن تشكريننـي لأني كُنتُ سبب في إنفصالكمـا ، حياتك مع ريكس كانت لتكون جحيماً ، إني أنتظر إمتنانك يا عزيزتي ..
عاودت النظر الى الهاتف عندما أتتها رساله وفتحتها تهمس: من ريكس ، بالتأكيد يُخبرني بأنها مزحه ..
" من أين لك بالميكياج ؟ ولما لون الأريكة التي تجلسين عليها مُختلف !! هل تجاهلتي تحذيري مُجدداً "
إبتسمت وهي تقرأ رسالته لتهمس: ماذا سيفعل بعد أن يعلم ما حدث مع ثيو ؟
ضحكت قليلاً قبل أن تهمس: آسفه ولكن حقاً لم أقصد هذا ، كانوا ليجدوني في نهاية المطاف ..
بدأت تُفكر برد مُناسب ولكنها لم تجد سوى رداً سوى أن تُضيع الموضوع حيثُ سألت: "لما لم تُعجبك صورتي السابقه ؟"
أرسلتها وبقيت تتأمل الهاتف لفترةٍ قبل أن تهمس: إضطررتُ الى الذهاب لصالون الشعر من أجل التزين ! لما فعلتُ هذا ؟ لما وصلتُ الى هذا الحد لكي فقط أسمع منه كلمةً جميلة ؟
تركت الهاتف النقال وإسترخت على الأريكة مُغمضة العينين وهي تهمس لنفسها: توقفي ، لا تتصرفي بتصرفاتٍ غريبةٍ هكذا ! أنتِ تعيشين حياةً صعبةً عليك تجاوزها وماهو إلا رجل إتفق معك ليُساعدك مُقابل أن تُساعديه أيضاً ..
تركت الهاتف وإتجهت للمرآة مُجدداً تنظر الى نفسها ..
إبتسمت وبدأت تُحرك شعرها بأصابعها وتتأمل نفسها قبل أن تهمس: أبدو بغاية الجمال ! أكثر من قبل بكثير ، كيف حقاً يجرؤ على قول قبيحه ؟ هل يعرف أصلاً ما معنى قبيحه ؟ أُراهن بأنه قالها ليُغيضني ..
هزت رأسها نفياً تقول: كفي عن التفكير بهذا الأمر ، كُفي عن التفكير برأيه المُزعج ..
توقفت عن تأمّل نفسها وتذكرت مُكالمة الفيديو التي أراها لها موريس سابقاً حيث كانت أُختها تلعب بالحديقه ..
لقد بدت كفتاةٍ شقراء صغيرة ولطيفه ..
لكم تود رؤيتها وإحتضانها بقوه !
تود تذكر ذكرياتها الجميلة معها ..
لما لم تتذكر أي شيء بخصوصها ؟ ولا حتى شكلها ؟
دارسي عندما رأته أول مرة هو ومن معه بمُتحف اللوفر بباريس تذكرت عنهم بعض الذكريات ..
ريو عندما وصف لها الشاب الذي كان يبحث عنها موزعاً صورتها في كُل مكان تذكرته بذكرى طفيفة لطيفه ..
ثيو من قبل حتى أن تراه تذكرته فقط من رائحة عطره ..
وكُلهم علاقتها بهم ليس كقوة علاقتها بأُختٍ وحيده !
همست: ذاكرتي حقيره ، تتذكر فقط الأشخاص السيئين والذين لا أهتم بتذكرهم وتتجاهل أِختي ..
شعرت بقلبها ينفطر وهي تتذكر تلك الذكرى حيثُ كانت بالمشفى وعلى السرير جسد فتاةٍ ميته وهي تصرخ بقربها بأنها لم تكن السبب ..
وتكرر بأن والدها هو السبب في كُل هذا !
تلك الفتاة هي بكُل تاكيد صديقتها التي نطقت إسمها مراراً رُغم كونها فاقده لذاكرتها ..
آريستا ، لابد من أنها كانت صديقتها المُقربة لدرجة أن لسانها مُعتاد على نطق إسمها أكثر من أي شيء آخر ..
صديقتها التي توفيت ..
التي قُتلت !
وهي كانت السبب خلف ذلك ، وكُله لأجل ملف سيء مُزعج خبأه والدها عندها قبل وفاته !
صُدمت عندما سالت الدموع على خديها فبدأت بتجفيفها وهي تهمس: توقفي ، لا تُفسدي مكياجك ! هذا ليس الوقت المُناسب لتذكر الذكريات السيئه ..
أجل ..
لا تُريد التذكر ..
لا تُريد أن تتأكد بأنها بالفعل كانت السبب بموت الكثيرين ..
صديقتها ، وذاك العجوز الذي كان حارساً للفيلا قبل مقتله ..
إنهم حتى أمسكوا بأُختها بسببها ..
يالها من فتاةٍ سيئه ..
هزّت رأسها تُبعد هذه الأفكار فلقد قررت مُسبقاً بأنها لن تُفكر فيها ..
ستخاطر لإستعادة أُختها ومن ثُم الهرب بعيداً والعيش بسلام ..
لا مزيد من الذكريات السيئه التي تجعلها تفقد الرغبة في المضيء الى الأمام ..
إنها لا تجلب لها سوى الحُزن والبُكاء وهما أمران لا تُحبهما رُغم أنها في الثلاثة أشهر الماضية بكت أكثر مما تتخيل ..
ثلاثة أشهر ..
مرت بالكثير من الاحداث لدرجة أنها لا تُصدق بأن كُل هذا حدث في ثلاثة أشهر فقط !
إبتسمت بعدما جففت دموعها ونظرت الى عينيها الحمراوتين هامسه: إرجعي بيضاء فأنت هكذا تجعلينني أبدو كمُدمنة مُخدرات !
أخذت نفساً عميقاً وهي تُغمض عينيها وبدأت تُصفي عقلها من كُل تلك الذكريات التي إسترجعتها خلال الثلاث أشهر القليله ..
والتي كانت كُلها ذكرياتٍ سيئه ..
موت وبُكاء ورجال عصابةٍ والكثير ..
قطبت حاجبيها فهاهي تُعاود تذكرهم رُغم انها تُريد تصفية ذهنها منهم ..
إسترخت ، وحاولت تهدئة عقلها بينما عينيها لا تزالان مُغمضتين حتى تمسح تلك المشاهد كُلها من عقلها ..
داهمها الصُداع بينما عقلها يُصور لها منظر تلك الفتاة على سرير المشفى الأبيض ..
حاولت عدم التفكير فيه ولكن المشهد لا زال كماهو وبدأ يتوسع ليتضح لها وجه شاب بُني الشعر يقف بهدوء تام وعينين خضراوتين مليئتين بالدموع تنظر الى تلك الجُثة التي كانت في يومٍ ما صديقةً لهم ..
وهي منهارةً بالقُرب منه تُكرر بأنها ليست السبب ..
وأنها لا تعلم ..
وأنها لن تُسامحهم ..
ولن تُسامح نفسها ..
وتتمنى أن تموت اليوم بسرعةً فلم يبقى لها أحد بالعالم ..
دخول الطبيب ، قيامها له بسرعه تترجاه أن يُعيد صديقتها الى الحياة ..
إنها تُشاهد نفسها وهي تتطلب منه هذا الطلب المُستحيل لدرجة أن تُخبره بأنه بإمكانه أن يقتلع قلبها ويُعطيها إياها لتعيش ..
لأن آريستا تستحق الحياة ..
وهي تستحق الموت ..

صرخت عندما شعرت بخيط كهرباء برأسها يُشعل صُداعاً رهيباً لا يُمكنها تحمله ..
جثت على الأرض تصرخ من الألم وهي تُمسك رأسها ومشهد صديقتها المُبتسم يتكرر ..
تبتسم لها ، تُعطيها إقتراحاً لمقهى مشروباتٍ مُثلجه جديد ..
تذهبان ، تشربان ..
والدها يحتضنها ويعتذر على كُل شيء ..
عن كونه السبب في إنفصاله عن والدتها ..
لكونه السبب في تفرقة أُختان عن بعضهما ..
ثيو تشتد عروقه من الغضب وهو يصرخ بوجهها كي تتوقف عن عنادها هذا !
يذكرها بكونها لا تزال طفلة لا تعي حجم تصرفاتها هذه !
وجه آليس تنحنى إليها وتربت على شعرها ..
تمتدحها وتُعرفها على إبنها البِكر الذي كان يُرافقها آنذاك ..
دارسي ونظرته البارده ، لوكا قاطب الحاجبين منزعج من موضوعٍ وهو يُحدثها ..
صور ، شفاة تنطق بسر يجب كتمانه ، قلادة ، غرفة بالمشفى ، طلقات رصاص ، موت ، جُثةً بوسط بركة دماء ...
الكثير من الذكريات المتنوعه هاجمت رأسها جعلت صراخها يزداد أكثر وأكثر ..
حنجرتها تكاد تتجرح من شدة صراخها فهذا الكم الهائل من الذكريات أكبر من قدرتها على التحمل ..
عقلها الذي فاجئها بإسترجاع ذكرياتها كُلها فجأه جعل دماغها يخرج عن السيطرة ويُرسل نبضات ألم مُتكرره لا تُطاق ..
لا يُمكنها تحملها ..
قدرة تحملها هبطت الى صفرٍ بالمئه ..
و ....
تهاوت على الأرض مغشياً عليها !


END






فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس