عرض مشاركة واحدة
قديم 16-02-21, 12:06 PM   #63

nada diab
 
الصورة الرمزية nada diab

? العضوٌ??? » 102646
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 313
?  نُقآطِيْ » nada diab is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس عشر
" ألم تمل بعد ؟ ألم تنتهي من ذلك النزاع العجيب ؟ لم اتخيلك ضعيفاً و غبياً هكذا "
لينهض من فوره ممسكاً ذراعيها بقسوة ليوقفها علي قدميها بمواجهته
" هل تدركين أن ألفاظك و اهاناتكِ تلك موجهة لزوجكِ ؟ هل تعرفين ما عقاب الزوجة التي تسب زوجها في وجهه بمثل تلك الوقاحة ؟ أمي لم تعرف صوتها حتي بوجه أبي"
لتحاول جاهدة كبت دموعها
" أنا لست أمك و لن أكون ، لقد استسلمت لسلطان غضبك لشهور ، شهور مسجونة بمنزلك ، خسرت عملي لأجل إرضاء حماقتك و تعنتك ، قلت زوجكِ و بأزمة تحملي قليلاً ، لكن كفي لقد مللت أنت ستظل تدور في فلكها مجرد معلومة قديمة عنها جعلتك كالمجنون و تؤذيني أنا زوجتك "
ليهدر فيها كأحمق فعلي متجاهلاً كل كلمة قالتها بمنطقية شديدة
" زوجتي تحترم زوجها قولاً و فعلاً ، و لو لم تعلمكِ أمكِ كيفية الاحترام أنا كفيل بكِ "
لتبتسم من بين دموعها التي أبت إلا أن تخفف عنها ما يشتعل بداخلها و تخرج القليل من قهرها علي هيئة عبرات من عينين كانا يفيضان بالعشق سابقاً
" أنت محق أنا زوجة غير محترمة تُحبس بالمنزل تحسباً أن تخون زوجها حتي فقدت عملها و أهمل هو عمله بالكامل ليقضيا النهار في تبادل الحنق و تُهدد بالعقاب ، أرجوك إفعلها يا خالد أريدك أن تصفعني لأنني لم أتربي ، ربيني خالد إفعلها و عاقبني ، دعني أنتهي منك دون رجعة أو تفكير ، دعني أمحيك من داخلي ، إضربني خالد "
لتضيف صارخة بقوة من بين دموعها
" أتعتقد أنني بقيت هنا خوفاً منك ! أنت لا تعرفني أبداً ، لقد بقيت حتي أمتص ذلك الغضب المتوحش عله يهدأ و نستكين ببعضنا البعض أو ننتهي أريدك أن تعطيني فاصل النهاية ، سأخرج من هذا الباب لمنزل أهلي حتي أستعيد نفسي و نتحدث بعدها ، سآخذ كل الوقت الذي أحتاجه للتعافي و لو فكرت في منعي سأخلعك و لن تراني مجدداً ، كفاك يكفي هذا يكفي ، إبحث عن أي شيء منك باقِ و أوقف تلك المهزلة "
لينظر عميقاً لمحياها و تعابير الغضب الهادر تخفت تلقائياً و يحل محلها إنهاك لقد استنفذ نفسه و روحه بتلك الفترة كان يحترق و يحرقها معه لأجل ماذا لا يعلم تحديداً ؟ يأبي تركها و يعلم أنه علي وشك خسارتها للأبد لو لم يتركها في هذه اللحظة بإرادته ليجيبها و هو يشيح عيناه بعيداً
" جهزي ملابسكِ سأوصلكِ لمنزل أهلكِ ، أرجوكِ لا تعترضي أريد فقط دقائق معكِ بعيداً عن هنا ، أرجوكِ أنا متعب و أعتذر "
كان الأمر أضخم من مجرد اعتذار باهت كلاهما يعلم ذلك و كلاهما كان منهكاً للمواجهة فغيرت ملابسها و جهزت حقيبتها بكل أغراضها تقريباً و مضت أمامه في صمت حتي وصلا و رائحتها عالقة بسيارته تعذبه صافعة إياه بمدي حماقته و أنه علي وشك خسارة حب حياته بغباء لا ينافسه فيه أحد ، لقد استكثرها علي نفسه حسد نفسه عليه و أوهمها أنها لا تحبه كفاية ، ليته جن فعلياً علها تعذره لكن عقله موجود و يسترجع كل ما حدث بينهما منذ اللحظة الأولي و يجلده بالذنب .
*********
" يوسف أرجوك لا يصح أن تتواجد هنا و أنا بمفردي ، أرجوك يا يوسف ، لو آتي معتصم في أي لحظة ستكون مجزرة ، أرجوك لننزل للأسفل و يمكننا الحديث هناك "
ليبتسم بتهكم مستفز
" يغار أم يشك ؟ ألا يعلم الشيخ المحترم من أي بالوعة قاذورات آتت زوجته ؟ أم تراني لست المغفل الوحيد هناك من يفوقني غباءً !"
لترتعد من كم الاحتقار النابض بعيون لطالما أغرقتها بالدفء و التفهم و العشق ، تعلم كم كان يحبها فأخذت تفتش داخل عيناه عن بقايا ذلك الهيام القديم عله يشجعها قليلاً و يهديء من فزعها لكن هيهات كان الاحتقار الجم يغلف كل شيء حرفياً .
لترد بثبات أجادته مع الأيام فما مرت به لم يكن يوماً هيناً ، لم تكن الدنيا طيعة بين يديها أبداً
" كما كنت أحترمك و أنا زوجتك ، فأنا أحترمه كوني زوجته حالياً ، لنتحدث خارجاً أرجوك "
ليطالعها و الإحتقار مازال يفوح من ملامحه بينما شعور بسيط بالشفقة يداهمه رفقاً بالألم العظيم الكامن بعيناها
" كيف طاوعكِ قلبكِ الدنيء ذاك علي فعل هذا بي و بطفلك ؟ بل كيف أغفلت أنا عن ذلك الطبع القذر و نية الغدر بثنايا روحك ؟ كيف لم أدرك أي حقيرة أنتِ ؟ بعد أن ضحيت بكرامتي و كبريائي و حتي أهلي لأقترن بكِ .."
لتقاطعه و هي تقاوم بضراوة حرقة الدمع بعيناها
" توقف عن إهانتي ، الله وحده يعلم أنني ما فعلت كل ذلك سوي من أجلك ...."
ليقطع جملتها مغلقاً الباب خلفه دافعاً إياها للداخل بهمجية الخذلان الذي نهش روحه كلما تذكر كيف هجرته بوقاحة
" حقاً ! من أجلي رحلتي و طلبتي طلاقاً و تزوجتي فوق انتهاء العدة بيوم بوقاحة لا تضاهيها حتي وقاحة عاهرات الطريق العام "
لتبكي شاهقة فهو لم يهينها قط بينما رقية تجبر يزن بالحمام علي ارتداء سماعات الأذن و سماع فيلماً كارتوني يعشقه و هي ترهف السمع لما يدور بين زوجها و زوجته السابقة أو الأولي لكن رغم كل الغيرة المشتعلة داخلها أشفقت عليها من غضبه و إهاناته .
" توقف بالله عليك ، أنا أرجوك يا يوسف إسمعني أولاً قليلاً فقط و بعدها أكمل إهاناتك "
ليدفعها للحائط في عنف لم يدري أنه يملكه أبداً لكنها تركته لتتزوج بعد كل ما فعله
" قبل أن أعمل ببار الفندق عملت بمكان آخر أكثر وضاعة منه لكنني لم أتعدي ذلك فأنت كنت رجلي الأول كما تعلم لكن النذل الحقير صاحب ذلك المكان النجس لعنه الله قد إحتفظ بصور لي لو كانت ظهرت و أنا علي ذمتك لكنت فُضحت و وُصمت بي للأبد و أهلك يا إلهي رأس مالكم نصفه سمعتكم النظيفة و إبني يا يوسف ، كيف كان سيحيا ! أنا تركتكم دفعاً لكل ذلك الأذي و تأذيت وحدي ، لقد كان الشيخ معتصم يريدني كزوجة ثانية منذ رأني ببار الفندق و بحث عني و توصل لذلك الحقير و أوهمه القذر أنني متاحة و لست متزوجة و هددني بك "
ليجذبها من ذراعيها يهزها هزاً عنيفاً لم تحاول مقاومته حتي كان البوح مرهقاً و مريحاً بالوقت ذاته تريد لذلك العبء أن ينتهي
" و لما لم تخبريني ؟ ألم تجديني رجلاً كفاية لأدافع عن زوجتي أم إبني ! لقد رميتي كل شيء بيننا لسنوات في الوحل و هربتي "
لتصرخ به
" أي وحل لقد تركتكما لزوجة و لا أروع تناسبك و يفخر بها إبنك كأم له ، الوحل الحقيقي هو ما عانيته أنا فمعتصم لم يسمعني لم يفهم ، لا تعرف أي عذابات تحملت منه حتي قرر السماع و التأكد من صحة زواجي منك و تهديد ذلك الحقير لي حتي سجنه و أنهي الأمر للأبد ، أنت ما الذي عانيته تحديداً هجري ؟ كنت متزوجاً بأخري و بدأت بحبها لا تنكر ذلك رأيتها بعينيك كنت حتي تشعر بالذنب ناحيتها و أنا لا ألومك أبداً ، أنا أحترم زوجي يا يوسف كما كنت أحترمك حتي لو لم تتقبل ما فعلته لكن ذلك كان السبيل الوحيد للحفاظ علي ما أنت عليه الأن ، ممتنة أنا لمعتصم رغم كل شيء فقد منحني حياة ، دعنا لا نلتقي من جديد لكن أرجوك أتوسل إليك لا تحرمني رؤية الصغير و لو يوماً في الشهر ، أرجوك يا يوسف أستحلفك بكل ما جمعنا يوماً أن لا تحرمني منه "
ليطالعها بشراسة
" لقد قررتي أن ذلك الأصلح و تركتنا معاً ، فما فائدة رؤيته الآن رقية هي أمه و ستظل ، إستمتعي بحياتكِ الجديدة بعيداً عنا "
لم تجد ليناً في نظراته فأوشكت علي تقبيل يداه ليسحبها منها بعنف و كلاهما يتجمدان بصوت باب يُفتح ...
************
بعدما أغلقت الخط مع غنوة كانت ترتجف حرفياً بتأثير ذلك الجنون المطبق فقد دفنت مع والدها كل ما يتعلق بعز الدين لكن يبدو أنها قد دفنته بعيداً في ركن قصي داخل أعمق نقطة بقلبها فتنفجر الذكريات دفعة واحدة و تجلدها لمجرد رؤيتها لرجل يشبهه
" عز الدين "
" عيناه و حبيبة روحه ، تدللي يا أميرة بماذا تأمرين؟"
لترفرف بعيناها بعيداً كعادتها عندما تخشي ما ستقوله أو تترقب رده فابتسم بترقب و هو يدرك ما هي علي وشك قوله و يحاول جاهداً كظم غيظه فرغم مرور شهور علي أحبك الأولي من بين شفتيها و تعاهدهما معاً علي عدم ذكر سليم بينهما من جديد إلا أنها مازالت تتخبط
" عدني أولاً أنك لن تغضب ، لا أتحمل جفائك و الله "
ليداعب أرنبة أنفها ببسمة مجاملة ليشجعها علي القول
" حسناً سأحاول ، قولي حبيبتي ، ما الأمر ؟"
لتعض علي شفتيها بخبث طفولي جذاب و هي تعلم كم تخرجه تلك الحركة عن كل أطواره و تُبقي فقط طور العاشق المهوس ، نعم كان مهوساً منذ رآها لأول مرة و كلما رآها من جديد مصاباً بحمي من الشوق لا يطفئها حتي اللقاء يريد أن يصهرها لتختلط بعظامه علها تروي ظمأه الطويل المضني لها ، لكن حتي ذلك الانصهار يشك في قدرته علي مداواته
" كيف تغار عليّ بتلك الطريقة المزعجة أو لنكن أكثر دقة الوحشية المرعبة المثيرة للحنق و الأعصاب ، و تقبلت لسنة كاملة انهياري بعد زواج سليم ، لقد كنت داعماً و حنوناً و متفهماً بشكل مبهر أكاد لا أصدق أنك نفس الشخص "
لتتشنج يداه تلقائياً علي ذراعيها محتدة لتؤلمها دون إرادة فعلية منه و كأن جسده يطلق رد فعل تلقائي علي ذكرها لسليم من جديد
" لأنكِ لم تكوني لي وقتها ، لم تكوني حبيبتي ، أردت دعمكِ و مساعدتكِ علي تخطي ذلك الوهم الكبير قبل أن نبدأ حكايتنا معاً "
لتتجاهل كل كلماته و ذهنها قابع عند لفظة واحدة
" الوهم الكبير "
" لم أعتقد يوماً أن ذلك الذي جمعكِ به يسمي حباً ، فأنتِ كنتِ مراهقة مدللة تهوي الروايات الغرامية مولعة بأفلام نيكولاس سباركس فكان سليم القالب المثالي لرمي مشاعركِ تلك ، لم أقتنع يوماً أن ما جمعكم كان حباً حقيقياً فهو في مطلق الأحوال رجل متزوج و أنتِ أغلي بكثير من أن تعلقي في مثل تلك الدائرة ، و تحبينني صحيح ؟"
هي لا تدرك حقاً هل منحته قلبها بالكامل أم أن جزءاً منها سيظل دوماً ملكاً لسليم ، لكنه تزوج رغم رسالتها المتوسلة تركها و تزوج تلك الحية التي تفوح منها دوماً رائحة الكراهية المقيتة ، لا تنكر أن عز الدين أول من آثار مشاعرها كامرأة كانت تشعر ناحيته بما يتخطي ذلك الحب العذري القديم ، كانت ترتجف من ذلك الشوق البارز دوماً بعيناه و ترتعش طوقاً من نظراته الطويلة لشفتيها المميزة بالحمرة القانية كلون الدم ، كان ينظر له طويلاً طويلاً برغبة عاشق مجنون ثم يجبرها علي مسح اللون تماماً بحدة محب غيور .
" أحبك أحبك كثيراً يا عز "
ليتنهد في إدراك لتأثيرها السحري عليه لم يكن يوماً شاعرياً حتي مع أمه فقد وصل لسن الرابعة و ثلاثون دون علاقة حب بالطبع مر عليه الكثير من النساء لكن ذلك الذي تملك منه منذ رآها للمرة الأولي لم يعهده من قبل أبداً ، كان مبهوراً من اندفاعه بجنون لا يجيده نحو تلك الصغيرة البائسة ، كانت تجادل شرطياً و الدموع تطفر من عيناها الساحرتين تلك في عنفوان لا يناسب الظرف و لا كونها غريبة عن البلد و لا ذلك البؤس بعيناها ، تدخل مهدئاً الموقف بحكمته و استسلمت هي لتدخله ثم رحلت دون كلمة واحدة بهدوء يناقض الزوبعة التي أثارتها منذ قليل رغم كونها مخطئة ، وقتها شعر بأنه مهتم لكن لم يتوقع كل ما جري بعدها في أقصي خيالاته جموحاً .
كانت والدته ابنة رأس عائلة عريقة من الجنوب و نابغة متفوقة لدرجة أنه تحدي كل القوانين و الأعراف و سمح لها بالدراسة خارجاً لتأتيه باكية بعد سنوات تتوسله أن يسمح لها بالزواج من زميل دراسة بتلك البلاد ، و قامت الدنيا وقتها من فرط تدللها فهم لا يزوجون بناتهم من الخارج فماذا عن ابنة زعيمهم و ذلك الأجنبي الذي لا يعرف حتي لغتهم ؟ رفضه والدها مراراً و أجبرها علي العودة لتحاول الفرار مرة و الانتحار جدياً مرة أخري ليجبر في النهاية علي الموافقة و شبه مقاطعتها بعد تمام الزفاف لم يغفر لها بسهولة انحناء هامته و غضب اخوته منه كونها كانت العروس المتوقعة لابن واحد منهم كما جرت العادة ، أُغرمت بوالده كونه الرجل الأول الذي يُسمعها غزلاً حقيقياً و يريها عجائب الدنيا بعيداً عن خشونة رجال الجنوب و كبريائهم الذكوري و ميلهم الفطري لحماية النساء ، لكنه كان مختلفاً يدعم استقلالها و رغباتها و حتي أمنياتها المجنونة و قد دعم ذلك العشق اصراره علي موافقة والدها و تحمل كل تلك التقاليد التي لم يفهمها ، لكن بمرور السنوات كان الشوق يهزها لعائلتها و ذلك الحنو و العصبة ، عكسه تماماً فقد كان قلبه و عقله يتوقان من جديد للحرية ، كانت هي أم و زوجة بالفطرة رغم حبها كانت تلتزم بجدية كونها ربة البيت و امرأة عاملة و أم بالوقت نفسه فلم يتحمل جموحه ذلك النظام و تلك القواعد و التقاليد التي كانت تحاول غرسها عميقاً بطفلهما الوحيد الذي سمته تيمناً بوالدها " عز الدين " كان الصغير مزيجاً بينهما يحمل لون عيناه الأخضر و جاذبية أمه السمراء و ذكائها و جموحه ، تحمل لأجله عشر سنوات حتي استيقظ يوماً من نومه ينظر لها بحقد يستشري فجأة داخل قلبه و كأنها يتمناها لو لم توجد قط لو كانت ذرة هواء أو جثة ، فُجع لأنه فكر هكذا بالمرأة التي ولع بها لسنوات لكنه انتهي لقد لفظها تماماً خارج قلبه و واظب علي خيانتها كأنه واجب زوجي بلا شغف ، كأنه ينتقم لكن لماذا و من ماذا ؟ لم يفهم ذلك أبداً و لم يهتم ما إن جائه ذلك الخاطر حتي أخبرها مباشرة علي الافطار بأنه ينوي الطلاق و رحل فعلياً في اليوم نفسه ! انهارت أمه لساعات ساعات فقط أنهتها بمكالمة لوالدها كالعادة تستجدي دعمه و لم يخذلها بعدما لفظها ذلك الذي باعت الدنيا من أجله ، فقد وقع في غرام " عز الدين " من اللحظة الأولي و لم ينقطع ذلك التواصل بينهما حتي الآن ، فقد واظبت علي أن يقضي الصغير كل اجازاته الدراسية هناك وسط عائلة أمه و رفقة جده و أخواله فورث طباعهم كما أثرت به بلاد أبيه ، فكان مزيجاً بين حضارتين و ثقافتين و عالمين و بعدما بلغ الثانية و العشرون مات والده مخلفاً ثروة صغيرة أوصي بها كلها له و لأمه ليبدأ بها مشروعه الأول بنهم و قد أدمن احساس الانجاز و العمل من أيام طفولته مع أخواله ، و تتابعت السنوات و عمله يكبر و يزداد نجاحاً و لا يبخل بوقته و لا دعمه لأهله لأمه فقد كان محبوباً رغم عدم صفاء نسبه لهم .
و استمرت حياته علي ذلك المنوال لسنوات عديدة رغم كل ضغوط أمه ليتزوج لكنه كان يرفض بحزم حتي ظهرت من العدم ، لم تكن أجمل امرأة رآها لكن منذ وطئت عالمه و هو لا يري في أي أنثي جمالاً سواها لا يلفت نظره و يجذب عيناه سوي ملامحها هي وحدها بكل تفاصيلها الدقيقة الصغيرة .
تقرب منها ببطء متمهل و هي اندفعت بعنفوان غريبة وحيدة في بلاد غير بلادها مطعونة في قلبها من أقرب اثنين حبيبها و أمها ، أصبحا بسرعة صاروخية صديقان حميمان مع بعض الاضافات من جهته كانت ترضيها كأنثي لكنها لم تعني لها شيئاً حقيقياً ، حتي مرت سنة كاملة كان يومها كله مرتبط به حتي أنه تعرف علي والدها و كانا يتحدثان سوياً لساعات و جابا مدن تلك البلاد كلها تقريباً معاً ، لتضعف متجاوبة مع فيض مشاعره للمرة الأولي و تتوق له كحبيب و كرجل و كرفيق لأيامها المطعمة بالوحدة و الغربة القارصة .
بعد مضي شهران علي بداية علاقتهما ألزمها بوعد قاطع ألا تذكر سليم بينهما من جديد و إلا تتحمل العواقب .
كان يفهمها بطريقة تخيفها أحياناً صحيح أنها باحت له بالكثير منذ طفولتها الأولي و حتي كوارث مراهقتها و لم تغفل موقفاً أو تفصيلاً واحداً و رغم ضعفه العارم أمامها كمراهق يقع بالحب للمرة الأولي لكنه ناضج أثقلته الحياة و إختلاف أصوله و سنوات العمل المضني بالكثير من الخبرة ليفهم جيداً حتي شرودها السريع ، لقد كشفت نفسها له بالكامل في سنة من البوح فقد رمت بنفسها في حضن دعمه لتدفع عن نفسها ألم الفقد و الفراق و الغربة ، فقد تكالب عليها فقدان الحبيب و الأهل و الأم و الوطن ، فاستسلمت بولع لاحتوائه رغم أنه فرض عليها قيوداً و احتراماً و حتي غيرة قاسية لكن بتفهم فاق كل ما مرت به يوماً كان يدرك جيداً كيف يبهجها ، كيف يستمع لبوحها المؤلم عن حبها القديم دون أن يعنفها ، ثم لم تلبث أن مالت بكل كينونتها لداخله ليحفظها عميقاً و كأنها انسحقت لتلتحم بروحه في تناغم أذهلهما معاً لكن شروداً حزين واحد من قبلها يصيبه بالجنون فبعدما نطقت أحبك ، شرودها بسليم خيانة و ليس هو بالرجل الذي يُخان أبداً .
مرت أيامهم علي نفس المنوال و هي يومياً تشعر بالأمان يزحف لروحها دافعاً كل جروح الماضي بعيداً لا تنكر إنها اعترفت بالحب تحت وطأة الحاجة الماسة لكل ما يقدمه لها لكنها مع الوقت تنصهر كلياً به و يختفي تدريجياً كل أثر علق بها من حبها لسليم .
" مليكة ، أين شردتي ؟"
لتنتبه من دوامة أفكارها و سباحتها في بحور الماضي القريب علي صوت سليم و هو يهز ذراعيها لترد علي ندائه بعد أن أنهت المكالمة مع غنوة
" كنت أتحدث مع غنوة و شردت قليلاً ، ما الأمر ؟"
ليرد متأملاً عيناها كم كان يشتاقهم في سنوات غربتها
" سأبدأ بالشوي فالجميع جائعون ، أردت فقط أن أعطيكِ هدية فهناك ست سنوات ضائعة بيننا لم أحتفل فيهم بعيد ميلادك "
يا الله لما يرميها هناك فجأة لذكرياتها مع عز الدين التي اعتقدت بغباء أنها تقدر علي محوها و محوه تماماً بعيداً و كأن ذلك الخيال الذي رأته و توقعته هو قد ظهر فقط ليسخر منها بأنه قادرة علي النسيان .
قبل سنتين تقريباً بعيد ميلادها
" أين سنحتفل ؟ "
ليتأملها بحيويتها المبهجة تلك و فستانها الأنثوي و عيناها المشعتان تبدو سعيدة ، مازال هناك شيء بسيط ينقص الكمال الذي ينشده بينهما لكنها سعيدة و متحمسة من جديد و هذا يكفيه
" تدللي يا أميرة ، ماذا تتمنين ؟"
لتبتسم بزهو كلما أخبرها بجملته تلك و تأمره ببهاء و عيناها تشعان بكل ما تتمني
" لنسهر حتي الصباح نرقص و نثمل و تطفيء لي الشموع علي ضوء القمر بالشاطيء "
لتتجهم ملامحه قليلاً ثم لم تلبث أن لانت أمام النظرة القلقة بعيناها
" مليكة أنتِ لا تشربين ! المرة الوحيدة الذي قادكِ عقلكِ فيها لهذا العبث رفقة صديقاتكِ كدتِ تتعرضين لما لا يُحمد عقباه لولا وجودي صدفة بالمكان ، لو كنا نعرف بعضنا حينها و لو حتي كأصدقاء لكنت أفقتكِ علي وابل من الصفعات علكِ تدركين فداحة الأمر ، أنا لا أتحمل أن لا أنفذ لكِ أمراً ، لكن تعقلي فأنتِ تعرفين حدودي و عواقب تخطيها "
لترفرف بعيناها اللتان سحرتاه دوماً
" حسناً لا أقصد كل هذا اليوم عيد ميلادي و أحبه دوماً مختلفاً و أنت لم تجهز شيئاً ففكرت بالقليل من الجموح"
ليضم رأسها العنيد مقرباً إياه من جبهته و كأنهما يتحديان بعضهما في مبارزة دماغية
" حسناً سأختار المكان لنذهب "
بعد دقائق وجدت حفلة الشاطيء التي تمنتها رفقة أصدقائها حتي والدها كان موجوداً فبدت راضية و ممتنة و سعيدة ، يرتوي بسعادتها تلك تنعشه تخبره بطريقتها أنه يوماً ما سيمحي كل أثر لغيره مس قلبها يوماً و ستكون بكامل عنفوانها و أنوثتها و ذلك السحر المشع من حولها كلها له وحده .
كانت ترقص بانبهار من الأجواء حتي وضعت لحناً شرقياً خاصاً و استعدت لتمارس فعلها الأحب و قمة هرم أنوثتها كامرأة تشعر أن العالم كله تحت قدميها و هي ترقص ، كانت نظرات والدها رافضة لكنه لم يتقدم حتي لا يحرجها ليسحبها عز الدين سريعاً مشيراً بعيناه الحازمة ليغيروا الموسيقي و هو يجذبها برفق أمام العيون الفضولية راسماً بسمة باردة لم تصل حتي لشفتيه و ما لبث أن ابتعدا عن الجميع حتي أمسك معصمها يهدر فيها بتلك الخشونة التي تصدمها ممن يجيد تدليلها كبطلات الحكايا الخرافية
" يبدو أنني دللتكِ حتي درجة الافساد ، هل فعلياً فكرتي أنني سأتقبل أن تقدمي عرضاً راقصاً ! ماذا ترين في تحديداً ؟ "
لتجيبه بحدة و قد خنقتها للمرة الأولي أفكاره و اعتراضاته و الامتلاكية المزعجة التي تفوح من عيناه و تنتشر تلقائياً حولها مبعدة عنها حرفياً الجميع
" هل ستفسد عليّ حفلي ؟ عيد مولدي وسط أصدقائي و أحببت شيئاً شرقياً ، أحن لأصولي ما بك ؟"
ليجذبها من ذراعيها بهدوء خطر و اللمعة بعيناه تخيفها أكثر مما لو صفعها
" أنا أيضاً أحن لأصولي التي تدفعني لمعاقبتكِ بما تستحقين ، فامرأتي لا ترقص سوي لي وحدي ، لقد تقبلت الكثير كونكِ معتزة بيوم مولدكِ يا أميرة حتي فستانكِ المستفز هذا لم أرد أن أجعل ليلتكِ باكية بسببه ، لكن يبدو أنكِ لم تدركي مع من تتعاملين ، سأستأذن أباكِ و أعيدكِ للمنزل لأنكِ متوعكة "
كادت تبكي لأنها ستُحرم من ليلتها الآسرة فأجابت بعناد
" لكنني بخير حال لو كنت منزعجاً عد وحدك لمنزلك "
ليزمجر من جديد بنظرة حازمة متحدياً إياها أن ترفض
" ستعودين مليكة لأنكِ متوعكة "
استأذن من والدها و سلما علي والدته و خرجا و العبرات تكاد تفيض من عيناها لتواجهه شبه باكية
" أمك تكرهني لا تطيقني حولك "
دموعها تجلده لا يطيق رفضاً لطلب لها فما باله بالقسوة عليها تمزق قلبه لكن عقله لا ينفك يرسل له إشارات أن جموحها دوماً بحاجة لتقويمه خاصة مع كل ما مر بها بالوطن .
" أمي لا تكرهكِ هي تكره تأثري الكبير بكِ و أعتقد أن العرض المثير التي كنتِ تنوين تقديمه قد أسهم في دعم وجهة نظرها فهي تعلم جيداً كيف كنت سأتصرف مع امرأة تنتمي لي لو قررت امتاع الحاضرين بمدي روعة اهتزاز جسدها "
لتصرخ مدافعة عن نفسها
" ما تلك البذاءة التي تتفوه بها عني ، هل جننت ؟"
ليوقف السيارة فجأة محدثاً صريراً عالياً
" تلك البذاءة هي ما سيفكر فيه أي رجل سيتأمل رقصك الفاضح ذاك ، إياكِ ثم إياكِ أن ترفعي صوتكِ مرة أخري ، دلالي لكِ و حتي ضعفي أمامكِ كما تقول أمي سينتهي فور أي بادرة عدم إحترام منكِ ، أتظنينني لم أكن قادراً علي سحبكِ من شعركِ أمام أصدقائكِ جميعاً و لن يعترضني أحداً و إعطائكِ العقاب الذي تستحقين ، لكنني أحرص علي أن لا تهتز صورتكِ حتي بنظرة تأنيب مني أمام أحد ، لكن إحترامي خط أحمر مليكة ، سأتركِ تفكري في أفعالكِ لفترة و بعدها نتحدث "
لم ترد و هو لم يزد أنزلها أمام منزلها دون حتي نظرة وداع و هي تزم شفتيها بغضب تكبت به دموعها فهي أدمنت تدليله و سرعة استجابته لأكثر طلباتها جنوناً لم تعتد تلك الحدة و الجفاء ، لم يتركها يوماً واحداً بعيداً عنه كان لابد أن يلتقيا فكان سفره في رحلة عمل تستغرق أيام كفيل باثارة جنونها لكنه يحرص علي أن يرسل لها هدية يومياً و هو بعيد فتقضي اليوم تخمنها معه في لعبة تسليها و ترضي طبيعتها المدللة .
مرت ثلاثة أيام و هو حتي لم يتصل مرة واحدة و لم يرد علي إتصالها اليتيم
" ألن تذهبي للجامعة حبيبتي اليوم أيضاً ؟"
لترد بوجوم و جفنها متورم من بكاء الافتقاد و الجفاء الذي أغرقها فيه عن عمد
" مازلت متعبة أبي و ليس لدي محاضرات مهمة "
ليحاول فتح حديث معها من جديد عما حدث بينهما
" ماذا حدث بينك و بين عز الدين ؟ لقد تحدثت إليه فلم يجبني سوي بلا شيء فقط جدالاً بسيطاً ، لكن حالك يوحي بالعكس "
لتندفع لحضنه و الدموع تقطر من عيناها الجميلتان
" يعاملني بمنتهي الجفاء و أنا لم أعتد منه ذلك أبداً كان لا يصبر يوماً دون أن يراني ، كيف يطيق فعل هذا بي ؟"
ليجيبها والدها دون ترتيب و بنبرة شبه ضاحكة
" ليس هيناً أبداً عز الدين فقد دللكِ حد الإدمان ليفرض شروطه وقتما يريد ، لم تنهاري هكذا أبداً حتي عندما كان يخاصمكِ سليم "
ليتصلب جسدها فجأة و تلك المقارنة تُقعد في وجهها و أماما عيناها و من والدها
" ماذا تقول يا أبي ؟ ما دخل سليم ! أبي لا تفعل بالله عليك سليم رجل متزوج و أنا و عز الدين مجرد أصدقاء مقربون "
ليمازحها مداعباً أنفها
" حسناً عز الدين لم يعاملني يوماً كوالد صديقته بل كعمه و أنا لم أكن لأسمح بكل ذلك القرب لو لم يوضح الرجل نواياه من البداية ، لقد طلب مني فرصة معكِ بعد شهرين من معرفتكما ببعضكما ، صدقيني عز الدين رجل جيد و للغاية لكنه رجل و ليس مراهقاً سيتقبل إفراطك في التدلل دون حساب "
لتغضب من جديد
" أنا لم أوافق علي أي طلب زواج و ما يجمعنا لم يرتقي بعد لفكرة الزواج ، أنا صغيرة أصلاً علي الزواج ، لا أريد يا أبي "
ليغيظها من جديد
" حسناً يا حبيبة أباكي يبدو أنه غاضب لدرجة مقاطعتك يمكنكِ أن لا تحاديثه أبداً و تنتهي تلك المعضلة و كأنه لم يوجد قط فمن وجهة نظري مدام أوصلته لتلك الدرجة بعد ذلك الدلال الذي كنت أجده أنا شخصياً مائعاً و كثيراً حتي لو قورن بتدليلي لكِ فهو لن يتنازل حتي تبذلي الكثير و أنتِ لا إستعداد لديكِ لهذا ، و إنتهت القصة و عودي لجامعتكِ غداً فلا شيء يستحق فهو مجرد صديق أليس كذلك ؟"
خرج و تركها تواجه حقيقة أن يختفي عز الدين مع كل ما يمثله لها لقد عوضها عن الكثير لكن ذلك الجزء الغبي بداخلها مازال يشعر أنها تنتمي لسليم !
لم تستطع الصمود أكثر فردت بعصبية شديدة
" أجل مجرد صديق و ليضرب رأسه في أكبر حائط بمنزل أمه "
مر يومان آخران و لم تعد تحتمل ، كيف تمكن ذلك الوغد من أن يجعل الخواء يحيط بحياتها في غيابه ؟ هجرت حتي الكتب و كلما قرأت صفحة تعيدها لأن ذهنها سابح هناك بعيداً عنها يفكر في نبرته الحانية كلما ردد " تدللي يا أميرة بماذا تأمرين ؟"
لم تتمكن من الصمود أكثر فعادت للمنزل باكية تتوسل والدها ليحادثها و هي واثقة من استجابته فلطالما تبادل مع والدها احتراماً مبالغاً فيه من قبلهم معاً أغاظها أحياناً كثيرة لتواطئهما معاً أو تحدثهما لساعات بشئون العالم دون أن تكون هي محط اهتمامهم الأول
" يبدو أنني كنت محقاً و عز الدين لديه تأثير أكثر مما نعتقد ، ألا توافقيني ؟"
لتمسح دمعاتها و عيناها تفيضان بالعتب
" يبدو أنك تحبه أكثر مني ، لقد خسرت مكانتي لديك أليس كذلك ؟ ذاك المتملق جذبك "
ليضحك بقوة
" أعتقد ذلك دعينا لا نحادثه أبداً و نكتفي بصحبة بعضنا كما فعلنا دوماً "
لتبكي من جديد
" توقف عن إذلالي يا أبي بالله عليك ، لا تخبره أنني من طلب منك ذلك أبداً ، قل فقط أنك تريد أن تفهم ما جري بيننا و أنني حزينة قليلاً و لا تخبره أنني أبكي ، إياك أبي لن أسامحك و الله "
لتعدل هندامها و تنظر لهاتف والدها باهتمام
" و لتفتح مكبر الصوت "
ليستجيب والدها لكل رغباتها كالعادة لطالما قدر وجود عز الدين بحياتها خاصة بعد زواج سليم الذي أدرك كم سيجرحها لكن تفاجأ من كل ذلك النضج الذي مرت به ليجدها بعد سنة و نصف متعلقة به بتلك الطريقة التي لم يشاهدها بها من قبل أن تبكي غيابه !
" أهلاً حبيبي ، لا تقلق لا شيء مهم لنتناول فقط قهوتنا بالمنزل معاً و تخبرني ما الذي يحدث بينكما ؟"
ليرد فجأة بعدما وعده بالمجيء مساءً
" مليكة ستعدين أنتِ قهوتي ، إبحثي عن طريقة لتجيديها فأنا لن أسامحكِ لو لم أستمتع بها "
لتشهق و هي تكتم لعنات و مسبات و والدها يضحك مودعاً إياه من بين صخب ضحكاته
" ما هذا فعلياً يا أبي كيف تشاركه السخرية مني بتلك الطريقة ؟ لما لم تخبره بغضب أنني لا أستمع للمكالمة "
ليطرق للحظات
" تريدين مني الكذب و كذب واضح يا مليكة "
لترد في خجل
" حسناً أسفة يبدو أنني تماديت ، لا تغضب أرجوك "
ليبتسم مقبلاً إياها
" لا أتحمل الغضب منكِ يا صغيرة ، مليكة ألن تردي علي والدتكِ لقد إنفصلت عني أنا لكنها ستظل والدتكِ للأبد "
لتجيبه و الغضب الأهوج يحتلها من جديد
" لا يا أبي و لا تحزنني أكثر من فضلك ذلك الموضوع يحفز كل طباعي السيئة و أنا تعبت في الأيام الفائتة أريد قليلاً من السلام أرجوك "
ليومأ برأسه متفهماً و هي تركض لغرفتها تجهز فستاناً خلاباً يليق بأيام من البعد
دخل بعد أن سلم علي والدها بحميمة ليبادره بصوت شبه هامس
" مؤكد تختبيء بمكان ما تستمع لحديثنا "
ليضحك والدها مجيباً بنفس الهمس
" أنا لا أعرف أين تحديداً لكنها مؤكد تحاول لقد أحزنتها بشدة "
ليتنهد مردداً
" الله وحده يعلم أنني لا أطيق حتي أن تعبس عيناها لقد أحببت إبنتك منذ رأيتها لأول مرة و لا أتحمل أن أكبلها بغضبي و هي لا تتواني عن إشعاله فكان يجب أن تحس و لو قليلاً بأنني لن أدلل فقط ! و أنها مجبرة علي احترامي كما أحترمها ، كنت غاضباً لدرجة أنني أردت إيذائها و أنا لا أحب حتي رفع صوتي عليها "
لتقاطعهم فجأة مقتحمة الغرفة بغضب لاحساسها أنها مهملة لم يناديها أحد و لم تستطع سماع أي كلمة من حوارهم
" كيف حالك سيد عز الدين ؟ يبدو أنك كنت مشغولاً للغاية لدرجة أنك لم تلحظ إتصالي "
ليجيبها متسلياً بوقفتها الغاضبة متأملاً ذلك الفستان الأخضر الغامق الذي يتماشي مع لون شعرها و عيناها و ينساب بنعومته الشديدة علي ثنايا جسدها المنحوت ذاك الذي يثير فيه كل مشاعر الغيرة البدائية التي يبدو أنه ورثها من نصفه القبلي
" لم أكن مشغولاً جداً بل اخترت بكامل إرادتي تجاهله "
لتصرخ من فرط غضبها
" أيها الفظ عديم الشعور ال..."
ليردعها والدها بحدة عن مزيداً من السب بينما ملامح عز الدين إتخذت قناع الحدة من جديد
" توقفي ! هل جننتِ ؟ الرجل ببيتكِ "
لتطالع عز الدين برهبة تخاف جفائه من جديد و تخاف غضبه ذاك الذي يحذرها منه دوماً و لم تجربه قط لكنها مشتاقة و بشدة لدلاله و اهتمامه و وجوده و بحة صوته و هو يتمني لها أحلاماً سعيدة يتخللها هو كما يصر دوماً
" من فضلك سيدي هل يمكننا التحدث وحدنا قليلاً من الوقت رجاء "
ليخرج والدها و هي واقفة لا تدري ما الخطوة التالية
" اعتذري أولاً لنتحدث "
لتبهت من أمره الهاديء ذاك و كأنه يتخيل أنها ستقبل سطوته
" لن أفعل "
ليمسك هاتفه بهدوء و يهم بالخروج
" حسناً لن نتحدث حتي تفعلي ، عمتِ مساء أوصلي تحيتي لوالدكِ "
لتدمع عيناها فجأة و هي تشعر بالمزيد من الخواء كيف أصبح يمثل لها الحياة هكذا و هي لم تشعر لكنها لا تحبه لم تستطع الاعتراف لنفسها لحظتها لكن جفائه يفرغها من الشغف من الحياة أو حتي رغبة البقاء ، أمسكت بيداه سريعاً و هي تتمتم
" لا ترحل عز ، أنا أسفة لم أقصد "
ليجلس ببرود و قلبه يدمي لاجباره اياها علي الاعتذار و تلك العبرات التي تتلألأ بعيناها الجميلتان
" لا تبكي يا مخادعة و أنتِ تعلمين جيداً أنني لن أتحمل أبداً ، لن يرتفع صوتكِ مرة أخري و ستتوقفي عن السب نهائياً لقد إنحدر مستوي حواركِ مؤخراً ، لن ترتدي هذا الفستان من جديد إلا ببيتي و ذلك العرض الذي قاطعته يوم ميلادكِ لو تكرر مجدداً أو حتي فكرتي به بينكِ و بين نفسكِ سترين وجهي الآخر الذي أكرهه أنا شخصياً يا مليكة و شعركِ ؟"
لتتنهد محاولة كبت اعتراضاتها و حنقها الفطري من الأوامر خاصة منه
" ما به شعري ! ألن يسلم هو أيضاً منك !"
ليبتسم في هدوء
" غطيه ، أقصد فكري في الأمر أصبحتِ كبيرة كفاية لمثل هذا القرار فكري فيه و اقرأي كثيراً و حاولي أن تكون خطوة تقربكِ أكثر لله و تجعلني فخوراً ، لا أحب الضغط بذلك الموضوع تحديداً أحب أن تكون علاقتكِ بالله خاصة و نابعة من داخلكِ فقط ، لكن لي كل الحق في تغيير طريقة ملابسكِ لأنها باتت سخيفة و كفاكِ عليكِ الانتهاء منها "
لتعبس أكثر و كأنه يذلها بأوامره لإدراكه كم تمقت جفائه
" هل من أوامر أخري ؟ هل آتي لتنظيف منزلك ، أم أفتح لك باب السيارة ؟"
ليداعب جبهتها في حميمية
" لا عشت و لا كنت ، أنا فقط أوضح نقاطاً تقينا معاً شر الجفاء فأنا إشتقتِ بشدة يا أميرة ، تدللي ماذا تطلبين تعويضاً عن حفلكِ الضائع ؟"
ليجذبها بعيداً عن شرودها بكل تلك التفاصيل من الماضي التي مرت في سرعة كشريط هزة سليم لكتفها
" مليكة أين شردتي ؟ أكلمكِ منذ دقائق و أنت صامتة ؟"
لتجيب في وداعة لا تظهر ما يحتدم بداخلها المتوهج
" تذكرت أبي رحمه الله ، عذراً ماذا كنت تقول ؟ "
ليجيبها في تأمل دقيق لمحياها الذي ملأ أحلامه ليالِ طويلة منذ غدت مراهقة تثير جنونه بمشاغباتها حتي كبرت امرأة ناضجة تسلب لبه لكنها في كل أطوارها مدللة و يليق بها .
" أحضرت لكِ فستاناً صيفياً يشبه كثيراً تلك الفساتين التي كنتِ تدمنينها قديماً لكنه مناسب نوعاً ما لحجابكِ كما أخبرتني البائعة "
لتضحك مبتهجة لطالما عشقت الهدايا و أدمنتها و تحتاجها حالياً بشدة فقرع الماضي في ربوع عقلها أخافها
" شكراً سليم ، لا تعلم كم يعني هذا لي ، سأرتديه مساء"
قد ذهلت من روعته رغم أن لونه تقليدي بنقشة النمر تترواح بين الاسود و البني فيناسبان لون شعرها الذي استطال حتي وجدت نفسها تحت إغراء النزول متباهية به فقد ارتدت الحجاب و خلعته من قبل لكنها لن تفعل هذا من جديد هي فقط تريد لتلك الليلة أن تكون خاصة و مميزة و أنيقة تعيد لروحها الضوء ، خلعت ذلك السلسال التي كانت تتجاهل وجوده منذ عادت للوطن لا هي قادرة علي خلعه و لا تحاول التفكير و لا تذكر ذلك الرجل الذي ألبسها إياه .
نزلت متألقة بزينتها البسيطة و شعرها الطويل و حذائها الصيفي يعلوه خلخال لا يبدو أنه مناسب لهيئتها الحضارية فيضفي عليها مسحة من جموح تحبها بنفسها .
" ألستِ محجبة يا ست الحسن و الجمال ؟ ما هذا ؟"
لتعبس في دلال
" لا تكن فظاً سليم لا أحد هنا غيرك أنت و أحمد و تعرفان شعري أكثر من الجميع فلطالما عاني منكما ، فدعني الليلة دون مواعظ ، امتدح جمالي "
لتجحظ عيناه و يفقد السيطرة علي نفسه دون وعي و هو يراها بشعرها ذاك تجلس مجاورة لذلك الأحمق و تضحك من أعماقها و تتلمس ذراعه من فينة لأخري بعد دقائق من نزولها تفقدت هاتفها صدفة لتجد رسالة من رقم محجوب لا تعرفه فتتحفز حواسها كلها تلقائياً و تنكمش علي ذاتها
" غطي شعركِ هذا لئلا أعلقكِ منه علي باب منزلكم ، كفاكِ أخطاءً فحسابكِ ضخم بالفعل و لن تتحملي ثمنه ، إعتدلي و إلا سآتي و ليشتعل العالم بعدها لا يهمني ، غطيه و إجلسي بعيداً و يدك تلك التي سأقطعها هذبيها و احتفظي بها بجانبكِ "
لترتعد تماماً فكل مخاوفها تتواجه الآن معها و أمامها .

قراءة ممتعة للجميع و بانتظار أرائكم لأني محبطة جداً من تفاعلكم بصراحة


nada diab غير متواجد حالياً