عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-21, 09:55 PM   #1375

دنيازادة

نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة

alkap ~
 
الصورة الرمزية دنيازادة

? العضوٌ??? » 263614
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 6,235
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » دنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond repute
?? ??? ~
نحن بين رحلة حضور وغياب، ستُدفن مهما كانت قيمتك، وستُنسى مهما بلغت مكانتك، لذلك اصنع اثراً جميلاً فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها...
افتراضي



أمسكت كأس النبيذ تتأمل لونه الأحمر القاني وقد سلبها عقلها:- شهاب تزوج.. تزوج.. صب أيها النادل.

استجاب النادل لأوامر رنيم التي أخذت تهذي:- لأجله تعاملت مع الخادمات الوضيعات، رشوتهن بالأموال وأغدقت عليهن الهدايا من أجل أن يعملن جاسوسات لصالحي، كنتُ أدفع لهن الكثير من النقود ليجلبن لي معلومات كاملة عن أدق تفاصيل ما يحدث في القصر.. حتى بعد زواجه من حياة حاولت باستمرار زعزعت ثقتهما ببعض وتدمير علاقتهما.. أرسلت من يرصد خطواتها وتحركاتها في ذهابها وإيابها، سعيت لإيقاعها في مصيدة شائكة تجعلها لا تخرج من غياهب السجن، لكنه كان دائما يحيطها ومستعدا لنجدتها.

كان النادل يصب لها الكأس تلو الكأس مصغيا لزلات لسانها وخطاياها بوجه جامد دون أي تعابير:- كنتُ يائسة وفاقدة صوابي بغضب شيطاني إلى حد أني عبر معارف أبي الباشا استطعت التواصل مع أحد أهم رجال العصابات ليتعقبها ويطلق عليها الرصاص..

استرسلت رنيم باعترافاتها:- لكني وقبل لحظة التنفيذ عدتُ وتراجعت، أمرت القاتل المأجور بالانسحاب.. أنا أمقت سفك الدماء، ولا يمكن ان أصبح محرضه على الإجرام الدموي، ذلك أمر مروع لا يمكن لضميري حمل وزره.. ربما كنت مستهترة وأرتكب كثير من الآثام ألا أني لستُ قاتلة أبدا.. لم أكن أعلم أن هناك جهة سرية خططت لتصفيتها، أعطت قرار اغتيالها بدهسها في سيارة مسرعة.. ماتت حياة.. تحقق لي ما أردته دون ان أتلوث بدمها.. عاد لي مجددا الأمل للحصول على حبيب قلبي شهاب الذي انتظرته طويلا.. لكن ها أنا أفقد فرصتي معه للمرة الثانية..

نظرت حولها بعينان زائغتان، أضواء النادي الليلي وصوت الموسيقى الصاخبة وأجساد المترنحين السكارى.. احتست النبيذ دفعة واحدة وضربت الكأس على سطح البار أمامها زاعقة تطلب كأساً آخر..

سريعا أحضر النادل زجاجة من أجود أنواع الكحول الفرنسي الفاخر.. سكب لها الخمر في كأس رفيع..

اقترب منها أحد مرافقيها ينبها:- مدام رنيم.. هذا كأسك السابع.

رفعت كأسها ترمقه بسخط، تجرعت السائل الأحمر وصرخت بوجهه:- لااا دخل لكم بي.. لا يعنيكم ما أفعله.. أغربوا من أمامي.. جميعكم حقراء أنذال.. كلكم أوغاد.


تابعت متلعثمة بلسان ثقيل:- استمر أيها النادل.. أريدك أن تواصل صب الخمر حتى أفقد وعي.. لا أحد يفهمني أو يشعر بحزني.. الوجع يعتصرني من الداخل بقوة..

أمسكت الكأس واتجهت مترنحة إلى وسط ساحة الرقص.. راحت تدور وتتلوى متمايلة بألم مع النغمات الموسيقية..

بغتة شعرت بيد تقبض على ذراعها، نظرت تحاول التركيز لكن سكرها والأضواء الشديدة منعتها من التميز.. أحست بأنفاس ساخنة تلفح رقبتها وصوت يقول بغضب مكبوت:- مجون رقصك مثير يا زوجتي.

دفعته بصدره:- لستُ زوجة أحد.. ابتعد عني ..

صرخت تستنجد بمرافقيها، لكنهم ضلوا واقفين مسمرين بعيدا.. قال لها وهو يحيط خصرها بفظاظة:- لا أحد منهم يجرؤ على التدخل.. حان الوقت لتتأدبي.. أخباركِ كلها وفضائح تصرفاتك وسوء سلوكك كان يصلني عبر القارات..

جذبها بيده للأمام بخشونة لتغادر المرقص، كأس الخمر بيدها سقط أرضاً، صرخت بضعف تقاومه:- لا شأن لك بي .. اختلفنا في ليلة زفافنا وافترقنا متفقان على الطلاق.

رد عليها وهو يشدها ليسحبها خارج النادي الليلي:- لكني لم أطلقك.. ما زلتِ على ذمتي.

بحلقت به وساقاها تتحركان دون ثبات.. زعقت بجنون:- كيف لم تطلقني؟..

- يبدو ان أبيكِ الباشا الكبير طوال المدة الفائتة لم يخبرك بأن المصالح المشتركة دعت لتأجيل الطلاق.

تمايلت يمينا ويسارا مشوشة بأفكار متداخلة متشابكة.. كل ما استطاعت فهمه أنها تعرضت لخديعة عن قرب.. زعقت به: - ما الذي تنتظره؟.. طلقني.

سارع يرد بازدراء:- بالتأكيد سأطلقك، مدللة فاسقة مثلك تثمل وترقص بالأماكن العامة كعاهرة لا تناسبني كزوجة..

أخذ نفسا عميقا وأضاف بضيق:- رغم أني لم أعد أحتمل السكوت عن قبح أفعالك المشينة المنتشرة على أغلفة المجلات، لكني وعدت الباشاوات بالانتظار ريثما تنفض شراكة الأعمال..

زعقت مترندحه بوقفتها:- شراكة أعمال المال لا تهمنِ..
صرخت تأمره:- الآن .. أريدك أن تطلقني الآن.. طلقني يا...

وضعت يداها على رأسها كمن تحاول ان تتذكر اسمه.. رد ساخرا:- هاني.. أعدك ان لا تنسي أسمي بعد هذه الليلة.

ترنحت بدوار شديد لفها، أطلقت تأوها مكتوما وانهارت أرضا...
كادت أن تستسلم لغيبوبة عميقة لولا المياه الباردة التي تدفقت فوقها.. صرخت مصدومة بشهقات متوجعة، سعلت بقوة.. سمعت صوت جامد يقول:-هذا ما تستحقينه لتستفيقي.

رفعت رأسها وظهرها عن الأرض القاسية، رفرفت رموشها تحدق بعينيها, فرأت هاني واقفا بطوله كالمارد أمامها.. مررت يداها على شعرها الأشقر المبلل وإطرافه قد تهدلت تقطر ماء:- ماذا فعلت؟..

شهقت بقرف وتقزز عندما أبصرت فستانها ملوثا بأوساخ الأرض المليئة بالأتربة.

سألها متهكما وهو يرفع بيده قنينة ماء:- ربما تحتاجين لمزيد من الماء لتنظيف فستانك القذر.

ما كادت تفتح فمها لترد بألفاظ نابية حتى رشقها من فوهة القنينة بشلال مياه.. انفكت رموشها المستعارة وسال طلاء مساحيق المكياج الثقيل مختلطا ببشاعة، وجهها استحال إلى لوحه تشكيلية ملونة عشوائيا.

استولى على رنيم شعور الذل، شتمته ممتعضة:- أيها الحقير..
شهقت تلهث من فرط الانفعال، تحركت لتنهض متخبطة بثيابها المثقلة بالأوحال، ما أن وقفت وخطت للأمام كعب حذاءها الرفيع العال انزلق بفعل الماء، ترنحت متأرجحة تحاول التشبث بأي شيء حولها فلم تجد ألا الهواء.. تزحلقت ووقعت من جديد مرتطمة بالأرض بطريقة مثيرة لضحك..
صرخت بغضب هستيري على مرافقيها الذين شاهدوا ما جرى واستداروا يولوها ظهورهم محاولين كبح ابتسامتهم واستعادتهم لجديتهم.

قبضها هاني من معصمها وشدها يرفعها قائلا:- إلى أن يتم الطلاق بينا سأعلمك درسا في الأخلاق.. فما دمت زوجتي ستحافظين على سلوكك وتصرفاتك وألا لن ينفعكِ الندم.

كان يسير بخطوات واسعة سريعة ويجرها وراءه من معصمها دون أن يلتفت إليها:- أتركني .. أنك تؤلمني.

أثناء جريها أنكسر كعب حذائها فتعثرت وتمزقت حواف قماش فستانها الحريري،عاد هاني وجذبها بقوة ثم دفعها بقسوة لتدخل إلى السيارة الجيب الفخمة، توعدته:- سأجعلك تدفع ثمنا غاليا على ما تقوم به.

زفر بنرفزة قائلا:- دفعت بما فيه الكفاية وأكثر منذُ تزوجتك.. آن أوان دورك لتدفعي يا رنيم.. لا تلومي ألا نفسكِ.. أنتِ سببت لي الكثير من الإحراج والخزي.

أسندت رأسها تغطي عينيها:- لا تصرخ بي.. الصداع يكاد يقتلني.

- طبيعي.. كدتِ لوحدكِ أن تنهي زجاجة كاملة من النبيذ!!

عادت تتذكر خيبتها نائحة بانكسار:- الرجل الوحيد الذي أحببته في حياتي تزوج.. شهاب تزوج.

انهمرت الدموع تحفر في وجهها أخاديد حزن.. علق متهكما:- أداءك لدور المضطهدة المظلومة بضعف لا يناسبكِ.

رفعت رأسها بتعالِ:- تزوج من فتاة لا أقبل أن تعمل خادمة تقلم أظافر قدمي.

زجرها متأففا:- كفاكِ غطرسة وتكبرا على خلق الله.

لاحظ احمرار عيناها لكثرة ما بكت وسكرت:- كل ما أنتِ عليه بسبب والدكِ.. كل ما يهتم له اعتلاء المناصب وازدياد قوة هيمنة صولجان نفوذه حتى ولو كان على حساب أبنته.. أساء تربيتك وتلاعب بمشاعرك، عندما فشل زواجنا وانفصلنا من ليلة زفافنا، قرر في الحال نصب شباكك على الشريف شهاب، وحين أدرك ان الوصول لشريف أمر محال، عاد واتفق معي على تأجيل الطلاق حتى انتهاء عقود الشراكة وألا يجب أن أدفع الشرط الجزائي الذي بيننا.. عشر ملايين.. عشر ملايين مقابل تافهة سخيفة مثلك.

رمقته رنيم بغضب:- لا تتحدث معي بإيهانه..

من علبة المناديل الموضوعة فوق تابلو السيارة التقطت بعضها تجفف وجهها مستطردة:- لقد توافقت عائلتينا على زواجنا .. كلانا لم يبتهج لهذا القرار، ومع ذلك أي منا لم يعارض الفكرة.. ألان اتركني وشأني..لا أملك الجلد لمقاتلتك.. يكفيني صدمات..

عادت للبكاء والانتحاب وقد ازدادت حدتها معتصرة رأسها بين كفيها.. صرخ هاني يزجرها ممسكا المقود أمامه بشدة يكاد يخلعه:- توقفي عن دلعك وغنجك..

- لم أشعر بهذا الألم في حياتي كلها.
فتحت حقيبتها تلتقط زجاجة شفافة أخرجت منها قرص وابتلعته.. بعدها هدأت رنيم عن الولولة والصياح وحل صمت مطبق.. قاد هاني السيارة فيما هي غفت مسندة رأسها على أطار زجاج النافذة ومازالت الدموع تبلل خديها.
_______________________________________





رأته يقف أمام البيت يرمقها متوعداً .. تقدم بانفعال وقد انساق بمشاعر الغضب المشتعل، أمسك معصمها ودفعها إلى الداخل مغلقا الباب بقوة جعلتها تجفل وتنكمش على نفسها مرتجفة.. قال بصوتٍ ساخط:- أين كنتِ تاليا ؟؟
قالت مسرعة لغرفتها هاربة:- أرجوك يا بيك.. أنا متعبة.

أرادت أن تصعد الدرجات لكنه لحق بها:- أكاد أن أفقد أعصابي.. أجيبي على سؤالي حالا.. لماذا غادرت القصر دون أذني ومعرفتي؟.. ولماذا لم تردي على مكالماتي؟

وضعت يدها على صدرها تشعر بانقباض عنيف يضغط على قلبها وهي تقول بصوت مبحوح:- اضطررت للخروج.
تمتم وهو يكز على أسنانه بغيظ:- علمت بذلك .

جحظت عيناها وتساءلت بصوت مرتعش خافت:- هل أرسلت حرس ليتعقبوني مثلما كنت تفعل مع الشريف حياة؟

أجابها نافيا موضحا باستنكار:- لا .. لم أرسل من يتبعكِ.. لكن جهازنا الأمني كان يتعقب السفاح عندما ذهبتِ للقائه. وفي الحال تم إبلاغي بالأمر.

أضاف بعصبية:- لما لم تخبريني؟.. كيف سكتِ وأنت أدرى الناس به وبقذارته.

رفع رأسه للسماء يحث نفسه على الهدوء.. كرر سؤاله:- لماذا ذهبتِ لمقابلته؟.

لم تجبه .. تقدم نحوها ممسكا بذراعها وصدره يعلو ويهبط بأنفاس لاهثة مرددا:- لماذا؟.. لماذا؟؟

حاولت التملص من قبضته لكنه زاد من الضغط، ارتجفت من قوة كفيه اللتانِ أطبقتا على ذراعيها وصوته المرعب.. توسلت بوهن:- دعني.

هدر بها ومشاعر الخوف والحنق تتمازج في عقله وقلبه:- هل جننتِ؟ تذهبين إليه برجليكِ.. أي دافع قادك لمقابلته؟ تريدين التسبب بمقتلك لتكتمل مأساتي!

ردت وهي تستمر بمحاولة سحب نفسها من ذراعيه:- من أجل عائلتي سأفعل أي شيء.

شعر شهاب بغضبه يتفاقم أكثر بشكل جنوني.. رفع يده دون وعي يريد صفعها.. صرخ باسمها ويده تكاد تفتك بها، لكن نظرة عينيها المذهولة والمتشنجة بفزع رهيب أوقفته قبل أن يصل إليها.. كور كفه واستدار يلكم الجدار بعنف..
تالا غطت وجهها بكفيها تصرخ، ارتخت ركبتيها وخذلتها ساقاها.. انهارت على الدرجات غير قادرة على الوقوف والخوف يهز كل خلايا جسدها.. شهاب أوشك على ضربها فعلا!.. شهقت تبكي غير مصدقة أنه كاد يضربها حقا، لكنه توقف في اللحظة الأخيرة!! ربما رفض أن يؤذيها لأنها تملك قلب المحبوبة حياة.

استمر شهاب يلكم ويضرب الجدار يخرج شحنات قهره.. انخرط في حالة هيجان لم يعرفها يوما، فقد انضباطه وأعصابه، ليس بسبب ما فعلته تالا، لكن مواجهتها للخطر قصمته.. هو إنسان، له حدود وقدرة على الاحتمال.. صور كثيرة توالت في خياله، انتحار أمه وجسدها المتدلي من حبل المشنقة، رؤيته لحياة والسيارة التي اندفعت بسرعة قصوى باتجاهها لتصطدم بجسدها وترفعها إلى السماء.. حروب المعارك بالميدان.. كل تلك الأحداث مرت في ذهنه.

مغيبا عن الواقع أستمر بلكماته يحطم الحائط، صوت صرخاته دفعت تالا لتبعد كفيها عن عينيها، هالها منظر الدماء تنزف من يده.. نهضت سريعا وتقدمت ببطء ناحيته تناشده باكية:- توقف شهاب.. أرجوك توقف.

أمسكته بكل ما أوتيت من قوة.. ثم ضمته تحيطه بذراعيها،
بعد دقائق مشحونة بالانفعال شعرت بأنفاسه الثائرة المتضاربة تهدأ فقادته وأجلسته على الأريكة.. أسرعت تحضر علبة الإسعافات الأولية وجلست بجانبه تنظر إلى يده متألمة..

بلا كلام رفعت كفه النازفة، مسحت الدماء وبدأت بتطهير وتعقيم جروحه بدقة.. شهاب لم يهتز ولم يصدر عنه أي آهة.. راقبها بصمت تام وهي منحنية تضمد يده بلمسات رقيقة.

تمتمت بصوت مرتعش بالقلق دون أن ترفع رأسها:- من الأفضل ان يفحص الطبيب يدك. ربما تحتاج لحقنة ضد التسمم.

أرادت النهوض ولكنها فوجئت حينما رفع يده السليمة يلتقط معصمها يستبقيها بلمسة ناعمة، أعادها للجلوس بجواره، قال بصوت صادق:- أعتذر منكِ تاليا.
تأمل رأسها المنخفض مردفا:- لتشل يدي قبل ان أضربكِ.

بأصابعه رفع وجهها يجبرها على النظر إليه مستطردا:- أعلم ان السفاح أبيكِ.. لكنكِ لا تدركين مدى خطورته.. لا تعودي للقائه مجددا كي لا يستغلك وتتورطي بالمشاكل.. أجهزتنا الأمنية تتابعه وترصده منذ عاد متسللا عبر الحدود، تركناه لكي نصل إلى عصابة الرؤوس الكبيرة التي تحركه وتستخدمه من أجل تنفيذ صفقة تهريب أسلحة مشبوهة لتنظيمات إرهابية، في الوقت المناسب سنقوم بمداهمتهم وإلقاء القبض عليهم.. عديني مهما حدث لا تقابلية.

- لن أسمح بتدمير عائلتي.

تساءل بحدة:- هل نسيتِ ما فعله بكِ؟.. خالتك اضطرت للمجازفة كي تختطفك من الجحيم الذي كنت تعيشين به، وتقولين لي لن أسمح بتدمير عائلتي!

عيناها اللتان كانت تحرص على عدم الالتقاء بعينيه تطلعت إليه تواجهه:- لم أشعر يوما ان لي عائلة ألا في هذا البيت.

بأطراف أصابعه ضغط على جبينه مستفسرا ببطء:- هل تقصدين بقولك عائلتي.. نحن؟

أفصحت دون مواربة:- ومن لي غيركم؟.. خالتي ويحيى وأنت عائلتي.. ليس لي سواكم.. أنني أفديكم بروحي.

تجمد يرمقها باستعجاب، تالا تبهره بإخلاصها وتفانيها.. تمتم بارتباك:-يبدو أني أخطئت بحقك وتماديت.. أنا حقا آسف.
كعادتها لم ترغب تالا بإثارة جدال معه والتزمت السكوت..

وضع يده على كتفها بلطف:- هل أساء لكِ بكلامه؟ أخبريني بالحقيقة.. ما الذي أراده؟؟

زفرت بضعف تشهق بألم:- عاد ليهددني.

أجفل شهاب متنبها لمفردات تالا، استوضح بتركيز:- عاد !!.. هل تعني ان هذه ليست المرة الأولى التي يهددكِ بها؟.

بنفس متقطع وصوت مرتجف قالت باستسلام:- سأعترف لك بكل شيء وسأقبل بأي عقاب تنزله بي.. ما أرجوه منك ان لا تعتبرني ناكرة للجميل أو مجرمة كالسفاح.. فأنا كنتُ مجرد طفلة صغيرة.

أدرك شهاب ان تالا توشك على الاعتراف بسر خطير.. سر قد يوضح الكثير ويجد من خلاله تفسيرا على العديد من التساؤلات.. وربما يضع النهاية لرعبها وخوفها منه.

بصوتها الرقيق الناعم باحت بما كتمته في أعماقها:- كنتُ بعمر الثامنة عندما رأيته ذات يوم أمام بوابة المدرسة أنتظر السيارة لتقلني إلى القصر.. صعقت حين أقترب قال لي أنه سيعيدني معه إلى بيته إذا لم أنفذ ما يطلبه.. وسوف يقوم بالإبلاغ عن خالتي تغريد ويسجنها بتهمة اختطافي بمسانده ودعم من الأميرة، هذا الأمر كفيل بجعل الأعلام يتحرك وحينها ستكون فضيحة كبرى للأميرة في أوساط المجتمع الارستقراطي.

اسودت عينا شهاب:- لكنه عاد وقال انه سيتركني إذا ما أوصلت بالخفية ودون معرفة خالتي رسالة سرية للأميرة.
عيناها امتلأت بالدموع:- ما استطعت الرفض بمواجهة تهديده..
نكست رأسها تنظر إلى كفاها اللتان بسطتهما أمامها، أكملت بحرقة:-بيدي هاتان أخذتُ منه الرسالة، وضعتها في حقيبة المدرسة حتى عدت إلى القصر فأخرجتها وخبأتها بجيب معطفي، ثم صعدت إلى غرفة المرسم بالطابق العلوي حيث كانت تحب الأميرة ان تقضي جل وقتها هناك.. أعطيتها الرسالة وبمقابلها حملتني الأميرة طرد يحتوي على رزمة ضخمة من الأوراق النقدية.. وبنفس الطريقة أوصلت الطرد لسفاح.. كنتُ أظن ان الأمر انتهى.. لكن بين فترة وأخرى كان يعود بشجع وطمع ويطلب المزيد والمزيد مهددا ومتوعدا.. ذات يوم دخلت على الأميرة وأنا أحمل لها بين يدي رسالة جديدة، قرأتها بتمعن ثم مزقتها وأحرقتها كما كانت تفعل مع كل الرسائل السابقة وهي تردد بكآبة أنها لن تستطيع الاستمرار، فكل ما يحيطها يثير جنونها ويدفعها للهاوية السحيقة..

شهقت مجهشة بالبكاء واضعه يديها على حلقها تشعر بحشرجة غصة:- الذنب ذنبي.. لو أني لم أوصل رسائل السفاح للأميرة ربما لكانت الأمور اختلفت كليا..

بقي شهاب يحدق بها بصمت ساهما يستعيد رسالة والدته وفحوى كلماتها المبهمة وقد بدأ يحل لغزها (ابني شهاب.. أنا أحبك كثيرا، لكني لم أعد أحتمل.. الأمر يفوق قدرتي.. لو كان عندي أمل واحد لكنتُ قد تمسكت به.. أمك).

نظرت تالا إلى شهاب بألم:- حقك ان تصرخ بوجهي وتشتمني.. أنا مذنبة، لقد دفعت الأميرة دون أن أدري للانتحار.. بيدي هاتان تسببت بمقتل والدتك.. لك حق ان تعاقبني كما تشاء.

استطردت باختناق:- الشريفة حياة وهبتني قلبها لكني لا أستحق فرصة لأعيش في هذه الحياة.

غرقت ببكاء مرير ثم هرعت تخرج من البيت لا تر أمامها..

نهاية الفصل الرابع والعشرون





دنيازادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس