عرض مشاركة واحدة
قديم 20-02-21, 06:19 PM   #8

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كان يسير بخطوات متمهلة قريبة من التسلل على اطراف اصابع قدميه بمنتصف الليل وهو يتجه بمساره لطريق المطبخ بنهاية البهو الواسع ، ليقف بعدها لبرهة وهو ينظر للظلام الحالك والذي يسود بالمطبخ الفارغ بوجوم ، تحرك للداخل بدون ان يهتم بإشعال النور قبل ان يصل للثلاجة والتي كانت تحتل الجدار بأكمله ليُخرج منها زجاجة ماء معدني وهو يتلفت من حوله برهبة ، اغلق بعدها الثلاجة بكفه الأخرى قبل ان يفتح غطاء الزجاجة وهو يقربها من شفتيه ليرتشف منها بنهم دفعة واحدة .

اخفض الزجاجة بعيدا عنه بهدوء وهو يمسح شفتيه بذراعه الأخرى قبل ان يتصلب بمكانه وهو يشعر بشيء بارد يلمس جانب عنقه مثل نصل سكين حاد ، شدد بيده على الزجاجة البلاستيكية حتى تجعدت بقبضة كفه وهو يعقد حاجبيه بقتامة مظلمة وبتفكير بالذي سيتجرأ على مهاجمته بمنتصف منزله ؟ ولكن ما هي ألا ثواني حتى كان يمسك بمعصم الغريب والمرفوعة بالسكين لعنقه قبل ان يلويها بقوة وهو يديره نحوه ليسحبه امامه بعنف قاسي .

تجمدت ملامحه بين الدهشة والغضب الناري وهو ينظر للفتاة الواقفة امامه والممسك بمعصمها النحيل رغم مقاومتها الشرسة وهي منحنية الرأس امامه لا يظهر منها سوى شلال شعر شديد السواد منثور حولها بهمجية ، ابتلع بعدها ريقه بتشنج وهو يعود للتركيز على ما كانت تفعله بالمطبخ بل بالمنزل بأكمله وهي تفكر بمهاجمته بهذه الطريقة المجنونة .

زاد (شادي) من تشديده على معصمها وهو يقربها امامه مانعا اي محاولة منها للهروب منه ، ليقول بعدها بتصلب جامد وهو يركز على كومة شعرها المتساقطة من حولها كستار يغطيها عنه
"من انتِ"

توقفت (ماسة) عن الحركة المستميتة للتخلص منه وهو ما يزال يقيد معصمها الممسكة بالسكين بقسوة ، لتنظر بعدها للأسفل بوجوم وهي تفكر بطريقة لتتخلص مما اوقعت نفسها فيه بسبب غباءها واندفاعها المتسرع وهي تظنه شخص غريب عن المنزل وهي التي اعتادت على مهاجمة اي احد يحاول الدخول لشقتهم القديمة بسبب ابوابها المفتوحة على الدوام وقد نسيت بأن هذا المنزل مختلف تماما عن شقتهم ، والذي اكتشفته بأن هذا الشخص اكيد سيكون فرد من هذه العائلة الكئيبة ، ولكن ما يحيرها هو لما لم يتكلم عنه احد ولما لم يظهر بين افراد العائلة عند استقبالهم ؟

ارتفع حاجبي (شادي) بدهشة من استكانتها الغريبة وهو يفكر بتوجس من اين هبط هذا الكائن الانثوي الغريب امامه ؟ لا ويهاجمه بمنزله بكل وقاحة ، قال بعدها بحدة وهو يلقي بالزجاجة والتي ما تزال بقبضته بعيدا بقوة
"هيا تكلمي يا فتاة من تكونين ، وماذا تفعلين بهذا المنزل ، هل انتِ ابنة احد الخدم"

تحركت (ماسة) فجأة بجسدها نحوه لتدفعه بعيدا عن طريقها بقبضتيها وهو يحرر معصمها من قيده اخيرا ، ولكن ما ان خطت خطوتين بعيدا عنه حتى عاد ليمسكها من ذراعها بقوة ليعيدها ليحتجزها امامه بعنف اشد وهو يدفعها لتستند على باب الثلاجة من خلفها ، امسك بعدها بمعصميها معا ليرفعهما عاليا بمستوى رأسها المنحني والذي تصر على احناءه امامه وهو يضغط على الكف الممسكة بالسكين بقوة حتى كاد يحطم مفاصل اصابعها بين خشونة كفه ، لتضطر عندها لفتح قبضتها والتي افلتت السكين الصغيرة لتسقط على أرض المطبخ الرخامية مصدرة ضجة بسكون المكان المخيم من حولهم .

ابتسم (شادي) بتسلية وهو يلاحظ اضطراب انفاسها بتقطع ما ان سقطت السكين امام قدميها وكأنها قد خسرت سلاح القوة والذي كانت ستستخدمه للقضاء عليه ، نظر بعدها لخصلاتها المتطايرة والتي كانت تتحرك مع انفاسها والتي ازدادت حدة بثواني ، عقد (شادي) حاجبيه بتجهم ما ان تذكر امرا مهما كان قد غفل عنه بخضم ما حدث معه اليوم ، فمن طول الوقت والذي اضاعه بالخارج نسي بأمر وجود بنات عمته (مايرين) واستقبالهم بمنزله اليوم وهذا يحتم عليه تقبلهم بحياته وبعالمه مرغما .

قال بعدها بلحظات قاتمة عليهما بعبوس مستنكر
"انتِ تكونين ابنة عمتي مايرين صحيح ، والتي لم استقبلها بمنزلي ولم ارحب بوجودها اصلا"

تغضن جبين (ماسة) بحيرة وهي تشعر بنبرة كراهية صادرة من صوته وهو يقول امرا واقعا غير قابل للنقاش ، ولكنها تحاملت على نفسها وابتلعت الاهانات والتي كانت تفكر بتوجيهها نحوه فهي المخطئة الوحيدة هنا بتسرعها الاحمق ومحاولتها لمهاجمته بطريقة لا تمت للتفكير بصلة ، عضت بعدها على طرف شفتيها بغيض وهي تلعن السبب والذي جعلها تخرج من الغرفة بعد ان شعرت بجدرانها العالية ستطبق على صدرها وهي المعتادة على السير الطويل قبل النوم والذي يؤخذها لعالمها الموحش والمنعزل بعيدا عن الجميع .

تنهد (شادي) بملل وهو يزيد من التشديد على معصميها المستكينين بكفيه ليتمتم عندها بابتسامة غامضة باستهزاء
"كان عليّ توقع مثل هذا الاستقبال الرائع من الضيفة الجديدة بالعائلة والتي ادخلناها لمنزلنا بكل طيبة قلب ، ولكن ماذا كانوا يظنون من ابنة مجرم عاشت طيلة حياتها بعالم الإجرام والقذارة مع والدها ، ان تتغير بمهلة دقائق من ساقطة وضيعة ابنة مجرم لفتاة نبيلة تنتمي لهذه العائلة العريقة والتي تكون ابعد ما يكون عنها"

تجمدت نظرات (شادي) ما ان رفعت رأسها نحوه بعنف وكأنها قد تلقت للتو صفعة غير مباشرة موجهة نحوها ونحو شقيقتها ، بينما كان هو ينظر لوجهها والذي ظهر اخيرا من بين كومة شعرها السوداء وهو يكاد يقسم بأنه لمح بعض البريق والوميض يشع من حدقتيها والتي لم يتبين لونها من الظلام الحالك والذي كان يسود بالمكان وبالرغم من ذلك فهو متأكد بأن ملامحها الآن ستكون تنطق بالشراسة والتحفز بدون ان يستطيع تحديدها وقد تبين كل هذا من ذبذبات جسدها والتي يشعر بها تصله بوضوح عبر جسده .

زمت (ماسة) شفتيها بقوة وهي ما تزال تشعر بكلماته تطعنها بعنف بالرغم من انها معتادة على مثل هذا النوع من الكلام والذي ينتج عنه بعض التشنجات بأمعائها وبأطراف من جسدها وكأنها قد شلت عن الحركة لثواني لتعود لاستعادة قوتها مرة أخرى ، عقدت بعدها حاجبيها بتمهل وهي تحبس انفاسها بترقب قبل ان ترفع ساقها بلمح البصر لتركل بمقدمة قدمها العارية ركبته بقوة بحركة مباغتة سمعت معه طرقعة عظام ركبته ، افلتها (شادي) من كفيها بسرعة وهو ينحني جاثيا على الأرض بعد ان اصابت ركبته بشل مؤقت لترتخي للأسفل بتهدل وهو ينصب ساقه السليمة مستندا بكفيه على الأرض بامتقاع .

اتسعت حدقتيّ (شادي) السوداء بعدم تصديق وألم لما وصل له حاله من حركتها السريعة والغير متوقعة والتي جعلته يركع على ساقيه امامها بقتامة وكأنه تحول لعاجز بغمضة عين ، ليرفع بعدها عينيه بتجهم نحوها قبل ان يعبس بغضب ما ان رأى نظراتها المتشفية نحوه بظلمة المكان من حولهم وابتسامة جانبية استطاع لمحها بزاوية شفتيها ، ليختفي عندها كل هذا ما ان تحركت ببطء بعيدا عنه وهي ترجع خصلاتها السوداء المجنونة خلف كتفيها بلا مبالاة .

كان ما يزال يتتبع خطواتها وهي تنحني لتلتقط السكين الصغيرة والملقى على الأرض قبل ان تستقيم بوقوفها لتسير باتجاه باب المطبخ بهدوء قاتل بعد ان اصابت غريمها ، سمع بعدها بلحظات صوت انثوي خافت يكاد لا يسمع يحمل من الاشمئزاز الكثير وبحة غريبة تطغى على صوتها
"فرصة سعيدة يا ابن الخال"

اختفى بعدها كل شيء يخصها خلف باب المطبخ كالسراب ليتبقى فقط صوتها وهو يتردد بأعماق المكان وبأعماق روحه المظلمة وهو ما يزال يشعر بذبذبات جسدها ما تزال تسيطر على كل خلايا جسده كلعنة ألقتها عليه ورحلت ببساطة لتترك وصمتها على ركبته المتهدله امامه وهو يمسد عليها بوجوم قاتم .

_______________________________
كان يسند مرفقيه فوق الحاجز الرخامي للشرفة وهو يزفر انفاسه بضيق واضح وحدقتيه ثابتتين على السماء الشاحبة من فوقه وللغيوم الكثيفة والتي تضامنت معا لتحتل السماء بقوة مخفية الشمس من خلفها قبل موعد الشروق بساعات ، اخفض بعدها رأسه ليسند ذقنه لقبضته والتي يريح مرفقها على حاجز الشرفة وهو يفكر بأنه لم يستطع النوم جيدا بليلة امس بعد ما حدث معه على يدي ابنة عمته المجنونة بأول مقابلة بينهما والتي كانت توشك على إنهاء حياته فيها بغمضة عين لتتركه بالنهاية جاثيا على الأرض وهو يغلي من الخزي والغضب بالرغم من انه معتاد على التعامل مع كل شيء يحدث معه ببساطة وسلاسة لتدمر هذه الفتاة مبدأه بالحياة بأول لقاء بينهما ، ولا يعلم ماذا ينتظره ايضا بالأيام المقبلة مع هذه الفتاة المجنونة وكأنه ينقصه افراد يعكرون عليه صفو حياته الرتيبة ؟

مسح وجهه بكفه الأخرى وهو يستغفر ربه بصمت مكبوت ، ليخفض بعدها كفه بسرعة ما ان لمح الجسد الممشوق المتحرك بمدخل المنزل والقريب من الحديقة وهي تسير بخطوات متزنة قوية تكاد تخترق الأرض من قوتها ، اتسعت عينيّ (شادي) بتركيز وهو يحاول ان يتبين هوية الخارج من منزله والذي اكيد سيكون واحدة من بنات عمته فهو يعرف جيدا كيف تكون هيئة زوجة شقيقه (احمد) والبعيدة كل البعد عن هذا الجسد المتناسق والملفوف بسترة جلدية زرقاء مع بنطال اسود ضيق اظهر تفاصيل منحنيات جسدها المغرية وشعرها مرفوع فوق رأسها على هيئة كتلة مستديرة فوضوية بنعومة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما لذي يخرج فتاة من منزلها قبل الشروق بساعات عندما يكون جميع من بالبشر ما يزالون نيام بمنازلهم للآن ؟ ولكن كل شيء متوقع منها فهي بالنهاية ابنة مجرم حتى لو كان زوج والدتها فهي قد عاشت معه تحت سقف منزل واحد لسنوات طويلة ومن المرجح بأن طريقة حياته قد طبعت عليهما بقوة .

عقد حاجبيه بحيرة ما ان لاحظ توقف الجسد بمنتصف الطريق لتحيد بعدها بخطواتها وهي تغير مسارها نحو الحديقة الواسعة من حول الطريق الحجري امامها ، تابع مراقبتها بانتباه وهو الذي لم يعر بحياته انتباهه لأي احد لتجذب هذه الفتاة انتباهه ونظراته بفضول يشعر به لأول مرة وهي تشعل بداخله غريزة الحذر نحوها بقوة .

توقفت خطوات (ماسة) امام النافورة الحجرية والتي كانت ما تزال تُخرج الماء بانسيابية ونعومة وصوت خريرها يملئ الأجواء الساكنة من حولهم بانبهار ، كان ما يزال يراقب حركاتها بتمعن حتى صدم بانحناء ذلك الجسد امام النافورة لتضع رأسها تحت شلالات الماء المنسابة بتدفق لتنزل فوق رأسها وتغرقه بعذوبة مياهه وكأنها تغتسل من مياه النافورة بطريقتها الخاصة ، كان (شادي) يحرك رأسه بعدم استيعاب من حركتها الغريبة وهو ما يزال يعطي كل تركيزه على جسدها المهتز بارتجاف ورأسها ما يزال غارق بشلال المياه المتدفقة بدون ان تخرجه من هناك وكأنها تستمتع بوضعها المريب هكذا .

تصلبت شفتيه بامتقاع وهي ما تزال على حالها منذ عشر دقائق كاملة وقد تختنق بالماء إذا بقيت على وضعها هكذا مع برودة الجو الآن ببداية الشروق ، استقام بعدها بوقوفه وهو يبعد مرفقيه عن حاجز الشرفة ليرفع عندها يده لشفتيه قبل ان يطلق صوت تصفير مرتفع باستخدام السبابة والإبهام بمهارة معتاد على فعلها منذ شب عن الطوق ليخترق الأذن بإزعاج وسكون الأجواء من حولهم .

اخفض كفه ما ان وصل لمراده وهو ينظر لرأسها المتهدل وهو يبتعد عن مسار الشلال المتدفق بعد ان اغرق رأسها وكتلة شعرها المستديرة بالكامل وقد تساقطت عدة خصلات مبللة بفعل قوة المياه العذبة لتحولها لخصلات مجعدة ما تزال تقطر ماءً من حول رأسها ، لتسقط بعدها ذراعه بجانبه بتجمد بعد ان رفعت رأسها نحوه بهدوء وببطء متعمد يشعر به ولكن ليس هذا ما جمده عن الحركة تماما بل منظر عينيها البحرية وهو ينظر لأول مرة للون عينيها الغريب والذي يميل لزرقة قاتمة استطاع لمحها بليلة امس بدون ان يتمعن بها جيدا وها هو الآن ينظر لبحار غاص بها بدون إرادة منه مثل الوقوع بالفخ وهو يحاول إيجاد نقطة النجاة بتلك البحار المظلمة بقتامة ، ارتفع حاجبيه برهبة مشدوهة وهو يلمح دموع متدفقة بزوايا حدقتيها ممزوجة مع مياه النافورة تأبى الخروج وتركها للحرية وكأنها تحتجزها بداخل ظلام احداقها رغما عنها ، ليدور بعدها على باقي ملامحها الشاحبة والتي كانت تنضح قوة وشراسة صامتة ولكنها لم تخفي جمالها الغريب والذي يأسر النظر ما ان يقع عليه لشيء نادر الوجود ولا تقع عليه العين دائما .

ابتلع (شادي) ريقه بتصلب وهو يرمش بعينيه عدة مرات بتركيز عندما انتبه بأنها لم تعد تنظر له وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه بقوة ، كانت (ماسة) بهذه الاثناء ترجع خصلات شعرها المبللة خلف اذنيها بهدوء قبل ان تعود للسير باتزان وهي تتمسك بحزام حقيبتها على كتفها بقوة لتعود لمسار سيرها نحو بوابة المنزل الخارجية متجاهلة النظرات المشحونة بمشاعر متضاربة وهو يتتبع كل حركاتها بتمعن وببطء شديد وشكل عينيها البحرية لا يبارح ذهنه بتاتا ، وكل الذي يريد ان يعرفه إذا كان ما رآه بعينيها دموع حقيقية ام تكون مجرد قطرات ماء عالقة من مياه النافورة وما زادها تأثير برودة الطقس عليها ؟

______________________________
كانت تحرك الملعقة بداخل كوب القهوة بصورة رتيبة وعينيها شاردتين بالسائل الاسود اسفلها والذي شكل دوامات وحلقات صغيرة حوله بدون ان تهتم للنظرات الكثيرة من حولها والتي اصبحت تلاحقها مؤخرا بكل مكان بالرغم من انها معتادة على مثل هذه النظرات والتي لا تتركها وشأنها ولكن هذه المرة مختلفة فقد اصبح يرافق تلك النظرات تمتمات خافتة تصلها بوضوح وكأن صاحبها يتقصد وصولها لمجرى اذنها وهي تحوم من حولها بكل زاوية تكاد تخنقها بمكان تواجدها ، بينما لم تنتبه لنظرات عسلية أخرى جالسة امامها بكافتيريا الجامعة وهي تحدق بها بحزن متوجس لما يدور بذهن صديقتها المقربة والشقيقة والتي لم تلدها والدتها والتي تعرفها منذ كانت طفلة تلعب بجنينة منزل عمها (قيس) والذي كانت دائمة الذهاب إليه بشكل شبه يومي لتلعب مع بنات زوجة عمها ، ولكن تلك الزيارات قد اختفت تماما وقد اصبحت شبه معدومة منذ وفاة زوجة عمها وانتقال عائلة صديقتها لمنزل بعيد بحيّ يبعد مسافة طويلة عن منزلهم .

زفرت انفاسها بابتسامة ناعمة وهي تهمس بمودة ناظرة لكوب القهوة امامها
"إذاً يا ماسة كيف حالكِ ، ألن تخبريني عن طبيعة السكن الجديد مع عائلة خالك ، فأنتِ لم تخبريني بشيء عنهم منذ انتقالك للسكن عندهم"

لم يظهر على (ماسة) بأنها قد سمعتها وهي تحرك الملعقة بالكوب بصورة مستمرة واكثر حدة ، لتعقد بعدها صديقتها حاجبيها وهي تفهم جيدا جمودها والذي يجعلها دائما بعيدة عن الجميع وعن كل ما يحيطها ، وما ان كانت ستعاود الكلام حتى سبقتها (ماسة) وهي تقول ببرود مشتد
"لا جديد اخبرك عنه ، وكما ترين ما زلت كما انا"

زمت المقابلة لها شفتيها الورديتين بضيق وهي تضم كفيها امامها فوق الطاولة قبل ان تقول بنفاذ صبر
"حقا يا ماسة ، أتريدين خداعي وتصديق بأنكِ مرتاحة حقا بحياتكِ مع عائلة خالك والتي كنتِ من قبل تقسمين بأنكِ لن تدوسي عتبة بيتهم"

توقفت (ماسة) عن تحريك الملعقة وقد وصلت صديقتها لما تريده وهو جذب نظرها وتركيزها لها بعيدا عن قوقعة جمودها ، لترفع بعدها احداقها الزرقاء الداكنة بجمود وهي تهمس بانقباض
"لن يدوم هذا الحال كثيرا يا صفاء ، فهذه الإقامة مؤقتة حتى تجد روميساء سكن آخر لنا وتستطيع تأمين المال الكافي لذلك"

عبست ملامح (صفاء) وعينيها العسلية متسعتين بوجل لتقول بعدها بهدوء وهي ترفع يدها لتمسك بيد صديقتها من على الطاولة
"اسمعي يا ماسة انا ارى بأن الحياة قد ابتسمت لكِ اخيرا ولشقيقتك روميساء بعد ان تخلصتما من شرور عمي قيس وها هو الآن يتحاسب على ما ارتكبه بحياته ، لذا لما تضيعين فرصة العيش بين عائلة تحبك وتقرب لكِ ويتقبلونكِ بينهم وغير هذا حياة مرفهة بدون الاضطرار للتعرض للمزيد من الذل والهوان"

تجمدت ملامح (ماسة) بدون اي تعبير قبل ان تسحب كفها برفق وهي تهمس بابتسامة ساخرة بمرارة
"لقد فات الأوان على مثل هذا الكلام يا صفاء ، وما فعلته حياة السنين السابقة لن تغيره بضعة ايام مع خال ظهر من العدم بعد ان اقتنعنا وآمنا بأنه ليس هناك اي احد موجود بعالمنا المظلم ، فبالنهاية كان قيس هو الوحيد والذي اعترف بوجودنا وتقبلنا بحياته بعكس اقاربنا المزعومين والذين كانوا يعيشون برفاهية وترف"

قبضت (صفاء) على كفيها وملامحها ذات القسمات الناعمة تتصارع بتفكير عميق قبل ان تتمتم ببعض الامتعاض
"ولكنها مع ذلك لم تكن تلك بحياة فقد كان عمي قيس رجل فاشل بحياته واتكالي لأبعد الحدود وقد استخدمكِ انتِ و روميساء كخدم عنده لكي تساعدوه بمهام حياته اليومية ، وقد استغل بأنه لم يعد هناك اي احد لكما ليتكفل هو مسؤوليتكما بذلك السن ، حتى انني لم اصدق عندما عرفتُ بدخوله للسجن وعمله بصفقات غير قانونية وقد صُدم والدي بشدة من هذا الخبر واخبرني بأنه يستحق كل ما يحدث له"

كانت (ماسة) من بين حديث صديقتها شاردة بعيدا بعالمها القاتم وهي تفكر بأنها لم تنسى ولن تنسى ابدا حياتها والتي انقلبت رأساً على عقب بعد وفاة والدتها عندما اصبحت هي وشقيقتها كالعبيد عند زوج والدتهما وهما تنفذان كل اوامره بطاعة تامة لكي لا يطردهما من حياته ويصبح الشارع هو بيتهما ، كانت بوقتها بالعاشرة من عمرها وشقيقتها بالخامسة عشر عندما وزع عليهما ادوارهما الجديدة بحياته لكي يتقبلهما بمنزله لتصبح هي خادمة المنزل الصغيرة والتي تهتم بالطبخ والتنظيف على طفلة بالعاشرة لا تعرف سوى اللعب واللهو بينما جعل شقيقتها (روميساء) تعمل بمحل بقالة لصديقه ليل نهار لتوفر له المال ثمن سكنهما بمنزله وتناول الطعام معه .

تنهدت بكبت وهي تشدد من القبض على الملعقة بكفها قائلة بقتامة كزرقة عينيها المظلمة
"ولكنه يبقى افضل من العيش بالملاجئ"

زفرت (صفاء) انفاسها بحزن على حال صديقتها والتي وصلت لها فهي كانت معها منذ بداية مشوار الحياة وكم تشعر بالغيض من مسبب كل هذه المشاكل بحياتها والذي يكون عمها الوحيد وهي التي لم تحبه يوما او تتقبله طول سنوات حياتها السابقة وحتى والدها وكل العائلة لم يتقبلوا وجوده فيها وما كان يفعله ويسببه بحياته دائما ، قالت بعدها بلحظات مخترقة غمامة الحزن والتي لم تفارقهما ابدا وهي تقول بخفوت شديد
"ولكن هذا لا ينفي بأنه كان السبب..."

قاطعتها (ماسة) بعصبية وهي تعود لتحريك المزيج بداخل كوب القهوة بالملعقة بقوة
"توقفي عن إعادة نفس الموضوع بكل مرة وكأنه ليس هناك شيء تتكلمين عنه سوى عن حياتي"

عضت (صفاء) على طرف شفتيها بحنق وهي تسكتها بطريقتها الخاصة وقد عادت لتعصيبها والذي نادرا ما يخرج منها ، لترفع بعدها يدها بهدوء وهي ترجع خصلات شعرها البنية بميلان عسلي والمنفلتة من ذيل حصانها الطويل للخلف بهدوء لتنساب مع باقي خصلات شعرها الأخرى ، قطع الصمت صوت (ماسة) وهي تقول ببرود جليدي
"كيف احوال العم جلال ، وكيف هي صحته الآن"

اتسعت ابتسامة (صفاء) بهدوء وهي تتمتم بشرود حزين
"لقد اصبح بأفضل حال ولم يعد يصاب بالانتكاسات بعد النوبة القلبية الأخيرة والتي اصابته قبل اسابيع ، ولكني ما ازال قلقة على حالته والطبيب قال بأن عليه الراحة بين الحين والآخر وهو يصر على الدوام على عمله بدار النشر كل يوم ضاربا بكلام الطبيب عرض الحائط"

اخفضت (ماسة) كفها عن الملعقة وهي تنظر بسكون للموجات الصغيرة السوداء بكوب القهوة والتي لونت حياتها لسنوات وهي تفكر بالرجل الكبير شقيق (قيس) ووالد (صفاء) ذلك الرجل والوحيد والذي كان يزورهم بمنزلهم القديم لرؤية شقيقه الوحيد ، ولكنه اختفى بعدها من حياتهم بعد انتقالهم للمنزل الآخر والبعيد عن مكان سكنهم ، وحتى الآن لم تستطع نسيان الرجل والذي لطالما كان النقيض عن (قيس) تماما ليس بالشكل فقط بل بالتعامل وبطريقة الحياة وهي التي لم ترى منه سوى كل خير وهو يعاملها كابنته (صفاء) تماما بوقت كان الحنان ابعد ما يكون عنها بعائلة تسودها مشاعر من الجشع والأنانية والقسوة هي عنوانها .

زمت (ماسة) شفتيها بغيض وهي تلقي نظرة حادة للجمع الغفير والذي ازداد بقرب طاولتهما وكل واحد منهم يضع رأسه بأذن الآخر واعينهم ملتصقة بطاولتهما بتركيز ، لتقبض بعدها على يدها وهي ترفعها لذقنها باهتزاز كعلامة التحفز وما ان كانت على وشك النهوض حتى اوقفتها (صفاء) وهي تمسك بذراعها قائلة بتصلب وروية
"اهدئي يا ماسة وتجاهلي وجودهم تماما فهذا ما يريدون الوصول له وهو استفزازك ، لذا كل ما عليكِ فعله هو الصبر والتروي وعدم اعطائهم ما يريدون"

نفضت (ماسة) ذراعها بعيدا وهي تنظر من حولها بجمود بحدقتيها الزرقاء والتي ازدادت قتامة قبل ان تعود بنظرها لصديقتها وهي تقول بإصرار غريب
"صفاء اريد منكِ ان تجدي لي عمل"

انفرجت شفتي (صفاء) الورديتين بصدمة قبل ان تهمس بعبوس متوجس
"ما هذا الكلام يا ماسة ، لما تريدين العمل وما حاجتك به ما دامت روميساء تعمل بالفعل ، وانتِ لم تنهي دراستك الجامعية..."

قاطعتها (ماسة) بحنق متجهم
"انسي موضوع الدراسة يا صفاء فأنا احتاج لهذا العمل بشدة لأساعد روميساء بتوفير المال لنخرج من عائلة محراب بشكل اسرع ، وايضا عمل روميساء كمعلمة للصفوف الابتدائية اصبح مهدد بخسارته بعد ان تلطخت سمعتنا بين الناس ، لذا اريد منكِ ان تجدي لي العمل ولو بدار النشر الخاص بوالدك"

عقدت (صفاء) حاجبيها بوجوم وهي تهمس بتفكير
"ولكني لستُ متأكدة إذا كنتُ سأستطيع إيجاد عمل مناسب لكِ بدار النشر ، فأنا اعمل بها بأيام عطلتي لأساعد والدي هناك وحسب معرفتي فهي ليست من مجال دراستنا ابدا"

امتعضت ملامح (ماسة) وهي تتمتم بسخرية
"وماذا عن شقيقك المهرج ألا يعمل بدار النشر مع والده ام ما يزال يتسكع بالطرقات بدون عمل"

زفرت انفاسها بغضب وهي تنفخ خديها الورديين بضيق قائلة بتجهم خافت
"لا اريد التكلم عنه ابدا ، وأنا لا اعلم شيئاً عنه منذ شجاره مع والدي قبل ايام ومغادرته للمنزل غاضبا ناقما"

امتقعت ملامح (ماسة) بشحوب وهي تحرك عينيها بعيدا عنها باشمئزاز ما ان تذكرت المدعو شقيقها والذي لا يشبه والده بشيء ذلك المهرج السمج ورئيس عصابات الحارات والتي كان يقودها بكل مكان منذ طفولته ليتنمر على كل اطفال الحيّ بالطرقات وبالمدرسة وبالحدائق العامة ولم يستطع اي احد ان ينفذ من شره .

عادت بنظرها لصديقتها والتي كانت تقول بتلعثم مرتبك
"لم اكن اريد قول هذا ، ولكنه قد صرعني كثيرا من إلحاحه عليّ لأخبركِ بأنه لن ينسى ابدا الاتفاق بينكما وحتى لو ابتعدتِ لآخر العالم وانتِ بالمقابل عليكِ ألا تنسي حفاظاً على كرامتك"

تجمدت ملامح (ماسة) بتصلب وهي تنظر بعيدا عنها وكلامه ما يزال يتردد بذهنها منذ ايام قبل دخول (قيس) للسجن وهو يقول ببساطة مستفزة
(ماسة الفاروق استسلمي لمالككِ الحقيقي والذي انتظر كثيرا لتأتي هذه اللحظة بالذات وتقعي بين يديه ليتلقفك هو بكل رحابة صدر فقد تحملتُ مقاومتكِ وكبريائكِ كثيرا ولسنوات طويلة ، لذا قد حان الوقت الآن لنصفي كل ما كان بيننا بهدنة طويلة يا دمية عمي قيس)

انتفضت فجأة واقفة عن الكرسي باندفاع وكلامه يضرب اذنيها بقوة مثل جميع كلماته المستنفرة والتي كان يقولها لها دائما بكل مواجهة تحدث بينهما وهو يصر على تلقيبها (بدمية قيس) وكل هذا بسبب قبولها بالسكن مع عمه (قيس) وامتلاكه لحياتها وخدمته بكل شيء ، وقد كان دائما يزورهم بالمنزل القديم وحتى الجديد بشكل شبه يومي ليضايقها بكلامه وبتصرفاته المزعجة والتي كانت تغيظها على الدوام وهذا بجانب اصدقاء (قيس) والذي كان يتجمع معهم دائما .

زفرت انفاسها باضطراب وهي تقول بحدة بالغة ممسكة بحزام حقيبتها لتضعها على كتفها باتزان
"لا تنسي ما اخبرتكِ به يا صفاء حاولي ان تجدي عمل لي وبأسرع ما يمكن ، انا اعتمد عليكِ بهذا لذا لا تخذليني"

كانت (صفاء) على وشك قول شيء قبل ان تسبقها (ماسة) بالانسحاب بعيدا عن الطاولة وهي تتجه لباب الكافتيريا بهدوء ، لتقول بعدها بسرعة من خلفها بارتفاع حانق
"إلي اين انتِ ذاهبة يا ماسة ، لم تبدأ المحاضرة بعد"

عبست ملامحها الرقيقة ما ان نظرت لأثر صديقتها والتي اختفت عن نظرها تماما وما تزال العيون تراقب انسحابها بإصرار غريب وبعض الكلام بدأ بالارتفاع ليصل لأذن (صفاء) العابسة بحزن
"أرأيتِ هذه من اخبرتكِ عنها ابنة المجرم قيس ورئيس العصابات المعروف بالبلد ، وهم يعيشون بحيّ الحبشة والمعروف بحيّ المجرمين وخريجين السجون ، لا اعرف حقا كيف يستقبلون مثل هذه الأشكال بالجامعات المرموقة"

حركت (صفاء) عينيها العسلية الحزينة بعيدا عنهم وهي تنظر لكوب القهوة الخاص بصديقتها والذي لم تشرب منه ولا رشفة وهو ما يزال ممتلئ بالسائل الأسود والذي تصر دائما على طلبه بدون ان تشربه وكأنها تثبت لهم بأن سبب مجيئها لهذه الكافتيريا ليس شرابهم ، بل من اجل إمتاع نفسها بكلام الناس الجارح وبنظراتهم المهينة لها والتي لم تتركها وشأنها لسنوات .

نهاية الفصل..............


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس