عرض مشاركة واحدة
قديم 24-02-21, 06:02 PM   #419

شمس علاء**

? العضوٌ??? » 448047
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 357
?  نُقآطِيْ » شمس علاء** is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع والعشرون..
======
نحن هنا!
حيث العالم البعيد والإدراك القريب !
نحن هنا!
حيث القلب المرهق والعينين المستسلمتين !
نحن هنا !
حيث الألم وأنت لا تقوى على الصراخ !
نحن هنا، نقف على مقدمة جبل شاهق الإرتفاع!
نراقب…
نسمع…
نرى !
ونشعر !
أما هو….فقد أغرته دوامة الإستسلام…
ترك نفسه لها لتبتلعه كلياً…
وها هو..
يسمع صوت بكاءها الذي لم يهدأ منذ أيام وهي تتلمس ذراعه…
تربت على شعره بكفٍ مرتعشة…
تقترب من أذنه لتهمس بارتعاش :
_ألن تعود ؟؟، لماذا أنتَ صامت هكذا ؟..
ثم تصمت عن التحدث وتجهش في البكاء، فترتعش نبضات قلبه الثكلى، وتئن روحه..
و في عالمه فقد شردت عيناه في الفضاء الشاسع حوله، يسمعها ويدعي العكس !
يشعر بألمها لأجله لكنه لا يقوى على الانتفاض متجاوباً…
العالم هنا أكثر هدوءاً، أكثر راحة، خالٍ من الضغائن، مفعماً بالهدوء والرخاء!
هنا، لا يوجد سالم بظلمه..
ولا يوجد والده بجرمه..
هنا..يشعر بالرخاء بالرغم من ألم قلبه كلما سمع همسها المتألم وشعر بلمستها…
أغمض سليم عينيه في عالمه الخاص، بينما على أرض الواقع كان جسده مستسلماً على الفراش بينما العديد من الخراطيم مختلفة الأحجام متصله بجسده !
أقتربت منه مليكة أكثر بوجهٍ شاحب كالأموات، ثم أسندت رأسها إلى كتفه وبكت بحرقة هامسة برجفة :
_لم أعد أتحمل أن أراك هكذا !، أرجوك قُم، لقد خارت قواي، لم يعد لدي أي قدرة على التحمل، لماذا أنتَ بهذه القسوة ؟؟، هل هذه طريقة لمعاقبتي عما فعلته أم ماذا ؟؟، إن كان هذا عقابك فأنا أعترض عليه، فلتقُم وتعاقبني بأقسى الطرق، هيا أفتح عينيك وأنظر إليَّ، هيا يا سليم !

هي على أرض الواقع تبكي بحرقة مسندة جبينها إلى صدره، وهو في عالمه يتلمس كتفه بعينين دامعتين، يربت على كتفه بحركاتٍ رتيبة وكأنه يواسيها، هو في عالمه تلوى قلبه متألما…
بينما هي على أرض الواقع كانت تحارب وحش الفراق بضعف، خاضت المعركة دون سلاح..
دون رغبة…
دون قوة !
فهل يتوجب عليها الصراخ ألماً حين يهاجمها منافسها بسكينه ويخترق قلبها به ؟؟؟

تابعت مليكة همسها بارتعاش ودموع لا تنضب :
_أتعلم، إن فتحت عينيكَ ونظرت إليَّ الآن، سأجبرك بأن تعاقبني، حتى لو...لو كان…

غص حلقها وازدادت الدموع بعينيها وهي تحاول بصعوبة التفوه :
_حتى لو كان عقابك هو الإنفصال، سأقبل به مقابل عودتك، مقابل رؤيتك سليماً معافياً، أمامي !..

وحين لم يأتيها الرد ككل مرة، ازدادت دموعها أكثر وابتعدت عنه وهي تكمم فمها بكفها لتكتم صوت شهقتها الباكية…

بينما هو في عالمه المنفصل..
تأوه متألما وهو يربت على كتفه برفقٍ..

كلماتها تتردد بأذنيه..
ونبرتها صفعت قلبه بعنفٍ فانتفض متألما !
كلماتها آلمته، فبكى بحرارة ظناً منه أنه وحيد..
لن يراه أحد..
ولن يشعر به أحد...ولن يسمعه أحد..
هنا في غرفته الواسعة ذات الجدران الوهمية، متاح له الصراخ...البكاء..
فلن يشعر به أحد سوى نفسه !
لن تسمع أذن أي شخص صراخه سوى أذناه !
ولن تحرق الدموع وجنتيه على أرض الواقع، بل ستغزوها في أرض الخيال…
لكنه لم يكن يعلم أن عيناه تمردت على منطقه وافلتت دمعه حارة سقطت من طرف عينيه المغمضتين أمام عيني مليكة التي اتسعت عيناها مبهوتة !
هل حديث الطبيب صحيح ؟؟؟
هل يسمعها ؟؟
هل يشعر بها ؟؟
والإجابة لا تحتاج تفكير !
فها هي دمعته أتخذت مسارها وأخبرتها أنه يشعر بها، يسمعها !
فعضت على شفتيها تكتم تأوهاً متألما !
======
تحرك معهم بعينين متجمدتين، يسحبه شخص ما بصرامة، بينما الأصوات العالية تداخل من حوله !
لكن هو لم يكن مهتماً بما يقول هذا ولِمَ يتعامل معه ذاك بشيء من العنف !
بل كان جُل تركيزه على القيد الحديدي بكفيه !
ينظر له بعينين متلبدتين، ثم تنخفض عيناه إلى قميصه ليرى الدماء تلطخه بشكلٍ مخيف !
فيرفع عينيه ويزدرد ريقه بصعوبة !
هل قتله ؟؟!
هل أصبح قاتل !!!!

خرج من شروده مرغماً حين تعالى صوت الضابط بحزم :
_لقد مات القتيل فعلاً، تأكدنا من هذا؟، للأسف أصبحت قضية قتل !

لم يظهر عليه أي رد فعلٍ يشي بأنه يسمعه!
حدقتاه ثابتتان، وملامحه شاحبة،.بينما أصابعه تنقبض بقوة!
قوة لن تصف شعوره الآن !

صمت الضابط قليلاً وهو يراقب جموده وتبلده، فضاقت عيناه باستغراب لأول وهلة، ثم لم يلبث أن أرتفع حاجبه وهتف بقوة ضارباً سطح المكتب بكفه :
_مروان، تكلم !

أجفل مروان المتخشب مكانه واهتزت حدقتاه بإدراك متأخر، فارتعشت شفتاه وتحرك حلقه بصعوبة وهو يهتف بتحشرج :
_نعم !

سحب الضابط نفساً عميقاً، ثم مسح وجهه وهو يقول بصرامة موجهاً كلامه إلى العسكري الواقف بجوار مروان :
_فكه يا أبني، وأخرج من الغرفة !

أومأ العسكري بطاعة وفك قيد مروان الواقف بذهنٍ مشوش وعينين غائرتين…
خرج العسكري من الغرفة وأغلق الباب خلفه، فأنتصب الضابط واقفاً واتجه نحو مروان…

هتف الضابط بهدوء وهو يربت على كتف مروان بدعم :
اجلس يا مروان، أريد أن أسألك بعض الأسئلة !
تحرك مروان بخطى بطيئة نحو المقعد وجلس بعينين غريبتين، بينما جلس الضابط على المقعد المقابل وهتف بنفس الهدوء :
_أحكي ليّ كيف قتلته!

رفع مروان رأسه بسرعة وقد شحب وجهه أكثر واهتزت حدقتاه، ثم لم يلبث بأن هتف بسرعة مذهولاً :
_هل قتلت ؟؟؟، أنا قتلت ؟
كان يسأل نفسه قبل أن يسأل الضابط الذي أطرق برأسه بأسفٍ، بينما اتسعت عينا مروان والتوت شفتاه بشبه ابسامة ساخرة :
_نعم نعم، تذكرت..أنا قتلته فعلاً !
هتف الضابط بجدية :
_مروان، ركز معي، أريد أن أسمع منكَ أنتَ ماذا حدث وكيف قتلته ؟، القضية لها حل فأنتَ بالتأكيد كنت تدافع عن نفسك لكن أخبرني بما حدث أولاً !

رمش مروان بعينيه مرتين، ثم عاد برأسه إلى الخلف وحدق في سقف الغرفة لدقيقة !
دقيقة واحدة تذكر بها كل شيء..
تدفقت الكلمات من فمه بمساعدة عقله الذي انتفض من كبوته…

حين اتسعت عينا مروان مبوهتاً وهو يرى إصبع هاني يضغط على الزناد ضغطة خفيفة وشت بقرب إنطلاق الرصاصة، صرخ وعيه صافعاً عقله كي يستفيق !
إنه جاد وسيقتله وإن لم يتصرف في خلال ثانية سيسقط قتيلاً..
أرتفع صوت لهاثهما واتسعت الأعين وكل منهما يحدق بالآخر..
نظر مروان بطرفِ عينيه نظرة سريعة نحو السلاح الآخر الملقى أرضاً فوجده قريب جدا منه…
فازدرد ريقه بصعوبة، ثم تسللت أنامله بخفه ليلتقطه وهو يهتف من بين أسنانه كي يشغل هاني :
_هل أقتربت منها ؟؟
اتسعت ابتسامة هاني السوداء، وهتف وهو ينظر إلى عمق عيني مروان :
_كنت أتمنى والله لكني لم أنل سوى شهد شفتاها !
أثناء تكلمه كان قد لاحظ مروان ارتعاش يد هاني الممسكة بالسلاح إثر ضربة ضربها له قبل دقائق، وما أن قبض على السلاح بصعوبة، وأنتهى هاني من كلماته التي أججت نيرانه وأشعلت جنونه فأعمى الغضب عينيه وهو يزمجر فجأة ويضرب سلاح هاني بحركة مباغتة غير متوقعة مستغلاً ارتعاش يده، وفي خلال ثانية كان مروان يبدل موقعه فأصبح هاني المصدوم ملقياً على الأرض ومروان يشرف عليه من علو…
كل هذا في خلال دقيقتين، والثالثة ضغط مروان على الزناد بقسوة حين هم هاني بمحاربته وهو يصرخ بوحشية بعد أن تدارك نفسه :
_سأقتلك يا مروان، سأقتلك وسأقتلها هي الأخرى، سأقتلك يا(...)!
فاخترقت الطلقة جسد هاني، واخترق صوتها طبقات سمعه!
بينما اتسعت عيناه لأول وهلة بتشفٍ، ثم لم يلبث أن إنعقد حاجباه بشدة وهو ينظر إلى الدماء التي أغرقت الأرض ووجه هاني أبيضا بشكلٍ غريب !
لثانية، خمد غضبه فجأة..
وتوارى عقله خلف درع الصدمة مختفياً…
تخلى عنه وتركه ينظر إلى الجسد المسجى أمامه..
وتآمرت أذناه مع عقله فصار صوت الطلقة يرن بأذنيه كالطنين !
هل قتله؟!
اخترق صوت ذاك الرجل المنكفئ على جسد هاني يتفحص نبضه :
_لقد توقف النبض يا باشا !
توقف النبض !
توقف النبض وتوقف معه إدراك مروان وأنكمش عقله على نفسه أكثر !
هل الشعور بأنك السبب في إزهاق روح شديد القسوة بهذه الطريقة !
حتى لو كانت تلك الروح مدنسة بالخسة والشيطانية !
حتى لو تعدت تلك الروح القذرة على عرضه وشرفه !
فبين حرب المشاعر المتضاربة يوجد بينها شعور غير مفهوم !
وهذا الشعور تشعب بداخله وزاد من تشوشه !
وبعدها..لا يعلم ماذا حدث، سحبه أحدهم بخشونة وهو يقيد كفيه بقيد حديدي…
فشعر بالثقل بيديه وازى ثقل ضرباته، وخواء روحه !
قتلت يا مروان !!!

توقف مروان عن التحدث وقد تسابقت الإنفعالات على وجهه المحمر بعد طول ذهول، بينما عاد الضابط بظهره إلى الخلف وهو ينظر إلى مروان لدقيقة، ثم لم يلبث أن هتف بهدوء :
_حسناً يا مروان، قضيتك سيكون حلها هو أنك فعلا كنت في حالة دفاع عن النفس كما أن زوجتك كانت مخطوفة وأبنتها ولدينا أدلة على ذلك كالبث المباشر مثلاً..فقط ما سيعوق كل هذا هي إجراءات التحقيقات، الطب الشرعي وما إلى ذلك، كما أن زوجة سيادتك…

بتر عبارته عمدا كي يثير إنتباه مروان الذي أنتفض مكانه مصعوقاً بأنه نسى صبا من فرط الصدمة التي شلت تفكيره منذ ضغط على الزناد حتى قبل دقائق….
نظر مروان إلى الضابط بفكٍ متشنج، ثم هتف بجزع وقد ازداد شحوب وجهه :
_ما...ما بها زوجتي !
نظر الضابط إلى عمق عينيه نظرة ثاقبة، ثم اعتدل في جلسته وقال بهدوءه المستفز :
_الضربة التي تلقتها على رأسها كانت عنيفة أدخلتها في غيبوبة متقطعة، تستفيق لتنظر إلى سقف الغرفة وتدخل في غيبوبة مرة أخرى !
يتبع…………..


شمس علاء** غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس