عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-21, 10:26 PM   #6

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

اعذروني لتأخري بنشر الفصل
السبب هو قطع الكهرباء عنا طوال اليوم بشكل دائم
وبالتالي قطع النت
اترككم مع الفصل الثاني من النوفيلا
وبانتظار آرائكم
😍😍😍
الفصل الثاني
….

وعيناك داري ودار السلام
وأنت البداية في كل شيء
ومسك الختام
(نزار قباني )
…….
كانت ياسمين تقف على المسرح بكل ثقة ، وكأن عيناها تناظران كل الموجودين
الموسيقا تعلو بنغماتها العذبة
والعازفين من خلفها يبدعون بتسطيرها
وهي تكمل لوحتهم بصوتها الذي ميزها دائماً
كما ميز فرقتهم تلك ، أن كل فرد فيها لديه إعاقة من نوع ما
إعاقة كانت وسام فخر على صدره .. فكلهم اثبتوا أن لا يأس مع الحياة حين تثق بأنك قادر على تجاوز الصعوبات
لاشيئ صعب حين تمتلك الإيمان الكافي بالله ، وأنه وضع فيك نقصاً ما ، ليعوضه في موضع آخر من جسدك
، فتستطيع أن تجد طريقك الخاص نحو تحقيق الأحلام
جميعهم تحدوا الحياة
تحدوا النقص
وانطلقوا مطالبين بحقهم بأن يكونو جزءاً فعالاً فيها
فكانت انطلاقتهم ابداعاً ميزّهم
وسما بمواهبهم نحو الأفق
لا يقيدهم شيء
الجمهور يتابعهم بفخر
بحب وبإعجاب
فكثيرون من وهبهم الله كل شيء ، لكنهم افتقدوا الإيمان
افتقدو العزم و المثابرة
وفشلوا في أول مجابهة لهم مع الحياة
ثم استسلموا
أما هنا فالأمر مختلف
تشاهد المعنى الحقيقي للصبر وللثبات وللعزيمة
تقف بإجلال لثقة تشع من وجوههم
لإيمان ملكته أرواحهم
ولمواهب أزهرت في حياتهم
..
أما هو فنظره كان معلقاً بها وحدها ، وبوقفتها الواثقة تلك
وكأن المسرح خلا إلا منها
وكأنها تناظر وجهه
ترسل كلماتها إليه فقط
فيشعر بقلبه مفعماً بمشاعر كثيرة تخصها وحدها
يسافر مع كلماتها في رحلة خاصة بهما
يرسم أحلاماً تخصها وحدها
يمر بفكره طيفها وهي صغيرة
يحملها بين ذراعيه ويدور بها سعيداً بنجاح حققته في مدرستها
يسألها عما ترغب أن تفعله حين تكبر
فتقص عليه بطريقتها الطفولية
أحلامها التي ترغب بتحقيقها
وأهمها أن تنشر الموسيقا التي تحب في كل مكان
أن تشدو بالألحان فيصل شدوها لكل البقاع
وهاهي اليوم تخطو بخطوات واثقة نحو تحقيق هذا الحلم
لم يستيقظ من شروده بها إلا على تصفيق الجمهور الحار لها وللعازفين من خلفها ولقائد فرقتهم الذي ظهر معها على الخشبة يحيّ الجمهور ، شاكراً إياهم وأفراد فرقته
لا يدري لم لم يستسغ وقفته تلك ولا إمساكه بيد ياسمين حين غادرت خشبة المسرح
ضم قبضتي يده بغضب ، ولكن رجوع الأخير بمفرده للمسرح جعل انتباهه يعود إليه وهو يعلن عن قيام أحد أعضاء الفرقة بتقديم مقطوعة موسيقيا خاصة بالعزف على الناي
ليعلو تصفيق الجمهور مجدداً
….
قبل أن تصل ياسمين لجوري كانت الأخيرة تحادث تيم بصوت خفيض فيما عيناها تنظران حولها بإرتباك وخجل :

_ تيم توقف تكاد تتسبب بفضيحة لنا

قال تيم بمكر وهو يقترب من أذنها هامساً فيما يده تزيد من احتضان خصرها :

_ ما الذي تريدني أن أفعله ، وأنا وأنت هنا لوحدنا ، ثم أنت زوجتي فلم كل هذا الارتباك

ضحكت بخجل ، تبعد نفسها عنه ، تهمس مدعية الغضب :

_لوحدنا ، وكل هؤلاء المتواجدين في كواليس المسرح ، ماذا يكونون أشباح ؟

امسك كف يدها ضاغطاً عليه هامساً برقة ، فيما عيناه تغرقان في ملامح وجهها التي يعشق :

_ لا أرى سواك جويريتي

احتقنت وجنتاها بخجل ،ودوي قلبها يزداد أضعافاً داخل جدران صدرها ، تيم ينثر بأعماقها مشاعراً لم تتوقع أن تحياها في يوم من الأيام ، بعشق تملك فؤادها همست له :
_ أنا أحبك كثيراً
مسح وجهه بكفيه ، ثم عاد يقول بنيرة باكية جلبت لها الابتسامة :
_ وتريدين مني الصبر بعد هذا الاعتراف
ابتعدت عنه فور أن اقتربت شقيقتها منها ،أخذتها شقيقتها في أحضانها قائلة بسعادة :

_مبارك ياسمين ، لقد كنت مذهلة ، كلكم كنتم مذهلين

أمسك تيم بيدها مربتاً عليه بحنو وفخر ، قائلاً:

_ كنت مميزة يا فتاتي ، أحسنتي

ضحكت بسعادة للمديح وللفخر الذي استشعرته بصوتهما ، تشكرهما على وجودهما بجانبها ، ابتعد ميّار عنهم متجهاً نحو المسرح من جديد ، ليصلهم بعد لحظات صوت عزف سند ، توقفوا عن الكلام منصتين بهدوء لألحان الناي الشدية
…….
كانت حلا تجلس قرب كرم تتابع الشاب الذي يعزف على آلة الناي ببراعة يُحسد عليها ، قلبها يطفو فوق غمامة ناعمة رغم الأنغام الشجية التي تصدح عن الآلة
كف يدها مستريح بكف كرم ، ابتسمت لحركته الدائمة التي يضغط بها على كف يدها برقة كل لحظة
حانت منها التفاتة نحو عاصم وسراب الجالسين قربهما على بعد مقعدين فقط ، تذكرت نظراته لياسمين حين كانت تغني منذ دقائق ، نظرات عشق خالصة لايمكن لأحد ألا يلاحظها
نظراته لياسمين وكأنها جوهرته الفريدة تشبه نظرات كرم لها
ابتسمت وهي تختطف نظرة لوجه كرم ، والذي سرعان مابادلها نظرتها تلك بغمزة شقية جلبت اللون الأحمر لوجنتيها
وبداخلها تمنت أن تنال ياسمين حبها الذي تريد ، فهي باتت متأكدة من أن هناك حبّاً كبيراً يحمله أحدهما للآخر
…..
بعد انتهاء العروض الموسيقية ، طلب تيم من جوري ومن ياسمين أن ترافقاه نحو البهو المخصص للمهنئين ، فامتثلتا لطلبه ، وهناك كانت حلا بإنتظارهم رفقة زوجها كرم ، ابتسامتها المتألقة تميزها ، وزوجها يحتضن كف يدها بتملك واضح ، حالما اقتربتا منها ،تركت يده مقتربة من ياسمين تحتضنها بحب وفخر قائلة :

_ مبارك لك ياسمين، كنت رائعة اليوم جداً

بادلتها ياسمين العناق ، تشكرها على وجودها هي وزوجها الذي هنأها أيضاً على الأداء المميز الذي قدمته
اعتذرت ياسمين منهم حين طلب منها ميار أن تنضم لتجمع الفرقة من جديد
وقفت قرب سند والذي حدثها مهنئاً لها
_ كنت رائعة اليوم يا ياسمين
ابتسمت وهي تجيبه :
_ بل أنت من خطفت قلوب الجمهور اليوم بعزفك ، لقد كان عزفاً سحرياً حقاً يا سند
ابتسم ميار وهو يقترب منهما يحدثهما بفخر
_ جميعكم اليوم أبليتم بلاء حسناً ، تستحقون هذا النجاح الذي حققتموه
شكره الجميع ، عادت ياسمين نحو شقيقتها فيما اقترب ميار من سند ليصبح قبالته تماماً ، أمسك كف يده يربت عليها وهو يناظر وجه سند السمح فيما غطى عيناه بنظارة سوداء ، مخاطباً له
_ لا أستطيع أن أخبرك بمدى فخري وسعادتي بك
أجابه سند بصوته الواثق
_ كل ذلك بفضل تدريباتك لنا يا سيد ميار
_ بل بفضل مواهبكم التي حباكم الله بها يا سند

اقترب والدي حسان منه وملامحهما تحمل مزيجاً من السعادة والفخر ، والأمل
انحت والدته لتضمه إليها مقبلة لوجهه وكأنه طفل صغير غير عابئة باحمرار وجنتيه من الخجل ، ثم مالبث أن أبعدها والده عنها قائلاً له فيما يضمه لصدره مربتاً بكف يده على ظهره
_ كنت رائعاً يا ولدي ، لقد أذهلت الجمهور بعزفك الرائع
ابتسم ميار وهو يراقب حسان ووالديه ، لقد تعرف على حسان وسند منذ أكثر من عامين
شابان مثابران كما البقية في فرقته ، حسان الذي يسبق سند بالعمر بسنتين ولكنهما صديقين مقربين
سند الذي يعمل كمدرس للأطفال الصغار ، يعلمهم الموسيقا والعزف على الناي والتي تعلمها طفلاً في المدرسة الابتدائية الخاصة بالمكفوفين ، لتقدم له جدته كل دعم حتى بات من أمهر العازفين على هذه الآلة ، ليقرر الانضمام لهذه الفرقة التي يكون ميار مدربها
مايعجبه في سند هو قوة شخصيته ، معرفته لما يريد بالتحديد ، لم تعد معرفته به مقتصرة على المعهد بل تخطتها لتصبح علاقة صداقة متينة
جمعتهما كذلك بحسان
سند كما ياسمين ، الاثنان لديهما قوة غريبة يشعر بها كهالة تحيط بهما ، بل يكاد يجزم أن جميع أعضاء فرقته يملكون تلك الهالة من الإرادة والتصميم
ابتعد عن حسان وسند متجهاً ليتحدث مع ياسمين
كان عاصم يحاول تخطي الجموع التي احتشدت لمغادرة مقاعدها ،
يده بيد شقيقته سراب ،يريد أن يكون أول من يقدم لها التهنئة على نجاحها اليوم
أذناه تلتقط همهمات الجمهور التي تمدح أداء الفرقة ككل ، فيبتسم وبداخله رغبة لأن يخبرهم أن تلك الفراشة التي زينت المسرح بوجودها ، هي ابنة عمه ، هي نبض قلبه
كان قد وصل لخارج القاعة ومازالت كلمات المديح تصله من كل حدب وصوب ، ليت ياسمين كانت معه لتسمع إشادة الجميع بهم وبما قدموه من عرض مميز لهذا اليوم
اقترب يسأل أحد الحراس أين يمكن أن يجد أعضاء الفرقة ، فقام بإرشاده نحو البهو المخصص لهم ، بينما كان يتجه للمكان الذي دله عليه الحارس تساءل بداخله كيف فاته سؤال جوري عن مكان تواجدهم عقب الحفل مباشرة
حين وصوله للباب المؤدي للبهو المطلوب ، تنهد بمرارة غريبة استشعرها بداخله وعيناه تبحثان عنها فيما سراب تقف بجانبه ويدها مازالت بيده
كم ودّ لو كان أول من استقبلها بعد إنتهاء العرض
كم ود لو يخبرها عن ذلك الشعور الذي راوده وهي تغني
يخبرها كيف رآها كأميرة ، بل كفراشة فضية تضيء الكون بجمالها
سيخبرها عن فخره بها وبما قدمته
وبينما يسبح في أفكاره الخاصة حولها ،توقفت خطواته حين ّ
وقعت عيناه عليها وهي تقف رفقة جوري وخطيبها تيم و حلا صديقة جوري و رجل آخر توقع أن يكون زوج حلا الذي حدثته ياسمين عن زواجهما منذ فترة
أجل هو زوجها فنظراته لا تفارق وجهها ، وهي تتحدث وكأنه ينهل من حروفها رحيقا ً
ابتسم ابتسامة رجل يعلم معنى عشق الرجل لإمراته
ثم خطا مقترباً بعد أن حثته سراب بنظراتها على أن يذهبوا بإتجاههم لم يكد يخطو خطوتين حتى توقف مجدداً ، وهو يلاحظ ذلك السمج من جديد يقترب من ياسمين مهنئاً
تلك الابتسامة التي ارتسمت على وجهها حين سمعت صوته
سعادتها بالكلمات التي يلقيها عليها بدت كبيرة جداً ، يبدو فخوراً بها بينما يمطرها بمديحه ، وتلك النظرة في عينيه نحو ياسمين ، جمدته تماماً
نظرة لا يمكن له أن يخطأها
أصوات ضحكاتهم جعلته يتراجع خطوة للخلف ، ثم بكل جمود خاطب شقيقته آمراً :
_ سنغادر الآن سراب
لم تعترض على طلبه ، فهي تعلم تماما ذلك الصراع الذي يعيشه عاصم بداخله ،
لو كان بإمكانها التدخل لسألت ياسمين عن حقيقة مشاعرها نحوه ، ولكنه أخذ وعداً منها ألا تفعل ، لا تعلم لم طبيعته بهذا الشكل ، غير مقدام في مثل هذا الأمر ، عاصم بكل شيء لايخشى المجازفة إلا بمشاعره نحو ياسمين
يخفيها بشكل كبير ، تتمنى لو أنه كان مقداماً فيذهب إليها الآن ويسرقها من بين الجميع ، لكن عاصم ليس من هذا النوع أبداً

وصلا معاً إلى خارج البناء. الضخم ، حيث نسمات الربيع تحمل معها بعض البرودة ، ممما جعلها تغلق سترتها تجنباً لها ، عيناها تنظران بأسى نحو شقيقها
أما هو فكان يشعر بإختناق في صدره ، يكره تلك الأفكار التي تقيده
يكره تردده في مصارحتها بشعوره
يكره نفسه في كل مرة يقرر فيها أن يتخذ تلك الخطوة التي أجلها كثيراً ليعود ويكتفي بالصمت راضياً بدور ابن العم الذي يدعم ياسمين بكل ما تفعله
وهل تحتاج ياسمين بالأساس لدعمه ، سخر من مسار أفكاره
متهرباً مما يعتمل بداخله ، وهو يدعو شقيقته لتصعد إلى السيارة ، ساعدها على اتخاذ مقعدها
ثم استدار حول السيارة ليصعد إلى مقعده
و قبل أن يدير السيارة امتدت يده إلى جيبه متلمساً الهدية التي أحضرها لها
نظراته تركزت نحو الأمام وهو يتذكر حديث زياد معه في صباح هذا اليوم

(لا تمضي أيامك وأنت تخاف أن تصرح لها ، ليأتي من يختطفها منك دون أن تستطيع منعه )

ضرب المقود بكف يده الثانية غاضباً وهو يظن بأن ما قاله زياد قد تحقق ، مما اجفل سراب وجعلها تشهق بألم لحاله
رق قلبه لمرأى شقيقته بهذه الحال فأمسك كف يدها ، مقبلاّ له وهو يتمتم باعتذار :

_ آسف صغيرتي لأنني أخفتك هكذا

ترك كف يدها ثم اسند رأسه على المقعد مغمضاً عينيه ، وهو يهمس لها ، يبوح بكل ما يعتمل بصدره :

_ أتعلمين أمراً يا سراب ، تلك الفراشة سرقت قلب شقيقك
ابتسمت سراب بدفء له ، فأكمل هو اعترافه :
_ أنا نفسي لا أعلم متى تغلغل حبها الى قلبي ، أحاول في كل مرة أراها بها أن أتذكر متى وكيف حصل ذلك، لكني لا أجد لأسئلتي إجابة شافية
فتح عينيه يناظر وجه شقيقته ، يبادلها ابتسامة صغيرة ، فيما يكمل :
_تلك الصغيرة التي تماثلك عمراً ، قمر البيت كما كان عمي يناديها ، أتعلمين أنني سألته مرةً إن كنت تحب اسم قمر لما اسميتها ياسمين فأجابني ضاحكا :

(لأنها يوم ولدت لم أرها إلا كياسمينة صغيرة ، رقيقة ، ويوماً ما سيأتي من يمتلأ قلبه بعبق شذاها فتسعد روحه برفقتها )

ولكني لم أظن يوماً أنني سأكون هذا الشخص الذي يمتلأ قلبه بحبها

اعتدل في جلسته يناظر الفراغ أمامه ، فيما شعور مؤلم يتسلل إلى قلبه ، يكمل تصريحاته التي سبق وأخبر بها سراب :
_ لم أعلم من تكون ياسمين بالنسبة لعاصم ، إلا وأنا اتلقى اتصال أبي يطلب مني أن أكون معكم عندما تنتهي تلك الرحلة التي أقامتها الجامعة احتفالاً بالخريجين الجدد، لإنها مريضة جداً ويجب أن أتواجد بجانبكم
يومها فقط علمت أن هذه الفتاة ستكون محور حياتي كله، وأنا أهرع إليكم تاركاً كل شئ خلفي،
لأتلقى بعدها ذلك الخبر المفجع

رنين هاتفه أنقذهما من تلاطم أمواج الذكريات المؤلمة تلك
أشارت له سراب أن يجيب فيما مسحت دموعها التي غافلتها وتساقطت من عيناها وذكرى تلك الليلة تعود إليها ، أما هو فنظر لشاشة الهاتف يناظر اسم جوري ببعض الشرود ، حاول أن يجلي صوته قليلا قبل أن يجيبها :

_أهلاً جوري

أتاه صوتها اللائم له لمغادرته دون أن يعرج عليهما :

_ أين أنتما حتى الآن ، تعلم أن ياسمين بانتظارك

نظر نحو سراب نظرة خاطفة ، ثم عاد ينظر للطريق أمامه ، يجيبها فيما يده تدير مفتاح السيارة استعداداً
للمغادرة :
_ سراب متعبة بعض الشيء يا جوري ،فقررت إعادتها للمنزل

شعر بالندم وهو يسمع صوت جوري القلق :

_ هل هي بخير ،هل تود أن آتي أنا وياسمين إليها

ود لو كان أنانيا ليخبرها أن أجل افعلي ،لكنه لم يكن يوماً حاملاً هذه الصفة ، لذلك أجابها :

_ كلا لا داعي ، سترتاح ما إن نصل للمنزل ، مارأيكم أن نجتمع غداً على الغداء إحتفالاً بياسمين ، أخبري تيم بالأمر

أغلق الهاتف بعد أن أبلغته موافقتها ، حاول ألا ينظر بإتجاه سراب فيشاهد نظراتها اللائمة له لتصرفه هذا ، لكنه يحتاج لترتيب أفكاره ، يحتاج لأن يعلم ما عليه فعله

دخل عاصم غرفته عله يستطيع أن ينال قسطاً من الراحة ، توقف أمام مرآة الزينة يناظر وجهه في المرآة ، أخرج علبة الهدايا من جيب سترته ، ثم وضعها على طاولة الزينة أمامه
فتحها بهدوء ، ثم التقط السلسلة منها ، يناظر القلادة التي تحملها
، فراشة من الذهب الأبيض بأجنحة مزينة بفصوص ماسية ، لامس القلادة بإبهامه وهو يتخيل ياسمين ترتديها ، أعاد القلادة لمكانها هرباً من أفكاره ، ثم مشى نحو باب الحمام بعد أن خلع كنزته الصوفية ليرميها في السلة الخاصة بالغسيل
أفكاره تتصارع داخل عقله ،فلا يجد حلاً لها
وقف تحت رذاذ الماء ،علّ أفكاره تهدأ قليلاً ،عليه أن يصفي ذهنه ، ففي الغد لديه اجتماع مهم من أجل الصفقة الأخيرة ،وعليه أن يكون بكامل استعداده لها ، ولكن عقله وقلبه لا يرحمانه على حد سواء
خرج من الحمام وقد ارتدى ملابس بيتية مريحة
ليقترب من مشغل الموسيقا الموضوع في زاوية الغرفة ،مديراً القرص بداخله فتصدح أنغام الأغنية التي يحب
جلس على الأريكة يستمع للأغنية ، فيما يهاجمه خيالها وهي تقف على خشبة المسرح
انسابت كلمات الأغنية لأذنيه وكأنها تعبر عما يحدث معه اليوم

عيني ياعيني عليكي
كل القلوب بدوب حواليكي ياعيني أما أنا
وحدي أنا
بشوفك بس بعيون غير عيون الناس وأحبك بكل مافي القلب من إحساس

……
بعد بعض الوقت طرقت سراب باب غرفته ثم دخلت حاملة معها كوب حليب دافئ
ابتسم لها وهو يأخذه منها مرحباً به
ثم طلب منها أن تجلس قربه على الأريكة لتتابع معه بعض التصميمات التي يجهزها لمشروعه القادم ، عمله بصنع القطع النحاسية يحتاج لمهارة وإتقان عاليين ، وكذلك يحتاج لأن يكون مبتكراً في التصميمات التي يقدمها
هذا مافكرت به سراب وهي و تراقب التصميمات التي جهزها مسبقاً
حانت منها نظرة نحو العلبة الموضوعة على طاولة الزينة ، العلبة التي تحوي الهدية التي انتقاها عاصم لأجل ياسمين ، حين كانا معا في رحلة في الخارج
تنهدت متألمة لأجل شقيقها تتذكر كلماته حين طلبت منه يومها أن يتخذ قراراً بخصوصها إما يخبرها بالأمر أو يبتعد عنها
تعلم أنها أنانية منها ، لكنها لا تريد لعاصم أن يبقى هكذا ،مشتتاً وغير مرتاح البال
عاصم شقيقها ووالدها بعد وفاة والدهما ،كبير العائلة وسندهم جميعاً هي وجوري وياسمين ، يعيش هذه الحيرة وهذا الألم، لا تستطيع تقبل هذا الأمر أبداً
في ذلك اليوم أجابها بنبرته الحنون :

( أجد نفسي معها عالقا في الوسط ، أخاف أن أخطو باتجاهها فأجد غيري قد سبقني إلى قلبها ، وحينها لن أعود عاصم ذاته بالنسبة لها سيصبح هناك شرخ كبير بيننا ،وأخاف أن أبقى على صمتي فأندم لاحقا ، أنا أخاف عليها من سارق للقلوب يسرق قلبها بعيدا عني ، فيترك قلبي ملتاعا مشتاقا يا أختاه ،لكني في ذات الوقت مستعد لأن أعطيها كل حياتي لأرى البسمة تزين وجهها والسعادة تستوطن قلبها ولو كانت مع غيري )

عادت سراب من ذكرياتها ترنو بنظراتها نحوه
أي حب ذاك الذي يحمله عاصم في قلبه
كم هي محظوظة ياسمين به
هل سيحبها أحدهم حبا مماثلا لهذا الحب
صدح رنين هاتفها الذي كان في جيب ثوبها المنزلي ، فأخرجته لتعلم من المتصل بها ، لتجدها ياسمين
أدارت الشاشة نحو عاصم ثم وضعت الهاتف في كف يده وخرجت لتترك له المساحة الكافية للحديث
امسك الهاتف يجيبها وهو يعلم أنها غاضبة منه

_ اهلا ياسمين

لكن خلاف توقعاته وجد صوتها خائفاً قلقاً

_ عاصم هل سراب بخير .. لقد هاتفتك عشرات المرات وهاتفك مغلق ، هل أنت بخير يا عاصم

أجابها بعد أن أغلق شاشة الحاسوب أمامه ، يمسح وجهه بكف يده لاعناً نفسه لمغادرته الحفل دون رؤيتها

_ يبدو أن شحنه قد فرغ دون أن انتبه إليه ، اعذريني يا ياسمين

كاذب أنت يا عاصم أخبر بها نفسه، فهو اغلقه لعلمه أنها ستتصل ، ولم يكن مستعدا لسماع صوتها في تلك اللحظات لأنه كان سيخبرها حينها بكل شيء
عاد يطمئنها وهو يستمع لسؤالها القلق مرة ثانية :

_ إن سراب بخير ،يبدو فقط أنها مرهقة ،آسف لأنني لم أتمكن من رؤيتك بعد الحفل
آتاه صوتها الذي يعشق هامساً :
_لا بأس عاصم المهم أن سراب بخير
لحظات من الصمت بينهما لتكمل همسها له :
_ المهم عندي أنك كنت متواجداً أثناء الحفل ، غدا لدي الكثير لأحكيه لك ، الى اللقاء
همس بتحية الوداع لها ، ليسمع صوت انقطاع الاتصال
نظر للهاتف بيده ، وشيء غريب أدار زر الإنذار بعقله بعد مكالمتها تلك


نظرت لها جوري بعد أن عادت نحو الصالة حيث تجلس برفقة مربيتهم خديجة

_ هل كنت تحدثين عاصم ؟ هل سراب بخير

سألتها جوري وهي تلاحظ أن شقيقتها شاردة بملكوت أفكارها
أجابتها ياسمين وهي مازالت على ذات الشرود

_ أجل إنها بخير

غيرت جوري مقعدها لتصبح بجانب شقيقتها على الاريكة قائلة بقلق

_ اذا ما الأمر ، لم أراك شاردة بهذا الشكل

قالت ياسمين بخفوت وهي تعقد يديها في حجرها :

_ لا أعلم ، عاصم يبدو غريبا منذ فترة ،أحس أن هناك ما يشغله ويجعله بعيدا هكذا ، في الأونة الأخيرة بات بعيداً جداً عنا ، لم تعد علاقتنا كما كانت في السابق ، ألم تلاحظي ذلك ؟

ابتسمت جوري وهي تربت على ساق شقيقتها ، تخبرها بما تعتقده بخصوص عاصم :

_ أنت تعلمين أن الازمة التي مرت بها سراب لم تكن بالأمر الهين عليه ، وهو يجب أن يساندها حتى تقبل بالعودة لعملها ولكل الأشياء التي تحب، وهناك عمله الذي يحتاج منه كل جهد كذلك ، لقد سبق وأخبرنا عن الصعوبات التي يواجهها في عمله

قالت ياسمين بأمل لم تنتبه له جوري

_ اتظنين ذلك يا جوري

قالت جوري مؤكدة

_ أجل هذا هو الأمر ، والآن هيا حان موعد النوم ،فأنا متعبة للغاية

استقامت واقفة بعد أن أعادت لها كلمات شقيقتها بعض الطمأنينة ثم ألقت تحية المساء مغادرة نحو غرفتها
لكن خديجة قالت وهي تجمع أكواب الشاي عن الطاولة تساعدها جوري بأخذ صحون قطع الحلوى

_ لم لا يكون عاصم واقعاً في الحب ، فهو لا بُد يفكر بأمر الزواج الآن وقد تخطى الثلاثين من عمره بسنوات ، ربما انشغل بفتاة تعرف عليها

وأخفت باقي جملتها في قلبها ( وأنا التي كنت أظنه يحمل مشاعراً لياسمين ،لكن يبدو أنني مخطئة )
نظرت لها جوري بإبتسامة وهي تخطو خلفها نحو المطبخ ، وقد غاب عنها مشاعر شقيقتها تجاه عاصم والتي لاحظتها اليوم سابقاً في الحفل :

_ اتظنين حقا أن عاصم واقع في الحب ،أتمنى ذلك فعلا يا دادا ، فهو يستحق أن يستقر بحياته أخيراً

صوت الضحكات من داخل المطبخ وصلها وهي لاتزال واقفة قرب باب غرفتها ، تهمس لنفسها بصوت مسموع :

_عاصم يحب امرأة ما

همست بها ، وشعور حاد غريب عليها يخترق صدرها بقوة
وضعت يدها على صدرها علّ ذلك الألم يختفي ولكنه كان قوياً ، حاداً
لا يرحمها
هوة من السواد المحيط بها جثمت على صدرها وكأنها ستتسبب بخنقها
لطالما كان السواد محيطاً بها
لكنه سواد مختلف عن هذا
لقد كانت تشعر بنفسها تطفو في فضاء واسع
فضاء خاص بها وحدها ، لكنه يعطي لذاتها قوة غريبة وثقة أغرب
أما الآن فهذا الفضاء ضاق بها بشكل مؤلم حتى كاد يزهق روحها
حاولت تلمس طريقها نحو الداخل ،لكن كل شئ بات مجهولاً لها ، صرخت بألم وهي تصطدم بحافة السرير الخشبية ، انحنت نحو الأسفل تمسك بساقها مكان الإصابة
هرعت جوري وخديجة إليها بعد سماعهم لصرختها تلك
ساعدتها جوري على الجلوس على السرير ، وهي تتفقد قدمها مكان الإصابة ، مرددة بخوف شديد :

_ كيف حدث هذا يا حبيبتي ، أنت لم تصدمي نفسك قبلا ،ياسمين هل أنت بخير يا أختي

شهقات ياسمين الباكية ، أجفلت كلا من خديجة وجوري ، لتسارع جوري لضمها إليها هاتفة بها بألم :

_ أين هو الألم أخبريني ، ياسمين أخبريني عما يؤلمك

كانت ياسمين تضم يدها لصدرها بقوة ، حيث مكمن الآلم الحقيقي ، ولكن نبرة جوري جعلتها تحاول التماسك وهي تجيب من بين شهقاتها

_ قدمي فقط يا جوري ، قدمي تؤلمني

ضمتها جوري إليها تهمس لها أن لا بأس ، فيما قالت خديجة

_ يجب أن نعالجها ،سأجلب لك مرهما مسكنا

غادرت خديجة بخطوات مسرعة لإحضار المرهم تاركة ياسمين بين ذراعي جوري التي تهدهدها كطفل صغير وهي تشاركها البكاء بصمت ، وكأن الألم انتقل من قدم ياسمين لقدمها هي

بعد بعض الوقت كانت ياسمين قد غفت فتركتها جوري وغادرت نحو الصالة
سألتها خديجة بصوت حنون :

_ هل نامت أخيرا ؟

اومأت لها جوري بالإيجاب قائلة

_ أجل ، يبدو أن السبب هو إرهاقها طول هذه الفترة ، تصبحين على خير يا دادا فأنا أيضاً بحاجة للراحة

بادلتها خديجة تحية المساء ، وجوري تغادر نحو غرفتها لتنال قسطا من الراحة شاكرة لله أن غدا هو يوم عطلة
استلقت على سريرها تحاول النوم ، لكن أفكارها قادتها لما حصل مع ياسمين اليوم ، توسعت عيناها بصدمة وهي تهمس لنفسها قائلة بتوتر

_ هل يعقل أنها تحمل مشاعر حب لعاصم ، هل سمعت كلامي أنا ودادا عن حب عاصم لامرأة أخرى

استوت جالسة في مكانها وقد اكتسى الذعر ملامحها ، تكمل همسها لنفسها :

_ لكن كيف ذلك ، كلا لا بُد أنني مخطئة ، ثم لو فرضت أن ما أفكر به صحيح ، هل عاصم يبادلها الشعور أم لا ، لا أظن أنه يفعل ، فارق السن بينهما كبير ، ثم لطالما كان بمثابة شقيق لنا

تنهدت بخفوت ثم عادت تستلقي وعيناها تناظران سقف الغرفة بشرود ، لكن مالبثت أن أغمضت عيناها بإرهاق مستسلمة لسلطان النوم فالتعب هذا اليوم قد أخذ منها كل مأخذ
…..
استيقظت جوري على رنين هاتفها الصاخب، امسكت الهاتف الموضوع على الطاولة قربها ، تجيب بصوت ناعس :

_ ما الأمر تيم ؟

أتاها صوته العابث ، وقد علم أنها كانت تغط بالنوم :

_ ويل لقلب تيم من نبرة صوتك الصباحية ، جوريتي

ابتسمت بجذل ، وما زالت عيناها مغمضتان تستمع لكلمات الغزل التي يغدقها بها ، فتشعر بنفسها ملكة متوجة على عرش قلبه
قالت وهي تعتدل في نومها لتصبح مستلقية على ظهرها ، بينما عيناها تنظران للرسومات المنقوشة على سقف غرفتها :

_ اتعلم ما يجعلني مميزة يا تيم ، ذلك الحب الذي ينبض بداخلي لأجلك ، يجعلني أشعر بنفسي أميرة بحق وأميري الغالي هو أنت

أجابها تيم ومشاعره لا تقل عن خاصتها صخباً ، وهياماً بكل ما يخصها :

_ ياقلب تيم وعمره كله ، أنت جوهرتي الثمينة
ثم تحولت همساته لبعض الجد ، وقد انتبه للوقت الذي داهمه بينما يحادثها :
_ قبل أن أغرق في غزلك الصباحي هذا الذي سيفقدني عقلي يا جوري ، دعيني أخبرك لما اتصلت بك في هذا الوقت ؟

تفطنت أنها لم تسأله عن سر اتصاله الصباحي وهو من يقدس يوم العطلة، والإستغراق بالنوم فيه ، لذلك استعاد وجهها بعض الجدية وهي تستوي جالسة في سريرها ، تزيح خصلات شعرها عن وجهها بينما تقول:

_ حقا نسيت أن أسألك لم اتصالك في هذا الصباح سيد تيم ؟

أتاها صوته الضاحك والذي تخللته موجة من السعادة وصلت إليها واضحة :

_ احفظي هذا التاريخ جيداً ، فجر هذا اليوم أنارت أسرتنا المتواضعة زهرة جديدة

قفزت من سريرها بحماس ، تفتح خزانتها لتخرج ملابسها وهي تردد بسعادة بالغة ، تمطره بأسئلتها :

_ حقاً ماتقول ؟ هل أنجبت ورد ؟ كيف حالها ؟ هل هي بخير ؟ والصغيرة ؟ ثم لم لم تهاتفني سيد تيم لأكون بجانبها ؟

أمرها بحزم رقيق :

_ توقفي عن سيل الاسئلة هذه لأتمكن من إجابتك ؟

لكنها أجابته بحزم أكبر وهي تضع ماتريد ارتدائه على حافة السرير :

_ ستجيبني عن أسئلتي كلها عندما أصل إليك ، أرسل لي إسم المستشفى ، دقائق وأكون هناك ، والآن وداعاً

اغلقت الهاتف دون أن تنتظر إجابته ، وقد اخذ منها فرحها بإنجاب ورد لصغيرتها كل تعقلها في هذه اللحظات
جهزت نفسها للخروج بعد أن أخذت حمامها
و قبل أن تغادر عرجت على غرفة شقيقتها لتطمئن عليها
طرقت الباب طرقة واحدة ثم دخلت بوجهها البشوش تلقي تحية الصباح ، فوجدتها ما زالت جالسة في سريرها ، تستمع للموسيقا من المسجل الموضوع على الطاولة الصغيرة بجانب السرير ، قالت ياسمين مبتسمة :

_ صباح الخير جوري، هل تجهزت للخروج في هذا الصباح ؟

جلست جوري قربها على طرف السرير، تهديها قبلة صباحية وهي تقول :

_ أجل ، لدي خبر مفرح لك

اكتسى وجه ياسمين معالم الاستغراب وهي تقول
_ ماهو أخبريني ؟

بصوت يحمل البشرى السعيدة أجابتها جوري :
_لقد أنجبت ورد طفلتها فجر هذا اليوم

صفقت ياسمين بسعادة وهي تهلل وتقول :

_ الحمدلله ،الحمدلله ، إنه أجمل خبر يا جوري
ثم دفعت شقيقتها بكفي يدها لتجبرها على النهوض عن السرير وهي تأمرها :
_ اذهبي بسرعة إليها ، واتصل بي لتخبريني كيف هي صحتها وكيف هي الصغيرة ،هيا اذهبي وأنا سألحق بك بعد بعض الوقت ، بعد أن أهاتف حلا لترافقني

_حسنا سأذهب وسأتصل بك حالما أصل

قالتها جوري وهي تمسك حقيبتها لتضعها على كتفها ، لكنها قبل أن تخرج من غرفة ياسمين ، استدارت لها وهي تقول :

_ اه نسيت يا ياسمين ، بشأن دعوة عاصم لنا اليوم على الغداء

ولذكر اسمه آثر بالغ عليها ، يرفرف قلبها بصخب داخل جنبات صدرها ، لكن العقل يعود ليقيده وهو يذكرها بما سمعته البارحة من جوري ، ورغماً عنها شعرت بذلك الألم مجدداً ، لكنها أخفت كل ذلك ببراعة عن جوري ، التي أكملت كلامها :
_ سوف أتصل به لأخبره أننا غير قادرتين على تلبية دعوته اليوم ، ما رأيك

بخفوت أجابتها ياسمين :

_ أجل ، هذا أفضل

غادرت جوري ، بينما هي عادت تستند على حافة السرير ، و مشاعر كثيرة تتصارع داخل قلبها وعقلها
مدت يدها نحو الدرج العلوي للطاولة الموضوعة بجانب السرير ، حركت يدها بداخله حتى عثرت على غايتها ، أخرجت العلبة النحاسية وأمسكتها بكلتا يديها وهي تعود لتريح جسدها على حافة السرير
أناملها تتحرك ببطء شديد على الأحجار الكريمة التي زُيّنت بها العلبة
تستطيع تخيل شكلها ، علبة كروية الشكل من النحاس الأصفر كما وصفها لها عاصم
مزينة بأحجار ملونة خضراء وحمراء وفضية ، لقد كانت هدية عاصم لها منذ سنوات مضت ، يومها أخبرها أن هذه القطعة هي أول عمل متقن له بهذا الشكل لذلك قدمها لها كهدية لتحتفظ بمجوهراتها أو أشيائها الصغيرة الخاصة بها
عاد الألم ليعبر نحو قلبها وهي تتخيل عاصم رفقة امرأة ما
هل يعقل أن عاصم لايشعر بمشاعرها نحوه ، ابتسمت بتهكم وهي تخبر نفسها
( ربما هو لا يحمل لك إلا مشاعر الأخوة فقط ،مثلك مثل جوري وسراب ، وهل تلومينه لذلك ، لطالما كان تعاملكم مثل الأخوة )
تنهدت بخفوت شديد وهي تضم العلبة لصدرها بينما تعود بذاكرتها لسنوات مضت ، في بداية مراهقتها ، في تلك الاثناء كان عاصم قد تخرج من الجامعة
كان في كل مرة يستطيع ترك العمل مع والديهما ، يأتي ليقلها من المدرسة الخاصة التي وضعت بها لتتمكن من متابعة تعليمها المدرسي دون أن تشعر بوجود عائق قد يسببه لها فقدانها للبصر
كم كانت تغدو سعيدة وهو يخبرها أنه أتى خصيصاً ليقلّها نحو المنزل ، فتخبر صديقاتها بفرحة طفلة أن هذا هو ملاكها عاصم ابن عمها وبمثابة شقيق لها
ولكن مع مرور الوقت ومع تركها لثوب المراهقة وارتدائها لثوب الفتاة الشابة وجدت أن مشاعرها نحوه بدأت تأخذ منحى آخر تماماً
بدأت تشعر به بطريقة مختلفة ، يرفرف قلبها لذكره ، تحتفظ حواسها برائحة عطره ، بنبرة صوته ، وتحتفظ روحها بذكرى ابتسامة قديمة
وغدا أمير أحلامها الذي تغني له في كل مرة ، لتعلم أنها غارقة بحبه ، وأن مشاعرها نحوه لم تعد كما السابق أبداً
وكم حاولت عدم إظهار تلك المشاعر ، إخفاءها بين أضلعها ، مخافة أن تتهمها جوري بأنها صغيرة ولا تعلم كيف تفسر مشاعرها له كما فعلت قبلاً حين حاولت التلميح لها عن مشاعرها التي بدأت تتحرك ناحية ابن عمها
ولكنها في كل مرة يأتي فيها ذكره ،وفي كل مرة تلتقيه تجد نفسها تفقد السيطرة ، فتهفو روحها إليه ، وينده قلبها باسمه
ولكن
وألف لكن الآن بدأت تسكن عقلها
عاصم لا يشعر بها ، عاصم ربما عاشق لأمرأة أخرى
ربما فتاة يحبها منذ سنوات وينتظرها ، وإلا لماذا تأخر بالزواج لهذا السن ، لقد تخطى السادسة والثلاثين ، فلم لم يتزوج حتى الآن
آهة عميقة خرحت منها ، وهي تكبت دموعاً بداخلها
صوت خديجة المنادي لها ، جعلها تستعيد السيطرة على نفسها
أعادت العلبة لمكانها ، ثم غادرت السرير بخطوات متأنية أكثر من السابق ، خاصة مع ألم قدمها الذي لم يخف بعد
…..
فتح عاصم عيناه بصعوبة على رنين الهاتف بجانبه ، تأفف بتعب وهو يشاهد رقم زياد يضيء الشاشة
استوى جالساً في السرير ، ينفض عنه آثار النوم الذي غرق به بعد تعب شديد ، عاد الهاتف لرنينه وكأن زياد يصّر عليه أن يجيب ، ولم يهمل له ذلك ، لأنه يعلم أن زياد لا يتصل يوم العطلة إلا لأمر مهم ، ماإن أجاب حتى بادره زياد قائلاً :
_ هل ما زلت نائماً لهذا الوقت
نظر عاصم للساعة فوجدها قد تجاوزت وقت الظهيرة ، قال وهو يغادر فراشه :
_ لم أنم إلا بعد الفجر بقليل ، ثم إن اليوم عطلة
قال زياد بعجلة :
_ جهز نفسك وتعال إلى المقهى الذي نجتمع به ، انتظرك هناك لأمر مهم
ولم ينتظر زياد الإجابة وإنما أغلق الهاتف مسرعاً ، نظر عاصم للهاتف باستغراب ، ثم رماه على السرير متجهاً نحو الحمام ليزيل عنه آثار النوم
….
وصل عاصم إلى المقهى الذي يجتمع فيه مع زياد ومراد عادة ، ودائما ما يختارون إحدى الطاولات الموضوعة خارج المقهى على الرصيف الحجري ، ومثلما توقع وجد زياد بانتظاره ، ألقى عليه تحية الصباح ثم اتخذ له مقهداً مقابلاً لزياد ، وبعد أن طلب من النادل احضار القهوة له ، نظر نحو زياد يسأله باهتمام وقد ظهر على ملامحه عدم الارتياح :
_ ما الأمر يا زياد ، ملامحك لا تنبيء بخير
انتظر زياد حتى وضع النادل فنجان القهوة وغادر ، ثم قال بتنهيدة متعبة :
_ إنه ذات الأمر الذي نواجهه يا عاصم مع كل طلبية يطلب منّا إنجازها
فهم عاصم ما يرمي إليه زياد ، فقال وقد بدأ عقله يذكره بتداعيات آخر صفقة تم عقدها البارحة وضرورة قيامهم بها :
_ ما المشكلة هذه المرة أخبرني ؟

حرك زياد فنجان القهوة الذي شارف على الانتهاء بيده ، وهو يجيبه :
_ كمية المواد الأولية التي نملكها في المستودع لا تكفي ، والسوق الآن يعاني من شحّ شديد بها
أجابه عاصم بتمهل :
_ لا بأس يا زياد ، نسافر إلى المحافظات المجاورة ونحاول تأمين ما يلزمنا
أومأ له زياد بأجل ، بينما عيناه التقطت اقتراب مراد منهم وهو يسير الهوينى نحوهم بعد أن وضع سيارته مثلهم في الشارع القريب المؤدي للمقهى
ألقى عليهم التحية ، ثم انضم إليهم في جلستهم المعتادة ، طالباً من النادل احضار فناجين قهوة لثلاثتهم ، نظر نحو صديقيه ثم قال بتأكيد :
_ مشكلة جديدة في العمل أليس كذلك ؟
أجابه زياد بنبرة متعبة :
_ أجل ، إن الأمر يزداد صعوبة عن ذي قبل
رشف مراد من فنجان قهوته ثم قال :
_ أتعلمان أفكر أحياناً بإغلاق متجري والبحث عن عمل آخر ، لكن نظرة مني للعمال الذي يعد متجري مصدر رزق لهم ، يجعلني أستبعد تلك الفكرة
نظر عاصم نحو مراد وهو يقول :
_ وأنا مثلك صدقني ، الجميع يظن أننا نجني ثروات بسبب عملنا هذا ، لكنهم لا يعلمون الصعوبة التي نعانيها في تأمين المواد الأولية ، ولا في ايجاد التسويق المناسب لها وقد بات الجميع يتجه نحو المنتجات الصينية التي غزت الأسواق بثمنها القليل
أكمل مراد الحديث عنه :
_ ولا تنس مشكلة الحفاظ على اليد العاملة لدينا ، إن من يعمل بهذه الحرف هم قلّة وعلينا التمسك بوجودهم والحفاظ على حقوقهم ، ولكن حين يخف الطلب على المواد التي ننتجها ، تصبح الأجور قليلة فيضطرون للبحث عن عمل آخر
نظر لهما زياد ثم قال متهكماً من الوضع برمته ، ومحاولاً بذات التخفيف عن صديقيه :
_ هيا توقفا عن هذا الكلام أيها التاجران العريقان ، وأخرجا صناديق الذهب التي تخفيانها ، أليس هذا ما يُقال عن التجار أمثالكما
ضحك الاثنان وشاركهم زياد الضحك كذلك ، لينهي عاصم موجة الضحك تلك قائلاً :
_ مراد
نظر له مراد مستفهماً ، فأكمل حديثه :
_ في اجتماع النقابة علينا أن نتحدث عن كل الصعوبات التي نواجهها ، وعلينا أن نجد طريقةً جديدة للترويج لمنتجاتنا وإلا فإننا سنضطر فعلاً لإغلاق متاجرنا إن بقي الحال على ماهو عليه .


كان ميار جالساً في غرفته يتابع ردود الأفعال في الشبكة العنكبوتية على حفل البارحة
ابتسامته لا تفارق وجهه مع كل تعليق يمدح الحفل و ما قدمته فرقته ، وضع كوب قهوته جانباً وهو يرسل بعض المقالات لبريد حسان ، والبقية الذين يستعملون حسابات الكترونية
يريد لهم أن يعلموا مدى النجاح الذي حققوه
رنين هاتفه جعله يضع حاسبه جانباً ، ملتقطاً هاتفه عن الطاولة جانبه وقد ظن أن المتصل حسان
لكن الرقم الغريب الذي ظهر له جعله يضيق ما بين حاجبيه متسائلاً عن هوية المتصل به ،وطبعاً لم ينتظر طويلاً ، فتح الخط مجيباً المتصل والتي لم تكن سوى امرأة ، عاد ينظر للهاتف ثم أعاده نحو أذنه متسائلاً
_عذراً منك ، لكن من معي ؟
صوتها الهادئ و الواثق في ذات الوقت وصله وهي تجيب سؤاله :
_ أنا الصحفية شمس ، وأود لقاءك لأمر ضروري


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس