عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-21, 09:11 PM   #142

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

بعد عدة أيام.
*******
يمسك صلاح ابنته من ذراعيها، يتأملها بفستان زفافها وجهها البهي رغم شحوبه، وهل إن زادت من تلك الزينة لن يعرفها! هذا ما تساءل به في نفسه! بينما يرى وهنها رغم محاولاتها لرسم قناع هادىء، يشعر بخفقات قلبها الخائفة والقلقة؛ لكن ما يعزيه هو أنه لم يفرط فيها لرجل لا يستحق، بل لابن أخيه، بكر عائلة الجبالي، الرجل الذي لديه يقين بأنه سيصون ابنته، ويعيدها زهرة في أوان ربيعها!
كان علي وندى يقفان على بعد خطوات قليلة تاركين للابنة والأب فرصة للسلام، فها هو تم الزفاف بحضور بعض الأقارب وكما قرر صلاح بآخر لحظة بأن سيتم ببيته ولن يذهب معهم حيث بيت عمران وعلي، ورغم تصميم أبناء أخيه على عكس ذلك، لكنه آبى فكل ما حدث من الأساس لم يكن مخطط له، كان زفافا نهاريا هادىء، كي يلحق العرسان العودة لبلدتهم مع زوجاتهما، زفر صلاح بهدوء بينما يده تدس خصلة الشعر التي هربت وراء أذنها، هامسا لسمر بصوته الرخيم: «كوني بخير سمر، لأجلك ثم لأجلي»
أغمضت عيناها تحاول كبت مخاوفها قبل أن تفتحهما بتمهل وتتلاقى مع عيني أبيها تسحبها الأفكار وتزاحمها، حياة جديدة، مكان هجرته منذ سنوات ولم تفكر ولو لمرة لزيارته وزوج ألقت بنفسها عليه عنوة، كما أنها تعلم يقينا بأن أبيها لم يرد أن يذهب إلى بلده معهم، أرادها أن تواجه ما اختارت حتى النهاية، أن تثق باختيارها والأرض التي لجأت لها!، ابتلعت ريقها الجاف تنتزع نفسها من هلاوسها فيما ترد بصوت حاولت أن يبدو ثابتا لكنه كان عكس ذلك:
«لا تقلق أبي، أنا بخير وسوف أكون بخير، فقط أدعو لي بصلاتك»
أدار عمران الواقف جانب عمه وجهه قليلا، يداري تأثره من هذا الضعف الذي يراه بابنة عمه، ملامح وجهها الخائفة بل المرتعدة ولو مهما فعلت لاخفاء هذا عن الجميع، دموعها تتلألأ كالنجوم بعينيها، يحس بها تترنح رغم ثبات وقفتها؛ ويلاه لو كان بمقدوره لضمها وطمئنها، لقال لها لا تخافي ولا تحزني فإن كنتِ قرة عيني أبيكِ فأنتِ قرة عين قلبي ومهجتي ورغم الغضب المشتعل في صدري منكِ إلا أن نبضات قلبي النابضة باسمك تدافع عنكِ، تقف أمامي وضدي معك!.
انتبه عمران من شروده بينما يرى عمه يجذب ابنته لصدره، يربت على ظهرها بمودة، هامسا بصوت متحشرج من التأثر:
«دوما أدعو لكِ براحة البال، فاللهم اجابة»
رفع رأسها من على صدره بينما هي ظلت متمسكة بخصرة كالغريق الذي يتمسك بطوق نجاته، تبسم لها قائلا بحنو كأنه يبثه لقلبها:
«مبارك يا سمر، أنتِ أجمل عروس»
أطرقت بوجهها واحمرت وجنتيها وكأنها للتو تذكرت بأنها عروس، فطوال الزفاف لم ينظر لها عمران، لم تلتقي عيناهما، لم يبتسما ويتهامسا كما يفعل علي وندى، لم تتخضب وجنتيها حين يقترب هامسا بأذنها، رابتا على وجنتها، ببساطة هو لم يفعل، لأنه لم يكن زواج عادي، بل لجوء وهي لم يكن لها إلا بعض الحقوق التي تحت بند اللجوء وهي الاحتماء، لكن مما تحتمي!؟.
انتفضت بوقفتها حين ربت والدها على كتفها فتلاقت عفويا عينيها بعيني عمران التي وكأنها تحكي لها شيء تتمنى لو فهمته!، انتزعت نفسها من تعلقها به تتجه بنظرها لأبيها الذي قبل جبينها، ضاما إياها مرة أخرى قبل أن يبتعد ويخلع نظارته ليجفف دموع غافلته لتذرف من عينيه، ألقت سمر بنفسها على صدره، تتعلق به أكثر، تبكي دون أن تستطيع منع ذلك، هامسة بتحشرج:
«لا تبكي أبي، لأجلي لا تفعل، فدموعك تكوي قلبي»
رفع رأسها من على صدره، يمسح دموعها الممتزجة بكحل عينيها بيديه الحانتين اللتين وكأنهما تمسحان على قلبها، قبل أن يقول ببسمة:
«تلك دموع الفرحة يا سمر»
صمت برهة بينما ينظر إلى عمران الواقف جانبه، تاركا إياهما لمشاعرهما التي تبكيه دون أن يذرف دمع، بينما صلاح أضاف وهو يربت على كتف ابن أخيه:
«فرحتي اليوم لا تقدر يا سمر، فلقد أمنتك لدى ابن الغالي، ابني وتربية يدي»
تحرك عمران إلى أمام عمه، ضاما إياه بحنو، هامسا بصوت أجش:
«أمانتك بالحفظ والصون عماه»
ربت عمه أكثر على ظهره فيما تعلقت بهما سمر وعهد عمران لأبيها بحفظ أمانته يخترق عقلها وقلبها، فتزداد ثقل الهموم عليها تتمنى لو رأت في عينيه نظرة سماح لها، أن تعتذر له ولحبيبته كل لحظة على انكسار قلبيهما!.
انتزعها من شرودها صوت أبيها وهو يقول لعمران:
«أعلم يا عمران بأنك سوف تصون الأمانة ».
وعاد صلاح يحتضنه وأنفاسه القلقة تصل لقلب عمران وهو يهمس بصوت خفيض بأذن إبن أخيه برجاء مبطن:
(سمر ياعمران)
اسمان نطقهما صلاح في جملة واحدة كانا يحملان مئات الكلمات والرجاء، فيما خفق قلب عمران وهو يسمع اسمها مقرونا باسمه وهو يرد على همس عمه بهمس يحاكيه وصوت مختنق ( لا تخف عماه، في حفظ قلبي)
تطلعت سمر لهما بألم ترى رجلان يكتمان ألمهما، أبيها بشوقه لها من الآن وهذا ما هي متأكدة منه وألم عمران الذي تشعر به ويصلها، اقتحمت حياته غير مرحب بها فتبتلع غصتها وقهرها، تقبض على دمعة سلسالها الفضي تكاد تقتلعه من مكانه وكأنها تحتمى فيه كي لا تهوى بها الأرض التي تشعر بها هلامية غير صلبة.
ابتعد صلاح عن عمران بتمهل ليقف الأخير جانب سمر بينما صلاح ابتسم ببشاشة يمسح وجهه المرهق فيما ينظر إلى ابنة أخيه وزوجها، كانت فرحتيهما مرسومة عليهما، يد علي تحتضن كف ندى، ابتسامتها الندية مثلها، تحكي ألف فرحة، فتح ذراعيه لها قائلا ببسمة:
«تعالي هنا، ياغالية»
بخطوات واسعة رغم ثقل الفستان كانت تلقي بنفسها على صدر عمها، تتعلق به، الرجل الذي رباها، عمها وأبيها، سندها وحاميها، تهمس له بحبها، تخبره بفرحتها وتحكي عن شوقها قبل أن تشتاق له، بينما هو يخبرها عن محبته، وفرحته لها بأنها باتت أمانة في حضن حبيبها.
رفع صلاح وجهها عن صدره قائلا بحنان فيما يربت على وجنتها:
« إياك والبكاء كي لا تفسدين زينتك»
ابتسمت ندى له تحس بدمعاتها تكاد تتحرر من مقلتيها وتهمس بصوت متحشرج:
« سأشتاق لك عمي»
قرصها صلاح من خدها بخفة قائلا برواق رغم الشوق الذي يجتاح قلبه من الآن:
« سينسِيك علي عمك»
فهتفت مدافعة بلهفة:
« لا لن يستطع أحد أن ينسيني إياك عمي»
صمتت لحظة فيما تختنق دمعاتها في عينيها قبل أن تقول بصوت متحشرج
« بل أبي»
جذبها صلاح لصدره، هامسا لها بحنو:
« أنتِ ابنتي وروحي ، ندى بيتنا»
رفع وجهها عن صدره يرى الدمعات تلمع في عينيها فيبتسم لها محتضنا وجهها بين كفيه الحانيتين ثم يقول:
« اليوم فقط أحسست بالراحة لأنني سلمتك بيدي للرجل الذي يستحقك حبيبتي».
ابتسمت ندى براحة هامسة بصوت متحشرج من العاطفة:
« سلمك الله لي أبي»
وضع صلاح يده خلف رأسها وجذبها بخفة له قبل أن يقبل جبينها بحنان ثم قال بصوته الدافيء
« وسلمك الله لي حبيبتي»
« اقترب هنا لحضني يا علي»
قالها صلاح فيما يفتح ذراعه لعلي الذي ارتمي بحضن عمه ضاما إياه بقوة، يحس بفرحته تكاد تصل لكل الموجودين بينما عمه يبارك له فيرد علي بصوت يكاد من فرط فرحته يزغرد.
تأملتهم سمر بعينين باسمتين رغم الدمع الحبيس بهما، ترى علي يقف قرب ندى يحتضن يدها بكفه، فيما كانت الأخيرة كتفها ملتصق في كتفه يكادا أن يصبحا شخص واحد.
أرخت عينيها تنظر ليديها المرتعشتين تحس بهما كالثلج، بل هما أشد برودة، فتشعر بجسدها كله ينتفض دون أن يحس به أحد سواها، فها هي تقف ثابتة شامخة رغم انهيارها، وبرودة جسدها، ولا تعلم بأن عينين صقريتين يتابعانها بتفحص، يرى رعشة يدها ويكاد يمد كفيه يضمها بينهما، يحس بها هشة فيكاد ينحني قربها هامسا لها، استندي علي قلبي، أغمض عينيه بقوة يحاول كبت كل تلك المشاعر قبل أن يفتحهما ويعود رغما عنه يتعلق بها فيما يراها تحتضن يدها بيدها، كأنها تخبر نفسها بأن لا مكان لكِ سوى أنتِ، فتتسارع نبضاته تخبط بصدره تكاد تغادره لتضمها وتدفئها مدثرة إياها.

★★★
«وكلما ادعيت نسيانك، لاحقتني دقات قلبي، نابضة باسمك، تخبط بصدري، تتمنى لو شقت طريقها؛ باحثة عنك!!، تشعر بالخواء دونك؛ فياليت طرقنا تتلاقى.
آه، تلك الآهة التي تشق صدري دائما، وزادت منذ ما حدث بينك وبين جلال ولا أعرفه، لم أر أخي يوما هكذا، دائما أنا من ألجأ له كي أحتمي، لكن ذلك اليوم وكأن الأدوار تبدلت، وجدته يلقي بنفسه على صدري وكأنه سيجدك هناك بين حنايا قلبي، أحمد، هل هناك شيء بتلك الحياة يستحق أن تنهار علاقتكما؟، حاولت أن أجعله يخبرني عما حدث ولكنه رفض، أرى شوق أخي إليك في عينيه، وشوقي إلى وجودك قربنا قد بلغ الوجع، لكنه لا يفصح ولا هكذا أنا أفعل، أين أنت الآن ألم تشتاق لأصدقاء عمرك!؟».
أغلقت نورا دفترها أمين أسرارها وأطلقت تنهيدة طويلة وكأنها كانت تحبس أنفاسها طوال وقت كتابة ما يجول في قلبها.
دقات خفيفة على الباب تصاحب صوت أمها، سمحت لها بالدخول بينما تفتح درج المكتب كي تضع الدفتر فيه، حينما دخلت أمها الغرفة تعلقت عينيها بالدفتر التي باتت تشعر وكأنه لعنة أصيبت بها ابنتها!، فلقد أصبح أمين أسرارها أكثر منها، لم تعد تحكي لها كل شيء، بل هي أساسا لم تكن تحكي لها شيء فلو كانت تفعل ما تفاجئت بانهيارها يوم خطوبة أحمد، أغلقت نورا الدرج ثم وقفت بابتسامة رائقة تخطو تجاه أمها التي وقفت بمنتصف الغرفة تحمل بين يديها طبق ممتلئ بالفيشار..
تبسمت لها أمها قائلة بود«أتيت لكِ ببعض الفيشار، أعلم تحبينه»
أخذته نورا من بين يديها قبل أن تقول مازحة:
« وأنا أعلم بأنكِ طالما أتيتِ به، فهناك حديث بيننا»
ضربتها أمها بخفة على كتفها وابتسامتها تتسع قائلة:
«فتاة مشاغبة»
انحنت نورا تقبلها قبل أن ترد برواق:
«وما أحب مشاغبتي لكِ أمي»
وضعت نورا الطبق على الكومود المجاور للسرير، ثم جلست تربع رجليها قبل أن تشير للمكان قبالتها قائلة بدفء:
«أمي، اجلسي بقربي هنا»
تقدمت ماجدة تجلس أمام ابنتها على طرف السرير تتأملها بحب، ابنتها الصغرى دلوعة أمها وأخيها، الزهرة التي ذبلت مبكرا، وجهها البريء شاحب، شفتاها الصغيرتين غادرتهما ابتسامتها الصافية وتساءلت داخلها( الحب يحيي القلوب يا نورا لكن هذا الحب يأخذ منك الحياة)، تنهدت ماجدة تنفض ألمها الذي كاد أن يظهر جليا على ملامحها بينما لا زالت شاردة في ابنتها تراها ببيچامتها، المرسوم عليه فراشات بيضاء بأكمام قصيرة وبنطالها القصير الذي يصل إلى قبل ركبتيها، شعرها القصير والذي كان طويل لكنها تفاجئت بابنتها تعود ذات يوم وقد قصته ولم تعلم لذلك سبب ولكنها الآن باتت تربط بين قص شعرها وحبها لأحمد!؛ تنهدت ماجدة فرغم حزنها لهذا إلا أن شعرها وقصته تلك تليق بوجهها القمري وغمازتها المحفورة في خديها.
تنهدت نورا بصوت عالي وهي ترى أمها شاردة فيها هكذا، ربتت على رجل أمها هامسة:
« وكأنكِ ترينني لأول مرة أمي!»
هزت ماجدة رأسها تنفض عنها شرودها قبل أن ترد بحنو:
« كل مرة أنظر في عينيكِ، أشعر وكأنني أراكِ لأول مرة»
صمتت لحظة بينما تتأمل ابنتها ثم أضافت:
« أشعر وگأنكِ بين يدي الطفلة الصغيرة التي أنجبتها للتو، أتأملها لأرتوي منها على قدر شوقي لها طوال مدة وجودها ببطني»
ارتسمت معالم الفرحة والتأثر على وجه نور في حين ذلك تمددت بوسط السرير تأخذ وضع الجنين قبل أن تضع رأسها على رجل أمها، قائلة بهدوء:
«وكم أتمنى لو ظللت تلك الطفلة أمي»
تلاعبت ماجدة بخصلات شعر ابنتها تهمس بحنو:
« تظلين بنظري تلك الطفلة، بريئة، جميلة، ناعمة»
تنهدت نورا بصوت عالي تستمتع بأنامل أمها في شعرها وحديثها الحنون قبل أن ترد بهمس:
« لكن الطفلة كبرت، وعانت وأصبح عمرها أضعاف، فلم تعد كما كانت بل وجه شابة وروح عجوز»
أغمضت ماجدة عينيها تمنع تأثرها بكلمات ابنتها فعلى كلتيهما مواجهة الواقع وعلى نورا بوجه الخصوص فعل ذلك، عليها نفض حزنها عنها، وعليها أن تعي بأن مرضها برجل لم يحبها أبدا ليس بحاجة إلا لوقت وسوف ينجلي وتشفى منه!
نفضت ماجدة كل أفكارها التي تضغط على روحها قبل أن تجيب نورا:
« ستظلين بروح عجوز لو ظللتي ملتفة بعباءة حزنك، اخلعيها عنكِ وانظري في المرآة واسألي نفسك، ألستِ بحاجة لأن أعيش وأن أنال من شبابي قبل أن ينالني شيخي!!؟».
تعلقت نورا بعيني أمها الحزينتين بينما قلبها يرتطم في صدرها متسائلة داخلها( وهل بيدي أمي، لو كان الأمر كذلك، ما تأخرت أبدا)
صمتت ماجدة تتأمل ملامح ابنتها التي تجهمت قبل أن تضيف بتردد بينما يدها تربت على وجنة ابنتها:
«نورا، ماذا لو تقدم لكِ أحدهم لخطبتك!»
انتفضت نورا من مكانها لتثني ركبتيها أسفلها، أنفاسها لاهثة بالرغم من أنها لا زالت تجلس بذات المكان، تنظر بعيني أمها تتيقن مما قالت فأومأت لها أمها بأن ما قالته حقيقة لتهز نورا رأسها بعنف بالرفض؛ تحس بدوار يلفها وبأن الحوائط تدور يكاد يغشى عليها فمجرد الفكرة كاد يقتلها فماذا لو كان الأمر حقيقة!؟.
تنهدت ماجدة بصوت عالي قبل أن تتابع في محاولة لإقناع ابنتها:
«نورا، الشاب يحبك، لقد التقى بكِ بأحد الحفلات حينما كنا في دبي، وطلبك من جلال لكن أخيك لم يوافق حينها، والآن أعاد طلبه...»
كانت نورا تسمعها بذهول تتساءل في نفسها أولا تعلم أمها بأن قلبها مغلق ولن يفتح لأحد أبدا ومفتاحه ليس بيدها.
شعرت بالكلمات تتقطع على شفتيها فها هي اللحظة التي خافت منها حيث رفض أمها الواضح لتعلقها بأحمد ، كادت تنطق لكن الأخيرة وقفت من مكانها تنحني تأخذ طبق الفوشار لتعطيه لها فتأخذه نورا بآلية بينما ماجدة اعتدلت بوقتها قائلة:
«لا أريد رد الآن، أمامك فرصة حتى يعود من سفره، وصدقيني الأمر يستحق الاهتمام!»
وتركتها دون أن تنتظر ردها.
حدقت نورا في ظهر أمها بفزع، تعلم بأنها لن تغصب عليها، لكنها تعي جيدا بأنها لن تظل واقفة هكذا تشاهد خيبتها، لقد أعلنت لها بوضوح طلب عريس لها دون تردد، أخبرتها عيناها بأن عليها البدء من جديد، لكن كيف عليها أن تبدأ حياة دون حياة!؟.
ظلت تحدق في الباب الذي أغلقته أمها للتو، نبضات قلبها تعلن توقفها، نارا تلك التي تشتعل داخلها، صحيح أنها تعلم بأن حبها لأحمد سيظل حبيس قلبها وبأن الأخير لن ينظر لها كحبيبة يوم، لكنها ستعيش على ما تتمناه يكفيها ذلك ولن تدخل رجلا لحياتها، يشاركها جسد بلا قلب وروح أبدا لن تفعلها، هل ستظلم شخص كل ذنبه أنه أعجب بها ولا يعلم ما هي فيه وعند تلك الفكرة قوست حاجبيها بضيق قبل أن تأخذ الفيشار بين يديها وتتجه ناحية باب الغرفة بقدميها الحافيتين بخطوات غاضبة، مضطربة، حزينة!؛ قبل أن تفتح الباب الخاص بغرفة أخيها في عنف..
للحظة توقف جلال في منتصف الغرفة ولا زالت تلك المنشفة التي يمسح بها شعره على رأسه، فاغرا فاه فيما يرى اخته تحمل الفشار بيدها تحدجه بنظرة غاضبة، احتاج الأمر منه لبعض الاستيعاب قبل أن يهدر بها وهو يلقي بالمنشفة على حاجز السرير:
«منذ متى وأنتِ تدخلين غرفتي دون أن تطرقي الباب يا نورا؟»
زفرت بصوت عالي قبل أن تضع الطبق بين يديه في حدة فيستقبله بألية محدقا بها في دهشة فيما هتفت بنبرة غاضبة لم يعتدها منها:
«منذ أن أصبحت تخفي أمور مهمة كتلك!»
للحظة ظن بأن الأرض تهوى به، وبأن أنفاسه تخفت، ابتلع ريقه بتوجس متسائلا داخله، هل علمت ما بينه وبين أحمد!؟.
انتزعه من شروده هتافها فيما تقول:
«هل ستظل صامت هكذا جلال!؟»
سار تجاه الأريكة بارتباك حاول إخفائه فيما يضع الطبق على المنضدة وينحني بجذعه يستند بيديه على ركبيته يأكل من الفشار مدعيا اللامبالاة ثم أجابها بعدما ابتلع ما في فمه:
«وبماذا أرد وأنا لا أفهم، هل كل لك أحدهم بأنني أقرأ الكف!؟»
تخصرت في وقفتها فيما تضيق حاجبيها بضيق، ترى عدم اكتراثه قبل أن تسير تجاهه وتجلس على طرف الأريكة قائلة:
«إذا لأخبرك وأنتظر ردك»
صمتت لحظة تراه ينتظر حديثها فيما تابعت هي:
«ما الذي تقصده أمي بأن هناك عريس تقدم لي!؟»
فلتت ضحكة عالية من بين شفتيه، ارتد على إثرها مستندا على الأريكة فيما تناظره نورا بدهشة قائلة بنفاذ صبر:
«ما بالك جلال، هل جننت!؟»
علت ضحكته مرة ثانية قبل أن يحاول تهدئة أنفاسه ويلتف لها قائلا برواق وغمزة:
«وهل هذا سبب غضبك!؟، يا فتاة ظننت الأرض تهدمت»
صمت لحظة يرى ملامحها عابسة لكنه تغاضى تماما عن هذا ونغزها بإصبعه في غمازتها قبل أن يقول:
«جاء من يخلصني منك حبيبتي»
عبست ملامحها أكثر واختنق صوتها قبل أن تقول بألم شق صدره:
«كيف لك أن تقول هذا جلال، وأنا من ظننت بأنك أكثر من يفهمني»
تنهد أخيها طويلا قبل أن يقول:
«ولأنني أكثر من يفهمك أريدك أن تتخلصي مما أنتِ فيه»
«وما ذنب هذا الغريب يا جلال لأظلمه في علاقة معالمها ظاهرة من الآن، هل تظن بأنني أفعلها!؟»
قالتها نورا بحزن شديد وصل لقلب أخيها قبل عقله، فأطبق على شفتيه بقوة قبل أن يرد:
«وهل أرضى بذلك أنا الآخر يا نورا لا أفعلها، كل ما في الأمر أريدك أن تتركي لنفسك فرصة، أن تخرجي مما أنت فيه، ربما...»
قاطعته قائلة:
«ربما ماذا يا أخي،هل سأنسى بتلك الطريقة؟!»
هز رأسه نافيا ثم أجابها:
«نورا، أريدك أن ترى جانبا آخر من الحياة»
صمت يتأملها للحظات قبل أن يقول بصراحة تامة:
«أنتِ كبرت قرب أحمد، أصبحت ترينه وكأنه العالم كله، في حين أنه بعالم غير عالمك نورا»
أطرقت بوجهها عن أخيها، قلبها يئن من الوجع وهو يضغط على الجرح بكل قوته، تحس بجسدها كله يتوجع، زفر جلال بقوة تصله أحاسيسها وإن حاولت كبتها لكن هي بحاجة لإفاقة وهو عليه مساعدتها ، لن يتركها آسيرة لألمها ؛ يكفيها ما عانت،فتابع بينما يضع يده تحت ذقنها لتتقابل وجوههما:
« تحتاجين أن تري الحياة، تري الحب الحقيقي الذي تستحقيه ربما انتشلك من وهم أحمد»
هزت رأسها نافية فأضاف متغاضيا عن رفضها:
« أحمد أصبح كمرض انتشر بجسدك نورا وعليك استئصاله ولو كان سينزف الجرح لكنه سيلتئم مع الوقت، أفضل لكِ أن تظلي أسيرة مرض دون علاج!!»
انهمرت دموعها كشلال جارف لا يتوقف فيما تقول بصوت مختنق:
«أعلم بأنني مريضة به، لكن هذا الداء بلا دواء يا جلال»
آهة عالية شقت طريقها من أعماقه قبل أن يجذبها لصدره، رابتا على ظهرها بحنو مهدهدا إياها قبل أن يقول بدفء:
«كل داء وله دواء يا نورا»
رفع وجهها من على صدره ومسح وجهها بكفيه قبل أن يضيف:
«هل تظني بأنني لم أتمنى أن يراكِ أحمد كما ترينه، إنه أعز صديق لي بل أخي؛ أقسم بأنني كنت أتمنى لو أصبح زوج لك، لكن لم يحدث»
صمت لبرهة يتأمل ملامحها المتوجعة قبل أن يتابع بألم غلفه بصوته المصمم:
"لذا لن أصمت أمام وجعك وأنا أجدك تموتين لأجل لا شيء في حين أن هناك بمكان ما رجلا يبيع الدنيا كلها لأجلك أنت فقط أختي»
ظلت تهز رأسها في عنف ليقول لها مطمئنا:
«نورا، لن يجبرك أحد على شيء أبدا، كل ما أريده منك فرصة تعطيها لنفسك ولهذا الرجل الذي طلبك مرات ومرات دون ملل،لن يكن هناك شيء رسمي إلا باقتناع منك، لن أفرضه عليك وتعلمين لكن فقط حين يأتي سوف يزورنا لا أكثر، زيارة عائلية ليست تابعة لخطبة بل كصداقة»
أطرقت براسها تشعر بثقله ثم رفعت عينيها الباكيتين له قائلة:
«أفضل أن أظل مريضة على أن أحس بأنني ظلمت أحدهم معي يا جلال حتى ولو في محاولة لرؤية ما لا أراه»
«نورا»
هتف بها جلال فيما نظرت له نورا تنتظر باقي حديثه فقال:
« الحب أخذ وعطاء، طرفان كلاهما يروي الآخر ولا يتركه يظمأ، ينثر كلا منهما في قلب الآخر بذور المحبة ويرويانها معا، لا تنخدعي بمن يقول الحب ليس به أخذ وعطاء إذن كيف يعيش!؟، الحب الذي لا يتبع تلك القاعدة يموت في مهده.»
توقف لبرهة فيما يراها تقابل صمته بصمت، فأكمل بعد تنهيدة طويلة:
«الحب أن تزهرين أما ما أنت فيه قتل عمد لنفسك»
ابتلعت ريقها الذي كان كالأشواك في حلقها، كلمات جلال رغم صدقها لكنها كانت بالنسبة لها ألم فهمست بصوت متحشرج:
«كلامك يعني بأن هذا الرجل الذي تقدم لي أيضا لن يجد لدي بذور حب أنثرها في قلبه وسيموت حبه في مهده»
هز جلال رأسه نافيا ثم مسح وجهه بيده قبل أن يزفر بعمق يرفع أحد ساقيه و يثنيها على الأريكة ثم قال:
« ما بينك وبين أحمد يختلف يا نورا لا تقارنيه بشيء آخر»
أطرق برأسه يحس بالألم لمواجهته أخته لكنه زفر يحاول الثبات ثم قال:
«لأنه وببساطة لم يخرج منك إليه، هو لم يحس بك يوما»
أغمضت نورا عينيها تعتصرهما لكنه تابع قائلا:
«أريدك أن تفهمي بأنك في حاجة لأن تقتنعي بوهم أحمد، حينها ستعلمين بأن كل حديثي صادق، نورا أحدثك كرجل وليس كأخ، صدقيني ربما هذا الغريب بحبه القوي لك يجعلك تنسي كل شيء وتحبينه هو»
تلك المواجهة مع جلال كانت الأشد والأصعب بالنسبة لها، أخيها لم يتوانى باظهار ما بداخله، بل صارحها كما لم يفعل قبل، هو الآخر كأمها يريد لها أن تحيا لكن كيف بدون نبض قلب!؟.
تنهدت طويلا تحاول طرد حروبها المشتعلة داخلها قبل أن تنتزع بسمة واسعة لترد بها على أخيها الذي اندهش لتحولها فيما قالت هي:
«هيا نأكل الفشار الذي احتار معنا اليوم وشغل فيلم كوميدي»
رفع جلال حاجبه قبل أن يجاريها في مزاحها المصطنع:
«التلفاز اليوم ليس به شيء كله أكشن»
ضحكت بخفة تنظر لشاشة التلفاز المغلقة فيما تقول:
_«كيف علمت!؟»
_«استنتجت»
_«غليظ»
_«كئيبة»
_«مشاكس»
_«عنيدة»
_«مجنون»
_«أخت المجنون»
_«أخي وصديقي»قالتها نورا بتأثر احتضن قلبه فضمها تحت ذراعه قائلا بحنو مفرط:
«زهرة قلب أخيك».
★★★★
يتبع 🌹🌹☺️


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس