عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-21, 01:06 PM   #5

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



لا تلهكم الرواية عن الصلاة وذكر الله
سّبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ..
اللهم إجعل ما تخطه يداييّ شاهداً لي لا علي ..
--


( البارت الثالث )

شُعاع اللي قفلت الجوال وتركته على جنب واللي تركها زوجها قبل ولادة بنتها بثلاثة أشهر وسافر .. وللحين ما رجع .. حتى إتصالاته كانت تنعد على الأصابع .. ماكانت مهتمة له أبداً .. بالأحرى كانت مرتاحة لأن " غصن " كانت مالِية عليها حياتها أبتسمت وهي تناظر لبنتها بإبتسامة وهي تمسح على شعرها بحنيّة : ياغصني اللي متجذر بقلبي .. والله إنك الغصن الوحيد اللي رابِطني بهالحياة .. كيف كُنت بفرط فيك ؟
أبتسمت بهدوء وهي تلتفت لأبوها .. اللي جالس بمكانه المُعتاد .. تحت شجرة الليمُون اللي بنص الحوش .. وجالس على كرسيه الخشِبي وقدامه إبريق الشاهي .. ويناظر للكُرسي المُتحرك الفارِغ .. اللي ضم جسّد جدها المُتهالك لِـ سبعة أشهر كاملة قبل يفارق الحياة !
غمضت عيونها بِضيق وهي تتذكر الحادث الشِديد .. اللي صار لجدها وأفقده القُدرة على التحرك .. واللي سبب له شّلل كامل بجميع أطرافه ماعدى رأسه !
واللي من بعد هالحادث تخلى عنه سطًّام بعذر إنه مشغول .. ولاعنده القدرة يتحمل طلباته .. وأستقبله سلطان بصدر رحب ! كان قايّم على كل أموره بنفسه .. يأكله بيدينه .. يبدل ملابّسه بيدينه .. يروشه ويغسله بنفسه .. ماكان يرضى إن أحد يقرب منه !
وقفت وغصن بيدينها وإتجهت لأبوها اللي مسّح دموعه بعشوائية لما وقفت قدامه
ناظرها بهدوء وهي أبتسمت له بخوف وبلعت ريقها وهي تقول : يبة .. ماودك نتبرع بهالكرسّي ؟ لأجل يكون أجر لجدي ؟
سكت للحظات وهو يناظر للكُرسي بضيق لما لاح له طيّف أبوه وهو يبكيّ وصدى كلماته يتردد برأسه " ظلمتك كثير يابُوك .. ذوقت عيالك اللي أطهر من هالذنوب الضيّم لأجل أرضى صدرر خايبة .. حللني من هالوجع .. سامحني يا سلطان "
ماكان مستوعب النُقطة اللي ظلمه أبوه فيها .. ولكن مع ذلك سامحه .. لأجل ما يضيق
رجع للواقع وهو يهز رأسه بطيب .. ووقف وهو يمشي عنها ويدخل للصالة .. اليوم مر شهر كامل على وفاة سهيّل .. ومرت يومين كاملة على إعلان وصيّة سهيّل .. واللي كتب فيها 80٪ من أملاكه بإسم سلطان واللي ظن إن هالشيء بيكفر عن خطاياه .. وباقي حلاله لسطّام
اللي تخلى عنه بأسوء لياليّه !
واللي من بعد من أعلنو عن هالوصيّة ما هدأ بال سطّام ولا زوجته .. ولا حتى وقّاص اللي جنون الأرض برأسه !


قفل البِقالة وهو يترك المفتاح بيدّين لافِي الي يناظره بهدوء : ماشاء الله توك تتذكر إن عندك أهل ؟
ألتفت له وهّاج وقال : أبد تراني حاشّمك لأجل فهد .. وإلا ترى عند القدرة المطلقة أخليك تبكي دم
ألتفت له وهّاج وقال : أبد تراني حاشّمك لأجل فهد .. وإلا ترى عند القدرة المطلقة أخليك تبكي دم
ضحك لافي بسخرية من تهديّده وقال : أنعِم وأكرم بإحترامك.. فهد ؟ وهو بكبر أبوك
أشاح بنظره عنه وهو يطلب الصبر .. اليوم آخر أيامه بالمكان هذا .. بعدما عقد النيّة وشد العزم بأنه يرجع لأهله .. يمكن هو مانِسى ذيك الليلة .. بس أكيد الكل نساها !
لذلك ما تحمل شعور الغُربة عن شُعاع أكثر .. الشخص اللي ذبل روحه بسبب البعد عنها .. ولو إنه مشتاق للكل .. بس هي ضعف الضعف
وبعد مكالمتها أمس وكلام فهد .. بت قراره المصيري وقرر يرجع فتح باب سيارة التاكِسي وقال : سلّم على فهد .. وقل له يقول وهّاج " تسلم .. رايتك بيضاء وقلبك ياسع بلد .. خذيت من طبع الشمالي كِثير يا فهد "
ما أنتظر رد لافي وركب السيارة وهي تمشي
بينما لافي تكتف وهو يناظر بعدم إعجاب : بجِيح .. أخذ كل الحب من أبوي وتركه بجملتين كلها غرور وتعاليّ !


الساعة الثاِمنة مساءً .. في مجلس سطّام العتِيق .. أزاح جفونه عن ناظره وهو يمسح وجه مُتنهداً ويناظر لوقاص الي مشتعل من العصبيّة : مرت ثلاثة أيام يبة .. ماهو بمعقول اللي قاعد يصير
أردفت أمه : أحنا نتكلم عن آراضي .. عن xxxxات وكثير من الفلوس يا سطّام .. فتح عقلك وعيونك .. مستحيل الوصيّة أنقالت بالشكل الصحيح
مستحيل أبوك ترك كل حلاله بيدين الظالم سلطان .. لازم تتحرك يا سطّام
ناظرهم بجديّة وهو يقول : تظنونه تلاعب بالوصيّة ؟
وقاص بتأأيد : نظن ؟ إلا أكيد ولا من متى جدي يحب عمي سلطان ؟ مايكرهه بالدنيا إلا هو وولده .. يبة إسمع مني .. رح خذ حقنا من رقبة أخوك .. علمه إن الله حق وإن التلاعب ذا ما يمشي علينا
أكملت أمه بغيّض وكأنها ترش البنزين على حفنة من الجمر : اللي يقوله وقاص صحيح .. هالثلاث الأيام اللي سكت فيها عيب وتقليل من قدرك .. أملاك على كبرها راحت لسلطان وولد حليمة .. تخبر إن قلبك بيطاوعك تتركها لهم ؟ خذها من رقابهم مثلما قال وقاص
وقف بعدما فاض الحِقد من قلبه .. لدرجة ماعاد للمِسامح مكان .. ثلاثة أيام شرب بها من حقد وقاص وزوجته لدرجة لو هو قدامه كان أنهّى حياته !

وقف بعدما فاض الحِقد من قلبه .. لدرجة ماعاد للمِسامح مكان .. ثلاثة أيام شرب بها من حقد وقاص وزوجته لدرجة لو هو قدامه كان أنهّى حياته !
مشى عنهم وهو يطلع من البيت بعصبية ويتجهه لسيارته وقبلما يركب وقف وقاص وهو يتنفس بسرعة ومدّ لها المسدس ولما لاحظ أبوه يعقد حواجبه قال بعجلة : خذه للتخويف يبه .. لأجل يعرف إنك ما تمزح
سحبه من يدينه بسرعة وركب السيارة وهو يمشي لبيت أخوه !


إِنزاح عقرب الساعة الصِغير بإتجاه الرقم تِسعة .. ليِعلن إن الساعة أصبحت التاِسعة مساءً .. تأمل رسالة شعاع اللي كتبت بِها " جعل يومي الأول يا أخو شعاع .. يالضيّ والضِياء عرفت إنك مارح تكسّر بخاطري .. دريت إنك بتحن علينا وبتجي .. أنتظرك بذكريات الطفولة .. بين ثنايّا بيتنا ! "
تنهد وهو ينزل من السيّارة ويوقف بتعب قدام البيت .. فبعدما سلم على عمر .. اللي أستقبله بحفاوة وبحب وبعتاب كبير " ما بيكفيك السنتين اللي راحو من عمرك هيك ؟ شو ان شاء الله ارتاح قلبك بعدما ضيعت سنة زيادة ؟ياعيب الشوم على هالقساوة الي مليانة حياتك فيها "
كان هذا ضمن عتابات عمر ل وهاج واللي بعدها إختصر وهاج اللقاء وأستأذن لأن الضيقة بقلبه مو قليلة .. ماكان محتاج نار لأجل تزيد ! .. إتجه لبيت أبوه
أخذ نفس بهُدوء .. وبدأ يزفره على دفعات وهو يحاول يفرغ الشعور السيء اللي بقلبه .. لحظات معدُودة كانت كفِيلة بأنها تزلزل كل ضلع بجسده .. هالصوت يعرفه .. يفقهه حيييل .. هذا صوت بكاء كايد .. " معقولة مازال أبوي يأكل من جلد هالضعيف ؟" مشى بسرعة وبخطوات غاضِبة وهو يدف الباب المفتوح وهو يدخل حوش البيت .. ذابت عظامه بوسط جسده .. وكل خليّة عايشة بيين أوردته أعلنت فقدها للسيطّرة .. بدأ تنفسه يخرج عن الوضع الطبيعي .. دقات قلبه صارت تميل للإضطراب .. عيونه توقفت عن الرمِش .. وجميع أطرافه بدأت ترتعش بشكل مُفجع للكارثة اللي تقبّع أمام عينه !!
بدأ يمشي بخطوات ثقيلة .. ثقيلة حييل على قلب وهّاج وجميع الأصوات حوله تعرضت للكتم .. صوت دقات قلبه الشيء الوحيد اللي يسمعه .. كان يتقدم وهو يتنفس بسرعة .. وصوت شهقاته تظهر بلا وعي منه .. المنظر اللي أمام عينيه كان كفيل بجعل كل ليياليها سوداء

كان تايّه .. يناظر لجهة مُحددة ولكنه يجهل وجهته .. يظن نفسه بحلُم .. أو بشيء أشبه بالكابُوس .. تخطّى صوت صراخ كايد واللي يئن بوجع تمكن من كل جسده .. تخطّى جلُوس أمه على ركبها ويدينها على رأسها وتبكي بسخط وصُوت عالي إخترق سكُون المكان .. تخطى أبوه اللي مرمِي على الأرض وغارِق بدماءه
وأنحنى أمامها .. جلس على رُكبته وهو يزُيح خصلة شعرها عن وجهها .. بلع رِيقه بصعوبة شديدة وهو يحس بأن قفصه الصدرِي بدأ يضغط عليه بشكل كارِثي كان يحس أنه بأي لحظة بيخطفه المُوت من شدة الوجع .. رفع كفوفه المُرتجفة وهو يضعها على العرِق بمعصمها .. ثانية .. ثانتين .. والثالثة أطلق صرخة سبّبت رعشة لكل شخص وصلت لمسامعه " لااااا ييييارب" قرب أكثر وهو يسحبّ جسدها من على الأرض ويوسطُه حضنه وهو يرتب شعرها وبقى يناظِر للدم اللي شوه فُستانها الرصاصِي من جهة يسار صدرها .. شد عليها بحُضنه وهو يهز نفسها وصوت أنينه ما هدأ .. كان يهز رأسه وهو مغمض عُيونه .. ويدينه تشد أكثر على كتوفها .. يستحيل إن الي يصير حقيقة .. وإن هالجسد الأنثُوي الخالي من الحياة .. هي نفسها " شُعاع أخت وهّاج " كان ينفي بتشديد .. كان يصارع أفكاره .. يستحيل اللي يشوفه حقيقي .. هذا كذب .. وهو باقي ما جاء .. هو للآن نايم وهذا كابوس أكيد .. بدأ صوت أمه يُعيده للواقع المر
والي من أستقر بصره الذابل المصدوم على وجهها الخالي من الحياة .. حتى أطلق آه أحرقت قلبه " يارب وأنت ربي اللطيَف .. هو اللي يحصل مع هالمكسُور يرضيك ؟ "
نُزع عنه ثوب البهجة والفرح بشكل مُفجع .. إنسّلخ جلده وهو يرتدي ثوب الحزن والأنين والوجع
بدأ يهزها أكثر وهو يحس إن قلبه بدأ ينقبض بشكل كارثي وهو يحس إن الحياة إنسحبّت من كل جسده .. مرر كفه المُترعشة على ملامح وجهها " يحكُون إني سود اللياليّ ويعلم الله ماكنت مهتم .. كنت أقول شُعاع تضوي لي هالعتمة .. وتخلينيّ وهاج .. ميَر يا أخت وهاج من الي بيضوي عتمتي الحين .. يرضيك تأكلني سود الليالي باقي عمري .. يرضيك أبقى دون ضيّك ؟ حسبي على مفرقنا "
كان يائس .. وبكل ما تعنيّه الكلمة تايه .. مافكر يأخذها ويركض بها على أقرب مستشفى لعله يلقى أمل .. مافكر بأنها بتبقى معه باقي سنِينه .. كان متأكد إن الحياة مُستحيل تخلي له شخص مثل شُعاع لباقي حياته .. وكأنها تقول واحد وعشرين كافيّة عليك يا وهّاج !
تمنى لو له قُدرة على البكاء .. لو عالأقل رحمته عُيونه وسربّت الوجع على شكل دمُوع لأجل يرتاح ولو شوي ..

بدأ الوجع يتجمع بعيونه لدرجة إنه شكّل حصن كبير يمنع دموعه عن النزول لتغسل روحه ولكن كانت هالليَلة حالفة لتكون على شكل جاثُوم ينهي حياته .. وتبقى كابُوس لبقيه أيامه
ألتفت بسرعة لصُوت بكاء الطفلة اللي تصحيه شهور طويلة .. بدأ يدور لها بعُيونه ومن أستقرت على السرِير الصغير بوسط الحوش وهي تبكي بشراسة وكأنها تنعى أمها .. قضّم شفايفه بكل وحشية لحتى بدأت تنزف بشكل كارثي .. تمنى لو تبُث الطاقة ولو بمقدار ذرة لجسده .. لحتى يوقف ويأخذ روح من أخذ روحه منه .. ولكنه قابع أمام جثة أخته جسد بلا حياة .. وكأنه يشاركها آخر لحظاتها بالحياة ... سحبُو منه آخر سبب كان يتنفس عشانه .. سحبو منه النفس وتركُوه جسد خاوِي من الحياة .. جسّد بيبقى طول حياته قابع في الظلام !
بدأ صوت كايّد يتعالى بشكل كبير .. والرصاصة تنهش بساقه وكأنها تضغط على كل أعصابه .. لدرجة إنه صار يبكي من شدة وجعه .. ولكنه زاد أنينه وهو يشوف وهَاج يحتضن جسّد شُعاع بقلة حِيلة .. وكأنه يُرسل رسالة بملامحه المكسُورة بأن هذه الطاهِرة البريئة قد فاضت رُوحها
بدأ يبكي بطفولية وهو يحط يدينه على رأسه وعيونه على أمه : يييمة .. خذو مننا الحياة .. ييمة ما بقى مكان ينكسر فينا .. يمة حتى الحسنة الوحيدة بحياتنا فارقتنا .. ييمة إبكيّنا كلنا .. إبكيّنا لأننا فقدنا روحنا
بدأت تبكي أكثر وأكثر وهي مفجوعة .. وكأنها تغرق في بحر من الكذب .. واحد من أطفالها مُخترق ساقه رصّاصة لاذعة .. زوجها مرمي أمامها غارق بدماءه لا تدري بأي وضع هو .. بكرها بين يدين أخوها .. اللي ذاب الحزن بوجهه وصار يشبّه للقلبه من شدة كتمّه لوجعه .. أنهارت دنياها على رأسها .. بدأ تستشعر إن قلبها بأي لحظة بينفلت من صدرها .. رفعت يدينها وهي تضرب صدرها بسخط وتبكي بشكل فاجِع .. تعالي يالمصائب متفارقة .. تعالي يالمواجع بالهون .. بدأت تهز رأسها وهي تطلق آهات النفي ويدينها على صدرها وكأنها خايفة فعلاً يخترق قلبها قفصها الصدري ويفارقها من شدة ضربها لصدرها .. بدأ صوت الإسعاف والشرطة يدُوي بأنحاء المكان .. ماكان يكفي صوت بكاء من في هذا البيت .. ماكان يبكي صوت بُكاء قلب هذا المكسور .. شاركهم هالوجع كُل من تِسلل ودخل مع الإسعاف وأنهار من المنظر الكارثي في حُوش بيت سلطان بن سهيّل !

وقّاص اللي كان جالِس مع أمه بوسط الصالة وهو يشرب كأس الشاهي بتأني .. نطق بإستخفاف : تظنيّنهم الحين تنازلو ؟ ولا سلطان بيكابّر ؟
ضحكت بخُفوت وهي ترتب صحون المُكسرات على الطاولة : سلطان مِثل الخاتم بيدين أبوك يا وقّاص .. ما تعرف إننا المُتحكمين بحياته وحياة عيّاله وهله ؟ ماهيّب صعبة علينا نأخذ حقنا منه
وقاص ميّل شفايفه وهو يدري إن كلام أمه فعلاً حقيقي .. هي الي تأمر وتنهي على مدار سِنين طويلة .. ولكن تأمر من بين الحُروف .. ترمي نيتها الخبيثة بصدر سطّام الخفيف وبصدر أبوه الي كان ينتظر أحد يوجهه .. ومن تستقر نيّتها بصدورهم يتحركون على إثّرها .. ماكانو يدرُون إن كلامها الي يتنقذ بالحرف الواحد .. لأنها دائماً تخلي نفسها العُنصر المظلوم والبريء بالحكايّة .. بهّتت الحياة بعيون كثيرين الحنيّة بسبب نوايا خبيثّة وصُدور فارغة كانت تحتاج وجهة عشان تُعذِب
ألتفت وقاص لدخول أبوه المُفاجىء .. ولكنه سُرعان ما وقف بصدمة وإستنكار من وجهة الي وكأنه أحترق من شِدة الحرارة وكان بيتكلم لولا إن سطّام تخطاه .. ومشى بسرعة وهو يطلع من الدرج ويتجه لِغرفته .. دخل وقفل الباب بالمُفتاح .. وأتجه للكرسي وهو يجلس عليّه .. رمى المسدس من يدينه اللي للآن ترتجف وأستقر وجهه على كفوفه وهو يغمض عيونه من الصاعقِة اللي زلزلت أركانه قبل لحظات .. ماكان يدري هو فعلاً سطّام اللي كان ببيّت أخوه قبل لحظات ؟ أو شيطّان مُتلبس ؟
بدأ يهز رأسه بنفي وهو يضرب بكفينه على وجهه وكأنه يحاول يستعيد وعيّه .. وللحظة غمض عيونه وبدأ يستذكر ما جنته يداه ! وما حصده حِقد سنين مغمُور بداخل قلب هذا الرجل !

إستقبّله سلطان بنفس طيّبة وهو مبتسم .. وقال : أرحب يا سطّام .. أشتاقت لك أركان البيت يا خُوك !
سّطام هز رأسه بنفي وهو يناظره بحدة : ما جيّتك مرحب .. جيتّك أبغى حقي وحق عيالك .. ولو بيكلفني هالشيء رقبتك
ناظره بصدمة وهو يوقف من على كُرسيه ويمشي بإتجاهه : سطَام .. وش هالحكي ؟ من اللي داس السُم في حلقك
ضحك وهو يكتف يدينه : تظن حولي أفاعِي لأجل ينسكب السُم في كأسي ؟ كُود إنك مخطي وتناظر لنفسك لأجل تحكي هالحكِي



سلطان اللي دائماً يعطي الحق لسطّام ولكن هالمرة كان ضِده تماماً .. فبعد وصيّة سهيّل الي قال فيها " حقك من مالِي لا يطول أحد غيرك وغير عيّالك يا سلطان .. أمانة برقبتك حلال عيالك" أيقن إن الحق الكُلي له ولعياله .. ولا لسطّام فيه بمقدار ذرة : إسمعني زين يا سطّام .. المال ما يفرق بين أخوان
إن كأنك تبي سلفة .. ولا محتاج علمني .. تأخذ لك كم ألف من جيبي
قطّب حواجبه بعصبية تمكنت من كل خلاياه بسبب إستخفافه فيه وتقليله من قدره : ما جيّتك لأجل أشحذ وتعطف علي .. جيتك أبي حقي يا أبو سود اللياليّ .. بتعطيني إياه ولا يكون لي كلام ثاني
شد على قبضة يده من عُلو نبرة سطّام .. ومن تصرفاته اللي كلها غطرسة وفرض سيطرة : والله ما تشم من حقي ريال .. يالله أقضب الباب قبل أحملك رقبتك بين يدينك .. فارق يا سطّام عسى الله لايردك دام نيتك شينة على أخوك يالردي
ناظره بصدمة من كلامه اللي لأول مرة يرميه عليه .. وأيقن إن الفلوس تغير فعلاً .. فبعدما صارت السلطة بين يدينه صار يرفع صوته اللي ما أرتفع من قبل ! تجمع الوسواس برأسه .. وعيونه ماصارت تشوف إلا كل شر .. وأنفه ماتبيّ تشم إلا دم أخوه !
تراجع بخطوات سريعة لورى .. أتجه للسيارة وهو يفتح الباب بكل وحشية .. سحب السلاح اللي كان على المقعد .. وركض بكل سرعته وهو يدخل الحُوش مرة ثانية !
بينما شُعاع تركت غصن تحت شجرة الليمُون بوسط الحوش ويحتضِن جسدها سريرها الصغير .. ومشت بخطوات مُشبعة إستغراب وهي توقف بهدوء جنب أبوها .. نطقت بنبّرة تميل للإندهاش وهي تقول : يُبة .. عسى ماشر ؟ وش فيه عمي معصب !
رفع عيونه وناظرها بعدم إعجاب وقال : لا تتدخلين في شيء ما يخصك مرة ثانية يا شُعاع .. عشان ما أعلقك مع الليمون وأخلي هالعصا تلعب على ظهرك !
عضت على شفايَفها بضيق ولكنها سُرعان ما ألتفت وهي تسمع صوت خطوات عمها اللي تضرب بالأرض بكل غضب ووحشيّة .. وصوته اللي يرّن بمسامعها وهو ينادي على سُلطان
وقف أبوها وهو يمشي بإتجاه أخوه وقال : ماودك تفارق ؟ فلوس ومالك عندي ولا ريال .. ووصية أبوي أنقالت على مسامعك .. واللحين أقضّب أرضك وفارق يالله
برز السلاح من خلف ظهره .. وهو يرفعه بيدين مرتجفة ناحيّة صدر أخوه : ماودك تعطيني حقي بالطيّب .. فبأخذه من فوق خشمك
أرتجف أكثر وهو يسمع صُوت صراخ شُعاع اللي ملأ أذنه وبدأت يده ترتعش أكثر .. والوسواس لازال يضرب بوسط عقله .. كان يسمع صوت سّلطان وهو يحكي ويستهزأ فيه : وش بيدك ؟ بتسوي نفسك كفـو وبترميني ؟ منت بقدها
ألتفت بغضب لصوت صراخ شُعاع وقال بعصبية : قصري حسّك قبـ
كانِت تناظر لأبوها اللي يصرخ عليها بعصبيّة .. وكأنها ينبهها إن هالوقت مو وقت يسمع صوت بكاءه فيها .. ولكن للحظة توقفت الأرض عن الحركة
وبدأت الأصوات تُخفت وكل اللي بدأ يتردد صداه بمسامعها " الرصاصة " اللي تمكنت من ضُلوع أبوها .. وتركت الجبّل المتين يهويّ بكل زعزعة على الأرض .. بدأ صدرها يعلو ويهبّط بشكل كارثي .. بدأت شهقاتها تعلى وعيونها تذرف الدمع لدرجة حجبت عنها الرؤية .. تخال نفسها في مسرحيَة .. ووالدها البطل وعمّها الشخصية الشريرة في هذا السيناريو .. كانت تناظر لجسد والدها المُلقى على الأرض .. على أمل أن تنتهي هذي المسرحية اللي ماراقت لها أبداً .. ويرتفع جسد والدها بكل ثبّات على الأرض وهو يرمي صرخاته عليها واللي بتتلقاها بكل حُب هالمرة .. ولكن مرت دقائق معدودة أثبّتت لها إن اللي حصل أمام عينيها ماكان إلا مشهد حقِيقي .. وبأن البطل اللي يستقيظ بنهايّة التصوير .. هذه المرة لن يقف !
بدأت تبكي بصوت عالي وهي تحط يدينها على إذنها وعيُونها موجهة على سطّام اللي ما زال يقف بنفس النُقطة .. ولكنه يترجف من شدة الخوف .. على أي خطوة أقدم ؟ وماذا صنعت يداه !
دبّ الخوف أكثر وأكثر لصدره .. وبدأ جسده يرسل إشارات خاطئة لِدماغه .. كان عاجز عن التفكير .. أو عن التوجه للمنطق السلِيم .. زر الأمان بالسلاح مازال متوقف .. والرصاص على أهبّة الإستعداد .. وصوت شُعاع كأنه ينادي له ! بدأ يصرخ عليها تسكت ولكن شعاع كانت تزيد وتعلي صوتها برهبة وهي تبكي بنحيَب .. وسطّام نفذ مخزون صبره وصوب السِلاح عليها وهو ناوي يخوفها ولكنها من علّت صوتها أكثر ماكان قادر إلا على ضغط الزِناد واللي بعدها خرجت من فُوهة السِلاح الرصاص القاتلة .. اللي تشبثت بوسط قلب هذه المُضيئة .. وتركتها تهوي بكل ذوبان على الأرض .. لحظات قلِيلة ومعدودة .. كانت قادرة فِيها على نُطق الشهادة والسؤال يتردد بصدمة في بالها قبل أن تُفارق عينيها هذه الحياة " بأي ذنب قُتلت ؟"
مذ أغلقت عيّنيها وطبقّت جفُونها معلنة عدم فتحها مرة أخرى حتى بدأ سطّام يتنفس بصعوبة .. وهو يغمض عيونه ويفتحها بعدم إستيعاب .. ماذا سولت له نفسه ؟ الموقف كان كبير عليه وكثيّر حيل
والي قاعد يصير يظن إنه خارج سيطرته .. قتل أخوه وألحقه بنته ! والآن هو يرتجف مُتسائل عن نهايته بدأت يده تخرج عن سيطرته من شدة إرتجافه بدأت أصابعه تختل من شدة الرعشة وعينيه ترمش وكأنه بدأ يفقد السيطرة علم جميع أجزاءه .. ألتفت وهو ناوي يهرب بكل قوته من مسرح جرِيمته .. ولكنه ألتفت على دُخول كايّد اللي كان يركض بخوف بعدما سِمع صوت الرصاص ببيتهم ..
أول ما ناظر للمشهد .. إختلت كل موازينه وكل اللي كان بيسِويه بيجمع أهل الحارة .. لذلك بدأ يصرخ بخوف بكلمات تحمل كم هائل من الخوف" إلحقونا .. أبوي مات .. عمي قتل أهلي"
وقبل أن تخرج رجله من عتبّة الباب .. رصاصة سِلاح عمه كانت سبّاقة .. كان يحاول يهرب من المكان قبل حُضور أي أحد .. لذلك طريقته الوحيدة عثرة أمام أقدام هذا الطفل .. وهذا اللي سواه !
ركض بعدها وهو يتخطى كايَد اللي بدأ يبكي بخوف وبصدمة وركب سيارته وهو يختفي تماماً من قداك بيت أخوه .. في نفس الوقت اللي حضرت فيه أمهم واالي من حضرت الموقف .. تبّددت الحياة بداخلها وبدأت تبكي بفاجعة واللي حضر بعدها وهّاج !


"
إستعاد نفسه من إطار ذكرياته المُفجعة وهو يهز نفسه بعدم إستيعّاب .. كان يظن نفسه يحلم .. أو يلعب لعبة نهايتها بيوقف أخوه جنبه ويربت على كتفه .. ولكِن من لاحظ السلاح بين كفوفه أيقن إن الي حصل معه حقيقة ! وبأنه أنهى حياة ثلاثة أشخاص دُون يرف له جفن !
-
-

ضِرار اللي كان جالس على كُرسي الإنتظار .. وبيدينه فطيّرة .. يتعشى بعد يوم كثيّف ومتعب حِيل .. مُتابعة أحوال السُجناء صعبة جداً .. خصوصاً لو كانت مُهمته تتطّلب الحرص الشديد .. رفع رأسه لزمِيله اللي قال : سلاحي يالطيّب ؟
أبتسم ضِرار وهو يسحبه من خصره ويمده له : تسلم وأرد لك هالخدمة متى ما أحتجتني
أشر له بهدوء وقال : لا تكررها يا ضِرار .. سلاحك ما يبتعد عنك .. ولا بتهلّك !
هز رأسه بإستجابة وهو يترك الكيس جنبه ويوقف وهو ينفض نفسه من بقايا الأكل اللي تجمعت على بدلِته .. ألتفت بإستنكار شدِيد بدأ على كل ملامحه .. للإستنفار اللي حصل بين أفراد الشُرطة بعد إتصال أدى إلى زعزعة أركان المركز .. كان يناظر للرائد يرمي أوامره بكُل صرامة على فريقه
كانت تمر على مسامعه أسماء يفقها حيّل .. ويعرف أصحابها ولكنه يُنكر ذلك .. كيّف يمر إسم " سطّام آل سهيّل " بمركز شرطة ومرور إسمه ترك الكل يستنفر؟
ولكنه من مر قدامه الفريق وهو يتجهز حتى بدأ قلبه يرتجف .. لسبب يجهله
ناظره المُلازم بِضيق ومن ربت على كتفه قال : الله يهون عليك هالمصيبة
تركه خلفه وهو يرتعش من خوفه .. ولحظات معدودة تخلى عن الوقوف بمكانه وركض بكل سرعته وهو يتجهه لسيارته .. ركبها وهو ينطلق بكل طاقته لبيتهم .. إسم أبوه مازال يمُر على مسامعه مما سببّ له الرعب بكل أطرافه .. أبوه بخير ؟ كان يدعي يكون طيَب وماحوله خلاف .. كان يرتجف وهو يحس الدموع بعيونه " يارب يكون بخير .. يارب يكون بخير " وكأن الطريق ينافس ضِرار على طُوله .. فيكاد ينتهي ضِرار والطريق لم ينتهي بعد
وصل للبيت وأخيراً بعد الكثير من المشقة .. أزاح جسده بكل سرعته عن المقعد وهو يرفس الباب برجله ويركض بكل طاقته للبيت .. دخل للصالة وهو يلهث بكل صعوبة ومن ناظر لوقاص اللي يشرب الشاهي مع أمه قال بكل سرعة : أبوي وينه !
وقاص وقف بإستنكار وهو يكتف يدينه : وش صاير ؟ وأنت تركض من الحين تبي ورثك ؟
ألتفت لأمه اللي قالت بهمس : ماله شيء يا وقّاص .. لا تعطيه خبر
رجع يلتفت لضِرار اللي مازال يتنفس بسرعة : وقاص إنطق .. أبوي وينه ؟
وقاص ناظره بطرف عينه وقال : جاء قبل دقائق وطلع لجناحه يرتاح .. لا تخرب عليه راحته
ألتفت ضِرار مُتجاهل كلام وقاص .. وقبل تِعتب خطوته أول درجة .. بدأ صوت دوريات الشُرطة يرن بأرجاء المكان .. وهم يحاوطون البيّت بكل سرعة
وقاص ألتفت بخوف لأمه وقال : وش صاير ؟
وضِرار مسح على وجهه وهو يرتجف مُستنكر اللي قاعد يصير .. ولاعنده فكرة عن اللي حصل !

بينما سطّام أنقطع حبل أفكاره من سمع دوي أصوات سيارات الشُرطة ترِن بالمكان .. وقف بصعوبة وهو يفتح الدرِيشة .. ويناظر للسيارات اللي بدأت تحاوط بيته بشكل كثِيف .. وهم يعاملونه مُعاملة قاتِل سفّاح .. وفعلاً ! هذا اللقلب الوحيد اللي يلِيق فيه !
بدأ يتسلل لقلبه الخوف .. الرهبّة .. الرغبَة بالهرب من هالموقف
بدأت أصوات غريبة تستقر بمخه .. نفس الأصوات اللي أجبرته يسفك دم أخوه .. بدأ يحس إن خلايا مُخه تجبّره يتخلى عن نفسه بدأت أفكاره تتشكل على هيئة الرحيّل " ما بقى لك مكان بالحياة ذي "
" أول ما تتكلبّش يدينك بتودع الحياة " " لا تتركهم يقبضون عليك " بتصير مهزلة بتصير مسخرة لكل اللي حولك " رح ينسفك ماء وجهك " إنهي وجعك بيدك " مئات الأفكار أستقرت بمخه من بينها الهروب .. الهروب من هذا المكان بلا عودة .. خوفه اللي أحاط فيه بعدما فقد أخوه .. أجبّره على فقد السيطرة على نفسه ! ماكان قادر يتحمل ذنب ثلاثة أشخاص برقبته .. ماكان قادر يعاني هالمعاناة لباقي حياته !

ضِرار اللي بدأ يركض بسرعته على عتبات الدرج .. يتبعه وقاص اللي تسرب الخوف لقلبه بعدما سمع صوت الشرطة .. وقفو بمكانهم بكل رهبّة .. بعدما تسلل لمسامعهم صوت رِصاصة .. إخترقت مسامع من بالمكان !

ضِرار واقف ويدينه على رأسه ويبكّي بصدمة لوهلة كان خايّف إن أبوه أخذ مسدسه وأنهى حياة أحد بسببه .. ولكن الصدمة ماكانت صعبة بالشكل هذا كانت أصعب وشيء أشبّة بالمستحيل.. ووقاص منحني بجسده على أبوه ويبكي بإنهيار وهو يصرخ بوجع .. بينما أفراد الشرطة بالمكان صادين عنهم بضيق
و أم وقاص إلتفت بالسواد وهي عاقدة حواجبها بعدم إستيعاب .. ويدينها على قلبها .. خوف ورهبة من نهاية سطّام المفجعة .. إنتحر !
ألتفتو برعب لدخُول " برِيق ووديع " آخر عيال سطّام واللي كانوا برى البيت .. والخوف متلبسهم من الشرطة اللي تحوف البيت حوف ؟
من لمحو جسد أبوهم المُلقى على الأرض .. والدم يسيّل بأطراف المكان .. حتى صرخت برِيق بوجع قطّع كل قلبها من شدته " ييييييبة " الكلمة اللي بتفقدها لباقي أيام حياتها .. الكلمة اللي بغيب طعمها بغياب صاحبها عنها .. الغياب اللي بيترك فراغ مهما حاولو يعبونه ! بينما ودِيع آخر حبّة بسبحة سطَام أنهار بشكل كارثي جنب رجول أبوه وهو يبكي بنحيّب ترك بصمة بقلب كل شخص تواجد بأطراف هذه الغرفة !

ياكبر الوجع .. ياقوى قلبك يا وهّاج .. تركتني بلا ضيّ .. تركت غِصن بدون ذراع تتمسك فيه .. خيبت ظني .. وخيّبة الظن بأخوي تكسر الروح يا وهاج تكسّرها "
بدأ الصوت يعلى بشكل أقوى .. بدأ الصراخ يشتد وكأنه نابع من جوف مُظلم ومن كهف مُخيف " وهههااااج ..ويييينك عننييي ... وهااج أنا خاايفة .. أخاف من الظلللااام لا تتركنننيي "

رفع رأسه من على المخدة وهو يتنفس بصوت عالي وبسرعة خطيرة وعيُونه تدور بالمكان بشكل مُخيف كان يتصبب عرق من كل جهة بجسده .. بدأ يلهث وهو مو مستوعب الحدث اللي كان فيه .. ومن بدأ يركز تنهد بضيق وهو يمسح على وجهه .. بدأت الكوابيس تسيطر عليه بسنواته الأخيرة .. والأهم " شُعاع" بدأت تبكي بسخط بكل أحلامه

مسح على وجهه بضيق وهو يوقف .. تقدم للمغسلة وناظر لنفسه بآسى .. مرر يدينه على الجُرح اللي بجهته العمِيق واللي مازال آثره باقي وكأنه يثبّت وجوده بكل مرة يناظر نفسه للمراية ! وبدأ يمرر يدينه على لحيته المُهملة واللي طالت بشكل مُخِيف .. ناظر لعيونه بشكل مُطول وهو يتأمل حاله .. كبّر بالسنين حيييل .. غياب شُعاع عنه ترك الشيّب يتسلل بعمق لقلبه .. لدرجة شاب قبل آوانه وذِبل لين نسى طعم الحياة وبقى يتجرع المُر طول الخمَس سنين الماضيِة !
تنهد وهو يبتعد عن المغسّلة ويرتب ثوُبه الأسود .. واللي كساه السواد من لحظة غيابها عنه .. طلع من الغرفة الصِغيرة وهو يخرج من البِقالة كُلياً .. جلس على بابها كعادته وهو يتكي برأسه على الجدار ويناظر بسرحان للجاي والرايّح بلا وجهة ..
إقترب منه طفل ولما ميّز إنه وهّاج ركض بخوف من جنبه بدون توقف .. وقبل يبتعد ناظره صاحِب المحل اللي قدام البقالة بإزدراء وهو يقول : إذلف إدخل داخل .. مابقى زبُون ولا بقى طفل ما هجّ بسببك .. من رجعت وأنت سبب خسارتنا ؟
رفع رأسه ووقف وهو يعتدل بوقوفه .. وناظره بعصبية .. بنظرته المُعتادة وتِقدم بخطواته المكهربة وهو يوقف قدامه ويدق كتفه بيده بقوة : محتاج سبب بسيط عشان أقتلك بأرضك .. والله لو ما تمسك لسانك عني لأنهيّك
سكت بخُوف وناظره بتوتر وهو يبلع ريقه بصعوبة ورجع يدخل لمحله وهو يناظر بغضب لوهّاج .. قبضته دائماً اللي تتكلم قبل لسانه .. لدرجة إنهم يخافون من حضُوره .. مُستغربين تماماً رِضا صاحب البقالة الجديد ببقاءه رغم إنه سبّب خسارة كبيرة للبقاله بحضوره !
خرج من عنده وهو يقفل باب البقالة بلا مبالاة ترك هالحيّ .. وبدأ يمشِي وهو يجر خطواته بحنِين شديد .. لضحكة غابت عنه سنين طويلة
وقف على أقرب حجرة للبحّر .. وبدأ الماء البارد يتسلل لجسده .. أرتعش من البرودة مع ذلك بقى على نفس حاله .. يحب الجلُوس بالمكان هذا
يقصده بكل مرة تزور شُعاع أحلامه .. لعله ينسيّه همه .. ولكن هالشيء " مُستحيل "
ماكان يظن إنها دلِيله بالحياة هذي .. لدرجة تااه وضاعت حياته قدام عُيونه ومرت سنينه وهو ما بيده إلا يتحسّر عليها !
سنين عتّى على علاقته مع أهله الزمن فيها ! كل اللي بينهم خمسة إتصالات يتطمن فيها على أمه ويقفل أول ما يسمع صوتها وهي تقول " كُلنا بخير "
وهذا أقصى شيء سواه بعلاقته مع أهله !
وصلته رِسالة على جواله عقد حواجبه بإستنكار .. رقمه جدِيد ! ماصار له شهرين مغيّره .. من اللي يعرفه لأجل يرسل عليه ؟
فتح المحادثة ومازال مقطّب حواجبه .. أستنكر وجود التسجيل الصوتي كأول رِسالة .. ما أهتم ورجعه بجيبه بعدم إعجاب .. بعدما مرت ساعتين وهو بمكانه وقف وهو يدخل يدينه ويمشي راِجع لغرفته اللي بمستودع البِقالة .. وقف وهو يناظر للرجل الللي ينتظره عند باب البقالة .. تأفف وهو يقول : وش جابّك ؟
مد له الظرف وهو يقول : هذا راتِبك هالشهر !
ناظر للظرف ورجع يناظر للشخص هذا بعدم إعجاب
كونه يكره حُضوره .. لأنه حلقة وصل بينه وبين صاحب هالبقالة المجهول .. يبي يعرف من هو ولكنه يحول بينهم قال وهو يتخطاه : الشهر ما أنتهى .. دخل ظرفك بجيبك وقل لراعي هالبقالة
هالأسبوع كل اللي حصلناه ميتين ريال .. وباقي يبي يعطيني راتبه ؟ خذه وفارق من قدامي .. مليّت من وجهك كل شهر
ناظره هالرجل ووده يقتله ويرتاح من أسلوبه معه .. ولكنه مجبُور يجاريه لذلك ترك الظرف على الطاولة : هذا راتبك .. إحرقه ولا تصرف فيه .. أنا عبد مأمور وعليّ ألبي الأوامر .. الله بلاه بقلب طيب عشان يترك رجال ردي بحلاله ويأكله من ماله.. ويكرمه وهو يرد الإكرام والإحسان بالإساءة .. خسّارة بشخاذ مثلك ريال واحد !
رفع حاجبه وناظره ببُرود للحظة خرج يدينه من جيبه وهو يمسح لحيته للحظات يتأمل وجهه هالرجل .. مرت ثواني قليلة قبل ينقض فيها على عُنقه ويضغط عليه بكل وحشّية وهو يناظره بعصبية : من اللي مكبّر رأسك علي وقال لك إنك تقدر تنطق بالحكي ذا قدامي ؟ ماكنت مثل الحمار تنهق وراء ظهري .. من اللي يشجعك لأجل تحسب نفسك ذيّب وتجي تتكلم قدامي ؟ ما تدري إني شخص بايع حياته ووجب عليك تكف آذاك عني عشان ما أدعس عليك ؟ شكلك تبي الفكة من الحياة وجيت أفكك منها
رفع يده وهو يضرب ذراع وهّاج برجاء وهو يناظره ودموعه تنزل بخوف من نظرات وهّاج اللي يملأها الغضب واللي أعماه لدرجة نسى نفسه .. وهذا حاله مع الكُل دون إستثناء
من ناظر لدموع كانه بيتركه لولا صاحب المحل اللي كان يركض لهم وهو مفجوع أقترب وهو يضرب وهّاج على رأسه وتلحقه ضربات قوية على جسمه وهو يحاول يفكه منه ولكن هيهات .. يد وهّاج كانت قابضه بشدة على عنقه رغم إنه خفف منها بحيّث ما ينقطع النفس عنه .. لف لصاحب المحل وهو معصب وصرخ وهو يناظره بحدة : ببببرى قبل أذبحه بسببك
طلع جواله وهو يرتجف وقال بنبرة مليانة خوف : أنت مارح يفكنا من بلاك إلا الزنزانة
وقبل ما يتكلم فلت وهاج يدينه من على عنق هالرجل اللي ركض بسرعة وسحب الجوال من يده وهو يتنفس بصعوبة .. ورمى الجوال على الأرض وهو ينحني ويثبّت يدينه على ركبه وهو يتنفس بصعوبة
صاحب المحل عصب وضربه على كتفه وهو يتحسب عليه : الشرهه على اللي فزع لك وقال بيسوي فيك خير .. لكن عساه يقتلك ويشرب من دمك يالردي
ابتعد وهو يأخذ جواله من على الأرض بعدما تفل عليه وناظر لوهّاج اللي يدينه على رأسه ويدقه بالجدار .. هز رأسه بآسى وسخرية وطلع
بينما وهَاج ماتركه من بين يدينه إلا بسبب الصداع اللي فتَك بكل رأسه .. والصدى اللي يتردد في مسامعه بشكل أهلكه لدرجة ماخف الوجع إلا لما بدأ يضرب رأسه بالجدار لأجل يتخدر
طلع الرجل من البقالة بسرعة وهو يهرب من المكان .. ووهّاج مازال واقف عند الجدار ويدينه على رأسه .. بعدما مرت دقائق معدودة وهو مغمض عيونه بوجع .. ألتفت للمكان الي خلى من هالشخصين ومسح على وجهه بِضيق .. قفل البقالة من داخِل ولمح الظرف تأفف بعصبية وتركه وهو يمشي لغرفته الصغيرة
دخل وأنسدح بتعب وهو يغطي وجهه بغترته البنيّة.. بقى على حاله ساعات طويلة .. ساعة تِتبعها ساعة وهو يستغفر لعل هالصداع يخف ويرتاح من هالضيقة اللي أعتلت قلبه حتى فاض
بعدما سمع صوت أذان الفجر .. غمض عيونه بتعب ووقف وهو يتوضأ ويصلِي ..
ألتفت للجهة اليُمنى وهو يسّلم .. وألحقها للجهة الثانية .. رفع كفوفه وبدأ يقرأ آية الكرسي والإخلاص كعادته بعد كل صلاة .. وبدأ يدعي برهبّة .. ولكن كل مرة .. يحاول ينطق إسم " شُعاع" بدعوته
يتخدر لسانه .. ويداهمه صُداع فضِيع .. ويضيق الكون عليه لدرجة يحس إن قلبه بينفجر بأي لحظة .. ولا عرف يتخطى هالشعور أببببداً !
وقف وهو يرجع ينسدح بلا وجهة .. ولكنه سِمع رسالة جديدة بجواله .. أخذه وهو يفتحه بهدوء .. ونفس الرقم أرسل مرة ثانية " لا تتجاهلِني تكفى "


قطَب حواجبَه بإستنكار وهالمرة داهمه الفُضول يفتح التسجيل الصوتي .. ومن بدأ الصوت يتسلل لمسامعه .. حتى فز من مكانه وبدأت تتكور بحنجرته الشيء الموجع اللي يسمُونه " غصّة "
صوت طُفولي .. تكسوه البراءة .. تفيّض كسرات الحُروف منه .. نبّرة باكية تتوشح بالتلعثُم
" خال وهّاج .. وينك ؟ خال كايَد يقول إنك مرة قوي .. وبتضرب كل اللي ضربوني .. تعال شف سوسو ضربتني بقوة على رأسي "
تلاه بكاءها وهي تقول " تعال وينك "

رمى الجوال من بين كفينه المُرتجفة .. كيف لصوت طفلة ما تعدت الخمس سنين أن تُزلزل كيان شخص مثل وهّاج ؟ ما بقى به عرق صاحي .. وكل خلاياه تِرتعش .. صحى على صوت بكاءها أيام طويلة قبل سنين .. وما أهتزت أركانه مثلما أهتزت الآن
وقف وهو يحاوط رأسه بكفينه بتفكير .. ويمشي بالمكان وهو يحاول يرتب فكرتين على بعضها .. ولكنه عاجز تماماً ! ماكان قادر يفكر بطريقة سليمة
صوتها وهي تقول " تعال " كان تماماً مثل صوت " شعاع " وهي تبكي بحلمه !
أختلطت عليه الأصوات .. تشابكت الأفكار .. بدأ يغُوص بالعميق .. بدأ يفلت الخيط منه .. بدأ يفقد السيطرة على نفسه ..!
بدأ يرجع بتفكيره خمس سنين .. لصوت شُعاع وهي تقول "مرت سنة دون وجهك .. يرضيك يعتب قلبك شعاع عليَك ؟ "
صوتها بدأ يعيد نفسه .. وكأنها شرِيط تعقدت خُيوطه وبدأ يعيد التسجيل بدون توقف .. يتردد لدرجة إن دقائق معدودة .. كانت كفيلة بأن وهّاج يأخذ كل أغراضه ويترك هالمكان وراه وهو يركض .. بكُل جوارحه .. يسّابق الخطوة .. وكل اللي يتردد بمسامعه " يرضيك يعتب قلب شُعاع عليك ؟"
وهو ينطق من كل قلبه " عساني للهم .. للضيق ولوجع يعتّل كل صدري .. لو كنت برضى يمسك ضر "


إنتهى




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس