عرض مشاركة واحدة
قديم 08-03-21, 09:44 PM   #26

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي ما بعد البداية - الفصل العاشر

ما بعد البداية

الفصل العاشر (العودة وانهيار العهود)

كانت الأيام تمر على غادة وسعيد رتيبة ومملة .. كل منهم يشتاق الى الآخر .. يريد أن يلقاه .. يراه .. يتحدث اليه ويملأ عينيه منه .. كل منهم انقلبت ايامه ولياليه الى دقائق وساعات من العذاب .. تمر عليهم بطيئة وكئيبة .. خصوصا على غادة .. التى لم تجد فرصة واحة ترى فيها سعيد منذ حفل خطوبة أمير وسارة .. لكن سعيد كان يراها من بعيد بدون علمها .. كان ينتظرها من وقت لآخر عند باب المدرسة .. يختبأ خلف شجرة فى الجهة الأخرى المقابلة لباب المدرسة .. ولكن حتى هذا لم يرضى قلبه المشتاق للاقتراب منها .. والتحدث اليها .. يشبع عينيه هو بدوره من تفاصيل كل جزء فيها .. خصوصا عينيها وابتسامتها المتيم بها ..

ذات صباح .. نزلت غادة من السيارة بالقرب من باب المدرسة حيث كانت تلك عادتها هى وبعض زميلاتها .. كانوا يحبون أن يلتقون سويا بجوار باب المدرسة يتحدثون لدقائق بعيدا عن زحمة فناء المدرسة ثم يدخلون الى المدرسة عند سماع جرس الصباح ..
وقفت غادة وثلاثة من زميلاتها كالعادة يتحدثون فى امور الدراسة وغيرها حين شردت زميلاتها
داليا وهى تنظر الى الجهة المقابلة للمدرسة ثم قالت بتعجب : بنات .. حد فيكم لاحظ الشاب اللى واقف ورا الشجرة اللى هناك دى قبل كده ..؟!!

نظرت غادة وباقى البنات بفضول شديد الى الجهة التى تنظر اليها داليا ..

لاحظ سعيد الواقف خلف الشجرة نظرة البنات اليه .. فاختبأ بسرعة خلف الشجرة الضخمة .. وظل هكذا للحظات .. ولكن كانت البنات قد لاحظنه وهو يختبأ دون ان تتبين احداهن من يكون .. ولشدة فضولهن ظلت الفتيات ينظرن الى الشجرة حتى طال انتظار سعيد وأصبح لا بد أن يخرج من خلف الشجرة مخافة ان يظن المارة به شيئا سيئا .. فقرر فى النهاية أن يخرج مطأطأ رأسه الى الأرض .. يسير بسرعة بعيدا عن المدرسة ..

ضحكت البنات وهن يضعن ايديهن على افواههن فى حين تجمدت غادة فى مكانها وشعرت بقلبها ينبض بشدة ويكاد يخرج من صدرها .. لا تصدق ما تراه عينيها ..

انتابت غادة رعشة مفاجأة لاحظتها داليا التى إلتفتت اليها تتكلم معها بخصوص هذا الشاب فوجدتها واجمة ترتعش .. فقالت اليها : مالك يا غادة .. ؟

لم ترد عليها غادة .. وظلت واجمة تنظر الى سعيد وهو يسرع الخطى ليختفى بعد لحظات عن الجميع .. فى تلك اللحظة .. ضرب جرس المدرسة فسارعت الطالبتان الواقفتان مع غادة وداليا لدخول المدرسة .. فى حين ظلت داليا وغادة ينظران الى سعيد وهو يسرع الخطى يحاول ان يختفى من المشهد ..
داليا : غادة .. فيه حاجة ..؟ انتى تعرفى الشاب ده ..؟
انتبهت غادة لسؤال داليا فأجابتها بتلعثم : هه .. لا أبدا ..
داليا : أمال مالك شكلك اتغير أول ما شوفتيه .. ؟
غادة : قولت لك معرفهوش يا داليا .. أنا بس استغربت من تصرفاته .. ثم جذبتها من ذراعها وهى تقول .. ياللا بينا ندخل المدرسة .. الجرس ضرب ..

مضى اليوم الدراسى على غادة كالدهر .. ولم تفهم أى شيء من شروحات مدرسينها طوال اليوم .. ظلت شاردة .. سعيدة .. تريد ان ينتهى اليوم وقد قررت أن تتصل بسعيد بعد أن اصبحت لا تطيق الاستمرار فى تنفيذ ما اتفقا عليه .. قررت ان تخرق الحظر المتفق عليه بينهما .. طالما قد اخترقه هو وجاء ليراها ولو من بعيد ..
لكن لم تكن داليا لتمرر ما لاحظته من تغيير على غادة حين شاهدت سعيد صباح اليوم ..

ظلت داليا طوال فترة الراحة بين الحصص الدراسية تطارد غادة .. وتؤكد لها انها تعرف ذاك الشاب .. فى النهاية ردت عليها غادة بعد هذا الضغط الرهيب : أيوة أعرفه .. خلاص ارتحتى .. ممكن بقى متسألنيش عن أى حاجة بخصوص الموضوع ده لغاية ما اقرر أنا انى احكى لك ..؟
ابتسمت داليا ابتسامة المنتصر : آه يا خبيثة .. يعنى لو مكنتش ضغطت عليكى .. مكنتيش حتقوليلى الحقيقة ..
غادة : اوف .. من فضلك يا داليا .. انتى مش فاهمة حاجة .. ممكن تسيبينى دلوقتى ..
داليا وهى تضحك : ماشى حسيبك دلوقتى بس بشرط حتحكيلى كل حاجة بكرة ..
غادة : يا ساتر عليكى يا داليا .. انتى فظيعة .. مش معقول فضولك ده ..
داليا باصرار : ولو يا غادة .. حتحكيلى كل حاجة .. وبالتفصيل الممل ..
غادة .. وقد فقدت الأمل فى التخلص من فضول وضغط داليا : خلاص يا لحوحة .. قولت لك حاحكيلك .. بس لما أقرر ..

انتهى اليوم الدراسى .. عادت غادة الى بيتها وهى تسبح فى عالم آخر لمجرد ان شاهدت سعيد اليوم .. ولمجرد ان علمت انه لا يقوى على البعد عنها وجاء يراها من بعيد ..

دخلت البيت وكانت امينة تجلس مع رنيم فى صالة البيت .. جلست غادة معهم دقائق قليلة تحاول ان تسيطر على انفعالاتها الداخلية التى لازالت متأثرة بأحداث يومها .. وتريد أن تمنع نفسها من ان تطلب سعيد فى هذا الوقت .. فهو بالتأكيد مشغول يعمله الآن .. وربما يكون بين أناس ولا يستطيع ان يجيب اتصالها ..

نظرت أمينة الى غادة تسألها : تحبى تتغدى دلوقتى يا حبيبتى ولا تستنى لما بابا واخواتك يرجعوا من الشغل ..؟

لم تنتبه غادة لسؤال امها .. ولم تسمعه من الاساس .. فقد كانت شاردة .. تفكر فى الحديث المرتقب مع سعيد اليوم .. وماذا ستقول له .. وبماذا سيرد عليه ..
عاوت أمينة السؤال : هيه .. غادة .. انتى سرحانة فى ايه ..؟
غادة : هه .. معلش كنت بفكر فى حاجة فى درس النهاردة .. كنتى بتقولى ايه يا مامى ..؟
أمينة : تتغدى دلوقتى ولا تستنى بابا واخواتك ..؟
غادة : حستناهم .. نتغدى سوا .. ثم نهضت متوجهة لغرفتها .. أنا حريح شوية لغاية ما يرجعوا من الشغل ..

دلفت غادة الى حجرتها وأخذت تلف وتدور حول نفسها فى رشاقة وفى سعادة بالغة وهى تحتضن شنطة المدرسة التى ألقتها بعد لحظات من الرقص فوق احدى مقاعد الغرفة لتلقى بعد ذلك بجسدها فوق سريرها .. تنظر الى سقف الحجرة وتتخيل لقاءها القادم مع سعيد .. نعم .. لقد انهار اتفاقهما بعد ان خرقه سعيد اليوم .. هى لن ترضى سوى بلقاء قريب .. وليكن ما يكون ..

مرت عدة ساعات .. عاد خالد وأمير ثم بعدهما بنصف ساعة عاد أشرف .. ولم تمر سوى دقائق حتى اجتمعت الاسرة على طاولة الغداء ..
خالد : ايه يا رنيم .. عاملة ايه اليومين دول .. ؟ بنوتتنا حبيبة جدها عاملة معاكى ايه ..؟
رنيم : الحمد لله يا أنكل .. مبتنيمنيش طول الليل ..
أمينة وهى تربت على كف رنيم التى تجلس جوارها : هانت يا حبيبتى .. كلها أيام وتيجى بالسلامة .. وساعتها حتعرفى انها وهى جوه احسن ..
رنيم : معقول يا ماما .. ده أنا نفسى تييجى بقى علشان استريح من تعب الحمل ..
أمينة : تيجى بالسلامة باذن الله .. بس كلى انتى كويس علشان تقوى على الولادة ..
لاحظ خالد جلوس اشرف عابسا أثناء الحوار الدائر بين الجميع .. فقال له : ايه يا أشرف .. مالك .. فيه حاجة مضيقاك فى الشغل ..
أشرف وقد انتبه الى حالته : لا أبدا .. ليه حضرتك بتقول كده ..؟
خالد : بص فى المرايا وراك وانت تعرف .. أنت قاعد مكشر وشكلك فيه حاجة مزعلاك ..
ردت رنيم مقاطعة وهى تبتسم : أنا عارفة ايه اللى مضايقه يا أنكل ..

نظر الجميع الى رنيم فى فضول .. فارتبكت قليلا مترددة ان تفتح هذا الأمر أم لا .. لكنها فى النهاية قالت : أشرف مضايق ان اللى جاى بنت .. مش ولد ..

جحظت عينا أشرف وهو ينظر الى رنيم التى تجاهلته وهو يقول : رنيم ..
رنيم : ايه يا اشرف .. بتبصلى كده ليه .. مش هى دى الحقيقة .. وبعدين هو أنا بقول الكلام ده ادام حد غريب .. ثم امتلأت مقلتيها بالدموع وهى تقول : أيوة يا اشرف .. أنت متغير ومتضايق من يوم ما عرفت ان المولود بنت .. حتى مش عايز تختار لها اسم من اسامى البنات اللى كل يوم بقولهالك .. وأكتر من مرة تقوللى سميها الاسم اللى انتى عايزاه .. لو كان ولد كنت سميته ..
استاء خالد مما سمع وهى مطرق الرأس الى الطاولة .. ونظر أمير وغادة بدهشة الى اشرف يوجهون له بنظراتهم اتهاما قد قرأه جيدا من عيونهم .. فى حين قامت أمينة من مكانها تضم رأس رنيم التى اجهشت فى البكاء الى صدرها وهى تقول : ايه يا رنيم .. صلى على النبى يا حبيبتى .. كلام ايه اللى بتقوليه ده .. طبعا أشرف ميقصدش اللى وصلك منه .. هو بس مش عارف يعبر عن مشاعره .. بس صدقينى .. حتى لو اللى وصلك منه ده صحيح .. حفكرك بعد ما تولدى ويشيل بنته بين ايديه .. مفيش أب فى الدنيا يقدر يقاوم مشاعره ناحية ولاده خصوصا أول ما عينه تقع عليه سواء كان ولدا ولا بنت ..

مسحت رنيم دموعها بكلتا يديها وهى تقول .. معلش يا جماعة .. أنا آسفة نكدت عليكم ..
خالد : لا يا بنتى .. لا نكدتى علينا ولا حاجة .. وكويس انك فتحتى الموضوع ده علشان أنا ملاحظه من فترة .. بس مكنتش حابب اتدخل .. وقلت يمكن لما أشرف يحس بالبيبى وهو بيتحرك يغير رأيه ويحس بالنعمة اللى ربنا بعتهاله ..

كان أشرف صامتا اثناء الحديث الدائر أمامه .. يكاد أن ينفجر مما حدث ومما قالته رنيم التى تعلم جيدا أنه لن يفوت هذا الأمر على خير .. فقط هو يتحين فرصة الانفراد بها فى بيتهما ..
لكن قطع خالد عليه السيناريو الدائر بينه وبين نفسه فيما سيفعله برنيم لاحقا .. فقال : أنا عايز اسألك سؤال يا أشرف .. ياترى ايه هو شعورك لو مرت سنين وربنا مرزقكمش ولاد .. ؟ وقبل ما تجاوب .. فكر فى سؤالى وتصور انك قعدت سنين بتتمنى طفل ولسه ماجاش ..
اللى جاى لك ده يا اشرف رزق .. ورزق كبير من عند ربنا .. غيرك بيتمنى ضفره .. فاحمد ربنا عليه وكون مبسوط بيه كمان ..

سكت أشرف ونظر الى طبق الطعام امامه .. لا يجد من الكلام ما يجيب والده .. ولكنه فى النهاية قال : مين بس اللى قال انى مش بحمد ربنا على رزقه .. هى بس رنيم اللى حساسة شوية بسبب الحمل وبيتهيألها حاجات مش مظبوطة ..
حاول أشرف الهروب من هجوم والده عليه ومن نظرات اسرته المستنكرة لموقفه من أول مولود له .. ولكنه فى الحقيقة كان يغلى بداخله من رنيم ومما قالت .. فهو لا يزال لا يرغب فى انجاب الاناث .. أو بالأحرى كان لا يرغب فى الانجاب قبل مرور عدة أعوام .. وهذا كان اتفاقه مع رنيم التى خالفت هذا الاتفاق ..

حاولت أمينة تخفيف الجو المتوتر بين أشرف ورنيم فقالت بابتسامتها الصافيه : ده انت لو شوفت الحاجات اللى جبتها أنا ورنيم النهاردة للمولود حتتمنى انهم يكونوا بنتين مش واحدة .. قومى يا غادة هاتى الحاجات من اوضتى .. ..

ذهبت غادة وأحضرت اكياس وعلب كثيرة فى ثوانى وهى تقول بغضب : انتم ازاى تروحوا تشتروا الحاجات دى من غيرى .. هو أنا مش متفقة معاكم اننا نشتريها سوا ..؟!!
رنيم : معلش يا غادة .. صدقينى مكناش عاملين حسابنا اننا حنشترى حاجة .. احنا نزلنا نتمشى شوية زى الدكتور ما طلب لقينا نفسنا ادام المحلات واشتربنا من غير ما نخطط لده ..
غادة وهى تفتح الأكياس والعلب وتخرج ملابس المولود الجميلة : عموما أنا حشتريلها على ذوقى .. ومش حاخد حد معايا ..
خالد بابتسامة للملبوسات : ماشى يا ستى .. خدى الفلوس اللى انتى عايزاها واشتريلها كل اللى نفسك فيه ..

نظر أشرف الى الملابس ومستلزمات المولود المنتظر محاولا رسم الرضا والابتسامة على وجهه .. فى حين تكلم أمير أخيرا .. حلوة أوى يا رنيم .. على فكرة حاولى تحافظى على الحاجات الحلوة دى .. أنا وسارة متفقين اننا نخلف أول ما نتجوز .. ويارب يكون المولود الأول بنت .. دى امنيتنا أنا وسارة .. قال جملته الأخيرة وهو ينظر الى اشرف فى اشارة عن رأيه فى موضوع الانجاب ورضاه عن انجاب الاناث ..

ظل خالد وولديه فى صالة البيت يتحدثون فى أمور العمل .. فى حين جلست أمينة ورنيم بعد الغداء وانضمت لهما غادة فى حجرة أمينة ..

حاولت أمينة وغادة ان يسروا عن رنيم ويقنعوها بأن عدم رغبة أشرف فى الاناث سوف تنهى وتتلاشى بمجرد أن يرى مولودته .. ثم تطرق بهم الحديث الى دراسة غادة والجامعة التى ترغب بها .. فأكدت لهما للمرة الألف رغبتها فى ان تصبح مهندسة مثل ابيها وان تعمل لدى والدها بالشركة .. ثم تطرق بهم الحديث عن الزواج .. وكان الحوار يدور حول زواج الحب وزواج الصالونات .. وهل الأفضل هو الزواج عن حب وان يختار كل من الآخر شريك حيانه .. كما حدث مع رنيم وأشرف .. أم زواج الصالونات .. واستقرا فى النهاية على ان كلا الزواجين يمكن أن ينجح ويستمر .. وكلاهما يمكن أن يفشل فشلا ذريعا .. وهنا وصل بهم الحديث عن التكافؤ فى الزواج .. وهنا اتفقت أمينة ورنيم على ان التكافؤ الاجتماعى والبيئى عاملا مهما فى انجاح الزواج واستمراره .. فى حين دافعت غادة عن حبها الخفى والغير متكافئ من كافة الوجوه .. وأصرت على ان التكافؤ ليس شرطا جوهريا فى انجاح الزواج أو استمراره .. وأن الحب والتفاهم هو أساس كل شيء .. فتكلمت رنيم : يعنى انتى عايزة تفهمينا يا غادة انه لو اتقدم لك واحد أقل منك ماديا واجتماعيا ممكن توافقى عليه لمجرد انك حبتيه ..؟

ردت غادة بكل حزم واصرار : أكيد .. أنا ميهمنيش غير الحب والتفاهم .. ومؤمنة انهم أهم حاجتين لانجاح أى زواج .. أما بالنسبة للفرق المالى فأعتقد انه مش مهم .. لأن الانسان الغنى ومعاه فلوس كتير .. ممكن يخسر كل فلوسه ويبقى فقير فى لحظة لسبب أو لآخر .. والعكس صحيح .. ممكن اللى ابتدى جوازه فقير .. ربنا يفتح عليه ويبعت له رزق كبير يخليه غنى فى لحظة ..
أمينة : كلامك مظبوط بالنسبة للنقطة دى .. لكن بالنسبة للتكافؤ الاجتماعى .. اعتقد ان مفيش جواز ممكن ينجح غير بوجوده بين الطرفين .. يعنى مينفعش مثلا ان ابن الغفير يتجوز من بنت الوزير ..
ردت غادة مقاطعة : ما هو احنا برضه مش لازم نوصلها لغفير ووزير .. خلينا فى حاجة يقبلها العقل ..
رنيم : وايه بقى اللى يقبلوا العقل فى نظرك ..؟
غادة : يعنى مثلا لو واحد من بيئة أقل لكنه متعلم وفيه تكافؤ بينه وبين اللى بيحبها فى التعليم .. بس هى من بيئة افضل من بيئته .. حفترض مثلا انى لو قابلت شخصية اقل منى فى البيئة والحالة الاجتماعية والمالية .. لكن اخلاقه كويسة ومتعلم كويس وعنده طموح .. اعتقد انى لو اقتنعت بيه وكان فيه حب وتفاهم متبادل بينا .. اعتقد انه من العدل ان أهلى يوافقوا عليه ..
كانت أمينة تستمع الى كلام غادة .. عقلها يقبل المنطق الذى تتكلم به .. لكن قلبها وعاداتها وتقاليدها ترفض هذا المنطق بشدة .. لذا صمتت وتمنت لو ان ما يجول بخاطر ابنتها مجرد مناقشة بينها وبين رنيم .. وان كان قلبها يشعر أن هناك قضية ما تتعلق بغادة .. وهذا ما يدفعها لتدافع عن رأيها وموقفها هذا بشدة ..

قاطعت رنيم مرة أخرى تفكير أمينة وسالت غادة : مش عارفة يا غادة .. بس حاسة ان رأيك مش ممكن يوافق عليه اى عيلة .. احنا كمجتمع شرقى أو حتى اجنبى .. فيه عندنا عادات وتقاليد اتربينا عليها .. وصعب انها تتغير ..
غادة بانكسار : ويا ترى هو ده العدل .. يعنى بسبب تقاليد مخالفة للمنطق تنتهى احلام أى اتنين متفاهمين وبيحبوا بعض لمجرد شوية اختلافات عقيمة ..

لاحظت أمينة مدى الانكسار الذى بدا على ملامح غادة .. فزاد يقينها أن هناك جديد فى حياة ابنتها .. وأشد ما ارعبها أن تكون علاقتها بحسام قد عادت من جديد .. لذا انهت المناقشة بذكاء على أمل أن تحاول أن تعرف من ابنتها ما يجول بخاطرها فقالت بابتسامة واهية : غادة حبيبتى .. لو قعدنا نتناقش فى المواضيع دى من دلوقتى للصبح مش حنخلص .. انتى ناسية ان عندك مذاكرة .. ياللا حبيبتى على اوضتك وشوفى اللى وراكى ..
غادة وقد كسا وجهها الحزن والأسى : عندك حق .. أنا ورايا حاجات كتير لازم اخلصها النهاردة .. ياللا اسيبكم دلوقتى ..

دلفت غادة الى حجرتها .. التقطت تليفونها من على المكتب .. طلبت دون تردد رقم سعيد الذى فوجئ برقمها وهو جالس وسط اسرته على الغداء .. ارتبك سعيد بشدة ثم أخذ تليفونه وابتعد عن طاولة الطعام ليدخل غرفته ويفتح الخط ..
سعيد بارتباك ونبضات قلبه تكاد ان تسمعها أذنيه : ألو ..
غادة وكأن نبضات قلبها هى الأخرى ترد على نبضات قلبه : ألو .. سعيد .. أنا غادة ..
سعيد بهيام : وحشتينى ..
غادة وقد احمر وجهها خجلا وأخذ قلبها يدق بشدة : وانت كمان سكتت للحظات ثم أردفت : يا ترى دة السبب اللى خلاك تيجى عند المدرسة النهاردة ؟
سعيد : ومش النهاردة بس ..
غادة : مش فاهمة ..
سعيد بتردد : تقدرى تقولى تقريبا كل يوم ..
غادة : معقول .. طيب وليه مش بتكلمنى ..
سعيد : محبتش أخالف الوعد ..
غادة : طيب وهو انت كده ما خلفتوش ..
سعيد : غصب عنى .. سامحينى .. مش متحمل انى مشوفكيش ..
غادة : سعيد .. أنا كمان عايزة أشوفك ..
سعيد : غادة ....
غادة : خلينا نتقابل .. لازم أشوفك ونتكلم .. مش حينفع اللى احنا فيه ده ..
سعيد : بلاش يا غادة .. أنا غلطت انى حاولت أشوفك .. بلاش نضعف أكتر من كده ..
غادة : خلينا نتقابل ولو مرة كل شهر ..

سكت سعيد طويلا .. وقد شعر برغبة شديدة فى مجاراتها فيما تطلب .. هو أيضا لا يقوى على البعاد عنها .. هو يريد أن يراها ليس مرة فى الشهر .. بل لا يريد أن تغيب عن عينيه لحظة واحدة ..
تكلما كثيرا عن شوقهما . تكلما كثيرا عن المستقبل .. عن امنيتهما ... وانهيا المكالمة على وعد للقاء .. وان كان عقليهما يرتجف من مغبة هذا اللقاء .. ولكن قوبهما قد أمرت .. وما لسلطان القلب من رادع ..

----------------------------------------------

خرج سعيد من حجرته بوجه غير الذى دخل به بعد أن انهى مكالمة غادة .. كان باقى افراد اسرته قد انهى طعامه وقام من على طاولة الطعام ما عدا صفية التى كانت تجلس فى انتظار عودته وقد حدثتها نفسها بعد قراءة وجه ابنها ان المكالمة لا محالة آتية من غادة .. فأم سعيد هى من ربته .. وتحفظ ابنها وتصرفاته وردود فعله عن ظهر قلب .. لذا كانت على شبه يقين بما ظنت .. خصوصا بعد أن خرج عليها سعيد من حجرته بوجه باش تكاد البسمة وقسمات وجهه تدلى بما يحاول اخفاؤه عن الدنيا ومن فيها .. وخصوصا بعد ان جلس بعيدا عن طاولة الطعام شاردا بسعادة ولم ينوى ان يستكمل طعامه الذى لم يكد يتناول منه لقيمات قليلة .. فقد شبع بعد أن امتلأ قلبه سعادة بسماع صوت محبوبته ..

نظرت اليه صفية وملئ عينيها الغضب والحزن واللوم : ايه يا سعيد .. مش ناوى تكمل غداك ..؟
انتبه سعيد الى سؤالها : هه .. آه .. طبعا .. ده أنا جعان أوى .. ثم تحرك الى الطاولة وهو يحاول ان يبدو طبيعيا ويمحوا ابتسامته البلهاء من على وجهه ..
صفية : كنت بتكلم مين وراجع من مكالمته مبسوط أوى كده ..؟
سعيد وهو مازال يحاول أن يكون طبيعيا : ده واحد صاحبى .. دمه خفيف شوية كل كلامه قفشات ..

صفية وقد تحولت نبرتها من اللين الى الصرامة : انت من امتى بتكدب على امك يا سعيد .. ؟!! انت كنت بتكلم غادة مش واحد صاحبك .. قالتها صفية وهى غير متأكدة من ظنها .. ولكنها ارادت ان تفاجأ ابنها لترى ردة فعله فتتيقن من ظنونها .. هى فى النهاية لن تخسر شيئا من محاولة الكشف عن الحقيقة .. هل ولدها لا يزال على علاقة بغادة أم قد صدق وعده معها وانهى علاقته بها .. فضلا عن مشاعرة ناحيتها ..
سعيد وقد سقطت اللقمة من يديه من مفاجأة صفية له .. فنظر اليها نظرة خاطفة .. لم يستطع بعدها أن يكررها واطرق برأسه الى الطبق أمامه وهو يقول بصوت مهتز متلعثما : غادة ..؟!! هو ايه اللى جاب سيرة غادة دلوقتى ..؟!!

سكتت صفية بعد ان ارتبكت قليلا .. لا تعلم هل اخطأت بهجومها عليه ..؟!! .. كانت تبحث خلال لحظات الصمت عن رد مقبول .. لكنها وجدت نفسها من جديد تلقى النصيحة الخالصة التى تقنع بها ولدها أن ارتباطه بغادة أو بعائلتها على وجه الخصوص هو من مستحيلات الدنيا .. فحتى ان كانت غادة تبادله شعوره أو اكثر .. فانه من المستحيل أن توافق اسرتها على هذا الارتباط .. وليس السبب فى ذلك أن سعيد فقيرا . أو دون مستواهم .. وانما السبب الرئيسى فى ذلك هو ان صفية قد عملت لديهم فى يوم من الأيام كخادمة .. فهناك من العائلات من توافق لفتياتهن بشباب من عينة سعيد .. شاب متعلم .. طموح .. مشهود له بالخلق الحسن .. أما كونه فقيرا .. فهذا شيئ لا يعيبه .. المستقبل أمامه ليصبح فى يوم من الأيام ميسور الحال .. وذو مكانة فى المجتمع .. بل هناك من العائلات من يقف بجوار هؤلاء الشباب ويعطونهم دفعة فى بداية حياتهم حتى يتحقق لهم النجاح .. وفى النهاية يحصدوا جزاء وقفتهم معه فى السعادة التى تعيش فيها ابنتهم معه ..

تكلمت صفية أخيرا بعد أن لاحظت وجوم سعيد وسكوته كأنه يعلن عن صدق حدسها : اسمع يا سعيد .. محدش يابنى بيختار أمه ولا أبوه .. ولا حد بيختار بيئته اللى اتخلق وعاش فيها .. واحنا يابنى ناس وهما ناس تانية خالص .. وده مش معناه ان هما احسن مننا ولا احنا اقل منهم .. والعيب لاهو فينا ولا فيهم .. انت يا سعيد فيه عيلات كتيرة زى عيلة غادة تتمناك لبناتهم .. بس مش عيلة غادة .. والسبب يابنى هو أنا .. أنا لو مكنتش اشتغلت عندهم الشغلانة دى .. كان ممكن يابنى يرضوا بيك .. وحتى لو كان عندهم استعداد انهم يقبلوك .. مش حيقدروا يا حبيبى .. علشان احنا فى وسط ناس بترفض حاجة زى دى .. والناس دى هى اللى حتلومهم وتتكلم عليهم لو وافقوا على جوازة زى دى .. وأهل غادة يا حبيبى معندهمش اللى يجبرهم على انهم يتحملوا كلام الناس .. لانه كلام حيوجعهم أوى يا سعيد .. الناس يابنى مش حتسيبهم فى حالهم .. وحيقولوا انهم مجبرين على الجوازة دى لان بنتهم غلطت معاك ..

نظر اليها سعيد وقد جحظت عيناه من الغضب مما نعتت به غادة على لسان الناس .. فهو لا يتحمل ان يمسها ادنى وصف بأدنى سوء .. فقالت صفية مؤكدة على ما تفكر به باصرار : أيوة يا سعيد ده اللى حيتقال يابنى .. وانت لو بتحبها حقيقى ميرضكش يتقال عليها كده .. سكتت قليلا تفكر فيما تضيفه حتى تقنع ابنها بنسيان حبه لغادة وان ينهى احلامه فيها بنفسه .. فهى احلام من وجهة نظرها مستحيل تحقيقها ..ثم قالت : انت مش وحش يا سعيد ولا شوية يابنى .. والف مين يتمناك .. بس مش دول يابنى .. وانت عارف السبب وقلتهولك .. دور على اللى من توبك يا سعيد ومتتعلقش فى الحبال الدايبة يابنى وتعلقها معاك .. والكلام ده انا قولتهولك قبل كده يا حبيبى .. البنت لسة صغيرة وقلبها لسة أخضر ومش فاهمة اذا كانت بتحب ولا عايزة تحب وتتحب وخلاص ..

اقتربت صفية من ابنها وجلست الى جانبه وهو مازال صامتا مطأطأ رأسه الى الأرض .. يشعر مع كل كلمة تقولها بطعنات تدمى قلبه وتحطم احلام مستقبله مع غادة .. لتتكلم صفية من جديد : انت وعدتنى يا سعيد قبل كده انك تنسى موضوع غادة ده .. بس الظاهر انك نسيت وعدك ده .. وأنا متعودش منك انك متوفيش بوعدك معايا يا حبيبى ..

تكلم سعيد أخيرا وكأنه يريد ان يلقى من فوق كاهله حملا ثقيلا لا يقوى على حمله .. وكأنه يريد أن يجد مبررا لضعفه أمام هذا الحب .. وكأنه يريد أن ينال دعما من أقرب الناس اليه : صدقينى يا أمى .. حاولت .. والله حاولت .. بس مقدرتش .. أوعى تفتكرى انى مفكرتش فى كل كلمة قولتيها .. .. أنا يا أمى بتعذب ليل نهار ما بين حبها اللى مش قادر اشيله من قلبى وبين عقلى اللى مستوعب كويس كلامك وعارف انه الحقيقة .. ومش عارف أعمل ايه .. هى كمان صعبانة عليا .. ولما بقول لنفسى انى راجل والمفروض اقسى على قلبى .. بلاقيها قدامى بتلومنى على انى اتخليت عنها .. هى كمان يا أمى بتحبنى أوى .. ومقدرش اكسر قلبها بسهولة ..

نظرت صفية الى ولدها تتعجب من أمر الحب الذى داهم قلبه كأنه سلطان جائر .. يحكم وينهى فى أمر ابنها ولا راد لحكمه .. هى بفطرتها وبيئتها وما مر بها فى الحياة لا تعرف الكثير عن الحب الذى يحياه ابنها .. هى امرأة بسيطة .. تقدم لها رجل فى مقتبل العمر ليتزوجها .. وافق اهلها ولم تخالفهم وقد تربت على ان هكذا تتزوج البنات .. احبت زوجها بعد الزواج من منطلق ومفهوم ومبررات تختلف عمن يحكى عنه سعيد .. أحبته من حسن معاشرته ولأنه هو حامى حماها وأبو أولادها .. هو من يشقى ويتعب من اجلها واجل اولادها ليوفر لهم المأكل والملبس والمسكن .. فالحب فى نظرها هو الأمان .. تلك هى الاسباب التى من اجلها شعرت بالحب تجاه الرجل الوحيد فى حياتها .. وحزنت عليه كثيرا بعد وفاته لانها بفقدانه قد فقدت الأمان ... فاضطرت لحمل المسئولية وحدها لتحافظ على امانها وامان ابناءها .. لكن هذا الحب الذى تراه فى عيون ابنها هى لا تعلم عنه شيئا ولكنها تشعر بانه خطب جلل لكى يفعل بولدها ما تراه عينيها وكأنه مسحور .. سحرته جنية اسمها غادة ..

مع ما تراه صفية من ولدها الجالس امامها وكأنه انسان آخر غير الذى ربته ..لم تجد صفية كلاما تقوله اكثر مما قالت الآن .. ومن قبل .. فقالت : لا حول ولا قوة الا بالله .. طيب وبعدين يابنى .. ايه العمل .. ؟
سعيد متسلحا بالأمل : احنا اتفقنا اننا منتكلمش أو نتقابل لغاية ما اقدر اقف على رجلى واقدر افتح مكتب ولو صغير .. تكون هى كمان خلصت سنة ولا اتنين من دراستها .. و .... سكت سعيد يريد أن يقول كلاما ربما يغضب امه .. لكنها سألته .. و .. ايه ياسعيد ..؟!
رد سعيد بتلعثم : وتكونى انتى سيبتى الشغلانة دى عندهم .. ساعتها يمكن الأمور تكون متغيرة بالنسبة لهم ويوافقوا علي لبنتهم ..

اطرقت أم سعيد برأسها الى الأرض فى حزن وأسف وقالت : ودى حاجة ممكن تتنسى يابنى .. انت بتضحك على نفسك يا سعيد .. حتى لو بطلت الشغل عندهم من بكرة .. ولو مرت سنين .. الموضوع مش حيتنسى يابنى .. مش حينسوا انى كنت عندهم خدا .....

اسرع سعيد ووضع يده على فم امه .. لا يريد سماع كلمة خادمة من فيها .. يكفيه انه لا ينسى ذلك ليل نهار .. لكن صفية لم ترحمه وقالت : شوفت يا سعيد الكلمة بتوجعك اد ايه .. أهو يا حبيبى على اد ما بتوجعك .. على اد ما هى كبيرة عليهم انك حتى تفكر انك تتقدم لبنتهم .. أنا يا سعيد معنديش كلام اقولهولك اكتر من كده .. فكر كويس يا حبيبى .. وفى النهاية اعمل اللى يرضى ضميرك ..

ربتت أم سعيد على فخذ ابنها برفق ثم قامت من جواره تحمل اطباق الطعام من على الطاولة لتدخل الى المطبخ وقد غلبتها دموع عينها وأخذت تبكى على حال ابنها فى صمت ..

ظل سعيد جالسا يفكر فى مصابه .. كان يحتاج الى كلمات امه لتجعله يفيق من وهمه .. وبالرغم من انه قد حزم أمره بعد ساعتين من التفكير العميق فى ان يقسو على قلبه ويبتعد عن غادة .. الا ان همه الوحيد قد أصبح فى كيف ينهى تلك العلاقة .. كيف يقنع غادة باستحالة ان يكون لها وتكون له .. قام ودخل الى حجرته متثاقلا .. يجر قدميه جرا .. وكأنه اصبح فى عمر الكهولة .. جلس مستلقيا فوق سريره ..يفكر فى الخطأ الذى ارتكبه عندما ضعف وكان يذهب الى مدرسة غادة فى الصباح ليراها خلسة .. فلولا فعلته هذه .. ولولا انها قد اكتشفت ما يفعله لكانت الأمور الآن مستقرة .. وكانوا لا يزالون على عهدهم وما قد اتفقوا عليه .. وما كانت امه قد لاحظت سعادته بعد مكالمته مع غادة وفتحت عليه من جديد نيران اللوم وأحرقت كل آماله واحلامه هو وغادة .. كان يلوم نفسه .. فهى البنت التى تصغره بأعوام قد حافظت على اتفاقهما ولم تتهور وتحاول انه تراه أو حتى تطلبه تليفونيا طوال الفترة السابقة .. وهو الرجل قد زلت قدمه فى هذه الغلطة ليدفعها ان تطلبه .. بل وتطلب لقياه ..

ظل على حاله طوال الليل ولم يشعر الا بآذان الفجر الأول ولم تغفل له عين أو يضع لقمة طعام فى جوفه منذ تكلم مع امه ..

قام من سريره وهو يستغفر ربه على انه لم يصلى منذ الأمس صلاة المغرب والعشاء .. دخل الى الحمام ليتوضأ .. ثم خرج من البيت الى المسجد .. صلى المغرب والعشاء .. ثم اذن آذان الفجر فوقف مع المصليين يصلى ويطيل الدعوات فى سجوده ان يعينه الله على ما هو مقبل عليه .. جلس قليلا بعد الصلاة يدعو الله اكثر وأكثر .. ثم خرج من المسجد يسير فى الشوارع الخالية بعد الفجر .. فرجع الى البيت من أطول طريق يمكنه العودة منه ..

كان قد اتفق مع غادة ان يلتقيا اليوم فى الشارع خلف المدرسة .. فقد أخبرته ان الحصة الأولى لها اليوم هى حصة الألعاب .. ويمكن ان تقضيها معه ثم يذهب الى العمل وتعود هى الى المدرسة ..

كانت صفية قد اعدت له افطارا ووضعته على طاولة الطعام .. وبمجرد ان دلف من باب الشقة حتى قالت له صفية : انا جهزت لك الفطار .. يا ريت تقعد تفطر قبل ما تروح شغلك .. انت على لحم بطنك من فطار امبارح يابنى ..
سعيد بهدوء : حاضر يا أمى .. ثم جلس على طاولة الطعام وجلست هى أمامه .. ولكنه لم يستطيع ان يتناول اى من الطعام .. فصنعت له صفية ساندوتش وناولته ايه وهى تقول : وغلاوتى عندك يا سعيد تفطر ومتوجعش قلبى عليك يا حبيبى ..
تناول سعيد منها الساندوتش وقال لها : ممكن اطلب منك حاجة يا أمى ..؟
صفية : أطلب يا حبيبى .. لو تطلب عنية محشهومش عنك ..
سعيد بتردد : ممكن تسيبى الشغل عند أهل غادة .. كفاية لحد كده شغل .. أنا دلوقتى الحمد لله مرتبى يقدر يصرف على البيت واخواتى ..

سكتت أم سعيد ولم ترد وهى تفكر فى طلب ابنها الذى تراه غير منطقى ... فهى من ناحية لا تشتكى من العمل خصوصا مع عائلة غادة الذين يعاملونها وكأنها فرد من العائلة .. ومن ناحية أخرى هى تشعر بمدى المسئولية التى سوف تلقيها على ابنها وهو الذى يحتاج الى كل قرش من عمله ليستطيع تكوين نفسه وعمل مستقبله الذى يحلم به ..

تكلم سعيد مرة أخرى يسألها : قلتى ايه يا أمى ..؟
صفية : قلت لا اله الا الله يابنى .. تفتكر المشكلة فى شغلى .. ؟!! لا يا سعيد .. المشكلة يابنى مش فى شغلى .. لان اللى حصل حصل .. وبقى اسمى بشتغل أو اشتغلت فى يوم من الأيام عندهم .. يعنى مش حتفرق كتير دلوقتى .. الحل يا حبيبى فى انك تقوى على قلبك وتنهى الموضوع وكأنه ما كان .. وبعدين انت متخيل انك حتقدر تصد على مصاريف البيت وطلبات اخواتك اللى مبتنتهيش .. الشيلة لسة تقيلة يا حبيبى .. وانت محتاج كل قرش علشان تعرف تكون مستقبلك .. استهدى بالله يا حبيبى وبلاش الشيطان يلعب بيك .. شغلانتى عمرها ما كانت عيب ولا حررام .. ومش ممكن ألاقى ناس ولاد اصول زى الست امينة وعيلتها بيتعاملوا معايا على انى واحدة منهم .. استهدى بالله .. ولسة قدامنا وقت نفكر فيه فى الصالح للجميع ..
سعيد بضيق : بس أنا يا أمى مبقتش قادر على الوضع ده .. مهو مش معقول انا ابقى بشتغل مهندس فى شركة الناس اللى انتى بتشتغلى عندهم خ ......
لم يستطع سعيد ان يكمل كلمته التى جرحت امه كثيرا .. بل وجرحته هو قبلها ..

نظرت له صفية بلوم .. ولكنه اردف .. يا أمى .. ده أنا بقيت اقرب صحاب لأمير .. وبيتعامل معايا كويس جدا .. بس أنا اللى بتعذب فى وضعى معاه ومع ابوه فى الشركة .. بالله عليكى يا أمى تريحينى وتبطلى الشغلانة دى خالص عندهم أو عند غيرهم .. واوعدك انى لا حكل ولا أمل من البيت ومصاريفه .. واطمنى .. المهندس خالد زى ما وعدنى .. بيدينى شغل للشركة انفذه على انى مقاول .. يعنى بيطلع لى فلوس ودخل اضافى من الشغل .. وشوية شوية حقدر افتح مكتب وآخد شغل منه ومن شركات تانية .. يعنى الحال حيتغير وحنبقى مش محتاجين لحد ولا محتاجين انك تشتغلى ..
صفية بلوم وتقريع : يعنى تبقى هى دى جزاة الناس اللى بتقف جنبك وبتساعدك .. يبقى جزاتهم انى اسيبهم وهما محتاجين ليه .. الست أمينة يابنى متقدرش على شغل البيت لوحدها .. وكمان صعب تتعود على حد غيرى .. وأنا بصراحة مقدرش أخلى بيها .. حتى لو حساعدها من غير فلوس .. دى عشرة عمرى يابنى .. وعمرى لازعلت منها ولا زعلتها .. سكتت قليلا ثم اردفت : يا سعيد فيه حاجات مع الوقت بتبقى جزء من حياتك ومبتقدرش تغيره .. صدقنى يابنى مش حقدر انفذ لك طلبك ده .. حاول تفهمنى يا سعيد .. حاول يابنى ....

لم يستطع سعيد أن يقنع امه بترك العمل عند عائلة غادة .. فبالرغم من انه قد قرر ان ينهى العلاقة مع غادة .. الا انه كان عنده أملا بعيدا أن تنهى امه عملها كخادمة فى البيوت لعله يأتى اليوم الذى ينسى فيه الناس مهنتها تلك .. ويكبر هو للدرجة التى يستطيع فيها ان يتقدم لغادة وتقبل به اسرتها .. كان لا يزال متعلقا بهذا الأمل .. أن تكون غادة من نصيبه فى النهاية ..
---------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس