عرض مشاركة واحدة
قديم 15-03-21, 08:37 PM   #27

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي ما بعد البداية - الفصل الحادى عشر

ما بعد البداية
الفصل الحادى عشر (فشل وأحزان)

مرت الشهور الأولى من زواج أمجد ونهلة رتيبة مملة .. فقد كان زواجهما اقرب الى عقد شراكة بينهما منه الى الزواج .. زواجا خاليا من العاطفة .. زواجا قائم على المصلحة الغير معلنة .. فكلاهما اراد الزواج من الآخر لمجرد غرض فى نفسه .. فماجد اراد عمل اسرة .. أراد ان ينجب أولادا يسعدون صحراء أيامه القاحلة .. الخاوية من كل حياة .. يريد اولادا ربما يغيروا من رتابة حياته والحرمان من الاسرة التى لطالما حلم بها طويلا مع نيفين فى خياله ..أما نهلة فأرادت أن تهرب من واقعها المخزى .. وتتخلى عن عنوستها التى تراها تطل عليها دائما من عيون من حولها .. وفى نفس الوقت اردات ان تحقق طموحها المهنى ويكون لديها شركة تديرها كما تمنت دائما وكما تريد ..

لم يسفر زواجهما فى تلك الشهور عن وجود حمل مرتقب .. وبالرغم من أن أمجد كان متحمسا لفكرة الانجاب والأولاد .. الا ان نهلة كانت على النقيض .. فقد كانت متحمسة كعادتها الى العمل .. والعمل فقط .. خصوصا بعد ان اصبحت جزءا من الادارة بشركة زوجها .. بل أصبحت تقريبا هى الآمر الناهى بالشركة .. بعد أن فقد أمجد حماسه لكل شيء .. ولم يبقى له سوى فكرة الانجاب كرغبة مستقبلية ربما تبعث فيه حياة سعيدة .. بعيدا عن ذكرياته التى لم ولن ينساها مع نفين .. حبه الأزلى .. هذا الحب الذى لازالت تزكيه عدم قدرة نهلة على ان يحبها وتكون هى الحب البديل الذى يحل محل حبه لنيفين ..

عاد امجد من الشركة مبكرا .. ففى الشركة شعر باجهاد وهبوط بعد ان طلب نهلة قبل ان يغادر على تليفون مكتبها الداخلى فردت عليه ببرودها المعتاد : أيوة يا أمجد .. فيه حاجة ..؟
أمجد وقد تعود على اسلوبها البارد وعدم اهتمامها بأموره : أنا حاسس انى مجهد شوية .. ممكن نروح البيت دلوقتى .. ؟

نهلة ببرود وهى تتفحص لوحة هندسية أمامها : لا مش حينفع بالنسبة لى دلوقتى .. ممكن تروح انت وأنا ححصلك بعد ما اخلص شوية شغل فى ايدى ..

تجاوز امجد صدمته فى ردها .. فقد أصبح شبه متعود على تلك الردود والتى بدأتها نهلة معه مبكرا منذ الزواج .. فرد عليها بنفس برودها : زى ما تحبى .. خلصى وتعالى براحتك ..
دلف الى البيت وهو يفكر فى حياته بعد الزواج وقبله .. شعر انه اخطأ او قد تسرع فى قرار الزواج .. أو على الأقل فى خطوة الزواج من نهلة .. كان لابد أن ينتظر قليلا ليعطى نفسه فرصة على معرفة المزيد عنها وعن طباعها واولوياتها .. فمن الواضح انه لم يكن من اولوياتها .. أو بالأحرى رغباتها .. الزواج وانجاب الأولاد .. نهلة لم تحبه .. نهلة لا تحب سوى عملها .. أو ربما لم تحب سوى خطيبها السابق .. وتهرب فى العمل من ذكرياتها معه .. تماما كما حاول هو أن يهرب بالزواج من ذكريات حبه لنيفين .. ذلك الحب الذى لم ينتهى من قلبه بعد .. ولا يريده ان ينتهى ..

جلس أمجد على احدى المقاعد بعد ان أعد لنفسه كوب من العصير .. ارتشف بعضا من العصير ليزيل عن جسده بعض الوهن والاجهاد الذى يشعر به .. ثم لم يجد نفسه الا وهو ينظر الى تليفونه .. يفكر أن يطلب خالد .. ربما يجد فى الحديث معه بعض السلوى .. ولكنه بعد أن طلب خالد وجد تليفونه مشغولا .. فوقعت عيناه على رقم نيفين .. تردد فى البداية أن يطلبها .. ولكنه فعل رغم ارادته ..

ردت نيفين بتوتر واضطراب بعد عدة رنات كانت خلالها تنظر الى رقم الطالب لا تصدق عينيها اسم أمجد الذى ملأ عينيها قبل شاشة التليفون .. فى حين كان قلبها يدق بشدة .. وكأن الذكريات عادت بها الى أول لقاء نبض فيه قلبها بحبه : ألو ..
أمجد بتلعثم : ألو .. نيفين .. ازيك ..

نيفين بقلب ازدادت ضرباته بشدة ومع كل نبضبة منه يزداد احمرار خدودها وكأنها لازالت فتاة التاسعة عشر التى وقعت عليها عينيه فأشعلت لهيب خدودها : الحمد لله .. ازيك انت يا أمجد ..
أمجد : الحمد لله على كل حال ..
نيفين : مالك يا أمجد .. صوتك مش مبسوط ..
أمجد : مش مبسوط .. مش مبسوط يا نيفين .. بس مش ده المهم .. طمنينى عليكى .. انتى عاملة ايه .. ؟
نيفين : عايشة .. ثم ضحكت بسخرية .. او بحاول اتعايش مع وضعى الجديد ..
شعر أمجد بتقريعها له .. فهو من وضعها هذا الموضع الذى تتحدث عنه بعد ان خلت حياتها منه ومن احاديثه معها .. فقال لها مواسيا : أنا بقى مش عايش بالمرة يا نيفين ..
نيفين : ليه بتقول كده يا أمجد .. المفروض انك تكون سعيد بعد جوازك ..
أمجد : حتصدقينى لو قلت لك ان جوازى سبب لى تعاسة أكبر من اللى كنت عايشها قبل ما اتجوز ..

سكتت نيفين .. لم تجد ما تقوله .. لكنها فى قرارة نفسها شعرت بشيء من السعادة .. فهاهو حبيبها يعترف بطريقة غير مباشرة انه لم يعشق سواها .. حتى بعد أن تزوج ..
أمجد : طمنينى على كمال .. عامل ايه دلوقتى ..؟
نيفين بحزن : زى ما هو .. مش عايز يشتغل .. وعلى طول قاعد لوحده .. اتكلمنا معاه كتير .. حاولنا نقنعه بان اللى بيعمله فى نفسه وفينا ده مش صح .. بس هو مش شايف فى الدنيا غير نهلة .. انتبهت نيفين انها تتحدث عن زوجته .. فبادرت مسرعة : أنا آسفة يا أمجد .. مش المفروض أقولك كلام زى ده .. خصوصا ان نهلة دلوقتى مراتك ..
قاطعها أمجد : متعتذريش يا نيفين .. أنا مقدر اللى هو فيه .. ولو أنا اللى مقدرش مين اللى حيقدر مشاعره دى .. أنا اكتر واحد ممكن يعذره .. بس اللى صعبان على انه ميعرفش نهلة كويس .. وانها متستحقش حبه ده .. نهلة يا نيفين متقدرش تحب غير انسان واحد بس .. هو نهلة ..

شعرت نيفين انه يتكلم عن نهلة وكأنها ليست زوجته .. هو لا يغيير عليها .. بل على استعداد أن يفصح للآخرين عن عيوبها .. فمن الواضح انها قد اتعبته فى الشهور القليلة التى ارتبط بها واكتشف فيها ما قد احزنه منها وجعله يندم على اتخاذ خطوة الزواج منها .. وهى خطوة فى شريعتهم ليس فيها رجوع .. فزواجه منها أبدى .. مثلما كان زواجه من نيفين ولا يزال مستحيلا ..
لكن نيفين ارادت ان تستفزه لتعلم حقيقة مشاعره تجاه نهلة فقالت : أفهم من كده انك لو كنت حسيت بحب نهلة لك كان موقفك حيتغير من ناحيتها ..ومكنتش فكرت تتصل بي دلوقتى ..؟

ألجم السؤال أمجد ولم يجد ردا على سؤال نيفين المنطقى .. شعر انه كان يجب ان يسأل هو نفسه هذا السؤال قبل أن يقرر ان يطلب نيفين .. أو يقرر أن يبوح لها بضيقه من زواجة من نهلة ..
عندما لم تتلقى نيفين ردا من أمجد .. بادرت لترفع عنه الحرج من سؤالها : الاجابة وصلت يا أمجد .. بس أنا مش زعلانة منك .. واضح انك مش ناقص ضغط من أى حد أكتر من الضغط اللى انت فيه .. بس أنا مقدرش أشوفك فى حالة الضيق دى .. انت لازم تحاول معاها .. لازم تكمل اللى ابتديته وتعيش الحياة اللى علشانها قررت انك تتجوز ..
أمجد : أنا آسف يا نيفين .. الظاهر انى فعلا مضغوط اليومين دول .. مكنش المفروض اطلبك وأنا فى الظروف دى ..
نيفين : متتأسفش يا أمجد .. لو مش حتتكلم معايا وانت مضايق .. حتتكلم امتى .. طبيعى اننا نتكلم واحنا فى الظروف دى . على الأقل الكلام مع حد انت بتحبه وبتستريح معاه بيريح .. بس أنا بتمنى انك تستريح فعلا يا أمجد لما تحقق هدفك من الجواز .. انت كان نفسك تكون اسرة ويكون عندك ولاد .. ودى ابسط حقوقك اللى المفروض تحققها من جوازك .. انت تعبت كتير فى حياتك .. واتحرمت من الحياة الطبيعية اللى المفروض كنت تعيشها .. علشان كده لازم تكمل الى ابتديته مع نهلة .. بالرغم انى مش عارفة بالظبط ايه اللى تاعبك مع نهلة .. بس انت لازم تتكلم معاها وتعرف ايه مشكلتها وتحاول توصل معاها للحلول اللى ترضيكم انتم الاتنين ..
أمجد : زى ما قلت لك .. نهلة مش مهتمة غير بالشغل وبس .. وكان المفروض انى اكتشف ده من الفترة البسيطة اللى عرفتها فيها قبل الجواز .. شخصيتها وطبيعتها كانت واضحة .. بس الظاهر انى كنت مستعجل انى احقق رغبتى فى انى يكون عندى ولاد .. ساعات بحس انها اتجوزتنى علشان تكون صاحبة شركة .. بتقضى معظم وقتها فى الشغل .. بتخرج كل يوم الصبح وبترجع البيت بالليل .. مش بلاقى وقت حتى اتكلم معاها فى حياتنا الشخصية .. تخيلى انها من ساعة ما اتجوزنا مدخلتش المطبخ مرة واحدة .. لحد دلوقتى مكلتش من ايديها اكلة واحدة .. ده أنا حتى معرفش اذا كانت بتعرف تطبخ ولا لأ .. أكلنا كله من المطاعم .. مفكرتش مرة واحدة تعمل عزومة فى البيت بالرغم من ان كتير من صحابنا عزمونا فى بيوتهم .. والأكل كان من عمل ايدين ستاتهم .. بترفض تكون أى علاقة مع أى حد زى كل الناس ما بتعمل .. حاولت اقربها من أمينة مرات خالد واسرتها .. قلت يمكن أمينة تغير من طباعها دى شوية .. ردت على وقالتلى انها وامينة مختلفين ومش ممكن انها تصاحب واحدة بعقلية ستاس البيوت اللى اكبر طموحهم ضل راجل ولا ضل حيطة .. تصدقى يا نيفين انها تقول كده على امينة اللى كلنا بنحترمها وبنعتبرها أعقل واحدة فى معارفنا .. سكت للحظات يلتقط انفاسه ثم اردف بإنكسار : للأسف .. نهلة يا نيفين معندهاش وقت غير للشغل والمشاريع .. من ساعة ما اتجوزنا عمرنا ما قعدنا سوا نتكلم عن حياتنا ..

كان أمجد يتكلم وكأنه بالونة فاضت بما فيها .. ملئت على آخرها ولم تعد تتحمل ان تبقى ما بداخلها أكثر مما فعلت .. وكانت نيفين تستمع له غير مصدقة ما يقوله .. فهو لم يكد يمر على زواجه سوى اشهر قليلة ويعانى بشدة .. كانت توافقه على ان نهلة مخطأة فى حقه وحق نفسها .. فأى زواج هذا .. وأى انسان يتحمل تلك الحياة ..؟!! فهى وبالرغم من انها لم تحب زوجها السابق ولو قيد انملة .. لكنها راعت الله فيه وقامت بواجباتها الزوجية نحوه ونحو اسرتها حتى توفاه الله .. ولم تشعره يوما بنقص فى حياته ..

سكت أمجد بعد أن افرغ كل ما فى جعبته وما يعانى فى زواجه القصير .. ثم عاود وتكلم : عارفة يا نيفين .. كل اللى حكيتهولك ده مش مضايقنى .. أنا حياتى قبل وبعد نهلة متغيرتش كتير .. عايش نفس الوحدة ونفس الحرمان .. لكن اللى مضايقنى فعلا هو موضوع الولاد .. أنا اتجوزت علشان يكون عندى ولاد اربيهم ويورثونى .. بس هى معندهاش رغبة للموضوع ده بالمرة .. وتقريبا مش عايزة ..
نيفين : اسمع يا أمجد .. أنا سمعتك كويس .. وعذراك فى كل اللى قولته .. بس فى نفس الوقت أنا سمعت من طرف واحد .. مش معنى كلامى ده انى مش مصدقاك .. بالعكس أنا مصدقة كل كلمة انت قولتها .. بس فى نفس الوقت أكيد نهلة عندها كلام .. وعندها مبررات لتصرفاتها دى .. علشان كده لازم تسمعها .. لازم تخليها تقول اللى عندها .. أنا حاسة ان فيه حاجة هى اللى بتدفعها للتصرفات دى .. حاسة ان موضوع الشغل واهتمامها الزايد بيه نوع من الهروب من مشكلة هى بتواجهها .. لازم تتكلم معاها كصديق مش كزوج .. لازم تحطوا اديكم على المشكلة وتلاقوا لها حل ..
أمجد : صدقينى يا نيفين .. معنديش استعداد فى الوقت الحالى انى اتكلم معاها .. حاسس ان كلامى معاها حينهى كل اللى بينا .. وانت عارفة ان النهاية معناها اننا نفضل متعلقين .. لا حنبقى متجوزين ولا منفصلين .. وساعتها حفقد حلم الولاد للأبد ..
نيفين : اهدى يا أمجد .. متتكلمش معاها الا لما تحس انك عندك استعداد للكلام فى هدوء .. وانك حتقدر تتكلم معاها وتسمعها كصديق .. كواحد تانى غير جوزها اللى مضايق منها ومن تصرفاتها .. متتكلمش معاها غير وانت عندك رغبة كبيرة فى انك تحل مشكلتها .. مش مشكلتك انت .. فاهمنى يا امجد ..؟
أمجد : معقول .. معقول انتى اللى بتنصحينى بالكلام ده يا نيفين ..؟
نيفين : معقول جدا يا أمجد .. مين غيرى حبك أكتر منى فى الدنيا ..؟ مين غيرى يهمه مصلحتك وسعادتك .. سكتت لحظة ثم اكملت : احنا كبرنا يا أمجد .. صحيح الغيرة عليك لسة موجودة .. بس العقل اصبح بيقدر يتحكم فيها .. الحب بتاع زمان اللى مليان غيرة وشوق وانانية بيهدى شوية شوية .. وبيحل مكانه حب عاقل هادى رزين .. نبدى فيه المصلحة عن الأنانية ..
أمجد : عمرك ما حتكبرى فى نظرى أبدا يا نيفين .. انتى لسه بالنسبة لى زى ما انتى .. البنت اللى عينى وقعت عليها فى الكلية لأول مرة وخطفت عقلى وقلبى ببساطة لبسها وشعرها الأصفر الملموم على جنب .. وضحكتها اللى ملت وجدانى وهى واقفة تتكلم مع البنات حواليها ومش واخدة بالها منى خالص .. ولما عنيها جت فى عنيه بالصدفة .. وشها جاب الون من الخجل وبصت فى الأرض .. وبعدين بصتلى تتأكد انى لسه موجود وببص لها بأعجاب شديد ..
نيفين وقد اذابت كلماته وجدانها : ياه يا أمجد .. انت لسة فاكر تفاصيل أول مرة ..
أمجد : فاكرها يا حبيبتى .. وعمرها ما راحت من خيالى أبدا ..

مرت الدقائق التالية بين امجد ونيفين فى ذكرياتهما الجميلة .. شعر كل منهم ان الحب الطويل بينهما بعد هذا العمر قد تحول الى صداقة حميمة .. وان كانت لا تزال قلوبهما تخفق لمجرد ذكريات ..

-------------------------------------------------------------

دخل شريف مسرعا الى المشفى حيث كان يرقد خميس والد حبيبته فى غرفة العمليات .. عرف نفسه الى احد الأطباء الذى عندما علم بمن يكون ومن هو والده اسرع به الى مدير المشفى .. الذى رحب به بشدة فطلب من شريف الاطمئنان عن حالة عم خميس .. فاصطحبه المدير الى غرفة العمليات حيث كان الأطباء يقومون باسعاف خميس ومحاولة انقاذه من النزيف الداخلى الذى اصابه جراء الحادث علاوة على الكسور والرضوض التى لحقت به ..

مرت ساعتين استطاع فيهم طاقم الاطباء السيطرة على النزيف .. فى حين اتخذوا قرارا باجراء العمليات الأخرى بعد استقرار الوضع ..

سأل شريف مدير المشفى عن نقل خميس الى احدى المستشفيات الخاصة حيث يتلقى رعاية اكبر ولكن المدير نصحه بعدم نقله فى الوقت الحالى مخافة ان تسوء الحالة وتحدث له مضاعفات لا تحمد عقباها .. ووعده ببذل كل الجهد للحفاظ عليه .. لذا تم نقله الى غرفة العناية المركزة ..
كان شريف فى هذه الاثناء مترددا فى ان يخبر بسمة بما حدث لوالدها .. هو يعلم انها ربما تكون الآن مع والده .. وبالتأكيد هى فى حالة نفسية لا تسمح لها ان تتلقى خبرا مشئوما كخبر حادثة ابيها ..

التقى شريف مرة أخرى بالطبيب المعالج لعم خميس للاستفسار عن حالته .. علم منه ان الحالة خطيرة وغير مستقرة وانه ربما يعاوده النزيف مرة أخرى .. ثم طلب منه الطبيب ان يدعوا له ..

شعر شريف بانقباض فى قلبه وأصبح فى حيرة من أمره .. لا يعلم ماذا يفعل .. لكنه فى النهاية
طلب من الطبيب رؤية عم خميس .. خاف ان يحدث له مكروها وهو بمفرده .. تمنى لو ان يفيق ولو لحظات يطمئنه انه بجواره وبجوار اسرته وانه لن يتركهم أبدا .. أراد أن يلتقى بذلك الرجل الرائع الذى علم سيرته الطيبة من بسمة و الذى أهداه هذا الملاك الذى أنار حياته وملأها سعادة وبهجة .. وأسعد قلبه سعادة لا يشعر بها سواه ..

وافق الطبيب بعد محاولات مضنية من شريف على أن يلقى نظرة عليه ..

دخل شريف حجرة العناية المركزة يجر رجليه جرا .. لم يكن يتخيل أن اول لقاء بينه وبين والد حبيبته سيكون هنا فى غرفة العناية المركزة والرجل بين الحياة والموت .. وانه سوف يتتحدث اليه وربما لا يرد عليه .. وانه سوف يطلب يدها ويطمئنه على مستقبلها معه .. وربما لا يسمعه .. و ربما يكون هو اللقاء الأول والأخير ..

اقترب شريف من سرير عم خميس .. كان لا يظهر من جسده سوى وجهه .. ساكنا .. لا يتحرك .. وضع شريف يده فوق كف عم خميس القابع على صدره .. ثم اقترب من وجهه يستشعر انفاسه ..

مكث لدقائق ينظر اليه ولا تبرح بسمة مخيلته .. لا يعلم كيف سيخبرها ..
على الجانب الآخر .. كانت بسمة قد وصلت الى مكتب الدكتور مجدى بالجامعة .. لا تعلم كيف ستكون المواجهة هذه المرة معه .. وعلى قدر ما كانت تبغض لقائه .. على قدر ما حاولت ان تتسلح بالشجاعة وتواجه هذا الرجل البغيض الى قلبها .. تذكرت اتفاقها مع شريف .. فانتابها بعض الاطمئنان .. خصوصا بعد أن كان له الفضل فى ان تتعلم على يديه الكذب والتمثيل .. فكل ما عليها فعله ان تخدعه هو الآن و تخبره انها على وشك ان تصل لمبتغاه وان العلاقة بينها وبين شريف على وشك الانتهاء..

طرقت بسمة باب مكتبه ثم دلفت الى الداخل بعد ان سمعت صوته الأجش يقول : أدخل ..
دلفت الى الحجرة ووقفت على بعد خطوة من باب الغرفة التى اغلقته فى هدوء ..

كالعادة رمقها مجدى بنظرة سريعة من فوق نظارته ثم عاود النظر فى الأوراق الملقاة أمامه على المكتب متظاهرا بأنه مشغول ..

مرت دقيقة قبل أن يدعوها الى الجلوس تأكد خلالها انه اتعب اعصابها وجعلها اكثر توترا : اتفضلى اقعدى يا دكتورة .. ثوانى وحكون معاكى ..

اقتربت بسمة من المكتب وجلست الى المقعد امامه ..

مرت دقيقتين أو اكثر قبل أن يتكلم مجدى وهو ما زال ينظر فى الأوراق : ها يا دكتورة .. ايه الجديد ..؟
بسمة محاولة استجماع شجاعتها : تقدر تقول حضرتك اننا قربنا خلاص ..
مجدى وقد ترك القلم من يديه ورفع نظره ينظر اليها باهتمام وهو يضجع بظهره الى كرسى مكتبه قائلا : عظيم .. بس أحب اعرف التفاصيل ..
بسمة : احنا اتقابلنا امبارح فى حفل جواز المهندسة سلمى والاستاذ نادر زى ما حضرتك عارف .. شريف طلب اننا نتكلم .. خرجنا من الحفل واتكلمنا .. وقدرت افهمه انى مشوشة فى الفترة دى .. وانى محتاجة اعيد تفكيرى وحساباتى فى موضوع علاقتنا ..
مجدى وهو ينظر اليها من فوق نظارته : و ياترى كان ايه رده ؟
بسمة : فى الأول مكنش مصدق .. وقاللى ان فيه سبب او فيه حد ورا تغييرى ده .. بس أنا اكدت له ان اللى بيحصل ده شيء وارد فى أى علاقة بين اتنين .. وان مشاعرنا ممكن تتغير .. أو هى من الاساس مكنتش مشاعر حب حقيقى .. وهو ده اللى أنا محتاجة وقت علشان اتأكد منه ..
مجدى بنرفزة : يعنى من الآخر .. اتفقتوا على ايه ..؟
بسمة : زى ما قلت لحضرتك .. اتفقنا انى محتاجة وقت اراجع مشاعرى وحساباتى .. وهو اضطر فى النهاية يوافق ويسيب لى فرصة أفكر فيها ..
مجدى : تمام يا دكتورة .. اعتقد كده اننا ماشيين فى الطريق الصح .. بس خدى بالك .. لو الكلام اللى بتقوليه ده مش حقيقى وفيه لعب من ورايا .. صدقينى نتيجته مش حتتحمليها بالمرة .. أظن فهمانى ..
بسمة وهى تنظر له بحقد وقرف : طبعا فاهمة .. واعتقد انى أكدت لحضرتك قبل كده انى انا اللى اصبحت برفض العلاقة دى .. وده طبعا بعد رفضك لي ولعيلتى ..
مجدى وهو يتهرب مما تقول : مش ده موضوعنا .. المهم عندى ان العلاقة دى تنتهى للأبد .. وباسرع ما يمكن ..
بسمة : اطمن يا دكتور .. حتنتهى ان شاء الله .. فيه حاجة تانية .. أنا لازم امشى علشان عندى محاضرات ..
مجدى : طبعا حسمح لك انك تمشى .. بس لغاية دلوقتى انتى مقلتليش امتى اقدر اعتبر الموضوع انتهى ..
نظرت له بسم نظرة استخفاف وقالت : اعتبره انتهى يا دكتور .. ثم لم تعطه فرصة لمزيد من الاسئلة أو التعليق وتوجهت الى باب المكتب لتفتحه بهدوء تخرج مسرعة ..

لم تتوجه بسمة الى أى من المحاضرات كما أخبرت مجدى .. كانت فى حالة يرثى لها من هذا اللقاء الذى كذبت فيه كذبات أكثر مما كذبت فى حياتها كلها .. سارعت حتى وصلت الى سيارتها .. جلست بداخلها تلتقط انفاسها وتهدأ من روعها ومن الرعشة التى انتابتها منذ خروجها من مكتب هذا البغيض الى قلبها ..

مضت حوالى خمس دقائق حتى استعادت هدوء نفسها .. كانت خلالها تفكر فى شريف وأيضا فيما قالته لوالده ..

لم يخرجها من تفكيرها سوى جرس تليفونها الذى التقطته فى هذه اللحظة لتطلب شريف وتحكى له ما دار بينها وبين والده ..
بسمة : ألو .. ماما .. !!
حسنة بتوتر : ايوة يا بسمة .. هو بابا لسة معاكى يا حبيبتى ..؟
بسمة : بابا ..!! لا يا أمى .. هو لسة مرجعش لغاية دلوقتى ..؟
حسنة وما زال القلق يعتريها : لا يا بنتى .. وبتصل بتليفونه .. بس مش بيرد علي ..
بسمة : طيب ما تقلقيش يا أمى .. ما انتى عارفة بابا .. يمكن مش سامع تليفونه .. عموما هو قاللى انه حابب يتمشى شوية .. وزى ما انتى عارفة هو دايما بيحب يمشى فى الزحمة .. علشان كده تلاقيه مش سامع التليفون .. عموما أنا ححاول اوصله وأطمنك ..
حسنة : طيب يا حبيبتى .. مع السلامة ..
بسمة : مع السلامة يا أمى ..

حاولت بسمة ان تتصل برقم والدها عدة مرات ولكن كان شريف الذى احتفظ بتليفون والدها بعد ان استلمه هو ومحفظته عند وصوله الى المشفى ينظر فى كل مرة الى اتصالها ولكنه لم يجرؤ على ان يرد على اتصالها .. فهو لم يكن يعلم بماذا يخبرها ..

ظل شريف ينظر الى عم خميس الراقد أمامه يتمنى ان يصدر أى حركة تطمئنه عليه .. وعندما طال انتظاره دون جدوى .. قرر شريف ان يتكلم مع بسمة لتحضر الى المشفى .. فهو على يقين من انها سوف تلومه أشد اللوم اذا أخفى عنها ماحدث لوالدها ولم يخبرها فى حينه ..
بعد صراع عنيف مع نفسه .. طلب شريف رقم بسمة واصابعه ترتعش من فرط خوفه عليها ومن ردة فعلها وهى وحيدة ..

ردت بسمة على الفور : ألو .. شريف .. حبيبى أنا آسفة انى ماتصلتش بيك بعد ما خرجت من عند باباك .. أصلى انشغلت .. ماما كلمتنى وقالتلى ان بابا مرجعش للبيت لغاية دلوقتى ومبيردش على تليفونه .. لا عليها ولا عليا ..
شريف بهدوء بصوت حزين : أيوة يا بسمة .. أنا مع باباكى ..

لم يكمل شريف جملته الا وبسمة تقاطعه بابتسامة كبيرة وقلبها يدق بسرعة من السعادة : معقول .. لحقت تتصل بيه وتقابله .. انت مبتضيعش وقت يابنى .. طيب ايه ..؟؟
سكت شريف طويلا حتى ان بسمة ظنت أن الخط قد قطع فقالت بتعجب : ألو .. شريف انت معايا ..؟
رد شريف : أيوة يا حبيبتى .. أنا معاكى ..
بسمة وقد انتابها شك فى نبرة شريف : شريف انت كويس ..؟

لم يجد شريف بدا من أن يخبر بسمة فقال بتلعثم : بسمة باباكى معايا فى المستشفى ..
قاطعته بسمة تستفسر بقلق : مستشفى !! .. مستشفى ايه .. شريف .. بابا ماله .. بابا حصل له حاجة ..؟
شريف : اهدى يا حبيبتى .. بابا كويس .. هو بس فيه عربية خبطته .. بس هو بخير ..
بسمة وقد فقدت هدوءها فصاحت : عربية .. !! شريف ارجوك قوللى .. بابا حصل له ايه ..؟ انتم فى انهى مستشفى ..
شريف : اهدى يا بسمة .. بابا كويس الحمد لله .. ممكن تهدى ..

تحركت بسمة بسيارتها فى حين كان شريف يخبرها بإسم المشفى ..

وصلت بسمة بسيارتها سريعا الى المشفى .. فى حين كان خميس قد بدأ فى تحريك يده قبل وصولها بدقائق قليلة .. فاقترب منه شريف الذى سمع صوتا يخرج منه بصعوبة : بسمة .. بنتى .. عايز بنتى بسمة ..
أمسك شريف بيده وهو يقول : اهدى يا عمى .. بسمة جاية فى الطريق .. اهدى من فضلك .. بلاش تتكلم ..
خميس : مبقاش فيه وقت .. لاحول ولا قوة الا بالله .. ثم التقط انفاسه بصعوبة وهو يكمل : اسمعنى يابنى ..
شريف : أنا شريف يا عمى .. شريف .. زميل بسمة ..
كان الصوت يخرج من خميس بصعوبة بالغة كأنه يصارع فى كل لحظة باقية له فى حياته : شريف ..!! انت شريف اللى ..
رد شريف وكأنه يساعده ويوفر عليه مجهوده : أيوة يا عمى .. أنا شريف .. ارجوك تهدى ومتتكلمش ..
خميس : قلت لك يابنى معدش فيه وقت .. بسمة .. بسمة حطها فى عينك .. متخليش حد ياذيها .. أنا موافق على جوازك منها .. أوعى تسمح لحد يضرها ..أوعدنى يابنى .. اوعدنى .. سكت للحظات يلتقط انفاسه .. فسارع شريف وهو يضغط على يديه وقد غلينه دموعه : أوعدك .. أوعدك بشرفى ياعمى انى ححطها فى عنيا ومش حسمح لأى مخلوق فى الدنيا انه يضرها أو يأذيها .. أطمن ياعمى .. أطمن ..

فى تلك اللحظة وصلت بسمة فيها الى غرفة العناية .. فدخلت مسرعة ولم يستطيع احد ان يمنعها من الدخول .. هالها المنظر والأجهزة التى تحيط بوالدها .. اقتربت وقد انتابها خوف سيطر على كل جزء فيها .. وقفت بجوار شريف الذى افسح لها مكانا لتقترب من ابيها .. فى حين كان خميس لا يزال ممسكا بشدة بيد شريف لا يريد ان يتركها كانه يحدثه من خلالها .. ممتنا له وعده الذى قطعه على نفسه منذ لحظات بالوقوف بجوار ابنته وحمايتها ..

اقتربت بسمة من والدها وتكاد لا تراه من فرط الدموع المنهمرة من مقلتيها وقلبها ينادى عليه قبل لسانها : بابا ..

مد خميس يده الممسكة بيد شريف الى ابنته التى مدت كلتا يديها تمسك بيده ويد شريف .. تكلم بصعوبة : حبيبة ابوكى .. أنا موافق على جوازكم .. مبروك يا قلبى ..
بسمة .. وقد شعرت فى تلك اللحظات ان روحها تكاد تغادر جسدها من فرط الصدمة التى تفاجأت بها ومن فرط لوعة قلبها الذى يعشق هذا الرجل .. فوالدها .. حبيب قلبها .. صديقها الذى قد صاحبها منذ نعومة اظافرها الى الآن .. الأب الذى حماها من نوازل الحياة .. من جاع حتى تشبع .. من تعرى حتى تلبس .. هذا الحبيب .. هذا الأمان يوشك أن يفارقها ويتركها عارية فى مواجهة الحياة القاسية تعصف بها وبأمها ..

مرت عليها تلك اللحظات وشريط ذكرياتها معه تمر سريعا أمام عينيها محملة بكم هائل من الحنان والسعادة التى منحها اياها طوال حياتها معه وقد بدأ ينهار امام عينيها فى لحظات مرت عليها وكأنها دهرا من الكوابيس والآلام المبرحة .. ولم تنتبه الا ويد ابيها تثقل فى يدها .............. فارق خميس الحياة ..

مضت ساعة قبل ان تفيق بسمة من اغماءتها .. كان خلالها شريف قد أخبر والدته لتحضر الى المشفى لتكون بجوار بسمة حتى ينهى اجراءات خروج والد بسمة تمهيدا لدفنه فى الغد ..
كانت حسنة قد علمت من خلود بما حدث لزوجها عندما طلبت ابنتها الغائبة عن الوعى لتطمئن عليها وعلى زوجها ..

كان الجميع قد عاد الى بيت بسمة .. بينما قد انهى شريف كل الاجراءات انتظارا للدفن فى الغد .. علم جمال وعلا والجيران بخبر حادث ووفاة عم خميس .. الجميع فى الحى كان يحب هذا الرجل الطيب الخدوم .. فسارع معظم الجيران لمواساة بسمة ووالدتها .. اللتان كانتا تتلقيان عزاء الجميع واجمتين .. فى عالم آخر .. قد تحجرت الدموع فى مقلة بسمة التى كانت تستعيد ذكرياتها مع الأب الحنون وهو يلاعبها ويلاطفها طفلة وكبيرة ولا تكاد تبرج حضنه الدافئ معظم الوقت .. وكيف كان يلقى عليها النكات التى كثيرا ما اضحكتها وكيف كان يسدى لها النصح بفطرته الطيبة النقية .. وكيف ترك لها سمعة عطرة سوف تحيا بها مرفوعة الرأس بين الناس .. وكيف وقف معها حتى فى أصعب لحظات حياته .. وأراح قلبها قبل أن يموت عندما وافق على ان تتزوج من حبيب قلبها .. لم ترى أو تسمع بسمة احدا مما يقومون بتعزيتها .. هى كانت لا تزال مع حبيها الأول .. مع ابيها ..
وكانت امها فى ذلك الوقت تبكى بكاءا مريرا على فقدان زوجها الحنون ورفيق دربها .. وتنعيه بكلمات تذيب الحجر .. فحسنة أحبت زوجها حبا كبيرا .. وقد كان ولا يزال وسيظل لها كل شيء فى الحياة منذ تزوجها وهى صغيرة وجاء بها من قريتها الصغيرة الى القاهرة الكبيرة .. الواسعة والمبهرة فى نفس الوقت .. ولكنه فيها استطاع ان يحميها ويكون لها ولابنتها الأمان .. فانقطعت معرفتها بجميع من كانت تعرف وظل هو لها الزوج والأب والأخ الى فقدته اليوم هكذا فجأة ..
اصرت خلود أن تبقى مع بسمة ووالدتها .. فى حين كان شريف وجمال يستقبلا الرجال من الجيران ويتلقيان التعزية ممن حضر منهم .. وكلاهما كان ينظر الى الآخر فى نوع من التعجب وعدم فهم أى علاقة تجمع بينه وبين بسمة ..

مر الوقت على بسمة وامها كأنه دهرا الى ان تم صلاة الجنازة والدفن فى المدفن الذى اشتراه خميس فى أحد مدافن القاهرة بمجرد ان توفر معه المال الذى تركه له مصطفى .. وكانت تلك احدى امنياته القليلة وهى ان يكون له ولاسرته مدفن فى القاهرة التى جاءها صغيرا وعشق الإقامة فيها ..

مرت عدة أيام على بسمة وامها وهما فى حداد وحزن شديدين على فقدان عائلهما .. لاتصدق بسمة انها لن ترى والدها مرة أخرى .. لن تتحدث معه .. لن يضمها الى صدره الحنون وتشتكى له همومها ومشاكلها .. ويساعدها فى حل ما تواجه من متاعب من حولها .. لن يضاحكها ويلاعبها ويقول لها كلمات الغزل الذى تربت وكبرت على سماعها منه .. هى على يقين انها لن تراه مرة أخرى ولكنها لا تصدق هذا ولا يستوعبه عقلها .. فقد كان معها فى كل خطوة من خطوات حياتها .. ثم جاء الموت ليقصيه من حياتها فى لمح البصر .. لتذوق فى النهاية معنى اليتم ..

كانت بسمة فى تلك اللحظات يتردد بداخلها وعلى مخيلتها جميع ذكرياتها مع ابيها وجميعها ذكريات حلوة لا تبرز سوى عظمة هذا الرجل البسيط فى منهجه وفهمه للحياة .. الرجل المبتسم دائما .. ذو الطموح والآمال البسيطة فى الحياة .. وربما كان هذا هو سر عظمته وحب التاس له .. يمر بخاطرها ذكرياتها معه ثم تتذكر الموت الذى حرمها منه فيتبادر الى ذهنها سؤال ظل يتردد بداخلها لعدة أيام .. الا وهو .. أهكذا هى الحياة .. ؟؟!!!!

لم يكن خميس لبسمة مجرد أب .. هو كان لها كل الرجال .. كان الأب والأخ والصديق الى أن ظهر شريف فى حياتها فقاسمه القرب منها .. ولكن من فقدته ظل لها أعظم وأحن أب فى الدنيا وملجأها الذى تلجأ اليه دائما كلما شعرت بالحاجة الى من تلجأ اليه ..

كانت سلمى قد علمت بما حدث لخميس من خلال اتصال بينها وبين جمال وعلا بعد اسبوع من الحادث .. فحزنت حزنا شديدا على فقدان هذا الرجل الطيب والتى تعتبره سلمى بالرغم من بساطته .. تعتبره رجلا عظيما .. وحزنت أيضا على بسمة وامها .. فبسمة بالنسبة لها صديقة مقربة الى قلبها .. بل تعتبر صديقتها الوحيدة منذ أن فقدت مصطفى ..

طلبت سلمى بسمة تليفونيا .. تكلمت معها وواستها وأخبرتها انها سوف تعود الى مصر خلال يومين بعد أن اتفقت مع نادر على العودة لتكون بجوارها .. حاولت بسمة ان تثنيها عن قرارها وتستكمل شهر عسلها ولكن سلمى أصرت على العودة ..

ظل شريف بجوار بسمة .. لا يغادرها سوى ساعات النوم .. وظلت خلود تزورها من وقت لآخر .. اقتربت ايضا علا منها فى تلك الفترة .. وكانت بداية اقترابها منها بواعز وطلب من سلمى التى رجتها ان تودها فى تلك الظروف حتى تعود هى من شهر العسل .. ولكن علا قد احست بعد ذلك بألفة فى القرب من بسمة .. ولأول مرة تشعر علا بتلك المشاعر نحو انسان غريب عنها .. كانت تشعر بسعادة من نوع لم تتذوقه من قبل .. سعادة العطاء .. فقد كانت تعطى بسمة وأمها من وقتها وودها لهم .. ولكنها تعلمت فى تلك الأيام البسيطة معنى الأسرة .. فأم بسمة لم تتوقف لحظة عن ذكر زوجها والثناء عليه .. وسرد حكاياته ومواقفه مع اسرته ومع الآخر .. لذا شعرت علا فى تلك الأثناء بشوق كبير الى والدها .. وكأنها قد فقدته للتو .. شعرت بعقوقها وتقصيرها فى حق والدها الذى جافته فى عجزه ولم تكن جواره فى محنته .. حرمته هى واخيها الود ودفء الأسرة التى تراه امامها متمثلا فى أسرة عم خميس .. حتى بعد فقدانه ..
--------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس