عرض مشاركة واحدة
قديم 27-03-21, 06:18 PM   #262

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: الفصل العاشر - الجزء الثاني

أفرجت ما بين شفتيّ باستحياء محاولا لملمة أفكاري لكي أسألها عن حالة أخي.. ولكن يبدو أن حركة فمي أصابتها بالقرف والنفور.. فهي لم تسمح لأي حرف بالخروج من فمي بل قاطعتني قبل أن أبدأ حتى، فابتلعت الحروف واستسلمت للصمت، لتنفرد هي بالكلام..

لكنها لم تتكلم فقط.. بل صرخت بكلمات هادرة مليئة بالاتهامات والإهانات..
كلها كانت موجهة لي.. وأنا.. أنا كنت أستحق كل كلمة قالتها.

تراجعت شروق خطوة للخلف، وعانقت يدها اليمنى خصرها، ثم رفعت رأسها قليلا من جديد لتصوب سهام نظراتها الحانقة نحوي، وقالت بحدة: "هذا.. أنت.. ماذا تفعل هنا؟ هذا ليس مكانك.. أنت أخطأت المكان بالتأكيد".

فغرت فمي بعدم استيعاب، فعقبت هي شارحة بحدة: "ألا يجب عليك أن تتواجد في الميدان الآن مع رفاقك لاستكمال عمليات السحل والقتل والتنكيل.. ألم يدفعوا لك لكي تقتل الأبرياء وتعاقبهم بالعاهات المستديمة وفقدان الأطراف؟ أن تخنق الحياة بداخلهم وتحولهم لجثث خربة خاوية بلا روح.. أن تنزع الأمل من داخل قلوبهم وتزرع مكانه غلا وحقدا وخوفا لا ينقشع؟".

ثم رمقتني بنظرة متقززة، وزفرت بضيق، وبعدها أكملت بصوت حاد: "ألم ترتوِ بكل الدماء التي سالت هناك.. فجئت إلى هنا من أجل المزيد؟ من أنت؟ مصاص دماء؟ اغرب من هنا يا هذا قبل أن أستدعي الأمن ليحملوك ويرموا بك في حاوية القمامة.. مكانك الذي تستحق"، ورفعت ذراعها لتشير بأصابعها نحو باب الغرفة الذي دلفت منه أنا قبل دقائق، وبعدها استدارت وتركتني مواجها لظهرها المشدود غضبا مخفية وجهها وكأن مجرد نظرها لي يصيبها بالاشمئزاز.

كنت أقف بنفس البقعة كتلميذ فاشل مذنب يعلم جيدا أنه قد ارتكب كارثة ويستحق العقاب..

تجمدت في مكاني لم أستطع الرد أو التحرك وتخطيها نحو سرير أخي..

لم أجرؤ على دفعها من أمامي لكي أقترب من أخي وأطمئن عليه..

أنا فقط وقفت أمامها لأتلقى كل اتهاماتها وإهاناتها وكلماتها الغاضبة باستسلام منهك وخزي مهلك وعزيمة غائبة.
فأنا بالنهاية أستحق.

التفّت شروق من جديد، ويبدو أنها كانت ستستكمل نوبتها الغاضبة على شخصي.. فهي كما أظن قد علمت جيدا تفاصيل كل ما كان يخطط له والدها، واكتشفت بذكائها وفطنتها أنني أنا بيدقه الذي يحركه كيفما يشاء كي ينفذ له كل ما يريد بدون ذرة اعتراض، لكن وقبل أن تشرع في الكلام، استوقفها سامح صديق حسام المقرب الذي يعرفني جيدا كونه كان يداوم على زيارة صديقه بشقتنا بل والمبيت لدينا أحيانا، خاصة خلال سنوات دراستهما بالكلية..

تحدث سامح بإيضاح وبنبرة مرتفعة نوعا ما ضاغطا على كلماته وكأنه يوبخها ضمنيا: "مهلا يا شروق.. ما هذا الذي تقولين؟ يبدو أنكِ متعبة وتحتاجين للراحة قليلا.. هذا حازم شقيق حسام الأكبر.. رجاء اجلسي على هذا المقعد ودعيني أتولى أنا الحديث حاليا.. فهو بالتأكيد جاء يطمئن على أخيه ويسانده".

تجمدت شروق للحظات، ثم نظرت إلى الشاب.. ثم إليّ.. ثم إلى الشاب مرة أخرى.. ثم إلى شقيقي الممدد على السرير.. ثم إليّ من جديد.. ثم أشاحت بوجهها وتوجهت إلى المقعد القابع بركن قصي بالغرفة المزدحمة، وتهاوت عليه باستسلام وتعب وكأن ما سمعته للتو قد سحب من جسدها الاتزان ومن عقلها القدرة على التصرف بشكل سليم حتى في الأمور البديهية.

نظرت أنا إلى سامح بدون تركيز، ثم انتبهت لملامحه، كان رأسه مربوطا بشاش طبي وكذلك أحد ذراعيه في جبيرة واقية.
لم أكن أمتلك من الكياسة أو التوازن العقلي ما يجعلني أستفسر عن حالته أولا، فسألته بلهفة وتوسل: "سامح.. كيف هو؟؟ ماذا حدث؟؟ أرجوك تحدث إليّ.. وأين أحمد الموكل بحراسته؟ طلبت منه ألا يفارقه.. أين هو؟ هل هو بخير؟".

اقترب مني سامح وربت بيده اليمني غير المربوطة على كتفي في تعاطفٍ واضحٍ، ثم قال: "اطمئن.. أحمد سيكون بخير.. لقد تعرض لحادث تدافع بعد أن حاول بعض البلطجية الاعتداء عليه ثم فقد الوعي.. فلم يتمكن من مساعدة حسام في الوقت المناسب.. هو يرقد في المستشفى الميداني الآن.. حالته مستقرة لا تحتاج لتدخل جراحي، لكنه مازال يحتاج للراحة.. أما أنا فكما ترى.. قد أخذت نصيبي ولكن شاء القدر أن تكون إصابتي بسيطة.. بكل الأحوال سأمر على أحمد للاطمئنان عليه فور أن يستعيد حسام وعيه كاملا.. لا تقلق سنكون جميعنا بخير.. بالنهاية"، لم يفتني أنه قد قال كلمته الأخيرة بنبرة قلقة.
قاطعته متلهفا بتوتر: "وأخي؟ ماذا عن حسام؟ كيف هي حالته؟.. أخبرني ذلك الطبيب الشاب أنه نجا من البتر.. هل هو بخير؟"..

هنا سمعت شهقة شروق المستنكرة، ولكن لم أكن مستعدا أبدا للنظر إليها من جديد..

ماذا تفعل هي هنا على أي حال؟ وكيف تعرف أخي؟

أجابني سامح بصوت خفيض عكس كل الحزن الذي كسا عينيه وفشل في إخفائه برغم تحريكه لمقلتيه في كل الاتجاهات حتى لا ينظر إليّ مباشرة: "أخوك كان بطلا.. لقد أصيب حسام بينما كان يحاول أن ينقذ فتاة كادت أن تتعرض لضربة سيف متوحشة في بطنها، فقام هو بتصرف شجاع عفوي، بالقفز عاليا ودفع المجرم الذي كان يستعد لضربته من أعلى الحصان، وبعد أن سقط هذا الهمجي هاج الحصان، فسقط حسام بفعل التزاحم، لينزل عليه الحصان بحوافره على ساقه بضربة جنونية ثم فر هاربا.. حمدا لله أن الإصابة جاءت في ساقه فقط.. ولم تصب أيا من أعضائه الحيوية كما أصيب الكثير من المساكين الأبرياء.. هو سيكون بخير بالنهاية.. أعتقد ذلك"..
هاك تلك الكلمة مجددا.. بالنهاية..

تنهد سامح وكأنه يبحث عن كلمات مناسبة ليكمل بعد برهة: "اسمع حالته دقيقة بعض الشئ.. يجب أن تتحدث إلى الطبيب الاستشاري الذي أجرى له الجراحة والذي لولا شروق ما نجحنا في الوصول إلى طبيب ذي خبرة مثله بهذا التوقيت لإجراء الجراحة.. عليك أن تتوجه إلى مكتبه قبل أن يغادر المستشفى، لأنه جاء خصيصا من أجل حالة حسام، وأظنه سيرحل سريعا بعد أن يمر على بعض المصابين في القسم لتفصحهم.. الحق به وهو سيوضح لك كل شيء".

عند هذه اللحظة، لم تستطع شروق أن تحافظ على صمتها، فنهضت من مقعدها تسبقها كلمات دامية: "أخوك صار أعرجا.. لن يستطيع المشي بشكل سليم مجددا"، ثم غادرت مكانها وسارت نحوي بخطوات عاصفة وهي تهتف: "أنت السبب أيها الحقير.. اخرج من هنا.. لا يحق لك أن تكون هنا.. لا يحق لك أن تطمئن عليه.. لتمت بقلقك الزائف وتختنق باهتمامك الملفق.. يا مدعٍ.. يا منافق.. يا ذات الوجهين.. أنت مجرم لعين.. قاتل.. انصرف فورا.. لا أطيق النظر إليك".

لم أستطع تحمل كلماتها القاتلة أكثر من ذلك، فاستدرت لكي أغادر الغرفة، ولكن قبلا، رمقت حسام بنظرة أخيرة.. كان يتململ في نومته وكأنه يعاني من آلام ضاغطة..

لم أستطع الاقتراب منه.. ليس بعد أن تسببت فيما هو فيه الآن..

ماذا قالت هي؟ صار أعرجا؟ كسيحا؟
أخي أنا لن يسير على قدميه مرة أخرى..
وأنا.. أنا فعلت ذلك..

ركضت من جديد لا أعلى وجهتي التالية.. فقط لأبتعد عن هذه الغرفة.. وعن هذه المرأة.. وعن كل ما سمعته بالداخل..
لماذا؟ لماذا؟..

رغم التهديد والإجبار، فقد حاولت قدر طاقتي ألا أتسبب في تعريض حياة المتظاهرين للخطر.. حاولت حمايتهم رغم عدم اقتناعي بجدوى ما يقومون به.. حاولت أن أحافظ عليهم ليعودوا سالمين لأهاليهم..

كنت مقتنعا أن ذهابي في تلك المهمة جبرا بتهديدي بحياة أخي بشكل مباشر، سيكون في النهاية في صالح المتظاهرين، حيث أتمكن من تحقيق أهداف رحيم بخطة ذكية طويلة المدى دون إراقة الدماء..

كانت خطة تفريغ الميدان وإخراج المعتصمين منه في خيالي، ستتم بأقدم طريقة لدحض التكتلات على وجه الأرض (فرق تسد).. كنت قد اخترت مجموعة من أذكى رجالي ممن يمكنهم نشر الفوضى داخل الميدان بإشعال روح الفرقة بين المعتصمين عبر إثارة كم هائل من الشائعات والقلاقل بين التيارات المختلفة على مدى ما بين أسبوع لأسبوعين..

كان كل طرف من المعتصمين ليصدق أنه الطرف الوحيد المخلص لأفكار الثورة بينما يسعى الآخرون لاستغلالها والفوز من ورائها والاستئثار بمكاسبها، وحتى كنت سأستغل أحداث ليلة الثاني من فبراير من رمي المقذوفات الحارقة لأجعل الجميع يتشكك في الجميع دون أن يتبين أيهم من هو الخائن الفعل..

لكن رحيم.. ذلك النرجسي المريض بالسلطة المتعجل للفوز دائما، قرر استخدام القوة بدلا من الذكاء، وكأنه كان متأكدا من فشلي.. أو كأنه كان يريد إبهار شركائه في الحزب والحصول على رضائهم ليتحول ذلك الرضا إلى مزيد من الصفقات المشبوهة التي تساهم في تورم ثروته واستحواذه بشكل أكبر على سوق الاستثمارات في الوطن بعد أن تنتهي التظاهرات بالفعل..

وأنا بالنهاية دفعت الثمن.. خسر المتظاهرون بسبب الغدر، وخسرت أنا بسبب السذاجة..

أهذا عقابي؟
حتما.. حتما أنا أستحق العقاب على كل أخطائي..
لكن .. لماذا أخي؟
هو لا يستحق..

حين أخذتني قدماي إلى الجراج الملاصق للمستشفى.. أوقفت الركض أخيرا وأخذت ألهث ككلب أجرب منبوذ لا يطيقه أحد..
وهناك جثوت على الأرض منهكا خائر القوى في حالة تشبه الحداد..

أخذت أحارب من جديد لالتقاط أنفاسي من بين دموعي التي استقرت في شكل خيوط طولية محملة بالندم والغضب الذين يجثمان على صدري ويتسلل إلى الخارج في شكل قطرات مالحة على جانبي وجهي.

لا أدري كم هي المدة التي مكثت فيها وأنا بهذه الوضعية، بينما ينمو بداخلي صوت خافت تحركه موجات من النحيب ليرتفع شيئا فشيئا فيتحول لسوط مجدول يجلدني بكلمة واحدة: "رحيم.. رحيم.. رحيم"..

استمر الصوت يرددها بداخلي مستنكرا وموبخا حتى اخترق ظلال الحزن الضبابية المسيطرة على عقلي، وحولها إلى طاقة هائلة من الغضب الناري..

نعم.. رحيم هو السبب.. لم يفِ بوعده.. نفذ تهديده واعتدى على أخي.. وأذى المعتصمين..
وعليه أن يدفع الثمن.. فورا!!
سأتاكد من ذلك ولو كان آخر شيء أفعله!

نهضت من جلستي الخانعة بعزم جديد زرعته بداخلي الرغبة في عقاب رحيم والانتقام منه.. لقد أفلت بجرائمه بما يكفي.. والآن حان وقت الحساب..

نظرت حولي لأتبين من جديد أين أنا.. ثم فجأة رأيتها.. سيارتي..
بلحظات تحركت الأفكار برأسي.. فتذكرت..

كنت قد ركنتها هنا قبل أن أتوجه مع الرجال إلى ميدان التحرير لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة إثارة القلاقل بين المعتصمين بقذف كرات اللهب اللعينة وإحداث البلبلة التي تخيف المتظاهرين وتزرع الشكوك بينهم، فتجبرهم في النهاية على المغادرة والعودة لبيوتهم بدون إزهاق نقطة دم واحدة..

توجهت إليها بخطوات سريعة بينما انشغلت يدي آليا بإخراج المفاتيح من جيبي، وفور أن فتحتها واستقريت جالسا أمام عجلة القيادة، تحركت يمناي تلقائيا وبشكل معتاد نحو صندوق التابلوه حيث ترقد كرة الضغط المعدنية المدببة..

سحبتها بجمود يناقض الانهيار والنحيب الذين يعبثان بداخلي بعشوائية، وأخذت أضغط باقتصاص وغل..
إذا كان أحد يستحق الشعور بالألم الآن.. فهو أنا وليس أخي..

لم أكترث أبدا بالدماء الداكنة النافرة من بين أصابعي.. كان ضغطي على الرؤوس المدببة يتزايد كلما زاد شعوري بالألم..
لو كان بإمكان هذه الكرة قتلي، كنت سأتلقى الأمر بابتسامة رضا..
أنا فعليا أتمنى لو تُزهق روحي الآن وأنتهي من هذا العذاب للأبد..

الوخزات تزيد في قلبي كلما تذكرت منظر أخي ممددا على فراش المرض وتكاد تتجمع حول عنقي في صورة قبضة فولاذية تعصر أنفاسي عقابا على تخاذلي في حمايته..

حضرت إلى ذاكرتي كلمة عشوائية (أعرج) بصوت غاضب وحزين يغذيه النفور والحقد، فواصلت الضغط بقوة أكبر.. لعل جرح راحتي يغطي على آلام قلبي النازف قهرا وصمتا بلا دماء، وصخب عقلي الذي يصرخ بمئات اللعنات والاعترافات بلا صوت..
أصبحت يدي الآن عبارة عن لوحة تجريدية للعذاب تحددها أنهار حمراء داكنة فائقة الصغر تتلاقى كشرايين ثم تتباعد كروافد، وكأنها تتحنى بلون الدم احتفالا بما هو آت من انتقام وفقد..

حدة الوجع ومنظر الدماء النافرة لم يجعلاني أخفف الضغط على الكرة المسننة، فالألم يزيدني تركيزا ويحفز غضبي ويبلوره للمواجهة باندفاع نزق..

حانت لحظة الاستحقاق..
مات الملك كما يقول لاعبو الشطرنج.. لكنني لا أعرف بعد.. أي الملكين في هذه اللعبة قد مات..
أنا أم رحيم؟..
المواجهة فقط هي التي ستكشف النتيجة!

حسنا.. لست ملكا ولم أكن أبدا.. كنت دوما أرتضي بدور البيدق الذي يأتمر بأمره وأترك له الصولجان، لكن إذا كنت سأجابهه الآن، يجب أن أتحلى بالذكاء والشجاعة كملك وأقف معه على نفس المسافة.. حتى وإن كنت أتنكر في هيئة بيدق ضعيف.. فات أوان الخنوع.

قطع استرسال أفكاري صوت هاتفي المحمول، أمسكت به بيدي الأخرى لأجد رقم خالد على الشاشة.. هو بالتأكيد يريد الاطمئنان على حسام.. ماذا سأقول له؟

وضعت الكرة بغضب على تابلوه السيارة، وقذفت الهاتف بجوارها، ثم جففت يدي النازفة بسبب تمزق طبقات الجلد ببعض المناديل الورقية كيفما اتفق، وأمسكت عجلة القيادة وتحركت بسرعة فائقة صرخت لها إطارات السيارة بفزع.. وكأنها تتأهب معي لمعركة فاصلة..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس