عرض مشاركة واحدة
قديم 27-03-21, 06:25 PM   #263

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
B11 الفصل العاشر - الجزء الثالث

وصلت إلى منزل رحيم في ثلث الوقت التقريبي لقطع المسافة المعتادة إلى منزله، حيث كنت أقود بسرعة جنونية بينما كانت تشيعني أصوات أبواق التنبيه من السيارات وكلمات السباب من السائقين بطول الطريق بسبب سرعتي المتهورة في منتصف النهار.. ولولا العناية الإلهية، لكنت على الأرجح قد لقيت حتفي وانتهيت من هذه الحياة البغيضة كما قضيت على حياة أخي وهو حتى لم يبدأها.

ما أن فتحت مدام سناء الباب، حتى اندفعت نحو غرفة المكتب متجاهلا كلمات الترحيب والاستفسار عن شروق التي أطلقتها خلفي.

فتحت الباب بعنف يتفق تماما مع كل ما أكتمه بداخلي من مشاعر أحتويها بالكاد حتى لا أرتكب جريمة قتل بمجرد وقوفه بين يدي.

كان رحيم جالسا على مقعده بكل تعالٍ واعتداد، وكأنه قد حقق لتوه نصرا مظفرا.. وقبل أن تخرج من فمي أية كلمة، استوقفني هو بصوته الكريه وهو يسألني: "هل جئت لكي تبارك لي نجاح خطتي الجريئة؟ أرأيت أيها الجهول الأحمق؟ مخنث مثلك لم يكن ليحرز نجاحا مدهشا كهذا.. بعملية واحدة أرعبت الحمقى بالميدان ودفعتهم للمغادرة".

ضحك بسخرية ماطا شفتيه بطريقة تثير التقزز، وأكمل متلذذا بساديته: "وأنا الذي ظننتك قد صرت رجلا أخيرا وبعد طول صبر وانتظار.. ولكن ماذا كنت أتوقع من مريض غريب الأطوار مثلك؟" ثم رمقني بمقلتيه بنظرة هازئة صاحبتها ضحكة طويلة بثها كل احتقاره لي..

هو يستصغرني.. يراني مجرد أحمق تافه.. وله كل الحق..

فأنا سمحت له بإيذاء أخي بكل سذاجة معتمدا على وعد منه بأنه لن يمسه طالما أنفذ له خططه المقرفة..
وافقت على القيام بكل تعليماته الكريهة ونفذت كل أوامره الإجرامية، وأنا أظن أنه سيترك لي دفة القيادة واختيار طريقة التنفيذ..

وكأنه قد سمح لي من قبل أن أتصرف بمفردي بعيدا عن ارشاداته السادية المؤذية..

للحظات تحول الغضب بداخلي إلى زئير مرعب.. صحت به بنفور شديد: "كيف فعلت هذا؟ كيف سمحت لنفسك؟"

رد هو بظفر وتسلٍ: "أنا فعلت ما كان يتوجب فعله من البداية.. أنت ضعيف وفاشل.. وهؤلاء الحمقى يعطلون أعمالنا ويكبدوننا الخسائر.. البورصة وانهارت.. الأعمال وتعطلت.. حتى مصالح الشعب توقفت باغلاق مجمع المصالح الحكومية بميدان التحرير لأسبوع كامل.. قد حان وقت التخلص منهم".

نظرت له مذهولا من تبريراته التي ترفع من قيمة التجارة والربح وتبخس من قيمة الدم والأرواح، لكنه لم يمنحني فرصة للكلام، حيث أكمل: "هل تعلم أن خسائر شركات المحمول من انقطاع الخدمة وصلت إلى واحد وخمسين مليار جنيه في ستة أيام فقط؟ فكم بظنك خسرت الشركات الأخرى؟ كم خسرت أنا؟ وكم خسر الحزب من مكانته السياسية وسيطرته على الشارع؟ لقد تجرأ هؤلاء الطفيليون ووجب التخلص منهم ولو بالحرق والدعس حتى يتطهر الميدان منهم"..

كلماته لم يستوعبها عقلي وإن وصلت لأذنيّ وسمعتها جيدا.

فعقلي كان يتحرك في اتجاه واحد.. أن أحاسبه وأعاقبه كما يستحق.. وبعدها أتفرغ لمعاقبة نفسي كما يجب..
يجب أن أحاسبه على ما فعله بي.. على ما فعله بشقيقي.. وبالأبرياء.. على كل الدماء التي طبعت أثرها داخل الميدان وبين جنباته..

أعدت سؤالي بصوت ثائر عاصف: "أسألك الآن.. كيف فعلت ذلك؟ كيف أذيتني بهذا الشكل دون أن تفكر للحظة في نتيجة ذلك؟ كيف عاقبتني بهذا الشكل؟ لماذا الغدر وأنا عشت وفيا لك طوال عمري؟"..

توقفت للحظة لالتقاط أنفاسي، وأخذت أجوب الغرفة جيئة وذهابا ريثما أستطيع السيطرة على الارتفاع الجنوني في ضغط دمي.

كان صوت أنفاسي يتحول إلى هسيس حانق عاكسا موجات الغضب بداخلي.. ولكن إذا فقدت أعصابي الآن، ستكون النتائج فادحة بكل تأكيد..

استدرت وتوجهت بخطوات سريعة نحوه، وللحظة شعرت بهالة الكبرياء التي أحاط نفسه بها تختل قليلا..
الآن يبدو خائفا ومتوترا ومحتارا بعد أن قرأ في عينيّ أن وقت الاستحقاق قد حان.. والآن ستصير كلمتي هي الأعلى.. الأقوى.. وهو فقط.. سيستمع..

رفعت ذراعي وأخذت أشير نحو صدري بسبابتي بعنف وأنا أهدر: "أنا كنت أتبعك كجرو يتيم لاهث أستقي منك كل ما تعلمه لي وأنفذ كل أهدافك دون تلكؤ.. كنت شبحك الأسود نذير السوء الذي يرهب أعداءك ويسحق كل من يقف أمامك بلا رحمة.. كنت دمية الماريونيت الخشبية خاصتك.. تمسك بخيوطي وتحركني كيفما شئت.. أحقق لك المكاسب التي تجعل ثرواتك تتضخم وتتورم دون أن أطلب منك شيئا في المقابل.. كنت وفيا لك لأبعد الحدود.. وممتنا لك لأقصى درجة.. أحارب نفسي ومرضي بشكل شبه يومي فقط لكي أحقق لك ما تريد دون أن تتهمني بالنكران أو التخاذل".

رفعت يدي لأملس بها بضيق على شعري الذي تتطاير منه شذرات الحنق، وأكملت: "لم أقاومك أبدا.. ولم أرفض لك طلبا.. كنت مارد لئيم تخرجه من قمقمه وقت الحاجة لتلبية رغباتك دون أدنى اعتراض.. وكان شرطي الوحيد.. أن تبعد أخي عن عالمك المظلم الوسخ.. أن تتركه ينأى عن قذارات عالمك الذي زرعتني به دون رحمة.. وأنا لم أعترض.. فقط أخذت منك عهدا ألا تؤذي أخي.. فلماذا فعلت ذلك به؟.. لماذا أذيته يا هذا؟"..

أنهيت كلماتي ويداي قد صارتا تقبضان على ياقة قميصه كأنهما عثرتا لتوهما على قطعة البازل الأخيرة.. وجدتا حل اللغز.. وصارتا تتحينان الفرصة للفوز بالجائزة الكبرى بعد الإطباق على شرايين رقبته وإزهاق روحه الكريهة الحاقدة..

كنت على بُعد خطوة واحدة من الجنون.. إذا عبرتها، سأرتكب جريمة قتل وأنهي حياته بيدي في ثانيتين والله يعلم.. وهو أيضا صار يعلم.. بعد أن رأى الموت يلوح في عينيّ بكل وضوح..

ذلك الذي كان خطا ممنوعا بالنسبة لي من قبل لم يعد رادعا لي الآن.. لا شيء يعوض ما حدث لأخي.. حتى حياتي لا تستحق.. فلأكملها في السجن بعد أن أخلص العالم من هذا الوغد اللعين.

في البداية، ظهرت على وجهه علامات الدهشة وكأنه لم يترجم بعد فحوى ما أعلنته..

وكأن.. وكأن الخبر جديد بالنسبة له، لكنه تمالك نفسه بعد أن استشعر الخطر وقرر أن يخطو خطوته التالية على رقعة شطرنج سوداء كنواياه وأفكاره وروحه الملعونة.

وضع يديه على راحتيّ مترددا ثم ابتسم بشكل متزلف ومقرف، وقال مسترضيا: "بني.. أنت ابني.. فلماذا أفعل بك هذا؟.. أخبرتك مرارا.. أنت امتدادي في هذا العالم.. وكل ما هو لي سيؤول إليك يوما ما، فلماذا تظن أنني أفعل بك أو بشقيقك أي شيء؟ لقد حافظت على وعدي لك طوال تلك السنوات.. ولم أجبره على العمل لديّ.. اهدأ يا بني.. وتريث قليلا.. أنا لا أعلم من الأساس ما الذي تتهمني بفعله.. ما الذي حدث لأخيك؟".

برغم الجنون المطبق الذي كان يتمرغ داخل عقلي، إلا أن قبسا من تعقل ومض برأسي بعد أن بانت دهشته في عينيه بدون أي خداع.. رد فعله الصادق أصابني ببعض التردد.

أخذت نفسا طويلا، وأرخيت يديّ عن ياقته ثم أنزلتهما بجانبي.. أحتاج الآن لأن أتحكم بكلماتي وتصرفاتي.. فأنا أمام وغد عديم المشاعر لا يتوان أبدا عن إيذاء كل من يحيط به من أجل تحقيق غاياته ومآربه.. وأنا لست استثناءً كما يحاول أن يقنعني..

ألم أرَ بنفسي على مر تلك السنوات؟

تذكرت أخي المنسدح على فراش المرض مغطىى بالأبيض في مكان بارد وكئيب يصارع آلامه بدوني..
قلت بصوت متهدج وأنا أبتلع غصة الحزن: "أخي فقد القدرة على الحركة بسببك.. أخي سيصبح قعيدا.. أو أعرجا إذا كان محظوظا.. لقد أفلت بأعجوبة من الخضوع للبتر.. وأنا حتى لم أفهم بعد طبيعة حالته أو كيف تعرض لتلك الإصابة".

عندها تذكرت أن رحيم قد أرسل جيشه من المجرمين السريين الذين نفذوا له العملية الهمجية التي أدت في النهاية لإصابة أخي، فصرخت به محتدا وأنا أشير نحوه بسبابتي بجنون: "أنت أرسلت خلفه من يؤذيه حتى تنتقم مني.. أليس كذلك؟"

رد هو متوجسا بعد أن رفع كلتيّ يديه يهزهما بتوتر نافيا ما رميته نحوه من اتهام: "مهلا.. مهلا.. هل تقول صار قعيدا؟ كيف ذلك؟ أنا لم أرسل أحدا خلفه.. بالطبع أنا لن أقوم بشيء كهذا.. فلماذا تتهمني بهذا الآن؟ هل أنا السبب في كل ما يحدث في هذا البلد؟".

أجبته بحنق: "أنت من أرسلت مرتزقتك من معدومي الهوية لإكمال ما لم أفعله الليلة الفائتة في ميدان التحرير.. ولما فشلوا بسبب تعليماتي لرجالي بمحاولة احتواء أفعالهم الخبيثة وحماية المتحف والمتظاهرين، قمت أنت بإرسال المزيد منهم بهيئة غريبة لا تخطر على بال أحد.. من يرسل مجرميه يمتطون خيولا وإبل من أجل الفتك بالمعتصمين وسحقهم تحت أقدام الحيوانات كمثل الهمجيين في العصور الوسطى؟ أنت أردت ارتكاب جريمة كاملة لا يحاسبك عليها أحد لأن أصابع الاتهام لن تشير نحوك أبدا بهذا التفكير الإجرامي الذي يفوق الخيال.."

أخذت أضحك بهيستيرية، ثم أكملت: "برغم تهديدك لي بحياة أخي، كنت تعلم جيدا أنني لن أتمادى في تنفيذ مآربك ولن أسمح بإراقة الدماء في الميدان وأكون شاهدا عليها.. كنت تعلم أنني سأفشل، لذلك كنت تعد خطة أخرى بديلة.. لا.. ليست بديلة.. بل كانت تلك خطتك الأصلية.. أليس كذلك؟ كان هدفك من إرساله للميدان هو إجباري على قيادة فريق المجرمين السري خاصتك.. كنت تريد أن تضمن تواجدي بالقرب منهم في قلب الميدان حتى أتدخل وأحاول التغطية على كوارثهم المحتملة إذا شعرت أن ما سيفعلونه سيوجه أصابع الاتهام نحوك أليس كذلك؟ كنت تريد أن تدفعني دفعا نحو قيادتهم بغير إرادة مني حتى استغل ذكائي في التغطية على أخطائهم وعدم كشف هوية مرسلهم وممولهم.. ما لا أفهمه يا رحيم بك هو سر قلقك من اكتشافهم أو حتى القبض عليهم وأنت تعلم أنهم لا يمتلكون أوراقا ثبوتية تربطهم بك أو تثبت انتمائهم لجهة معينة .. فأغلبهم من مجهولين النسب والمتسربين في الشوارع.. ما يغضبني أكثر شيء هو أنك لم تثق في قدرتي على تحقيق هدفك بالنهاية ولو بعد عدة أيام بطريقة سلسة ودون إشكالات مستقبلية.. أنت تظن أنك قد فزت وحققت انتصارا مظفرا.. ".

عدت للضحك بشكل هيستيري من جديد، ثم أخذت أهز رأسي لأعلى وأسفل بيقين من أدرك الحقيقة برغم جحوظ عينيّ بفعل بقايا جنون مسبق، وقلت بتصميم: "قد يكون البعض عاجزا عن الربط وبين تلك الأحداث الدامية حاليا.. لكنني أعرفك.. وأعرف ما أنت قادر على فعله بساديتك وتخطيطاتك الإجرامية.. ولن أنتظر لحظة الكشف عن جريمتك التي أودت بحياة البعض وأصابت المئات بإصابات بعضها شديد الخطوة.. أنت ستدفع الثمن الآن..
بيديّ هاتين.. إذا كنتُ لم أقاومك سابقا، فهذا كان اختيارا وليس ضعفا مني".

انقضضت عليه وهاجمته بعنف وأمسكت بتلابيب رقبته وأحكمت قبضتي بفعل نفور وحقد مزمن، حتى تحول لون وجهه إلى القرمزي الداكن وجحظت مقلتاه من الصدمة وانحسار قدرته على التنفس بسلاسة بعد اختناق شرايينه التي تغلق المجال على رئتيه وتمنع وصول الدم لمخه، لكنه كذئب عجوز يعرف متى يحمي نفسه، قام بزم قبضتيه ككرتين من الفولاذ ثم دفعني بعنف في صدري.

اختل توازني قليلا وارتددت خطوتين للخلف.. وقبل أن أعود للانقضاض عليه، قابلني هو بلكمة أخرى أسفل بطني أودعها كل شراسته..

شعرت بصعق كهربي لاسع فتهاويت على ساقي وأنا أضغط بكلتي يديّ على مكان الوجع ما بين ساقيّ محاولا السيطرة على آلامي..

لكنه لم يكتف بذلك، بل دفعني بقدمه في صدري فتمدد ظهري على الأرض، ثم نزل إلى الأرض على ساقيه وأمسكني من ياقتي بيده اليسرى، وكال لي اللكمات بشكل متوالي بقبضته اليمنى الفولاذية..

هو كان يقارب الستين، وبرغم قصر قامته وجسمه الممتلئ إلا أنه كان يمتلك قبضة قوية، خاصة عند الغضب..
فلطالما تذوقت قوة قبضاته الغاضبة مرارا وتكرارا..

بعد عدة لكمات، فقدت ما بقى من مقاومتي وتركيزي واستسلمت له تماما.. تركته يكيل لي الضربات بقبضته.. فأنا أستحق ذلك وأكثر..

طاوعته على مدى سنوات بتنفيذ كل أهدافه الطامعة بطرق غير قانونية.. كنت سلاحه الباطش والمقابل إبعاد أخي عن عالمه.. لكنني فشلت بالنهاية في حماية أخي من بطشه.. والآن أستحق أن أكون التالي بين قبضتيه..

للحظات، أغلق عقلي مفاتحه، ووجدتني فجأة في تلك الغرفة الصغيرة ذات الجدران الرمادية المتهالكة.. مجرد طفل صغير لا يدري شيئا عن العالم.. يتلقى عقابا تلو الآخر من رجل يقنعه دائما أن هذا لمصلحته.. وأنه هو السبيل الوحيد حتى يبرأ من مرضه.

والآن، بينما عقلي منزوٍ في تلك الغرفة القديمة البالية، لم أكن أشعر سوى أنني أحتاج لتلك اللكمات.. علّها تسكت ما بداخلي من آلام وصخب وجنون.. فأخذت أتلقى هجومه السادي دون مقاومة..

كان رحيم يضربني بصلف غريب وبتلذذ سادٍ، ثم أخذ يهدر بصوت عالٍ لم انتبه له في البداية وأنا أسبح داخل متاهات عقلي، لكنه كان مصرا أن تحتل كلماته مسامعي، فأخذ صوته يعلو ويهدر بأقصى قوة لديه حتى نجح أخيرا في أن يخرجني من حالة الجمود الذي حبستني فيها ذكريات تلك الغرفة التي أمضيت بداخلها سنوات..

كان رحيم يصيح باستنكار: "هل صرت تتحداني الآن أيها الوضيع؟ هل أصبحت قادرا أن تهاجمني فعلا؟ أتعض اليد التي امتدت لك يا حقير؟ أتظن أنك صرت كبيرا الآن؟ أظن أنك تحتاج لجلسة فورية لتقويمك وإعادة ترتيب عقلك الخرب".

تلك الكلمات..
جلسة تقويم..
عقلي الخرب..
آه من عقلي الخرب وما تسببه من وبال على رأسي على مدار سنوات..

لو لم يكن عقلي خربا حقا، ما انشغلت بخالد أو شروق بدلا من أخي.. عائلتي الوحيدة في هذا الكون المرعب.
وبينما شرع هو في كيل المزيد من اللكمات والصفعات والركلات لجسدي المنهك، تبدل شعوري بشكل غريب ومفاجئ.. لم يكن ما أشعر به في تلك اللحظات آلام الضرب.. بل صرت أحس وكأنه يسكب بداخلي حديدا منصهرا ليسري في عروقي محل الدماء.. فسرت رعشة في جسدي وتجمدت أوردتي لوهلة، وهربت الدماء من وجهي لأستشعره قد صار باردا مثل الموتى..

الآن تحولت الآلام لشيء آخر لا أستطيع تفسيره.. ما الذي يحدث لي؟ يبدو أن كل تلك اللكمات قد نجحت أخيرا في إصلاح عطب ما في رأسي..

تتعالى أصوات جديدة بداخلي تطغى على أصوات الغضب والحزن والآلم.. الغضب من نفسي ومن رحيم.. والحزن على أخي وعلى غيره من الأبرياء الذين يدفعون ثمن أطماع نظام سياسي تحول على مدار سنوات طويلة لعصابة إجرامية لا تتردد أبدا في سحق كل من يعارضها..
أما الألم.. فهو قصة أخرى..

ولكن الأصوات كانت تعلو وتعلو في داخلي وتبدد تماما السحابة الضبابية التي غشت عقلي وعينيّ..
فكلما ازداد رحيم عنفا وساديا، كلما تبلورت أفكاري وصارت أكثر وضوحا..

يبدو أنه كان على حق في النهاية.. فما يفعله الآن يجعل كل شيء جليا واضحا وكأنني أنظر للأمور عبر منظار سحري فائق الدقة يعرض الصور بتقنية متناهية الوضوح..

كيف لم أره على حقيقته طوال تلك السنوات؟.. كيف سمحت له بالتلاعب بي بين راحتيه على مدى أكثر من أربعة وعشرين عاما كنت خلالها أقل من عبد لديه..
يا لضحالته وتبا لسذاجتي..

رحيم يبدو كوحش سادي مرعب لكنه في الواقع ضعيفا وضئيلا.. لا يتغذى سوى على الضعفاء منهكي القوى.. ليس خصما عادلا وليس نبيلا في عدائه بحيث ينتقي من هم في مثل قوته لكي يكون نصره عليهم مثارا للفخر والتباهي، بل إنه لهشاشته يبحث عن التفوق فقط بين المقهورين والمهزومين بالفعل، أو ينقض على الغافلين المسالمين في معركة غير متكافئة حتى يضمن الفوز..

هو حتى لا يتوان أبدا عن ايذاء اقرب الناس إليه لأنه يعلم أنهم لن يقاوموه.. فكيف ظننت أنه سيفي بعهده لي ويترك أخي خارج حساباته الانتقامية؟

والآن جاء دوري لأكون وسيلة جديدة وقديمة.. أو لنقل مألوفة واعتيادية.. لكي يشعر من خلالها بالتفوق والزهو.. وأنا لا أمانع.. أقسم أنني لا أمانع.. فقط إذا ترك أخي والآخرين في مأمن بعيدا عن نزواته المريضة السادية بحثا عن سلطة وهمية!

استجمعت كل ما تبقى من طاقتي ودفعته بعيدا عني.. وقبل أن أنجح في النهوض، هاجمني هو من جديد وصار يحاصر جسدي المنسدح على السجادة الداكنة العتيقة بكتلته المترهلة، ثم قال مهادنا بعد أن أستشعر نوبة عناد نزقة جديدة: "افهم يا أحمق.. أنا تحدثت معك من قبل عن الولاء.. أنت أظهرت ولاءك لي بالفعل وحاولت أن تنفذ ما طلبته منك ليلة أمس.. رغم أنك لم تنجح كليا.. لكن لم أفكر أبدا في أن أعاقبك أبدا على فشلك بتلك المهمة بإيذاء أخيك.. فأنت لم تتحداني أو ترفض".

ثم رفعني قليلا وهو ممسك بياقتي بكلتي قبضتيه، وأكمل هازئا بنبرة صوت مختلفة تماما: "أنت فقط برهنت لي أنك غر ساذج.. وضعيف متخاذل.. وعقابك كان ما لحق بك الآن.. وأنت تستحقه وتعلم ذلك جيدا.. لكن ما وقع لأخيك مجرد حادث.. هو لم يكن أمرا مرتبا أبدا.. هذه إرادة الله.. فلا تحاسبني على ما لم يصدر مني كأمر مباشر لرجالي".

قال جملته الأخيرة بحالة من التشفي، والتمعت عيناه برضا وحبور، وكأنه قد حصد جائزة دون بذل أي مجهود.. وكأنه سعيدا بالنتيجة النهائية التي آلت إليها الأمور رغم أنه لم يكن قد خطط لها لتسير بهذه الصورة.


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس