عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-21, 02:10 PM   #337

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 الفصل الثاني عشر

الفصل الثاني عشر
شروق


اتركي كل ما في يدك وأحضري فورا إلى منزلي

رميت هاتفي على طاولة المكتب بعد أن أرسلت الرسالة إلى حنان.. وأخذت أزرع الغرفة جيئة وذهابا بضيق وانفعال..
حيرة شديدة يخنقها غضب عنيف، ويشعلهما معا لهيب دهشة متأجج.
لا أستطيع ترتيب أفكاري.. بل لا أستطيع التفكير..
رأسي سينفجر..

لم أبدأ بعد في ترتيب وتحليل المعلومات التي اكتشفتها خلال الأيام القليلة الماضية.. ثم.. ثم.. يزوجني؟

أبي سيزوجني بدون موافقتي.. هكذا.. وكأنني بهيمة تساق إلى الثور في موسم الاستيلاد؟

طرقت سطح المكتب بكلتيّ يديّ بحنق، ثم مددت يدي نحو ياقة كنزتي الصوفية عالية الرقبة أحاول تمديدها قليلا.. كادت المسكينة أن تتمزق بعنف أصابعي التي تجذب طرفها العلوي الدائري الخانق كمخالب معدنية حادة بجنون..

لماذا يبدو التنفس أمرا مرهقا فجأة؟..
داخلي بركان متقد على حافة الانفجار..
أحتاج لأن أهدأ.. ثم أشغل رأسي من جديد...

سأحصل على حمام ثم سأمشط شعري.. ووقتها سأهدأ ثم سأفكر بشكل منطقي..

بعد حوالي ساعة، أنهيت حمامي وارتديت منامة منزلية مريحة من القطيفة المبطن، ثم أسدلت خصلات شعري على كتفيّ..

وبدأت في تمشيطه بلطف وببطء شديدين.. أعرف عن تجربة أن هذا الفعل يهدئ أعصابي ويمنحني بعض الهدوء الذهني.
ماذا الآن؟
لأرتب ذهني بما لدي من معلومات أولا..

أبي مسؤول عن موقعة الجمل.. لا بل أبي مسؤول عن كل أعمال التخريب في ميدان التحرير..
هذا أولا..

وثانيا.. حازم هو الذراع الأيمن لوالدي في أعماله التخريبية..
لكنه.. لكنه كان يتعرض للابتزاز..
هل هناك فارق؟!
في النهاية هناك أرواح تأذت على يديه.

ثم.. حسام شقيق حازم..ورغم أنه أصيب بعاهة مستديمة، إلا أنه ظل يصر على أن أخاه لا يمكن أن يؤذيه بهذا الشكل.. ولا يمكن أن يكون سببا في إصابته أو أيا من الموجودين في الميدان.

كان الشاب متيقنا أن أخاه ليس قائد المجرمين الهمجيين الذين مارسوا مارسوا أعمال البلطجية الدموية ضد المعتصمين.
وهذا الكلام أكده أبي بشكل أو بآخر عندما هاجمه حازم في مكتبه..

إذًا حازم ليس مسؤولا عن موقعة الجمل..
أم تراه مسئولا ومدبرا لكل شيء، ولكنه ينجح بشكل بارع في إخفاء وجهه المظلم تحت قناع زائف يخدع به الجميع؟
عقلي مشتت والأفكار تتصارع فيما بينها ولا تستقر على قناعة واحدة منطقية..
الغضب يعود بموجات هادرة ليضرب رأسي في شكل نوبة صداع نصفي.

قذفت فرشاة الشعر بعنف نحو سطح مكتبي لتصطدم بجهاز اللابتوب.. من يهتم؟!
أرغب في تحطيم كل شيء حتى تهدأ الثورة التي تستعر بداخلي.

أخذت أزم شعري بغيظ في شكل ذيل حصان مرفوع..
آه لقد طالت خصلاتي.. يجب أن أقصها..

هممت للبحث عن المقص، ولكن تراجعت في اللحظة الأخيرة.. ليس الآن.. وإلا سأتلفه تماما..
آه يا رأسي.. إلى أين يأخذني تفكيري المشتت؟ هل هذا هو الوقت المناسب للتفكير في تسريحة شعري المقبلة؟
عدت من جديد للسير داخل الغرفة جيئة وذهابا..
لماذا لم تصل حنان بعد؟ ولماذا لا أهدأ؟

الركض.. هذا هو الحل!
سأجري لنصف ساعة لتصفية ذهني والتخلص من التشتت.. ثم أستكمل التفكير.

بدلت ثيابي من جديد وارتديت ملابسي الرياضية ووضعت غطاءً رياضيا على رأسي لحماية شعري المبلل من الهواء، ثم أحضرت جهاز "الأيبود" وشغلت قائمة من الأغنيات ذات الإيقاع السريع والتي تحفز على الحركة والنشاط.

قطعت الحديقة ركضا لعدة أشواط حتى تقطعت أنفاسي تماما، ثم عدت لغرفتي من جديد.. متعرقة ومجهدة.. ولكن بأفكار منتظمة غير متشابكة..

اغتسلت سريعا وارتديت منامتي، وأخذت أفكر من جديد.
كان ذهني قد خرج من اضطرابه وانطفأ وميض الأفكار المتلاحقة بداخله إلا فكرة واحدة..
الزواج..

لماذا عرض والدي تزويجي بهذه الطريقة على حازم؟! هل يراني بلا قيمة لهذه الدرجة؟! أي نوع من الآباء يفعل هذا؟!
إجابة هذا السؤال واضحة تماما بالنسبة لي.. لم أدركها على مدى سنوات عمري التي قضيتها في كنف هذا المنزل رغم معاملته الجافة الخانقة لي بشكل يومي، ولكنني علمتها مرة واحدة عندما تلصصت عليه.

ذلك النوع الذي لا يتردد في إزهاق الأرواح وقتل الأبرياء لتحقيق أهدافه.
ولكن لماذا يقبل هذا الشاب الابتزاز؟
هل وافق بالفعل؟ أنا لم أسمع إجابته..
تبا لي.. ليتني أكملت تلصصي لأستمع لإجابته..

حمقاء.. هل كان عليّ أن أقفز كالملسوعة فور أن سمعت أبي يعرض عليه الأمر؟ لماذا لم أنتظر قليلا لأستمع لإجابته؟ لماذا هربت كمن تم الإمساك بها بالجرم المشهود؟

هل قبل العرض؟ ولماذا يقبل؟ من يوافق على الزواج من فتاة يعرضها عليه أبوها بهذه الطريقة الرخيصة؟
حتى وإن كان من المحتمل أن يقبل الأمر كصفقة.. ما الذي يمكن أن يجمع بيننا؟ نحن الاثنان مختلفان كليا كاختلاف الليل والنهار..

ثم.. ثم إنه ليس مضطرا لقبول الزواج بهذه الطريقة.. أم تراه مجبرا؟
أقصد.. هل ما زال والدي يسيطر عليه بطريقته الغريبة..
لقد كان يضربه ذلك اليوم.. وربما ليست المرة الأولى أو الوحيدة..
هناك شيء غامض بينهما.. لماذا يقبل حازم تصرف أبي معه بهذه الطريقة؟

ثم.. ثم.. ما قصة الكرة الحديدية ذات الأسنان المدببة؟
لقد قرأت في بعض المراجع أن بعض مرضى الاكتئاب قد يقومون بإيذاء أنفسهم، خاصة إذا انتابتهم نوبات قلق..
تُرى هل يعاني حازم من مرض نفسي؟ هل هو مريض اكتئاب؟

هل يعلم أبي بمرضه؟ هل لهذا يعتدي عليه بهذا الشكل الهمجي؟
صداع.. صداع يمزق رأسي..

رفعت أناملي أدلك بها جانبي رأسي بحركات دائرية رتيبة لتقليل الشعور بالصداع جراء تزاحم الأفكار في عقلي..
بالنهاية توصلت لقناعة واحدة..

لا يهمني كثيرا ما يحدث له.. فليحترق إن شاء.. ذلك المجرم
لكن.. ماذا عني؟

هل سأتزوج جبرا؟ وأي زواج الآن؟! أنا على أعتاب التخرج وبدء حياتي العملية وتحقيقي طموحي الطبي الذي عشت سنوات مراهقتي وشبابي أخطط له..

لم أفكر نهائيا في الزواج.. ولم أعش أبدا قصة حب..
كل حياتي خصصتها للدراسة والكتابة.. فكيف ينتهي بي الحال هكذا؟..
لا.. أنا لن أقبل الزواج بهذا الشكل.
ولكن.. أبي.. ماذا سيفعل بي؟!
نعم.. أعترف.. أنا أخشاه..

كنت أخشاه طول حياتي.. كنت أتجنب الحديث معه أو التعاطي معه إلا في أضيق الحدود وعند الضرورة فقط..

لم يغمرني أبدا بعطفه أو حبه رغم أنني يتيمة الأم.. لم أشعر بعاطفة الأبوة من جانبه.. ولولا.. لولا ماما سناء ما كان لدي آية مظلة من العواطف تقيني عواصف هذه الدنيا وأعاصيرها.

والآن بعد أن اكتشفت جانبا أكثر قتامة وسوداوية له.. لا بل جانبا دمويا يستحل القتل..
من المؤكد أنه لن يكون متفهما أو رحيما معي..

انتابتني ضحكة ساخرة عند هذه الفكرة.. أعني كيف لرجل لا يعرف شيئا عن الرحمة أن يكون اسمه رحيم!!..
هل يمكن أن يؤذيني أبي كما فعل مع حازم؟
ألم يكن يؤذيني كل تلك السنوات؟ وهل كل الإيذاء جسدي؟!

قطع تدافع أفكاري، صوت فتح باب الغرفة بقوة واقتحام حنان للمكان بكل حيويتها وطاقتها الصاخبة القادرة على تبديل الأجواء في ثوانٍ معدودة..

دلفت صديقتي إلى الداخل وهي ترسم ابتسامة عريضة على شفتيها تحاول من خلالها إخفاء قلقها..
بالتأكيد رسالتي الغامضة أصابتها بالذعر.

"ماذا هناك يا صديقتي؟ هل قبلتِ أخيرا أن نستغل الانفلات الأمني ونقوم بسرقة أحد البنوك؟".. سألتني هي بنبرة مشاكسة، فهي لا تعرف شيئا بعد عما جرى في الميدان..
أو بعده..

"أقبلي يا فتاة.. أحتاج إليك".. قلتها بابتسامة هادئة، ثم قطعت خطوتين نحوها وارتميت في أحضانها وعانقتها بقوة، فقالت هي ممازحة: "آه.. وقعت المسكينة في حبي تماما.. ما هذا العناق المشتعل؟"..

ضربتها على كتفها بعد أن تركت ذراعيها، ثم أخبرتها بحدة: "بل سأتزوج"، لتتهاوى هي على الأريكة الزوجية المقابلة لمكتبي بفعل نوبة من الضحك.

ناظرتها بوجوم حتى تخلصت من ضحكاتها، ثم سألتني بفرحة ممتزجة بالدهشة: "حقا؟ هل ستتزوجين؟ من هو العريس؟ هل وقعتِ في الحب دون أن تخبريني؟ ماكرة".

أجبتها بنبرة تقريرية: "توقفي.. ما كل هذه الأسئلة؟.. أنا لم أقع في الحب ولم أقبل العريس.. بل أبي سيزوجني له.. هكذا.. دون حتى أن يخبرني أو يحصل على موافقتي".

ارتسمت علامات الذهول على وجه حنان، وسألتني بإلحاح: "ماذا تقصدين؟ اشرحي فورا.. أصدقيني القول.. هل تمازحينني؟

اليوم ليس الأول من أبريل فلماذا تكذبين؟ أم أنكِ تعرضتِ لإصابة في رأسكِ بسبب وجودك في الميدان في وقت الأحداث الأخيرة؟ هل أنتِ بخير؟ دعيني أتفحص رأسكِ".. أنهت كلماتها وهمت بالفعل لتجذب رأسي نحوها..

ضربتها بعنف على يدها وأمسكت بكتفيها بحزم ثم أجلستها من جديد على الأريكة وجلست بجوارها وبدأت أسرد لها عن خلافات في العمل بين أبي ومساعده، وأن أبي عرض عليه الزواج مني حتى لا يتخلى عنه في هذا الوقت وسط الأزمة الاقتصادية المتوقعة في ظل الاضطرابات الأخيرة، خاصة وأن أبي معروف بعلاقاته القوية برجال الحزب الحاكم، وبالتالي إذا سقط هؤلاء بعيدا عن السلطة، سيكون للأمر تأثير كبير على استثمارات أبي، خاصة تلك المشروعات التي تعاقد عليها بالفعل ولم يكملها بعد، كما فهمت من تنصتي على محادثاته الأخيرة.

أخذت أشرح وضع أبي في السوق وحاجته لضمان إخلاص وولاء مساعده الرئيسي في هذا التوقيت الحرج، دون أن أمتلك الشجاعة الكافية لأكشف لحنان ما علمته عن جرائم أبي باعتراف صريح منه..

لماذا طلبت منها الحضور في المقام الأول وأنا لا يمكنني الحديث معها بصدق؟
هي لن تستطيع أن تسديني نصيحة فعالة ذات فائدة وهي لا تعلم الحقائق..

حنان استمعت لكل ما قلت باهتمام حقيقي، ثم ظلت تفكر لعدة دقائق في فتات المعلومات التي أطعمتها إياها، لتقول لي في النهاية: "عليكِ أن تتحدثي مع والدك.. وأن تخبريه أنك لست مستعدة للزواج حاليا.. فهذه آخر سنة لكِ في الكلية وتحتاجين للتركيز".

هي على حق.. غدا سأتحدث معه..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

في المساء، قررت إخراج أمر الزواج من رأسي مؤقتا.. وأمضيت ساعات طويلة أتصفح مواقع الانترنت وأشاهد القنوات الإخبارية التي ترصد تبعات موقعة الجمل.

كان عليّ أن أنشر تدوينة جديدة أرتب من خلالها أفكاري وأعبر بها عما بداخلي لكي لا أختنق من الضيق.
ولكن كيف سأعبر عن الأمر دون أن أعترف أن أبي طرفا خفيا يدبر ما يجري في الميدان ويحيك الجرائم والمؤامرات بهدف إثارة البلبلة في الميدان وترويع المعتصمين.. بل قتلهم!..
ليته لم يحدث.. ما هذا الكابوس؟

هل أنا شريكته بمجرد الصمت الآن؟ هل يجب أن أفضحه علنا أمام الجميع؟ وهل هناك آية أدلة على ما سأقوله وأثير من خلاله بلبلة بلا نتيجة؟

هل أقول "أنا سمعت"؟ هل هذا كافٍ حاليا خاصة في ظل حالة الغليان التي تسود معتصمي الميدان؟
بصعوبة أوقفت سيل الأفكار الذي تناطح برأسي، ثم طالعت الشاشة من جديد.. هناك الكثير من التصريحات السياسية... والكثير.. الكثير من الوعود بتحقيقات نزيهة للإمساك بالفاعلين..
أفلح إن صدق!

كيف يحققون مع من يمنحونهم فرصة جديدة للبعث من بعد الموت؟ هل سينتصر النظام مرة جديدة على المحتجين لتعود الأمور لمثل ما كانت عليه قبل الخامس والعشرين من يناير؟

لم أستطع أن أكتب سطرا واحدا أكون صادقة فيه..
ولكن.. أحتاج للكتابة.. رأسي يقتلني والكلمات تختنق بداخلي تريد الانطلاق عبر أزرار لوحة المفاتيح..
بدأت تدوينة جديدة بعنوان "زحام وصخب"، وبكلمات مقتضبة عبرت عما يدور بعقلي ويعتمل بصدري ولكن بطريقة ضمنية بدون إعلانات صريحة أو اعترافات واضحة..

ربما تكون هذه هي المرأة الأولى التي أكتب فيها تدوينة شخصية بعيدا عن التحليلات السياسية لوقائع محددة.. ولكن أنا فقط لا أستطيع أن أحتفظ بكل هذا في داخلي..

انطلقت أصابعي على لوحة المفاتيح تخرج الكلمات الحبيسة بداخلي.. فكان هذا ما كتبت:

(يحدث أن يلمس قلبك قبس من نور، فيضيء داخلك بالحياة والأمل والطهر والحبور.. وتمضي في طريقك المُعبد بعد أن كان محفوفا بالمخاوف والمخاطر بروح واثبة.. واثقة.. شديدة العزم، حتى تخطف الفوز وتتقاسمه مع كل من ساندوك وآمنوا بك وشاركوك السعي بإصرار ومثابرة..

ويحدث أن تحلم أن المستقبل سيكون ملونا بزهور الربيع ومعبأ بعطور الجنة ومذاق حلوى غزل البنات وبهجة الصغار صبيحة يوم العيد..

كما يحدث أن تهتز سفينتك فتميد بك، فتتقاذفك أمواج متلاطمة ليتلاعب بك الطوفان... يرفعك لقمم عالية لم تكن تظن أبدا أن لك قِبل بالوصول إليها، ثم يدفعك فجأة إلى قلب الإعصار.. فتتشاجر أنفاسك فيما بينها ذعرا وهلعا حتى تختنق دون أن تجد باحة غنّاء تمنحك بعض السكينة أو غصنا صغيرا تستند عليه لتستعيد توازنك..

ويحدث أيضا أن ترَ الدم عن يمينك وعن شمالك وتختنق برائحته المعدنية المزعجة المنذرة بالخسران.. بالفقد.. بالموت.. أن تحاصرك صرخات الأنين والألم وأنت عاجز عن تضميد الجراح ولو حتى بشبح ابتسامة تطمئن بها المكلوم وتمنحه أملا زائفا..

وهنا.. في الميدان.. يحدث أن تفقد أمانك.. أن تفقد حياتك.. أن تفقد مستقبلك.. لمجرد أنك قررت الوقوف والمواجهة، ثم قلت (لا) بملء فيك فزلزلت قصرا عتيقا من ورق كان سيؤول للسقوط لانهياره من الداخل، لكن ساكنيه ظلوا يخفون تقهقرهم بطبقة زائفة من قشور الذهب، تلمع دون أصالة حقيقية.. يتكالبون لحصد الغنائم دون أن يوجهوا ولو نذرا يسيرا من طاقتهم لتدعيم أعمدته ورفع حصونه أمام الأزمات.. دون حتى أن يحاولوا التفاهم مع من يقبعون خارجه يعانون القهر والمرض والجهل والظلم..

يا الله.. حتى السلمية صارت في نظرهم أمرا غير مقبول وتجاوزا يستحق العقاب.

ويحدث أن يتجبر زبانية الجحيم من أهل الأرض.. بأطماعهم وشرورهم، فيقومون بزج الأبرياء إلى داخل أتون مستعر هم مشعلوه.. فقط ليدفأ داخلهم.. ليبقوا هم ويظللهم الأمان والرفاهية.. وليحترق الجميع..

ويحدث أن تكتشف بالمصادفة أن كبيرهم هو من دأب على حرمانك من السعادة كهواية صباحية.. ومنع عنك المساندة كموهبة خاصة.. وحجب عنك خيمة أبوية تدثرك بالدفء والحنان.. كاختيار متعمد.

ثم.. يحدث.. ويحدث.. ويحدث.. لتجد نفسك في النهاية عبارة عن غرض يتم عرضه في موسم التخفيضات بلا ثمن كهدية مجانية تكون دفعة تأمينية لإتمام صفقة أو حتى مكافأة ترقية.

وأخيرا.. يحدث أن تجد نفسك حبيسا داخل قفص معدني عالي الأسوار كطائر الزينة تغرد بأمر وتخطو بأمر.. ولا تطير.. أبدا..
ولكن من نبض قلبه على هواه.. من ذاق الحرية.. لا يقبل أبدا الخنوع.. لا يقبل أبدا الركوع.. لا يرفع أبدا راية الاستسلام..
وهذه صرختي يتردد صداها كما صاغها خليل جبران في كتابه "الأرواح المتمردة": "اسمعينا أيتها الحرية، ارحمينا يا ابنة أثينا، انقذينا يا أخت رومة، خلصينا يا رفيقة موسى، أسعفينا يا حبيبة محمد، علمينا يا عروسة يسوع، قوي قلوبنا لنحيى أو شددي سواعد أعدائنا علينا فنفنى وننقرض ونرتاح"
).

ضغطت على زر النشر.. ثم استسلمت للنوم على سريري في سلام مصطنع.. في هدوء رتيب.. وبرأسي فكرة واحدة..
غدا يوم آخر..

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس