عرض مشاركة واحدة
قديم 16-04-21, 12:26 AM   #57

اوديفالا
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية اوديفالا

? العضوٌ??? » 481181
?  التسِجيلٌ » Nov 2020
? مشَارَ?اتْي » 160
?  نُقآطِيْ » اوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصـل 37 / 《أليكساندر》

جعدت داخل قبضتي ذلك التقرير النفسي بينما شققت طريقي خارج الشركة ، اغلقت كل حواسي من كل الهمسات و نظرات التغزل الراجية في اوجه العاملات هنا ومن كل التلميحات الجريئة في محاولات بائسة لإستدراج إنتباهي ، وكأنني لست نفس ذلك الشاب البسيط الذي كن يمرن أمامه ويتغامزن على مظهره البالي الفقير.. وبعضهن لم اكن جديرا بالاهتمام لاجعل رؤوسهن تستدير لي حتى

وحدها التي عثرت عليا .. ومن بين الجميع جعلت غربتي في هذه المدينة قابلة التحمل ..وكم أنا غريب الأن بدونها .

في اليوم التاسع بعد خمسة أشهر طويلة من الانفصال خرجت لأهيم في الشوارع ، أذهب الى الأمكنة التي كنا نذهب إليها معا لعل الصدفة تشفق عليا وترحم قلبي ولو بنظرة واحدة من بعد ..الى مطعم دييغو ..الى عجلة لندن .. الى مدرستها .. إلى محطة القطـار

يمر اليوم بطيئا.. وينتهي فوق سطح الفندق .. أنتظر لعلها تأتي .. لكنها في كل مرة تتركني وحيدا اشاهد الشمس تغرق في الافق بشكل محزن .. أين أنتِ لتشاركيني تأمل المغيب الجميل؟ إنتظارها مشابه لانتظار القطار وعدم الصعود اليه ..

في اليوم العشرون بعد خمسة أشهر من دون رؤيتها .. إنتهى بي المطاف جالسا على أحد المقاعد أمام جسر لندن ..شارد في كثرة الناس حولي ..وكانت هي وحدها بداخل قلبي ..اصبحت اعيش داخل مخيلتي .. أين استطيع رؤيتها

هل من الضعف أن أقول أنني إشتقت لها ..هل من الخطأ أن أقول أنني مازلت أنتظر قدومها

اصبحت مخدرا بها ..وحين افيق للواقع انكر كل لحظات ضعفي .. حين أنظر الى التقرير النفسي لا اشعر سوى بالغضب الشديد نحوها

من بين كل أسرارها التي أخبرتني بها .. أخفت عني هذا السر بالذات ، حتى حين سنحت لها الفرصة في بيت جدها .. حين حملته بين يدي هي خطفته ومزقته وطلبت مني أن لا أسأل أبدا ..

اصبحت شخصا مليئا بالمرارة وغضبي لا يتوقف بل يتضاعف تجاه كل تلك العائلة ، كان يجب أن أعرف منها وليست من الانسة سيرافينا .

ضغطت بقوة على تلك الورقة التي سحقتها بأصابعي على مدار الايام الماضية .. من أين للانسة سيرافينا الجرائة لتحاول تشويه صورة الفتاة الوحيدة التي عاملتني كإنسان .. بينما هي وعائلتها عاملوني كعبد ..

من اين لها الجرائة لتحاول جاهدة تظليلي بورقة لعينة وكأن إفشائها لماضي أختها لم يشفي غليلها ..كان عليها ان تدعم ذلك بدليل

لماذا تريد تحوير الاحداث وجعل أختها تبدو البطلة الشريرة في القصة .. لماذا قد تشعر بالتهديد منها وهي مخطوبة لجيريمي .. لماذا أشعر أنها خائفة من وجود أمل لعودة فتاتي لي ..

ثم من اين لها الجرائة لتلومها على جرحها لقلبي ، وان جرحتـه.. انا اعطيته لها .. لتفعل ماتشاء به .. وأنا فقط من يحق له لومها

آه ياإلهي أرشدني إلى مكانها

أنا غاضب من نفسي ..لأن انفاسي ليست ممتلئة بدونها ..وإبتساماتي ليست مكتملة ببعدها عني

ليتني استطيع ان اجمع كل هذه المشاعر التي تشكل صراعا في داخلي و تصنع حاجزا بيني والمضي في حياتي ..وأضع سدادة عليها

في الواقع لا احد يعرف الحقيقة .. قد يكون التقرير صحيحا ، قد تكون تاماني حقا مضطربة نفسيا ..وكل تلك الايساءات التي اخبرتني عنها لم تحدث ابدا ..كانت حقا ممثلة محترفة تلاعبت تقريبا بالجميع حولها من حقائق مزيفة .. قد تكون استغلتني عن قصد ببرائتها لاخرجها من هناك ..

ثم مجددا .. في محاولات الانسة سيرافينا لإثبات أن أختها ليست طبيعية.. ووسط كل الاعترافات التي ذكرتها ببراهن ثابتة لايتطرق إليها شك ..هي ذكرت شيئا فقط انا من اعرف حقيقته

نظرت الى القلادة .. وفكرت .. حبيبتي يستحيل ان تصيب هدفا .. هذه القلادة يستحيل أنها وقعت داخل مكب النفايات ..لانها دوما تخطأ

وهذه الحقيقة الوحيدة التي انا متاكد منها من بين كل الاعترافات التي سبقتها ورغم أنني مثل جدها ..ليس لدي دليل لكنني أختار ان أصدقها .. كانت مجرد طفلة ولدت في أسرة سطحية مادية همها الوحيدة المال و رضاية المجتمع الراقي ..كانت بحاجة للحب والإهتمام ولم تحصل سوى على أم متسلطة ، أب غير مبالي ، وأخت حقودة ..لم تستطع الانسجام في عالمهم وهم لم يتقبلوها كما هي كزهرة ..تحتاج للاهتمام لتنمو وتزهر ..من يلومها على رغبتها ببعض الحب ..فمن لا يرغب بذلك

هناك فعلا حقيقة واحدة في حياتي ..وهي أني ساكون دائما عاشقا لها .. وأني أحبها حبا خالدا لم أشعر به من قبل إتجاه أحد

وأنني غاضب مثل الجحيم لأنها إختارت جيريمي وأخفت عني ذلك التقرير

أشعلت سيجارة تلو الاخرى متمنيا تظهر فجأة و تجلس بجانبي لتطلب مني إطفائها .. استطيع سماع صوتها في رأسي والأشياء الغبية التي اعتادت قولها وكل امثلتها الطريفة .. اتذكرها جميعا

إشتقت لمشاكستها الطفولية معي

إشتقت لمشاكلها السخيفة مثل الشعر الأرجواني

إشتقت إقتحامها سريري ليلا حين تخاف من الظلام والرعد

إشتقت لطفلتي

ولا يمكنني الإستمرار على هذا النحو .. لقد بحثت في كل مكان أعرفه .. هل يعقل انها غادرت معه الى امريكا ؟

عدت خائبا إلى الشركة وأغلقت على نفسي داخل المكتب ، سلمت نفسي للعمل حتى إتصلت السكرتيرة وكل ماسمعته كان فيفر فصفعت الهاتف ، إنها لا تستسلم أبدا وإن إستمرت بزيارتي على هذا المنوال سأفقد صوابي .. يكفي ..يجب أن أضع حدا لهذه الجشعة

دفعني غضبي لاقف وأسير بخطوات عنيفة وبدأت التحدث بصرامة قبل أن أفتح الباب ( هذا أخر إنذار لك أنسة فيفر ..لا تتجاوزي حدودك وإلا سأقوم بـ .. )

إختفى صوتي عندما فتحت الباب لأجد إمرأة طويلة ترتدي ساري أزرق يبرز بطنها المنتفخ ..تضع أقراط مكشكشة بنفس اللون .. تنظر لي من خلال رموشها السوداء الكثيفة وعينيها المكحلتين بطريقة لطيفة

( فاني ! ) كنت عاجزا عن التصديق بحيث قمت لاشعوريا بعناقها فربتت على ظهري بلطف ( مررت لأراك و كذلك لأوبخك قليلا )

( تفضلي .. ) فتحت لها باب المكتب وقمت بدفع الكرسي الجلدي بعيدا عن المائدة الصغيرة لتستريح في الجلوس ( ماذا تشربين ؟ )

قالت بصوتها الهندي الموسيقي ( شكرا ..لن أبقى طويلا .. إذا كيف حالك ؟)

جلست في الكرسي المقابل لها ، شعرت بالحرية لاخبرها بصوتي الحزين الذي أخفيه عن الجميع ( حي ..لكنني لا أعيش بدونها )

صمتت فاني ..فإستمريت بالحديث بإحباط ( أعرف كم هي مهمة لك .. لهذا انتِ الوحيدة التي ستخبرينني بالحقيقة ..هناك أسئلة أعجز عن إيجاد أجوبة لها .. أخبريني يافاني .. هل أحببتها لدرجة فاتني كل المكتوب هنا ؟ )

أريتها التقرير النفسي فرفعت يدها رافضة أن تمسكه وإكتفت بوميض عتاب في عينيها

فتابعت موضحا ( فاني ..لايوجد تقرير في العالم سيجعل حبي ينتهي نحوها ، لكنني غاضب لإخفائها الامر عني ..ألم تثق بي على الإطلاق ؟)

وضعت يدها فوق بطنها وهزت رأسها بإستغراب ( أخبرتك مرة إن كان هناك مائة سبب للتخلي عنها فإبحث عن سبب واحد لتقاتل من أجلها .. معقولة أن حبيبتك ليست معك الأن بسبب تقرير لا أساس له من الصحة . )

( السبب هو إختيارها لجيريمي يافاني ..لايمكنني ان اقاتل من اجل فتاة لم تختر أن تقاتل من أجلي )

قالت في لهجة معاتبة ( عزيزي أليكساندر .. تاماني بلهاء لكنها ليست خائنة ، لقد تم صفع تلك الفتاة واحراقها وإهانتها وخداعها وتهديدها بقتلك داخل السجن ..لم يبقى شيئ لم يحصل لها من طرف سيليستيا لتوافق على تلك الخطوبة التي إنتهت في دقيقتها .. انت الوحيد الذي أرادته تاماني في كل حياتها والوحيد الذي قاتلت من أجله )

نظرت إليها في إستنكار ، وتضاعف غضبي أكثر نحو تلك العائلة ..اللعنة عليهم ، فكرت بطرد تلك الاخت الجشعة ..وفكرت بإنهاء شراكتي معهم ..وفكرت بجعلهم يفلسون .. لا أستطيع التصديق أن تلك العائلة مازالت تتآمر عليا ، وكانه لا يكفي مافعلوه حين كنت فقير ..عجيب أمرهم حتى وأنا غني لا يريدونني مع إبنتهم ..وتلك الأنسة الجريئة تحوم حولي بكل وقاحة

ثم فكرت بها وتلهفت لعناقها وعدم تركها تفلت مني مجددا وشبكت أصابعي متوسلا ( أرجوك أخبريني أين هي ..أرجوكِ )

إبتسمت بلطف ( قالت أنها ستذهب للشخص الوحيد الذي أحبها في الحياة بدون شروط )

قلبي قفز مرة أخرى قبل جسدي ، شعرت أنني غير مقيد .. لم أستطع إهدار ولو دقيقة أخرى هنا بدونها .. أتِ إليك ياحبيبتي

وقفت فاني وهي تربت على بطنها بحب ، راقبتني أصل حتى الباب بدون عقل ، ثم عدت إليها بفرحة هستيريا( لا أعرف كيف أشكركِ )

دفعتني برفق نحو الباب ( إذهب و إجعل تاماني سعيدة مجددا )

طرت إلى كوتسوولدز وذهبت مباشرة لمنزل جدها .. المكان الوحيد الذي لم أبحث فيه لانها اخبرتني ان والدتها باعته .. صعدت درجات السلم الاربعة وطرقت الباب ففتح لوحده

( تاماني ) ناديتها فلم أسمع أي حركة ، صعدت لغرفتها لكنني عجزت عن فتح الباب ، أخشى ان أجدها مستلقية هناك ..نائمة وميتة

أغمضت عيني ودفعت الباب، توقعت ان تكون هنا وتصرخ علي .. ومجددا صمت مميت ، ففتحت عيني لأجد الغرفة فارغة بدون أي دليل أنها كانت هنا ، بحثت في بقية الغرف ثم خرجت وبحثت في الفناء الخلفي

( أين أنتِ ياتاماني؟ )

أين تكون قد ذهبت غير هنا ؟ .. قالت فاني إلى الشخص الوحيد الذي أحبها حب حقيقي بدون شروط

هل يعقل ؟ .. ركضت إلى المقبرة التي لم تكن بعيدة من هناَ .. كانت واسعة جداً ذات أسوار بيضاء وممتلئة بأشجار ذات أغصان طويلة متشابكة ..ومن بعيد لمحت فتاة جالسة بجانب إحدى القبور ، تستند على جذع شجرة .. تقرأ كتاب .. مستغرقة كليا فيه لدرجة أنها لم تشعر بوجودي

إقتربت بخطوات بطيئة .. بين ظلال الأشجار .. رؤيتها سرقت أنفاسي .. اختفى توتر تلك الاشهر الخمسة الطويلة ..وكل جروحي إلتئمت ..حتى القديمة منها ..توقعت أن أجدني غاضبا عليها ..لكن كل ماكان لدي من أجلها هو الحب ..

( أيتها الصفراء ) كان صوتي بهيجا ، مبتسما ، مبالغا فيه لدرجة الإثارة

( حسنا أنتِ لست صفراء الأن )

رفعت وجهها الذي شحب لونه من الصدمة ونظرت لي غير مصدقة ، كان شعرها البني الكثيف يتلألأ حول وجهها .ويغطي جوانبه ، مازال مجدولا وتختبئ فيه بعض الخصلات الذهبية التي بدأت تختفي ، ترتدي قميصا أوسع منها من الواضح أنه لجدها وسروال جينز رمادي قديم شاهب ..وتضع نظارتها الطبية على وجهها الصافي النقي ، تشبه الفتاة الصغيرة التي رأيتها في الصورة مع جدها أكثر من أي وقت مضى

( فاني ماتزال عاجزة عن كتم سر ) دمدمت لنفسها ، إلتصق حاجبيها ببرودة وبسرعة عادت لتنظر الى كتابها ..بدت أنها تحاول إستيعاب وجودي هنا ( ماذا تفعل هنا ؟ )

أجبتها هامسا ( أين قد أكون غير هنا ؟ )

تنهدت ، وأمسكت الكتاب بقوة حتى أنها جعدت حوافه ( إرحل .. هذه منطقتي الخاصة )

فهمت أنها تجلس بجانب قبر جدها فتراجعت خطوتين للخلف ، قرأت الإسم على قبر المرأة بصوت مسموع ( الأن انا في منطقة ليلي جايسون )

فقلبت عينيها متذمرة ( أنت تحجب الشمس عني)

قلت بنغمة ودودة ( أنا هو شمسكِ )

حافظت على إبتسامتي وهي حافظت على تجاهل النظر لي ( هذا كان سابقاً ، أنت أصبحتَ شمس إمراة أخرى الان )

شعرت بوجهي يتقلص ويعبس وصوتي يحترق ذنبا ( أنا أسف ، لكنني كنت مجبورا علـ... )

لم ترد أن تسمع صوتي حتى فقاطعتني بقلة إهتمام ( وفر عليا تبريراتكَ ..فقط إرحل )

ضربت طرفا الكتاب بعنف لتغلقه ،ووقفت تسير مبتعدة عني ، فقلت بإلحاح ( ليس قبل أن تسمعيني )

( قلت لك إرحل ) زادت في سرعتها وحين وصلت للبيت باغتتني وركضت لتغلق الباب من خلفها

( إفتحي الباب .. إفتحي الباب أرجوكِ ) بدأت أطرق بتوق فتجاهلتني كليا ،بقيت أطرق لعشرون دقيقة كاملة

كان لدي إحساس أنها تقف خلف الباب ، فحذرتها بلطف ( أنتِ تعرفين أنني أستطيع أن أكسر الباب ..إفتحي الباب أو كسرته )

فعلا تردد صوتها الغاضب خلفه ( إذهب من هنا .. أو إتصلت بالشرطة) ثم سمعت وقع خطواتها وهي تبتعد

( لماذا ؟ لكي يأخذوني إلى السجن مجددا بسبب شكوة أخرى من آل فيفر )

ثواني حتى فتحت الباب دون رغبتها لتطل به بنصف جسدها فقط ونظرت عينيها البنيتان اللتان صارتا حادتان كالنصل وتحذرني ( أنا لست جزء منهم بعد الأن .. وأنت ستذهب للسجن بسبب تاماني ..فقط تاماني ! إن لم تغادر من منزلي حالا )

لم تلمع عينيها لرؤيتي ، لم تتورد وجنتيها خجلا ..لم تبتسم فرحا ..إنها تنظر بعيون بنية منطفئة ..جامدة الاحاسيس بشكل يؤلم

قالت بهدوء ( عد إلى لندن وعيش حياتك .. ودعني أعيش حياتي )

فقلت محاولا أن أحافظ على هدوئي ( كيف ؟ عبر التواجد في المقبرة طوال اليوم ثم العودة إلى المنزل للنوم على أمل أن لا تستيقظِ في الصباح )

( ماأفعله لم يعد يعنيك بعد الأن ) رأيت المقاومة في عينيها ..كانت سمات القوة والإستقلالية منعكسة في تقاطيع وجهها الآسر ..وصوتها خالي من التردد

إبتسمت وتأملتها بفخر ( أنظري إليكِ ، أنتِ أخيرا صعدت القطار ..لقد تغيرتِ ، شعرك عاد لطبيعته ووجهك يبدو منيرا بدون الألوان ، أنت أصبحت تاماني فقط ..الفتاة التي أحببتهاَ )

والحقيقة أني قد أحببتها في جميع حالاتها

صدح صوتها عاليا وهي تدفعني عن عتبة المنزل ( أجل ..أيضا الفتاة التي خنتها وهجرتها ، لستُ الوحيدة التي تغيرت ..كلانا تغير ، نحن تبادلنا الاماكن ..أنا عدت للريف لاكون فتاة بسيطة ..وأنت الأن في لندن حيث ستكون السيد النبيل ذو الشأن الكبير في المجتمع )

( تعرفين أنني لا أكترث للمظاهر ) حين قلت هذا نظرت لثيابي الفخمة التي جعلتني أبدو تماما مثلما وصفتني للتو .. بدت مذعورة بشكل ما

( إشتقت لكِ ) لمست وجهها فنكرتني بقوة ونفرت مني بحيث سرت قشعريرة في كل انحاء جسدها ..ورمتني بنظرة قاسية جمدتني

وقفت مثل غصن شجرة مائل ..وحذرتني بصوت مكسور( إياك أن تجرؤ ، غادر من منزلي في الحال )

أمسكت بالباب ودفعته بسهولة لأضع قدمي داخل المنزل حتى شهقت ( يالالهول اللايدي هولموود ) بدأت تنظر خلفي فإستدرت بسرعة وجسدي يقشعر و أنفاسي تحتبس داخل حلقي والشيئ الأخير الذي شعرت به عقلي يدوخ والباب يغلق بقوة في وجهي

الماكرة .. نالت مني لثواني

ومالبثت حتى خرجت مجددا مستمتعة بنوبة القلبية التي أهدتني إياها وبدأت تمشي بترنح

( إلى أين ؟) لحقتها وسرت بجانبها ، تجاهلتني واستمرت بالتظاهر أنني غير موجود طوال الطريق ، لم تبتعد كثيرا حيث توقفت عند الصيدلية وإشترت اقراص منومة ودواء الالم

( لا بأس ..أنا سأدفع ) حين قلت هذا جن جنونها فإندفع صوتها الحاد وتغلغل في عروقي لأحس لأول مرة بغضبها الشديد ( إحتفظ بنقودك لنفسك )

ثم عادت لهدوئها الغريب ودفعت للصيدلي الذي أخبرها بنبرة رعناء معجبة ( تاماني ..لا تنسى أن تأتي يوم الجمعة )

وهي أومأت موافقة وغادرت من الصيدلية بعد ان قدمت ابتسامة سريعة للبائع الذي بادلها بغمزة ..فشعرت بموجة من الحرارة تندفع من رأسي ، سألتها بإستعجاب ( لا أصدقكِ ، لماذا كان يغازلك ؟ هل كان ذلك موعدا ؟ )

لم تبدي أي إستجابة ، فقط قالت بلامبالاة ( قلت لك حياتي لم تعد تعنيك ووقتك الذي تضيعه هنا معي إذهب وإستثمره في حياتك الجديدة )

( حياتي تدور حولك فقط .. كيف تجرؤين؟ ) ظهر السخط جليا في وجهي وصوتي

فإبتسمت في محاولة لإستفزازي وقالت بصوت ناعم حريري ( خبر عاجل لك ياأليكساندر .. أنا فتاة عزباء الان )

وحين إقتربنا من منزل جدها توقفت محذرة ( توقف عن اللحاق بي )

قلت وعيناي تتوهجان إشتياقا ( سألحق بك حتى الى الجحيم )

( حتما ستذهب هناك يدا بيد مع سارقة الرجال ) تمتمت بصوت ساخر خفيض ثم فتحت ذراعيها في الهواء بقلة صبر ( ماذا تريد مني ؟ لماذا أتيت ؟ )

( أريد إستعادتك لحياتي ) أخبرتها بنبرة راجية فضحكت لكن بقهر شديد ثم تحول ضحكها لهستيريا وإفراط في التنفس .. راحت تضربني في صدري قائلة بغضب شرس ( تريدني أن أصبح عشيقتك ؟ الجرأة ! )

وأصبحت حمراء جدا وهي تقول بسخرية ( هل مللت من زوجتك بهذه السرعة ؟ مالذي حصل ياأليكساندر ..ألا تحبك بمافيه الكفاية ؟ هل كانت التجاعيد تترهل من جسدها الهرم حين عانقتها ؟ هل سقطت أسنانها الاصطناعية داخل فمك حين قبلتها ؟ )

وقفت مدهوشا لبرهة ثم صرخت مكتفيا (يكفي تاماني ، هل فقدت صوابك ؟ ماذا دهاكِ ؟)

ابعتدت عني وهي تمتم ( إبق بعيدا عني .. لاتلحقني .. عد لحياتك الحقيقية مع زوجتك فيكتوريا و إنسني ) ثم تنهدت ، وإحمرت وجنتيها وركضت مجددا لكنني كنت جاهزا هذه المرة ..وصلت معها بنفس الوقت للباب لكنني لم اكن جاهز لان لتركلني بكل قوتها

وأغلقت الباب مجددا في وجهي فركلته لاشعوريا ( أيتها العنيدة )

قررت الذهاب في جولة.. تجولت على المسار الترابي ، تحت سماء زرقاء صافية ..ورياح دافئة تهب على وجهي ..قادتني في طرقات لا نهاية لها ودفعتني الى منزلي المتواضع .. فوقفت من بعيد ونظرت إليه مثل اللاجئ المشتاق .. شعرت بلهفة الى الدخول اليه .. جلب التفكير بذلك الفرح الى داخلي .. في جميع انحاء تلك المدينة ..لايوجد مكان أرتاح فيه سوى بداخل هذا المنزل ..اشعر بالحب و الدفئ بين جدرانه الاربعة المليئة بالذكريات السعيدة ..

يبست أزهار حديقته فهجرتها العصافير والفراشات ، ونمت الاعشاب الضارة والطحالب لتسيطر على جدرانه المقشرة .. خيم عليه الحزن ..كل نوافذه مغلقة وكان أشعة الشمس لم تعد موضع ترحيب ، ونمت الحشائش في الممر المؤدي إلى الباب الذي صار قاتما .. يسوده سكون مطبق ووحشة كبيرة وكأنه مهجور .. أثارت برودته قشعريرة في أوصالي.. ودمعت عيني ..وكأن روح المنزل حزنت لفراقنا أيضا

" إشتاق لك أعزائك يامنزل .. "

جلست وحيدا بين الأشجار وشردت فيه .. لا أتعرف على منزلي بقدر مالا اتعرف على نفسي وسط هذه الحياة الجديدة

لايمكنني الانسجام مع كل هذه التغيرات .. لاأشعر بالسلام وخائف من انني قد لا أستطيع ابدا ..

جعلت الجميع يستقر في ذلك القصر وبقيت تائها ..من أنا بدونها ؟ لا أشعر بأنني أنتمي لأي مكان هي ليست موجودة فيه ، ذلك القصر ليس منزلا بعد بدونها ..وتلك العائلة ليست سعيدة بدون إكتمال أفرادها

وجدت نفسي أحن إلى الماضي ..إلى الجزء الجميل منه

بقيت هنا حتى بهت لون السماء وبدأت الشمس تختفي .. ثم عدت اليها حين صار الحال مظلماً ، هي لم تترك لي خياراً ..

" سأتسلق أبراجك العالية ياملكتي "

قفزت لجذع هذه الشجرة وقفزت الى الشرفة فرأيتها مستلقية بشكل معكوس على سريرها ، تنام على ظهرها وترفع ساقيها للجدار وتقرأ ذلك الكتاب .. والشباك مغلق لسوء حظي فطرقت على الزجاج

( إفتحي الشباك هيا .. هيا )

وقفت خلف شباك الزجاج مثل تمثال رخامي ..صامتة ومذهولة ..تنظر لي بعيونها البنية ..الواسعة ..العميقة

( مــازلتَ هنا ؟ )

( إفتحي الشباك .. دعينا نتحدث )

زمجرت بغضب ( إذهب إلى الجحيم ! )

قلت بتعطف ( عليك أن تسمحي لي بالدخول ، ليس لدي مكان أخر أنام فيه )

قلبت عينيها بإستهزاء ( أنت غني الان ..فقط إشتري منزلا ) ثم عادت لسريرها وتجاهلتني ، لقد نسيت كم هي مشاكسة

تركتني في الشرفة فنفذ صبري..فطرقت على زجاج الشباك لأسترعي إنتباهها ( هآآي .. أنا عطشان جداً وجائع وتعبان ، أين هي حسن ضيافتكِ؟ )

رفعت يدها بضيق وتذمرت بصوت طفولي رقيق ( ياللهول فقط إرررحلللل )

( ماذا لا أستطيع سماعك ؟؟ ) تظاهرت بان صوتها لا يمر عبر الزجاج

( عد إلى تلك المجعدة قبل أن تتسائل أين انت) رفعت صوتها فقلت وأنا أضع يدي على أذني ( ماذا قلتِ ؟ )

رأيت ملامحها المشاكسة الغيورة وهي تقول بصوت مديد ( هي تنتظر قبلة قبل النوم وعناق دافئ ..لا تجعلها تنتظرك أكثر )

( بحقك تاماني ..على الأقل أعطني كأس ماء )

لاحظت أثار الإرهاق في وجهي فنهضت وخرجت من الغرفة ، نزلت بسرعة وريثما فتحت الباب لتضع لي كاس الماء أمسكتها ودخلت المنزل وهذه المرة حين أغلق الباب أنا كنت في الداخل

راح قلبها يتخبط بشراسة خلف صدرها ..وتجمدت في موجة ذعر .. نظرت إلى ملامح وجهي محاولة ان تستوعب انني حقيقي

( تركتني أنتظرك في الخارج طوال اليوم .. أي نوع من الحبيبات أنتِ ؟ )

أدركت أنني أضغط بقوة على معصمها فخففت من قبضتي ورفعت يدها لأرى ندبة الحريق ..فتكمش قلبي حزنا ..كان جلدها محترقا ومليئا بفقاعات تبدو مؤلمة ،شعرت بحاجة ماسة لأعانقها وأخفيها للأبد بين ذراعاي ..حيث لن تطالها إساءات أل فيفر مجددا

مسحت فوقه بحنان وقلت بغضب ( كيف تجرؤ أن تؤذيك هكذا؟ لقد أحرقتك )

توهج وجهها بالألم فسحبت يدها بحدة وقالت بصوت مكسور( ليس بقدر ماأحرقتني أنت )

أعطتني كأس الماء وتراجعت لتقف أمام الباب منتظرة خروجي ..لاحظت شحوب وجهها ..وفقدانها لوزن كبير ..تبدو مرهقة جدا و منهكة .. تقف بشكل مائل ..تتنفس بشكل خاطئ .. هناك شيئ خاطئ بشأنها ..

حين قمت بإمالة رأسي مثلها محتارا هي صاحت في وجهي ثائرة ( أنت تتعدى حدودك ..سأتصل بالشرطة الأن )

التفت اصابعي حول الهاتف بقوة واعطيتها إياه متحديا ( هيا إتصلي ..سأذهب للسجن وسأخرج في اليوم التالي ، ثم ساعود حتى هنا ..لن تتخلصي مني بهذه السهولة .. أنتِ أدخلتني لحياتك وعليك أن تتحملي نتائج فعلتك هذه )

عيناي كانتا تتوسلان اليها لتنهي معاناتي .. بينما ضاقت عينيها غضبا ( لو تعرف كم أنا نادمة على اليوم الذي رأيتك فيه )

جمدني كلامها فغمغت ( لاتقولي كلاما أنتِ لا تعنينه )

جعلتها تجلس على الكنبة .. وأنا جلست على المائدة لأقابلها ، هي لا تنظر لي حتى .. لكن الاقل ستسمع ماسأقوله

تمعنت وجهها الجميل للحظات ، عينيها البنيتان فقط تذيبان قلبي ..تنهدت من كثرة إشتياقي ( ألا تقرأين الجرائد ؟ ولديك تلفاز ..لماذا لا تشاهدين الاخبار ؟ )

تصلب جسدها من لمسة يدي فقالت بنفاذ صبر ( إنتقل مباشرة لوجهة نظرك )

( فيكتوريا ماتت )

فتحت فمها مصدومة وسرعان ماتجاهلت الامر قائلة بإزدراء وهي تضع يدها على صدرها بمأساوية وكانها في احدى سيناريوهاتها الكلاسيكية ( أنا أقدم لك التعازي الحارة ، يمكنك المغادرة الان )

أردفت ببرودة ( هذا ليس كل شيئ ، زواجنا كان على الورق ، كنت مازلت في السجن حين ماتت )

فوقفت بسرعة فائقة ، تحولت نظرتها الساخرة لإشمئزاز وإرتعش جسدها قرفا ( لا أريد ان أعرف شيئا ..تلك هي حياتكِ الخاصة )

( وأنت أهم جزء من حياتي ..فإجلسي وإسمعيني إلى الاخير ، أنا لم أخنكِ قط .. لقد إنتظرتك أن تأتي لي ، كنت واثقا أنني مختار في قلبكِ ، كنت واثقا بحبك لي .. ثم رأيت صورتك في الجريدة وعنوان كبير يعلن عن خطوبتك من جيريمي )

قامت ببضعة خطوات الى الوراء ..فإصطدمت بالطاولة وكأنها نسيت وجودها هناك ..

إحمر وجهها بقوة ، وإنفجرت كل مشاعرها المكبوتة من ألام وخيبة ( أنت ليس لديك أي فكرة ياأليكساندر فلا تجرؤ أن تلمني ، أنت تزوجت بفيكتوريا هولموود ، هي أخبرتني بذلك شخصيا ، هل ستنكر ذلك ؟ )

قلت عابسا وغير راضيا عن نفسي ( نعم تزوجها ..لكن بعد أن فقدت أملي بأن تعودي لي ، لقد إنتظرتك حتى بعد خطوبتكِ ..ظننتك ستعودين لرشدك وترجعي لي ، لم أتلقى حتى رسالة منكِ ياتاماني ، ظننتك إخترت جيريمي ولولا زيارة فاني اليوم لبقيت على ظني )

قالت وهي تشعر بالدهشة ( مالذي تقوله الأن ؟ كنت في طريقي إليكِ .. لكنك كنت متزوجا بالفعل من فيكتوريا .. لقد خنتني يا أليكساندر ..أنا التي أحببتك أكثر من أي شيئ )

مررت يدي عبر خصلاتها الجميلة مشتاقا لملمسهما الناعم ( لم أخنك ..فيكتوريا كذبت عليكِ ، أنا لم أتزوجها ذلك اليوم .. كان عليك ان تأتي لي )

سماعها لإسم فيكتوريا على لساني زادها غليانا فإبتسمت بقهر ( حتى لو كان الامر كذلك .. أنت تزوجها في مطلق الاحوال ، بعد أن وعدتني بأن تبقي معي للابد ..والهجران خيانة .. أنت خنتني في الاخير )

شلتني نظرتها الخائبة الخالية من تصديقها لي ..فشرحت ببطئ( أختي كانت تموت ، كان عليا ان أفعل شيئا لأنقذها .. تزوجت فيكتوريا بشرط ان تدفع تكاليف عملية أختي )

إنبعثت منها نظرة غاضبة عبر عينين بريئتين ( هذا هو قصدي ياسيد .. أنت تزوجت فيكتوريا ولا اكترث ماكان السبب ، أنت تزوجتها ..ولو لم تمت لكنت معها الان .. )

كانت تلتقط أنفاسها وتتحدث في آن واحد ( هل تعرف كم هو مؤلم رؤيتك الان .. لم يجدر بك أن تأتي ، ماكنزي بصحة وعافية .. وعائلتك مستقرة ..ليس لديك سبب لكي لا تمضي بحياتك بسعادة .. إرحل رجاءا)

( أي سعادة بدونك؟ ..كلانا تم خداعه ..كلانا إحترق قلبه ..كلانا مررنا بتجربة صعبة ، أرجوكِ .. )

إستندت بيدها على المنضدة وسألتني وهي على وشك البكاء ( لو أتيت إليك ذلك اليوم .. هل كنت سترفض الزواج من فيكتوريا ؟ )

قبل ان أجيبها هي قالت ( طبعا لا .. حين وقعت على عقد الزواج ذلك حكمت على إنتهاء الحب الذي كان يجمعنا .. أنت قتلت حبنا ، وأنا لن اكون غبية لأعود إليك مجددا كخيار ثاني .. لا أشعر بأي شيئ إتجاهك الأن )

همست مستنكرا ( لا تكذبي )

تلاشى صوتها فهمست بضعف ( لم أعد أحتاجك .. جدي حررني منكم جميعا )

وضعت يدي حول خصرها وسحبتها لصدري بتملك بدون أن أترك لها مجالا للمقاومة ( كل ملكة تحتاج لملكها )

إحتويتها لصدري بقوة ..هذا العناق الذي كنت أتوق إليه منذ خمسة أشهر ..والذي كان قصيرا ..وجامدا وإنتهى بشكل مفاجئ بصراخها متألمة ، وسقوطها على الكنبة .. حاولت أن تقف مجددا لكنها لم تستطع ، ورفعت وجهها لي بذعر لأنني شهدت على هذه اللقطة

إكتفت بإمساك ظهرها بعذاب .. بدى الألم على وجهها بشكل لا يطاق ..فشعرت بجسدي يتهاوى أمامها من وقع الصدمة ..وقد شل الرعب حركتي وسألتها بعدم تصديق ( أنتِ كنتِ المتبرعة ؟ )

إلتقطت أنفاسها بصعوبة وهمست ( إذهب يا ياأليكساندر .. وجودك يؤذيني )

أحضرت لها كأس ماء فشربته كليا مع حبوب الالم ،قمت برفع قميصها فتأكدت من وجود الندبة وشكلها كان مخيفا وكأن الجرح فتح عدة مرات ولونه شديد الإحمرار

صار وجهها متوترا ( أنا بخير ..إبتعد عني )

سألتها مستفسرا ( لماذا أخبروني أن المتبرع كان شابا توفي في حادث .. لماذا أخفيت الامر عني ؟ )

أغمضت عينيها بإرهاق وأسندت ظهرها على الكنبة ( لقد وعدت نفسي أن أساعدها بأي طريقة كانت و لم أتردد لثانية .. )

ماتزال تتألم .. شفتيها جافتان على غير العادة ،وجلدها بارد وشاحب .. قطبت جبينها وهي تبتلع ريقها بصعوبة ..ذلك جعلني أذعر .. مجددا نفس الذعر يستقر في حلقي ..لايعقل أن أمر من نفس الطريق مرة اخرى .. أرجوك ياإلهي لا تمتحني بهذا المرض مجددا

( يفترض أنك شفيت الأن ، ماسبب الألام ؟ ) سألتها فأدارت وجهها للجانب الاخر من الصالة وهي تكافح أنفاسها المتقطعة ( أنا بخير .. إذهب أليكساندر .. إذهب ودعني أعيش في سلام )

بقينا صامتان لمدة نصف ساعة كاملة .. أنظر إليها بحب غير محدود ، كأولويتي ، ككنزي ، كنصفي الأخر ، كبطلتي ، كملاذي ، كمعجزتي ، كحاضري ومستقبلي ..وأرى عيناها اللتان كانتا تنظران لي كأنني كل شيئ بالنسبة لها تم إستبدالهما لنظرات خيبة وخذلان

حين لم تستطع مقاومة اثار النعاس قامت لتصعد درجات السلم نحو غرفتها ( أغلق الباب حين تغادر )

لم تلبث تصل لمنتصف السلم حتى لفيت ذراعي برفق حول ظهرها وحملتها ..في الوقت الذي سمعت فيه صوت طائرة فيكتوريا الخاصة ..

قلت مازحا بودية ( لطالما أردتني أن اخطفك ..هذا يوم سعدك )

بدت متضايقة لكنها غفت في ثواني مماجعلني أتسائل كم من قرص منوم أخذت

في المستشفى إنتظرت فحص الطبيب وعرفت أن الامر ليس جيد حين خرج إلى الرواق وأخبرني بأنها تجاهلت فترة النقاهة وان غرز الخياطة تمزقت لاكثر من مرة .. والجرح التهب .. هي تعاني من ألم مستمر وإن كليتها الاخرى معرضة للإنهيار وإن بقيت تتجاهل نفسها يمكن ان تسوء حالتها أكثر

دخلت وجلست بجانبها ، ربت على شعرها بهدوء لتشعر بالأمان ( كان يمكن أن تموتي )

فإبتسمت بسلام ( تلك أمنيتي الجديدة ، لايسعني الإنتظار حتى يتم لم شملي مع جدي )

همست ( لا تقولي كذلك .. أنا مدين لك بحياة أختي )

إلتمعت عينيها بإستفزاز ( لم أفعلها من أجلك )

( انقذت حياة أختي ، ثم خاطرت بحياتك بتجاهل فترة النقاهة ؟ -ماذا لو حدث لك شيئ ؟ ماذا كنت سأفعل بدونكِ ؟)

نظرت للسقف وهي ترفع حاجبيها بعدم مبالاة( لا أكترث .. )

( توقفي عن إدعاء أنك لا تكترثين لامري ، توقفي عن الكذب لأنك تحبيني وتكترثين
لأمري ) مررت أناملي على وجنتها فبدأت تبكي وأنا إستسلمت لتلك الدموع وعانقتها لصدري بإشتياق ( أنا أسف ياحبيبتي ..أسف لماجعلتك تمرين به )

فأبعدتني عنها بضعف ( لقد وثقت بك وسمحت لك أن ترفعني عاليا في السماء وأنت تركتني أسقط ، لن أسامحك أبدا على هجرانك لي .. خذني للمنزل من فضلك )

( حسنا ) ظنت أنني سأعيدها إلى كوتسوولدز حتى وجدت نفسهاَ في هامبستيد

( ماذا أفعل هنا ؟ ) كشرت عن أسنانها حيث تملكتها نوبة الغضب مجدداً ( قلت لك خذني إلى منزلي )

( فعلت ..هذا هو منزلكِ) أشرت للفيلا فرأت أمي من خلال زجاج النوافذ وإحمرت خجلا وإرتبكت

( آه ياربي هذا محرج جدا ..كيف أبدو ؟ ) امتزج غصبها بنبرة متذمرة طفولية ..ودارت حول نفسها ، تأملتها بصمت للحظات ساحرة بعد خمسة أشهر وعشرون يوم من رؤيتها في مخيلتي .. إعترفت بشغف (مثل حلم أصبح حقيقة )

لثواني كانت نظرات الإشتياق التي تتلاقاها مني تماثل التي ترسلها لي ، لكن سرعان ماضاقت عينيها حين حملتها غصبا عنها وأدخلتها ، وصراخها جمع امي واختي في الردهة

( أنزلني ) طالبتني وهي تركل بقدميها وبمجرد أن وضعتها على قدميها حتى وجدت ماكنزي تعانقها ( أخيرا أتيتِ )

( ماكنزي .. أنتِ بخير ؟ ) بدات ترفع من اكمام سترة جدها الطويلة لترتبها ..ثم رتبت شعرها

قالت أختي بإبتسامة مرحة نادرة ( أجل .. من كان ليصدق )

مسدت وجنتها بلطف ، وأخبرتهما ( طالما تشوقت لشكر من تبرع لكِ ، وهاهي تقف أمامكِ .. بفضل هذه الملاك الجميلة )

يمكنني أن اقول من الطريقة التي دحرجت فيها عينيها لي أنها أرادت أن تصرخ عاليا لكن خجلها منعها أمام أمي

( يا عزيزتـي ..نحن جميعا مدينين لك بحياة ماكنزي .. شكرا لك ياإبنتي ..) أخذتها أمي في أحضانها وعانقتها مثل إبنة عزيزة .. وراحت تفرك على ظهرها بحنان أمومي فهدأت كليا وبادلتها العناق بلهفة وغرقت في حنانها

لكنها حالما وقعت عينيها بعيني بدت أنها رأت كابوسها يقف أمامها فإنتزعت نفسها بصعوبة من حضن أمي لتقول بتهذيب ( سررت أنكم بخير .. يجب أن أعود للمنزل الان )

مشت خارج الفيلا فأمسكتها من يدها ، وتمتمت بحزم ( هذا هو منزلكِ )

( منزلي في كوتسوولدز ) حاولت ان تسحب يدها فإنتهى بها الامر قريبة أكثر وقلت بهدوء ( منزلكِ أينما أكون هنا )

ثم تركتها حين شعرت أن الألم يعتصرها ..رأيتها تترنح و تفقد توازنها حيث إستندت على الجدار فحملتها بشيئ من التملك بين ذراعي و أخذتها لجناحي الخاص ..

دخلت لغرفتي وجعلتها تستلقي على سريري فقالت غير مصدقة ( كيف تجرأ أن تحضرني لغرفتكَ التي شاركتها مع فيكتوريا )

إبتسمت ووضعت خلف ظهرها وسادة وثيرة ( أنا أشاركها معكِ أنتِ فقط ..أوضحت لكِ أن زواجي مع فيكتوريا كان على الورق فقط )

قالت بغيظ ( أنت بغيض ! .. ماذا لو لم تمت ، أشك أنه كان سيستمر على الورق فقط )

نزعت سترتي وجلست بجانبها ، راودني إغراء شديد أن أقبلها..لكنني إكتفيت بشد أنفها بمرح ( لا داعي لتغاري من إمرأة ميتة ..دعينا لا نتحدث عن الاموات )

لمعت عينيها ببريق ماكر وكأنها وجدت ظالتها فأسرعت لتقول( بالحديث عن الاموات ..شبح فيكتوريا ذاك ...)

صمتت حين دخلت أمي ومعها صينية الاكل ورافقتها ماكنزي التي بدت قلقة بعض الشيئ عليها

( أنا سأطعمهاَ ) أخذت الملعقة وقربتها من فمها ،فأشعلت عينيها نحوي لأتراجع ( هذا الحساء من صنع يد أمي ) أبت أن تفتح فمها حيث عضت شفتيها بقوة

( إنه لذيذ ) رحت ألعب بالملعقة امام شفتيها فخجلت من والدتي ولذلك فتحت أخيرا فمها واكلت ثم قالت منبهرة ( إنه حقا لذيذ )

نزعت مني الملعقة بضيق وحمقلت بي مثل قطة شرسة إقترب أحدهم من طعامها ، لطالما كنت في كفة والطعام في كفة أخرى ..

تركتها على راحتها وأخبرت أمي وماكنزي بمأساوية متعمدة ( تاماني تقيم بمفردها في منزل جدها في كوتسوولدز )

سرعان مارق قلب أمي فسألتها بقلق ( ماذا تفعل شابة جميلة مثلك في منزل بعيد بمفردها ؟)

رفعت نظرها نحو أمي حيث لمعت عينيها بلطف ( لست بمفردي ..أنا مع جميع ذكرياتي السعيدة ، إنه ليس مجرد منزل ..إنه حضن دافئ )

ورفعت وجهها لماكنزي كي توافق على كلامها ، لكن أختي التي ظلت لخمسة أشهر تلمح لي بطرق غير مباشرة عن إختفائها قالت بحسم ( هذا منزل دافئ أيضا يمكنك أن تقيمي هنا معنا..منزلنا يحتوي دوما على مكان لك تاماني )

تصنعت الحزن والعتاب في صوتي ( هذا ماقلته لها ..لكنها رفضت بحجة أنها لن تقيم في منزل شاب أعزب )

فإرتفع أحد حاجبيها بنكران ( لم أقل ذلك)

إلتوت شفتاي بإبتسامة عريضة ( إذن إتفقنا ..غرفتك جاهزة أساسا )

لم تتوقع ذلك ..رمقتني بنظرة الجراءة خاصتها ، وكانت سترفض لكنها نظرت لأمي التي قالت
لها ( ياإبنتي لا يجب أن تقلقي من أليكساندر فهو غارق في العمل طوال النهار ، وأنتِ ستبقين معي انا وماكنزي .. وأنا لن أقبل بلاَ )

( حسناً ) لقد وافقت خجلا من امي ..لكنني أقنعت نفسي .. وافقت لانها في أعماق قلبها لا تستطيع الإبتعاد عني .. أتمنى أن تكون حقا كذلك .




التعديل الأخير تم بواسطة اوديفالا ; 16-04-21 الساعة 01:01 AM
اوديفالا غير متواجد حالياً  
التوقيع
"أن يُكرم الإنسان نفسه يعني أن يختار لها ما يليقُ بِها"
رد مع اقتباس