عرض مشاركة واحدة
قديم 17-05-21, 05:31 PM   #64

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي





الفصل الأول

وقفت خلف نافذة حجرتها بالطابق الأرضي بعد أن صلت صلاة الفجر،ترتدي جلبابها الأسود الأنيق وتضع وشاحا أسودا يُغطي رأسها ،تنظر إلى الفضاء الواسع أمامها وضوء النهار قد غطى على قتامة الليل وملأ البلدة نورا فتنظر إلى الأراضي الزراعية التي تمتد أمامها مد بصرها ولا تصل إلى نهاية
اللون الأخضر الزاهي أمامها يشرح صدرها وصوت شقشقة العصافير يُطرب أذنيها ورائحة الخبز الطازج تتسلل إلى أنفها فتجعل هرمون السعادة يُفرز في جسدها تلقائيا....
هكذا هم البشر لكل منهم شىء خاص يسعده وغالية أكثر مايسعدها اجتماع أبنائها حولها فتطعمهم كأنهم عادوا صغاراً فتشعر بالسكينة والدفء يغمر بيتها ،بيتها الذي بنته بكدها وتعبها حتى تجاوزت الستين من عمرها
قطع تأملاتها الصباحية اليومية في بديع خلق الله صوت زوجها الذي اعتدل في فراشه بعد أن أغلق المصحف حيث كان يقرأ الورد اليومي بعد أن صلى صلاة الفجر مع غالية قائلاً:"هل حضر جميع أبناءك ياغالية ؟.."
التفتت إليه قائلة بعينين مبتسمتين ابتسامة حلوة ملأت وجهها الذي يشع بالطيبة:"ومنذ متى لايأتون ليقضوا العيد معنا ؟.. بإذن الله ستجد في خلال ساعة وقد وصل صالح و أبناؤه والدكتور هارون و أبناؤه..."
قال لها بصوت مٌنخفض تعبا :"يأتون بسلامة الله .. ثم أردف وهو ينظر لها نظرة خاصة:كيف حال أحفادك معا ياغالية؟.."
قالت له وهي تضيق عينيها وتتقدم منه فتجلس أمامه مباشرة فوق الفراش:"عن ماذا بالضبط تسأل؟.."
قال لها وهو يشرد بنظره جهة النافذة حيث كانت تقف:"أريد أن أفرح بهم عن قريب...ثم اكتست نظرته بالجدية والترقب قائلاً بوهن :ربما لا يكتب الله لي عمراً لأكمل معهم المشوار ...أنتِ مكاني ياغالية لا تسأمي من ترديد ما كنت أردده لهم ،ذكريهم دائما أن الأرض غالية ..أن الأرض هي العرض.. هي الشرف وكما ترين أن أحفادنا الإناث ليسوا قليلات فإن ترك الولد ابنة عمه لغريب يستحوذ عليها وعلى ارثها الذي سترثه بعد عمر طويل لآبائهن فسيضيع تعبي ،أنتِ كنتِ شريكتي في الرحلة ورأيتِ ماذا تحملت حتى أبني هذا الصرح..."
قال كلماته الأخيرة وهو يشير بيده إلى الأراضي الزراعية الممتدة أمامه
ربتت على كفه السمراء الخشنة التي تبرز عروقها بشدة بفعل الخمس وسبعون عاما الذي قضى منهم مايزيد عن الخمسون عاما يكد ويكدح ليصل إلى ماوصل له...
ثم قالت له مُطمئنة اياه :"لا تقلق يا حاج عمران المال الحلال لن يضيع أبداً وسيحافظ عليه أبناءك وأحفادك و بإذن الله ما تريده سيكون ... ثم أردفت :سأخرج لأتفقد ماذا تفعل النساء بالخارج فأنا أشم رائحة الخبيز ..."
قال عمران وهو يتسطح فوق فراشه الوثير:"وأنا سأنام قليلاً حتى يأتي صالح وهارون"
وضعت الغطاء فوقه وغادرت الحجرة فخرجت إلى بهو البيت الكبير المفروش بالكامل بأرائك عربية وأبسطة وستائر بنفس اللون تجعل من يراهم يدرك جيداً أنه بداخل بيت من بيوت الجنوب العريقة ،كان أثاث البيت يوحي بالفخامة ولكن فخامة أهل الجنوب التي تجمع مابين الأصالة والرقي والبساطة ...
دلفت غالية إلى المطبخ فوجدته كخلية نحل فاليوم وقفة عيد الفطر المبارك فكانت نعمة زوجة زكريا الابن الثاني لغالية تجلس على مقعد خشبي صغير تعجن وبجوارها حليمة زوجة ابنها يونس الذي يلي زكريا في الترتيب تشكل الكعك وتضعه في الصواني وتساعدهما أم أيمن التي تساعد غالية في أعمال المنزل الكبير
قالت غالية بوجه مشرق:"صباح الخير...." ردت عليها جميع النساء الصباح وقالت لها أم أيمن بوجه بشوش:"أسعد الله صباحك يا أم صالح..."
جلست غالية على مقعد عالي في مطبخها الواسع تشاهد زوجتى ابنها وهما تعدان لكعك العيد وبعد دقائق قليلة وجدت أمامها الدكتورة ايمان زوجة الدكتور هارون ابنها تدخل إلى المطبخ قائلة ببشاشة:"السلام عليكم جميعا ..كيف حالك ماما الحاجة كل عام وحضرتك بخير..."
ثم مالت عليها مٌقبلة اياها فاحتضنتها غالية وربتت على ظهرها قائلة بحب:"وأنتِ بخير يازوجة الغالي...أين هارون والأولاد؟..."
أردفت ايمان طبيبة الأطفال والاستاذة الجامعية الثلاثينية وهي تنظر إلى سلفتيها الجالستين أرضا :"قابل الحاج زكريا والحاج يونس وجلسوا جميعا في المندرة ..."
ابتسمت نعمة وهي ترفع عينيها إلى ايمان قائلة:"لن نستطيع المصافحة... ثم أشارت بعينيها ليديها الملطختين بالعجين وأكملت بنظرة مشاكسة غير بريئة :هل ستنضمين إلينا للمساعدة يا دكتورة؟.."
اعتادت ايمان على سلائفها وخاصة نعمة ابنة عم زوجها وزوجة أخيه الاكبر منه زكريا فنعمة من الشخصيات التي يبدو الدهاء في عينيها جليا... لا تستطع اخفاؤه وللحق هي من الاساس لاتحاول ولا تنكر تواجده إن سٌئِلت....
قالت لها ايمان التي تصغرها بأكثر من عشرة أعوام بابتسامة حلوة :"بالطبع سأشارك اعطني فقط عشر دقائق أبدل فيهم ملابسي ...."
ثم تركتهم وخرجت من المطبخ وصعدت السلم الذي يتوسط البيت الكبير حيث توجد شقتها المغلقة في الطابق قبل الأخير والتي تظل مغلقة إلى أن تأتي هي وهارون كل عدة أشهر من العاصمة
*************
في الطريق المؤدي إلى القرية الأم ... مسقط رأس العائلة الجنوبية العريقة منذ سنوات وسنوات كان صالح الابن الكبير لعمران وغالية يقود سيارته الكبيرة العالية التي تناسب البلدة وطرقها الوعرة ...آتيا من منزله الذي يقع في مركز المحافظة التي تبعد ساعة واحدة عن القرية
على مشارف الخمسين ...ملأ الشيب شعره ... بشرته السمراء التي تسقط عليها أشعة شمس الصباح الذهبية الهادئة تحكي عن رحلته في الحياة ألف حكاية وحكاية فالجنوبيون غالبا بشرتهم تميل للسمار ولكن عملهم تحت أشعة الشمس الحارقة يجعلها تزداد سمارا بجاذبية خاصة وعلى النقيض كانت بشرة زوجته ليلة التي تجاوره في المقعد ... رفيقة دربه منذ مايقارب الربع قرن، كانت تستند بظهرها على ظهر مقعدها تحاول أن تنام ولو نصف ساعة فهي تعلم أنها ما أن تدخل بيت الحاج عمران فلن ترتاح لدقيقة واحدة
أما في الأريكة الخلفية فكان هناك زوج من الثيران يجلس كل منهما بجوار نافذة من النوافذ بينما تنحشر بينهما عصفورة صغيرة هشة العظام نحيفة الجسد...
انتفضت يسر ذات الثامنة عشرة عاما الابنة الصغرى لصالح وليلة ومدللتهم الغالية فانتبه حاتم شقيقها الاكبر منها ذو الثانية والعشرون عاما قائلا بتأفف :"ماذا هناك لماذا تنطحين هكذا كالبقرة؟.."
اتسعت عينيها قائلة باستنكار:"بقرة؟ أنا تشبهني بالبقرة؟..." كان صالح يسمع مشاكستهما بصمت وابتسامة صغيرة تزين ثغره بينما ليلة كانت بالفعل ذهبت في النوم ....فرد على يسر شقيقها الكبير يوسف الذي تجاوز الثالثة والعشرون ويشبه والده كثيراً قائلا بنبرة مشاكسة وهو ينظر إلى حاتم:"اعذريه فهو لم يكن يريد أن يأتي معنا..."
نظر اليه حاتم قائلاً بتأفف:"لا أعرف لما نذهب اليوم إلى البلدة لننام من العشاء كالكتاكيت كنت أريد أن أسهر مع أصدقائي ليلة العيد وكنا حضرنا البلدة غدا أو بعد غد..."
قالت يسر وابتسامة حلوة تزين ثغرها:"وهل يكون العيد عيدا بعيدا عن جدك وجدتك؟.."
ضربها حاتم على مؤخرة رأسها قائلاً:"لا تصطادين في الماء العكر لم أقل ذلك قلت أن نأتي في الغد أو بعد غد..."
قال يوسف بجدية وهو الأدرى بعاداتهم :"لا يصح ألا يأتي والدك ونحن معه لجدي وجدتي يا حاتم أنت تعلم جدتك غالية لا تمرر الأمر..."
أردفت يسر بعينين تمتلئان بالتسلية:"اعذره يا يوسف فليس له مايدفعه للذهاب دائما إلى البلدة مثلك..."
كانت الضربة على رأسها هذه المرة من يوسف نفسه الذي قال لها وهو يكتم ضحكته:"لما لا تركزين في نفسك ياصغيرة...."
تأوهت بصوتِ عالٍ فقال صالح وهو يتدخل في حوارهم للمرة الأولى:"كفاكم مزاح ولا أحد فيكم يلمس ابنتي...." ناظرها الشابان بنظرات مغتاظة فحين يقول صالح جملته هذه فلا أحد فعلاً يستطيع لمسها....رفعت يسر كتفيها بزهو واستندت بظهرها للخلف وهي تنظر لأخويها وتخرج لسانها لهما وإن جاءت للحق فليس يوسف فقط هو الذي يميل للذهاب دائما إلى بيت جده ولكنها هي الأخرى يكاد قلبها يطير إلى هناك....
وصل صالح وأسرته إلى البلدة وبعد أن صف السيارة بجوار البيت الكبير الذي تزين واجهته لافتة منقوش عليها بالخط العربي (دار الحاج عمران الحسيني) دخل هو وأسرته من البوابة الكبيرة وما أن دخلوا حتى سمع صوت اخوته يأتي من المندرة التي يقع بابها أول باب على يسار باحة البيت الخارجية
أما يمينا فيوجد باب آخر وهو باب مزرعة المواشي والتي يقع خلفها أيضا الحديقة الخاصة بالبيت وفي منتصف الباحة هناك عدة درجات يؤدون إلى الباب الداخلي لبيت العائلة المكون من طابق أرضي كبير يسكنه والديه وفوقه عدة طوابق له ولأخوته فقال صالح لولديه:"أعمامكم يبدو أنهم في المندرة ..."
فقالت ليلة وهي تجذب يسر من يدها :"حسنا هيا يا يسر ندخل عند جدتك..." فدلفت ليلة مع ابنتها للمنزل و دخل صالح إلى المندرة وخلفه ولديه وما أن دخل ووجد اخوته حتى ابتسم وجهه تلقائيا لهم
استقاموا جميعا ليصافحوه وكانوا للمصادفة يجلسون متجاورين الأكبر فالأصغر فصافحه أولا زكريا الأصغر من صالح بعامين فقط ولكن لايبدو هذا الفرق فزكريا بشخصيته القيادية المسيطرة يبدو للجميع كأنه الابن الاكبر لعمران تلاه يونس وهو يصافح شقيقه بمودة قائلا:"اشتقنا اليك يا أبا يوسف..." فربت صالح على كتفه قائلا:"وأنت أيضا ...."
واخرهم هارون الذي فتح ذراعيه لشقيقه الأكبر الذي لم يراه منذ عدة أشهر فهارون هو الوحيد الذي يسكن بعيدا عن بلدتهم حيث يعمل في العاصمة ويقيم فيها ...
عانق صالح هارون بمحبة وهو يربت على كتفه قائلا:"اشتقنا اليك يادكتور اشتقنا كثيرا...." صافح يوسف وحاتم بدورهما أعمامهما ثم جلس الاخوة يتسامرون معا حول أحوالهم وأحوال البلدة وأهلها


بعد قليل
كان جميع أبناء عمران يجلسون حوله في حجرته فكان هو يجلس في منتصف فراشه وعلى يمينه صالح وعلى يساره هارون وعلى الأريكة الوثيرة المقابلة للفراش تجلس غالية و بجوارها يونس أما زكريا فكان يجلس منفردا على مقعد مجاور لفراش والده
أما الشباب يوسف وحاتم ابناء صالح ويحيى ابن زكريا فكانوا يقفون بجوار النافذة يتسامرون وهم ينظرون إلى المساحة الخضراء الشاسعة أمامهم ،نظر إليهم عمران بنظرة حانية وهو يراهم هكذا أمامه شباب كالورد ثم حول نظره إلى أبناؤه بابتسامة عذبة وعينين تقطران حبا فليس هناك أغلى عنده من جمعتهم حوله بعد أن شق كل منهم طريقه.. وليس هناك أغلى من أن يرى صغار الأمس الذين كانوا يجرون حوله وقد أصبحوا رجالا اشداء ويجد ابناؤهم وقد أضحوا شبابا يملؤن العين ...
حتى وإن وهنت صحته فيكفيه نظرته لهم فالنظر لهم شفاءا من كل داء فقال موجها حديثه لصالح وهو يرفع عينيه إليه:"كيف حال العمل في المصنع والشركة؟.." قال صالح وهو يربت على كفه :"بخير حال يا حاج لا تقلق..."
فنظر عمران جهة زكريا قائلاً:"و المزارع هنا و المناحل يا زكريا كيف حالهم؟.." قال زكريا مٌطمئنا والده:"كل شيء بخير ياحاج اهتم أنت فقط بصحتك..."
نظر عمران بعينيه الضيقتين تجاه الشباب قائلاً:"لما تقفون بعيداً يا أولاد لما لا تأتون وتجلسون بجوار جدكم العجوز؟..." فابتسم ثلاثتهم وهم يتقدمون منه ليجلسوا بجواره يتسامرون معه كما يحب دائما...
**************
كان المطبخ يعج بالنساء اللاتي يقمن بتشكيل الكعك والبسكويت من نساء ابناء غالية بما فيهم الدكتورة والاستاذة الجامعية ومعهن الجيل الثالث بنات عمران كما تطلق عليهم جدتهم فهي ترفض أن يقال عن أحفادها بأسماء آبائهم تقول أنهم جميعا ابناء عمران...
كانت يسر تجلس بجوار والدتها أرضا تشكل الكعك بسعادة تجاورها مريم ابنة عمها زكريا التي تكبرها بعامين فقط بجوارها عنان ابنة عمهم يونس و التي من سن يسر ... بنات في عمر الزهور كوردات متفتحات بينما باقي البنات والأولاد الصغار يلعبون في باحة البيت وهم يغلقون البوابة الخارجية جيدا
وكأن الجلسة كانت لاتروق لنعمة زوجة زكريا أو كان يشوبها الملل فأرادت أن تجعل هناك جوا من المرح فأردفت تغني بصوت هادىء ذي نغمة موسيقية وهي تجهز عجينة البيتيفور ولا تنظر لأحد .... كأنها لا تقصد أحد


لما قالوا ده ولد
اتشد ظهري واتسند
لما قالوا ده غلام
اتشد ظهري واستقام
واما قالوا بنية......
حيطة وقعت عليا
وجابولي البيض بقشره
وبدال السمنة ميا
لمعت عيون الثلاث فتيات بالتسلية حين تمتمت نعمة بكلماتها هذه وأخذن ينظرن إلى بعضهن يكتمن ضحكاتهن ....
أما ايمان فقد نظرت إلى نعمة لا تعرف مقصدها من كلماتها هذه فهي على كل حال ليست منهن ولا تفهم لهجتهن الجنوبية جيدا ، أما ليلة فكانت تفهم إلى ماذا ترمي نعمة ،أما حليمة زوجة يونس فقد نظرت إلى نعمة المنهمكة فيما تفعل ورغم أن حليمة ليست هجومية على الاطلاق إلا أنها لا تتورع كل فترة عن الرد على نعمة سلفتها التي تجلس معها في بيت واحد وتعلم أن هذا الكلام موجها لها هي بما أنها الوحيدة التي لم تنجب ذكور وانما أعطاها الله ثلاث بنات اكبرهن هي عنان التي تجلس بجوار بنات عمها تضحك على كلمات زوجة عمها
وكيف لا تضحك و والدها لم يشعرهن يوما أنه ينقصه هذا الولد بل اكتفى بهن وحمد الله...
ابتسمت حليمة وهي تشكل الكعك بالمنقاش بهدوء قائلة بنفس النبرة التي كانت تغني بها نعمة


متفرحيش يا ام الولد
بنت تكبر تاخده
تسكن بيه شرق البلد
ماتشوفي غير دخانتة
وكأن حليمة قد قصفت جبهة نعمة فظهر الامتعاض على ملامح الأخيرة
أما البنات فانفجرن في الضحك مقهقهات بينما قالت ايمان وهي تنظر إلى ليلة نظرة متسائلة:"ماذا يعني هذا يا أم يوسف؟..."
فقالت ليلة مبتسمة وبشرتها البيضاء تتوهج بفعل حرارة الموقد المجاور لها :"الكلام يفسر نفسه يا ابنة البندر..." فما كان من أم أيمن سوى أن تبرعت تشرح للدكتورة ايمان معنى الاغنية التي كانت تتناطح بها سلفتيها
أما يسر فقد رن هاتفها في جيب فستانها الأنيق فمسحت يديها بسرعة وتناولته وما أن فتحته ورأت الرسالة المرسلة على الواتساب حتى تسللت بخفوت من بين الجميع ولم يلحظها أحد من الكبار فقد كن مندمجات مع شرح أم أيمن للأغنية الجنوبية العتيقة ...
أما مريم وعنان فلاحظاها ونظرت كل منهما للأخرى نظرة متسلية
خرجت يسر إلى بهو البيت ثم دلفت إلى الرواق الذي به الغرف والمُعلق في منتصفه مرآة كبيرة و أخذت تعدل وشاحها فوق رأسها ورغم أنه كانت هناك بضع خصلات هاربة من مقدمة وشاحها تٌظهر شعرها الاسود المتفحم إلا أنها تركتهم عمدا ، كانت قمحية البشرة بعينين بنيتين فاتحتين بلون الشوكولاتة الذائبة وفم رقيق لاهو بالمكتنز ولا هو بالرقيق ولكن بَين بَين ،أنفها مستقيم، وجهها بيضاوي بوجنتين مرتفعتين قليلاً يعطيها جاذبية وفتنة من نوع خاص، نحيفة الجسد بلا هزال متوسطة القامة وإن كانت تميل للطول ....
تأكدت من أن مظهرها ملائم فخرجت من باب البيت على الساحة الواسعة فكان على يمينها المندرة وبابها مغلق وصوت الأطفال يأتي منها وعلى يسارها بوابة مغلقة اتجهت نحوها وفتحتها بهدوء و دلفت داخلها إلى الحظيرة الممتلئة بالطيور على جهة والمواشي على الجهة الأخرى وهذه المزرعة خاصة ببيت عمران فهم يرعون المواشي والطيور التي يأكلونها كما يزرعون الخضروات والفواكه التي يأكلونها أيضا ومن الحظيرة عبرت يسر من باب آخر فكانت داخل جنة أحفاد عمران...
حديقة الفواكه والخضروات الخاصة ببيتهم
كانت أشعة الشمس قد ملأت المكان فغمرت الحديقة بنورها ودفئها ...
نظرت يسر إلى الحديقة الواسعة أمامها وإلى الأشجار حولها...
كانت هذه الحديقة هي دائما الأحب اليها والأقرب ....
سارت بين الأشجار التي كانت بالفعل ثمارها ناضجة تدعو العابرين إلى قطفها فرفعت يدها ولامست ثمرة جوافة ناضجة وهمت بقطفها
" ألستِ صائمة مثلنا ياست البنات؟.."
انتفضت في مكانها واستدارت دون أن تقطفها وما أن رأته حتى أغمضت عينيها لثانية ثم فتحتهما قائلة :"ألن تكف عن عادتك هذه في افزاعي؟..."
اقترب منها يحيى الابن الأكبر لعمها زكريا وشقيق مريم صديقتها المقربة و الذي يكبرها بخمس أعوام وقال لها بابتسامة عابثة:"لم تردي على سؤالي ألستِ صائمة مثلنا؟..."
تضرج وجهها كله باللون الأحمر خجلاً وقالت له وهي تجول بعينيها بعيداً:"صائمة ولله الحمد الثمرة فقط كانت مغرية للقطف.."
"تماما كشفتيكِ المغريتين الان للقطف..."
قالها يحيى في نفسه ولم ينطقها لسانه فهما في نهار رمضان ولايريد أن يخسر اليوم بسببها..نعم يحبها..يذوب فيها عشقا ولكنه لايريد أن يخسر اليوم فقال لها وهو ينظر في عمق عينيها بعينين حانيتين :"اشتقت لكِ يويو.."
التقت أخيرا عيونهما في عناق طويل ...
ليست الأجساد فقط من تتعانق ولكن العيون أيضا حين تلتقي بعد غياب يكون بينهم سلام وكلام .... تأملت قسمات وجهه المليحة وسمرته الهادئة وملامحه المتناسقة مع بعضها ... وجهه كله به جاذبية لم تراها في أي رجل غيره... وجدت أنها تطيل النظر اليه وهو يخترقها بنظراته فغمغمت بخفوت:"استغفر الله العظيم اللهم إني صائمة.."
فأردف يحيى قائلاً وهو يضيق عينيه :"ماذا تقولين؟..."
قالت له بدلال وهي ترفع عينين جذابتين تشعان بالحياة وهي تستند بظهرها على جذع شجرة الجوافة التي تقف بجوارها:"أقول لماذا أرسلت إلي لتقابلني هل تريد شىء ؟."
مط شفتيه الغليظتين قائلا:"ربما أكون اشتقت اليكِ ...ثم تحولت نبرته إلى الجدية الحانية ونظرة عينيه تفضح شوقه الحقيقي قائلاً: ألم تشتاقي ؟ ..."
لم تكد تفتح فمها لترد عليه إلا وكانت البوابة الفاصلة بين الحديقة وحظيرة المواشي تُفتح وبلمحة واحدة لمحت يسر يوسف شقيقها الأكبر فارتفع حاجبيها تلقائياً واتسعت عينيها رعبا وفي رد فعل طبيعي منها هبطت بجسدها كله أرضا خلف الشجرة فدلف يوسف ليتفاجأ بيحيى أمامه بجوار شجرة الجوافة....
الحقيقة أن كلاهما تفاجأ بالآخر أما المفاجأة الأكبر فكانت من نصيب مريم شقيقة يحيى التي دلفت مباشرة خلف يوسف حيث كانا على موعد معا هما أيضا تماما كما كانت يسر على موعد مع يحيى فوقف يوسف أمام يحيى وخلف كل منهما شقيقة الآخر الاختلاف الوحيد كان أن يسر مختبئة أسفل الشجرة لايراها أحد تكاد تموت رعبا إن كشف يوسف أمرها
لم يستطع يوسف أن يتقدم خطوة واحدة للأمام فتسمر مكانه وخلفه مريم ينظران إلى يحيى بقلق أن يسألهما عن سر دخولهما خلف بعضهما إلى هنا فمهما كان يعلم أنهما في حكم المخطوبين إلا أنه لن يقبل أن يتقابلا في مكان نائي كهذا ...
في نفس الوقت الذي كان ينظر إليهما يحيى بأضعاف قلقهما خوفا من أن يٌكشف أمر يسر ويراها شقيقها بهذا الشكل فقطع يحيى الصمت قائلاً وهو يتقدم من يوسف وينظر إلى مريم خلفه بضيق:"لما جئتِ إلى هنا مريم؟.."
كان حلقها جافا من أثر الصيام والتوتر معا فأردفت:"جئت لأقطف ليمون نحتاجه في الطبخ..."
أما يوسف فقال وهو يُجلي صوته:"وأنا كنت أبحث عنك كنت أريدك..."
فأردف يحيى وهو يقطع الخطوات القليلة بينه وبين يحيى قائلاً:"وأنا أيضا أريدك ثم وضع يده على ذراعه يجذبه لخارج الحديقة مُكملاً:أريدك أن ترى بنفسك جودة الخضروات التي تدعي أنها تصلكم المصنع بجودة ليست عالية...."
استجاب له يوسف وخرج معه حامدا الله أن يحيى لم ينتبه لأمر دخول مريم معه
في نفس الوقت الذي كان فيه يحيى يحمد الله أن يسر لم يٌكشف أمرها وأغلق الباب تاركا مريم التي كانت بالفعل تتقدم من شجرة الليمون المجاورة لشجرة الجوافة أما يسر فما أن سمعت صوت اغلاق الباب حتى استقامت واقفة وما أن رأتها مريم حتى اطلقت شهقة مكتومة وهي تضع يدها على صدرها قائلة:"بسم الله الرحمن الرحيم..." فأطلقت يسر ضحكة بصوت عالٍ قائلة:"ألم يحلو لكما اللقاء إلا هنا؟..."
اقتربت منها مريم قائلة بغيظ وهي تلكزها في كتفها :"هذا كله حدث من خبثك كنت أجلس بجوارك وتسللتي كالقطة ولم تقولي أنكما ستتقابلان هنا..."
قالت يسر وهي تعقد ذراعيها فوق صدرها ضاحكة :"ومن أدراني أنكما ستتقابلان في نفس الوقت ونفس المكان؟..."
فأردفت مريم ببؤس طفولي وهي تستند بظهرها على جذع الشجرة تماما كما تستند ابنة عمها :"حظي هكذا أنا أعرف حظي..."
قالت لها يسر وهي تغمز بعينها :"احمدي الله أن يحيى لم يراكما كما رأيتكما أنا المرة السابقة أو عمي زكريا رأكما مثلا كان قطع رقبتك..."
رفعت لها مريم حاجبا واحدا قائلة:"تشعريني أنكِ رأيتيني في وضع خادش للحياء ثم أردفت مبتسمة للذكرى :كل مافي الأمر أنه كان يمسك يدي لا أكثر ثم أردفت بنظرة خبيثة:ثم هل رأيتكِ أنا الان على سجادة الصلاة مثلا لقد كنتِ تختبئين أسفل الشجرة يا فتاة وما خفي كان أعظم..."
ابتسمت لها يسر بسماجة قائلة:"وماذا سيخفى في نهار رمضان ياخفيفة.... "
قهقهت مريم ضاحكة وقالت :"وإن لم نكن في نهار رمضان كان سيحدث؟..."
قالت لها يسر وهي تشمخ بأنفها :"لا بالطبع فلم يحدث بيني وبين شقيقك أكثر مما حدث بينكِ وبين شقيقي هي لمسة يد فقط...."
فقهقهت مريم ضاحكة وقالت:"بسم الله ما شاء الله بنات عمران لايوجد في أدبهن لمسة يد فقط ...."
فقالت يسر متصنعة الجدية:"بالضبط المسألة مسألة مبدأ وأنا لا أمزح في المبادئ أبدااا.... تماما كأخي حاتم " ثم انفجرت ضاحكة هي وابنة عمها ثم خرجتا معا من الحديقة دون أن تقطفان ثمار الليمون أو الجوافة
*****************




التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 20-05-21 الساعة 11:00 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس