عرض مشاركة واحدة
قديم 17-05-21, 05:35 PM   #65

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي





عنان .....
الابنة الكبرى ليونس ... رزقه الله بثلاث زهرات حمد الله عليهن بين مجتمع لا يعترف الا بإنجاب الذكور ورضاه بهن وهذا مايجعلهن وردات متفتحات لا يشعرن بالنقص وهذا ينطبع على عنان بشكل ملحوظ
تقف خلف النافذة المُغلقة بزجاج شفاف وفوقه ستائر شديدة الثقل تحجب ماخلفها ولا تكشف منه شيء
تنظر من خلف الستائر إلى النهر الممتد أمامها فهو يمتد بطول محافظات الجنوب، تُلقي الشمس أشعتها الذهبية عليه فتضفي سحرا وجاذبية على المكان حوله أما عنان فلم تكن تقل سحرا وجاذبية عنه فهي أجمل بنات عمران
ببشرتها البيضاء الصافية التي لا تخلو من حمرة طبيعية، عينيها واسعتين بلون زيتوني وأهدابها طويلة شديدة السواد كشعرها الطويل الناعم، قدها ممشوق بلا امتلاء فكانت دائما رمزا للجمال بين بنات عائلة أبيها وعائلة أمها
رن هاتفها الذي بيدها وكانت تعرف هوية المتصل قبل أن تراها ففتحت الخط مٌباشرة وقالت بصوت هامس رقيق :"السلام عليكم....."
لم يكن بيته بعيداً عن بيتها فقريته مجاورة لقريتها فيجعل هذا حبال الود موصولة باستمرار
"أهلا عنان كيف حالك؟"
"أهلا رماح كيف حالك؟..."
قالتها عنان بابتسامة حلوة زينت ثغرها الجميل
"كل عام وأنتِ بخير حبيبتي"
قالها رماح وعينيه تلمعان بتسلية ،يستطيع أي شخص من العائلة أن يرى في عينيه الدهاء الذي ورثه عن والده بسهولة إلا هي من لا ترى ذلك فعيون المحب عمياء لا ترى وإن كان أمام عينيها واضحا وضوح الشمس
عضت عنان على شفتها وابتسامتها قد ملأت وجهها المشرق وقالت له:" وأنت بخير رماح.."
ضيق عينيه قائلاً :" لما أشعر أن المكالمة جافة أقول حبيبتي وتقولين رماح هكذا دون أي تدليل؟.."
قهقهت ضاحكة وقالت له وهي تنظر نحو باب غرفتها:" أولا... لأننا في نهار رمضان فلن تسمع ماتريده .. ثانيا... اترك شىء لنا بعد الزواج لما تريد أن تسمع كل شىء قبل الزواج ؟.."
رفع حاجبا واحدا قائلاً :"وهل كل أفكارك عما بعد الزواج أنكِ ستقولين لي حبيبي؟.. لا اسمحيلي عزيزتي فأنتِ أفكارك هكذا مغلوطة تماما عن الزواج..."...
لمعت عينيها بالتسلية وتجاهلت تلميحاته قائلة بدلال وكأنها لم تسمعه وهي تستدير وتنظر إلى النهر الجاري أمام ناظريها :"سأنتظرك في الغد لتعطيني عيديتي..."
"حسنا يا مدللة قلبي ..."
قالها بتنهيدة حارة فأردفت بسرعة وكأنها لم تسمعه :"كيف حال عمتي؟.."
قالتها لتشتت تركيزه عن كلمات الغزل فهي كفتاة جميلة بالطبع تحب كلمات الغزل ولكنها تستطيع بحكمة تٌحسد عليها أن تميز متى تحتاجها ومتى لا تحتاجها ومتى تصح ومتى لا تصح ....
هي تستطيع التحكم في انفعالاتها ومشاعرها.... ملكة ورثتها عن جدتها غالية
رد قائلاً:" عمتكِ بخير... بإذن الله سنأتي جميعا في الغد وإن لم أستطع أن أنفرد بكِ سأرسل عيديتك مع عمتكِ..."
ارتسمت ابتسامة مشاكسة على وجهها قائلة:"وهل مع كل العدد الذي يتواجد يوم العيد تتصور أنك ستنفرد بي؟.. أنت تحلم .... أنت بالكاد ستراني فقط...."
مط شفتيه وهو يتلاعب بسلسلة مفاتيحه بين أصابعه وأشعة الشمس تسقط على وجهه الوسيم فيبدو المكر جليا في عينيه قائلاً "تدللي ياست البنات فالدلال خٌلِق لكِ وإن لم تتدللي أنتِ فمن ستتدلل؟.."
اتسعت ابتسامتها فملأت وجهها كله فبدت كقمر ليلة تمامه وأغلقت معه فأخذ نفسا عميقا ودلف إلى بهو البيت الواسع يقصد المندرة حيث يجلس والده فمر على "يمنة" عمة عنان وزوجة والده التي تزوجها بعد وفاة والدة رماح حين كانت تضع مولودها الثاني فماتت هي ووليدها
قال لها دون أن ينظر في عينيها وكأنه يسألها فقط حتى لا يكون قد مر بجوارها و تجاهلها:" ماذا سنأكل اليوم خالة يمنة؟..."
رفعت يمنة وجهها الذي يشبه وجه أمها الغالية غالية إليه قائلة بابتسامة حلوة :"جميع ماتحبه ياقلب خالتك..."
تركها رماح دون رد ودلف إلى المندرة من الباب الداخلي للمنزل فوجد والده جالساً على الأريكة يشاهد التلفاز يرتدي جلبابه الجنوبي البسيط... أربعيني بينه وبين الخمسين القليل يملأ المكان بحضور و هيبة
رفع راشد وجهه إلى ولده وربت على الأريكة بجواره بحب لأكبر أبناؤه فجلس رماح بجواره
يشبه أبيه كثيرا وخاصة في نظرة الخبث التي تلمع في عينيهما فأردف راشد وهو يضيق عينيه "كيف حال عروس ابني المستقبلية؟..."
غمز له رماح بعينه قائلاً :"بخير أبي..."
قال راشد متسائلاً وهو يضيق عينيه:" هل تملأ يدك منها حقا يارماح ؟ هل أملأ يدي؟...."
ابتسم رماح ابتسامة واثقة قائلاً وهو يرفع حاجبا واحدا:" كالخاتم في اصبعي أبي.."
قال راشد بنظرة مليئة بالجشع:" إن تمت زيجتك بابنة يونس فاعلم أن ثلث ميراث يونس من جدك عمران بعد عمر قصير إن شاء الله سيكون بين يديك..."
ربت رماح على يد والده قائلاً:" اطمئن أبي اطمئن قلت لك كالخاتم في اصبعي ..." ولمعت عيونهما معا بلمعة مماثلة
***********
يوم العيد بعد الظهيرة
يجلس عمران أرضا على إحدى الوسائد المُريحة في بهو البيت وبجواره تجلس غالية وعلى الجانبين جميع أبناؤهما الذكور و أحفادهما الذكور و أمامهم عدة طاولات قصيرة للطعام تُسمى "طبلية" بالطبع لن تكفي هذا العدد واحدة ولا اثنتين فكانت هناك عدة طبالي يجلسون حولهم وكأنهم يجلسون على طاولة طعام كبيرة كالتي تكون في المناسبات
ورغم أن عادتهم أن يأكل الرجال وحدهم والنساء وحدهم مادام هذا العدد الكبير موجودا إلا أن عمران أصر هذا العيد أن يجلس الجميع معا على طاولة طعام واحدة فجلست زوجات أبناؤه وابنته يمنة وحفيداته على الطرف الآخر من المائدة الكبيرة
كان من ينظر إلى هذه المائدة العامرة بهذا العدد يظن أن هناك عرسا أو مناسبة وليس مجرد غداءا للعائلة في أول أيام العيد
كان الجميع مندمج في الطعام الشهي أما عمران فكان ينظر إلى هذا الجمع بسعادة وشجن في آن واحد
فمن يكون أمامه ذرية بهذا العدد ولا يشعر بالسعادة؟
ومن يكون تجاوز السبعين ووهنت صحته ويشعر بأن أيامه في الدنيا معدودة ولا يشعر بالحزن؟....
ومن يكون أمامه ثمرة تَعِبَ عمره كله وهو يزرعها ويختار أن يتركها بعد أن أثمرت ؟
رائحة الطعام التي تملأ البيت
ومشهد أبناؤه وأحفاده أمامه مشهد اعتاد عليه ولكنه لايعرف لما اليوم على وجه التحديد يريد أن يشبع من الجميع
"لما لا تأكل يا حاج عمران ؟"
قالتها غالية بلهجة أهل الجنوب الأصيلة وهي تربت على كفه التي انتفخت عروقها الزرقاء وبرزت بشدة ...
ابتسم لها ابتسامة صافية شقت طريقها بين تجاعيد وجهه التي كانت تبدو كأرض جافة لم تروى لها زمن وتشققت وتحتاج الماء ليعيد لها الحياة
وقال بصوت خفيض :"سآكل ياغالية سآكل...."
أخذ كسرة خبز وقسمها بينه وبين صالح الذي كان يجلس على يمينه قائلاً له:"متى سنفرح بالأولاد ؟ أريد أن أفرح بهم وأحمل أبناؤهم وأٌسميهم كما أسميت آباؤهم...."
التفت إليه يحيى ابن زكريا الذي يجلس بجوار والده الجالس بجوار صالح قائلاً بحماس:"احك لنا يا جدي لما أسميتنا جميعا بهذه الاسماء.."
قال له جده وعيناه تلمعان تأثرا وذاكرة من حديد تعمل لم يؤثر عليها مرور السنين :" يوم ولادتك كنت نائماً ولا أعلم أن أمك تلدك ..اكتسى صوته برهبة وأردف:فهمس صوت في أٌذني بصوت جميل...( يازكريا إنّا نُبَشِرُك بغُلام اسمه يحيى)..واستيقظت بعدها لأجد جدتك ....ثم نظر إلى غالية وأردف :تقول لي أنجبت زوجة زكريا صبي فقلت في نفس الوقت يحيى...."
التفت جميع الأحفاد إلى جدهم بنظرة وجلة رغم أنهم سمعوا هذه القصة أكثر من مرة ولا يدرون أي سحر في روايات الأجداد يجعلهم يستمتعون وهم يسمعوا حكايات أجدادهم مرارا وتكرارا بلا ملل بل يستمعون لكل حكاية وكأنها لأول مرة تُحكى فأردف يوسف ابن صالح قائلاً بعينين لامعتين:"وأنا ياجدي احكي لي لما أسميتني يوسف؟..."
ابتسم عمران ابتسامة حب قائلاً:"حين كانت جدتك حامل في عمتك يمنة وبما أنها كل مرة كانت تنجب صبي ظننت أن مافي بطنها صبي وأسميته يوسف وحين جائت عمتك قلت في نفسي أن أول حفيد صبي لي سأسميه يوسف ومرت السنوات إلى أن جاء قرة عيني وأكبر أحفادي يوسف...."
ابتسم يوسف بمودة لجده وبادلته مريم نظرة خاطفة فأردفت عنان قائلة بابتسامة جذابة تميزها كما يميزها الكثير والكثير:"وأنا ياجدي لما هذا الاسم الغريب حتى الآن لا أعرف ..."
ضيق عينيه مفكرا ثم أردف:"أحببت الاسم فقط ....."
"وأنا لما أطلقت عليّ هذا الاسم ياحاج عمران "
التفت الجميع إلى باب البيت و إلى مصدر الصوت الذي لايٌخطئه أحدهم ورفعت غالية عينيها إليه ترى الغالي يقف أمامها بطوله وعرضه وابتسامته الحلوة وعينيه المشاغبتين وهمست من بين شفتيها "معتصم" وما أن رأى حركة شفتيها وقرأ اسمه عليهما حتى وضع حقيبته أرضا واندفع نحوها ليجلس على ركبتيه أرضا أمامها ويحتضنها بشوق لتحتضنه هي بشوق أكبر وعينيها تدمعان تأثرا فله أشهر غائب عنها في عمله
رفعت وجهه الذي تحتضنه بكفيها ونظرت إلى عينيه قائلة بعتاب :"طالت الغيبة هذه المرة ياولدي واشتقت لك ..."
قبل يديها ثم أردف بحنين:"وأنا اشتقت لكِ أكثر ياغالية ولكنه العمل ماذا أفعل؟..."
ضربته في كتفه بخفة قائلة ودموعها لا زالت تلمع في عينيها:"ألن تكف عن مناداتي باسمي ؟.."
أردف قائلاً بعينين حانيتين:"تعرفين أن هذا ليس اسمك وإنما لقبك ....."
ثم ابتعد عنها قليلاً ليقترب من عمران وهو لازال يجثو على ركبتيه ففتح له عمران ذراعيه واحتضنه وهو يربت على كتفه قائلاً بحنان لايقل عن حنان غالية:"اشتقت إليك بُني...."
أردف معتصم وهو يبتسم لفيض المشاعر التي كان يفتقدها :"وأنت أكثر ياحاج عمران..."
استقامت يمنة وتقدمت من معتصم ووضعت يدها على كتفه قائلة :"حمدا لله على سلامتك يامعتصم ..."
نظر إليها معتصم وهولايزال جالسا ولم يتنازل للقيام والسلام عليها قائلاً:"سلمك الله ياعمة .... لا سلام على طعام أكملي طعامك..."
بينما صاح الشباب جميعهم يحيونه وكل منهم يتناول طعامه وأردف يوسف وهو الأقرب له من الجميع لتقاربهما سنا قائلاً:"معك حق لا سلام على طعام حين ننتهي نصافحك كما نريد...."
شعرت يمنة بالخجل وعادت ببطء لتجلس ثانية بجوار زوجها بينما أفسحت غالية لمعتصم المكان بجوارها قائلة:"اجلس حبيبي لك أشهر لم تتذوق طعامنا..." فوضعت أمامه زوج من الحمام المحشو و طاجن من الأرز المعمر و طاجن من الويكا فشمر كميه قائلاً بحماس:"فعلا أجوب جميع البلاد ولا أجد في مذاق طعام بلادنا..."
وبدأ يأكل معهم والشباب لايكفون عن الحديث معه وسؤاله عن أخر أخبار العمل..
كان الجميع يتحدثون معه وينظرون إليه وهم يأكلون ولكن هناك عين محبة كعين عمران وغالية وهناك عيون كانت تتبادل النظرات معا بشكل لا يقرأه غيرهما
كان زكريا ينظر إلى نعمة زوجته وتبادله هي نفس النظرة وكل منهما يوزع نظره بين الحلة الرسمية للضباط التي يرتديها معتصم وبين النظر لصاحبه وعيونهما تقول أليس من المفترض أن يكون يحيى مكان معتصم ؟
ألم يكن يحيى أحق؟
جز زكريا على أسنانه وهو يتذكر غباء ابنه حين رفض دخول كلية الشرطة كما دخلها معتصم بحجة أنه يحب الزراعة
نعم تفوق في مجاله وأصبح مُهندساً زراعيا يُضرب به المثل
ولكنه كان يتمناه ضابطا كمعتصم الذي لا يفرق بينهما سوى أقل من عامين
أخرجه من شروده صوت الحاج عمران قائلاً لكل أولاده الذين يجلسون حوله
:"لم نكمل حديثنا بشأن زيجة الأولاد مارأيكم في عقد قران يحيى ويسر ويوسف ومريم و رماح وعنان في يوم واحد؟..."
شعرت البنات بالخجل وأطرقت كل واحدة بوجهها أرضا أما الشباب فارتفعت وجوههم وزينت البسمة أعينهم
فأردف راشد زوج يمنة بسرعة والذي كان قد أعاد طلب عنان من جدها للمرة الثانية منذ قليل حين كان ينفرد بيونس وعمران "الذي تراه ياحاج عمران أطال الله في عمرك حتى ترى أبناؤهم ..."
وأردف صالح :"وقت أن تحدد ياحاج هم أبناؤك ولك فيهم أكثر مما لنا.."
وأردف زكريا :"خير البر عاجله ...."
و لم ينتبه أحد لمعتصم الذي وقف الطعام في حلقه ما أن سمع بذلك
و لم ينتبه أحد لتجهم وجهه المفاجيء وهو يرفع نظره إليها لا يصدق أن أحدا سيأخذ روحه منه دون أن يملك حق الدفاع عنها ...
وكيف يفعل وهو يرى عينيها متعلقة بعينيه وابتسامة سعيدة تملأ وجهها الذي يٌضيء كخيوط من نور ولم يكن هناك أقسى عليه من أن يٌضىء لغيره
يتمنى من كل قلبه أن تفشل الزيجة ... يتمنى ذلك من قلبه بمنتهى الأنانية
ومنذ متى كان العاشق كريما معطاءا يتمنى الخير لغريمه؟....
***********
في اليوم التالي
استيقظ مُعتصم صباحاً بعد أن قضى نهار العيد كله مع شباب العائلة...
جلس في فراشه في غرفته المجاورة لغرفة غالية ينظر لسقف الحجرة بضياع...
ظل على هذه الحالة فترة طويلة لا يفعل شىء سوى الشرود
إلى أن غمغم بصوت مسموع يائس:"وكأنها كانت لك أو كنت تتوقع أن تكون لك وتفاجأت بخبر زواجها ... هي لم تكن لك من البداية... ولم تشعر بك ولو للحظة واحدة ... هز رأسه أسفا وغمغم بصوت خفيض ضائع يشبه نظرة عينيه :هي لم تراك طوال عمرها ... منذ أن أشرقت شمسها في هذا البيت وأنت بالنسبة لها لا شىء..."
مسح على وجهه كله براحة يده وزفر زفرة حارة ثم استقام واقفا يقاوم حزنه ويأسه واحباطه
خرج إلى بهو البيت الواسع ليجد غالية تجلس على أريكتها المفضلة أمام التلفاز وتستمع إلى الأخبار كعادتها ترتدي عباءتها السوداء المنزلية الأنيقة وتربط رأسها بوشاح مزركش باللونين الأبيض والأسود ولكنه يغلب عليه اللون الأسود الذي تعتبره هي رمزا للوقار فاقترب منها ودون كلام وضع رأسه في حجرها وتمدد على الأريكة...
احتضنت وجهه بكفيها فوضع كفيه على كفيها في صمت ولم يتحدث ...
نظرت إليه وشعرت بالشفقة عليه...شاب على مشارف الخامسة والعشرين
في ريعان الشباب....تعرف مافي قلبه حتى وإن لم يَبُح به
ومن غيرها سيشعر به وهو ابن قلبها الذي لم يحمله رحمها...
ولكن ماذا ستقول ؟.. أحيانا يكون الصمت أبلغ من الكلام
فهي ترى البنت من صغرها تميل لغيره
وبما أن غيره من أبناء العائلة فلم يحدث عليه خلاف... ورغم ذلك تشعر به وبمشاعره التي لايملك منها شيء..
رأت أنه لا يريد الكلام فصمتت هي الأخرى تكتفي بالتربيت على وجهه الخمري المليح وتحسس قسماته بيديها الدافئتين وتمسح بيديها على شعره الأسود الغزير
وكأن يديها بهما سحرا فتبثان دفئا عجيباً وكان هو في أمس الحاجة لسحر لمساتها فاستسلم للنوم
يجتمع أبناءها وزوجاتهم وأبناؤهم عندها ولكنهم يبيتون في شققهم التي تعلوها مباشرة بسلم في منتصف بيتها ولكن معتصم هو الذي يظل معها لأنه ببساطة لايوجد له غيرها
ظل نائماً في حجرها إلى أن استيقظ بعد فترة من تلقاء نفسه
فاستقام جالسا وقال لها ووجهه يبتسم ابتسامة ليست من قلبه
:"دائما لا أجد نفسي ما أن أضع رأسي في حجرك غاليتي.."
ابتسمت قائلة :" طوال عمرك لا ترتاح إلا في حضني..."
ضيق عينيه وكأنه تذكر شىء فأردف قائلاً :"أمي نسيت أن أقول لكِ شيء .."
"قل حبيبي"
"هل سمعتي عن حادث الثأر في بلدة(.....)
قالت بامتعاض وملامح وجهها قد تغضنت:"سمعت يابني شباب كالورد ضاع فيها.."
أردف قائلاً:"القوة الموجودة هناك بهم الكثير من أصدقائي هل من الممكن أن أدعوهم على الغداء غدا؟..."
قالت له بتلقائية:"طبعا بٌني وهل تسأل؟ البيت بيتك تدعو فيه من تشاء حسنا فعلت أنك قلت من اليوم حتى نجهز مايليق بك ياحضرة الضابط...."
قبل مٌعتصم يديها قائلاً بابتسامة حلوة ملأت وجهه فأضاء شعاع نور في قلبها من ابتسامته فأردف وهو يستقيم خارجاً للمندرة ليكلم زملاؤه يؤكد عليهم الموعد :"بارك الله فيكِ حبيبتي..."
************
في اليوم التالي
دلفت مريم إلى حظيرة المواشي وهي تنظر خلفها خوفاً من أن يراها يحيى كالمرة السابقة
فوجدت من يجذبها من ذراعها فشهقت بصوت عالٍ فوضع يوسف كفه الحر على فمها وجذبها بكفه الآخر إلى داخل الحظيرة بالقرب من المواشي التي ترتع في الأرض وتأكل مُصدرة أصواتا مألوفة بالنسبة لهما
قالت له بامتعاض ما أن نزع يده عن فمها :"بالله عليك هل هذا مكان تواعدني للقاء فيه؟..."
ظهر شبح ابتسامة على وجهه فهو غالبا لا يبتسم كثيرا فهو من الشباب الذين لا يٌظهرون مشاعرهم بوضوح... ثقيل وهي تحبه بكل صفاته
أردف يوسف وهو ينظر إلى عينيها العسليتين من هذا القرب :"هذا هو المتاح عزيزتي ثم أردف وهو يغمز لها بعينه:هل نسيتي أول أمس حين دخلنا الحديقة وكان أخوكِ هناك...."
قالت له بخجل :"لا لم أنسى ثم أردفت بمشاكسة:ومن أدراك أنه لن تحدث صدفة ويجدنا هنا أيضا..."
أردف وهو يبعد يده أخيرا عن ذراعها :"الجميع منشغلون في المندرة مع ضيوف معتصم.."
قالت وهي تنظر بقلق نحو باب الحظيرة :"لماذا كنت تريدني يوسف ؟..."
قال لها بجدية وهو يقف متخصراً:"أنا أريد أن نتزوج مباشرة لا أجد داعي للانتظار لآخر العام كما قال جدي أنا أعرف هو قال هذا لأن يسر وعنان أمامهما عدة أعوام في الجامعة أما أنتِ فلا يتبقى لكِ سوى عام واحد تكمليه معي والجامعة ستكون قريبة جدا من بيتنا لما ننتظر نحن لأخر العام؟ ثم أردف باستنكار: فقط ليكون الجميع في يوم واحد؟..."
كان يتكلم بحماسة ويبدو أنه عزم بالفعل على مايريد ولم تكن هي رغبتها في القرب منه أقل من رغبته فأردفت بلهفة :"أنا أوافق... أنا أيضا أريد ذلك..."
ابتسمت عينيه للهفتها التي قفزت من عينيها العسليتين فشعرت هي بالخجل من اندفاعها ولاذت بالصمت وهي تفرك كفيها معا فأردف وهو يجذب كفها ليحيطها بكفيه بتملك:"أنا فقط كنت أريد أن أعرف موافقتك هذه حتى حين أتكلم أمام الجميع أتكلم بثقة...."
ذابت أناملها بين يديه فشعرت أن دفاعتها جميعا ستنهار في ثانية واحدة فلملمت مشاعرها وجذبت يدها من يديه خاصة وهي حريصة منذ مصارحته لها بحبه منذ سنوات قليلة على وضع حدود لعلاقتهما لسببين
أولهما خوفها من الله
ثانيها خوفها من والدها
فهو شديد معها ولا يُمرر لها غلطة... تنحنحت قائلة وقد انفجرت الدماء في وجهها كله :"يجب أن أذهب الآن..."
كانت الحظيرة مليئة بالبط والأوز والدجاج إلى جانب بقرتين كبيرتين مربوطتين بإحكام وحولهما صغارهما فكان هناك صراعا يدور بين بطتين لم تنتبه له مريم إلا بعدما قفزت بطة كانت تقف بجوار مريم على صديقتها ونقرتها بمنقارها لترد لها الأخرى الهجوم ولكن الأولى فرت لتندفع الثانية على ساق مريم و نقرتها فقفزت من مكانها لتتعلق بكفيها بكتفي يوسف الذي راق له شجار البطتين الذي أدى إلى هذا التقارب الذي يُعتبر لأول مرة يكون بهذا القرب الذي جعله يشم رائحة شعرها العطر فأحاط بذراعيه خصرها النحيل ورفعها ليبعدها قليلاً عن الشجار الذي دخلت فيه دون ارادتها وما أن وضعها على الأرض حتى انتبهت
هل حملها بالفعل؟
لم تشعر سوى بأن قدميها لا تلامسان الأرض ثم فجأة وجدت نفسها لامست الأرض مرة أخرى
فرت من أمامه ما أن أدركت أن زمام الأمور ربما يفلت منهما فأسرعت للخارج تحمل قلبها بين كفيها وهو يضحك عليها وفي نفس الوقت يشعر بتسارع دقات قلبه من أثر قربها الشديد منه منذ لحظات ... صغيرته هي التي رباها على يديه ليدرك ما أن شب أنه يهيم بها عشقا
دلفت مريم إلى شقة والدها لتلحق ببنات عمها اللاتي يجتمعن في غرفتها وكانت هي معهن وما أن أرسل لها يوسف الرسالة حتى تركتهن وتحججت بحاجتها للذهاب إلى الحمام
فتحت باب غرفتها بهدوء لتجدهن جميعا يقفن خلف النافذة يفتحن فتحة صغيرة جداً وينظرن إلى المندرة فضيوف معتصم كانوا يجلسون مع رجال وشباب العائلة وكانت نافذة حجرة مريم هي الوحيدة في الشقة التي تطل على المندرة فسارت على أطراف أصابعها ووقفت خلفهن بهدوء لتنظر إلى ماينظرن إليه ...
البنات في بلادهن لا يخرجن من البيت إلا لحاجة ويكون معهن رجل من العائلة
ولا يصح أن يدخل ضيف غريب البيت الذي يوجد به بنات لذلك جميع ضيوف العائلة من الرجال يتم استقبالهم في المندرة
والبنات من هذه النافذة الصغيرة يشاهدن العالم الذي لا يعرفن عنه إلا القليل
وما أن شعرت عنان بأنفاس بجوارها حتى انتفضت وشهقت لتشعر بقية البنات بها فوضعت عنان يدها على صدرها قائلة :"سامحك الله لقد ارتعبت وظننت أن عمي زكريا هو من أتى.."
قهقهت مريم ضاحكة وقالت لها:" هل إلى هذه الدرجة أبي يشكل لكن رعبا ؟."
قالت يسر وهي ترفع عينيها إليها وتمط شفتيها:"صراحة نعم يامريم كان الله في عونك فوالدك صعب .."
ابتسمت مريم ابتسامة صغيرة ولمعت عينيها بالتسلية قائلة:" بل كان الله في عونك أنتِ فبعد أشهر قليلة سأنتقل أنا إلى بيتكم وتأتين أنتِ إلى بيتنا..."
قالت يسر وهي تجز على أسنانها:" أنتِ تتعمدين مضايقتي..."
قهقهت مريم ضاحكة ثم أردفت بجدية وقلبها مازال يحلق حولها :"لاتقلقي يحيى يحبك ولن يسمح لأي شخص بتجاوز حدوده معكِ "
كانت عنان تقف بجوار أختها الصغرى في النافذة حين على صوت راشد زوج عمتها يمنة وهو يدخل ليصافح رجال الشرطة فاستقمن جميعا لمصافحته إلا معتصم الذي لم يتحرك من مكانه مدعيا انشغاله بهاتفه ومن خلف راشد كان رماح أكبر أبناؤه يليه تمام وكامل ومالك
وما أن رأت عنان رماح حتى ابتسم ثغرها تلقائياً ابتسامة تخصه هو فقط فناظرتها يسر ونظرت إلى رماح قائلة باستنكار :"لا أعرف لماذا تحبيه؟..."
قالت لها عنان بهدوء:"لنفس السبب الذي تحبين من أجله يحيى ثم نظرت إلى مريم قائلة:ولنفس السبب الذي تحبين من أجله يوسف..."
قالت يسر باستنكار أكبر:"وهل رماح كيوسف ويحيى؟..."

احتدت ملامح عنان وهي تردف:"نعم مثلهم ماذا ينقصه عنهم أليس ابن عمتنا؟.."
أردفت مريم:"لاااا ليس ابن عمتنا ولكنه ابن زوج عمتنا تفرق..."
قالت عنان بجدية :"في ماذا تفرق؟..."
كانت يسر تريد أن تنبهها ولكن هل لعين الحبيب أن ترى في المحبوب من نقصان؟
كانت هي تراه السماء بشمسها وقمرها ونجومها
وكان الجميع يرى فيه الشاب الطامع الذي يشبه والده ولكن الجميع يرى شىء والمحب يرى شىء آخر خاصة حين يكون المحبوب ذو لسان معسول وعينين آسرتين وله سطوة على القلب
وجدت يسر ومريم أن الكلام مع عنان لن يفلح فقالت مريم وهي تعاود النظر إلى الأسفل :"حسنا دعنا من رماح الآن ماشاء الله الضباط مظهرهم له رهبة خاصة ثم نظرت إلى يسر قائلة وهي تمط شفتيها:لما لم يدخل يوسف ويحيى الشرطة كمعتصم؟..."
فأردفت يسر بهيام وهي تنظر إلى يحيى من خلف النافذة :"أنا أحبه هكذا هل كنتِ تريدينه أن يدخل الشرطة وأراه كل عدة أسابيع يومين ؟...."
قطع عليهن الحديث شعورهن بأنفاس خلفهن فأردفت عنان بتسلية دون أن تنظر خلفها وقد فطنت أنها وصال أختها التي قالت لها انها ستنهي صلاتها وتأتي خلفها:"تعالي وصال أنتِ تحبين الضباط وحلة الضباط وكل ماله علاقة بالضباط.."
وبينما هي تمد ذراعها خلفها لتجذب وصال اصطدمت يدها بعمامة فالتفتت بسرعة لتجد عمها زكريا يقف خلفهن مباشرة عينيه تتقدان وقد رأى من جلسته في المندرة ظلال خلف النافذة فصعد ليرى من بالأعلى
اتسعت عيني عنان عن أخرهما وقالت بصوت منخفض لا يخلو من الخجل والخوف ومزيج من الانفعالات التي لا تحدث مع والدها ولكن تحدث مع زكريا لما له من سطوة يفرضها على الجميع سواء أبناؤه أو أبناء اخوته :"عمي زكريا!!!..."
اتسعت عيني يسر ومريم ونظرت كل منهما للأخرى ثم التفتتا ببطء لتجدانه يقف خلفهن مباشرة ينظر إليهن شزراً قائلا:"ماذا تفعلن يابنات عمران؟..."
لم ترد أي منهن على سؤاله المباشر وكانت عنان أول من تحركت قائلة وهي تجذب اختها الصغرى خلفها قائلة بسرعة:"أمي تريدني..."
وما أن خرجت من الغرفة حتى وقفت يسر ومريم تنظر كل منهما للأخرى إلى أن قالت يسر بلجلجة:"كنا ننظف الحجرة مع مريم وكانت النافذة ممتلئة بالتراب.."
ثم تسللت من جواره بخفة ومريم تمسك في يدها فلم يعترض طريقهما وهو ينظر إليهما بغيظ مهمهما وهو يغلق النافذة بعنف :"هذا ما نأخذه من خلفة البنات ...وما أن أغلق النافذة حتى أردف وهو يجزعلى أسنانه :كان لديهم حق حين كانوا يؤدونهن قديما.."
بينما كانت البنات يهبطن الدرجات بسرعة حتى وصلن لجدتهن غالية التي كانت تجلس في بهو البيت فالتففن يجلسن حولها كل واحدة من ناحية والثالثة دفنت رأسها في حجرها كأنهن قطط صغيرات تندس في حضن والدتهن لا إناث بالغات ستحمل كل منهن مسئولية بيت وأسرة عن قريب....
************



التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 02-06-21 الساعة 11:36 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس