عرض مشاركة واحدة
قديم 22-05-21, 06:55 PM   #387

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile9 الفصل الثالث عشر - القسم الثالث

كان علينا الانتظار لبضع ساعات حتى نعود لاستلام الفستان، ولهذا اقترح حازم الذهاب إلى أحد المطاعم الموجودة داخل المركز التجاري لكي نستريح قليلا وننتناول غداء متأخرا لتمرير الوقت..

جلسنا داخل مطعم "تراس كافيه" الذي كان يغلب على أجوائه الهدوء، ربما لقلة الزبائن في هذا التوقيت، حيث انشغل كلا منا باختيار الأطباق الذي يشتهيها على الغداء متجاهلا الآخر تماما، وبعد أن انتهى النادل من تسجيل طلباتنا، جلسنا في صمت لعدة دقائق، وساعدنا على ذلك الإضاءة الخفيضة للمطعم التي تصاحبها موسيقى تهدئ الأعصاب.

قطع حازم الصمت المهيمن، مبتدئا الكلام بنوع من التردد وكأنه يحاول تلمس طريقه وسط متاهة معتمة للخروج سليما أو بأقل الخسائر..

إنه محق في التصرف بحذر..
سيكون عليه الانتباه جيدا لكلماته وتصرفاته من بعد الآن..

سألني بتفكر: "لماذا أصريت على اختيار ذلك الثوب تحديدا؟".. مخرجا كلماته بنبرة هادئة، فبدا كمن يحاول تغليفها بقدر هائل من اللامبالاة لكن التماع عينيه كشف عن فضوله الشديد.

ارتشفت أنا بعض العصير ثم أجبته بابتسامة عريضة متكلفة: "هو الأجمل من وجهة نظري.. ويعكس تماما رأيي بالزواج منك.. لكن لا تقلق يا زوجي المستقبلي بعد يومين ونصف من الآن.. يمكننا أن نخبر الحضور أن تصميم الفستان هو أحدث صيحة عصرية.. ألن يكون هناك مدعوين؟ أم سيكون عرسا سريا صامتا يليق بطريقة وأسباب ارتباطنا؟"

زفر هو بضيق: "لا بل سيكون عرسا صاخبا.. ابدئي في دعوة صديقاتك وزملائك.. وأنا سأدعو أصدقائي بالطبع"..
مغرور..

أجبته بالطريقة الوحيدة التي كنت أعلم أنها ستخرسه تماما: "وشقيقك؟ أستدعوه أيضا للعرس؟".
أعترف.. كنت أضرب بعنف وبلا نزاهة.. ولكن هل يلومني أحد؟ ألا يستحق؟

رمقني حازم بحدة بمقلتيه اللتين تحول لونهما البني إلى درجة نحاسية مشتعلة، وكادتا تنفجران بلون الدم الأحمر الذي غلف محيط أهدافه.. لكنه أغمضهما لبضع ثوانٍ ثم قام من مقعده بعنف وتوجه نحو الغرفة الملصق أعلاها علامة (حمام الرجال) بداخل المطعم.

لماذا انسحب هكذا؟
كنت أتمنى أن يرد عليّ حتى أكيل له الكلمات التي يستحقها ذلك الوصولي الخبيث.. ولكنه غادر متقهقرا..
أحمق جبان..

كان الطعام قد وصل إلى المائدة قبل عودة حازم، وبدأ النادل في ترتيب الأطباق على المائدة، حيث عاد حازم بينما شارف هو على الانتهاء، وبعد مغادرته متمنيا لنا الاستمتاع بالطعام، انغمس هو في تناول غدائه بشكل آلي مضجر دون أن يتحدث معي أو حتى ينظر نحوي.

تصرفت مثله وبدأت أتناول الطعام بشهية حقيقية.. كان الأكل لذيذا فعلا وتلك الجولة أنهكتني وأشعرتني بالجوع..

قاطعنا صوت رنين هاتف حازم من جديد، فقام بمسح يده بواسطة بعض المحارم الورقية ثم استقبل المكالمة بهدوء .

بدأ يرد على محدثه من الطرف الآخر ببضع عبارات كان يقطعها ليصمت هنيهة كي يستمع إلى محدثه، فكنت أنا أستمع لتعليقاته من جهة واحدة..
"مرحبا خالد.. أنا أتناول الغداء الآن برفقة خطيبتي.. نعم نعم.. يمكنك الحديث"..
"ماذا تظن؟ أحاول التماسك"..
"لا لم يحدث شيء من هذا القبيل"..
"نعم.. أمضيت الليلة الفائتة برفقته.. يبدو أن حالته المعنوية تتحسن شيئا فشيئا.. وصار مستعدا للعلاج الفيزيائي.."
"سيكون الطريق طويلا وشاقا.. ولكن أنا واثق في عزيمة أخي، خاصة وأنه سيخصص كل وقته لتلقي العلاج فلن يكون هناك مجال لحضور ورش دراسة السيناريو أو حتى القيام بأعمال جزئية كالترجمة الصحفية أو كتابة المحتوى الالكتروني للمواقع وبوابات الأخبار.."
"ربما بعد بضعة أشهر يعود للعمل جزئيا من المنزل ولكن وقتها لن يعمل في إعداد المحتوى الذي يتطلب زيارة مصادر الأخبار أو التنقل لمتابعة الأحداث في مواقعها عن كثب.."
"لن أقرر نيابة عنه.. هو سيحدد وجهته التالية عندما يكون مستعدا، لكن الآن سأدفعه دفعا لكي يركز كل وقته وطاقته من أجل المرحلة الأولى من العلاج"..


توقف حازم عن الحديث دون أن ينهي المكالمة، حيث عاد للصمت من جديد، وبدا وكأنه قد شرد تماما في الاستماع إلى من يحدثه ونسي أنني بجواره، ثم قال كلماته التالية بصوت يغلب عليه الأسى كمن يعيش وجعا مهلكا، حيث همس بكلمات بالكاد تخرج من فمه: "لا أهتم.. كما قلت لك.. لم تعد آلامي تعني لي شيئا الآن.. يجب تصحيح هذا الوضع بشكل أو بآخر".

ما الذي يتحدث عنه؟
أي ألم؟ وأي وضع يريد تصحيحه؟؟

هذا الرجل يزداد غموضا لحظة بعد لحظة.. وكلما كنت أظن أنني بدأت أفهم ما ينتويه.. يفاجئني هو بتصرفات وأسرار جديدة..

يجب أن أجد الإجابات الصحيحة لجميع الأسئلة التي تدور في عقلي الآن.. لكن ربما ليس بنفس السرعة التي أريدها.. أمامنا الكثير من الوقت..

على ذكر الوقت.. يجب أن أتحدث معه بشأن خطتي حتى لا يظن أنه قد فاز بالجائزة الكبرى.

التفتت نحوه من جديد، لأجده قد أنهى مكالمته الهاتفية وعاد لتناول الطعام من جديد.. ولكن هذه المرة بدا أنه قد استعاد بعضا من توازنه.

وضعت ملعقتي جانبا، ونظفت يدي ببعض المحارم، ثم أمسكت بكأس المشروب، وأخذت أحرك ماصته بشكل دائري، وأنا أستعد للمبادرة بالحديث معه.

أخذت نفسا هادئا ثم زفرته برفق، ونظرت نحوه، وانتظرت حتى ترك هو ملعقته وأسند ظهره على المقعد، ورفع حاجبه الأيمن وكأنه يستحثني على الحديث..

"زواجنا هذا لن يستمر طويلا.. ليكن لديك علم.. سيستمر لستة أشهر فقط، وربما لعشرة على الأكثر.. فقط ريثما تتضح الأمور ويتم تكليفي في إحدى المستشفيات بعد نهاية هذا العام.. سأطلب العمل إلى جانب حنان في محافظتها الجنوبية.. سأبتعد عنك وعن أبي لتتفرغا لأعمالكما القذرة السوداء.. أساسا قبلت هذه المسرحية السخيفة حتى أستطيع التركيز في الشهور المتبقية لي من عامي الأخير في كلية الطب، فلا تضمني في آية خطط تخص مستقبلك"..
تحدثت بثقة ولكن بعجل، وأنهيت كل شيء بجملة واحدة دون أن أعطيه الفرصة للمقاطعة، وبعدها عدت لارتشاف العصير بهدوء جليدي.

ظل حازم مركزا نظره نحو عينيّ لبعض الوقت، ثم سأل بجفاء: "هل لديك طلبات أخرى؟".

أعدت كأس العصير لسطح المنضدة، ثم أجبته بثقة: "نعم.. هذه الزيجة شكلية كما تفهم.. لذا على كلينا أن يلزم مكانه.. لا نتدخل في حياة أحدنا الآخر، نحن لن نصبح زوجين حقيقيين.. أبدا.. أنصحك أن تنظر للأمر كأننا زميلي سكن.. أو جارين يعيشان في نفس المنزل.. أنت بالطبع ستنتقل إلى بيتنا و...".

قاطعني هو بهدوء وتحفز: "مهلا مهلا يا عروس النيل.. من قال إننا سنعيش في ذلك المنزل؟ لا يا عزيزتي أنت ستنتقلين إلى منزلي.. أنا لن أنتقل إلى هذا المنزل أبدا".

أجبته باستفزاز: "ولماذا؟ ألن يكون هذا أفضل لشراكتك مع والدي؟ ألست ذراعه الأيمن؟ أعتقد أن بقاءك في منزلنا سيكون تصرفا جيدا من جانبك.. وستكسب به بعض النقاط عند أبي".

زفر هو ببرود مفتعل، ثم احتد قائلا بلهجة تحذيرية: "أعلم جيدا ما ترمين إليه بكلماتك.. توقفي.. كما قلت لكِ أنت ستنتقلين إلى منزلي.. أساسا نحن لن نظل معا لفترة طويلة.. أليس هذا ما تخططين له؟ لا يجب أن يفرق معك المكان طالما أن الأمر برمته سيتم بشروطك.. أم أنك تهابين الخروج من قلعتك الحصينة يا أميرة القصر؟".

سألته بانفعال: "ماذا عن حسام؟".. ليعيد هو نفس السؤال مبديا دهشته: "ماذا عنه؟"..

"أين سيعيش خلال فترة زواجنا؟" سألته بهدوء.. لتلمع عيناه ويرد: "دعك من أمره.. عندما يصبح جاهزا للعودة للمنزل.. ستكون الأوضاع مرتبة وجاهزة لاستقباله"، قالها بيقين غريب وكأن لديه خططا أخرى تخص شقيقه الأصغر.

هل سيعيش في بيت آخر؟ أو ربما لدى أحد أصدقائه؟ أم تراه سيسافر للخارج؟
عاد كلانا لاستكمال تناول الطعام برتابة دون مواجهات أخرى..

هو على حق.. لن يفرق معي المكان الذي سنقيم فيه.. ولكن وجودي خارج الفيلا سيجعل من العسير تتبع أبي وجمع الأدلة التي تدينه..
وهل كان وجودي في المنزل يشكل فارقا حقيقيا؟ لقد دأبت على مراقبة الأجواء طوال الأيام الماضية، وفتشت بين أغراضه الخاصة وداخل غرفة مكتبه، ولم أعثر على أي شيء يذكر.

أبي نفسه صار أكثر حذرا بعد أن أعلن بشكل صريح أنه يعلم أنني أراقبه وأن هذا سببا رئيسيا في الزج بي في تلك الزيجة المأفونة.. حتى يتخلص مني..

ليست هناك مشكلة.. سأتمكن بشكل أو بآخر من الزج بكليهما في السجن..
من يعلم؟ ربما كان حازم هذا أقل حذرا من أبي ووجودي بجواره سيكون نقطة سقوطه.. ووقت أن تقع في يدي الأدلة سأتخلص منهما سويا.. وأنتقم لكل من طالته يد أبي الباطشة عن طريق تابعه الوفي.

حين عاد النادل لجمع الأطباق، طلبت منه كوبا من اللاتيه بنكهة الشوكولاتة، حتى أستعيد بعض النشاط وقد نال مني التعب بعد أن ظللت جالسة لبضع ساعات..

بينما كنت أمدد ذراعيّ لأعلى محاولة التخلص من التشجنات التي أصابت رقبتي.. رن هاتفي وأضاءت الشاشة باسم (عمرو كساب)، وبينما كنت أستقبل المكالمة لمحت حازم وقد بدا على وجهه الفضول بعد أن لمح الاسم على شاشة الهاتف الذي كان مستقرا على الطاولة.

أجبت بهدوء: "السلام عليكم.. مرحبا ياعمرو.. لا أصدق أننا لم نتبادل الحديث هاتفيا قبل الآن"، ثم أكملت بوجه باسم: "لا.. على الإطلاق.. أنت لم تقاطع أمرا هاما"، ثم رمقت حازم بنظرة ضجرة، وتابعت: "الوقت مناسب تماما للحديث.. كيف حالك يا عمرو؟ أنا بخير حال.. نعم نعم.. لم يحدث لي شيء يوم موقعة الجمل.. كنت في المستشفى الميداني أغلب الوقت.. كان الأمر كارثيا.. حاولت مساعدة المصابين بقدر استطاعتي.. وأنت؟".

بدأ حازم يزفر بضيق، فأكملت بلا اكتراث: "أنا سعيدة أنك بخير.. تريد العمل على مشروع جديد؟ هذا خبر رائع.. لا.. لا أدري كيف سينتهي الأمر الآن.. الأوضاع محيرة وكلا الطرفين باتا على خلاف تام ووصل الأمر لحالة من العناد الفولاذي، وكل منهما ينتظر استسلام الآخر.. أظن أن كل شيء سيتم حسمه خلال أيام قليلة.. فلا يمكن للحكومة أن تترك المتظاهرين يعتصمون لفترة أطول.. فالخسائر الاقتصادية فادحة بالفعل.. كما أن خيار تفريق الاعتصام لم يعد مطروحا بعد أن تنبه الجميع لما يحاول البلطجية فعله بإيذاء المعتصمين بشكل دموي.. نعم نعم.. أظن أنه قد يحدث ضغطا دوليا لكي يقدم الرئيس استقالته وبعدها سيتم...".

هنا وقف حازم باندفاع واضح، وأشار نحو ساعته معبرا عن تأخر الوقت، ثم أخرج محفظته من جديد، ووضع مبلغا كافيا لتغطية قيمة ما طلبناه من أطباق ومشروبات..

وأنا وضعت حقيبتي على كتفي، وسرت خلفه وأنا أنهي المكالمة: "أنا سعيدة للغاية بهذا الاتصال يا عمرو.. نعم نعم.. سأكون مسرورة بلقائك قريبا.. لا.. لن ينفع هذا الأسبوع.. فأنا أستعد للزواج.. نعم نعم.. زواجي بعد غدٍ.. لهذا لم أذهب لمسيرات اليوم.. سأروي لك كل شيء عندما نلتقي.. آه.. اسمع.. ما رأيك أن تحضر الزفاف؟ نعم سيقام في منزلنا.. سأرسل لك العنوان.. حسنا.. العقبى لك.. إلى اللقاء".

فور أن ضغطت زر إنهاء المكالمة حتى جاء صوت حازم منفعلا: "هل انتهيتِ؟ من هذا الذي دعوته إلى عرسنا؟"، أجبته بضيق: "صديقي.. ألم تطلب مني أن أدعو أصدقائي؟"، زفر هو بضيق وقال بصوت آمر: "تحركي.. لقد تأخرنا".

كان هذا هو المخرج عمرو سعيد كساب، لقد توصلت إليه بعد إعلانه بإحدى الفضائيات عن رغبته في مقابلة الفتاة التي التقت به صدفة باليوم الأول للمظاهرات، فقمت فور أن عادت الاتصالات وشبكة الانترنت بالبحث عن حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن توصلت إليه بالفعل، ثم راسلته، وبدأت بيننا صداقة ناشئة نتبادل خلالها النقاش حول التطورات السياسية المتلاحقة، واكتشف كلانا أن بيننا العديد من الأصدقاء المشتركين في عالم التدوين الإلكتروني..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

أوصلني حازم إلى المنزل بعد أن تسلمت الفستان الذي حولته السيدة منى إلى نسخة أكثر بهاءً بعد إضافتها للأكمام وتغطيتها لمنطقة الصدر والظهر، حتى أنها زينت الذراعين ببعض أفرع الشجر الكريستالية بحجم دقيق جدا جعلت الثوب يزداد فخامة..

وقد دفع حازم بالفعل مبلغا كبيرا من أجل الثوب وتعديلاته، لكنني وعدت السيدة منى بإعادته لها بعد بضعة أيام من العرس حتى تظل هي محتفظة بالذكرى الخاصة بها.. وأنا في النهاية لا أريد الاحتفاظ به.. فلا ذكرى مميزة ستخرج من هذا الحفل بكل الأحوال.

كانت رحلة العودة للمنزل صامتة تماما، حيث حرص حازم خلالها على تشغيل محطة راديو إذاعة الأغاني الأجنبية Nile FM، ورفع الصوت لأعلى درجاته، وكأنه يضع حاجزا سميكا لمنع التواصل بيننا من أي نوع..

حين دلفت إلى المنزل، صعدت فورا لغرفتي حاملة الفستان المغلف داخل حافظة جلدية، وبالطبع أخذت ماما سناء تتبعني بسرعة قياسية وكأنها شقيقتي المراهقة التي تريد الاطمئنان على سلامة اختياري لفستان العرس.

قالت بلهفة: "دعيني أر الفستان.. افتحي الغطاء.. هيا هيا"..

حماسها أذهلني.. هي تصدق فعلا أن هذا الزواج طبيعي وسيكلل بالنجاح، وبالتالي أخذت تتصرف بكل عفوية كأم العروس السعيدة المستبشرة..

أعطيتها حقيبة الفستان وتحركت لأجلس على سريري باسترخاء، فأخرجته هي بحرص، ثم رمقته بنظرة.. واثنتين وثالثة، وبعدها صاحت وهي تضرب بكلتيّ يديها على صدرها: "أسود؟ ستتزوجين بفستان أسود يا شروق؟ ما هذه الحماقة؟ ما هذا الفأل الأسود؟ هل وافقك حازم؟".

أجبتها بابتسامة مستفزة: "وهل له رأي أصلا؟؟ ثم إن الفستان ليس أسود اللون تماما، هو فقط مزين بوردات سوداء أنيقة.. لا تنكري أن تصميمه مميز وملفت للغاية.. هذه هي أحدث صيحات الموضة فلا تتذمري الآن.. كما أن الحفل بالأساس لعقد القران وسيقام معه الزفاف لضيق الوقت، إذن الأبيض ليس شرطا أساسيا.. هكذا أنا أسير على الموضة العصرية".

أجابت هي بغيظ: "تبا للموضة وما تجلبه لنا من أزياء غريبة.. ماذا أقول؟ ليس هناك وقت للحصول على فستان آخر.. كما أنه لن يهم كثيرا لونه، فأنت لن تحتاجيه سوى لساعتين أو ثلاثة على الأرجح.. بعدها ستتخلصين منه في دقائق.. ولن تحتاجيه مجددا أو غيره للأبد"، ثم كست وجهها حمرة غريبة..

هل ما فهمته صحيح؟
يا إلهي.. هي تصدق فعلا أن زواجي من حازم سيستمر طوال العمر.
أيا كان.. لن أصحح لها شيئا.. فلتظن هي ما تشاء..

غادرت ماما سناء الغرفة بعد أن أقنعتها أنني أكلت اليوم كمية من الطعام تكفيني لأسابيع ولست بحاجة لوجبة العشاء.. حتى أنني طلبت منها أن تعد لي مشروب القرفة بالتفاح ليساعدني على الاسترخاء والنوم.

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

بعد حمام سريع، ارتديت منامة مريحة بألوان مختلطة ثم حملت جهاز اللابتوب وتدثرت جيدا في سريري، وولجت إلى المواقع الإخبارية المختلفة، لكي أتعرف على آخر المستجدات بعد مظاهرات اليوم.

يبدو من التغطية المكثفة للفعاليات، أنها كانت صاخبة للغاية وعلا صوتها تؤكد أن المعتصمين لن يغادروا مكانهم قبل تحقيق مطالبهم بخصوص محاسبة النظام السياسي وعزله عن السلطة، وكذلك محاكمة المسئولين عن أعمال العنف التي جرت في قلب الميدان منذ أيام.

ورغم ارتفاع صوت مطالبات المتظاهرين في أنحاء متفرقة من البلاد بضرورة إسقاط النظام، إلا أن رئيس الوزراء قد أعلن استبعاده انسحاب الرئيس من المشهد السياسي حتى لا يترك فراغا دستوريا إذا غادر الحكم فجأة، واقترح البعض إقامة حوار بناء بين قادة المظاهرات وممثلي السلطة للتوصل إلى اتفاق يرضي الجميع وينهي حالة الجمود التي تسود أرجاء الوطن حتى تعود الأعمال ويتحرك الاقتصاد مرة أخرى بعد أن تأثر بإغلاق جميع الهيئات والمؤسسات والمتاجر.

كل هذه التطورات ألهمتني لكتابة تدوينة قصيرة عن ضرورة الالتزام بمطالب الثورة الأساسية وعدم التراجع قبل تحقيقها، ثم عدت لقراءة بعض التعليقات الجديدة على التدوينة السابقة..

قررت هذه المرة أن أرد على ذلك الذي يلقب نفسه باسم "الشبح الأسود" بعد أن أثارت تعليقاته مؤخرا فضولي.. ربما كان شخصا أعرفه..

أجبته بسؤال من كلمتين: "من أنت؟".
لم تمر دقيقة واحدة على تعليقي عليه، حتى جاءني إشعار بوجود رد جديد.. كان هو صاحب الرد، الذي جاء أيضا في هيئة سؤال فحواه: "وهل سيتغير رأيك في كلماتي إذا عرفتِ من أنا؟"..

مهلا.. مهلا.. من هذا الرجل؟
هل هو شخص يعرفني ويمازحني بهوية خفية غامضة؟ أم أنه؟

ربما يكون هو المخرج عمرو سعيد كساب..
لا لا.. لن يضطر لفعل هذا الأمر الطفولي بالتخلي عن هويته الحقيقية، خاصة بعد أن صرنا صديقين.
قد يكون أحد زملاء الجامعة.. فواضح من كلماته أنه يعرفني.. ولكن لماذا لا يستخدم اسمه الحقيقي وينهي الحيرة؟

ضغطت على زر الرد بغية الإجابة عليه، ولكن توقفت في اللحظة الأخيرة..
لماذا أكترث به أيا من كان؟.. إذا كان لن يكشف عن هويته الحقيقية، فهو لا يستحق استهلاك وقتي وطاقتي..

أحتاج فقط للنوم الآن..
وليمر اليومان التاليان على خير..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

مر اليومان أسرع مما تخيلت، حيث تحول المنزل إلى خلية نحل وامتلأ بالعمال الذين قاموا بتزيينه بالزهور ووحدات الإضاءة البراقة والسماعات عالية الجودة، وتحولت الصالة الرئيسية بالمنزل إلى قاعة فخمة تليق بعروس حقيقية وتنتظر زفافها على أحر من الجمر وتغلفها هالة من السعادة والحماس من كل الجهات..

لكن هذه العروس ليست أنا..

الساعة الآن.. التاسعة مساء.. أبي أصر على إقامة الحفل بالمنزل ليستمر لساعة متأخرة من الليل برغم حظر التجوال، حتى أنه حرص على دعوة بعض الصحفيين المختصين بشئون المجتمع.. وكأن هذا هو الوقت الملائم لمثل تلك التمثيليات الفجة.

لكن هذا أبي.. يخرج فائزا في كل مرة وينفذ إرادته بلا مجهود.
غير أنه لا يدرك اللحظة أن لا أحد يهتم لأمره مع الأحداث المتعاقبة التي تجري في بلدنا. آخر ما يهم الناس هو خبر زواج ابنة رجل أعمال شهير.. فكل شيء يتوارى وتتقزم قيمته خلف مستقبل الوطن وأمانه.

كنت أجلس بغرفتي بعد أن انتهيت من ارتداء الفستان واستعنت بخبيرة تجميل متخصصة لكي تساعدني في وضع مكياجي وتثبيت حجابي بشكل أنيق وبنفس الستايل المميز الذي أحبه..

ورغم تعاسة اللحظة.. وغرابة تصميم الفستان، إلا أنني شعرت لوهلة أنني أميرة في عالم خيالي.. وتمنيت فقط لو أن الظروف كانت مختلفة.. لو أنني فتاة عادية تتزوج من حبيبها بعد شهور من الكد والكفاح..

كيف ينفعني الحسب والثروة في يوم أُزج فيه من قفص لقفص مثل طائر الزينة أو الهرة في موسم التزاوج.

كنت جالسة مع حنان وماما سناء وبعض صديقاتي من الجامعة أتصنع السعادة وأنتظر لحظات عقد القران، وذلك حين

دخل والدي إلى الغرفة وأمر الجميع بالخروج ليودع ابنته الغالية كما أخبرهن.

جلس أبي قبالتي، والغبطة تزين وجهه ممتلئ القسمات، فتمنحه حمرة إضافية ليبدو وكأنه سينفجر من السعادة لنجاحه في تحقيق ما خطط له بدون آية عقبات.

رفع يده لكي يعدل ربطة عنقه، ثم قال: "حان الوقت يا صغيرة.. اليوم ستنتهي محكوميتك هنا لتدخلي عالم جديد.. وأنتِ الوحيدة التي بإمكانها تحويله لجنة أو إجبار زوجك على معاملتك كسجينة عتيدة الإجرام".

أطرقت وجهي بنفور وغضب من كلماته البغيضة، ولكن، تعمدت تجاهل الرد عليه.. لأن الجدال لن يغير شيئا الآن، وعليّ أن أحتفظ بطاقتي لكي أواجه الآخر بعقل منتبه..

سكت أبي لثانيتين، فرفعت أنظاري أطالع وجهه الذي ارتسمت عليه فجأة ملامح الامتعاض المشوب بالحزن، لكنه هز رأسه لكي يطرد ما دار برأسه في تلك اللحظات، ثم أكمل بلهجة تقريرية خفيضة: "أعترف أنك لم تجدي السعادة في هذا المنزل.. ولكن أظن أن حازم سيحرص على إسعادك.. فالفتي عاشق لكِ حد الهيام.. كم أنت محظوظة يا شروق".
عاشق؟ حازم؟
محظوظة؟ أنا؟

رمقته بنظرة غاضبة، وسألته: "ولماذا أنا محظوظة؟"، ليجيب والدي: "لأن بإمكانك تحويله إلى خاتم في إصبعك مثلما هو خادم مطيع لي.. بل أكثر.. فأنت ابنة أمك.. أنت نسخة من إيبيك.. أو حرير كما أسمت نفسها بعد أن حصلت على الجنسية المصرية"، ثم ابتسم ابتسامة نصفية فجة لم تصل لعينيه.

توقف أبي بعدها عن الكلام، مكتفيا بالنظر لي نظرة استطالت، قبل أن يتابع: "أنتِ مثلها تماما.. تجيدين الإغواء ولا شيء غيره.. لا أنكر أنني منحتك له كغنيمة، ولكن هو يستحق بعد كل التضحيات التي قدمها لصالحي.. وقد حان الوقت لمكافأته وإلا كان سيطير من بين يدي.. وهذا دورك لاستخدام مقوماتك الطبيعية التي استخدمتها أمك من قبل".
كلماته أصابتني بالغضب والضيق.. كيف يصف والدتي رحمها الله بتلك الصفات..

سألته بحدة: "تكافئه على ماذا يا أبي؟ ما الذي قد يدفعك لكي ترمي ابنتك بين يديه بهذه الطريقة؟".

زفر أبي بغضب لاضطراره لتفسير قراره لي وكأنه لا يمتلك وقتا كافيا، ثم قال: "حسنا.. لقد أصيب شقيقه في أحداث الثاني من فبراير بعاهة مستديمة.. وهو يظن أنني أرسلت من يقوم بذلك عمدا لأعاقبه على عدم التزامه بأوامري..

الأحمق رفض الاعتداء على المتظاهرين بالقنابل الحارقة رغم أنني طلبت منه إبادتهم جميعا.. كان الأمر سينتهي بضربة واحدة إذا نفذ ما طلبته منه فهو الأذكى والأمهر بين جميع رجالي ولا يترك خلفه أثرا أبدا.. مثل الشبح.. ولكنه اكتفى بإشاعة الفوضى فقط.. ولما رفض استكمال الخطة كما وضعتها أنا.. قررت استكمالها بدونه، وطلبت من بعض المأجورين اقتحام الميدان بأسلحة بيضاء وآلات حادة وهم يمتطون الخيول والجمال لإصابة المعتصمين بالصدمة والرعب وشل تحركاتهم ومنعهم من القيام من أي رد فعل سوى تلقى الضربات القاصمة دون مقاومة، ولكن الحمقى تسببوا في نتائج كارثية عرضت الكبار للخطر وكادت أن تطيح بي أنا شخصيا.. وبالطبع أصيب شقيق الأحمق.."..

شرد أبي لوهلة، ثم أكمل محركا إبهامه وسبابته أسفل ذقنه بتفكر: "ربما كان هذا العقاب المناسب له بعد أن سارع باستئجار عدد هائل من الدراجات النارية لنقل المصابين بأقصى سرعة إلى المستشفيات المجاورة.. يظن أنه سيحمي الجميع.. غبي.. ولكنني للأسف أحتاج إليه في الفترة القادمة.. ولذلك وضعتك في طريقه وكنت متأكدا أنه لن يرفض مع القليل من الضغط و.... ".

أطال أبي النظر إليّ بتسلِ واضح وكأنه يمارس الجولة الأخيرة من لعبة البوكر محتفظا بحوزته بأفضل الأوراق ولديه يقين تام بالفوز، ثم قال بابتسامة سخيفة: "يكفي هذا الحد.. أنا لن أكشف كل أوراقي دفعة واحدة.. ستجمعنا الكثير من الجلسات فيما بعد يا صغيرة.. فأنت الآن زوجة حازم عبد القادر.. أفضل رجالي وأكثرهم طاعة وذكاء وثقة"..

توقف أبي عن الحديث لدقائق استغلها في تفحص هيئتي، وكأنه يراني فعليا للمرة الأولى منذ دخل الغرفة.. ناظر الفستان من أعلى لأسفل، ثم قال بلهجة ساخرة: "متمردة لآخر لحظة.. ألستِ كذلك؟ هل أصريت على ارتداء هذا التصميم الغريب لإثارة فضيحة أمام وسائل الإعلام التي استدعيتها لرصد الحفل والكتابة عنه؟ لن تفلحي أبدا.. مهما فعلت.. لكن يكتبوا سوى البيان الإعلامي الذي سيتسلمونه بنهاية الليلة بعد أن يتناولوا عشائهم، كما أنهم لن ينشروا آية صورة بدون موافقة شخصية مني.. فتوقفي الآن عما يدور برأسك.. أكاد أستمع لأفكارك الصاخبة من داخل رأسكِ يا ابنة إيبيك".

حادثته بتوسل: "أبي.. أرجوك.. لم يفت الوقت بعد حتى تنهي هذا السخف"، لتظهر على وجهه علامات الملل وكأنه يحاول إقناع طفلة بأن لعبتها الجديدة هي الأجمل والأغلى، فقال بعد أن زفر ببطء: "لا يمكن.. كان لابد أن أرمي له عظمة لذيذة لكي يلتهي بها بدلا من أن يهاجمني أنا بشراسة ويقتلني بعضة مميتة.. لقد لمحت لأول مرة في عينيه التمرد، وهذا أمر خطر للغاية".

زفر أبي بنفاد صبر، ثم أكمل: "هذه هي أنسب طريقة لكي أضمن ولائه لي.. وبدلا من أن أهدده بأخيه.. صرت أمسك بورقتين بين يديّ.. أهم أوراق اللعبة صارت بيدي.. فأنا أعلم كم يحب أخيه.. كما أدرك جيدا انه يحبك أنتِ أيضا.. هيا إلى مراسم عقد القران، ولا تنسي ابتسامتك الجميلة.. فالمصورون بانتظارك"، ثم نهض من مقعده وأمسكني من يدي وبعد أن وقفت أمامه، نظر إلى داخل عينيّ لعدة ثوانٍ وبدا وكأنه سافر للحظات في رحلة إلى الماضي، ثم قبل وجنتيّ وأخفض مقدمة طرحتي على وجهي ثم احتوى ذراعي بداخل ذراعه وسار بي نحو عريسي.



يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس