عرض مشاركة واحدة
قديم 22-05-21, 09:38 PM   #53

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

دخلت للغرفة السابحة بالظلام لا يظهر منها اي شيء بالرغم من ان الشمس لم تغب بعد وهي ما تزال بوقت الظهيرة ، لتتجه من فورها للنافذة الوحيدة بالغرفة قبل ان تفتح ستائرها بقوة والتي كانت تخفي الشمس عنها ليتسلل عندها بعض من ضوء الشمس للداخل وتحديدا للجالسة بالسرير بسكون وهو يغطي جانب جسدها ، تركت الستائر لتجلس على طرف السرير وبجانب المتكورة بصمت ، لتقول بعدها برقة وهي ترفع يدها لتربت على كتفها بخفة
"ماسة ، هيا افيقي وتكلمي معي"

ولكن لا حياة لمن تنادي لتزيد من ضرب كتفها وهي تقول باستياء
"ماسة انا لا امزح معكِ ، هيا افيقي من اجلي يا متجمدة القلب"

مرت لحظات صمت قبل ان يخرج صوتها خافتا بحدة
"صفاء ، ارحلي من هنا"

زمت شفتيها بحنق وهي تخفض كفها قائلة بخفوت حزين
"الحق عليّ اتيتُ للاطمئنان عليكِ ما ان اخبرتني روميساء بأن ابقى بجواركِ بهذه الفترة من اجل ان اعتني بكِ بغيابها"

سكنت انفاس الجالسة بجانبها للحظات قبل ان تقول ببرود طغى عليه الألم
"هل حقا روميساء من طلبت منكِ هذا"

حركت (صفاء) رأسها بتأكيد وكأنها تراها وهي تهمس بهدوء مبتهج
"اجل هي من طلبت مني هذا ، واكدت عليّ ألا اترككِ وحدكِ ابدا مهما حدث"

ارتجفت ساقيها بألم احتل بكل اطرافها من البرد القارص والذي يحوم بزوايا الغرفة الموحشة وقد بدأت تشعر بوجوده الآن ، لتسمع بعدها صوت (صفاء) وهي تكمل كلامها بحيرة
"ولكن لم تخبروني للآن عن سبب عودتكما لبيت عمي قيس ، هل حدثت مشاكل بمنزل خالك ، وايضا لما كانت روميساء قلقة عليكِ لهذه الدرجة ولم تأتي للاطمئنان عليكِ بنفسها"

رفعت (ماسة) رأسها بهدوء بعيدا عن ساقيها وهي تقول بخفوت حذر بريبة
"صفاء ، هل انا ذات نظرة كئيبة"

ارتفع حاجبيها البنيين بعدم استيعاب وهي تهمس بوجوم
"لما تقولين مثل هذا الكلام الغريب يا ماسة....."

قاطعتها وهي تلتفت نحوها بوجهها بقوة قائلة بتشديد
"هل انا ذات نظرة كئيبة"

عقدت حاجبيها بتفكير للحظات وهي تتمتم بامتعاض
"حسنا بعض الشيء ، ليس بكل الأمور"

ارتفع حاجب واحد بشك بعدم تصديق لتقول الجالسة امامها بسرعة وهي تحاول التعديل على كلامها
"هيا لا تغضبي هكذا ، فأنتِ تعلمين بأنني اقول الحقيقة ولا اكذب ابدا"

اعادت رأسها للأمام وهي تقول بشبه ابتسامة ذابلة بجمود
"وهل انا لا اتمنى الخير لأحد"

انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تحاول الكلام بهدوء للتعبير عن حالتها ليخرج عندها صوتها بهمس واهي حزين
"غير صحيح ، انتِ لستِ كذلك ، ربما قاسية وجامدة ببعض المواقف وتكرهين كل من حولك ، ولكنها لم تصل لدرجة ان لا تتمني الخير لأحد لم يلمسك بسوء"

تنهدت بهدوء بدون كلام ونظراتها شاخصة بالبعيد بصمت مريب دام للحظات ، لتقول بعدها بحذر التي كانت تتلمس على ذراعها برفق
"اخبريني بما يضايقك يا ماسة ، فأنتِ لا تتصرفين على طبيعتك المعتادة"

اخفضت كفها بعيدا عنها ما ان قابلها الصمت من الجالسة بجانبها ، لتقول بعدها وهي تخرج من صمتها قائلة بجمود حاد منقبض
"روميساء تريد الزواج من ابن خالها والذي يكون متزوج بالفعل من اخرى ، من اجل ان تؤمن لنا حياة سعيدة"

تجمدت ملامحها بصدمة لما تسمعه من كلام هادئ غير معبر بالنسبة للجالسة بجانبها بجمود وكأنها تقص عليها نكتة ممتعة او حكاية عابرة ، لتقول بعدها بابتسامة حاولت جعلها مبتهجة بتفاؤل
"حقا هذا خبر رائع ، واكيد كل هذا سيكون عائد لمصلحتكِ انتِ وشقيقتك ، فأنا اعلم جيدا بأن روميساء ستفعل اي شيء من اجل سعادتكِ وراحتكِ اولاً"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تلتفت نحوها قائلة بانفعال صارم
"هل سمعتِ ما قلته الآن ، انه يكون ابن خالنا والذي لم يعترف بوجودنا هو وعائلته ونبذونا منذ سنوات ، وغير هذا متزوج من امرأة من عائلة مرموقة ، أتعلمين ما لذي ستواجهه فتاة بمثل سمعتها امام تلك الساحرة والتي تتمنى لنا السوء"

عبست ملامحها بجزع من تفكيرها الخطير والذي لم يخطر على بالها وهو لا ينبأ سوى بالشر ، لتقول بعدها برقة خافتة وهي تدير عينيها العسلية بحزن بعيدا عنها
"قد يكون كلامكِ صحيحاً ، ولكني متأكدة بأن روميساء دائما تفكر بقرارتها قبل ان تتخذها ، لذا عليكِ الوثوق بها والاطمئنان من هذه الناحية"

اعادت وجهها للأمام وهي تسند ذقنها فوق ركبتها قائلة بتصلب خافت يطغى عليها الغموض
"لن تفهمي ما اقوله يا صفاء ، ماذا يعني القبول والموافقة ورهن حياتكِ لشخص ليتحكم هو بكل مجريات حياتكِ ، وانتِ فقط عليكِ دفع الثمن"

اعادت عينيها العسلية بحزن لصديقتها قبل ان تحرك رأسها بقوة وهي تنهض عن السرير قائلة بسعادة كبيرة عادت لتحتل ملامحها الناعمة بثواني
"هذا ليس وقت الكلام الآن ، فنحن علينا الذهاب بسرعة لمنزلي لأننا اليوم سنقضي طول الليل بمنزلي وبغرفتي انا ، وستكونين عندها برفقتي لأستطيع الاطمئنان عليكِ اكثر"

رفعت (ماسة) وجهها نحوها بجمود وهي تتأكد مما سمعته للتو ، لتقول بعدها بجفاء وهي تدير عينيها بعيدا عنها ببرود
"مستحيل يا صفاء ، لن آتي معكِ"

ردت عليها بلا مبالاة وهي تتجه للنافذة بالغرفة بشرود
"انا لم اكن اخيركِ بل هذا امر مني ، وايضا تستطيعين رؤية والدي والاطمئنان على صحته بما انكِ تسألين عنه كثيرا بالآونة الأخيرة ، فهو سيسعد كثيرا بوجودكِ بالمنزل"

قالت (ماسة) فجأة بخفوت بارد
"لقد كان مجرد سؤال روتيني ، وايضا انا لا استطيع التواجد بمكان موجود به مازن"

عادت للتقدم نحوها وهي تقول بثقة بالغة
"لا تقلقي ، فقد تأكدتُ بأن مازن لن يأتي للمنزل اليوم بسبب زيارته لصديقه بمنطقة بعيدة سيبيت عنده هناك ، وهذا ما اخبرني به والدي عندما اتصل به"

عقدت حاجبيها بتفكير شارد ما ان تذكرت رؤيتها له بشقة (قيس) بالصباح الباكر منذ مجيئهما ، ولكن ما يحيرها هو رحيله عند صديقه مباشرة بعد ان خرج من الشقة ؟ فهل يفعل هذا ليفسح لها مجال اكبر لتستطيع التفكير بكلامه بروية بعيدا عنه ؟

افاقت بعدها من شرودها ما ان شعرت باليد والتي كانت تمسك بذراعها قائلة بعناد رقيق
"هيا يا ماسة ، علينا ان نسرع لنصل لمنزلي مبكرا ، لأن هناك مسافة طويلة ستؤخذ منا بين المنزلين"

اخفضت نظرها بجمود ليدها الممسكة بذراعها بعناد تعلم جيدا نتائجه وإلى اين سيحول بالنهاية ؟ لتقول بعدها بشحوب بارد وهي تنظر بعيدا عنها بتجمد
"إذاً لن تتركيني وشأني قبل ان تفعلي ما برأسكِ"

اومأت (صفاء) برأسها برقة وهي تبتسم بنعومة بشفتيها الورديتين هامسة بثقة
"اكيد ، فأنتِ تعلمين جيدا إلى اي مدى يصل عنادي"

_______________________________
كانت تحرك الطعام بطبقها بهدوء بالملعقة قبل ان ترفعه لمستوى وجهها لتدس الملعقة بداخل شفتيها وهي تمضغه مرغمة من دافع اللباقة لا اكثر امام صديقتها ووالدها والذين استقبلاها بمنزلهما بلطف ومودة يختلف تماما عن استقبال عائلة خالها لها والذي لم تشعر به بكل هذه المودة والدفء والذي يحوم بمنزل (جلال) فالسر ليس بقرابة الدم بل بالعاطفة والمشاعر الحقيقية بدون اي تزييف او تحريف والتي يحملونها للآخرين ، فهي لن تنسى زياراتها المتكررة لمنزل صديقتها بطفولتهما حتى اصبح منزلها الثاني والذي تلتجئ إليه بوحدتها لتقضي به الوقت الممتع مع صديقة عمرها بعيدا عن تجرد المشاعر والذي تواجهه بمنزلها .

شعرت بيد تربت على كتفها بهدوء وهي تقول بسعادة غامرة
"هل اعجبكِ الطعام وطريقة ترتيبه ، انا من اعددته بنفسي"

اخفضت نظرها لطبقها المقسم بشكل رباعي وكل قسم موضوع به نوع من الطعام والمقبلات بترتيب احترافي فقد وضعت بقسم الارز الابيض وبالقسم بجانبه خضروات مقطعة مع المخللات وبقسم آخر وضعت به قطعة لحمة كبيرة وبالقسم الأخير كان يحتوي على قطع من الخبز الأبيض ، وقد كان هذا التقسيم متواجد بكل اطباق المائدة بإتقان كما لم تنسى ابريق الشاي المزخرف مع الاكواب المحفورة بالزخف ومزهرية زجاجية تحتل مركز المائدة بالمنتصف مع بعض الزهور البيضاء بداخلها ، وهذا ليس غريب على الفتاة والتي لطالما احبت لعب دور مدبرة المنزل الجميلة والتي تحاول فعل كل شيء بإتقان وترتيب يناسب شخصيتها تماما المحبة لهذا العمل لتحول هذا المنزل لعالمها الخاص والذي تلهو به كما تشاء ليطغى عليه اسلوبها الخاص فقط .

اعادت نظراتها لصديقتها وهي تقول بابتسامة هادئة بنبرتها الباردة
"جيد لقد اعجبني ، وهذا ليس جديد عليكِ"

انحنت ابتسامة (صفاء) برقة ما ان فهمت فحوى كلامها والذي لا يفهمه غيرها ، ليخرج بعدها صوت آخر بصرامة هادئة يطغى عليها حنان غلفه المرض
"لقد نورتِ المنزل يا ابنتي ، كان عليكِ فعلها منذ زمن فقد اشتقنا كثيرا لزياراتكِ ، وخاصة صفاء والتي لا تتوقف عن الكلام عنكِ طول الوقت"

رفعت رأسها ببطء نحوه وهي تبتسم بإحراج امامه جعل وجنتيها الباردتين ولأول مرة تتوردان بلون زهري بارد لا يخرج سوى امامه فهو لا يزال للآن يعاملها كابنته كما كان يفعل بالماضي ، فهذا الرجل هو الوحيد والذي عرفها على ان الابوة والحنان لا تقتصر على المقربين منّا فقط ومن يربطهم بنا الدم بل يستطيع كل من يحمل ذرة رجولة وحنان بقلبه ان يمثل هذا الدور والذي لا يليق سوى بالآباء الحقيقيين .

اومأت برأسها بالإيجاب وهي تقول بخفوت شاحب
"شكرا لك يا عمي جلال ، هذا لطف منك"

حرك رأسه باتزان وهو يعود بنظره لطبقه قائلا بقوة
"لا تخجلي يا ابنتي ، واعتبري نفسكِ بمنزلكِ فقد كان دائما كذلك وسيبقى"

عادت بنظرها لطبقها وهي ترفع الملعقة بالخضار لتمضغها بشفتيها ببطء وهدوء ، تدخلت (صفاء) بعدها بلحظات وهي تقول بابتسامة متسعة بلهفة
"عذرا يا أبي ، لكني اريد الذهاب انا وماسة لغرفتي الآن لنكمل سهرتنا هناك"

قال الجالس عند رأس المائدة وهو يبتسم لها ابتسامة صارمة بدفء
"حسنا ولكن عليكِ اولاً إنهاء كل الطعام من على المائدة ، فقد اعددتِ كمية كبيرة منه من اجل ضيافة صديقتك"

ادارت عينيها العسلية باتجاه المائدة وهي تهمس بابتسامة محرجة
"اعتذر ، يبدو بأنني قد بالغت كثيرا بتحضير الطعام"

ابتسم (جلال) بانشراح قبل ان يضحك بهدوء مرح لتشاركه بعدها بلحظات ابنته وهي تضحك بسعادة ، بينما كانت (ماسة) تنظر للطبق امامها بدون اي تعبير وملامحها ساكنة تماما وكأن الزمن قد توقف عندها فقط وهي تتمنى لو تستطيع اختراق هالتهما الدافئة والتي لا تحمل اي هموم بالحياة ولكنها ستبقى دائما ابعد ما يكون عنها بروحها المشوهة والتي انهكتها ايدي المجرمين والوحوش والذين تعايشت معهم وتأقلمت منذ قدم الأزل .

بعد مرور ربع ساعة كاملة والتي قضوها من خلالها بين ترتيب المائدة وبين غسل الاطباق والتي شاركت بها (ماسة) رغم ممانعة الأخرى لينهوا كل شيء بوقت قصير ، جلست بعدها (ماسة) على طرف السرير ذات الملاءة الوردية والمطرزة بالورود الصغيرة والتي لم تتغير حتى بعد مرور السنوات عليها وقد شاركتها بالنوم عليها بأيام مبيتها بمنزلهم بالماضي .

تقدمت (صفاء) نحوها وهي تسير بتمهل حذر ممسكة باللحاف السميك بذراعيها وهي تسنده لصدرها ، وما ان وصلت بجانب السرير حتى القت به ارضا لتجثو عندها على ركبتيها امامه وهي تمسد عليه فوق الأرض الرخامية هامسة بتذمر
"ما لداعي للنوم على الأرض بينما تستطيعين مشاركتي بالنوم على السرير"

نهضت (ماسة) عن السرير لتهبط على الأرض بالطرف المقابل لها وهي تمد يديها لتمسد على الفراش برفق لتخفي الانثناءات فيه قبل ان تقول بابتسامة باردة بهدوء
"هذا لأن السرير الخاص بكِ لم يعد يتسع لكلينا ، فنحن لم نعد اطفال"

ارجعت (صفاء) ظهرها للخلف وهي تعيد خصلات شعرها البنية لخلف اذنيها جالسة على ركبتيها وهي تهمس بشرود حالم
"أتذكرين تلك الايام يا ماسة ، عندما كنا نستلقي فوق السرير بجانب بعضنا البعض ونبقى ساهرات لليوم الثاني ونحن نتكلم عن كل مغامرات يومنا والتي لا تنتهي"

تصلبت ملامح (ماسة) وهي تبعد كفيها عن الفراش قائلة بهدوء ساخر
"اجل ولكنكِ كنتِ دائما تستسلمين للنوم وتتركيني وحدي ساهرة مع السقف والذي يكون افضل منكِ بالسهر"

امتعضت ملامح (صفاء) وهي تنتفض واقفة قائلة بعبوس وقنوط
"هذا لأنني لا استطيع تحمل السهر ، وقد اخبرتكِ بهذا من قبل فأنا لستُ مثلكِ استطيع البقاء مستيقظة طول الليل مثل بومة الليل"

رفعت الجالسة امامها ذراعها عاليا نحو السرير من خلفها وبلمح البصر كانت تلقي عليها الوسادة والتي اصابت وجهها بنجاح ، لتمسك بها الأخرى بغضب وهي تعود لقذفها نحوها لتتلقفها الجالسة بسهولة وهي تضعها عندها فوق الفراش والذي ستنام عليه بهدوء بالغ .

وقفت (ماسة) عن الأرض وهي ترفع نظراتها بحيرة للتي غادرت باتجاه الخزانة المركونة بزاوية الغرفة ، لتعود بعدها بلحظات وهي تمسك بكفيها بدفتر كبير ملون تعرف جيدا على ماذا يحتوي من قبل ان تراه ؟

جلست (صفاء) على طرف السرير وهي تلوح بالدفتر قائلة بخفوت مبتهج
"انظري على ماذا سنسهر هذه الليلة"

تأففت (ماسة) بضيق وهي تعود للجلوس على طرف السرير بجانبها ، لترفع بعدها ساقيها لصدرها وهي تعانقهما بذراعيها بهدوء قائلة بلا مبالاة
"حقا انتِ طفلة يا صفاء ، من بهذا العمر ما يزال يحتفظ بهذا النوع من القصص المصورة"

ردت عليها الجالسة بجانبها ببرود وهي تضع الدفتر بحجرها لتقلب صفحاته قبل ان تصل لصفحة معينة
"اجل طفلة ، ولا اريد ان اكبر لكي لا اصبح كئيبة مثلكِ"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عنها باتجاه النافذة المفتوحة والتي كانت تُدخل نسمات هواء خريفية ببرودة خفيفة ، لتسند عندها جانب رأسها على حاجز السرير وهي تستمع لصوت تمتمة خافتة من الجالسة بجانبها برقة النسيم الداخل من النافذة
"استمعي لهذه القصة فهي تبدو ممتعة ، كان يا ما كان بقديم الزمان طفلة جميلة تسمى فرح ودائما كانت تتحلى بالفرح لتكون اسم على مسمى بالرغم من انها كانت تعاني من اليتم وتعيش مع زوجة عمها المتجبرة ، لتضحك لها الحياة وتعطيها جنيات صغيرة لترافقها بحياتها وتراقبها اينما ذهبت لتحميها من كل المخلوقات وتبقيها دائما بأمان وبفرح....."

كانت (ماسة) تشرد بعالمها البعيد والخالي من كل شيء وحتى من صوت (صفاء) الحزين والمتفاعل مع القصة وكأنها جزء منها ، ليرافقهما هواء الليل البارد طول السهرة مع صوت (صفاء) الرقيق والسلس وكأنها انشودة جميلة بآخر اليوم قبل ان ينزل الليل ستاره اخيرا على كل المخلوقات بالكوكب .

______________________________
وقفت خلفه تماما بإحراج وهي تتمسك بحزام حقيبتها بكفيها بقوة وتشنج طغى على مفاصلها ، وحتى الآن لا تصدق مجريات الأحداث وكيف وصلت لهذا المكان وكل شيء يحدث بسرعة فائقة بعد ان تراكمت كلها بيوم واحد لتكون بمثابة مئة يوم وكأنها بحلم لم تفق منه بعد ، وكم تتنمى لو تستطيع تحويل الوقائع لمجرد احلام او كوابيس لم تحدث بأرض الواقع لتبقى فقط بالذاكرة مدة قصيرة قبل ان تمحى للأبد ، لتعود بعدها لواقعها ولأهم شيء حدث معها باليوم وهو بأنها قد اصبحت زوجة لابن خالها (احمد الفكهاني) وارتبط اسمها به للمتبقي من عمرها وهذا يعني بأنها قد اصبحت الآن مقيدة بأحدهم .

شهقت بوجل ما ان لمس (احمد) ذراعها بيده وهو يقول بهدوء حائر
"ماذا بكِ يا روميساء ، لقد كنت اكلمكِ منذ ربع ساعة وانتِ لا تصغين لي ابدا ، هل انتِ بخير"

تصلبت بمكانها للحظات وهي تبعد ذراعها عن كفه بتشنج قائلة بتركيز
"اجل بخير ، لا تقلق عليّ فقط كنتُ افكر بمجريات الاحداث والتي حصلت معي اليوم"

اخفض يده وهو يقول بتصلب غامض
"هل بدأتِ تشعرين بالندم على قراركِ بالزواج مني يا روميساء"

عضت على طرف شفتيها بنشيج وهي تحاول التركيز على سؤاله والذي لاحقها طول طريق مغادرتهما من المحكمة منذ دقائق ، لتقول بعدها بابتسامة صغيرة
"لا يا احمد ليس هكذا هو الأمر ، فأنا التي وافقتُ على كل هذا ، لذا عليّ ان اتحمل مسؤولية وتبعات قراراتي"

تجمدت ملامحه ببرود وهو يشعر بشيء قاسي يقبض على انفاسه بقوة وكلامها لم ينفي الحقيقة وبأنها عليها ان تتحمل نتائج قراراتها مهما كان مدى ضررها وكأنه امر مسلم منه بالنسبة لها وكل هذا بسبب حاجتها إليه لا اكثر ، ولا يعلم لما لم يعجبه هذا الأمر وشعر بمرارة كالعلقم بداخله ؟

قال بعدها بلحظات وهو يعود لابتسامته الهادئة باتزان
"هيا بنا إذاً ، لندخل للمنزل ام تريدين البقاء على شرودكِ هنا والمبيت بالخارج"

رفعت رأسها نحوه بسرعة وهي تومأ برأسها بالإيجاب برفق ، ليعود (احمد) للاستدارة امامه وهو يفتح الباب بهدوء قبل ان يبتعد عن طريقها وهو يفسح لها المجال لتدخل قبله ، تحركت بعدها بخطواتها بتهمل لداخل الشقة وهي توزع نظراتها برهبة بالمكان الوسيع والذي يحتوي على افخم وارقى اثاث وديكور هادئ يناسب المكان والذي يدمج بين اللون البني الفاتح والابيض بتناسق رهيب ، لتتوقف بعدها نظراتها على النوافذ الزجاجية والتي تملئ جدران الشقة بأكملها وكأنها واجهة تظهر العالم الخارجي بوضوح مثل الشاشات العملاقة والموجودة بالسينما .

سمعت بعدها صوت من خلفها ملتصق بها تماما وهو يقول بقوة
"هل اعجبكِ منزلكِ الجديد"

عقدت حاجبيها بحيرة وهي تلتفت نحوه بوجهها وقبل ان تنطق بأي كلمة سبقها وهو يقول بثقة ارهبتها
"اجل لا تفاجئي ، فهذه الشقة قد اصبحت ملككِ وقد سجلتها باسمكِ افضل من السكن بذلك الحيّ المشبوه والذي لا يناسب مقام زوجة احمد الفكهاني ، لذا اعتبري هذا واحد من طلباتكِ ويمكنكِ السكن به مع شقيقتك بأمان بدون ان يمسكما احد بسوء"

شعرت بارتعاش سرى بكل أنحاء جسدها من كلمة زوجة احمد الفكهاني وهي تشعر بها لها نغمة غريبة بأذنها بانتشاء وكأنها قد اصبحت من الزوجات الثريات ذات المقام العالي والذي لا يمسهم احد بسوء ابدا ، لتنفض بعدها كل هذا عن رأسها وهي تركز فقط على هدفها الاساسي من هذا الزواج والذي لم يدفعها إليه سوى المصلحة والحصول على ما تتمناه منذ زمن .

قالت بعدها بلحظات وهي ترفع عينيها الخضراء بصرامة شاحبة فشلت في تمثيلها
"ولكن لم تخبرني للآن ، كيف ستخبر زوجتك عن زواجك من اخرى فهي اكيد سيجن جنونها ، وماذا عن عائلتك ووالدك ، كان عليك اخبارهم بالبداية قبل ان نعقد قراننا...."

قاطعها (احمد) بروية وهو يرفع كفيه علامة الهدوء
"اهدأي يا روميساء فهذا لن يشكل لنا اي عائق بعد ان اصبحتِ زوجتي رسميا ، وايضا هذا الأمر اتركيه على زوجكِ فأنا اعلم جيدا كيف اتصرف بهذه الناحية وانهي كل شيء بدون ان يصيبكِ سوء انتِ وشقيقتك"

تنهدت بهدوء وهي تحاول الابتسامة بصعوبة لتذوي عندها الابتسامة بمكانها بدون ان تصل لخديها وهي ما تزال تشعر بالألم بقلبها من اجل شقيقتها والتي لا تعلم كيف حالها الآن بعد ان طلبت من (صفاء) ملازمتها طول الليل ؟ قالت بعدها بابتسامة هادئة وهي تعود بالنظر له بتلك الاحداق الخضراء المستديرة بشحوب
"هل تسمح لي بسؤال أخير"

شرد (احمد) قليلا بعينيها والتي لم يرى باستدارتهما بشحوب غريب وكأن اللون قد انخطف منهما او ان الصبغة الخضراء قد انتهت منهما بشكل يدعو للتفكير والحيرة ؟ ليقول بعدها بابتسامة جادة بقوة
"اجل اسألي ما تشائين ، لا امانع"

اخفضت نظرها بعيدا عنه وهي توزعها بأنحاء الشقة قائلة بتفكير شارد بديكور الشقة والذي اخذ عقلها
"كيف استطعت الحجز بالشقة وتجهيزها بهذه السرعة"

ردّ عليها (احمد) وهو ينظر لما تراه بهدوء
"لأن هذه الشقة محجوزة لي من الاساس ، واستخدمها باستضافة عملاء اجانب بالبلد او إذا كان لدي رحلة سفر باليوم التالي"

عادت بنظرها له بتفكير وهي تضيق عينيها بهدوء مريب ، ليقول بعدها وهو يبتسم لها باتساع متزن
"لا لا احد يعلم عن هذه الشقة ، لا زوجتي ولا اي احد من عائلتي"

ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تهمس بإحراج متلعثم
"كيف عرفت بما يدور برأسي"

ردّ عليها ببساطة وهو يدس كفه بجيب بنطاله
"لأنني استطيع قراءة ملامحكِ الواضحة والتي يسهل قراءتها"

عبست ملامحها بعدم تصديق وهي لا تصدق بأنها مفضوحة امامه هكذا لدرجة بأنه يستطيع قراءة ما يدور برأسها بسهولة من قبل ان تنطق السؤال ؟ لتعيد بعدها نظراتها نحوه ما ان مد كفه بالمفتاح الذهبي والذي يكون الخاص بالشقة فقد رأته وهو يفتحه امامها باستخدامه .

قال (احمد) بعدها بلحظات وهو يشير بعينيه للمفتاح بجدية
"خذي هذا مفتاح منزلكِ والذي سيبقى معكِ دائما اينما ذهبتِ ، لكي تستخدميه بفتح قفل الباب وبدونه لن يفتح"

رفعت يدها بسرعة لتلتقط المفتاح وهي تنظر بانشداه مرتجف لما بين يديها وهي لا تصدق مدى جماله ولمعانه وكأنها تنظر لقطعة ذهب ، بينما ابتسم الواقف امامها بحنان وهو ينظر لانفعالات ملامحها ودهشتها بترقب مثير وكأنها قد اصبحت هواية بالنسبة له ومتعة خاصة به .

استدار بعدها بعيدا عنها وهو يتنهد بهدوء وراحة لأنها اصبحت الآن تحت حمايته ومسؤوليته الخاصة بدون تدخل احد ، ليسير بعدها باتجاه الباب وهو يقول بجدية صارمة
"لا تنسي إذا احتجتِ لأي شيء او شعرتِ بالنقص اخبريني فورا ، والآن وداعا يا زوجتي العزيزة وهنيئاً لكِ بشقتك الجديدة"

نظرت بسرعة نحو مسار خروجه من الشقة لتقول عندها بوجل متوجس
"ولكن يا احمد ، ألا تريد النوم بشقتك ، فهذه شقتك بالنهاية"

امسك (احمد) بطرف الباب بقبضته وهو يقول بهدوء بدون ان ينظر لها
"لا لا استطيع مشاركتكِ الشقة بالوقت الحالي فهي قد اصبحت ملككِ الآن ، وانا سأعود للنوم بالمنزل ، فلا استطيع المضي بأي خطوة قبل ان يتم كل شيء كما نريد ونسعى إليه وهذا سيحدث بعد عودتي من رحلتي ، لذا ليلة سعيدة"

تغضن جبينها بعدم استيعاب بآخر كلماته الغامضة والتي شعرت معها بفراغ موحش ، لتنظر بعدها لباب الشقة والذي اقفله من خلفه بقوة لتجتاح عندها وحدة وبرودة بأنحاء الشقة مثل روحها المظلمة بعد ان فقدت النور بهذه الحياة والذي كان يعطيها الدفء منذ لحظات ، ولا تعلم تحديدا ما سبب تلك المشاعر والاوهام الغريبة والتي بدأت تهيم بروحها بدون رحمة ؟

______________________________
كانت تتنقل بحسابها البريدي بملل على شاشة هاتفها وهي تحتضن ساقيها بذراع وتمسك بالهاتف بيدها الأخرى ، بينما كان يصلها صوت تنفس النائمة بالسرير بجانبها بسلام وقد راحت بسبات عميق ما ان وضعت رأسها على الوسادة لتتركها تكمل ليلتها بمفردها كالعادة كما اعتادت منذ طفولتها وكأن الجميع يصر على تركها لوحدها ما ان يشعروا بالملل واليأس منها لتبقى الوحدة والوحشة مرافقة لها طيلة العمر .

كانت تتبع بحركة حدقتيها القاتمة بضوء شاشة الهاتف والتي كانت تعكس زرقتها بوضوح وهي تنظر لكل جديد نزل على صفحتها والتي غابت عنها لمدة طويلة بسبب عدم اهتمامها لكل هذا العالم الالكتروني والذي يستطيع الوصول لكل قارات العالم بدون بذل اي مجهود ، ولولا دراستها الجامعية والتي تحتاج لكل انواع التكنولوجيا والمواقع لكي يكون وسيلة لتنجز عليه وظائفها واختباراتها والتي لم تعد على الورق والقلم كما كان بالماضي لما كانت صنعت هذا العالم الوهمي لتكون جزء تافه منه من مجتمع بالي انعدمت منه المبادئ والاخلاق الاجتماعية من عالم افسدته التكنولوجيا .

عقدت حاجبيها بتركيز حاد وهي تضيق عينيها ناظرة لصورة رجل متوسط بالعمر بنهاية الثلاثين تقريبا تعرفه جيدا فهذه الملامح من المستحيل ان تخطئ بها فقط الفرق بأن شعره قد نبت بكثافة ليصل لعنقه ولحيته كذلك والتي غطت ملامح وجهه وغيرته تماما ، لتخفض بعدها نظراتها للكلام المكتوب بأسفله والذي اكد ظنها
(تم القبض على رجل العصابات الاخطر اصلان عديلي بتهريب الاموال لاستثمارات لشركات مزيفة ، وقد تم الامساك بأموال طائلة بحوزته كان على وشك الهروب بها لخارج البلد)

شددت من القبض على الهاتف بكفها وهي ترفع رأسها عاليا بإنهاك مجهد ، لتفكر عندها بسرعة بشيء واحد وهو بأن جميع افراد زمرة (قيس) قد بدأوا بالهروب بما جمعوه من اموال معهم لخارج البلد بعد ان تم القبض على رئيسهم وهو (قيس) ، ولكن إلى اين سيهربون ويد العدالة تمسك بهم واحدا تلو الآخر لتقتص منهم بما يستحقون وعلى جميع الاموال الغير قانونية والتي حصلوا عليها ؟

ما تزال تذكر تلك الكف الخشنة والتي كانت تضرب على مؤخرة رأسها بقوة تستطيع قلع رأسها عن جسدها وهو يتبعه بصوته الخشن قائلا بأمر قاسي
"افعلي كل ما اقوله لكِ بالحرف الواحد ، واي خطأ ستدفعين ثمنه غاليا ، وإياكِ والتلاعب معي فهكذا ستكونين تتلاعبين بعداد عمركِ"

وبعد ان تنفذ اوامره بالحرف الواحد وتحصل له على مراده من كلمات المرور ومعلومات تخص استثمارات الشركات وكل صفقاتهم الخطيرة ، ليربت بعدها على رأسها بذات القسوة قائلا بابتسامة قبيحة منتشيه
"احسنتِ يا ابنة قيس ، لقد اعجبتني كثيرا فأنتِ لستِ فتاة عادية ابدا كما يظهر عليكِ ، ويوما ما ستصبحين ملكي بعد ان اسرقكِ من مالككِ قيس"

ضربت على جبينها بقبضتها بقوة وهي تفيق من افكارها السوداء المقيتة ولا تعلم متى ستخرج من ذلك العالم والذي حولها لصورة أخرى عن انعكاس لفتاة مشوهة الروح بسوداوية قلوب المجرمين ؟ فهي كانت كلما غاصت بذلك العالم الاجرامي اكثر انمحت جزء من هويتها الحقيقية حتى لم يتبقى منها شيء سوى جسد بروح مشوهة يعيش فقط ليتنفس هواء الآخرين .

اخفضت نظراتها لهاتفها لتقع عينيها على صورة أخرى لشاب ملئ الشاشة بأكملها وهو يبتسم باتساع مرح بارد وكأنه لا يبالي بالعالم من حوله وبما يدور به ، لتنقل نظراتها للفتاة الشقراء بجانبه والمبتسمة بتوهج برق بعينيها الخضراء الجميلتين وهي نفسها من رأتها بذلك المقهى برفقته ، فهي من المستحيل ان تنسى وجه لمحته بحياتها وحتى لو مرّ عليه عدة سنوات فسيبقى محفور بذاكرتها لآخر يوم بحياتها بدون ان تستطيع محوه وعقلها يعمل على اساس المبدأ المعاكس فمن تصر على نسيانه سيبقى عالقا برأسها ولن تستطيع نسيانه حتى لو حاولت ذلك .

رفعت (ماسة) اصبعها وهي تدخل لحسابه الخاص تلقائياً بدون ان تمنع نفسها ، لترفع حاجبيها بانتباه شديد وهي تتنقل بصفحته الشخصية والتي لا تحوي على شيء مهم يلفت النظر سوى معلومة واحدة حصلت على انتباهها عن مكان عمله والذي يكون بشركة الصناعة والتصميم والمختصة بالديكورات والبيوت والتي لم تسمع عنها من قبل ، ولكنها متأكدة بأنها ليس لها علاقة بشركة حوت الفكهاني والمعروفة بكل إنحاء البلد ، فهل هذا يدل بأنه لا يعمل بشركة عائلته والتي يديرها والده ؟

تراجعت بيدها ما ان وصلتها رسالة على الخاص وهي تعقد حاجبيها بتوجس من صاحب الرسالة ، لتفتح بعدها الرسالة بحذر وتظهر الكلمات امامها والتي دفعتها للعبوس باستنكار
(ماذا تظنين نفسكِ فاعلة ، بالتنقل بحسابي الشخصي بمنتصف الليل)

عضت على طرف شفتيها بحنق وهي تفكر بالطريقة والتي عرف بها بدخولها لحسابه بسهولة ؟ ولكن لا شيء غريب على التكنولوجيا والتي وصلت لمستوى لم يصل له احد من قبل ولم يعد هناك اي حياء او خصوصيات بين البشر عندما اجتاح التطور عالمهم .

ردت عليه برسالة أخرى وهي تبتسم بجمود وتصلب بملامحها الحجرية
(هذا افضل من التنقل بحفل رخيص ومبتذل بآخر الليل على شخص بمقامك يا ابن الفكهاني)

بعثت الرسالة بثقة وهي تعلم جيدا من محتوى الصورة والتي ظهرت امامها الآن مع صديقته الشقراء بدون ان تخفي اجواء الحفلة من حولهم والتي اكدت لها مكان تواجدهما بهذه الساعة ، عادت للنظر للهاتف ما ان وصلتها رسالة أخرى بعد لحظات
(لم اكن اعلم بأنكِ تعملين جاسوسة يا ماسة الفاروق)

عبست ملامحها بحدة وعينيها الزرقاء تلمع بشراسة عكسها ضوء شاشة الهاتف ، لتضغط بعدها على ازرار الهاتف وهي تبعث له رسالة مختصرة بحقد
(احمق عائلة الفكهاني)

لتفصل بعدها هاتفها نهائياً وهي تزفر انفاسها بحدة منفعلة بهدوء ، لتلقي بعدها بالهاتف جانبا وهي تدفن وجهها بين ساقيها بتشنج مهتز بطريقة نومها المعتادة والتي لا تستطيع النوم سوى بها عندما ترغم نفسها على ادخال السواد لعالمها والسكون بكل مكان قبل ان يسحبها الظلام لسباته الطويل بدون ان تهتم بتخدر مفاصلها والألم والذي يضرب ساقيها بطريقة تكورها والتي تراها مسكن لآلامها وكوابيسها .

___________________________
ابتسم بهدوء عابث وهو ينظر لشاشة الهاتف ولرسالتها الأخيرة قبل ان تختفي ، وهو يفكر بأنها تبدو من محبين السهر او قد تكون لا تحب النوم بوقت مبكر فهو بكل لقاءاته معها دائما ما تكون بمنتصف الليل لتظهر له مثل الشبح وكأنها هي والظلام واحد ، ولكن ماذا كانت تفعل بحسابه يا ترى ؟ هل كانت تحاول مراقبته والتجسس عليه فكل شيء متوقع من تلك الفتاة الغامضة ؟

اخفض الهاتف وهو يدسه بجيب بنطاله ناظرا للحفل الممل امامه والذي لا يتغير نظامه ابدا نفس الناس بكل مرة ونفس الروتين ، ليشعر بعدها بيد تمسك بذراعه وهي تلوح بالهاتف امامه بيدها الأخرى قائلة بدلال
"انظر ما اجمل صورتنا معا ، لقد حظيت على إعجاب الكثيرين ومنهم من ظنوا بأننا مرتبطين"

ارتفع حاجب واحد بخفة وهو يقول بوجوم
"هل نشرتها على كل صفحات التواصل ، ألم احذركِ من فعلها يا لينا"

اخفضت الهاتف من امامه لتعود للنظر للصورة بشرود حالم قائلة بلطافة
"ولكن كيف تريدني ان اترك هذا الجمال بعيدا عن العين ، وايضا على الناس ان ترى مدى جمال صداقتنا وقوتها والتي ليس لها مثيل بالعالم"

ردّ عليها ببرود من كان يعيد ذراعيه لفوق رأسه وهو ينظر بعيدا عنها
"ومع ذلك كان عليكِ ألا تفعليها ، فهذا سيجلب لنا الشبهة وكلام الناس والتي لا يهمها سوى افتعال الفضائح والشائعات عن الاشخاص المهمين ذو المراتب العالية امثالنا"

زمت شفتيها وهي تعيد خصلات شعرها القصيرة بكفها الآخر لخلف اذنيها بهدوء قائلة بحزن وبراءة
"لم اكن اقصد جلب المشاكل لك ، واعدك بأنني لن اعيدها"

حاد بنظراته السوداء نحوها وهو يقول بابتسامة جانبية
"لا بأس فقد فعلتِ ما برأسكِ وانتهى الأمر ، وجعلتِ صورتنا تدور لكل دول العالم"

ضحكت عندها بخفوت وهي تتمسك بذراعه بيديها لتحول نظرها للأمام ما ان تغير نوع الموسيقى لأخرى هادئة بنعومة فائقة ، لتحاول بعدها سحبه معها لساحة الرقص وهي تهمس بحماس ودلال
"ما رأيك ان نذهب للرقص قليلا ، فأنا احب كثيرا هذه الاغنية ، ارجوك لا ترفض طلبي"

ولكن (شادي) توقف بقوة وهو ينفض ذراعه بعيدا عنها قائلا ببرود جليدي
"ما لذي اصابكِ يا لينا ، أنتِ تعلمين جيدا بأني لا احب الرقص بهذه الحفلات ولا احبذها ، وإذا كنتِ تريدين الرقص فابحثي عن احد آخر يشارككِ بها"

عبست ملامحها بحزن طفولي وهي تبرم شفتيها برقة لتحاول استعطافه ليوافق على طلبها وهي نفس الطريقة والتي تستخدمها عادة مع والدها ومع جميع من تعرفهم ، ولكن للغرابة فهو الوحيد والذي لا يتأثر بها ولا تهزه ولو قليلا ليرأف قلبه بها وبمنظرها المغري للعين ومذيب للصخر وكأن قلبه مغلف من جليد من المستحيل ان يذيبه شيء او يحطمه ايً كان .

تدخل بعدها صوت شاب غريب وهو يندفع امامها قائلا بحماس
"انا استطيع الرقص معكِ يا آنستي الجميلة ، واتركي هذا البارد وشأنه فقد خسر الكثير بخسارتك"

ادار الواقف من خلفه عينيه بعيدا عنهما ببرود غير مبالي ، بينما تعقدت ملامح (لينا) بتوتر من تدخل هذا السمج وهي لا تعلم كيف ظهر وكيف تتخلص منه الآن ؟ لتفكر بعدها بخبث وهي تنقل نظراتها للواقف بالقرب منهما ببرود بدون ان يعيرهما اي اهتمام .

قالت بعدها بلحظات وهي تنظر للشاب برقة وإيباء
"انا موافقة على مشاركتك بالرقص إذا كنت مصرا ، فأنا لا احب رفض طلب احد"

حرك الشاب رأسه بحماس وهو يمسك بكفها بدون اي تردد وابتسامة بلهاء تحتل ملامحه ، ليسحبها بعدها بسرعة لساحة الرقص بين الناس وهو يصطدم بهم بقوة متخذا مكانا بين الراقصين لكليهما .

بينما اعاد الساكن بمكانه نظراته للأمام وهو ينظر للأبله ورفيقته وهما يرقصان بسرعة بعكس نوع الموسيقى الهادئة وهو يبدو متشبث برفيقته بقوة وكأنه قد حصل على جائزة قيمة بعد عناء طويل .

تنهد بملل وهو يلمح نظرات (لينا) الخضراء الممتعضة والناظرة له برجاء خافت ليخلصها من مصيبتها والمتجسدة امامها ، ليسير بعدها نحوهما بخطوات جامدة وهو يركز نظراته على الأبله والشارد بعالم آخر ، وما ان وصل لهما حتى امسك بكتف الشاب ليوقف حركته بقوة وهو يقول من خلفه باستياء
"لو سمحت لقد رقصت بما فيه الكفاية مع شريكتي ، وانا اريد استعادت مكاني معها فقد غيرتُ رأي الآن بخصوص خسارتها"

ابتسمت الواقفة امامه براحة وعينيها تتوهج بإغراء وانتصار ملفت ، بينما التفت الشاب برأسه للخلف وهو يقول بعبوس متجهم ملوحا بذراعه امامه ببساطة
"لقد فات الأوان على هذا الكلام يا سيد ، فمن يصل اولاً يحصل على ما يريده وانت وصلت متأخراً"

ابتسم (شادي) بدون مرح وهو يقول بسخافة
"حقا لم اكن اعلم بهذا القانون ، ولكني سأريك شيئاً سيغير رأيك فورا وثقتك والتي تتبجح بها امامي"

ارتفع حاجبيّ الشاب بعدم استيعاب ليجد لكمة توجه لوجهه بقوة جعلته يترنح قليلا للخلف عدة خطوات ، ليشعر بعدها بقدم صغيرة تضرب على ساقه بسن كعب الحذاء بقوة من الخلف لينحني على الأرض وهو يجثو على بركبتيه وصوت ناعم بخبث يقول من فوقه بأسف مزيف
"اعتذر حقا لم اكن اقصد اصابتك ، يبدو بأنني لا اجيد الرقص كما ينبغي"

انحنى (شادي) امامه بجذعه وهو يقول امام وجهه بابتسامة هادئة بخطر
"الافضل لك ان تغادر من هذا المكان ، ومرة أخرى لا تحاول العبث مع من هم اكبر منك حجما"

ابتلع الشاب ريقه وعينيه جاحظتين بارتباك دام للحظات ، ليقف بعدها بسرعة على قدميه ما ان استقام الواقف امامه قبل ان يغادر وهو يبتعد من امام حشود الناس والذين توقفوا عن الرقص بانتباه ، ليعودوا بعدها بلحظات كل منهم بالرقص مع شريكه متجاهلين ما حدث الآن .

امسكت (لينا) بكتفيه بيديها وهي ترتفع امامه على اطراف حذائها العالي قائلة بابتسامة صغيرة بأغراء
"هل نرقص"

زفر انفاسه بتصلب وهو ينظر لها بحدة قبل ان يقول بابتسامة باردة باستسلام
"فقط رقصة واحدة لا اكثر"

اتسعت ابتسامتها بإشراق وهي تتعلق بعنقه بكفيها هامسة امام وجهه بخفوت انثوي
"وهذا اكثر من كافي"

وقبل ان يبدأ كل منهما بالرقص ارتفع رنين هاتفه بجيب بنطاله مخترقا ضوضاء الحفلة ليخرجه عندها بملل قبل ان يعقد حاجبيه بحيرة وهو ينظر لاسم شقيقه الكبير والمنير بالشاشة .

نزع بعدها كفيها عن عنقه بسرعة وهو يسير بعيدا عنها قائلا بجدية
"عذرا عليّ ان اجيب على هذه المكالمة"

ولم ينتبه بعدها لنظراتها الخضراء المشتعلة بحنق وهي تعض على طرف شفتيها باستياء وكل شيء يفسد دائما بآخر لحظة ما ان تصل لما تريده وتسعى إليه بدون ان تفهم السبب لذلك ؟ بينما وصل (شادي) لمدخل قاعة الحفلات وهو يضع الهاتف على اذنه قائلا بمرح مبتسم لا يظهر سوى امام شقيقه
"كيف حالك يا شقيقي احمد ، لم ارك منذ كنت تخطط لتلك الحفلة والتي لم احضرها للأسف بسبب ظروف قاهرة ، ولكني اتمنى حقا ان تكون رائعة كما كنت تخطط لها"

ارتفع حاجبيه بلحظات بدهشة وهو يستمع للطرف الآخر بتركيز حاد ، ليقول بعدها وقد اختفى كل المرح من ملامحه ليحل مكانها الوجوم والاستنكار عليه في آن واحد
"ما هذا الذي تنطق به يا احمد"

نهاية الفصل يا حلوين.................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس