عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-21, 02:27 AM   #1001

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الخامس والأربعين
***

صرخة ميلاد..

***




لم تكترث لأي من متعلقاتها والتقطت وشاحًا تضعه فوق رأسها فقط وتترك المنزل كجسد يسير آليًا بلا شعور لا يكترث بالحطام من خلفه، ركض مدين خلفها يخنق مشاعره ويخفي موته بداخله، جذب كفها عنوة يوجهها إلى السيارة، استجابت واستقلتها معه، جلس في مقعد السائق فكانت توليه ظهرها تستند بجسدها كله إلى المقعد وتميل إلى الباب في أقصى تباعد ممكن، قاد بها بلا حروف وقاوم احتواء أناملها بكفه ربما لآخر مرة، عند منزل والدها توقف فهبطت كالآلة تقصد الباب ليهبط خلفها مسرعًا، فتح الأب باب بيته فلم يصدمه وجودها، أمسك بيدها يجذبها للداخل ويواجه مدين بعدائية، قبضت على عضده بكلا كفيها تهمس له:
ـ أرجوك أبي توقف، لقد انفصلنا وانتهى كل شيء..
زفر الأب بعمق يغمض عينيه ويتراجع للخلف جاذبًا إياها محاولًا منحها قدر ضئيل من عاطفة أبوية لم يجود بمثلها قبلًا، استكانت في عناقه لبضع ثواني تشيع مدين الذي بادلها نظرة حرمان جديدة قبل أن يستدير وينصرف دون حروف، أغلق أبوها الباب في حدة مقصودة فابتعدت مطرقة:
ـ سأصعد إلى غرفتي..
انضم إليهما أسماء والطفلان اللذين هرعا صوب صبر يعانقانها، الجميع لاحظ إرهارقها فحثتها أسماء على الصعود بدفعها صوب الدرج:
ـ اذهبي إلى غرفتك الجديدة، سلمى اختارت لكِ ألوان فُرشها بنفسها..
ارتقت الدرج برفقة الصغيرة التي أمسكت بكفها تقودها وعند آخر درجة سلم انحرفت بها إلى غرفة مغايرة عن غرفتها القديمة، كانت أكبر من القديمة بها نافذتان وفراش وخزانة جدد، شراشفها بيضاء وستائرها حرير وردية وعلى الأرض سجادة تجمع بين الأبيض والوردي، الطفلة حاولت محو ذكرى غرفتها المؤلمة وبركة الدم التي لوثت الفراش وأرض الغرفة، التفتت إليها صبر مغتصبة ابتسامة حنون:
ـ شكرًا لكِ، لقد أحببتها..
تحاملت على أقدامها لتنقلها للداخل بأعجوبة وجلست على الفراش الجديد، تقدمت سلمى تجلس جوارها وتتمسك بيدها تحاوطها في مؤازرة:
ـ لا أحب رؤيتك حزينة، أبي قال لي بإمكاني النوم جوارك حتى أحتضنك إن بكيتِ..
مالت صبر برأسها تركزها عليها عينيها الواهنتين:
ـ من قال له أنني سأبكي..
زمت الصغيرة شفتيها تفكر لحظة قبل أن تعترف لها:
ـ أنا سألته أولًا هل ستبكي صبر قال لي ربما فطلبت منه البقاء هنا..
أغمضت عينيها تتنهد ومن ثم ترفع بصرها إلى النافذة، هل لها أن تلقي عليه نظرة أخيرة أم يكفيها مذلة إلى هنا، غالبت تلك الرغبة في النهوض ومالت قليلًا برأسها إلى كتف الصغيرة فشعرت أن حملها أثقل من أن تلقيه على كاهل طفلة فهمّت بالاعتدال ومنعتها يد سلمى في حزم:
ـ أنتِ مرة وأنا مرة، في الغد سأضع رأسي فوق كتفك، اتفقنا..
قالتها ومدت يدها بمصافحة إلى صبر فردتها لها باسمة:
ـ شكرًا لأنك هنا يا صغيرتي..
زهدت الطعام ليلتها وظلت أسماء والأطفال برفقتها في الغرفة التي عجت بأصواتهم دون أن تشاركهم صبر إلا بكلمات بسيطة ردًا على إلحاحهم، خيم ليل داكن بلا نجوم عليها فأغلقت سلمى ضوء الغرفة لتشتعل أضواء صغيرة ملونة على ظهر الفراش المستند للحائط، بدت الغرفة وكأنها عالم سحري تنعكس الألوان على كل جدرانه، عانقتها حتى غفت وتركتها وحيدة بالفراش وهبطت، والعبرات التي كبحتها كل تلك الساعات هبطت طواعية، لم تكن تبكيه تلك الليلة بل تبكي حالها الذي أوصلت نفسها إليه، فتشت عن أوراق وأقلام في أدراج الغرفة فوجدت البعض، ذهبت إلى المطبخ وأحضرت طبقًا زجاجيًا عميقًا وضعته أرضًا وجلست أمامه، قرأت ذات مرة أن حرق ما نحمله بداخلنا بعدما نخطه على أوراق بيضاء يساعده في التحرر منا فيكف عن إيذائنا، حررت مكنون صدرها كله على ورق أبيض، خطت آثامها كلها على قصاصات عجزت عن حصرها وأشعلت أولها بقداحة صغيرة، أول قصاصة
أحببت مدين
والثانية
تزوجت مصعب
والثالثة بقيت في منزلهم
شردت تراقص اللهب إلى العقد العرفي الذي وثقه المحامي، سيل من عبرات تزامن مع سؤالها المجرد لنفسها
كيف لها ارتكاب تلك الحماقة وذاك الإثم!
ماذا إن كان موثقًا وجاء شهود للعقد!
كل ذلك هراء لم يغير في حقيقة العبث شيئًا، توثيق الزواج لم يغير حقيقة أنها كانت لعينة، لم تحبه ولم تتزوجه إلا نكاية في ابن عمه وهذا أدعى الأسباب لبطلانه، كيف لها أن تكفر عن إثمها وخطأها البشع ذاك..
تولت حرق البقية تباعًا، كل خطوة خطتها في ذلك الطريق الموحش أحرقتها واكتوت بنارها أشعلتها الليلة بقداحة علّ قلبها الموجوع يبرأ مما يعانيه، كمشت عدة قصاصات مدون عليها ذات الجملة
أحببت مدين
وأحرقتها، فهي الجملة الوحيدة التي كررتها عشرات المرات دون كلل أو ملل، فذلك مكمن نكبها والذي بسببه اقترفت كل تلك الحماقات، أخرجها من شرودها البغيض في الماضي ذراعا سلمي الصغيران يحاوطانها من الخلف فأزاحت عبراتها أطراف أصابعها قبل أن تخبرها بصوت مكتوم:
ـ لا تقلقي سأنهض وأعيد تلك الأشياء محلها وأعود للنوم جوارك..
أرجعت رأسها للخلف بعد ذلك مبتسمة بألم:
ـ فكري لي في قصة ترويها لي حتى أستطيع النوم يا سلمى..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس