عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-21, 02:36 AM   #1006

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


***
آن للأوطان أن تتشعب وينمو من جذورها أغصان غضة يانعة..
جاءها المخاض في الصباح الباكر، بل قبل الشروق بقليل، أيقظتها من غفوتها ركلات مؤلمة، نهضت تتأوه وظنتها حركة عادية فشرعت في النوم حين خفتت حدتها، غفت بالفعل لتستيقظ بعد وقت لم تحدده على ذات الركلات، غادرت الفراش وهاتفت أمل فطلبت منها أن تستعد قبل أن تمر عليها وتأخذها إلى طبيبها، أغلقت هاتفها وتوجهت صوب غرفة الملابس تتفقد الحقائب التي حضرتها الخادمة للولادة فقد أخبرتها أمل قبلًا بطبيعة تلك الآلام وكانت تنتظرها، شعرت بثقل يمنعها من التحرك فجلست على مقعد تتأوه بخفوت، وتميل للأمام، تلاشت نوبة الألم وغادرت غرفتها إلى الحمام قضت به وقتًا طويل في ذات الحالة، غاردته إلى الغرفة التي فرضت عليه أن يقطنها دونها فتحت الباب ودلفت دون طرق، تترنح متمسكة بظهرها الذي كادت عظامه أن يتفتت جراء آلامه، جلست على الفراش بصعوبة تنظر إليه، غافٍ في استكانه هادئة، كادت تناديه وتراجعت تلكزة في حدة ففرق أجفانه يناظرها مشوشًا، رفع رأسه قليلًا يسألها:
ـ ما بكِ.
أطالت نظرتها إليه دون حروف، فرض عليها حياة مربوطة به والقدر قيدها أكثر، لم تكن لتتخيل هذا كله، اليوم ستلد طفله وكلها رضى، رفعت كفها تلامس بطنها وتضغط على أجفانها في سكون ما قبل العواصف:
ـ أشعر بالألم، ربما...
صمتت تفتح عينيها السوداوين المتأثرتين بطريقة فاقت حدودها:
ـ ربما اليوم سيكون تاريخ ميلاده.
انتفض يرتكز على كفيه وركبتيه يتساءل بعينيه ويهز رأسه، أثار غيظها في وقتها الحرج فلكمته في صدره تهتف:
ـ أقول لك اليوم سألد وأنتَ تجلس مثل القرد، لا وقت للغباء الآن.
ردد خلفها مصدومًا:
ـ مثل القرد!
تحاملت على نفسها لتنهض فيباغتها الألم وتتأوه، وثب إليها يقف أمامها يجذبها إليه في عناق مترفق، عارٍ إلا من سروال داخلي وعطره جذاب إلى حد جعلها تصرخ وتدفعه للخلف:
ـ ليس وقتك الآن، ليس وقتك أبدًا.
كبح ضحكاته الماجنة واقترب يمسك بيدها يقودها إلى غرفتها:
ـ تعالي إلى غرفتك بدلي ملابسك ونذهب إلى المشفى.
ساعدها في الوصول إلى غرفتها فطلبت منه بوهن:
ـ هل بإمكانك استدعاء ليلى تساعدني؟
مسد جبهتها بأطراف أنامله وصولًا إلى خصلاتها:
ـ أنا سأساعدك.
تلاحقت أنفاسها واشتد بها الضعف:
ـ أرجوك اطلب منها أن تأتي.
تملك خصرها بذراعه يضمها إليه بلين راغبًا في راحتها:
ـ لن أطلب أحد.
تدافعت نوبة الألم من ظهرها إلى بطنها فتأوهت متجمدة وتلك المرة شدد العناق يهدهد جبينها بقبلة طويلة توازي توقيت النوبة، وجدت نفسها تتشبث به محاولة التنفس بعمق، ساعدها حتى تحضرت للذهاب إلى المشفى وتركها لبعض الوقت أخذ حمامًا صباحيًا وارتدي ملابسه وعاد إليها، عانقها مرات متتالية كلها تائقة مؤازرة قبل أن يدعم جسدها إلى السيارة في الخارج، هاتف صديقتها أمل وأخبرها أنه سيقابلها في المشفى، تبعتها دميانة القلقة وعند الطبيب أخبرها أن الولادة قد حانت بالفعل لكن يلزمها عدة ساعات، تم حجز غرفتها وتتابع إليها وصول ليلى ومن بعدها جود ورفقة وسهيل أيضًا، فضل مصعب أن يخبر العائلة قبل ولادتها حتى إذا ما فضل أحد الحضور، كانت عزة في غرفتها بالمشفى تقضي الوقت بين الحمام والسير المتعب مستندة إلى دميانة أو ليلى، تقدم مصعب إلى أمل يسألها في اهتمام:
ـ ولادة بدون ألم أ ليس كذلك؟
راوغته بفراسة:
ـ ليس كذلك، ولادة بكل الألم.
قطب دون فهم يستفسر:
ـ ماذا تقصدين.
أشارت إلى عزة التي تتجاهل الحديث الدائر بشأنها:
ـ عزة ستلده ولادة طبيعية دون مخدر أو مسكن.
استدار إلى عزة متسع العينين يسألها مستنكرًا:
ـ أنتِ طلبتِ ذلك..
توحشت عيناها تكز على أسنانها وتشيح بوجهها عنه، كظم غيظه وحاول افتعال اللباقة مع الجميع:
ـ بعد إذنكن أريد التحدث معها لبعض الوقت.
انصرفن إلى الخارج ووقفت أمل لحظة تخبره بنبرة مغلفة بالمكر:
ـ ستحصل على طفلك في كل الأحوال بإذن الله فلماذا تهتم بالتفاصيل!
لم تمهله ليرد وتبعت البقية تاركة إياه برفقة عزة التي تقدمت إلى مقعد مريح وجلست عليه، جثى أمامها يتمسك بكفيها قابضًا عليهما بقوة غير مؤلمة:
ـ لماذا يا عزة.
ملحمة الألم تجسدت على وجهها وسمحت له أن يشعر بما يعتريها:
ـ أريد البكاء والصراخ.
شدد على قبضته يهز رأسه تزامنًا مع حروفها رافضًا بحروفه الحازمة:
ـ لا أريد لكِ ذلك.
سألته في اتهام واضح:
ـ ماذا أردت لي يا مصعب.
باغتها الألم فجذبت كفيها منها تتمسك بحافة المقعد وتتراجع برأسها للخلف متأوهة بقوة، نهض يميل إليها يمسد إحدى يديها ويهدهد وجنتها بظهر كفه، رأي طيف عبرات تتجمع بداخل مقلتيها، لأول مرة يرى دموعها وإن كانت طفيفة فهي كارثة في حد ذاتها، هدأت قليلًا واعتدلت في جلستها فجثى مجددًا أمامها يمرر إبهامه على ظهر كفها:
ـ أردت لكِ عائلة، وتمنيت منكِ طفلًا.
انفعلت تزيح يده عنها:
ـ أنتَ هو الوغد الحقيقي، أنا أكرهك.
سألها برأس مائلة وصوت أجش دافئ يهادنها:
ـ ألا تحبينه؟
تزامنت حروفه مع حركة أنامله إلى موضع جنينها الثائر، حركت أناملها جوار خاصته تخبره بلا تردد:
ـ بالطبع أحبه وأنتظره بشدة.
باغتها باعترافه:
ـ لقد تعمدت ذلك.
تعرف أنه تعمد إيذائها بالتأكيد لكنه شوشها، شعرت أن ما وراء سطوره كارثة خفية فسألته في حيرة:
ـ تعمدت ماذا!
نهض في بطء يقف أمامها، يناظرها من علو فرعون له السلطوية ووحشية نازي ينتهج سلوك الحرائق ليصل مراده:
ـ تزوجنا في أكثر يوم مناسب للحمل.
زاد من حيرتها فأسندت بطنها بكفها تنهض بألم، وقفت أمامه بجبين منعقد:
ـ كيف عرفت ذلك.
اقترب يحاوط وجنتيها بكفيه فيسري شعوره إليها يسرقها من نفسها تمامًا:
ـ لنكن صرحاء، أكثر ما تحتاجينه في هذا العالم هو عائلة تحبك دون أي أسباب سوى أنك عزة فقط.
كانت متعبة أنهكتها آلام المخاض لساعات طويلة، استسلمت له يرشدها كيفما شاء فاقترب بشفتيه يهدهد وجنتها مقتربًا من شفتيها يلثمها في بطء قبل أن يكرس انتباهه إلى عينيها المظلمتين بلا نهاية:
ـ أنتِ أخبرتني بموعد عادتك الشهرية.
تساءلت بصوت خافت يضج بجنونها:
ـ وأنتَ حددت اليوم المناسب في الشهر التالي!
ابتعدت في عشوائية وكادت تسقط على المقعد ثانية لولا أن دعمها فنفضت نفسها منه صارخة، حاول احتواء فورة انفعالها وفشل، ارتفع صوتها الصارخ فدلفت أمل مهرولة بقلق، وصلت إليها تسألها جزعة:
ـ ماذا حدث.
توالت الركلات المؤلمة بشكل مبرح إلى جسدها فيما أشارت إليه:
ـ هذا الحقير تعمد حدوث الحمل.
أدارت أمل رأسها إليه ترفع أحد حاجبيها وتزم شفتيها في دهشة، ليس ذكيًا فحسب بل داهية، تساءلت في نفسها لماذا يخبر عزة الآن، عزة التي أجبرتها على الاستدارة لها عنوة حين صرخت متمسكة بظهرها وقد سال الدم يغرق ساقيها فصاحت أمل فيه:
ـ اهتم بها حتى أبلغ طبيبها.
ابتسمت رغم توترها:
ـ أوشكت على الولادة تقريبًا.
ركضت إلى الخارج تخبر سُهيل الوقف خارج الغرفة منذ حضوره مع رفقة فذهب برفقتها إلى طبيب عزة الذي قام بدوره سريعًا وطلب نقلها إلى غرفة الولادة، كانت الشمس قد غربت تاركة الشفق خلفها يكسو السماء ويرسل الرهبة في قلبه، كلما اقترب منها ثارت ثورتها وفقدت قدرتها على السيطرة وانهالت عليه لكمًا، مزقت ما طالته أناملها من خصلاته، كل جنون وعنف منها يقابله لين ورفق منه أدهش من حولهما، نقلوها إلى غرفة الولادة التي وقف خارجها مصعب مبعثر الهيئة وقد أثار ضحك الجميع، حد أن اقتربت منه جود تحاول كبح قهقهتها مشيرة إلى الباب المغلق أمامهما:
ـ لا أحد يمتلك ذرة عقل يتزوج تلك الحيزبون.
زفر يفرك عينيه ويزيح خصلاته للخلف، ابتعد يبحث عن تبغه وشرع في مغادرة الممر تمامًا للخارج، أثناء هبوطه الدرج وجد زاد برفقة منصور فتسربل إليه بعض الاطمئنان، نظر صوب منصور مباشرة امتنان:
ـ شكرًا لأنك أحضرتها، كنت في أمس الحاجة إليها.
قبل أن يغضب منصور أخبره مصعب بجدية وصدق:
ـ زاد أختي يا منصور لم أنظر إليها يومًا نظرة مغايرة لتلك المكانة.
تنهد منصور وأومأ له بتفهم استرعى ابتسامة زاد التي سألت مصعب في اهتمام بالغ:
ـ كيف هي حالتها الآن.
هدل أكتافه ولأول مرة تشعر بضياعه هكذا:
ـ هي في غرفة الولادة منذ قليل فقط، وأنا لست مطمئن.
غمرته زاد بسكينة حضوره وبسمتها المريحة:
ـ لا تتوقع السوء، أحسن الظن بالله فيحدث لك كل الخير يا مصعب.
تدخل منصور يحاول بثه الطمأنينة بدوره:
ـ سيحدث الخير كله اهدأ فقط.
أشار للدرج:
ـ هيا نجلس في الاستراحة قليلًا.
تركهما مصعب يلوح بكفه:
ـ سأدخن في الخارج وأعود إليكما.
..
داخل غرفة الولادة كانت آلامها على أشدها، حضروا لها حمامًا دافئًا عند اشتداد المخاض عليها فارتخت قليلًا وبدأت تهل بشائر الطفل، أخبرتها أمل أن الولادة الطبيعية تحت الماء هي الأفضل للأم وطفلها فوافقتها وهذا قلل من الآلام المبرحة لحظة انزلاق الطفل برأسه للعالم، ورغم تخفيف عنها وجعها صرخت وبكت بحرقة، مذ دلفت إلى الغرفة المجهزة وقد انسابت عبراتها أصلًا وفي أوج حرقتها دموعها همست باسمه فانتبهت أمل لها وابتسمت أيضًا، عزة وقعت في حبه دون أن تدري، حبها مختلف مثلها ومثل الأبله الذي كاد يجن لأجلها في الخارج، انتهت ولادتها بصراخ طفلها الذي شق صدرها بإحساس جديد وغريب، شعور أخذها إلى الوديان الخضراء واتساع السماء ورحابتها، إلى الوجود بذاته، تعالى نبضها وارتفع صدرها وهبط وقد سكن ألمها كله في لحظة، تتبعت عيناها حضوره إلى الحياة وصراخه، بعد قليل أحضرته أمل إليه ببسمة أمومية حانية، قربته منها فزادت من رهبة عزة، عزة التي انتفض قلبها بالحب حين وضعته أمل على صدرها تقرب رأسه من وجهها، مالت عينا عزة إليه ولاحظت كثافة خصلاته السوداء الناعمة فتحشرج صوتها:
ـ يشبهه!
هزت أمل رأسها بذات البسمة، والطفل هدهد وجنة أمه بشفتيه الصغيرين جدًا، فارتج جسدها تسألها مصدومة:
ـ مابه؟
أخبرتها أمل ضاحكة:
ـ جائع.
حاوطتها بنظرة سعيدة مطمئنة:
ـ أليس رائعًا يا عزة.
أجابتها بصوت متهدج وعبرة جديدة:
ـ بلى هو أروع ما في العالم.
***
حضر السيد سليمان بنفسه مع رحيمة ومعتصم وبيسان وعزة لم تزل تلد حفيده بالداخل، لم يدهشهم هيئة مصعب ولا قلقه، عانقته رحيمة أولًا فاستكان في حضنها لوهلة يخبرها:
ـ أشعر بالعجز.
لكزه معتصم في كتفه ممازحًا:
ـ تستحق كل القلق والذعر.
أطرق متقدمًا من جده يقبل كفه فربت الآخر على كتفه:
ـ رغم أنك الأسوأ إلا إنك أهديتني أروع هدية قبل أن أفارق الحياة.
شهقت بيسان بخفة تتقدم إليه تعانقه:
ـ لا تقل هذا يا جدي، قلبي يتألم حين تتحدث هكذا.
ناظرها معتصم من بين أجفان نصف مغلقة ببسمة عاشقة، رأته فتهربت من عينيه تكاد تقرأ أفكاره الماجنة في نظرة كتلك، توجه انتباه الجميع صوب مصعب حين اعترف بعد زفرة حارة:
ـ لن أكذب، أكاد أموت قلقًا عليها.
ربتت رحيمة على ظهره مؤازرة:
ـ لا تقلق، هي قوية أكثر مما تتصور.
أوما لها وأخبرهم أنه سيصعد ربما يستطيع الاطمئنان عليها، صعد بسرعة تكافأت مع نبضاته المبعثرة منذ الصباح، لا داعي للإنكار، فقد سيطرته على كل انفعالاته، الآن يريدها أمامه سليمة معافاة تصرخ وتتشاجر معه للأبد، قابلته مساعدة للطبيب في الممر فسألها نافد الصبر:
ـ ما أخبارها الآن.
ابتسمت له تخبره:
ـ لقد تم الأمر، هي والطفل في أحسن حال بإمكانك رؤيتها بعد قليل، ركض إلى الداخل وقف على الباب وحده فقد ذهب الجميع ينتظرونها في الاستراحة، فتح الباب على مصرعيه وأخرجوا فراشًا طبيًا متحركًا تحتله عزة مغمضة العينين منهكة تمامًا، مال يتمسك بكفها الواهنة يقبلها بقوة ومن ثم يميل يقبل جبينها هامسًا:
ـ أنتِ أروع امرأة عرفتها، شكرًا لأنكِ لي.
تولى مساعدو الطبيب دفع فراشها إلى غرفتها وأبلغته أمل أن يتركها لبعض الوقت ترتاح وسيهتمون بها، أسكنوها جناحها وتركوها غافية بعد أن اطمئن الجميع عليها، وفي الغرفة الملحقة لغرفتها جلسوا كما طلبت منهم أمل أيضًا، أحضرت لهم الطفل، وتتابعت النظرات عليه، أشارت لها السيدة رحيمة كي تعطيه لجده الكبير أولًا ففعلت، تناوله منه بين كفيه، كان ملفوفًا بأغطية بيضاء يظهر منها وجهه الحنطي وخصلاته شديدة النعومة المستكينة على جبينه، ضمه إلى صدره متنهدًا في راحة، ومال يقبله قبل أن يلهج لسانه بالآذان قرب أذنه، رفع الجد رأسه إلى مصعب بفخر يسأله:
ـ ألا تريد أن تراه يا أبا مُعز!
تساءل مصعب بعربية غير سليمة:
ـ مُعز!
ضحك الجميع على طريقة نطقه لاسم طفله لكنه كان في حيز آخر، جده دمج اسمه مع اسم عزة في اسم واحد يجمعهما سويًا، تقدم يحمله ويستسلم للشعور برمته، إن كانت نفرتاري قد سرقت روحه قبلًا فطفلها علّم قلبه النبض عشقًا، ابتسم متأوهًا بسعادة ومال يُقبله، اعتدل يداعب الأنامل الصغيرة بسبابته فصعقه التفافها حول إصبعه، توقف عن التنفس من رهبة ما يحدث، قلبه تورط مع الرضيع بلا رجعة، حاولت رحيمة أن تحمله بدورها فضمه لصدره رافضًا بضحك متقطع بسعادة:
ـ لا لن يأخذه أحد.
أخذته أمل بعد أن ألقى الجميع عليه نظرات سعيدة وذهبت به صوب غرفة عزة بالداخل، قضت برفقتها وقت طويل ساعدتها كي ترضعه، كان شعور عزة وقتها مثل التي عانقت السحب وتمرغت بين موج لا يُغرق، تشبث الرضيع بها أسعدها، أنساها كل ألم مرت به يومًا، تقدمت منها رفقة تعانقها:
ـ أنا سعيدة لأجلك أختي، طفلك سرق عقلي ولن أفارقه أبدًا.
حملته عنها لبعض الوقت قبل أن تأخذه مساعدة الطبيب لينام في فراشه الصغير.
طلب سهيل أن يزورها ودلف إليها، تلاشى الجليد بينهما وسعد لأجلها، بدت سعيدة بالطفل مرتاحة لأبعد حد بعد حالة الهسترة التي انتابتها قبل الولادة مباشرة، وقف جوار فراشها يسألها:
ـ راضية يا عزة.
أومات له متنهدة فتفهمها كليًا، قطع تواصلهما دلوف مصعب المفاجئ ووقوفه بجانبه مباشرة يدعس قدمه بقصد، فتأوه سُهيل يرجع رأسه للخلف بضحك مستنكر:
ـ هذه ابنة عمي كما أنني طبيب بالمناسبة.
سأله مصعب في خشونة متصنعًا الجهل:
ـ وماذا فعلت أنا لك!
كتمت رفقة الواقفة بالجهة الأخرى ضحكتها فيما أغمضت عزة عينيها هاربة من الجميع، زجره مصعب وجذبه للخارج فتبعتهما رفقة تاركة عزة وحدها، بالخارج وقف الرجلان وجهًا لوجه أشار سهيل بسبابته صوبه:
ـ لا تنسَ كيف تزوجتها.
كتف مصعب ذراعيه أمام صدره ولم تلن ملامحه:
ـ وافقت بإرادتها.
زفر سهيل بقوة، رأى كيف تغيرت عزة وما وصلت إليه، لم تعد بحاجة إلى أناس يضطهدونها ومعها كل هؤلاء الذين يهتمون بها، ورجل تحمّل جنونها أمامهم قبل الولادة، أخبره بهدوء وروية:
ـ أريد لابنة عمي السعادة فقط.
عندها ابتسم مصعب ومد يده طالبًا مصافحة:
ـ إذًا اتفقنا.
صافحه سهيل ببسمة مماثلة قبل أن يستأذنه مصعب للذهاب إليها..
دلف مصعب وجدها مازالت مغمضة العينين على حالها، اقترب منها يحرك إبهامه على جبينها، فوق حاجبيها مباشرة، لفحتها أنفاسه الدافئة، قبل أن يمرر لها صوته المهتم:
ـ عزة.
أجابته في التو:
ـ أنا أكرهك.
ضحك بخفوت حانٍ مثل صوته:
ـ أنا أيضًا أكرهك بشدة.
فرقت أجفانها ببطء فضاعت مروج عينيه الخضراء المنغمسة في الموج الأزرق بين سرمدية الدُكنة خاصتها، عيناها مجرتان مسكرتان كالخمر تسرقان بلا عودة، تغيبانه في سوادهما حد الثمالة وبات يهوى بالاغتراف منهما بلا نهاية..
أخبرها دون أن يبتعد بل أنه اقترب أكثر يلامسها بصدره فيما ارتفعت أنامله تزيح غطاء رأسها وتغوص بين تشابك خصلاتها:
ـ لقد وقعت في الحب اليوم، أحببته أكثر من كل شيء.
شردت تسترجع شعورها الأمومي الذي غمرها الذي اليوم:
ـ أنا أيضًا وقعت في حبه.
طال شرودها أكثر:
ـ لم أختر له اسمًا.
زفر يلوي شفتيه ويخبرها:
ـ جدي أسماه مُعز.
لم تثور كما هو متوقع بل سقطت في نوبة ضحك عارم رغم وهنها:
ـ أسماه ماذا!
أطبق شفتيه دون رد فضحكت أكثر تخبره:
ـ اسم رائع، راق لي جدًا، لا تنطقه أبدًا سيضحكون منك.
انتهى الفصل قراءة ممتعة.


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس