عرض مشاركة واحدة
قديم 28-05-21, 09:47 PM   #30

Hager Haleem

كاتبة قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Hager Haleem

? العضوٌ??? » 359482
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,301
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Hager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السابع

( إن لم تنقسم روحَك نصفين عند الفراق فلا تقل أنك أحببت‏ )
..
" كيف يعني ؟!! ... كيــــــــف ؟!!!! "
يصرخ بها جاسم بجنون فيقترب منه عبد الحميد محاولاً تهدئته فيما يربت على كتفه متمتمًا :
" اهدأ قليلاً يا بني حتى نستطيع أن نفكر "
ألتفت إليه جاسم بعينين يملئهما الجنون والرعب في آن واحد هادراً بغضب لا ينتهي :
" أهدأ ! ... أختي اختفت وحين أبحث عنها أجد حقيبتها وهاتفها في سيارة ابن المنصوري المفتوحة على مصرعيها في منتصف الطريق والذي اختفى بدوره هو الآخر و تقول لي اهدأ ! "
صمت عبد الحميد متبادلاً النظرات مع أبناءه الذين يراقبون الوضع بصمت مشابه ولا يدري ماذا عليه أن يقول حتى يهدأ الوضع قليلاً فيستطيعون التحرك ..
ضرب جاسم على الطاولة بعجز شديد وهمهم بصوت مختنق وشعور الذنب ينهشه بلا رحمة :
" اختفت ولا أعلم .. ! ... لم أكتشف غيابها إلا بعد ساعات ! .. أي أخ أنا ..! "
استغفر عبد الحميد ربه عدة مرات ليربت على كتفه من جديد بدعم قائلاً بصبر وبثقة مصطنعة :
" سنجدها .. لا تقلق سنجدها في أسرع وقت إن شاء الله "
أغمض جاسم عينيه باختناق شديد ثم نفض عنه الرثاء وتحرك مرة واحدة قائلاً بعصبية :
" سأذهب إلى منزله ، يجب أن أعرف ما علاقة هذا الحيوان بأختي "
لحق به كلاً من أمين وبكر الذي هتف :
" انتظر سنأتي معك "
تبعهم عبد الحميد بنظراته ليزفر بعدها بضغط ثم يمسك هاتفه الذي لم يتركه إلا لمامًا منذ ما حدث فيتصل بمعارفه في الداخلية مرة أخرى محاولاً الوصول إلى أي خيط يدلهم على مكان رغدة فيما يتمتم بعجز لأول مرة يشعر به :
" احفظها يا الله "
*******************
( في منزل صخر )
" اهدأي يا أمي ، أخي سيعود في أي لحظة .. لما كل هذا القلق ؟! "
وضعت إيمان يدها فوق قلبها مرة أخرى بينما تهمهم بصوت مختنق :
" منذ خروجه في الصباح وقلبي منقبض والآن مر على موعد عودته عدة ساعات ولا يرد على هاتفه حتى "
نظرت سندس إلى بِشر الذي يجلس ممسكًا بهاتفه عله يستطيع الوصول إلى مكان صخر وقرأت عجزه على ملامحه لتزفر بضيق بينما استطردت إيمان بنبرة باكية :
" قلت له لا تخرج الطقس سيسوء ولم يسمع لي .. لا أحد منكم يسمع لي "
تنهدت سندس بينما استغفر بِشر ربه محاولاً التفكير بكل الاحتمالات الممكنة ليصل إليهم صوت مكابح سيارات فينهضوا جميعًا في لهفة انطفأت حينما فتح بِشر الباب ووجد شباب عائلة الغانم في وجهه وملامحهم لا تنبئ بالخير .. !
" مساء الخير "
" أين صخر ؟!! "
انطلق صوت جاسم فقطب بِشر متعجبًا من العدائية التي تصدح في صوت جاسم ليردد الأخير مرة أخرى بنبرة حادة وملامحه تبدو كمن على وشك الهجوم عليهم جميعًا وتحطيم المنزل فوق رؤوسهم :
" أقول لك أين صخر ؟!! "
نظر بِشر إليهم بعدم فهم وقبل أن يرد ركضت إيمان بجسدها الممتلئ وهتفت بجزع :
" هل حدث لأبني شيئًا ؟!! .. بالله عليكم لا تكذبوا وأخبروني "
أمسك بكر بذراع جاسم ينبهه لوجه المرأة الشاحب ليتنهد جاسم بضغط شديد ويحاول تمالك أعصابه ثم يوجه حديثه إلى بِشر من جديد بصبر يوشك على النفاذ :
" هل تعرف بمكانه ؟!! "
أخيرًا نطق بِشر وسأل بهدوء لا يناسب الموقف :
" ماذا يحدث ؟!! .. ماذا تريدون من صخر في هذه الساعة ؟!! "
ليقصف صوت جاسم الذي انفلت لجام غضبه من هدوء الآخر :
" أريد أن أعرف ما علاقة هذا الحيوان بأختي ؟!! .. ولما وجدت حقيبتها وهاتفها في سيارته ؟!! "
وضعت إيمان كفها فوق قلبها الذي يقصف داخل صدرها برعب ثم تمتمت بعدم فهم :
" وما دخل ابني بابنتكم ؟!! .. وماذا تقصد بسيارته ؟!! .. و من ابنتكم أصلاً ؟!! "
لتشهق فجأة وتضرب صدرها فيما تستطرد بانهيار :
" هل وقع له حادث ؟!! "
أبعد بكر جاسم بحدة ليتولى هو الحديث قائلاً بهدوء :
" صبرك بالله سيدتي نحن نسأل عنه لا أكثر ، لكن يبدو من حديثك أنكم لا تعلمون عنه شيئًا "
بكت إيمان وهتفت بسندس التي انقلب وجهها وسيطر الخوف عليها مما يحدث :
" ألم أقل لكِ ؟!! .. أخاكِ ليس بخير ، أنا متأكدة "
زفر بِشر بقلة صبر ثم تمتم بأعصاب منفلتة :
" اهدأي يا خالتي بالله عليكِ ، و أنت يا سيد جاسم أخبرني بما حدث بهدوء من فضلك "
كاد جاسم أن يصب كامل غضبه على بِشر ليقاطعه آمين قائلاً بنبرة متماسكة :
" القصة باختصار أن رغدة لم تعد من جامعتها وحين بحثنا عنها وجدنا سيارتها معطلة وعلى مقربة منها على جانب الطريق وجدنا سيارة صخر مفتوحة على مصرعيها ووجدنا بها هاتف وحقيبة رغدة :
" هل تقصد رغدة الغانم ؟!! "
جاءت همسة سندس المرتعبة كجرس إنذار جعل الجميع ينظرون إليها بترقب فيبادر بِشر قائلاً بلياقة متأخرة :
" تفضلوا بالدخول ، واضح أن ليلتنا طويلة "
*********************
" أحضروا هذه الحلوة لي "
ما أن نطق عزام جملته المرعبة حتى صرخت رغدة بانهيار وهي تبتعد بهستيرية عن الاذرع التي امتدت إليها تسحبها بحدة وجلافة ..
قلبها يرتج برعب ما بعده رعب ..
أقدامها ثابتة في الأرض وصراخها الهستيري يصم آذان جميع الواقفين ..
عيناها لا ترى بهما شيئًا من كثرة الدموع المتدفقة منهما ..
أما صخر فحاول التخلص من مقيديه بجنون مماثل دون فائدة وعيناه لا تتزحزح من عليها وهي تقاومهم بكل طاقتها و تُثبت أقدامها في الأرض كالأطفال ليصرخ باسمها في النهاية قبل أن يأخذونها بالفعل :
" رغدة "
ثم يستطرد بصوت هادر تخلله الخوف لأول مرة في حياته :
" اتركها يا عزام .. هذه ابنة الغانم ، هذه رغدة الغانم يا عزام اتركها "
توقفت خطوات عزام المبتعدة وانحسرت ابتسامته الشامتة المستمتعة بما يحدث تدريجيًا ..
نظر إلى رغدة الباكية بانهيار تام نظرة شك دامت للحظات ثم وجه حديثه إلى رجاله آمرًا بوجه مكفهر :
" اتصلوا بمن يراقب بيته "
أنهى حديثه مشيرًا إلى صخر فينفذون أمره بلا تردد ليجري عزام مكالمة قصيرة للغاية جعلت عيناه تتسع بذهول وهو يعيد نظره إلى رغدة مرة أخرى ثم يقذف بعدها الهاتف بطول ذراعه صارخًا بغضب ناري :
" تبًا .. ماذا تفعل بنت الغانم هنا يا حمقى ؟!!! "
نكس رجاله رؤوسهم بخزي و عدم تصديق للخطأ الذي ارتكبوه بينما لم يعرف صخر هل عليه أن يرتاح لأنه شبه أنقذ رغدة من براثنهم أم عليه أن يقلق من أجل أمه وسندس الوحيدتين في المنزل دون حماية ..
هدير عزام المتواصل جعل انتباه صخر يعود إليه من جديد خاصة حين صفع أحد رجاله هاتفًا بغضب كاسح :
" ولك عين تجادل ؟!! .. ما معنى أن هذه من أخذها من الجامعة ؟!! "
نظر صخر إلى رغدة المنكمشة برعب جلي تنتحب دون توقف و شعر بالشفقة الشديدة عليها فقد كانت تبدو لعينيه حرفيًا كطفلة أوقعها حظها الأسود بين أنياب من لا يرحمون
" اتركوها "
أخفى بالكاد زفرة راحة كادت أن تغادر صدره حين نطق عزام جملته من بين أسنانه بغضب لم ينحسر بعد ثم يأخذ بعدها رجاله ويرحل متمتماً بوعيد :
" لم أنتهي منك بعد يا صخر "
لتلمع عيناه ببريق شيطاني ويكمل بصوت لم يسمعه غيره :
" أما أنتم يا عائلة الغانم ، فقد وقعتم ولم يُسمي عليكم أحدًا "
راقب صخر ابتعادهم بينما انهارت رغدة أرضًا تبكي بضعف و ترتجف بشكل أوجع قلبه فاقترب منها وجثى جوارها دون أن يدري ماذا عليه أن يقول ..
هل عليه أن يواسيها ؟!!
هل هناك كلمات قادرة على إرسال السكينة إلى روحها ؟!!
إذا كان هو ( الرجل ) ارتجفت أطرافه رعبًا مما قد يحدث لها في الدقائق الأخيرة فما بال هي .. !
هي الصغيرة ، الضعيفة .. التي ترتبك إذا شاكسها أحدهم !
رفع يده بتردد ثم ربت على رأسها بخفة محاولاً الهدوء قدر إمكانه حتى يستطيع تهدئتها فتمتم دون ثقة حقيقية وما زال قلبه يقرع بجنون بين جنباته :
" لا تخافي ، لن يقتربوا منكِ بعد الآن "
رفعت إليه رأسها فهاله ما رأى .. !
هذه الفتاة وجهها المادة الخام للشفافية ..
قرأ رعبها و انهيار أعصابها ..
رأى النبض في عنقها يكاد يمزقه ويخرج منه ..
رأى احمرار عيناها الشديد والذي ينافس احمرار وجهها ودموعها المتكدسة بمنظر يفطر أي قلب ..
همهمت رغدة من بين شهقاتها بصوت متقطع مما أثقل قلبه أكثر وأكثر وجعله يكره نفسه لأنه السبب الرئيسي في كل ما تعرضت له :
" أنا أريد العودة إلى البيت .. أرجوك "
جز صخر على أسنانه بعجز يود لو يحطم كل ما حوله من أجل أن يخرجها هي على الأقل من هنا ..
زفر صخر وتمتم بقنوط و قد نسي كفه مستريحًا فوق رأسها :
" سأعيدك في أقرب وقت بإذن الله "
" كيف ؟!! .. كيف ؟!! "
سؤالها الضعيف الباكي أثقل كاهله أكثر ليتمتم بعجز جلي وهو يجلس قربها من جديد ويده هذه المرة تجد طريقها إلى كتفها و كأنه يحاول أحاطتها ولو بقدر بسيط من الأمان :
" لا أعلم يا صغيرة ، والله لا أعلم "
*****************
يتبعها بخطوات ثابتة مدركًا احتياجها الكبير له حتى وإن أنكرت ذلك ..
فبعد رحيل شباب عائلة الغانم دخلت خالته غرفتها باكية معلنة عدم رغبتها في بقاء أحد معها ليبقى هو ... وهي !
هي التي جلست تراقبه وهو يجري عدة اتصالات بدأها بخالد ولقاء وقد طلب منهما الحضور على وجه السرعة للبقاء معهن في المنزل كما طلب بعض الرجال المُدربين من أجل تأمين المنزل بشكل عام ..
هي التي كانت تحدق فيه وهي تظن أنه لا يراها وعيناها تناشده الأمان .. !
هي التي تنتظر منه الآن ولو كلمة واحدة يطمئن بها قلبها وكأنه يملك من الأمر شيئًا .. !
حينما وقعت عيناه عليها قرأ على وجهها كل علامات الذعر و التشتت لكن طبعها العنيد الصلد الذي يدركه جيداً أبى أن يراها في حالة احتياج لأي شيء منه وجعلها تتركه هي الأخرى في منتصف البهو وتتحرك تجاه غرفتها وها هو ذا يتبعها كمن يتمسك بأذيال أمه ..!
كادت سندس أن تغلق باب غرفتها في وجهه لكن يده حالت دون ذلك لتتسع عيناها فيما تهدر فيه بحدة وأعصاب على الحافة :
" ماذا تظن نفسك فاعلاً ؟!! .. لا تظن أن بغياب رجل البيت قد خلت لك الساحة وستفعل ما يحلو لك "
رمقها بِشر ببرود وقد فاض به الكيل رغم أنه يدرك ما تشعر به وأن رهبتها مما يحدث تؤثر عليها ..
فهو مهما يفعل لا يرضيها شيء .. !
بعد كل ما أعده من أجلها في الصباح وبعد أن ترجاها بوضوح لتغفر له ها هي الآن ترفع أسوارها في وجهه من جديد وكأن شيئًا لم يكن !
أخفى ما يدور بعقله ثم تمتم بعد لحظات بسيطة بوجه لا يحمل أي تعبير :
" والله من الواضح أنه وحتى عودة صخر أنا هنا رجل البيت ولا أظن أن هناك رجل يُحاسب على ما يفعل مع أهل بيته "
اكفهر وجه سندس لتتقدم نحوه بخطوات غاضبة ناسبت تهديدها :
" أقسم بالله إن لم تغرب عن وجهي الآن سأصرخ وأنادي أمي حتى تسمع وقاحتك وترد هي بما يليق بك "
بدأ اليأس يزحف إلى قلبه لكنه لم يتنازل أمامها وقال مستفزًا إياها بنبرة ساخرة :
" فلنترك خالتي وشأنها فلا أظن أنها متفرغة لانهياراتك العاطفية الآن يا سندس .. لديها ما هو أهم كما ترين "
وصل غضبها منه لمعدلاته القصوى لتجد لسانها قد فات منها وهتف دون سابق إنذار :
" خالتي لها حق تندم على احتفاظها بك "
في ثانية أظلمت ملامح بِشر وانسحب الدم من وجهه بشكل مخيف لتندم سندس فورًا على ما تفوهت به بكل غباء مدركةً عِظم جرحه منها..
نكست رأسها أرضًا بخزي بينما يأكلها الندم شديد ..
تلعن نفسها التي شقت قلبه الآن إلى نصفين بما تفوهت به ..
ليت لسانها قُطع قبل أن تقول ما قالته .. !
ليتها حارب خوفها من ضعفها أمامه بسيف آخر ..
ليتها لم تؤذيه ..
وليته لم يؤذيها ..
وليت باستطاعتها أن ترمي نفسها عليه الآن بلا تحفظ فتسأله العفو والأمان .. !
ألف ليت وألف خيال يدور في رأسها لكن الواقع واحد .. !
بِشر اذاها سابقًا وهي ترد له الأذى حتى الآن ..
لكن هذه المرة ..
تبًا لها لقد آذته هذه المرة كما لم يفعل أحدًا قط .. !
رفعت سندس رأسها ببطء إليه حتى تتلافى ما قالت فوجدت نفسها أصبحت بمفردها وسط جدران غرفتها الباردة
لقد غادر ..
لقد سئم منها و رحل ..
تدفقت دموعها بينما تشتم نفسها و تجلدها بكل ما أوتيت من قوة و قد أيقنت أن هذه المرة و بفعلتها هذه قد تكون خسرته ... إلى الأبد .
************
خرج بِشر من منزل خالته بخطوات تكاد تكون مترنحة ثم وقف جوار سيارته دون أن يجد في نفسه القدرة على اي حركة زائدة ..
عيناه ذاهلة ولا ترى الرجال الذين وصلوا وأحاطوا بالمنزل ..
عقله توقف تمامًا وعاد من جديد إلى ذلك الصباح الذي سمع فيه شجار أمه مع زوجها وقد أدرك بعقله الصغير أن زوج أمه أصبح لا يرغب به بعد أن رُزق بالتوأم علي وفداء ..
أغلق بِشر قبضته وعقله يعود به إلى نفس القبضة التي قبضت على قماش ثوب أمه بخوف شديد ..
خوف من أن تتخلى عنه وتتركه بمفرده في البلدة مع أعمامه الأشداء كما تصفهم دومًا ..
خوف من الهجران داهم قلبه الفتي رغم أن عمره وقتها كان قد تجاوز الحادية عشر ..
خوف تحول إلى سكون مؤقت حين رأى تمسك أمه الشديد به لينقلب بعد عدة أسابيع إلى هلع بعد أن اختفى زوج أمه وهرب إلى أوروبا بلده الأم مصطحبًا معه علي الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره وقتها .. !
لتتحول أمه مع الوقت إلى أخرى ..
أخرى تعاقبه على إثم لم يفعله ..
أخرى صامتة ، باردة .. لا يرضيها شيء
أخرى لا يفهمها وتعب من كثرة محاولاته لفهمها ..
أخرى قررت وضعه في إطار معين فلما شذ عنه بات منبوذًا من قبلها ..
وأخيرًا .. أخرى يقرأ حسرتها كل يوم على طفلها المفقود كما يقرأ ندمها الشديد لأنها يومًا اختارته دون أن تدرك نتيجة اختيارها .
( خالتي لها حق تندم على احتفاظها بك )
الجملة تتكرر في رأسه دون توقف و تكويه بحروفها ..
لقد فتحت سندس جرحه الذي لا يندمل أبدًا وغرست فيه أظافرها بكل قسوة وجحود .. !
أتعطي حقًا أمه الحق فيما فعلته به ؟!!
أكان يستحق حقًا أن تتخلى عنه ؟!!
ألا يستحق الحب ؟!!
هل في تركه متعة يتلذذن بها و هو لا يدري ؟!!
ابتلع غصة مسننة في حلقه وربت على قلبه حين داهمه ألم الفقد و الهجران والنبذ مرة أخرى ..
استند على سيارته بضعف شديد محاولاً تمالك نفسه لكن إرادته خذلته فانزلق وجلس أرضًا يستند على باب سيارته ثم دمعت عيناه بقهر لا ينتهي أبدًا
ليهمهم في النهاية بشفتين جافتين وهو يضرب مؤخرة رأسه بباب السيارة من الخارج :
" ليتكِ تركتِ كل ما يخصني لأعمامي يا أمي ، ليتك تخليتي عني بشكل آخر "
رنين هاتفه المتكرر جره إلى حاضره فتمالك نفسه بمعجزة ونهض من جلسته المزرية ثم أخرج هاتفه فوجد رقمًا غير مسجل
استقبل المكالمة ليأتيه صوت رجل يسأل بلهجة ممطوطة :
" سلام عليكم .. بِشر باشا ؟!! "
قطب بِشر وأجلى حلقه ثم رد باستغراب :
" أجل .. من معي ؟!! "
فتظهر لهجة الرجل أكثر حين أجابه :
" مع سيادتك المعلِم عرفه السُهُن "
ارتفع حاجبي بِشر ليردد بتعجب :
" سُهُن ؟!! "
ثم استعاد تركيزه ليسأل بنبرة ساخرة لا تغطي على صوته المختنق :
" وماذا تريد يا سُهُن ؟!!! "
وصلته ضحكة الرجل الخافتة ليقول بعدها :
" باختصار يا باشا أنا مدين لصخر باشا بدين كبير وكنت أنتظر الوقت المناسب لرده ، الباشا أنقذ حياتي حين أراد أولاد الحرام التخلص مني في السجن والآن علمت أن الباشا في ورطة وأريد رد الجميل "
انتبهت كل خلية في بِشر لما يقال فيسأل الرجل بتحفز :
" هل تعلم مكان صخر ؟!! "
وصله صوت غريب خمن أنه صوت أرجلية ثم رد عليه السُهُن بتفكه :
" ليس بهذه السرعة يا ابن الأكابر ، ما وصلني أن الباشا قد خُطف هو وفتاة كانت معه ومن اختطفوه يعملون تحت إمرة باشا آخر اسمه عزام "
للحظة تشتت ذهن بِشر واسم عزام الشناوي يضرب رأسه بمطرقة ..
كيف لم يشك فيه من البداية ؟!!
هذا اللعين الذي يضع صخر في رأسه وتسبب في سجنه سابقًا أربعون يومًا على ذمة التحقيق في قضية غسيل أموال ..
ولولا ستر الله وعدم كفاية الأدلة لقضى صخر شبابه بل و بقية عمره خلف القضبان ..
لكنه يعلم أن الحقير عزام قد جعل من الاربعين يومًا جحيمًا خالصًا من أجل صخر .. !
سأل بِشر بعدها بصوت حذر وقد ساوره الشك :
" وكيف علمت أنت وبهذه السرعة ؟!! .. ومن أين أتيت برقمي ؟!! "
فيرد السُهُن بحرارة أثارت حيرة بِشر من الشخصية التي يتكلم معها :
" الباشا تحت عيني منذ خروجه من السجن .. أينعم هم أربعون يومًا ما قضيناهم سويًا لكن أنا أحميه برقبتي ، أما رقم هاتفك فليس هناك أسهل من الوصول إليه "
ليستطرد عرفه في النهاية قائلاً :
" اسمع يا باشا أنا بعون الله لي عين في كل مكان ورجالي سباع لا يرهبون شيء لكن أيضًا لن أرميهم بقلب النار بيدي .. أنتم كبار البلاد في بعضكم و نحن إذا دخلنا بينكم ستدهسوننا بالأقدام ، لذا في أي لحظة سأصل إلى مكان الباشا وأخبرك وأنت تتصرف .. سلام "
أنهى بِشر المكالمة ثم وبسرعة قصوى اتصل برقم أمين الذي تركه له ليهتف حين فتح الخط وهو يركب سيارته :
" عزام الشناوي وراء ما يحدث "
*************
" استر يا رب .. يا ترى أين أنت يا صخر ؟!! "
تنهد خالد ليربت على كتف زوجته التي لم تتوقف عن الدعاء منذ أن أخبرهم بِشر عن اختفاء صخر الغريب ..
أجل هو يعلم أن عمله يحفه المخاطر لكن ليس لدرجة أن يختفي هكذا ..!
ابتسم خالد هازئًا وهو يجيب نفسه بأنهم سبق وحاولوا إدخاله السجن وقضى به شهر أو أكثر ولولا ستر الله ما استطاعوا إخراجه أبدًا ..!
" من تلك الفتاة التي اختفت معه ؟! .. أنت تحدثت مع بِشر من جديد .. أليس كذلك ؟؟! "
زفر خالد بضغط وأومأ لها ثم رد بهدوء يحاول الالتزام به :
" يقول أنها زميلة سندس في الجامعة وكان يوصلها في طريقه بسبب الطقس السيء "
أغمضت لقاء عينيها لتمسك بهاتفها الذي رن برقم والدها فتجيبه بقلق :
" ابي هل أنت بخير ؟!! "
فيأتيها صوت أباها الضاحك بخفة :
" ألقي السلام أولا ً حتى ثم افتحي تحقيقك "
" أنا أطمئن عليك .. ألا يحق لي ؟!! "
ضحك مأمون بخفة ثم رد عليها بسماحة :
" ومن غيركِ يحق له يا حبيبة أباكِ ! .. أخبريني كيف حالكِ وحال زوجك ؟!! .. هل كل شيء على ما يرام ؟!! "
نظرت لقاء إلى زوجها الذي أشار لها حتى لا تخبر أبيها بما يحدث فتصنعت لقاء المرح ثم قالت :
" أنا بخير وخالد ولولو أيضًا بخير .. أخبرني أنت هل تطعمك عمتي جيدًا ؟!! "
وصلها صوت ضحكة أبيها العالية مصاحبًا لصوت عمتها المستنكر لسؤالها فأدركت أنها تجلس جواره وبالفعل أخذت عمتها الهاتف من أبيها وعنفتها بمرح ثم وبختها على قلة زياراتها لها لتسألها بغتة :
" ما هذا الصوت يا ابنتي ؟!! .. هل أنتم في السيارة ؟!! .. إلى أين تذهبون في هذا الطقس وليلاً أيضًا ؟!! "
اخذ مأمون الهاتف من أخته ثم كرر سؤالها بتوتر :
" أين أنتم يا لقاء ؟!! .. لا تكذبي علي يا ابنتي ، أنا اتصلت بكم حين نغزني قلبي عليكم فجأة "
نظرت لقاء لزوجها مرة أخرى فهالها شحوب وجهه المفاجئ لتمسك بيده تسأله بعينيها عما يحدث فيهز رأسه بلا شيء لتغمض عينيها بإرهاق فيما تجيب بسرعة حتى تنهي المكالمة :
" اطمئن يا أبي لا شيء يحدث ، نحن فقط ..... نحن فقط عائدان من منزل خالتي و بقي القليل على وصولنا إلى المنزل "
تنهد مأمون و قلبه منقبض دون سبب واضح ليوصي لقاء بنفسها و زوجها قبل أن ينهي المكالمة فنظرت لقاء إلى خالد لتهمهم بصوت متوتر وهي تنظر إلى عداد السرعة :
" خالد ماذا حدث ؟!! .. ولما تقود بهذه السرعة ؟!! "
ابتلع خالد ريقه بخوف ليجيبها بصوت حاول ألا يظهر فيه رعبه :
" اسمعيني جيدًا يا لقاء .. لا تهلعي وضعي حزام أمانك بسرعة وتماسكي "
طريقته في الحديث قذفت في قلبها الرعب فهتفت بخوف واضح :
" خالد ما الذي يحدث ؟!! "
نظر لها خالد للحظة قبل أن يعيد عينيه إلى الطريق ثم أجابها بصوت مهتز :
" المكابح معطلة .. السيارة بلا مكابح "
شهقت لقاء برعب فهتف خالد بها :
" اهدأي وتماسكي "
ليلقي نظرة خاطفة عليها ثم يهدر برعب حين رأي تسمرها :
" ضعي الحزام "
وضعت لقاء حزام الأمان بأصابع مرتجفة بينما تدفقت دموعها فهي تدرك أن مصير سيارة بلا مكابح على طريق زلق لن يكون أقل من كارثي !
" لقد علموا .. علموا أنني احتفظت بالأوراق اللعينة "
" خالد "
نادته بمناجاة بصوت باكي وهي تضع كفيها على بطنها فهمس خالد بخوف مشابه :
" لا تخافي يا حبيبتي ، لا تخافي "
ليستطرد بخفوت :
" احميها يا الله "
في لحظة خاطفة جاءت سيارة أخرى مسرعة حاول خالد تفادي الاصطدام بها فانحرفت السيارة لتصرخ لقاء برعب حين فقد خالد السيطرة تماما لتنقلب السيارة بهما عدة مرات قبل أن يخيم السكون على كل ما حولهما .
فتحت لقاء عينيها بصعوبة شديدة والألم يعصف بها من كل تجاه ..
أهذه هي النهاية ؟!!
تشعر بسائل دافئ ينزلق بين ساقيها فدمعت عيناها وهي تنظر إلى خالد الذي كانت تختفي ملامحه عن عينيها بين غفوة وانتباه لتستسلم في النهاية إلى مصيرها بينما يصل إلى أذنيها همهماته المتقطعة بينما يزحف ببطء شديد يكاد يكون غير ملحوظ إليها ويمسك بيدها وهو يهمس ببضعة كلمات متفرقة عن مكان ما خبئ فيه أوراقه وهو يضغط بقوة بسيطة تكاد لا تُذكر على كفها ..
ليكن آخر ما وصلها من بعيد صوته المشوش وهو يتلو الشهادتين بصوت متقطع لتتدفق دموعها بقهر وهي تفقد وعيها نهائيًا وذراع بين يده بينما الآخر يرتخي فوق بطنها وكأنها تودعه وتودع طفلتهما الوداع الأخير .
**********************
( بعد عدة ساعات )
تجلس أرضًا بالقرب منه تتلمس بعض الأمان الزائف عل قلبها يهدأ ولو قليلاً ..
أصدرت معدتها صوتًا فأحمر وجهها حرجًا لكنه لم يعلق و طلم تصدر عنه أي حركة فعضت شفتها وهي تنظر إلى الطعام الذي وضعه الرجال أمامها منذ قليل باشتهاء واضح مزق قلب الرابض جوارها ..
زحفت للأمام تجاه الطعام فهمس صخر بحزم :
" عودي إلى مكانكِ "
لتنظر هي إليه باستجداء جعله يغمض عينيه قليلاً ثم تهمس كطفلة صغيرة :
" أنا جائعة جدًا يا صخر "
فتح صخر عينيه دون رد و نطقها لاسمه بتلك الطريقة يحرك بداخله شعور غريب غير مرغوب به فتستجديه رغدة أكثر وهي تهمهم كالمساكين :
" لن أتناول الكثير "
تنهد صخر بثقل ثم أعاد حديثه السابق إليها سائلاً ببلادة :
" هل تضمنين أنهم لم يضعوا شيئًا به ؟!! "
امتقع وجه رغدة لتبرر له بعينين يملئهما الضعف :
" أنا لم أتناول شيء منذ الصباح ، كما أنك أخبرتهم أنني لست أختك فلما سيقومون بإيذائي ؟!! "
بقي صخر على حاله مسندًا رأسه إلى الجدار لتستطرد رغدة بعد لحظات قائلة بسذاجة مستفزة :
" حسنًا لا تأكل أنت حتى تستطيع التصرف إذا حدث لي شيئًا "
اتسعت عينا صخر بصدمة مما يسمع ليهتف بها بصوت خافت لكنه حاد :
" هل تمزحين ؟!! .. كم عمرك بحق الله ؟!! .. هل أنتِ طفلة صغيرة لا تستطيع الصبر على الجوع ؟! "
رمشت بعينيها قليلاً فجذبته حركتها بشكل ما لينفض الهراء الذي يدور بعقله ويستطرد بعصبية زائدة :
" لا أنا ولا أنتِ سنقترب من هذا الطعام وإذا فعلتِ وحدث لكِ شيئًا فأنا لست مسؤولاً عن نهمك و طفوليتك ، أنا لم أخلفك وأنساكِ "
دمعت رغدة من لهجته العنيفة لتهتف بنفس نبرته :
" لكنك أنت السبب في وجودي هنا "
قست عينا صخر ليتمتم ببرود :
" والله أنا لم أضربكِ على يدكِ حتى تركبين سيارتي ، لقد ركبتي معي بمحض إرادتك "
ليكمل أمام عينيها المستفزة لأعصابه :
" ووعد مني المرة القادمة إذا رأيت أحدهم يتعرض لكِ على الطريق لن أنقذك من براثنه ولتحتملي أنتِ نتيجة ضعف شخصيتك بمفردك "
ازدادت كثافة الدموع في عينيها أمام عينيه لترتبك نظرات صخر خاصة ً حين تراجعت للوراء فيدرك أنها تراجعت عن رغبتها في تناول الطعام فيشتم نفسه سرًا على اسلوبه معها وهي محقة في قولها أنه السبب في كل ما تمر به الآن ..
تبًا لقد كاد الحقير ورجاله يتهجمون عليها منذ وقت بسيط وهو وقف عاجز كالنساء لا يقدر على شيء .. !
نظر لها بطرف عينه فوجدها تمسح دموعها بحركات خرقاء جلبت الابتسامة الدافئة رغمًا عنه لوجهه ليشبهها عقله في لحظة خاطفة بالهريرة ..
هريرة عسلية صغيرة تكاد لا تظهر جواره تخرمشه بأظافرها الصغيرة وفي نفس الوقت تحتمي خلفه .. !
هريرة خرقاء تُسقط نفسها في كوارث لا تنتهي و ترفض الاعتراف بعيوبها ..
وجد صخر نفسه يقترب منها بجلسته قليلاً سائلاً بصوت هادئ وكأنه يراضيها :
" أنتِ كم عمرك يا رغدة ؟!! "
نظرت له شزرًا فاعتدل في جلسته ليبرر سؤاله :
" حقًا ينتابني الفضول فأنتِ تبدين صغيرة للغاية ، لولا صداقتك أنتِ وسندس لظننتك في الصف الأول الثانوي على أقصى تقدير "
قطبت رغدة باستياء لتهمهم بصوت ضائق :
" ليس لهذه الدرجة .. ثم ماذا أفعل إذا كان الله خلقني هكذا .. هل أعترض مثلاً ؟!! "
فلتت ضحكة خافتة من صخر و هو يركز في نبرة صوتها الرفيعة للغاية مثل الأطفال بالفعل فنظرت له رغدة باستياء واضح لتتمتم بعد لحظات :
" تضحك في هذه الظروف .. أنت إنسان غريب "
فيشاكسها صخر بنفس الطريقة محاولاً التخفيف عنها :
" ليس أغرب ممن تشتهي الطعام الذي قدمه لها خاطفيها "
رمقته رغدة بتوتر لتلتقط نظرته الحانية إليها التي لا تناسب كدمات وجهه فأهدته ابتسامة مترددة دون أن تدري انها أرسلت رجفة خافتة داخل قلبه فتنحنح صخر مستنكرًا ما يشعر به منبهًا نفسه أنهما يجلسان ويتبادلان الحديث و الصحبة داخل عش الدبابير !
لكن رغمًا عنه مال برأسه قليلاً محاولا رؤية ما رأته أمه فيها والذي جعلها مؤهلة له من وجهة نظرها كعروس المستقبل ..!
ابتسم صخر بسخرية وهو يرى بأم عينه أن الفتاة لا تصلح له على الإطلاق ... بل تكاد تكون أغبى اختيار
فبعيدًا عن كونها متيمة بابن عمها كما سمع سابقًا إلا أنها لا تصلح له بكل حال من الأحوال ..
فهي ضعيفة مترددة هشة و هو يبحث عن من تحمل هم عائلته معه
صغيرة العقل قبل البنيان بل يكاد يجزم أن نموها العقلي قد توقف عند العاشرة بتلك التصرفات المضحكة التي تخرج منها بعفوية و سذاجة كارثية !
أما من يبحث عنها كزوجة محتملة فيجب أن تكون عكس كل ذلك تمامًا
يريدها متزنة عاقلة ..
تحافظ على بيته في غيابه و تراعي أمه ..
ذكية وقوية الشكيمة تساعده وتسانده في كل خطوة من حياته ..
أما تلك الطفلة التي غفت جواره الآن فهي بالكاد تتحمل مسؤولية عدم ضياع هاتفها المحمول !
ضحك بخفة حين تذكر وجهها المذعور في أول مرة رآها فيها حين سكبت عليه كأس العصير بكل غباء ..
لتتمم فعلتها بعد عدة أيام بضربة كرة قاضية تركت أثرها على مؤخرة رأسه ..
نظر لها صخر بطرف عينه هامسا بصوت خافت :
" من أين خرجتِ لي أنتِ ؟!! "
ليتنهد بعدها و يعود لجلسته السابقة تاركاً مسافة بينهما ثم ينتبه بعد عدة دقائق أن النعاس فرض سلطته عليها تماما فتركها تهنئ بغفوة بسيطة وأغمض هو الآخر عينيه مانحًا نفسه استراحة محارب لينتفضا سويًا على صوت طلقات نارية فلم يدري صخر بنفسه إلا وهو يجذبها بسرعة البرق ويخبئها بين ذراعيه .

نهاية الفصل السابع
قراءة سعيدة بانتظار ارائكم ❤️


Hager Haleem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس