عرض مشاركة واحدة
قديم 14-06-21, 08:48 PM   #40

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي ما بعد البداية - الفصل التاسع عشر

ما بعد البداية

الفصل التاسع عشر (خطة الاصلاح)

عادت سلمى بعد مقابلتها مع علا ذاك اليوم وكل ما يشغل بالها هو ريم وما علمته عنها من علا .. لم يخطر ببالها أبدا ان تكون هذه الفتاة المراهقة التى ارتبط مصيرهما سويا بزواجها من ابيها قد وصلت الى هذه الدرجة من الانحراف .. كل ما تخشاه الآن ان يكون الأمر أكبر مما أخبرتها به علا .. خافت ان تكون قد وقعت فريسة لشاب أو رجل عن طريق الانترنت وما تسمع عن بلواه كل يوم ..

فكرت ان تعرضها على طبيب أو طبيبة نفسية .. ولكنها تراجعت عن الفكرة .. فهى لا تريد أن تبدا علاقتها معها تلك البداية التى تفقد فيها ثقتها بها .. فريم بالتأكيد لن تتقبل الفكرة بسهولة .. وربما ابيها ايضا .. خصوصا انه ليس هناك شيء واضح أو مشكلة ما تدعو لتقبل الفكرة من الاساس .. كما ان سلمى قد فكرت انه ليس من الصواب ان تفتح مع ريم الموضوع بطريقة مباشرة .. فقد تستغل البنت الموقف بطريقة خاطئة لتثير المشاكل والخلافات بين سلمى ونادر على اعتبار أن سلمى وابنتها يفترون عليها .. فتزداد الفجوة بينهما .. ويعلم نادر فى النهاية ويصدم فى ابنته واخلاقها ..

جلست عدة أيام تراقب تصرفات ريم عن بعد .. تحاول ان تجد لها مدخلا للحديث معها .. ولكن ريم كانت حريصة كل الحرص على ان لا ينكشف أمر ما تفعله فى الخلوات لسلمى أو لأبيها ..
فى النهاية قررت سلمى ان تتبع معها سياسة النفس الطويل .. قررت ان تتقرب منها بصورة طبيعية وان تتناسى هذا الموضوع الى ان يجد فيه جديد ..

كانت اجازة نصف العام قد بدأت .. فإقترحت سلمى قبل اسبوع من الاجازة ان يصحبها نادر ومعهما ريم فى رحلة الى اسوان .. فسلمى قد ذهبت الى هناك ذات مرة وهى فى عمر ريم مع والديها .. تتذكر كم غيرت تلك الرحلة فى شخصيتها وتفكيرها .. ومرة أخرى ذهبت اليها فى رحلة مع زملاء الجامعة ..

ارادات سلمى ان تقوى العلاقة بينها وبين ريم .. وفى نفس الوقت تعيد تقويمها بطريقة غير مباشرة .. علمت ان النصائح لن تفيد فى حالتها تلك . فليس لديها رصيد عندها لتستمع إليها .. بل وتقتنع بحديثها ونصائحها .. فهى تدرك ان ريم بالفطرة لا تحبها . ولن تحبها بسهولة .. فهى فى النهاية بالنسبة اليها زوجة أب تقاسمها حب واهتمام ابيها .. ومن الطبيعى ان لا تحيها ولا تستسيغها فى حياتها .. ولكنها اذا نجحت فى ان تبنى بينهما جسورا للمحبة .. فحين ذلك سوف يكون من السهل ان تبدأ فى اعطاء النصائح .. وبالتأكيد اذا احبتها ريم فسوف تستمع لها وتنفذ نصائحها ..

كانت خطة سلمى فى ذلك هو ان تغير اهتمامات ريم .. تجعلها تبصر بقية الغابة .. تجعلها تعلم ان هناك الكثير والكثير فى الحياة اهم مما تفعله ريم فى الخفاء .. فهى لم تكن لتقع فيما وقعت فيه الا لأنها قد اخطأت فى الطريق من البداية .. وقد انجرفت الى ما انجرفت اليه حين لم تجد من يأخذ بيديها نحو الطريق الصحيح .. والآن جاء دور سلمى فى ان تأخذ بيديها لتعود بها الى نقطة الصفر كأنها ولدت من جديد .. لتبدأ معها رحلة التقويم والتربية السليمة ..

تمنت سلمى أن تكون بدايتها مع نادر وريم بداية مختلفة عن حياتها السابقة .. فهى تعلم انها قد اخطأت فى تربية ابناءها .. وان كانوا لم يصلوا الى تلك الدرجة من الانحراف .. فبعد أن هدأ قلبها وهدأ لهيب الشوق لحب قديم واستقرت عاطفتها تجاه نادر وأصبح حبها لخالد ماضى وذكرى .. أصبحت الآن تفكر فى استقرار اسرتها الجديدة مع ابناءها واحفادها .. تمنت ان تنجح هذه المرة وتعيش السعادة التى فقدتها فى زواجها الأول .. فسلمى قد وصلت للعمر الذى يهدأ بداخلها الكثير من أشياء كانت مشتعلة ومستعرة من قبل .. أشياء نعيشها فى شبابنا .. وصلت الى العمر الذى يقف فيه الانسان مع نفسه .. يحاسبها .. يسألها .. ماذا قدم للحياة .. ماذا وهب لمن حوله .. هل هو راض عن نفسه .. هل الله سبحانه وتعالى راض عنه .. أسئلة كثيرة تدور فى بداية هذه المرحلة العمرية لمعظم البشر .. اسئلة تفتح بابا واتجاها يسير فيه الانسان كى يعوض ما فاته .. وهو يشعر برغبة شديدة فى النجاة من مهلكات عمر الشباب .. واعطاء كل ذى حق حقه .. ليعيش ما تبقى فى عمره فى سلام وطمأنينة ..

اعتذر نادر عن فكرة الاجازة والسفر الى أسوان وذلك بسبب انشغاله فى العمل .. خصوصا انه قد تراكمت عليه القضايا بسبب زواجهما الحديث واجازة شهر العسل .. وهذا ما كانت تتمناه سلمى .. كانت تريد ان تسافر هى وريم فقط .. فتلك بالنسبة لها فرصة ذهبية .. سوف تعود منها هى وريم وقد زرعوا بذور الصداقة بينهم .. كانت متأكدة من أن رحلة كتلك سوف تغير مفاهيم ريم كثيرا .. وسوف تعرف من خلالها ان هناك أشياء كثيرة لا تعرفها ولا تعلم عنها شيئا .. ولكنها أشياء جديرة ان نعرفها وان تشغلنا وتشغل وقت فراغنا الذى يدفعنا الى ارتكاب وحب ما علمته عن ريم .. وهى فى النهاية جميعها أشياء مهلكة .. علاوة على انها من اشد المحرمات التى تغضب الخالق منا وتورث الفقر وتزيد من ضعف وهوان النفس وهلاك البدن ..

عادت ريم ذات مساء من الدرس الخصوصى الذى كانت تداوم عليه مع ثلاثة من زملاء المدرسة ببيت احدهن .. وكانت سلمى تجلس فى احدى اركان الفيلا تشاهد مسلسل اجتماعى .. عندما لم تكلف ريم نفسها عناء تحيتها عندما دلفت الى الفيلا ..
بالرغم من ضيقها بتصرفات وسلوك ريم .. بادرت سلمى : ريم حبيبتى .. المفروض لما ندخل من برة نقول مساء الخير ..
ردت ريم باقتضاب : مساء الخير ..
ابتسمت سلمى وهى تقول : اما انا عندى ليكى مفاجأة حلوة اوى ..
نظرت لها ريم ولم تعقب .. فبادرت سلمى : أنا اتفقت مع بابا اننا حنسافر فى اجازة نص السنة .. هو كان عايز يسافر معانا .. بس للأسف مش حيقدر لانه عنده شغل كتير الفترة دى .. فأنا فكرت انى اسافر أنا وانتى .. ايه رأيك حبيبتى ..؟!
نظرت اليها ريم ولاتعرف بماذا ترد عليها .. فلما لاحظت سلمى رد فعلها تكلمت وقالت بحماس : أنا عارفة انك مزورتيش الأقصر واسوان قبل كده .. علشان كده اخترت اننا نروح هناك نقضى اسبوع من الاجازة نقضيه هناك .. على فكرة انتى حتنبسطى اوى هناك .. أنا روحت هناك قبل كده .. بصراحة بلد جميلة وهادية وجوها رائع فى الشتا .. والمناظر الطبيعية للنيل هناك وكمان الآثار حتعجبك أوى ..
ردت ريم باقتضاب : بس أنا اتفقت مع صحابى فى المدرسة اننا حنقضى الاجازة دى مع بعض ..
سلمى وهى تبتسم : وماله حبيبتى .. ماهى الاجازة السنة دى حوالى تلات اسابيع .. خلينا نقسمهم .. اسبوعين مع اصحابك .. واسبوع نسافر فيه انا وانتى اسوان .. على الأقل ندى بعضنا فرصة نقرب من بعض شوية ونفهم بعض اكتر .. حبيبتى انتى مش ملاحظة انك مش بتقعدى معايا خالص ..
ردت ريم بخجل من اسلوب سلمى التى من الواضح انها تحاول التودد لها بأى طريقة : هى بس ظروف الدراسة مش اكتر ..
سلمى وهى تمسك بكفها بين راحتيها بحنان : وآدى ياستى الاجازة جاية وفرصة اننا نكون مع بعض شوية .. أنا بصراحة حابة اتعرف عليكى اكتر .. ولا انتى مش حابة اننا نكون صحاب .. ؟!
ردت ريم بخجل : هه .. لا طبعا حابة ..
سلمى : يبقى خلاص .. ايه رأيك نخلى الاسبوع الأول من الاجازة نسافر فيه وباقى الاجازة ابقى اقضيها براحتك مع اصحابك ..
همت ريم بالقيام من جوار سلمى وهى تقول : اللى تشوفيه ياطنط ..

تحركت قليلا لاتجاه حجرتها ثم وقفت مرة اخرى واستدارت وهى تقول لسلمى : طيب ايه رايك لو جمال هو كمان ييجى معانا الرحلة دى ..؟ .. ثم استدركت نفسها عندما لاحظت نظرة التعجب فى عيون سلمى فأكملت بتلعثم : اقصد كلنا جمال وعلا والولاد ..

ابتسمت سلمى وهى تقترب منها وتمسح على خدها : حبيبتى .. جمال وعلا عندهم شغلهم وصعب ياخدوا اجازات اليومين دول . أنا سألتهم .. وكان نفسهم ييجوا .. بس للاسف مش حيقدروا .. عموما الايام جاية كتير .. ده انا بفكر اننا نعمل رحلات لكل محافظات مصر .. منها نكون كلنا مع بعض.. نقضى وقت لذيذ .. ومنها نتعرف على بلدنا ..

نظرت اليها ريم وهى تتعجب من فكرة السفر التى تتحدث عنها .. انها تشعر ان الفكرة تبدو سخيفة وليس لديها اى رغبة فى ان تقوم بتلك الرحلة .. خصوصا مع آخر انسانة تفكر فى الاقتراب منها ومصاحبتها .. ولكنها كانت مجبرة و تشعر ان هذا الاسبوع سوف يكون بمثابة الجبل على صدرها .. وهذا ما تشعر به منذ تلك اللحظة ..
ولكن فى الحقيقة .. كان هناك جزء من عقلها يحترم اسلوب سلمى ويرغب فى ان تتعرف عليها .. بل ويشعر ان فكرة السفر والتعرف على محافظات بلدنا هى فكرة ليست بالسيئة ..

دخلت ريم الى حجرتها فألقت ما كان بيديها على المكتب بغضب .. وهى تفكر .. كيف تتخلص من تلك الورطة التى تحاول سلمى ان تضعها فيها .. هى لا تتحمل سلمى دقائق معدودة .. فكيف ستتحملها سبع أيام كاملة .. بل و بمفردها ..

ألقت بجسدها فوق السرير واخذت تنظر الى السقف تفكر فى جمال .. ثم وجدت نفسها تلتقط الموبايل الملقى بجوارها وتطلب رقم خالتها نجوى ..

نظرت نجوى الى شاشة تليفونها الذى رن للتو .. وفتحت الخط وهى تقول : ريم حبيبتى .. فينك مش بتكلمينى بقالك مده ..
ريم : معلهش ياطنط .. انتى عارفة الدراسة والدروس اللى مبتخلصش ..
نجوى : علي الكلام ده يا بنت .. انتى من امتى بتهتمى بالحاجات دى .. وبعدين دراسة ودروس ايه اللى بتتكلمى عنهم .. ايه اللى حتخديه منهم فى النهاية .. يا شيخة كبرى دماغك شوية وعيشى حياتك ..
ارادت ريم تغيير الموضوع .. فقالت : انتى عاملة ايه يا طنط ..؟
نجوى : أنا تمام .. طمنينى انتى .. اخبارك ايه مع الحيزبون مرات ابوكى ..
ريم بزهق : من فضلك يا طنط بلاش السيرة دى .. أنا لسه واخدة منها محاضرة فى التاريخ والجغرافيا ..
ضحكت نجوى بشدة لدرجة آلمت اذن ريم فأبعدت التليفون عن اذنها قليلا .. فقالت نجوى : حلوة اوى الحكاية دى .. بس ازاى يعنى ..؟
ريم بسخرية : تصدقى عايزانى اروح معاها اسوان لمدة اسبوع .. بالذمة ده كلام .. أنا مش عارفة الست دى عايزة منى ايه ..
نجوى بحقد : عايزة تسيطر عليكى زى ما سيطرت على ابوكى ..
ريم : لا .. دى تبقى بتحلم .. طيب هى قدرت تسيطر على بابا علشان هو زى ما بيقول بيحبها .. بس أنا بقى بكرهها .. وعلشان كده عمرى ما حديها الفرصة انها تقرب منى .. مش تسيطر عليا ..
نجوى وقد زادت نبرة الحقد فى صوتها : أيوة يا ريم يا حبيبتى .. اوعى تصفى للست دى .. متنسيش انها اخدت مكان مامى الله يرحمها .. سكتت لحظة ثم اكملت : قوليلى .. اخبارك ايه مع جيمى .. مفيش جديد ..؟
ريم : وحشنى اوى ..
نجوى بلؤم : ليه مش بتتقابلوا ..
ريم بتنهيدة : تقريبا مش بشوفه .. قوليلى اعمل ايه ياطنط .. بجد واحشنى اوى ..
نجوى : كلميه فى التليفون ..
ريم : أيوة .. بس حقوله ايه ..
نجوى : أى كلام .. اخترعى اى موضوع أو أى حاجة اسأليه فيها .. بصى .. قوليله ان ولاده وحشوكى اوى وانك عايزة تشوفيهم ..
ريم : هى فكرة .. بس أنا عايزاه يحس انه هو اللى واحشنى ..
نجوى : واحدة واحدة يا بنت .. متبقيش ساذجة ومتسرعة .. ماهو الولاد هما اللى حيوصلوكى له ..
ريم : تفتكرى ..!!
نجوى : هو أنا قلت لك حاجة قبل كده ومطلعتش مظبوطة ..؟
ريم : بصراحة لا ..
نجوى : طيب ياللا بقى كلميه وابقى قوليلى النتيجة ..

انهت نجوى مكالمة ريم ووضعت طرف الموبايل على شفتيها وهى تيتسم ابتسامتها الخبيثة .. هدفها من تلك اللعبة ان تثير المشاكل فى بيت نادر .. ان تورط ريم فى حب جمال الذى تعلم جيدا انه من المستحيل ان يفكر فى تلك الطفلة البلهاء .. خصوصا بعد ان توطدت العلاقة بينها وبينه .. فهى المرأة المكتملة الانوثة .. وهو الذى كما علمت من حديثهما .. المحروم من النساء فى تلك الفترة .. لكن تورط ريم فى حب جمال سوف يثير غضب نادر من جمال وسلمى .. وربما يفيق لنفسه وينقذ ابنته بالابتعاد عن سلمى وعائلتها .. كانت فكرتها ساذجة .. ولكنها كانت تقنع نفسها بأن بقليل من الافتراءات التى سوف تغذى بها عقل ريم ربما تصل الى غرضها ..

-------------------------------------

مرت الأيام بين أمجد ونهلة رتيبة ومملة .. هو يشعر انه لم يتزوج .. عاد من جديد يتعبد فى محراب حبه القديم لنيفين .. عادت المكالمات بينهما من جديد .. وما عاد يلوم نهلة على تصرفاتها معه واهمالها له بالتفانى فى العمل الذى كانت تدمنه بشدة ..

كانت المكالمات بين امجد ونيفين تبدأ بشكوى امجد من نهلة .. ثم تأخذ منعطفا آخر للعشق المستحيل بينه وبين نيفين .. ليشعر كلاهما بأنهما انما يعذب كل منهما الآخر .. فتشعر نيفين بتأنيب الضمير .. ويشعر هو بالحنين الى الاسرة والاطفال الذين يمر الوقت عليه ولا ينجح فى ان يجعل نهلة تذهب معه لطبيب النساء ويعلم لماذا تأخر حملها .. وهل هناك امل .. أم يصرف نظره عن تلك الأمنية .. كانت المكالمات بين امجد ونيفين تنتهى بنصيحتها له بأن يحاول الاقتراب من نهلة .. يتكلم معها .. يحاول ان يذيب جبل الثليج بينهما وينجح فى حياته معها .. فهو يستحق هذا ... يستحق ان تكون له اسرة واولاد يسعد بهم .. كما سعدت هى باولادها .. بالرغم من انها ظلت تحبه هو .. ولم تستطع ان تحب زوجها فى يوم من الأيام .. ولكنها كانت تعامله بالمعروف ولم يعلم يوما من بقلبها .. فلم يكن بيدها .. لطالما نصحت امجد فى كل مرة ان يحاول اصلاح ما بينه وبين زوجته حتى وان كان الثمن هو تلك الدقائق التى تسرقها معه فى غفلة من الزمن وممن حولهم .. يتحدثون فيها وكأن العشق قد بدأ بينهم للتو ..

فى آخر مكالمة بين بين أمجد ونيفين .. ألحت عليه ان يتكلم مع زوجته .. أن يعرف ما سبب اهتمامها الزائد بالعمل والصفقات للدرجة التى افسدت عليهما حياتهم التى بالكاد قد بدأت .. وقد وعدها امجد ان يفعل ..

فى ذلك المساء .. عادت نهلة من العمل بعد العاشرة ليلا بقليل .. فى حين ان امجد قد عاد قبلها بحوالى خمس ساعات ..

قبل سبع ساعات بالشركة ......

دخل أمجد الى مكتب نهلة بالشركة .. حين كانت منهمكة بفحص العديد من الحسابات والفواتير والمناقصات .. نظرت اليه وهو يفتح عليها الباب ويدخل بابتسامة .. كانت تعلم انه هو من قبل ان تنظر اليه .. فما من احد من جميع العاملين بالشركة يجرؤ على ان يدخل عليها دون ان تسمح له بالدخول الا هو ..
قطع ابتسامته اليها بعد ان نظرت من جديد الى الاوارق امامها وهو يقول : ايه يا حبيبتى .. ادامك كتير .. أن فاضل لى شوية واخلص .. عايزين نمشى بدرى النهاردة زى ما اتففقنا .. انتى وحشتينى اوى .. ومحتاج اتكلم معاكى ..
ردت دون ان تنظر اليه : ححاول اخلص بدرى يا أمجد .. بس مش قبل تلات اربع ساعات .. لو تحب .. اسبقنى انت على البيت وأنا ححصلك ..
أمجد وهو يقترب من المكتب وينظر فى الأوراق امامها : لو تحبى آخد منك شوية شغل اخلصه ونروح بدرى ..
نظرت اليه بتفحص وهى تقول : لا .. مش حينفع .. انت حتاخد وقت لغاية ما تفهم الموضوع .. انا خلاص قطعت فيه شوط طويل ..

بالرغم من ان ردها اغضبه .. الا انه حاول عدم اظهار غضبه حتى لا تقوم بينهما مشكلة تلغى الحديث المنتظر بينهما مثل كل مرة .. فرد بهدوء وهو يتجه مرة اخرى الى الباب : أوكى .. براحتك .. بس يا ريت تخلصى بدرى مش زى كل مرة ..
ردت بنرفزة : خلاص يا أمجد .. قلت لك حاضر .. على سبعة أو تمانية بالكتير حكون فى البيت ..
لم يرد عليها وفتح باب الغرفة فى هدوء وخرج الى مكتبه ..

قضى ساعتين .. يحاول ان ينهى بعض الاشياء البسيطة فى العمل والتى اصبح يتناولها فى ملل وعدم رغبة .. فقد كان شغله الشاغل منذ ان تزوج هو انجاب الأولاد .. ثم رويدا رويدا عاد الى نيفين التى حبه لها لم ينطفئ فى قلبه بعد .. شيئا فشيئا ترك كل المهام لنهلة التى يشعر انها قد وجدت ضالتها فى السيطرة على جميع مفاصل الشركة دون كلل او ملل ..

عاد الى البيت .. حاول ان ينتظرها ولكنه عندما وصلت الساعة الى الثامة مساءا لم يستطع الصمود بدون غداء ودلف الى المطبخ وقام بتسخين الطعام وانهى غدائه .. ثم جلس يشاهد التليفزيون فى ملل .. فغفا وهو جالس يشاهد احدى البرامج ..

لم يشعر حينئذ بالوقت الا عندما فتحت نهلة باب الشقة فى حوالى العاشرة مساءا .. كانت منهكة القوى .. وتحمل هم الحديث الذى وعدته ان يكون بينهما ..

اقتربت منه وهى تلقى بجسدها فوق المقعد المجاور له وهى تقول : مساء الخير يا امجد .. آسفة اتأخرت عليك .. الشغل كان كتير .. وكان فيه مناقصة لازم اخلص مراجعتها لانها حتتسلم بكرة الصبح .. وده آخر ميعاد لها ..
أمجد بسخرية : كان الله فى العون .. ياترى اتغديتى .. ولا نسيتى كالعادة ..
نهلة وهى تفرك وجهها بيديها تحاول اثارة النشاط فى نفسها : لا بصراحة .. كالعادة .. بس مش مهم .. انت كنت عايز تتكلم فى ايه ..
أمجد : طيب مش تقومى الأول تغيرى هدومك وتتغدى وبعدين نتكلم ..
نهلة : أنا لو دخلت الأوضة حنام من التعب .. فأحسن لنا نتكلم وبعدين اعمل اى حاجة تانية ..
امجد : بس الموضوع اللى عايز اكلمك فيه محتاج انك تكونى فايقة ومش تعبانة .. ممكن نأجل الكلام لو مش قادرة المرة دى ..

شعرت نهلة بسخافة موقفها .. فتلك المرة التى لا تعرف لها عدد التى يطلب فيها منها ان يتكلم معها ولا يحدث ..فقالت : لا أبدا .. أنا تمام وحكون مركزة معاك .. متشغلش بالك انت .. ايه الموضوع بقى يا سيدى .. ثم قالت وهى تتثاءب كلى آذان صاغية لك ..

بالرغم من عدم احساسه بالرغبة فى ان يتكلم معها وهو يراها منهارة من التعب هكذا .. الا انه وجد نفسه يقول لها : بصراحة يا نهلة مفيش موضوع معين .. لكن انا حاسس ان الشغل واخدك تماما بعيد عنى لدرجة اننا تقريبا نسينا اننا متجوزين .. حاسس انك نسيتى اد ايه احنا نفسنا فى طفل يملا علينا البيت .. أنا بكبر يا نهلة .. وانتى كمان .. والمفروض اننا نسعى ونشوف ليه ما حصلش حمل لغاية دلوقتى .. بس لما راجعت نفسى لقيت انه علشان يحصل حمل لازم فى البداية تكون لقاءاتنا الزوجية اكتر من كده .. وانتى يا حبيبتى الشغل واخدك وواخد كل اهتماماتك ووقتك .. تقدرى تقوليلى امتى حنحاول نجيب طفل ..؟ احنا فى بداية الجواز كانت الأمور بينا على مايرام .. ايه اللى حصل .. ايه اللى غيرك .. وخلاكى تفقدى الرغبة والحماس للولاد بالشكل ده ..؟

ساد الصمت وهى تنظر اليه وقد انتبهت كل حواسها إليه والى كلماته التى كان يقولها بحماس تتعجب له .. لم تكن فى تلك اللحظات تشعر بالتعب أو الجوع .. كما حدث منذ قليل .. قبل ان يبدأ حديثه معها ..

لما طال سكوتها وهى تنظر اليه وعلمات الاندهاش تملأ عينيها .. قال لها : مالك يا نجوى ..؟ سألتك ومردتيش عليا.. هو أنا بكلم نفسى .. ولا بتكلم يابانى وانتى مش فاهمانى ..؟!
ردت أخيرا تقول : انت صحيح مش فاهم ليه أنا فقدت رغبتى فى انى اخلف منك .. أو بمعنى أصح .. ليه أنا فقدت الرغبة انى أكون معاك زى اول ايام جوازنا .. ؟
أمجد بنظرة راجية : أيوة يا نهلة .. مش فاهم .. ولا لاقى سبب للتغيير اللى حصل معاكى ناحيتى ..

ضحكت نهلة بسخرية وهى تقول : مش لما تبقى الأول لك رغبة في ان يبقى لنا لقاءات زوجية .. دلوقتى بس فهمت ان اللقاءات الزوجية اللى بتسعى لها علشان احمل منك وبس .. يعنى مش مشاعر من قلبك ناحيتى .. على فكرة يا أمجد أنت ممكن فعلا تكون قادر انك تخلف .. بس لو كنت مع شخص تانى .. شخص محدد بعينه .. انت عايزه بشدة .. وأكيد الشخص ده مش أنا .. وعلشان أنا عارفة ان جوازنا اصبح شيء حتمى وأبدى .. وعلشان مش أنا الشخص اللى انت عايزه .. فمن الآخر كده علشان متعذبش أكتر معاك قررت انى اهتم بالشغل .. يعنى تقدر تقول كده انه نوع من الهروب مش اكتر ..
أمجد باضطراب وكأن نهلة قد اطلعت عمن بقلبه : تقصدى ايه باللى بتقوليه ده ..
نهلة بضحكة ساخرة : انت عارف يا أمجد كام مرة من بداية جوازنا .. أو كمان من قبل الجواز تنادينى بنفين بدل نهلة ..

نظر لها جاحظ العينين لا يعرف بماذا يجيبها .. فأردفت هى وقد بدأت الدموع تلمع فى مقلتيها : مرات كتيرة .. كتير أوى يا أمجد .. قبل الجواز وبعده .. وفى الوقت اللى المفروض اكون فيه فى امتع لحظاتى معاك .. لحظات بتكون انت فيها فى قمة نشوتك .. بكون انا فيها فى قمة تعاستى .. وأنا فى حضنك وانت بتردد اسمها هى .. مش اسمى أنا ..

بدأت الدموع تنساب من عينيها وهى تقول .. عرفت ليه يا أمجد أنا بقيت بهرب من لقاءتنا .. عرفت .. ثم احتدت نبررة صوتها وهى تقول : علشان أنا أهون علي ألف مرة انك تنادينى باسمها واحنا بنتعامل فى أى موقف غير انى اكون فى حضنك .. ثم هدأت نبرتها وهى تقول بيأس والدموع منهمرة من مقلتيها : ده انت يا راجل مبتخدش بالك وبتنادينى باسمها ادام الناس فى الشغل .. لدرجة ان واحدة من الشغل قالت لى هو انتى اسمك نهلة ولا نيفين ..؟!!.. بحس ساعتها ان دش بارد ادلق عليا .. وبحس انى عايزة اهرب من عيون الناس اللى بتبصلى وتسخر منى ..

ساد الصمت للحظات لتعود وتقول : عرفت ليه قررت انى اشغل نفسى بالشركة وأموت نفسى فى الشغل .. علشان اوصل كل يوم للمرحلة دى .. للتعب ده .. وأبقى مش قادرة حتى آكل وادخل اوضتى أنام من غير ما أفكر .. وياريت بنجح فى كده .. برضه بلاقى نفسى بفكر فى اللى انت بتفكر فيه .. الولاد .. فى آخر امل انت قضيت عليه .. وجاى دلوقتى تكلمنى وتلومنى انى اتغيرت .. أيوة اتغيرت .. اتغيرت يا أمجد لأنى يأست .. يأست من كل حاجة .. يأست حتى من فكرة اننا يكون عندنا ولاد .. ويأست لأن فى ملتنا مفيش طلاق ..

كانت كلماتها صادمة له لم يتوقعها .. كانت كالسياط المؤلمة لمشاعره وهو يشعر بمدى جرمه فى حقها دون أن يدرى .. هل لتلك الدرجة افسد حبه القديم عليه وعلى نهلة حاضرهم ومستقبلهم ..

هدأت ثورة نهلة قليلا فمسحت دموعها بكلتا يديها وهى تقول : أنا كنت أسعد واحدة فى الدنيا يوم ما طلبت منى الجواز .. ساعتها حسيت ان ربنا بيعوضنى كل الألم والحرمان اللى عيشته من يوم وفاة خطيبى .. تقدست روحه .. حسيت ان الدنيا بتطبطب على وبتبتسم لى من جديد خصوصا بعد وفاة امى وعيشتى لوحدى .. حسيت ان دى آخر فرصة حقدر فيها اعمل أسرة ويبقى لى ولاد زى باقى الناس .. حسيت ان الخوف من انى اموت لوحدى ومحدش يحس بي خلاص انتهى .. والكابوس ده مش حعيشه مرة تانية وأنا بنام جنبك كل يوم .. بس للأسف صحيتنى على كابوس افظع منه بكتير لما عرفت واتأكدت ان حبك القديم لسه عايش جواك ومنتهاش .. وانى مليش وجود فى حياتك .. علشان كده كنت بهرب فى الشغل من العذاب والجرح اللى سببتهولى .. مكنش فيه غيره يخرجنى من العذاب اللى بعيشه معاك فى كل مرة تنادينى بإسمها .. خصوصا وأنا فى احضانك .. عايز تعرف اد ايه انا كنت ومازلت بتعذب معاك يا أمجد .. اعكس الوضع .. تخيل انى وانا فى حضنك بنده عليك باسم واحد تانى .. واحد انت عارف انى بحبه وان كان فيه بينا فى يوم من الأيام قصة حب جميلة .. يا ترى شعورك ولا تصرفك حيكون ايه ساعتها ..؟!! سكتت قليلا تلتقط انفاسها ثم قالت بأسى : أنا للأسف يا أمجد بالنسبة لك مجرد رحم وبطن يشيلوا عيالك اللى بتتمناهم واللى كانوا السبب الوحيد فى انك تقرر انك تتجوز .. بس فى نفس الوقت انا انسانة ليها مشاعر من غيرها متقدرش تحقق لك امنياتك ولا امنياتها هى نفسها ..

كان امجد يستمع الى كل كلمة تقولها نهلة ويدرك تمام الادراك كم هى محقة وكم كان هو أنانيا ومغيبا عن الواقع الذى كان يحاول تغييره ..

ساد الصمت بينهما طويلا .. فقامت نهلة من مكانها لتتجه الى غرفتها حين أمسك أمجد بيدها لتقف فجأة .. فمال بشفتيه على كفها القابع بين يديه وطبع قبلة طويلة على ظهر يدها .. لم يجد ما يعبر به لها آنذاك عن أسفه سوى تلك القبلة التى اودع فيها جل اعتذاره وندمه وهو يقول : أنا آسف يا نهلة .. أرجوكى سامحينى على كل الألم اللى اتسببت لك فيه ..

تسمرت نهلة فى مكانها لا تعلم كيف تتصرف .. فقد كان جرحها أكبر من ان تتناساه فى تلك اللحظة .. فقالت بوهن : أرجوك يا أمجد .. أنا حاسة انى محتاجة أكون لوحدى شوية .. ثم تحركت فى اتجاه حجرتها .. وظل أمجد فى مكانه شاردا فيما قالت وفيما يجب ان يفعل حتى يتخطى كلاهما تلك المحنة والمشكلة التى تسبب فيها ..
--------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس