عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-21, 09:55 PM   #72

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كانت تنظر من زجاج النافذة بغرفة المختبر للحياة بالخارج وهي تدب بكل البشر لتدفعهم ليقوموا بالحركة بنشاط لإنجاز وظائفهم والمنوطة لهم بهذه الحياة ، وقد كان هذا المشهد المعتاد لها رؤيته منذ طفولتها لتكون الوحيدة والتي حرمتها الحياة من التحرك بحرية كباقي البشر وهي محتجزة بسرير واسع بملاءة بيضاء مع روائح الادوية الكيماوية والتي تزكم انفاسها والأجهزة الطبية والتي تمسك بأطراف جسدها بقوة لتقيدها عن الحركة وصوت دقات القلب يصم اذنيها كنغمة مزعجة معتادة على سماعها وهي تشعر باقتراب نهايتها تدنو امامها على بعد لحظات ، لكنها تعود وتذكر نفسها بأنه هذا هو قدرها وكل شيء مقدر لها سيحدث عاجلاً ام آجلاً ولا احد يستطيع الوقوف امام ما قدره الله له وكتب له ، وكم كانت من قبل تتمنى الموت ارحم من الألم والذي كانت تشاهده من حولها بعيون والديها وهي تعاني بمرض لا علاج له سوى الصبر او إجراء عملية قد لا تخرج منها حية بسبب عدم تطور الطب آن ذاك .

تنهدت وهي تستعيذ من الشيطان طاردة الأفكار السوداء من رأسها والتي تجلب لها الكآبة واختناق هي في غنى عنه ، رفعت بعدها يدها ببطء لتسندها على الزجاج بشرود وهي تنظر لملامحها الشاحبة بحزن والتي لم تتغير ابدا بعد مرور سنوات نفس الطفلة تشاهد كل العالم من حولها وهو يسير باتزان بدون ان يأبه احد بالتي توقفت حياتها بأكملها بعمر السادسة فقط ، وتحديدا عندما استيقظت على اصوات والديها وهما يتكلمان مع الطبيب والذي كان يقول بأسف شديد بدون ان تفهم سبب أسفه بذلك الوقت
"انا اعتذر لما سأقوله الآن ولكن ابنتكما تعاني من نقص بالأكسجين وصعوبة بضخ الدماء بقلبها والذي تبين بأنه ضعيف جدا على هذه المهمة وهذا هو ما يسمى بمرض القلب الرئوي ، لذا هي تحتاج للمراقبة الدائمة للتأكد من وصول الأكسجين لقلبها ولكل انحاء جسدها والإنهاك والتعب ليسا جيدان على قلبها ابدا"

لتسمع بعدها صوت والدتها وهي تقول باستنكار مذهول مهتز تشعر به لأول مرة بصوتها الصارم
"انا لا افهم اي كلمة مما تقول ، هل هذا يعني بأن ابنتي الصغيرة مريضة ، ولكنها ما تزال طفلة صغيرة ، كيف حدث هذا....."

قاطعها زوجها وهو يقول بوقار وهدوء معتاد عليه بدون ان يهتز بالخبر كزوجته
"اهدئي يا جويرية ، واتركي الطبيب يكمل كلامه"

عاد الطبيب للكلام وهو يقول بنفس الهدوء المتأسف وكأنه السبب بحالتها
"اعلم بأن هذا الخبر صادم لكما ، ولكن الجيد بالموضوع بأننا قد اكتشفنا هذا الأمر مبكرا قبل ان تسوء حالة قلبها اكثر ونضطر عندها لفعل ما هو اسوء منه"

ردت عليه والدتها وهي تتمتم باهتزاز حانق
"وماذا سيكون هناك اسوء مما اسمعه منك ، وانا اكتشف بأن ابنتي الصغيرة تصارع الموت بمرض لم اسمع عنه بحياتي من قبل ، وهي لم ترى شيئاً من الحياة بعد....."

قاطعها زوجها وهو يقول بصرامة جادة
"كفى يا جويرية ، توقفي عن تضخيم الموضوع هكذا ، فأنتِ بهذا الكلام ستقتلين ابنتكِ الصغيرة قبل ان يصيبها المرض ، ولا تنسي بأن الأعمار بيد الخالق ولا نستطيع فعل شيء حيال هذا الأمر"

كانت تستمع لصوت بكاء والدتها المكتوم وهي تنتحب بصمت ولأول مرة تسمع بكاء والدتها والتي لم يستطع اي شيء ان يؤثر على صلابتها وقوتها يوما ، ليكون خبر مرضها هو الضربة القاضية لها وكأنها على وشك الموت حقا ولم يبقى لها سوى لحظات على ذلك ، ولكن لم يكن احد يعلم بأن الأمر سيطول ليتحول من ايام لأشهر ليصل لسنوات طويلة لا نهاية لها مع مرض مستعصي لا حل له ، وكلام الطبيب الأخير يرن بأذنيها وهو يقوله قاطعا الأجواء والتي غيم عليها الحزن الكئيب
"هذا المرض ليس بهذه الخطورة هو فقط يحتاج للصبر والمراقبة الدائمة ، وبإذن الله ستصل للشفاء عما قريب بدون ان يصل لمراحل اخطر ، وكله يعتمد على قوة المريضة ومدى صبرها بهذه المحنة"

شهقت بوجل وهي تخرج من افكارها ما ان اصطدمت كرة طائرة بالنافذة من الخارج بقوة لترتد هي للخلف قبل ان تسقط ارضا بارتجاف احتل كل اطرافها لثواني ، بينما سقطت الكرة بعيدا عن زجاج النافذة وهي تتنفس بنشيج منتفض .

رفعت يديها وهي تمسح وجهها باستغفار خافت مذعور وهي تستمع لصوت ضربات قلبها والتي بدأت تصل لأذنيها بارتفاع مؤلم ، تحركت بعدها ببطء وهي تحاول النهوض بقوة خائرة لتتمسك بإطار الطاولة وهي ترفع جسدها بصعوبة وما ان استقامت بساقيها وهي تضع ثقلها على كعبيّ حذائيها المسننين حتى انزلقت لتعود للوقوع مرة اخرى بقوة ، ولم تنتبه للطاولة والتي انقلبت معها بجانبها لتقع محتوياتها ارضا وخاصة زجاجات السوائل الكيماوية والتي لطخت بنطالها الجينز ببعض البقع وقد بدأت تُخرج منها روائح وأبخرة كريهة لتنتشر بفراغ الغرفة بأكملها .

رفعت (غزل) كفها لوجهها لتغطي بها انفها وفمها وهي تشعر باختناق من كل هذه الروائح الخانقة ، زحفت بعدها للخلف بعيدا عن الطاولة المنقلبة لتكمل زحفها على ركبتيها باتجاه باب الغرفة ، وما ان حاولت فتح مقبضه بيدها الأخرى حتى اكتشفت بأنه مغلق عليها .

عقدت حاجبيها بصدمة وذهول وهي لا تفهم متى اغلق الباب وكيف حدث هذا ؟ فهي لا تذكر بأنها قد اغلقته من خلفها وحتى عندما دخلت للغرفة كان مفتوحا ؟ فماذا حدث الآن ؟

ارتخت اطرافها بتخدر لتجلس عند باب الغرفة بخمول وهي تنظر للطاولة المنقلبة وللفوضة والتي سببتها بالمكان والتي ستوصلها للفصل من الجامعة نهائياً ، انزلت كفها بعد ان شعرت بالاختناق الشديد يستبد بها وهي تشعر بذرات الهواء قد اختفت من الغرفة بأكملها ليؤخذ مكانها روائح الأبخرة الكريهة والتي تكاد تقبض على انفاسها المرهقة لتخنقها بدون رحمة ، وشفتيها منفرجتين بارتجاف متيبس وهي ترجو بعض الهواء النقي لينقذها مما هي فيه الآن وصور طفولتها تتداخل امامها بتشوش اعمى على قلبها وهي تشعر بنفس ما كانت تشعر به عندما كانت تجري بسعادة بين الأطفال قبل ان تشعر باختناق بأنفاسها وبضربات قلبها وهي ترتفع بتخبط رويدا رويدا .

اغمضت عينيها للحظات قليلة قبل ان تشعر بالجدار والذي كان يسندها من حولها يقع وهي تسقط معه للأسفل وكأنها تسقط لفجوة عميقة بدون اي مهرب ، ولكن ما لم تتوقعه بأن يتواجد بالفجوة ذراعين دافئين تتلقفانها بحنان تمنعان سقوطها وتعيدها لصدر واسع رحب تكاد تختفي بداخله وتغرق بثناياه ، وصوت واحد يرن بين ضباب افكارها المتداخلة بقوة ليخترق سواد فجوتها وينير برودة ظلامها
"غزل استيقظي ، هيا لا تتخاذلي وتستسلمي هكذا ، انتِ اقوى من هذا بكثير"

ابتسمت (غزل) بنعومة بدون ان تشعر بنفسها بعد ان فقدت طريقها لشفتيها وهي تسبح بعالمها الدافئ والذي التف من حولها بجمال وصورة صاحب الصوت اندمج مع صورة (عصام) ليصبح شخص واحد وكأن الشمس قد عادت للإشراق بعالمها المظلم ليعود الأمل ليتجدد بقلبها مرة أخرى وينمو بداخلها كبرعم صغير تفتحت الزهور عليه ، وكم تتمنى لو يطول الأمر لنهاية عمرها وعندها لن تطلب اكثر من هذا .

______________________________
كان يسند مرفقيه فوق حاجز الجسر وهو يتنفس هواء البحر العليل براحة وقد اصبح هذا المكان هو متنفسه الجديد من كل ما يشعر به من هموم الحياة ومشاكلها ومن مشاعر غريبة بدأت تجتاحه بالآونة الأخيرة لتفسد عليه رتابة حياته والتي اعتاد عليها منذ سنوات ، وكل هذا حدث معه بعد حادثة إنقاذ ابنة عمته من مجنون كان يحاول الزواج منها رغما عنها ليتبين بأنه من قرابة زوج والدتها المجرم والذي لا يقل إجراما عنه وكأن عالم الإجرام يحاوطها بكل مكان ليصبح جزء من حياتها ، ولكن هل يعقل بأن يكون لها يد بأفعالهم الإجرامية ؟ او قد يكون زوج والدتها قد زرع بداخلها دناءة وقذارة المجرمين ؟

حرك بعدها بلحظات رأسه بقوة وهو يشتم نفسه على هذا التفكير الأحمق وما وصل له حاله من انحدار خطير ، فهي لم تبارح ذهنه منذ تلك الحادثة والتي تركت آثارها عليه من انهيارها البائس امامه وعلاقتها بذلك المجرم لتعذبه بالتفكير الطويل ومخيلته تذهب به لأفكار بعيدة دنيئة يود لو يدفنها ويدفن معها حيا وكل التساؤلات تدور حول علاقتها بذلك المجرم وطبيعة حياتها معه بالسابق ؟ ولكن اللوم بكل هذا لا يقع سوى على والده والذي جرد نفسه من مسؤولية بنات عمته مع معرفته بعدم وجود لهما اي قريب وهو يبعد الجميع عنهما وكأنهما مرض معدي عليهم عدم الاقتراب منه او لمسه وحتى انه لم يمانع سكنهما وحدهما مع زوج والدتهما ، وكأنه بهذه الطريقة ينتقم من عمته (مايرين) على فعلتها مع زوجها الريفي بنبذ بناتهما بعيدا وتذوقهما الويل طويلا .

عقد حاجبيه بريبة ما ان سمع صوت الخطوات الخافتة المقتربة منه بجمود والتي يعلم جيدا من يكون صاحبها وهي تقترب منه بحذر ، ليغمض بعدها عينيه بتمعن وهو يستمع لوقع الخطوات المقتربة والتي اصبحت اوضح من قبل ، لتتأكد عندها ظنونه وهو يستمع للصوت البارد بنبرته الصلبة
"هل تحتاج للمساعدة فيبدو عليك بأنك مهموم جدا ، والانتحار ليس بالحل المناسب ابدا"

فتح عينيه بصدمة وهو يرفع حاجبيه ببطء شديد قبل ان يبتسم بتسلية ما ان عادت له ذكرة رؤيته لها عند نفس الجسر وهو يظنها فتاة غريبة ليقول عندها نفس الكلمات والتي قالتها الآن باستفزاز واضح ، ليتمتم بعدها بلحظات بنفس الابتسامة بضيق
"لا شكرا ، فمن الذي سيفكر بالانتحار بعد سماع مثل هذه الكلمات"

تغضن جبينه بحيرة ما ان لاحظ سكونها التام وكأنها قد اختفت من جانبه او قد يكون كان يتوهم وجودها ! ليلتفت بعدها بسرعة بجانبه والذي كان يسمع منه الصوت ليصطدم عندها بفراغ المكان وكأنها كانت مجرد خيال نسجه له عقله ، عبست ملامحه بتجهم وهو لا يصدق ما وصل له حاله ليسمع خطواتها وصوتها يرن بأذنيه قبل ان يختفي كل شيء بلحظات .

انتفض بصدمة وهو يدير رأسه للجانب الآخر قبل ان يخفضه للأسفل ما ان سمع صوتها وهي تهمس بخفوت باهت جالسة على الأرض بتكور وهي شاردة بالبعيد
"ما بك ، هل قلت بأنك قد عدلت عن فكرة الانتحار ، لأنه ليس لي مزاج لأوقفك عما تفكر بفعله بنفسك"

زفر انفاسه بغضب مع ارتفاع حاجبيه بوجوم وهو ينظر بضيق لجلوسها بهذه الطريقة الملفتة للأنظار وهي تعانق سترتها الخريفية لصدرها وشعرها الاسود معقود بعقدة متهدله لتطاير خصلات الشعر المتحررة امام وجهها مع نسمات الهواء الباردة بمثل هذا الفصل ، ليدس بعدها كفيه بجيبي بنطاله بتركيز وهو يتمتم بجفاء حاد
"حقا لا اعرف لما تتصرفين بهذه الطريقة الغريبة بكل مرة نتقابل فيها ، ام انكِ تحبين ان يدعوكِ الناس بغريبة الاطوار وهو اللقب الذي يناسبك"

رفعت نظراتها الزرقاء نحوه ببرود جمده بمكانه وهي تهمس بلا مبالاة متعمدة
"لا يهمني رأي الناس ، ويمكنك ان تطلق عليّ قدر ما تشاء من الألقاب فقد اعتدت عليها حتى اصبحت جزء من هويتي ، وايضا تبقى افضل من لقب ابنة المجرم"

رفع يده وهو يمسد على جبينه بوجوم ليقول عندها بصرامة باردة
"حسنا ، فسر لي الآن ما معنى جلوسكِ على الأرض بهذه الطريقة وماذا تفعلين اساسا بهذا المكان ، ام ان الوضع هكذا يروقك ويعجبك"

حركت رأسها ببساطة تطايرت معها خصلات شعرها السوداء وهي تقول بابتسامة جامدة
"هذا الأمر لا يخصك ، ولكن بما انني لا اشعر بالسوء نحوك سأخبرك ، الحقيقة اليوم ليس لدي جامعة ، لذا قررت المجيئ لأضيع وقتي بشيء احبه وهو الجلوس عند الجسر ، لذا إذا لم يكن لديك مانع ارحل من هنا فأنت تفسد عليّ خلوتي مع نفسي"

ارتفع حاجب واحد بخفة وهو يفكر بطبيعة هذه الفتاة المتقلبة مثل الموج الهادئ والذي لا تعرف طبيعته وما يخبئه لك من خفايا ومتى سينقلب ضدك ليهجم عليك بموجاته وعواصفه والتي تقتلع معها الاخضر واليابس ليعود بعدها بلحظات للهدوء التام والمصحوب مع بعض النسمات الباردة ؟ تنهد بعدها بهدوء وهو يقول بابتسامة غامضة
"إذاً لن ترحلي من هذا المكان ألا عندما ترغبين بذلك"

اومأت برأسها بجمود صامت وهي تنظر بعيدا عنه باتجاه السماء المتلبدة بالغيوم بمثل هذا الطقس والذي لا ينبأ بشيء ، بينما اخرج (شادي) كفيه من جيبيه وهو يحك ذقنه بتفكير قبل ان ينحني امامها وهو يجلس بجانبها تماما على أرض الجسر بأريحية ليمد ساقيه امامه على اقصاها مريحا كفيه على ركبتيه ببرود .

حادت بنظراتها نحوه بحدة وهي تهمس باستنكار خافت
"ما هذا الذي تفعله الآن"

حرك رأسه ببرود وهو يرفع نظره للسماء من فوقه قائلا بابتسامة جانبية
"ماذا ترينني افعل ، اجلس مع ابنة عمتي الغالية على ارض الجسر برغبة منها لنتسامر معا ونقضي سويا الأوقات الغرامية برفقة بعضنا البعض كما يفعلون الاحباء"

اتسعت حدقتيها بصدمة وهو يسمع احتكاك اسنانها معا بتصلب وشفتيها مرتجفتين بغضب ليحدث عندها ما توقعه وهي تقول بانفعال حانق
"هل تظن بأني سأقبل بحدوث مثل هذه التفاهات ، يبدو بأنك تحتاج لفتاة لتملئ فراغك وتقضي معك الاوقات الغرامية"

التفت (شادي) نحوها ببطء وهو يحرك كتفيه قائلا بتبرير مستفز
"لا تفهمي كل شيء كما يحلو لكِ ، فأنا فقط كنتُ اقول مجرد كلام عابر كمثال ، ولم اطبقه عليكِ بعد لتنفعلي هكذا ، ومن الذي سيرغب اصلا بقضاء الأوقات الغرامية معكِ"

زمت شفتيها بارتجاف وغيظ يكاد يفتك بها وهي لا تصدق نفسها بأنها تتناقش معه بمثل هذه المواضيع السخيفة ! او انها تهتم وتتضايق بمثل هذه الأمور والتي لم تكن يوما من دائرة اهتمامها ، التفتت بعدها بسرعة بعيدا عنه وهي ترجع خصلات شعرها المتطايرة لخلف اذنيها بقوة هامسة بغيظ
"يا لغرورك"

ردّ عليها (شادي) وهو يعود ايضا للنظر بعيدا عنها بنفس الهمس
"ليس بقدر غرورك ووقاحتك يا ابنة عمتي"

التفتت نحوه بانشداه للحظات قبل ان تقول بتصلب مشتعل
"ماذا قلت عني الآن"

حرك كتفيه ببساطة وهو يهمس بلا مبالاة
"لن اخبركِ فهذا شيء يخصني وحدي"

ردت عليه بتذمر وهي تتقدم منه مستندة بكفيها على الأرض بجانبه
"بل هو يخصني انا لأنك تكلمت عني ، وهذا يعني بأنه من حقي ان اعلم ماذا كنت تتكلم عني"

التفت نحوها فجأة بحاجبين مرفوعين ليصطدم عندها بوجهها القريب منه قبل ان يتمتم بابتسامة جانبية ناظرا لعينيها المتحجرتين ببرود
"إذا كنت حقا اتكلم عنكِ ، فأخبريني عن ماذا كنت اتكلم"

تعقدت ملامحها فجأة بتفكير شاحب امام نظراته والتي كانت تفترس كل ملامحها بتمعن وكأنها منحوتة من صخر وبدون ان تفقد صلابتها النادرة الوجود بهذا العالم القاسي لتكون اقسى منه بأضعاف ، ليهمس بعدها تلقائياً بابتسامة شاردة بغموض
"تبدين جميلة وانتِ غاضبة"

انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تتنفس بانذهال قبل ان تتراجع بجلوسها بعيدا عنه بانتفاض وهي تحاول لملمت شتات أمرها والتي بعثرها ببساطة بسبب كلامه الأخير ، لتعود لجلوسها المتكور وهي تتمتم بقسوة متعمدة
"لا تتكلم معي مرة أخرى بهذه الطريقة ، فأنا لا احب سماع نبرة التسلية بصوتك"

ادار عينيه بعيدا عنها بملل وهو يعود للنظر عاليا ، ليقول بعدها بلحظات مشحونة بالهدوء والذي خيم عليهما معا بخفوت
"كيف تشعرين ، هل انتِ بخير"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تعبس بملامحها ما ان فهمت تلميحه الواضح وهو يتكلم عن الحادثة والتي مرّ عليها شهر كامل وكأنها بالأمس ، ولكن الذي بعث الرعشة والبرودة بأجزاء جسدها بلحظة هو تذكرها لانهيارها امامه بدون ان تتذكر تفاصيله بدقة فقد كانت بحالة من اللاوعي وتخبط مشوش بمشاعرها المنهارة من كل ما حدث معها ، وقد كان هو موجودا ليعوضها عن وحدتها والتي كانت تبث لها حزنها ودموعها وانهياراتها المتفاوتة بين الحين والآخر .

تنفست بعدها بلحظات بهدوء وهي تحاول ضبط اعصابها من تلك الذكريات لتهمس عندها بتشنج خافت
"اجل انا بخير"

ردّ عليها وهو يقول بغموض هادئ
"اتمنى هذا حقا"

زفرت انفاسها بهدوء وهي تتجاهل كلامه الأخير بدون ان تتبين مقصده منه ، ليطول بعدها الصمت بينهما بعد ان انتهى الكلام من عندهما قبل ان يقطعه صوت قطرات المطر الصغيرة والتي بدأت بالهطول ببطء لتسقي الأرض برقة وهي تخرج كنغمة عذبة لتريح القلوب الضعيفة والتي تحمل من الهموم ما يكسر الصخور .

_____________________________
كانت تتنهد بملل وهي تراقب قطرات المطر الغزيرة والتي غرقت زجاج النوافذ بالسيارة لتعيق عليها الرؤية بوضوح بينما المساحات الآلية كانت تعمل برتابة لتمسح قطرات المطر عن النوافذ الأمامية كل ثانية لتتضح عندها الرؤية امامهما اكثر قبل ان تعود لتكسوها من جديد ، رفعت احداقها الزرقاء قليلا وهي تتابع مسار سيلان قطرات المطر على زجاج نافذتها لتتضاءل تدريجيا قبل ان تختفي عند إطار النافذة بالأسفل وهذا ما يحدث مع الباقيات ، ليتغضن عندها جبينها بشرود ما ان تذكرت شغفها وحبها الكبير لمشاهدة تساقط الأمطار من خلف زجاج النوافذ وكأنها هواية تعشقها وهي ترغم شقيقتها (روميساء) لتشاركها بمشاهدة تساقط المطر حتى ينحصر ويختفي نهائياً .

رفعت (ماسة) يدها بهدوء بدون ان تمنع نفسها لتخط بطرف اصبعها على زجاج النافذة والتي يكسوها الضباب وهي تتابع النظر لما ترسمه امامها ، لتخفض بعدها كفها بعبوس ما ان سمعت صوت الجالس بجانبها وهو يتمتم بتعجب ساخر
"لم اكن اعلم بأنكِ تحبين الرسم على الزجاج عندما يكسوها الضباب بهذا الطقس ، مثل ايام الطفولة"

قبضت على كفها بقوة لتمسح الرسمة بكم سترتها بعنف قبل ان تخفضها بقوة ، ليحرك بعدها حاجبيه بخفة وهو يقول باستياء مزيف
"لما مسحتها كانت تبدو رائعة على زجاج النافذة ، وخاصة بوجهها العابس والذي يشبه شكلك الآن"

كتفت ذراعيها فوق صدرها بعصبية وهي تنظر امامها بجمود مرجعة ظهرها للخلف بتصلب ، ليدير بعدها عينيه امامه بلا مبالاة وهو يفكر بعيدا عنها بشرود ، قالت بعدها بلحظات وهي تعقد حاجبيها بحذر
"بالمناسبة كنت اريد سؤالك بأمر ، هل انت تعمل لوحدك بعيدا عن شركة والدك"

عقد حاجبيه بتفكير للحظات ما ان تذكر اكتشافه لها وهي تتنقل بحسابه الشخصي بحرية ، ليبتسم بعدها ببرود وهو يهمس بمكر
"وكيف علمتِ بهذا ، ألا إذا كنتِ تحبين البحث بحياتي ومتابعة تفاصيلها ، وما اكثر المتابعين بحياتي"

التفتت نحوه ببطء وهي تبتسم بطرافة قائلة بسخرية
"اعتقد لأني جاسوسة"

اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يتذكر الرسالة الأخيرة والتي ارسلها لها وهو ينعتها بها بالجاسوسة ، ليضحك بعدها ببساطة هامسا بخبث
"تحاولين مجاراتي بنفس الأسلوب إذاً ، حسنا سأعلن هزيمتي لكِ واخبركِ بأنني اجل اعمل خارج شركة والدي وبمجال يتكلم عن التصميم والديكور"

ردت عليه وهي ترفع حاجبيها السوداوين المقوسين بتفكير
"هل كنت تدرس بمجال التصميم بالجامعة"

ابتسم بهدوء وهو يومأ برأسه قائلا ببساطة
"لا لقد كنت ادرس بمجال الهندسة المعمارية ، ولكني وجدتُ بأن عمل التصميم اجمل منه ، لذا قررت ان اعمل به حسب ميولي وبالشركة التي تناسبني"

حركت رأسها بوجوم وهي تهمس بتركيز بدون ان تستطيع منع نفسها
"ولما لم تعمل بشركة والدك ، ألا يوجد بها مجال العمل الذي تريده"

زفر (شادي) انفاسه بقوة وهو يتمتم بجمود متصلب شعرت به ببعض البرودة تجمد اطرافها
"اعتقد بأن هذا الأمر لا يخصك ، ويكفي اسئلة لهذا الحد فأنا لا احب هذا النوع من الأسئلة الفضولية"

زمت شفتيها بارتجاف متشنج لتعود بنظرها للأمام بارتباك وهي تلعن فضولها والذي اوصلها لهنا لتتعرض لهذا الموقف المحرج معه وهي التي لم تحب يوما كثرة الكلام والأسئلة بحياتها ، ليكون هذا الشخص هو الوحيد والذي يجعلها تطلق لسانها المعقود بحرية بدون اي إحراج او مواربة وبساطته تطغى على شخصيته وعلى حديثهما لتريحها بهذا الضغط والذي تشعر به يكاد يخنقها بحياتها .

نفضت الأفكار من رأسها وهي تعقد حاجبيها بعزم لتقول بعدها بانقباض متردد
"هل يمكنك ان تقدم لي خدمة"

ارتفع حاجبيه بدهشة للحظات قبل ان يقول بعدم تصديق
"لا اصدق ما اسمعه ، هل انا بحلم ام بعلم ، انتِ تطلبين مساعدتي انا ، ولكن لا بأس فأنا شخص معتاد على مساعدة الضعفاء مثلكِ ولكل امثالك"

تنفست بحدة وهي تتجاهل كلامه الأخير لتتحامل بعدها على نفسها وهي تقول بخفوت جاد
"اريد منك ان تبحث لي عن عمل بالشركة والتي تعمل بها"

مرت لحظات ساكنة بصمت لا يقطعها سوى صوت الأمطار الغزيرة وصوت المساحات الآليه وهي تمسح النوافذ الأمامية برتابة مملة كاتمة للأنفاس ، ليقطعه بعدها من عقد حاجبيه بوجوم حائر وهو يقول
"ولما تحتاجين للعمل من الأساس ، ظننت بأن احمد يوفر لكما كل ما تحتاجانه....."

قاطعته (ماسة) وهي تقول بنفاذ صبر ملوحة بذراعها جانبا
"كفى لقد مللت من سماع نفس الكلام من الجميع ، هو يكون زوج روميساء ولديها حقوق عليه بأن يصرف عليها ويهتم بكل احتياجاتها وبما ينقصها ، وليس زوجي انا"

التفت (شادي) نحوها وهو يبتسم بهدوء ليهمس بعدها بلحظات بغموض مبتسم
"ولما لا اكون انا من اهتم باحتياجاتكِ وبما ينقصكِ ، ألست مناسب لهذه المهمة اكثر من احمد"

انفرجت شفتيها بانشداه مرتعش للحظات وهي تحاول صياغة الرد المناسب له لتوقف وقاحته وبساطته عند حدها بمثل هذا الموضوع ، ولكن للمفاجأة لم تستطع الكلام وكأن حلقها قد تحجر عن النطق واختفت الكلمات منه بعجز تشعر به لأول مرة وهي مشدوهة بابتسامته الباردة بثقة لا متناهية لا يستطيع شيء التأثير عليها .

مرت لحظات مشحونة بالتوتر والذي خيم على الأجواء الساكنة من حولهما قبل ان تقطعها من ادارت وجهها بعيدا عنه وهي تهمس بحنق مستاء
"الحق ليس عليك بل على الحمقاء التي طلبت منك المساعدة املا بأن تكون افضل من عائلتك وتنفذ لي طلبي"

ابتسم (شادي) ببرود وهو يعود للنظر امامه ما ان اوقف السيارة جانبا عند بناء سكنها والذي يدعى برج النجوم ، ليلتفت بعدها بسرعة نحو التي فتحت باب السيارة بجانبها بقوة قبل ان توقفها اليد القوية التي امسكت بمعصمها لتعيدها جالسة بمكانها ببساطة .

التفتت (ماسة) نحوه بحدة مستاءة وهي تفلت معصمها بعيدا عن يده والتي بعثت رعشة طفيفة بأطرافها ليسبقها بعدها بالكلام وهو يشير لحقيبتها بعينيه قائلا بجدية
"اعطيني هاتفكِ قليلا"

ارتفع حاجبيها بعدم استيعاب ليمد يده بدون ان ينتظر اجابتها وهو يلتقط حقيبتها ليخرج منها هاتفها بسرعة امام نظراتها المستنكرة بعبوس ، ليضغط بعدها عدة ازرار على شاشة هاتفها قبل ان تسمع صوت رنين آخر يبدو بأنه صادر من جيب سترته الجلدية ، اعاد الهاتف ليدسه بحقيبتها قبل ان يناوله لها ببساطة ، لتمسك بعدها بحقيبتها بوجوم مستاء وهي تضع حزامها فوق كتفها قائلة ببرود جليدي
"ما هذا الذي حدث امامي الآن"

التفت نحوها وهو يبتسم باتساع قائلا بجدية باردة
"كنت احتاج لرقمك لأستطيع الاتصال بكِ ما ان اجد لكِ عمل ، كما طلبتي"

ابتسمت بهدوء وهي ترفع حاجب واحد بخفة واندهاش من تصرفه الآن معها ، لتحرك بعدها كتفيها بلا مبالاة والتي كانت شبيهة بحركته وهي تقول بخفوت ممتن
"إذاً شكرا مقدما"

حرك رأسه بهدوء وهو يرفع كفه لرأسه ليشير لجانب رأسه بأصابعه بتحية عسكرية ، ادارت رأسها بعيدا عنه وهي تفتح باب السيارة بجانبها لتخرج بهدوء قبل ان تغلقه من خلفها بقوة .

ما ان بدأت الأمطار بالهطول من جديد فوق رأسها بقطرات صغيرة بعد ان جفت واغرقت الأرض بأكملها حتى اسرعت بخطواتها باتجاه مدخل البناء وهي تضع كفها امام جبينها ، لتصل بالنهاية عند بوابة البناء الحديث لتتوقف للحظات وهي تلتفت بحيرة للسيارة والتي ما تزال واقفة بمكانها بدون ان تتزحزح ولو قليلا ، ولم تتبين عندها نظراته جيدا من خلف الزجاج المعتم بينما كانت النظرات السوداء تتأملها عن كثب من شعرها المبتل والذي التصق بجانبي وجهها لعينيها البحرية والتي كانت تتوهج بدموع المطر وهي تتلألأ بليلة معتمة قبل ان يختفي كل شيء معها ما ان استدارت لداخل البناء وهي تعلن عن نهاية ليلة طويلة انزل الستار عليها .

نهاية الفصل يا حلوين....................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس