عرض مشاركة واحدة
قديم 21-06-21, 06:16 PM   #314

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس



بعد عودتها من زيارتها الأخيرة لبيت عمتها يمنة تركت الجميع يشرفون على وضع كل المنقولات في شقة عمرو ابن عمها زكريا لأنها الشقة الوحيدة الفارغة في البيت ودلفت هي إلى شقة والدها ومنها إلى غرفتها وأغلقتها خلفها

نزعت الوشاح عن رأسها وخلعت عنها عباءتها السوداء الأنيقة وألقتها على الفراش بإهمال ووقفت أمام مرآتها بملابسها الداخلية تنظر إلى نفسها بضياع

جميلة هي وكانت دائما الأجمل بين بنات العائلة ولكنها الآن ترى نفسها المرأة الأقبح على وجه الأرض ،المرأة التي استغفلها زوجها وتزوج دون علمها وأنجب الولد الذي كانت تتمناه هي ...أنجبه من غيرها

تنظر إلى ملامحها في المرآة وهي تشعر بالغربة عن نفسها وعن العالم من حولها ...أغمضت عينيها وهي تتذكر لقاءها بغريمتها ،لقاءها الذي خططت له ونفذته

دلفت عنان إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها واستندت بظهرها عليه ورفعت عينيها الزيتونيتين الغائمتين بالغضب فنظرت إليها نسرين و بالفعل راودها الخوف من هيئتها

كانت تعرف عنها من رماح أنها جريئة ولا تخاف شىء ولديها ثقة كبيرة في نفسها تستمدها من جمالها وتعليمها ونسبها

لم تتحرك عنان قيد أنملة وكان بينها وبين نسرين عدة خطوات وكل منهما ملامحها واضحة أمام الأخرى فقطعت عنان الصمت قائلة باقتضاب:" من أين عرفك رماح ومنذ متى؟..."

تلجلجت نسرين للحظة ولم ترد وهي تنقل بصرها بين ابنها النائم في الفراش وبين عنان التي تقف أمامها تستجوبها ببرود ثم أردفت في النهاية بهدوء زائف تماما كما كان برود عنان زائفا:" عرفني من مكان كنت أعمل فيه في مركز المحافظة ومتى منذ أكثر من عامين.." ....

ظلت عنان على وقفتها وجمودها وأردفت بعينين لا تحيدان عن نسرين:" وهل تزوجك فقط من أجل الانجاب؟ أم هناك أسباب أخرى؟.."

قالت نسرين وهي تمط شفتيها وتعقد ذراعيها فوق صدرها:"بالتأكيد أعجبته في البداية لذلك قرر الزواج مني للانجاب..."

إن كانت النظرة تحرق لحرقتها وجعلتها رمادا منثورا.... نظرت إليها عنان بعينين تشعان غضبا وغيرة ثم قالت وصدرها يعلو ويهبط انفعالا:"هل كان الزواج عرفيا أم رسميا ؟..."

أسبلت نسرين أهدابها ثم فتحت عينيها على اتساعهما مرة أخرى قائلة بصوتِ أعلى من نبرتها السابقة وأكثر ثقة:" لم أكن أرضى بغير الزواج الرسمي... ثم خطت نحو الخزانة وفتحتها وأخرجت منها ورقة وتقدمت نحو عنان وأشهرتها أمام وجهها قائلة :انظري بنفسك حتى تتأكدي ... ثم زفرت قائلة: أعرف أن أحيانا نحن كنساء لا نستطع التصديق حتى نرى بأعيننا... انظري بنفسك..."
لأول مرة منذ دخولها يبدو في عينيها التردد ،هل تمد يدها

هل ترى الدليل بعينيها؟

هل تراه حتى تصدق تصديقا تاما وتدرك أنها ليست في حلم ؟...

وإن صدقت وأيقنت هل ستسامحه و تكمل حياتها من بعده و تدعو له بالرحمة لأنه في دار الحق ولا تجوز عليه سوى الرحمة أم ستلعنه أينما كان طوال العمر؟

عقلها كان في هذه اللحظة كجهاز حاسوب تعطيه عدة أوامر في وقت واحد وفجأة توقف عن العمل... لم تعرف حقيقة مشاعرها في هذه اللحظة ولكنها مدت يد مرتعشة نحو نسرين ومسكت الورقة وفتحتها لتجدها بالفعل عقد زواج رسمي موثق بين رماح ونسرين وللعجب كانت هذه هي الطعنة الحقيقية لها وكأن كل الكلام الذي له اسبوعين يدور حولها لم يكن حقيقي....كأنه كان حلم

وكأن هذه الورقة هي الاثبات الفعلي الموثق الأول......

عضت على شفتها السفلى حتى لا تخونها دموعها أمام نسرين ولكن أنقذها من حرج الموقف بكاء خافت يأتي من جهة الفراش فابتعدت قليلا عن الباب الذي تستند عليه واقتربت ببطء من فراش الصغير الذي ارتفع صوت بكاؤه وأخذ يحرك ساقيه وذراعيه وما أن اقتربت منه وأشرفت عليه من أعلى حتى اتسعت عيني نسرين خوفا من أن تؤذي صغيرها ولكنها ما أن رأت في عيني عنان غلالة من الدموع حتى وقفت بجوارها تتابعها فمدت عنان ذراعيها وتناولت الصغير الذي هدأ بكاؤه ما أن حملته

من بين غلالة الدموع رأت ملامحه الصغيرة...

ما زال صغيرا جدا ولكنه ربما يحمل ملامح رماح ولون عينيه فغمغمت بصوت واهن وهي تنظر في عيني الطفل :"لا أصدق..."

مدت نسرين يديها وأخذت منها الصغير فهي لا تضمن رد فعلها وقالت لها بهدوء وهي تهدهد ابنها:" أعرف طبعا أن الأمر صعب ولكن إن لم يكن تحليل إثبات النسب و عقد الزواج قد أقنعاكِ فهناك شىء أخير وهو هاتف رماح رحمه الله أين هو؟ به ستجدين الكثير ... ثم أردفت بجدية: أنا بالطبع لا أقول لكِ ذلك لأبرهن على شىء... الجميع هنا اعترف بي وبإبني ... مطت شفتيها ثم أردفت:أنا أقول هذا من أجلك لأني امرأة مثلك وأشعر بحيرتك واريدك أن تصدقي لتتجاوزي هذه المرحلة..."

رفعت عنان عينيها إلى نسرين....

كانت تبدو أكبر منها بعدة أعوام ،متوسطة الجمال، تتحدث بثبات وثقة ،لم تجد عنان أي كلمات تقال... هي بلا شك في موقف ضعف وهي التي اعتادت دائما أن تكون في موقف قوة

هي خاسرة بلا شك وهي التي كانت طوال عمرها رابحة في كل شىء....

في هذه اللحظة على وجه التحديد كانت تشعر بالحقد على رماح والغضب منه ولكن رغما عنها شعرت بحنين للولد الذي هو قطعة منه

لم تجد داعٍ لوجودها فها هي رأت الولد وأم الولد ورأت ورقة الزواج ماذا ستفعل هل تلوم على نسرين أو تفرغ طاقة غضبها فيها ؟

لا... وما ذنبها هل أرغمته على الزواج منها؟

هو من كان يفتقد معها شيئا ووجده عند أخرى... فما ذنب الأخرى؟

كانت تريد أن تسمع حكاية هذه المرأة مع رماح وقصة تعارفهما وكيف التقيا وعلى ماذا كانا ينويان ما أن يٌعرف أمرهما ولكنها الآن لا تريد شىء سوى الخروج من هذه الغرفة

تشعر بالاختناق... وبلا كلام خرجت بالفعل من الغرفة برأس مرفوع بإباء كاذب وما أن خرجت وأغلقت باب الغرفة خلفها حتى رنت في أذنيها كلمة نسرين عن هاتف رماح فاتسعت عينيها فجأة وهي تفكر أين يمكن أن يكون؟... فبعد وفاة رماح مباشرة طلبه منها عمها راشد وأعطته له ومن يومها لم تراه

كان الجميع منشغل في نقل الاثاث ولم ينتبه لها أحد فدلفت هي بلا تفكير إلى المندرة من بابها المفتوح على باحة المنزل ومنها على غرفة مكتب راشد التي كانت لحسن حظها خاوية وأخذت تفتح أدراج مكتبه واحدا تلو الآخر إلى أن وجدت هاتف رماح في الدرج الأخير فدق قلبها دقة عنيفة ثم أخذته ووضعته في حقيبتها وخرجت من الغرفة بسرعه



فتحت عينيها وهي تتذكر الهاتف فتناولت حقيبتها التي وضعت فيها الهاتف وأخرجته وحاولت فتحه ولكنه يبدو أن بطاريته فارغة، وضعته على الشاحن المجاور لسريرها وما أن وضعته حتى وجدت باب الغرفة يُفتح ويظهر من خلفه وجه والدتها التي ما أن لاحظت اختفاء صغيرتها حتى جاءت لتطمئن عليها،أغلقت حليمة الباب خلفها وجلست بجوار عنان على الفراش قائلة بحنان:" لا تحزني حبيبتي أنتِ ما زلتِ صغيرة والعمر كله أمامك وغدا تتزوجين وتنجبين و..."

قاطعتها عنان وهي تُلقي نفسها بين ذراعيها قائلة بقوة مصطنعة:" لا أريد أن أتزوج...ثم تحولت نبرتها إلى الضعف قائلة: لا أريد أن أرى وجه رجل لمدى الحياة كرهت جميع الرجال..."

ضمتها إليها حليمة بقوة فدفنت عنان وجهها في حضن أمها قائلة وهي تغمض عينيها بقوة:" أريد أن أظل ما تبقى من عمري في هذا البيت ،سأدعو الله أن أبقى طوال عمري هنا اختبىء في حضنك أمي وخلف ظهر أبي، لقد أدركت مؤخرا أن العالم خارج مُحيطكما كاذب وظالم ومخيف ،انتفض قلبها بين ضلوعها بقوة وأكملت:مخيف إلى أقصى درجة...."

***********

وقفت نعمة في وسط شقة ابنها عمرو الواسعة التي وٌضِع فيها كل قائمة منقولات عنان وبعد أن نزل الجميع وقفت هي تنظر حولها إلى الاثاث الراقي الذي تزيده السنوات قيمة ومشاعرها مختلطة ،حزينة بالطبع على وفاة ابن أخيها ولكن قضاء الله نفذ ولا راد لقضاؤه وعنان رفضت رفضا قاطعا أن تتزوج تمام فهل إن باحت بما في نفسها يوافقها أحد؟

قالت بصوت مسموع حانق" لو لم يكن بها هذا العيب لكان الأمر أسهل لم ننتهي من عقدة يسر مع يحيى سأورط ابني الآخر في عقدة مشابهة؟..."

كان بداخلها صوتين يتحدثان كل منهما يتحدث بعكس الآخر فأردفت بحيرة "ولكن ليس شرطا فطوال عمرنا نتزوج من بعضنا وننجب أطفالا كالقرود حالة يحيى هي الأولى في عائلتنا وفي بلدتنا كلها...."

أخذت تجوب أركان الشقة التي كانت بالفعل مجهزة حديثا بأحدث الديكورات العصرية وزادتها منقولات عنان جمالا ثم حسمت أمرها وأخرجت هاتفها المحمول من جيب جلبابها و اتصلت بعمرو الذي كان هذا موعد استراحته في غرفة الأطباء في المستشفى التي يعمل بها بأحد بلدان شبه الجزيرة العربية وما أن رأى اسم والدته وصورتها حتى اعتدل في فراشه ورد عليها قائلا بابتسامة واسعة:" نعومي القمر اشتقت اليكِ حبيبتي.."

قالت نعمة بتوبيخ :"لا تضحك علي بلسانك المعسول هذا لك كم يوم لم تحدثني؟..."

قال عمرو وهو يستند برأسه على ظهر فراشه:" صدقيني أمي العمل لايرحم.."

قالت له يغيظ وهي تجلس في غرفة الاستقبال على أحد كراسي الصالون المريح:" ومالذي رماك على المر قال لك أبوك أنه سيفتح لك مستوصف في البلدة ولم يعجبك.."

زفر عمرو قائلاً:" كما قلت لكِ كثيرا أمي في بلدتنا الاعداد محدودة كم حالة ستأتيني في اليوم عشرون ثلاثون ستون أما هنا فأرى مئات الحالات يوميا وهذا طبعا يزيدني خبرة في بداية حياتي العملية..."

قالت له بنفاذ صبر:" أعرف أنني لن آخذ معك حق ولا باطل ثم أردفت بنبرة من يريد إفشاء سر :هل علمت ماذا حدث اليوم؟...."

قال لها بابتسامة عابثة وهو يستمتع بأسلوبها الدرامي في الحكي :"لا نعومي لم تحدثني أي من وكالات الانباء العالمية اليوم غيرك.."

قالت باستنكار:" تتهكم على أمك يادكتور حسنا لن أقول..."

قهقه ضاحكا وقال لها:" أمزح حبيبتي هيا كلي آذان صاغية..."

قصت عليه ما حدث اليوم في منزل خاله راشد حتى جاءت المنقولات إلى شقته

فزفر قائلا بحزن:" رحم الله رماح وأنزل الصبر على قلب عنان الوضع كله مؤلم و إن كنت ألوم على رماح اخفاؤه لزواجه كان من المفترض أن يواجهها ويخيرها..."

قالت بعدم اكتراث:" بالطبع كان سيقول وهل كان سيخفي؟.. القدر فقط لم يمهله الوقت... ثم قالت له باهتمام :عمرو ألم أقل لك من قبل حالة عنان وقلت لي أن حالتها ليست صعبة للدرجة ويوجد لها علاج أو عملية بالخارج ؟.."

قال بجدية :"نعم أمي الطب تقدم كثيرا وسمعت هنا عن عمليات كثيرة تٌجرى لمن في مثل حالتها وتنجح ..."

قالت له بارتياح :" ألن أفرح بك بني لقد قاربت السادسة والعشرون حبيبي أريدك أن تستقر..."

رفع حاجبا متعجبا فأصبح شديد الشبه بأخيه يحيى وقال لها بشك :"مالذي نقل الحوار في هذه الضفة؟..."

قالت له بلا مواربة:" ما دامت حالة عنان لها علاج في البلد التي أنت فيها لما لا تتزوجها وتأخذها معك وتعالجها هناك؟..."

اتسعت عينيه دهشة مع ارتفاع في الحاجبين فلم يتصور أن تطلب منه هذا الطلب وأبعد الهاتف عن اذنه لثانية ثم أعاده وما أن وجد صوته حتى أردف بصوت ألي:" هذا الرقم وصاحبه غير متاحين حاليا من فضلك اطلب في وقت لاحق.. ثم أردف بغيظ :يريدونني في الطوارىء أمي سلام..." ثم أغلق الخط بسرعة

استقام عمرو من فراشه بعد أن جافاه النوم ووقف خلف النافذة يحك ذقنه بأظافره بضيق وهو ينظر من الزجاج الشفاف إلى المدينة الهادئة أمامه والى مبانيها الراقية

مازال أمه وابوه يفكران نفس التفكير

رغم ماحدث مع يحيى ويسر وعدم اكتمال حمل لهما بسبب زواج الاقارب

ورغم ما حدث مع عنان ورماح والذي تتحمل تبعاته عنان الآن

ورغم المشكلات التي تحدث كل فترة بين يوسف ومريم ويتأثر البيت كله بها نظرا لتشابك العلاقات بين الجميع

رغم كل ذلك وأمه تريده أن يخوض تجربة الزواج من ابنة عمه وكأن ما يحدث حوله لا يجعله يتعلم من أخطاء غيره، ليس ذلك فقط بل تريده أن يتزوج بأرملة ابن خاله وتوغر صدر خاله منهم جميعا

زفر زفرة غاضبة وأغمض عينيه قليلا فقطع عليه أفكاره صوت طرقة على باب الغرفة أعقبها دخول صديقه بهاء الذي أغلق الباب خلفه ووقف أمام صاحبه قائلا بشك:" ماذا بك هل هناك شىء ؟..."

قال عمرو:" لا شىء أفكر فقط في مكالمة جائتني من البلد..."

وقف معه بهاء قليلا يثرثران في أحوال المستشفى ،هو صديقه الصدوق الذي تعرف عليه ما أن وصل إلى البلد و كان هو الآخر للتو أتى من بلده العربي الشقيق ... توطدت علاقتهما معا و أصبح كل منهما الونس للآخر في غربته

قطع حديثهما صوت طرقات رقيقة كنقر الفراشات فقال بهاء بصوتِ عالٍ وكان قد تكهن بهوية الطارق:" تفضل.."

فتحت رهف زميلتهما في العمل الباب وطلت بوجهها الرقيق الذي يشبه اسمها وقالت بصوت لا يفرق عن وجهها أو اسمها شيئا بلهجة أهل البلد الأصليين لا الوافدين:" كيف حالك عمرو؟.."

ابتسم عمرو ابتسامة خبيثة قائلا:" أنا بخير..."

فقالت لبهاء :"كيف حالك بهاء لم أراك اليوم ..."

ابتسم الأخير ابتسامة واسعة من قلبه فطالت عينيه قائلاً:"بخير ولكن كان لدي عملا كثيرا ثم أردف بنظرة آسرة :هل لديكِ وقتا نشرب فيه شىء في الكافيتريا ؟.."

قالت بخجل وهي لا تزال تقف عند باب الحجرة تمسك المقبض بيدها:" نعم لدي تقريباً نصف ساعة..."

ابتسم قائلا:" سآتي خلفك مباشر...."


استأذنت منهما وسبقته وما أن عزم على اللحاق بها حتى جذبه عمرو من ياقة قميصه قائلا وهو يمسكه كالمجرمين:" هل أنا شوال أرز هنا ؟.."

خلص بهاء نفسه منه قائلا بتأفف:" ماذا تريد أنت الان؟..."

قال عمرو بابتسامة متسلية:" أريد أن أحب أنا الآخر..."

قال له بهاء بابتسامة سمجة:" أمثالك ليس لهم في الحب أمثالك لهم فقط في التسكع..."

ثم تركه ليلحق برهف فابتسم عمرو ابتسامة صافية قائلا لنفسه بصوتِ مسموع "حتى التسكع لم يعد يمتعني أنا أريد حبا من نوع خاص ثم أردف ساخرا :ولكن من أين وأمي تريد أن تدخلني في متاهات العائلة؟..."

***********

بعد مرور عدة أيام.. عصرا في شركة آل عمران للتصدير

كان صالح يجلس في مكتبه في انتظار أحد العملاء الجدد مع الشركة حيث سيوقعان عقدا لاستيراد الخضروات المجمدة والفواكه من مصنعهم ومعه يوسف الذي بدأ يشعر بالتململ فالرجل تأخر عن موعده أكثر من ربع ساعة... فنظر يوسف في ساعة يده قائلا:"تأخر الرجل يا حاج صالح وأنا لدي مواعيد هامة في المساء ..."

قال صالح بنبرته الهادئة وهو يطالع الأوراق التي في يده:"لم يتأخر سوى ربع ساعة والغائب حجته معه...."

استقام يوسف واقفا وأردف بجدية:"الغائب شخص غير منضبط أبي ولا يحترم مواعيده لذلك لا يجب أن نعطيه فرصة أخرى ..."

قال صالح:"انتظرقليلا مادام لم يعتذر فسيأتي.."

زفر يوسف بضيق وهو ينظر في ساعته فأردف صالح بتساؤل:"ماذا بك لما لا تجلس وما هو الموعد الذي لديك في المساء؟.."

"موعد مع أصدقائي..."

"يوسف هل أنت لم تكبر و تنضج حتى الآن حتى تكون كل أفعالك صبيانية هكذا؟..."

قالها صالح بغلظة فأردف يوسف ببرود وهو يضع يديه في جيبي بنطاله:"أي أفعال صبيانية أبي؟... ألا ترى أنك تبخسني حقي؟ أنا أعمل في الشركة تماما كما يعمل حاتم في المصنع وأنت بنفسك تقسم وقتك ما بين هنا وهناك وتعرف كيف نتعب.."

"أنا لا أتحدث عن العمل بل أتحدث عن شلة أصدقائك التي تتمسك بها وتشعرني أنك في السابعة عشرة لا رجل تجاوزت الثلاثين...." قالها صالح بتوبيخ

ضيق يوسف عينيه قائلا :"ربما لأنني لم أفعلها وأنا في السابعة عشرة أفعلها الان،ثم أردف بابتسامة ساخرة:لقد حملتنا المسئولية صغارا أبي وتحملناها ولم نشتكي وفي المقابل ضاعت منا أجمل سنوات عمرنا..."

قال صالح باستنكار:"وكان هذا من أجلي أم من أجل أن تصبحوا رجالا وتعرفون كيف تديرون أموالكم من بعدي...."

قال يوسف مقارعا:"لا... من أجل أن نصبح رجالا ونعرف كيف ندير أموالنا وها نحن قد أصبحنا رجالا وندير شركة ومصنعا ليس هناك مثلهم في المحافظة ومع ذلك تستنكر علينا أن نعيش ما لم نعشه في صغرنا...."

استقام صالح واقفا وقال بصدمة:"أنا أفعل هذا يوسف؟..."

قال يوسف بلا مواربة وعلت ملامحه الجدية:"نعم أبي تفعل هذا وتستمع إلى مريم حين تشتكي من خروجي وسهري رغم أنك تعلم أنني لا أفعل شيئا خاطئا وتلومني أمامها حتى أصبحت تشعر أنها صاحبة حق...."

قال صالح وقد تفاجأ من هجوم ابنه:"كل هذا بداخلك يا يوسف؟؟..."

زفر يوسف قائلا:"أنا ليس بداخلي شىء أبي أنا أقول لك هذا دائما وأنت من تشعرني أنني لا زلت صغيرا..."

الولد الصغير كبر والسياج الذي كان يحيطه به خوفا عليه ورغبة في أن يصبح طوعه نزعه يوسف بنفسه ... لم يجد صالح ما يقوله أمام عِناد ابنه فصمت فأردف يوسف :"حسنا ما دام صاحبك لن يأتي ومادام لدي موعدا مساءا فبالكاد أذهب إلى المنزل لأتناول الغداء وأرتاح قليلا ....ألن تأتي معي؟..."

"لا لن آتي..."

قالها صالح باقتضاب فشعر يوسف أنه زادها مع والده فقال ملطفا الأجواء بمزاح رائق:"هل ستبقى هنا أم ستذهب إلى بيتك الثاني؟..."

قال صالح بابتسامة صغيرة:"لا سأذهب للثالث..."

قهقه يوسف ضاحكا ثم مال على رأس والده مقبلا وأردف :"أراك في البيت يا حاج صالح....."

وما أن خرج يوسف وأغلق باب المكتب خلفه حتى وجد رجل تقريبا في منتصف الخمسينات يدخل إلى المكتب يقول لعزة السكرتيرة الجالسة خلف مكتبها :"السلام عليكم انستي لدي موعد مع الحاج صالح...."

قالت عزة بابتسامة مجاملة:"السيد عبدالمنعم؟..."

أردف الرجل بابتسامة ودودة :"نعم انه أنا.."

ولكن يوسف لم يكن يركز معه بل كان يركز في الفتاة الساحرة التي كانت تتبعه ،فتاة ربما في النصف الثاني من العشرينات خمرية البشرة بوجنتين حمراوين وشعر أحمر ناري تتناثر خصلاته على جانبي وجهها وعلى منتصف رأسها وشاح صغير، وهي ما أن رأته يصوب نظراته المتفحصة نحوها حتى ابتسمت ابتسامة صغيرة خجولة فتنحنح هو قائلا:"أهلا أستاذ عبدالمنعم انتظرناك كثيرا حتى أنني ظننتك لن تأتي..."

نظر إليه عبدالمنعم ومن لقاؤه بصالح خمن من الشبه أنه ابنه فأردف :"أنت يوسف أم حاتم؟."

ابتسم يوسف ابتسامة جذابة قائلاً:"يوسف.."

صافحه الرجل وأردف :"أعتذر عن التأخير ولكن سندس ابنتي كانت آتية من العاصمة والقطار تأخر بها وبالطبع لم أكن سآتي دونها فهي إلى جانب أنها ابنتي فهي من تدير الفرع في العاصمة معي ..."

ابتسم يوسف لهما قائلاً :"أهلا بكما في أي وقت..."

ثم بسط ذراعه يدعوهما للدخول وما أن دخلا مكتب صالح ثانية حتى استقام الأخير وصافح الرجل ورحب بابنته ونظر إلى يوسف نظرة متسائلة تعني(ألم تكن متذمرا منذ قليل وتريد الرحيل لما عدت؟)

فتنحنح يوسف قائلا لأبيه وهو يجلس أمام السيد عبدالمنعم:"كما قلت أبي الغائب حجته معه القطار تعطل بالانسة..."

"سندس اسمي سندس..." قالتها سندس برقة وهي تجلس بجوار والدها مباشرة

فأردف يوسف بابتسامة صغيرة:"أهلا وسهلا..."

وكانت عيني صالح عليه تتابعانه بتركيز فصالح خبير بكل خفايا ابناؤه ويحفظ سكناتهم وحركاتهم عن ظهر قلب

**********

في المساء

بعد أن عاد يحيى من عمله وأخذ حماما منعشا جلس في غرفة المعيشة يفتح التلفاز أمامه يشاهد المباراة و أمامه على المنضدة الصغيرة صينية الطعام ،كان يأكل بنهم فهو ظل طوال اليوم يتنقل بين الأراضي الزراعية لمتابعة العمل بها خاصة وقد حدثه يوسف وأخبره بأن هناك تعاقدا جديدا مع سلسلة محلات للمواد الغذائية في العاصمة لتصدير الخضروات والفاكهة وهذا يعني أن عليه توريد كمية أكبر للمصنع في الأيام القادمة

أما يسر فكانت تجلس بجواره تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي على هاتفها فقال لها :"لما لا تأكلي معي؟..."

قالت له بابتسامة محرجة:"لقد تأخرت يحيى وشعرت بالجوع وماما غالية لم يكن أحد معها اليوم فأكلت معها..."

قال لها:"حسنا حبيبي ولكن المرة القادمة تأكلين قدرا بسيطا حتى تأكلين معي أيضا ثم أردف وفمه مملؤ بالطعام:تعرفين لا أستطيع أن آكل بدونك.."

قهقهت ضاحكة ضحكة من قلبها وهي تنظر إلى فمه المملؤ بالطعام وأردفت:"واضح يحيى انك لا تستطيع الأكل بدوني..."

ابتسم ابتسامة رائقة وأردف:"اتحدث بجدية أنا ..."

قالت له وهي تحتضن ذراعه بذراعيها:" حسنا حبيبي..."

غمز لها بعينه قائلاً:"بالنسبة للبدلة السوداء اللامعة التي دفعت فيها مبلغا وقدره متى ستحني علي وترتدينها؟..."

عضت على شفتها السفلى قائلة بحرج:"أنت تعلم الأيام السابقة كيف مرت على عنان وأنا كنت معها فلم يكن من اللائق فعل ما تريد..."

قال لها ساخرا:"وهل سأنتظر كثيرا أنتِ تعرفين أن عنان خزان أحزان وحزنها هذا سيطول..."

قالت بأسف:"حبيبتي ..أنا أرى فعلا أنها لا تهدأ بل يزداد حزنها..."

غمغم يحيى قائلا بجدية :"يسر... ستأخذ وقتها وتنسى وتعيش وتتزوج لا تحملين الهم هكذا ثم ضرب على سطح المنضدة التي أمامه قائلا بجدية مصطنعة:المهم متى سترتدين البدلة السوداء اللامعة التي دفعت فيها مبلغا وقدره...."

قهقهت بصوت عالٍ من تحوله هكذا وقالت بحنان:"حسنا حسنا لقد أشفقت عليك انهي طعامك فقط وأنا سأعد لك أجمل مفاجأة.."

صفق بيديه فكان أكثر شبها في هذه اللحظة بطفلٍ صغير وأردف بحماس :"استعنا على الشقا بالله..."

وما أن همت يسر بالقيام حتى رن جرس الباب فنظر كل منهما إلى صاحبه وأردف يحيى :"لا تفتحي ليس لدي استعداد لأي تأجيل..."

ابتسمت ابتسامة مشاكسة قائلة:"أضواء الشقة مضاءة وصوت التلفاز عالٍ فأين سنكون.."

ثم تركته واستقامت وفتحت الباب فوجدت أمامها حماتها فابتسمت لها قائلة:"أهلا عمتي تفضلي.."

دلفت نعمة للداخل وقالت ليسر:"لم أرى يحيى حين أتى أين هو؟..."

فقالت لها يسر وهي تغلق الباب :"بالداخل.."

دخلت نعمة إلى غرفة المعيشة فقال لها يحيى وهو يشير للطعام :"حماتك تحبك يا أمي.."

فأردفت نعمة وهي تجلس بجواره بلهجتها الساخرة دائما:"وأنا أحبها وأحب ابنها ولكني أكلت....ثم أردفت بتساؤل وفضول لم تستطع كبته أكثر من ذلك:لكما عدة أيام منذ زيارة الطبيب وكلما سألتك ماذا قال تتهرب من الاجابة كل مرة بحجة شكل "

توقف يحيى عن الطعام وتجهم وجه يسر الذي كان متوهجا منذ ثواني فقال يحيى:"ماذا تريدين أن تعرفي أمي؟... "

قالت بجدية:"أريد معرفة ماذا قال؟..."

زفر يحيى قائلا وقد أصبحت ملامحه هذه اللحظة شديدة الشبه بملامح يسر :"قال أن نحاول ثانية بعد فترة وهناك أدوية معينة نلتزم بها قبل الحمل وبعده باذن الله..."

ضيقت نعمة عينيها قائلة:"وقال أيضا أن السبب هو كونكما أقارب؟..."

صمت يحيى ولم يرد لثانية فأردفت يسر بجدية لا تخلو من بعض الحدة:"نعم عمتي قال هذا...."

ناظرتها نعمة قائلة :"وقال متى تستطيعان المحاولة ثانية؟.."

قالت يسر بمنتهى الصراحة وكأنها تريد لنعمة أن تأخذ الجرعة كاملة وترحمها من الأسئلة ماتبقى من العمر:"ليس قبل عام...."

ظهرت الصدمة على ملامح نعمة فأردفت كمن تكلم نفسها:"عام كامل؟.ثم سألتها بتوجس :وبعد هذا العام هل الأدوية التي تقولون عليها هذه تضمن أن يتم الأمر بلا مشاكل؟..."

قالت يسر وكأنها تلقي في وجه نعمة الحقيقة كاملة حتى ترتاح من عبء كانت تحمله فوق كاهلها:"لا... لا توجد ضمانة لأي شىء وارد تكرار نفس المشكلة ووارد أن نتجاوزها.."

نظرت نعمة إلى يحيى بصدمة ولم تنطق ... وهو أيضا لم ينطق

عمت فترة من الصمت على الجميع وكأن على رؤوسهم الطير فاستقامت نعمة بلا كلام وتركتهما ودلفت إلى شقتها وهي تحدث نفسها بما يشبه الهذيان:"عام آخر ينتظرانه وبعده إما جاء الولد وإما لا..."

كانت هاجر قد خرجت من الحمام للتو فوجدت أمها تكلم نفسها هكذا فأردفت بشك:"ماذا بكِ هل تحدثين نفسك؟.."

رفعت نعمة وجهها إلى صغيرتها التي قلما تتحدث هكذا معها وتؤثر العزلة وغمغمت :"وهل ما يحدث حولنا لا يجعل المرء يحدث نفسه؟.."

أما يسر ويحيى فمنذ أن تركتهما نعمة وهما كتمثالين متجمدين كلاهما لا ينطق فقطعت يسر الصمت قائلة باقتضاب :"ألن تكمل طعامك؟.."

قال لها بخفوت:"شبعت الحمد لله..."

فاستقامت لتحمل صينية الطعام وقبل أن تستدير بها لتغادر الحجرة قال لها :"سأنتظرك حتى نكمل خطتنا.."

"اعذرني يحيى لن أستطيع أصابني صداع شديد وأريد النوم...."

أومأ لها برأسه ايجابا وهو يتمتم بصوت غير مسموع:"قلت لكِ لا تفتحي..."

يعرفها حين تحزن تلجأ للنوم للهروب من واقعها

وتعرفه حين يحزن يلجأ للمزاح مدعيا عدم الاهتمام....

كثيرا ما نكون على تمام المعرفة بعيوبنا ونواقصنا ونظن أننا مختبئين خلف جدار صنعناه بأنفسنا ولكن ما أن ينكأ أحدهم موضع ضعفنا حتى نشعر أننا نتعرى أمامه وأمام أنفسنا وهذا ما تفعله نعمة دائما....

تجعلها تشعر أنها امرأة غير كاملة ينقصها أطفال يقفزون من حولها وإن كانت أحيانا لا تستنكر عليها هذا الحق...

بعد قليل كانت يسر قد خلدت إلى فراشها تغمض عينيها مدعية النوم وهي من داخلها تشعر أن جهود الأيام الماضية التي بذلتها لتقبل كلام الطبيب راحت أدراج الرياح بنظرة واحدة فقط من عيني نعمة اللائمتين... المستنكرتين... المشتاقتين إلى حفيد

شعرت بيحيى يندس خلفها فكانت تعطيه ظهرها وادعت أنها نامت بالفعل أما هو فاكتفى بأن ضمها بذراع واحدة حتى ألصق ظهرها فوق صدره ودفن وجهه بين خصلات شعرها السوداء العطرة ولم يعرف كم أمدها هذا الحضن وغمرها بهالة من السكينة والدفء وهذا ما كانت تحتاجه في هذه اللحظة... ثوان قليلة أدركت فيهم أنها تحتاجه الآن بشدة كما يبدو أنه أيضا يحتاجها فاستدارت حتى واجهته و لم يحتاج أي منهما إلى كلمات فقط نظرة واحدة يثبر فيها الآخر أغوار صاحبه فمشاعرهما دائما هي من تجذبهما لبعضهما البعض ومشاعرهما وحدها هي القادرة على اذابة أي حزن أو ضيق أو ألم ليتحول إلى طاقة من فرح و نور ووهج

*************


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس