عرض مشاركة واحدة
قديم 21-06-21, 06:23 PM   #317

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

يمشي على قدميه لكنه لا يشعر بهما كأنه مٌحلقا في السماء ... روحه خفيفة وصوت القرأن الذي يخرج من شغاف قلب قارئه الذي لايراه لكنه يسمعه بكل حواسه يجعله سارحا في ملكوت الله وهو يخطو بقدميه على السجاد الأحمر لهذا المسجد العتيق ورائحة نسيم الصباح تخترق صدره فتنعشه و....
"الله أكبر الله أكبر... الله أكبر الله أكبر ... أشهد أن لا إله إلا الله"
فتح معتصم عينيه فجأة وصوت آذان الفجر يخترق أذنيه ليجد نفسه في شقته على فراشه فيوقن أن كل ما كان حوله ما هو إلا حٌلم من أحلامه ...
تنهد وهو يردد خلف المؤذن وما زال جسده مغمورا بهالة النور التي كانت تحيطه في حلمه وتسائل لوهلة هل ما يراه على فترات متقاربة هذا يسمى أحلام أم لها تسمية أخرى ؟...
وما مغزى هذه الأحلام؟...
لم يجد اجابة لأسئلته كالعادة فنفض عنه الغطاء ليصلي الفجر ويستعد للذهاب إلى وجهته


بعد صلاة الفجر مباشرة أخذ صالح زوجته وابنيه وزوجة ابنه والصغيران وانطلق إلى بيته فلديه أعمال كثيرة اليوم هو وولديه
بعد أن رحلوا استأذنت يسر من جدتها وصعدت إلى شقتها أما عنان التي كانت تصلي الفجر مع جدتها وعرفت منها قبلا أن اليوم هو يوم زيارتها لجدها عمران حتى ظلت معها لحاجة في نفسها
نزل معتصم من شقته وهو يرتدي جلبابا أنيقا مهندما بلون أسود وفوقه عباءة مفتوحة من الأمام بالكامل تستقر فوق كتفيه بنفس لون جلبابه فوجد عنان تجلس مع غالية فأغمض عينيه لثانية ثم فتحهما مرة أخرى وقد ارتدى قناع البرود واكتست عينيه بنظرة لا تعني أي شىء رغم أنها تعني كل شىء
قال لغالية بصوت هادىء خشن:"هيا أمي حتى نأتي قبل شروق الشمس...."
قالت غالية وهي تشير إلى عنان:"عنان ستأتي معنا..."
مط شفتيه قائلاً بتساؤل:"لماذا؟.."
رفعت عنان وجهها إليه قائلة ببرودها الذي اكتسبته في الفترة الماضية لمداراة شرخ روحها وجرح قلبها:"أريد زيارة جدي.... أم أن الزيارة حكرا عليك فقط ..."
ضيق عينيه وقد علم من نظرة عينيها مبتغاها من الزيارة وأردف ببرود يفوق برودها:"لا إذا كان على زيارة جدك فلن يمنعك أحد المهم استأذنتي خالي يونس؟.."
"بالطبع..."
قالتها بملل فتوجه هو بنظره إلى غالية قائلاً:"هيا أمي..."
**********
"السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.."
ما أن دخل ثلاثتهم إلى الأرض الفضاء الواسعة التي تضم قبور من رحلوا حتى ألقوا السلام بوجل ورهبة ووقفوا على قبر فقيدهم يقرأون له الفاتحة ويدعون له بالرحمة ..لم تنقطع غالية عن زيارة زوجها طوال السنوات الماضية ،كانت تذهب إليه كل فترة تزوره وتقص عليه ما يحدث مع أبناءهما وكان معتصم هو رفيقها الدائم في هذه الزيارات


كانت حدة ظلام الليل قد كسرها قبس من نور الصباح بدأ يلون سواد الليل باللون الأبيض ورويدا رويدا بدأ الظلام ينقشع لتصبح السماء في بياض الثلج وما زالت الألسن تلهج بالدعاء لمن رحل بجسده و روحه باقية إلى أن قالت عنان وهي تنظر إلى نقطة خلفها:"ماما أنا هناك لن أبتعد...."
وكان هذا الهناك هو قبر رماح الذي يبعد عدة خطوات عن قبر جدها عمران
لم تكن غالية غافلة عن انفعالات ابن قلبها حتى مع نظرته الجليدية وتخشب جسده ....و إن لم تشعر به هي فمن سيشعر؟...
قالت له وهي تنظر خلفها إلى عنان التي تقف أمام قبر زوجها الراحل:"ستأخذ وقتها في الحزن ولن يستمر طويلا فلا فرح يدوم ولا حزن يدوم..."
نظر أرضا إلى الرمال من تحت قدميه قائلاً بقنوط:"حتى إن زال الحزن فقد تهشمت روحها فهل بعد أن يتفتت المصباح إلى شظايا تستطيعين جمعه أمي؟..."
شعرت بالحزن يتسلل مع كلماته فأردفت :"لا أحد يعلم ما يخفيه لنا الغد يا ولدي...."
أومأ برأسه بصمت ثم عاد لينظر حوله إلى الأرض الواسعة ونسمات هواء الصباح تضرب في وجهه ورائحة الراحة والسكينة تحاوطه فأردف قائلاً لغالية وقد شعر بأن جزأ مما يحتجزه في قلبه يريد أن يبوح به فأردف قائلاً:"رغم اشتياقي إلى رؤية أبي إلا أنني كنت أتمنى في بعض الأحيان أن يكون قد مات وله قبر أعرفه وقتها كنت سأرتاح أكثر ...."
تنهدت غالية قائلة:"الله وحده يا ولدي من يعلم إن كان حي أم من سكان القبور..."
مط شفتيه قائلاً:"حتى سكان القبور أحسدهم أحيانا لأن مصيرهم معلوم نترحم عليهم ونحن موقنين أن رحماتنا ستصلهم أما من لا نعرف له وجهة أو عنوان فهذا ما يجعل العقول تشت من التفكير أمي..."
"هونها على نفسك حبيبي ..."
قالتها بشفقة وهي تربت على كتفه


"لماذا؟..."
قالتها عنان بصوت هامس حانق وهي تجز على أسنانها
فكان الصمت هو الرد على سؤالها فأردفت وهي تقف بشموخ وتنظر للأسفل :"لا أسألك لماذا تزوجت لأني أعرف السبب ولكني أسألك لماذا أخفيت عني؟؟؟.لماذا خدعتني وقلت أنك لن تفعلها أبدا؟... لماذا قلت لي مرارا أنك تحبني وتكتفي بي عن نساء العالمين؟.."
كتمت صرخة كانت تريد أن تشق طريقها فتنفجر في قلب الصحراء الشاسعة بدوي عالي وخانتها عينيها وسال منهما خيطين من الدموع وأردفت:"تعرف مالذي يؤثر بي؟.. إنني عندما رأيت ابنك حن له قلبي ...ثم ضربت على قلبها قائلة بقهر:لم أستطع كرهه بعد مافعلته بي...أنا لم أستطع أما أنت فاستطعت خداعي لسنوات ولا أعرف هل سأتجاوز ما فعلته بي أم لا ولا أعرف هل سأستطع في يوم من الأيام أن أدعو لك بالرحمة من قلبي أم لا...."
شعرت بالحقد عليه أكثر و الغيظ أنه ليس أمامها لتنهش وجهه بأظافرها عل قلبها يرتاح فقالت بغل وحنق:"لا دخل لي بك بعد الآن فهذه هي أخر زيارة لك ،جئت فقط لأخبرك أن كذبتك كُشِفت وأنني عرفت كل شىء وأن الولد جاءك من غيري ورحلت أنت... ثم أردفت بمرارة: أي حظ هذا الذي يجعل الولد يأتيك بعد رحيلك؟؟؟ضربت الأرض بحذائها وقالت بصوتِ عالٍ خرج دون ارادتها:"ليس لي دخل بك بعد الآن ولن أشغل نفسي إن كانت تغمرك رحمة ربي أم تكن في قاع الجحيم......"


حين على صوتها وحاوطها الغبار الذي أثارته بقدميها فصنع حولها دائرة أشبه بفجوة تكاد أن تبتلعها هرع إليها مُعتصم دون تفكير وكان بينه وبينها خطوات ليست بالقليلة لا يعرف كيف قطعهم في خطوات معدودة وحين وجد وجهها مخضبا باللون الأحمر وعينيها متقدتين قال لها وهو يبسط كفه أمامها:"هيا عنان سنرحل ..."
رفعت إليه عينيها الداميتين المتوهجتين بالغضب وهي تشعر بالخجل أن رأها أحد بهذا الحال فزمت شفتيها وحاولت التماسك وسارت معه خطوتين ثم نظرت خلفها نظرة واحدة
نظرة حملت من الغضب والكره واللوم الكثير وما أن وصلت حيث تجلس غالية حتى نزع معتصم عبائته عن كتفه وهو ينظر إلى عباءتها السوداء التي تغبرت وجسدها الذي ينتفض وقال وهو يخفض عينيه عن مستوى عينيها :"ضعي هذه عليكِ يبدو أنكِ تشعرين بالبرد..."
كانت بالفعل تشعر بجسدها كله ينتفض لذلك لم تجادل وأخذتها منه ودثرت نفسها بها رغم أن الجو لم يكن باردا ولكن البرودة كانت تنبعث من داخل قلبها


بعد قليل كان معتصم يقود سيارته متجها إلي البيت وفي المقعد الخلفي كانت عنان تستند برأسها على كتف غالية تستمد من قربها دفئا تفتقده روحه ورغما عنها يسترجع عقلها كل كلمة قرأتها على هاتفه لنسرين وكل رسالة صوتية سمعته فيها يهمس بكلمات حميمة مع امرأة أخرى غيرها فتشتعل نيران قلبها من جديد
*********
في مصنع آل عمران لتصنيع المواد الغذائية
وقف يوسف مع سندس يشرح لها بحماس كيفية العمل وكفاءة المعدات في المصنع وخطوات التصنيع وهي تسير بجواره تتأمل ما حولها باعجاب فهي المرة الاولى التي تتعامل فيها عن قرب مع أحد المصانع التي يتعاقدون معها
دلف حاتم فوجد يوسف يسير بين المعدات برفقة سندس فاقترب منهما ووقف بجوار يوسف قائلاً:"أهلا بكِ أنرتِ المصنع.."
ابتسمت له ابتسامة أنيقة قائلة:"أشكرك..."
فمال على أذن أخيه قائلاً بصوت هامس:"مالذي تفعله هنا أليس مكانك في الشركة لتوقيع العقود ؟..."
ابتسم يوسف ابتسامة أنيقة في وجهها دون أن ينظر إلى أخيه وأردف بهمس هو الآخر:"كانت تريد رؤية خطوات التصنيع فهل أقول لها لا؟..."
كانت هي قد ابتعدت قليلا ما أن رأتهما يتهامسان منشغلة بالنظر إلى العمال وهم يعملون حولها
فأردف حاتم بسماجة:"وهل مريم تعرف بخطوات التصنيع هذه؟.."
قال يوسف باستخفاف:"دعك من مريم الآن وركز مع فتاة المطعم خاصتك..."
قال حاتم بجدية :"كفاك سخافة لم تكن كلمة قلتها..."
رفع يوسف حاجبا واحدا وأردف:"أمزح معك منذ متى تأخذ الأمور بحساسية هكذا؟..."
تنحنح حاتم قائلاً:"لا عليك انسى الأمر ..ثم أردف بلهجة محذرة وهو يشير إلى سندس:ولكن احترس لأنني أرى في عينيها شىء غير مريح .... ضيق عينيه قائلاً:هل تعرف أنك متزوج؟.."
قال يوسف بلهجته المستخفة :"من أول مرة رأيتها فيها رأيت في عينيها شىء غير مريح؟..ثم قال وهو يغمز له بعينه:لم تأتي مناسبة أن أخبرها بأنني متزوجا ..."
ثم تركه واتجه نحوها أما حاتم فلم يشعر بالارتياح لا لسندس ولا لأخيه فتركهما حتى يكمل عمله وفجأة شعر بقرصة الجوع وشعر برائحة اللازانيا تفوح من حوله رغم أن المصنع للخضروات والفاكهة فقط
**********
بعد أن انتهى الصغيران من تدريبهما في النادي أخذتهما مريم إلى منطقة الألعاب فوضع زياد يده الصغيرة على بطنه قائلاً ببؤس:"لقد جعت ماما..."
قالت جنة :"وأنا أيضا أيضا...."
رفعت مريم حاجبيها قائلة:"ألم تتناولا الطعام في البيت؟.."
قال لها زياد بضجر:"تناولته وجعت مرة أخرى..."
فرددت جنة قائلة:"وأنا أيضا..."
ابتسمت مريم وقالت بحنان :"حسنا اجلسا هنا وأنا سأحضر لكما أي شىء من الكافيتيريا..."
جلس الصغيران وأخذت هي حقيبتها فأردفت جنة:"ألن يأتي بابا للجلوس معنا قبل أن نعود إلى البيت؟..."
قالت مريم باستسلام تام :"لا حبيبتي بابا لديه عمل هام وغير مٌتفرغ اليوم..."
"أبي ليس متفرغا كل يوم...."
قالها زياد ببراءة وبساطة فتنهدت مريم ثم تركتهما واتجت نحو الكافيتيريا التي لا تبعد عن منطقة الألعاب سوى بخطوات معدودة
وقفت تنظر إلى قائمة الطعام وطلبت سادويتشات سريعة فوقف الشاب يجهزهم لها بسرعة وحرفية في الوقت الذي سمعت فيه صوتاً مألوفاً يقول :"أريد أن أسخن هذا الطبق يا سعيد...."
رفعت وجهها نحو مصدر الصوت فوجدته كابتن شادي يدخل من باب الكافيتيريا بينما تقف هي في الخارج فالتقت عينيه بعينيها وابتسم لها بينما أردف سعيد :"تفضل يا كابتن ...."
ولم تمر سوى دقيقة كانت استلمت فيها طعام الصغار وكان شادي قد سخن طبق البسبوسة خاصته وما أن سارت خطوتين حتى كان خلفها ورائحة البسبوسة بعد أن تم تسخينها كانت نفاذة ومغرية للغاية فأردف هو ببساطة :"تفضلي معي ..."
نظرت إليه وهو يسير بمحاذاتها وأردفت:"أشكرك...."
قال لها بجدية:"صدقيني لا أعزم عليكِ لابد أن تتذوقي بسبوسة أمي..."
ضيقت عينيها وأردفت:"وما الذي أتى ببسبوسة السيدة الوالدة هنا؟..."
قهقه ضاحكا وملأت الضحكة وجهه وأردف وهو يتطلع باعجاب في ملامح وجهها الحلوة :"لا تسخري مني ولكن أمي من النوع الذي توقف بها الزمن معي عند العاشرة ولا زالت حتى الآن تضع لي الطعام في حقيبتي والحقيقة أنني لم أعد اعترف بطعام سوى طعامها..."
قالت له وقد وصلت بالفعل إلى منضدة أبناءها:"بارك الله لك في عمرها..."
أخذ منها الصغار الطعام وبدأ كل منهما في تناوله وشادي لايزال واقفا يعرض عليها أن تتذوق وهي ترفض بأدب إلى أن يأس فقال لها :"حسنا ربما لا تحبينها ثم أردف للصغار بلهجة حماسية:تناولوا طعامكما جيدا أريدكما أقوياء دائما..."
قال زياد وفمه مملؤ بالطعام:"حسنا كابتن...."
استأذن منها شادي بابتسامة حلوة وجلس على منضدته التي كانت قريبة منهم أما هي فأعطته ظهرها وابتسمت ابتسامة صغيرة فهو لطيف في كلامه وابتسامته دائما على وجهه ربما لأنه لا يزال شابا ولا يحمل للدنيا هما ورغم أنها ليس لها في أي طرق ملتوية إلا أن ابتسامته مع نظرته المعجبة دائما تجعلها تشعر بأنها لا زالت أنثى ...رغما عنها مع مسئولية الأولاد التي تحملها وحدها ومع انشغال يوسف المستمر هناك جزء منها يتوق للشعور بأنها أنثى...


بعد ساعتين وبعد أن أكل الصغار ولعبا رن هاتفها فالتقطته بضيق وردت على يوسف قائلة بحنق:"أين أنت حتى الآن ولما لا ترد وتغلق الخط كلما اتصلت؟.."
قال لها وهو ينهي بعض الأوراق بعد أن عاد إلى الشركة :"كنت مشغولا في المصنع مريم ماذا حدث؟.."
قالت له بفتور:"لم يحدث شىء كيف سنعود إلى البيت؟.."
قال لها :"حاتم سيمر عليكم بعد قليل.."
"وأنت متى ستأتي؟.."
"حين أنهى ما في يدي...."
"حسنا سلام...ثم استطردت بسرعة:يوسف "
"نعم..."
"أشتهي البسبوسة أحضرها لي عند عودتك..."
قال لها بسرعة:"حسنا سلام...."


في المساء
عاد يوسف من العمل وجلس بالأسفل لتناول طعامه بعد أن أعدته له مريم وبعد تناول الطعام شعر بالثقل فقال لوالده الذي كان يجلس أمام التلفاز يتابع أهم الأخبار:"تصبح على خير أبي.."
قال له صالح :"وأنت بخير حبيبي...."
قال يوسف للصغار :"هيا...."
فقال زياد وهو يتمسك بجده ويحتضنه:"أريد أن أبيت مع جدي...."
وقالت جنة وهي تنام على كتف جدتها:"وأنا أيضا..."
فقالت ليلة لولدها:"اتركهما يوسف واصعد أنت وزوجتك..."
قال يوسف لمريم متهكما:"أنا أرى أن تنجبي مرة أخرى وتستعوضي الله فيهما .."
ابتسمت ابتسامة شاردة ولم ترد
وفي الأعلى دلف كل منهما إلى الحمام واغتسل وبدلا ملابسهما وما أن وضع يوسف رأسه على الوسادة حتى أغمض عينيه فقالت له وهي تستند بمرفقها على الفراش وتميل نحوه:"هل ستنام؟.."
قال بارهاق وبعينين مغلقتين:"تعبت جدا اليوم مريم ما بين الشركة والمصنع..."
مطت شفتيها باستياء قائلة :"وأنا أيضا تعبت ما بين البيت والأولاد والنادي..."
فأردف بصوت ناعس:"نامي إذن ما دمتِ متعبة...."
قالت له وهي تتأمل ملامحه الوسيمة الهادئة وهو مسترخي هكذا:"لم لم تحضر لي البسبوسة؟..."
قال لها بصوت ذهب بالفعل في أول مراحل النوم:"نسيت..."
استلقت بجواره وقد راح بالفعل في نومه وأردفت بفتور:"حسنا يا يوسف...لا عليك ليس صحيا من الأساس أكل البسبوسة...."
**********
في الصباح

دلف معتصم إلى القسم بخطوات سريعة وملامح وجه جادة وما أن دلف إلى الداخل حتى وجد من تسرع خلفه قائلة بنبرة عملية وبصوت عالٍ قليلاً :"صباح الخير سيادة الرائد...."
رفع حاجبيه ونزع نظارته الشمسية قائلاً وهو يكمل خطواته:" صباح الخير أستاذة هند مالذي أتى بكِ في الصباح الباكر هكذا؟ هل حدثت جريمة جديدة وأنا لا أعرف؟..."

مطت الصحفية الشابة شفتيها قائلة وهي تلهث خلفه:" لا سيادة الرائد بل قديمة...."

كان قد وصل إلى مكتبه فألقى التحية على الصول الواقف أمام المكتب ثم دلف للداخل فدلفت خلفه فأردف بخبث:" هل حدثت قضية قديمة وأنا لا أعلم بها ؟"

شعرت بالغيظ منه لمماطلته لها فقالت بهدوء مصطنع :"بل جريمة القتل التي حدثت منذ عدة أيام ما أخر المستجدات بها؟..."

سحب سيجارة من علبة سجائره وأشعلها ببطء وهو يستند على ظهر مقعده وأردف وهو ينفث دخانها :"كما قلتِ منذ عدة أيام لم يجد جديد بعد..."

ازداد غيظها منه فهي تعلمه لا تخرج الكلمة منه وأستاذ في فن المماطلة فقالت بصوت لين قليلاً :"انا أريد أن يكون السبق لجريدتنا ككل قضية فإذا كان هناك ولو معلومة صغيرة للنشر أكون شاكرة...."

فأردف بعينين عابثتين وهو يضيق حاجبيه

:"وهل إذا كانت هناك معلومات سنسربها للصحافة بهذه البساطة قبل أن نقبض على الجاني؟..."

حركت عينيها يمينا ويسارا ولم ترد فأردف :"حين يجد جديد سنصرح باذن الله"

ابتسمت له ابتسامه صغيرة وأردفت: "وأنا في الانتظار"



استأذنت منه بعد أن فشلت في نزع أي معلومة صغيرة منه وما أن خرجت حتى فلتت من بين شفتيها ابتسامة وقلبها يردد:" لو لم تكن بهذه الوسامة و الجاذبية والشخصية الآسرة لما تحملت برودك وصلفك لثانية واحدة...."

بعد قليل وبينما يعمل هو على أوراق القضية التي معه حتى جاءه اتصال باجتماع عاجل يعقده السيد "هشام الجندي" مأمور القسم ورئيسهم المباشر مع وحدة البحث الجنائي فترك ما معه و ما أن خرج من باب مكتبه حتى وجد معظم زملاؤه في طريقهم إلى الاجتماع فساروا خلف بعضهم كخلية نحل

أما بالداخل فجلس السيد هشام على رأس طاولة الاجتماعات و جميع الشباب حوله وبعد أن ألقى عليهم جميعا السلام أردف قائلا لمعتصم :"ما أخبار قضية مقتل الأستاذ الجماعي القضية تحولت إلى قضية رأي عام وليس من مصلحتنا التأخير في اكتشاف الجاني أكثر من ذلك...."

قال معتصم بثقة وهو يثبت عينيه في عيني الرجل:" يعمل الفريق كله على كشف غموض الحادث أعدك أنه قريبا جدا سنصل إلى الجاني..."

قال الرجل وهو يشدد على حروف كلماته:" بأقصى سرعة يا معتصم ثم نظر إلى الفريق الذي يعمل مع معتصم والمكون من سامح و معتز و سيف قائلا: الهمة يا شباب حتى تنالوا ترقيتكم بأقصى سرعة..."

همهموا جميعا في صوت واحد بوعود بالعمل الجاد فألقى الرجل نظره على خالد الجالس بجوار معتصم وهو صديقه ودفعته وأردف :"وأنت خالد ما أخبار القضية التي معك ؟..." فأخذ خالد يعرض عليه أخر مستجدات القضية هو وفريق العمل خاصته

************

بعد أن انتهى الاجتماع ذهب كل منهم إلى وجهته فمنهم من ذهب إلى مكتبه ومنهم من خرج في مهمة بحث خارج القسم أما معتصم فكان يجلس خلف مكتبه يدرس أوراق القضية التي معه بتركيز حين طرق سامح باب مكتبه ودلف قائلاً له:" كيف حالك يا باشا؟..."

رفع معتصم عينيه عن الأوراق قائلا:" للتو كنا معا لم تفتقدني بعد ...ادلي بدلوك أجد على لسانك كلمات تريد أن تقولها..."

ابتسم سامح وهو يجلس على المقعد المواجه للمكتب قائلا:" دائما تقرأ الكلمات على لساني يا سيادة الرائد قبل أن أقولها...."

ابتسم معتصم فأردف سامح بتوجس:" هل كان يقصد هشام باشا أنه إن لم نحل غموض الحادث واكتشاف الجاني فلا توجد ترقية؟.."

مط معتصم شفتيه قائلاً وهو يدور بمقعده الدوار يمينا ويسارا:" هل أنت تعمل في القضية أو في المباحث بشكل خاص فقط للحصول على الترقية؟..."

قال له مصححا:" لا أقصد أنا أقصد...

قاطعه معتصم قائلاً وهو يثبت عينيه في عينيه :" أعرف ما تقصده وأريدك أن يكون نصب عينيك فقط تحقيق العدالة حتى تستطيع أن تعمل بجدية، إن وضعت نصب عينيك أنك تعمل فقط لتحصل على الترقية ..أشار إلى رأسه قائلاً: ذهنك هذا لن يصل إلى أي نتيجة في عملية بحثك عن الحقيقة..."

تنهد سامح قائلاً:" عندك حق يا باشا أنت تعرف فقط حماس البدايات والرغبة في أخذ الترقيات العادية والاستثنائية وما إلى ذلك..."

ابتسم معتصم له كأنه أخيه الأصغر وأردف:" أعرف... وأعرف مدى كفاءتك لذلك أنصحك..."

تنهد سامح قائلاً:" سأذهب إلى مشوار هام الان ربما يساعدنا كثيراً ثم أردف وهو يرفع حاجبيه: القضية ليست سهلة كما تصورت لا يوجد دليل واحد يوصل إلى الجاني ...ثم استقام قائلاً: عامة سأذهب إلى مشواري وأسأل الله التوفيق..."

أومأ له معتصم برأسه وعاد بعينيه إلى أوراق القضية التي أمامه وأعطاه سامح ظهره وما أن وصل إلى باب الغرفة المغلق حتى أردف معتصم دون أن يرفع عينيه عن الأوراق :"سامح ...."

التفت إليه سامح في لحظتها فأكمل معتصم وهو على وضعه:" فتش عن المرأة.... انهن أساس ثلاثة أرباع الشرور على هذا الكوكب بشكل مباشر والربع الأخر هن أيضا أساسه ولكن بشكل غير مباشر....."

كانت نصيحة قدمها له بناءا على خبرته العملية وعلى بحثه لأوراق القضية

فضيق سامح عينيه باستنكار فهو لا زال يخطو أولى خطواته في اثبات نفسه عمليا و أردف:" جميع النساء يا باشا ؟..."

قال له معتصم دون أن يحيد عن أوراقه:" جميعهن إلا أمي و أمك...."

وبالطبع كان يقصد أمه غالية

***********

في نهاية اليوم وبعد أن استبد التعب الذهني والجسدي بمعتصم مدد جسده على الأريكة في زاوية حجرة مكتبه وهو مغمض العينين وصور عنان تترائى أمامه في شريط متسلسل



حزين على حالها وحزين أكثر على حاله

فليس هناك أصعب من أن تحب ولا تجد ممن تحبه سوى التجاهل وهو رغم أنه اعتاد على ذلك منذ زمن إلا أنه يشعر بالقنوط هذه الأيام

عاد بذاكرته إلى سنوات طويلة للخلف حين كان في كليته وينزل اجازات فيجد تعلقها برماح يزداد يوما بعد يوم ،كان يتمنى لو يلمح نظرة حب في عينيها له ولكنها بكل بساطة كان قلبها مع أخر وكلما اقتربت هي ورماح من بعضهما كلما كان يزداد نقمة ويكره تواجده في المنزل لذلك كان هاربا دائما بسببها

رن هاتفه فقطع سيل أفكاره فرد على محدثه قائلاً:" أهلا مجدي كيف حالك؟"



أردف مجدي زميله الذي يعمل في أمن المطارات :"معتصم اسمعني بسرعة أنا لست في العمل أنا في إجازة مع أسرتي في العاصمة ولكن حدثوني للتو من المطار بأن هناك رجل بالاسم الذي تبحث عنه منذ فترة اسمه محمود الرحماني وصل إلى مطار (..... )على متن الطائرة القادمة من( .....) و طلبت منهم احتجازه حتى أخبرك...



انتفض معتصم واقفا ما أن سمع كلمات صديقه واتسعت عينيه عن آخرهما وشعر بقلبه يضرب في صدره بعنف حتى شعر أن قلبه سيتوقف فازدرد لعابه قائلاً بصوتٍ خشن متهدج:" هل تتحدث بجدية يا مجدي؟..."

"وهل هذا الحديث به مزاح!..."

"حسنا اغلق وأمرهم ألا يتركوه حتى أذهب إليهم أنا مسافة السكة وأكن هناك..."

أغلق مع صاحبه وهو يندفع خارجا من غرفته ولا يرى أمامه ويصطدم بكل من يقابله والجميع ينظر إلى حالته الغريبة بتعجب....

لم يكن يمشي على الأرض بل كان طائرا وكل ذرة في جسده تصرخ قلقا وانفعالا

،أدار محرك سيارته وانطلق بها بأعلى سرعة وقلبه يصرخ هل حقا والده قد عاد ؟ ولما لم يعد مباشرة إلى هنا لما عاد على محافظة أخرى؟

فرد عقله ربما لم يجد حجزا على هنا فحجز على هناك

ماذا سيفعل معه.. هو لايعرف من الأساس أن له ابنا كيف سيتقبله؟...

"لا بأس يا معتصم اهدأ المهم أن تجده وبعدها كل شىء أمره هين..."

قالها لنفسه ليٌطمئن قلبه الخافق في صدره

له سنوات يشتاق إلى هذه اللحظة

له سنوات يشتاق لأب كل العلاقة بينهما هو اسم في شهادة الميلاد

يقولون أن الله قد يجمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

فهل يجتمعان؟؟؟؟

نهاية الفصل
أتمنى الفصلين يكونوا لاقوا عندكم قبول حسن وهنتظر آراؤكم وانطباعاتكم بإذن الله



التعديل الأخير تم بواسطة Heba aly g ; 21-06-21 الساعة 07:08 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس