عرض مشاركة واحدة
قديم 04-07-21, 04:36 PM   #41

إسراء يسري

? العضوٌ??? » 475395
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 631
?  نُقآطِيْ » إسراء يسري is on a distinguished road
افتراضي رواية وأشرقت الشمس بعينيها


الفصل الثامن ...

: الفصل..الثامن ...

ساعة القضاء يعمى البصر ..
تغلق العقول ..
وتنمحي البصيرة
وهنا لا مجال لإنذار احذر هناك مصيبة في الطريق ..!

لم تكُف عن البكاء سوى من غفوة صغيرة تكاد لا تصل إلى دقائق معدودة ربما جسدها هو ما أخذها من إليها قسراً حتى استيقظت على... أو بالأحرى دبت صافرات الإنظار في جسدها لتجمد الجسد المجوار لها وسكون أنفاسه..
انتفضت سنابل بهلع وهي تهزه بإرتعاش قائلة من بين غشاوة دموعها:
"همام استيقظ "
والجسد متجمد .. الأنفاس خامدة.. والروح مفقودة
لكن العقل البرئ لا يدرك
الدموع تتساقط ..تنهمر كالسيل.. الغشاوة تغمي العين
فيرتعش الكفين على جسده تحركه
بقوة
بهلع !!
تمسح دموعها بعنف وصوت الشهقات المرعوبة يعلو ومازال العقل البرئ لا يدرك مدى المصيبة الواقعة !
تمسك وجهه المثلج بين كفيها اللذان لا يقلان عنه برودة وقد انسحب الدم تاركاً المجال للخوف أن يسيطر !

لكنها لا تدرك
رباه مابه ؟
لما لا يرد عليها وما تلك البرودة المسيطرة عليه ؟
لما لا يفتح عينيه ؟!
تربت على وجنته بأحد كفيها والآخر يمسح دموعها
غشاوة العقل مُغلَقة عن عُري الجسد !
الم لا وقت له ينتشر بسائر جسدها لكنها لا تأبه له وهي تواصل التربيت عليه في أنحاء مختلفة عله يستيقظ
والتربيت تحول لضربات متوالية والضربات ترافق التوسل الباكي أن يقوم
أن يستيقظ...
أن يطمئنها ...
أن يخرج قبل أن يأتي أحد ...
لكنه لا يرد!!!
لا يستجيب!!!!
هل جن؟!
هل هذا وقت مقلب سخيف منه ؟
بأيدي مرتعشة تسحب قميصها الداخلي المكوم بآخر الفراش وترتديه على عجل وبعض من الخوف أن يأتي أحد يتسلل لعقلها المذعور فينتبه قليلاً
قليلاً فقط
تجثو على ركبتيها وهي تناديه بصوت مبحوح والفكرة المأساوية تضئ في عقلها
فتهز رأسها نفياً مراراً بجنون وهي تهذي بتوسل مناديه باسمه ولا يستجيب
رباه !
دقات القلب تكاد تيقظ الميت من فور سرعتها
ميت!
تتسع العينين بهلع أبدا ً لا يساويه الذعر السابق بشئ
تلطم وجنتها بأحد كفيها والآخر يفعل المثل مع وجنته الباردة
"همام... هم..ام...ه..م..ا..م "
البُكاء يحكم صوتها فتختنق بإرتعاش
تنتحب بصوت عالي غير دارية
تميل إلى أنفه علها تشعر بنَفسه لكن لا حياة لمن تنادي
والنحيب يتحول لصراخ مدوي لا تسمعه أذنيها لكن الجدران فعلت
والصراخ أصبح جعير بالصوت وكأنها جنت فلا تدري بصوت الباب الخارجي الذي فُتِح للتو
أهو باب الدار ؟
أم باب من الجحيم !!
*********************
قبل دقائق

وقفت " سيدة " والدة سنابل أمام باب البيت تُخِرج مفتاحها من جيب عبائتها السمراء ذات القصة المستديرة وهي تبرطم قائلة :_
"يجب أن يظل مع المحروسة حتى يطمئن عليها فربما هي المرأة الأولى التي تلد في الدنيا "

تلوي شفتيها مواصلة :_
"ماذا لو لم تكن هذه الولادة الرابعة لها ..منذ أن تزوجها وهي كالأرنبة تأكل وتلد"
تضع المفتاح في (كالون) الباب وهي تديره قائلة :_

"دقائق وسأجده ورائي كي يحضر غطاء زائد للمحروسة "

صرخة مذعورة أتت مكتومة من الداخل جعلت المفتاح يقع من يدها وهي تفتح صدرها تتفُل فيه برعب ثم تتناول المفتاح تفتح الباب مسرعة وقد وقع قلبها بين قدميها من صراخ ابنتها الواصل من غرفتها

"(بت) بنت يا سنابل " صرختها بخوف وهي تخلع وشاحها الأسمر ترميه على طول ذراعها تفتح باب غرفة ابنتها ترى ما بها
ولم تكن في أحلك كوابيسها سوادا ً أن تتوقع ما ترى الآن !!

وقفت جاحظة العينين تهز رأسها بنفي وگأنها تريد أن تُكذب بشاعة المشهد أمامها
تخلخل الدم في ركبتيها فخانتاها وسقطت أرضاً وجسدها بأكمله يؤل لفعل المثل
ابنتها الصغيرة جاثية على ركبتيها على الفراش بقميصها الداخلي القصير
شعرها الأسود الطويل مشعث وكأنها خرجت من حرب مجنونة
صوت نشيجها يعلو بذعر وكأن الشهقة تخرج مرتعشة لكن ما ذبح قلبها و أودى بعقلها إلى الجنون
هو الجسد الراقد على الفراش دون حراك والذي لم يكن سوى لخطيب ابنتها
همام !!
صوت ابنتها الذي يجعر دب الخوف في جسدها الواهن فزحفت على ركبتيها وهي تغلق الباب خلفها
حتى وصلت إلى حافة الفراش فأخذته عكازاً كي تقف وليتها ما فعلت !
فالفراش المدنس ببقعه صغيرة باللون الوردي يفي لشرح ما حدث
تحاول أن تُخرِج صوتها فلا تستطيع ... فتشهق محاولة أن تَعُب الهواء في صدرها وهي تنقل نظرها بين الجسدين أحدهما خامد بلا حراك والآخر يماثله سوى من صوت الشهقات المذعورة
وأخيراً فاقت وقد دبت الحمية في عروقها فتقترب من ابنتها التي ربما أصابها الجنون
تشد شعرها بخشونة قائلة بقسوة :_

"ماذا فعلتِ يا فاجرة ؟"
تلطم وجهها بقسوة وهي ترميها على الجسد الآخر غير مدركة لما حدث له تصرخ بعنف:_
"أقسم أن اقتلك واقتله ونائم أيضاً والله لن يطلع عليكم صباح "
واللطمة أخرجت سنابل من حالة الجمود الباكي وهي تنتفض كالملسوعة من على جسد همام وقد دخلت في نوبة هستيرية باكية وجسدها كله يرتعش هاذيه:_
"مات ... هو لا يرد... لا نفس له ... مات ... همام تركني ومات
أبي سيقتلني ...همام ...مات "

التفتت سيدة للجسد الخامد برعب وشحوب وجهه الظاهر أصدق دليل على صدق هذيان ابنتها !
أخذت تلطم وجنتيها مراراً برعب وهي تنقل نظرها بينه وبين أثار عذرية ابنتها على الفراش

الروع من الفضيحة التي تلوح في سواد الأفق أعاد بعض التعقل لها فمسكت ابنتها من طوقها بعنف
تلطمها مرة أخرى على وجنتها وهي تأمرها بقسوة فتقمع الحديث بعقلها:_
"أفيقي ...أفيقي لعنة الله عليكِ لا وقت لجنونك وهذيانك الآن فأخيگِ على وشك القدوم "
والأخرى ليست هنا
الدموع تهطل من عينيها كالأنهار وكأنها تريد أن تجاوره اليوم
عَبّت الهواء القاسي في صدرها وهي ترميها جانباً غير عابئة بقسوة سقوطها أرضاً
تتجه للجسد الخامد أمامها والمغطى نصفه السُفلي
بأيادي مرتجفة
قلب يقرع توجساً من الفضيحة التي لا مفر منها
عقل يسعى لتأجيل صدمته
التقطت جلبابه الساقط أرضا تحاول أن تلبسه له
لكن الجسد متيبس
والوقت لا يسعفها
أي من زوجها أو ابنها ممكن أن يأتو الآن والله أعلم ماذا سيحدث حينها
تحاول أن تسيطر على رعشة جسدها فتتساقط دموعها أخيرا ً بقهر ترفع وجهها للسقف وكأنها تناجي ربها دون أن تدرك ماذا تقول ثم تتنهد محاولة إعادة ماتفعله حتى نجحت أخيراً

تركت الغرفة مسرعة إلى باب البيت تغلقه بالمزلاج ثم تناولت دورق مياه لمحته بعينيها
واتجهت بعزيمة مزلزلة جهت تلك الفاجرة كي توقظها فتساعدها في تلك المصيبة التي حلت لا محالة على رأسهم

ألقت دورق المياه في وجه الملقاة أرضاً بقسوة جعلتها تشهق عدة شهقات متتالية أتيه من أعمق أعماق روحها المكلومة وحين كادت أن تبكي عنفتها بقسوة ناهرة:_

"أياكِ ... أياكِ أن تبكي أو ترثي نفسك الآن فلا تتعجلي
رثائك آتي لا محالة "
ثم دفعتها دفعاً أمامها مواصلة :_

"ساعديني هيا لإخراجه إلى الردهة قبل أن يأتي أحد "

وبأرواح مهزومة ..
قلوب ٍ مكلومة..
وأجسادٍ واهنة ...!
تمت عملية النقل بعد أن كاد يسقط منهم عدة مرات من ثقل جسده أو ربما هم من كادوا أن يسقطوا من عظم الموقف نقلوه إلى الردهة الخارجية للمنزل حيث مددوه على الأريكة قديمة الطراز
ولم تلحق أي منهما أن تأخذ أنفاسها حتى وصوت الباب يقرع مع محاولة عنيفة لفتح الباب من الخارج
لطمت سيدة وجنتيها بهلع وجسدها كله ينتفض لوصول ولدها فماذا سيفعل
نظرت لابنتها الشاحبة والتي نظرها مجمد على الجسد الساكن جوارهم ودفعتها بقوة جهة غرفتها هامسة بقسوة :_

"ادخلي استري جسدك بشئ وانزعي مفرش السرير خبئيه بأي مكان "
وقرع آخر مع صوت ابنها ينادي جعلها تدفعها بقوة حتى أدخلتها الغرفة وأغلقت عليها ثم هرولت حتى كادت تنكفئ على وجهها مسرعة إلى الباب
أعصابها كلها مزلزلة لا تستطيع أن تُلم عليها حتى أن عقلها أعلن استسلامه فلا تدري ماذا تقول
فتحت الباب بأصابع مرتجفة وقد بدأت أعراض الصدمة التي قمعتها قليلاً تظهر عليها
في ارتعاش جسدها ورجفة شفتيها مع صوت اصطكاك أسنانها جعل ابنها يسألها بقلق وهو يسندها :_

"أمي ما بگِ لقد كنتِ بخير منذ قليل "

ثم زعق بصوته الجهوري على أخته :_

"بنت (بت) يا سنابل أين أنتي اصنعي كو..."

تسمر مكانه فور أن وقعت عيناه على الجسد المسجي على الأريكة تاركاً والدته فسقطت أرضاً لكنه لم يأبه!
انتفض العصب بجبينه واحمرت عينيه بشرر و شياطين العالم كلها تتقافز أمام عينيه وهو يقترب من خطيب أخته النائم على الأريكة بكل تبجح !
ما الذي أتى به إلى هنا في غيابهم ؟
وكيف تسمح له الفاجرة بالدخول ؟
سيكون آخر يوم في حياتهم على يديه
وقبل أن ينقض عليه قضت عليه همسة والدته الشاحبة :_

"إنه ميت "

تقهقر للخلف تلقائيا بفزع وهو يبتلع ريقه بصعوبة يتسأل بذهول :_
"ماذا ؟...كيف!!"

ينفض عقله بقوة وكأن رهبة الموت لا تعنيه وهو يجعر بصوته الجهوري على أخته
متجهاً إلى غرفتها والدماء تتناثر أمام عينيه

قبل دقائق
بعد أن دفعتها أمها إلى الغرفة وأغلقت عليها
تقدمت تنزع المفرش بآلية وهي تدسه أسفل الفراش
مسمرة أمام فراشها ومشاهد من ملحمة عشقية مع روح غادرتها لتهوى في لُجة الجحيم وحدها تتقافز أمام عينيها فتنزل على روحها وكأنها السياط !
الدموع جفت مأقيها ولم يعد سوى العار وانتظار المحتوم
صرخة أخيها باسمها جعلتها تسقط زاحفه إلى عبائتها البيتيه تلتقطها بأصابع مرتجفة في محاولة لارتدائها لتستر عري جسدها فيكفي عارها
وفور أن سترت ما يمكن ستره كان أخيها يدخل عليها كالمجنون
مغيب العقل والقلب ولو وعى للحظة لادرك أن بيده يصنع الفضيحة وقد كان سترها بأيديهم
زحفت برعب شل جسدها وهي ترتجف متقهقرة إلى الوراء وعينيها المتورمتان من الدموع تحجبان عنها عمق اقترابه منها حتى قبض عليها بقسوة صارخاً:_

"يا فاجرة ماذا كان يفعل عندك "

لطمة على الوجه أدمت الشفتين وصراخ آخر جلب الجيران وجسد الأم بالخارج لا تستطيع الحراك ولا النطق فقط العينين تذرفان الدموع خزياً على دخول القوم

ولطمة أخرى رافقتها دفعة لرأسها في الحائط وهي تبكي مولولة بجزع دون توقف هاذية بجنون :_

"لم أفعل ...هو ....اسفة ....لم أقصد ...أااااااه"

ركلات عنيفة وقاسية بلا رحمة في سائر أنحاء جسدها الضعيف كادت أن تودي بحياتها حتى كبله أحدهم من الجيران والمارين اللذين ظهروا صارخاً وهو يدفعه خارجاً :_

"يكفي يا بن ربيع وحد الله الفتاة ستموت في يدك "

وشياطين الغباء تسيطر على ذات الرجولة فيزأر :_

"فلتمت تلك الفاجرة "

والهمهمات بالخارج متناثرة بين قيل وقال حتى وصلت والدها الذي أتى ركضاً تاركاً حقله ومواشيه
وأحاديث الناس تُشعل الحريق في جسده من هول الفضيحة التي أوقعته بها ابنته
تلك الحوادث تنتشر سريعاً في القرى كانتشار النار في الهشيم ويا حبذا لو زدنا من الأشاعات أقوالاً وأقوال

فتلك المرأة على باب البيت المقابل تهمس لجارتها مولولة بشفقة مصطنعة :_

"يقولون أنهم قبضوا عليكى همام المعلم بالقرية المجاورة مع ابنة ربيع في بيتهم "
والأخرى تلوي شفتيها تسرها :_

"ليس بالجديدة دوما ما أراهم بالليل على سطح بيتهم سوياً لكن كنت أقول وليه واستر عليها "

وثالثة تأتي مولولة ولاطمة الخدين تقول :_

"الحقوا الحقوا
يقولون أن المعلم ميت ببيت ربيع "

والشهقات النسائية ترتفع ترافقها ضرب كفوفهم على مقدمة صدورهم
والجانب الآخر رجال القرية لا يقلون عنهم شئ سوى الحديث همساً وشماتةً

"والله يستحق أليس هو من يضع أنفه في السماء "

"لترى يا أخي أن الله حق لقد فضح ابنة أخيه قبل سنوات ففضحته ابنته "
"يا أخي الفتاة بالأساس لم تكن مضبوطة دوماً ما كنت أراها تقف مع الرجل في ذاك الركن النائي من القرية "

"يقولون الرجل مات
أتصدقون ؟!"

وفور أن وصل إلي بيته كان كالنار الموقودة يندفع جهة ابنته الغارقة في دمائها على الأرض غير عابئاً بأحد سوى نظرة تأكيدية ملقاة على الجسد الميت بردهة بيته
بصق عليها لاطماً وكأنها ينقصها لطمات أخرى اليوم بتلك الدماء التي تتناثر من أنفها وشفتيها ومقدمة جبهتها فلا تقدر على أخذ أنفاسها
ركلة قاسية في منتصف بطنها يشدها من شعرها زحفاً أسفل قدميه وهو يخرج للقوم المجتمع في بيته خارجا حتى وصل أمام البيت زاعقاً
"هذه الفاجرة من جلبت لي العار .. أقسم أن تكون مدفونة حية هذه الساعة قبل أن يُدفن المعلم"
وُصك مصيرها بالموت فقبلت قدمية صارخة ببكاء وتوسل :_

"لا يا أبي أقسم أني لست فاجرة"

ضربة أخرى في وجهها بقدمه خارت لها قواها لكنها لم تيأس وهي تتمسك بأسفل قدمه متوسلة بجعير البكاء الذي قطع نياط القلوب :_
"اقتلني يا أبي ..أتوسل إليك اقتلني ولا تدفني حية ..لا تفعلها بي يا أبي"

لكن لا حياة لمن تنادي من القلوب منزوعة الرحمة المتجبرة فبعد أقل من ساعتين كان يوفي بقسمه وهو يركلها في حفرة عميقة فعلها بيده بالقرب من مقابرهم بشهادة البلد كلها أن ربيع أبو الحكم غسل عاره قبل أن يأتي الصباح ...

_______________________

تأفف عمر بضيق شاتماً ذلك التيس المجاور له لكنه نائماً
"لعنة الله عليك يا رشاد أنت السبب في هذا المشوار الثقيل وبالأخير نام وتركني أقود الطريق كله "
خبط على المقود مردفاً بهمس :-
" هذا كله لأن حسه الأمني جعله يشك بأن ....يقوم بتهريب بضائعه في تلك المناطق الريفية"
أبطأ عمر من قيادته وهو يعبس هامساً بتساؤل مع نفسه :-
"ما هذا لما هذا التجمهر في منتصف الليل بالقرب من المقابر !"
أصوات الناس وهمهماتهم العالية جعلته يلكز التيس المجاور له هامساً بغيظ:-
"رشاد قم...
قم يا زفت لنرى تلك المصيبة التي أوقعتنا بها "
"ها!
ماذا.. ماذا هناك .. هل وجدته؟"

رمقه عمر بإمتعاض وهو يعتدل في جلسته يفرك عينيه هاذياً ثم قال وهو يعود بعينيه لمراقبة الطريق المغبش بالظلمة:-

"قم الطريق الذي كنا سندخل منه مغلق وهناك تجمهر للناس في الناحية الأخرى حول المقابر "

التف رشاد بوجهه ناحية النافذة وقد طار النوم من عينه إثر حديث عمر وعقبه تلك الهمهمات العالية فقال مُضيقاً عينيه في محاولة لاستشفاف ما يحدث:-
"هل يعقل أنها جنازة أحدهم؟"

التفت عمر إليه بتركيز قائلاً:-
"لا أعلم لكن الوضع يبدو مريب"

قبل أن يرد عليه رشاد التفت الإثنان على صوت عويل العجوز المارة من جانبهم وهي تخبط على رأسها مولوله:-
"قتلوا الفتاة ...دفنوها حية ..لعنة الله على قلوبهم المتحجرة"

نظر الاثنان لبعضهم بتوجس وبنفس الثانية كانا يترجلان من السيارة مما أثار فزع العجوز التي جلست على الأرض باكيه فاقترب منها رشاد مهدئاً :-
"لاتخافي يا حاجه أنا وأخي فقط عالقين في الطريق"
التفت لعمر ثم عاد لها مرة أخرى متسائلا ببراءة:-
"قولي لي يا حاجه لما هذا التجمهر !"
عادت العجوز بالخبط على رأسها وهي تهذي ببكاء :-
"دفنوها يا ولدي
لقد رأيتهم بعيني وهم ينزلون عليها التراب وهي حية"
ثم تبكي وتواصل بانفعال:-
" لقد ترجته ربيع الكلب هذا ترجته ألا يفعل بها هذا لكنه عديم القلب لعنة الله عليه "

حَكّ عمر خده بتوجس ثم سألها بفضول :-
"من ربيع هذا ولما فعل ذلك"
"أنه (المدعوق) والدها لعنة الله عليه
لقد وجدوا المُعلم ميت معها بالبيت "

برقت عينا الاثنان وقد بدأت جذوة الغضب الأمني تشتعل وهما لا يفهمان شيئاً فابتعدوا عنها في توافق ضمني في الأفكار أن يذهبوا جهة ما يحدث كأنهم فضوليين عابرين كالأخرين علهم يلتقطوا شئ
وفور أن مشوا قليلاً مر بهم رجلين يتحدثان
أحدهم ينظر للأخرقائلاً:-
" ترى هل ماتت أم مازالت حية تحت التراب يا أبي"
يخبط الأب كفيه ببعضهم قائلاً:-
"لا أعلم يا بني ربما تكون حية فلتوها دُفَنت"
هدر عمر هامساً بحزم مما جعل رشاد يلتفت له بذهول قائلاً:- "لنذهب يا رشاد علنا ننقذها"
"هل جُننت يا عمر
نذهب أين ونحن لسنا معنا أي تصريحات أو إذن من النيابة
ألم تسمع ما يقولوا؟
الرجل دفن ابنته حية ,إذا فهو لن يهمه القانون حتى"

لم يسمع له عمر وهو يتجه ناحية ظُلمة المقابر الموحشة سالكاً الطريق الجانبي مما اضطره للذهاب ورائه مبرطماً بغيظ.....
أما الأخر فلم يكن يبالي...
بل لم يكن حتى يفكر ....
كل ما وُضِع أمام عينيه أن هناك روح قد تكون عالقه الآن تحت التراب بين الحياة والموت !!
كان ينوي القفز من وراء السور إلا أن الحظ كان حليفاً له أو لتلك العالقة فالباب الحديدي لم يكن مغلقاً ولم يكن يجلس عليه حارس أو ما شابه....
وعند ظُلمة القبور تعلو رهبة النفوس فالقبور لها حُرمة يعلم عنها الكبير والصغير
الليل البهيم يخيم و للحشرات الصغيرة هنا وكر فيعلو صوتها المنفر مرسلاً الاشمئزاز لهم ..
التفت عمر على همس رشاد الذي أضاء مصباح هاتفه هامساً برهبة :-
"من أين سنعرف مكانها يا عمر ؟
هل سنفتح كل عين لنرى إن كانت بها أم لا"

لم يرد عليه عمر يحاول أن يسيطر على نفسه و رهبة جسده الطبيعية لمكانٍ كهذا سيكون مؤانا تاركاً لتفكيره العنان وهو يشعل مصباح هاتفه هو الأخر يوجهه ناحية أرض مدخل المقبرة وليس العيون المظلمه ذاتها..
إذا أفاده تفكيره فالرجل لن يدفنها بأي عين تخص المتوفيين فهي تخص العائلة بأكملها , إن فعلها فسيفعلها بالأرض الخارجية...
ولم يكن مخطئ فأثناء تحسسه اصطدم بالقطعة الرطبة والظاهر بها علو عن باقي الأرض المسواه مما جعله يجثوا على ركبتيه مُسلطاً ضوء الهاتف بتركيز
ورشاد ورائه يندب حظه وتكاد ركبه تخبط في بعضها رعباً من كثرة أصوات الحيوانات الليلية التي تزاحم صوت بزوخ الفجر!
رباه هل من يدخولون المقابر نهاراً يقولون عنها مخيفة
ماذا إذاً عن وحشتها ليلاً؟!
تلك العيون المتراصة جوار بعضها والتي ترقد بها أجسام
الميتين ..
هناك من عمله صالح فتهب عليه رياح الجنة وهناك من فسد عمله فيرى موضعه من النار
الأمر مخيف ...بل مرعب لمجرد التفكير به
وأصوات العواء هذة أهي حقيقية أم جان ؟!
واللعنة عليه يوم أن شغّل حسه الأمني بالشك والمراقبة ,ثم لعنة أخرى حين أختار عمر الذي سيوصلهم إن شاءالله إلي مجاورة المرحومة وربما في أقل الخسائر يخسرون عملهم ويأتوا ليخدموا على هذه المقابر!
انتفض على همس عمر النزق يقول:-
"جد لنا أي أداة نستطيع الحفر بها هيا قبل أن يبزغ الفجر"

تحرك مضطراً وهو يهمس بآيات القرآن الكريم ..يظن أنه سيخرج من هنا ملبوساً على أقل تقدير ..
اصطدم بأكثر من أداة من تلك الموضوعة دائماً في المقابر فأخذ اثنين واتجه نحو عمر
التقط منه عمر الأداة (الفأس) مسرعاً ثم توقف لثوانٍ يبتلع ريقه بصعوبة يحاول أن يسيطر على ارتجافة كفيه
يحدق في الأرض أسفله بصعوبة وجميع الأفكار السوداء تأتي برأسه
هو لا يصدق ...لا يصدق أن ما من إنسان حي عالق أسفل هذه الأرض بين الحياة والموت !
الأمر وحده على أشد الرجال صعباً بل مريع ..ماذا عن فتاة ؟!
على أغلب ظنه قد تكون ماتت رعباً

أوقف سيل أفكاره و شرع في الحفر بحذر وبعد دقائق اتبعه رشاد وقد غلبت انسانيته خوفه...
صوت صفير الرياح يعلو وكأنه يشجعهم على الإسراع وربما يشاركهم مصابهم
عواء الكلاب من حولهم يتراشق مع صوت دقات قلوبهم الوجلة
صوت قرأن الفجر يصدح من المسجد القريب فيسرعون حتى زعق عمر بخفوت متحشرج رافعاً ذراعه وهو يلهث من الإنهاك
" انتظر يا رشاد هناك ملابس ظهرت "
توقف رشاد برعب من هول الموقف...
وكأنه لم يكن يعلم من قبل ...
وكأنه كان يحفر لغرض آخر غير إنقاذ روح من براثن الموت !
الموقف عظيم على أي نفس؟
هل حقا دفنوا ابنتهم حية تحت التراب !
بالله أنه لا يستطيع السيطرة على رعدة جسده المتواصلة ..
أسرع عمر في شد قطعة القماش حتى اصطدم كفيه بطراوة جسد بشري فارتعد بجزع وقد ارتعش جسده هامساً:-
"رباه"
ابتلع ريقه بصعوبة وأسرع في شد الجسد غير عابئاً برشاد المتجمد جواره حتى التقطها بين ذراعيه
جسد صغير ملفوف في قماش أسود كالعبائه السمراء
"عليهم اللعنة!"
همسها عمر وهو يسرع في كشف وجهها المغبر مربتاً على وجنتيها مراراً لكن لا مجيب !
"هل ماتت؟!"
همسها رشاد مرتعشاً وقد دمعت عينا عمر من عظم الموقف من أن تكون الفتاه قد ماتت حية ولم يستطيعوا إنقاذها لكنه عاود المحاولة بإصرار وهو يقيس مواضع النبض في جسدها حتى أنه اضطر للقياس في منطقة خاصة خلاف ساعدها ورقبتها ونَبَض الأمل من نَبْض الروح الضعيف فرفع رأسه لرشاد هامساً بتعب:-
"هناك نبض يا رشاد من الممكن أن نلحقها"
وبزغ
الفجر ومعه ربما يبزغ الأمل
ليس ربما بل الأكيد!!
"الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر"
رفعها عمر بين ذراعيه واستقام واقفاً يقول:-
"لنذهب بها إلى المشفى "
سار أمامه رشاد بحذر ثم استوقفه هامساً بحزم وهو يدور بعينيه في المكان :-
" هل جننت يا عمر أين نذهب إن المسجد القريب بالتأكيد يتوافد عليه الناس الأن كما أنه أي مشفى التي نذهب لها الأن بجثه دون أي إثباتات شخصية "

"المسجد يبدو في الباحة الخلفية ذلك الطريق الذي أدخلنا منه السيارة لا يمر منه أحد
أسرع يا رشاد وأتي بالسيارة أمام الباب قبل أن يدخل النهار حتى نستطيع إعادة شكل الحفرة كما كان قبل أن نذهب"

بعد نصف ساعة كانو عند بوابة القرية الصغيرة فأوقف رشاد السيارة جانباً ثم استدار لعمر بعد أن رمق الجسد المسجي على الأريكة الخلفية ثم قال :-
"هل لك أن تقول لي أين سنذهب بها
أنت هكذا تحولنا من رجال قانون إلى مجرمين يا عمر "

ترجل عمر من السيارة مما جعل رشاد ينظر له بذهول وهو يلف له و يفتح بابه ويشده قائلاً بحزم:-
"أنزل يا رشاد وخذ سيارة أجرة وأنا سأتحمل المسؤولية كاملة "
تنهد رشاد قائلاً وهو يعود ويغلق الباب :_
"عد لمكانك يا عمر أنا سأجاريك وسنأخذها لكن ليس لمشفى وهذا أخر كلام عندي "
ركب عمر مكانه مرة أخرى وانطلق رشاد مسرعاً إلى طريق قريب يعرفه عمر جيداً مما جعله يصمت
!!
*************
بعد نصف ساعة أخرى
أغلقت السيدة فايزة الباب ورائها ثم نظرت للأثنين نظرة حازمة وهي تقول بصرامة من يسمعها لا يصدق أنها تكلم هاذين الضخمين واللذان ويالا الحظ ضباط شرطة !!
"والآن هل أياً منكم سيتفضل ويشرح لي الأمر أم أرفع الأمر إلى أمهاتكم"
رفع عمر حاجبيه بسخرية غير منطوقه بينما رشاد أشهر سبابته تجاه عمر وهويقول :-
"أنه هو من تصرف بتهور يا خالتي "
نظر عمر بغيظ لزميله النذل والذي من حظه الأسود يكون ابن خالته إلا أنه اعتدل في وقفته واضعاً كفيه في جيبي سرواله وهو يقول بثقة:-
"نعم كما قال أنا أتحمل المسؤولية "
ناظرته السيدة فايزة بثبات والتي تكون بن خالة والدته هو ورشاد وتعمل ممرضة (حكيمة ) بالمشفى الحكومي والذي من حظهم أن رشاد فكر بها
وقالت:-
"حسناً بما أنها في بيتي وعلى فراشي أريد أن أفهم الأمر حتى أقبل بالمساعدة "
سحب عمر كرسي موضوع جانباً وجلس عليه يشرح لها الأمر بإختصار دون أن يتطرق لسبب دفنها الذي سمعه من العجوز فشهقت ضاربة على صدرها وهي تقول:-
"حبيبتي يا ابنتي ولما كل هذا !"
تبادل كل من رشاد وعمر نظرة صامتة على عدم الخوض في الأعراض فتنحنح عمر قائلاً:-
"لا نعلم هذا ما سأعلمه حين أعود إلى البلدة الأن "

نظرات القلق في عينيها جعلته يناظرها بتساؤل فقالت :-
"بناءاً على كلامك يا عمر فبمجرد إنتهاء المحلول ستفيق وتدخل في حالة إنهيار عصبي فما تعرضت له ليس بالهين أبداً"
أطرق عمر برأسه مفكراً في إشفاق !
ليس بالهين فقط ! بل مريع ..إنه يشعر نفسه تحول لشخص آخر من هول ما مروا به فماذا عن تلك المسكينة !؟
نظرت فايزة في ساعتها ثم التفتت لرشاد قائلة :-
"سأحتاج بعض الأدوية اجلبها لي من الصيدلية المجاورة "

ثم شرعت في تدوين ورقة ما على طاولة السفرة وأعطتها له
أحضر رشاد الأدوية واستأذن منهم مجبراً لأن زوجته قلقة عليه على وعد بالتواصل هاتفياً!!
بعد دقائق بالداخل في الغرفة حيث توجد سنابل كانت هناك معركة من نوع آخر ..بين غياهب اللاوعي كانت ترى
ملحمة عشقية
لهفة ذكورية
وضعف أنثوي
ضباب..ضباب..ضباب!
جسد مسجي لا يرد
بكاء وعويل ثم صفعة على وجهها !!
ضباب..ضباب..ضباب!
صراخ وسباب
ناس متجمعين
ركلات عنيفة تضرب في بطنها وسائر جسدها
لُطمَت الخدود ..وشُقَت الصدور
دموعها تجري على وجنتيها ولا تستطيع أن تمسحهم
صوت شهقاتها يعلو لكن لما لا تسمعه !
اثنين يجرونها بعنف فتتوسلهم ألا يفعلوا!
لما يفعلون ذلك !!
ماذا فعلت لهم ؟
ولما أمها مسجية على الأرض هكذا لا تستطيع التحرك لكنها تناظرها بلوم !
ماذا ..ماذا!
لما يحملونها رغماً عنها ؟
أين سيذهبون بها ؟
يقيدونها لكن تشعر بجسدها حر !
وأخيراً يريدون أن يدفنونها حية !
رباه!!
رباه!!
أين تذهب ؟!!
لما يفعلون بها هذا؟!
همام ..همام ..
أمي ..أمي ..
لما لا يردون عليها لما لا يسمعونها !!
أنهم يحفرون لها في الأرض الأن
لالالالا أنها تخاف الظلام !
وهاهي تُقبل أرجلهم لكنهم لا يسمعون
لا يرحمون !
الحفرة أخيراً ظهرت وهاهم يلقونها بها دون رحمة
ترفع ذراعيها بضعف علهم يشفقون بها فيُهيلون عليها التراب
طُبعت قلوبهم بالقسوة فماذا تنتظر!
بُح صوتها من كثرة البكاء والصراخ وهيلت عليها أخر ذرة تراب رافقتها صرخة مبحوحة من قعر القهر
لالالالا هي لن تموت يجب أن تخرج ..
تبكي .. تقاوم .. تعافر ..!!
ترفع كفيها فلا يقابلها سوى الهواء فترتجف برداً وربما ذعراً
وأخيراً كانت صرخة عنيفة تشق القلوب !
اندفعت فايزة مسرعة نحوها تحاول أن تسيطر عليها حتى تستطيع أن تحقنها بالمهدئ وحين لم تستطع نادت على عمر الذي دخل مسرعاً يناظرهم بذهول حتى زعقت به قائلة :-
"ماذا تفعل عندك تعالى وامسكها جيدا حتى أعطيها الدواء"

تحرك عمر بألية وهو يثبتها جيداً حتى حقنتها بالمهدئ حتى استكانت بعدها نائمة على الفراش!
"تبدو كالملاك "
نطقتها فايزة بحزن وهي تخرج مع عمر من الغرفة فتنهد عمر بإنهاك قائلاً:-
"أنا سأتركك الأن يا خالتي وأعود لبلدتها علني أستطيع التواصل مع أحد عاقل من أهلها "
"لكن يا بني هل تظن أن من قتلوها حية سيكون بينهم أحد عاقل "
ابتسم عمر بسخرية وهو يفتح ذراعيه بقلة حيلة قائلاً:-
"لاأعلم يا خالتي أنا حقا لا أستطيع التفكير في أي شئ كل ما أمامي أن هناك روح دفنت حية ساقني الله لها لإنقاذها "
ربتت فايزة على كتفه دون حديث فبلل شفتيه قائلاً بحزم مؤدب:-
" خالة فايزة لا أوصيكِ أمي لا تعرف شيئاً فهي لن تسكت على الأمر "
أومأت المرأة برأسها تطمئنه وهي تغلق الباب ورائه ثم عادت بنظرة إلي الغرفة ثم توجهت للمطبخ كي تصنع لها شيئاً تأكله..!!
____________________________

قبل ساعات –البلدة-
نائمة بغرفتها فوق السطوح وصوت التلفاز عالي بجانبها كالمعتاد حتى هبت مفزوعة على قرع الباب العالي بالأسفل
"بسم الله الرحمن الرحيم ..اللهم اجعله خير يارب"
خرجت من غرفتها ببطئ حسب ما يسمح لها جسدها الثقيل حتى وصلت إلي حائط أعلى السُلم منادية :-
"يا همام ..استيقظ يا ولدي لترى من على الباب "
"يا همام .. هماااام أين أنت يا ولدي"
وقرع الباب مستمر ويعلو وابنها يغط في النوم لا يسمع
"سامحك الله يا همام "
نزلت السُلم ببطء حتى وصلت إلى غرفته فلم تجده
"أين ذهب !!"
"ربما يكون نسى المفتاح "
وقرع أخر جعلها تعلو بصوتها قائلة وهي تتجه ناحية الباب واضعها كفها في أحد جنبيها كي تسنده
" آتية ...أتيه "
فتحت الباب وشهقت بفزع وهي تجد رجال البلدة مجتمعين أمامها والشيخ رضا إمام الجامع يترأسهم قائلاً:-
"السلام عليكم يا خالة "
" وعليكم السلام يا بني ماذا حدث ؟"
نظر الرجال إلي بعضهم بشفقة وتحشرج صوت الشيخ وهو يقول :-
"أنتِ إمرأة مؤمنة يا خالة وتؤمنين بالقضاء والقدر وأننا كلنا هنا على الدنيا لنا أعمار محددة "
مسكت في حافة الباب بإرتجاف متسائلة بوهن :-
"ماذا حدث يابني"
دمعت عينا الشيخ وهو يقول :-
"إن لله وإن إليه راجعون البقاء لله يا حاجه في ابنك همام "
"لااااااااااااااااااااااا� �ا"
صرخة مكلومة شقت عنان السماء وهي تسقط أرضاً باكية تهز رأسها نفيا بعنف هاذية :-
"لا ابني لا....همام لا"
تخبط على رأسها بجزع والنار تنهش في قلبها فتصرخ نافية :_
"لااااا كبيري لااااااا همام لم يحدث له شئ"

ارتفعت أصوات الحوقلة مرافقة لصوت الشيخ الباكي وهو يقول :-
"وحدي الله يا حاجة إنه قدر الله ولا نقول إلا ما قاله الصالحون من قبلنا إن لله وإن إليه راجعون "
لم يكد يقولها حتى كانتا إخوته رابحة وصباح يندفعون من بين الصفوف مولولين ويبدو أن الخبر قد وصلهم!
إحداهن تلطم الخدود ..تشق الصدور
ولا مجال للأعتراض على الجهل هنا !!
الأخرى تندب قائلة بعويل :-
"لقد مات في بيت ربيع أبو الحكم يا أمي
يقولون أنه كان مع الفتاة وحدهم في المنزل "
والأخرى ترد عليها صارخة :-
"لقد ذهبو ليجلبون الجثة يا أمي "وصوت الشيخ يعلو مواسياً وناهراً برفق:-
" وحدوا الله يا إخوتي فتلك الأفعال لا تُرضي الله "
لكن ومن يسمع هنا!!
ودقائق والجثة وصلت وعّج البيت بالرجال والنساء
على صوت الصراخ و الهجاء و تغضن البيت بالجهل !
وحان وقت الغسل واشتد عود الأم المكلومة قائلة بحزم وهي تدفع الجميع عن الغرفة التي ترقد بها جثة فقيدها :-
"والله لن يُغسل ابني غيري "
ومسحت دموعها وأردفت :-
"ارفعوا صوت القرأن "
__________________________

أحقر ما قد تفعله بإمرأة حرة هو أن تكسر شموخها !
أن تُحني هامتها
أن تنتزع عزتها
ترتدي ملابسها بروح باهتة لا تمت لها بصلة
وجهها مُطفأ وكأن الدنيا أغلقت أبوابها في وجهها
ملابس لا تدري هل اتفقت حتى مع بعضها أم لا وحين وقفت أمام المرأة لتلف وشاحها لم تقدر لوقت إلى النظر في عين نفسها وحين فعلت بكت !!
لم ترى شموخ كان ذات يوم مدعاة لفخرها
لم ترى قوة كانت تزدان بها
لم تجد فخر واعتزاز لذاتها
لم تجد سوى عتاب طال لما جلبته لنفسها !
لم تستطع أن تطيل النظر وهي ترى في عينيها كل هوان وذل لم تتخيله في أحلك أحلامها سواداً!
سقطت على ركبتيها باكية
نار..نار ..نار حارقة تنهش بين ضلوعها ولا تجد منها خلاص أو راحة
رباه !!
ماذا تفعل هل تقتل نفسها؟! !
ليتها تموت ..
ليتها تذهب للجحيم ولا تكسر هامة أهلها أبداً
الحقير ليتها تقتله !!
اللعنة عليه.. اللعنة عليه وعلى أمثاله
وعلى ذكر الشيطان يحضر برسالة قصيرة على هاتفها تقرأها وتكاد تسمعها بصوته القذر
"مهلة اليومين انتهت يا جميلة ..أكاد لا أطيق صبرا ً حتى ألقاگِ بعد ساعتين "
وبعد ساعتين كانت تجلس أمامه في مكتبه تناظره باشمئزاز لم تستطع إخفائه مما جعله يصدر طقطقه غير راضية بلسانه وهو يقول :-
"أريني ابتسامتك الحلوة ألا تعلمين أنه يجب على المرأة التبسم في وجه زوجها ؟"
ونظرة شهوانية رمقتها من رأسها لأخمص قدميها ارتعد لها جسدها وغثت منها روحها !
إلا أنها ناظرته بحذر وعدم ارتياح حين رن هاتف المكتب فابتسم بخبث وهو يضطجع على كرسيه يرد بثقة وابتسامة ظافرة :-
"طبعاً .. طبعاً كنت انتظره دعيه يدخل بعد خمس دقائق "

دارت عينيها معه بخوف داخلي وهو ينهض من وراء مكتبه ببطء ثعباني لم يطمأنها خاصة وهو يتوقف أمامها يمد كفه لها بلطف فسخرت قائلة بحدة :-
"تحلم أن تلمسني"
مال عليها دون مقدمات يحاصرها بينه وبين الكرسي وفور أن فـُتِح الباب باغتها بقبلة متلذذة على وجنتها
لم تكد تستوعب ما حدث حتى وقعت عينيها في بركتين مشتعلتين من قعر الجحيم !!
وللقبلة على كل نفس وقع يناطح الأخر شر نطاح..!!
كالنبيذ الذي لا يُشبع لمن ذاق حلاوتها …..
كالرصاص المسموم على نفسها ….
وكسبعين ألف جلدة على من عشق النفس
كسياط من حديد منصهر تُدمي قلبً هوى إلى شظايا !
كمارد من جنون استفذ روح تغار من الهوى
لم يعد به عقل حتى لينتظر
ليتأنى
ليصبر
اندفع كمجنون لا يسمع ولا يرى سوى قتيله!
بثوانٍ كان كفيه يطبقان على رقبة رفعت هامساً بفحيح أسود:-
"يا****** أنت طلبت موتك هذه الساعة "

ولم يكن رفعت أبداً بأقل منه في البنيه هذا إضافةً لتلك الغيرة الحارقة التي تنهش بصدره فأضعفته مما ساعد رفعت على دفعه وهو يقول بأنفة :-
"احترم نفسك وأنت في مكاني يا بدوي "

وبمكانها كانت تناظرهم بذهول كالمشلولة كلياً فلا يتحرك سوى عينيها
تشعر أن كائنات هلامية تتحرك أمامها لا تمت لها بصلة !
جسدها حتى متيبس وروحها عالقة لم تصل أرضاً ولا سماء
شعورها متجمد فقط تشاهد !
اقترب منها أكمل يشد ذراعها ناهراً بغضب أسود :-
"قومي معي لا تكوني متخشبة هكذا ماذا دهاكِ ؟"

والبدوي ينفلت منه عقال ضعفه دون أن يشعر من فرط الحب !
ويا للسخرية!
وألقى سُمه متلذذاً ببطء..ناطقاً بثقة .. وناهراً بحزم !
"أرفع يدك عن زوجتي "
والشلل أصبح لاثنين وأكمل يهمس مستنكراً:-
"زوجتك!"
والكلمة كان وقعها عليه أشد من الرصاص وهي صامتة !
أين ذهبت ناريتها؟
لما لا تهب فتنهش وجوههم بأظافرها
لم لا تقاتله كما أعتاد منها !
يناظرها بتذلل علها تشفق بقلبه وتكذبه !
يهزها بعنف هادرا بنفس متقطع :-
"اللعنة عليكِ لما أنتِ صامتة هكذا قومي واقطعِ له لسانه "
ولم يكن الرد منها !
الرد كان من القذر الذي اقترب يشدها بحزم جواره كالخرقة وهو يمد له ورقة ما !
ليس إثباتاً وإنما إمعاناً في قهره وهو يرى اسم ازدان دوماً في روحه بالطُهر والشرف يجاور اسم لم يعرف سوى العهر والخسة
والصك !
"ورقة زواج عرفي!!"

****************

كاد أكمل أن يلقى حتفه في أكثر من حادث حتى وصل إلى شقته
تلفقه سراج الذي قلق عليه حين هاتفه يطلب منه أن يأخذ عَلي إلى السيدة خديجة ففعل ما طلبه منه ثم عاد ينتظره !
وجهه شاحب كالأموات .. العرق يتفصد من جبينه كالمسموم
ظهره منحني وكأنه شاب أعوام
ما به ؟
تسَأل سراج في نفسه وهو يتبعه مشفقاً فهو لم يره على هذه الحالة منذ موت آصف أخيه !
حاول أن يحدثه أو ينادي عليه لكنه لم يرد وهو يدخل غرفته مغلقاً الباب خلفه
وهناك وراء الباب كان يحيا في الجحيم !!
نزعة مازوشية تكرر مشهد قُبلة الأخر أمام عينيه فتلسعه بسياط الألم !
لما فعلت ذلك ما الذي دفعها !
هل أغواها عشقه ؟!
هل هددها الخسيس بشئ لكن كانت تبدو مسالمة
هي لم تعترض لقد كانت صامتة والاخر يتلذذ بنعومة خدها!
هل كانت تتهمه بالخسة ..ماذا عن الأخر ؟!
ألم تكن تهاجمه من قَبلُه !!
وضحكة مقهورة خرجت من فمه ولم تكتمل لتورم حلقه الوهمي إثر الوجع !
ينتفض دافعاً كل ما تطاله يداه على طاولة الزينة أمامه جاعراً بكل أنواع السباب التي يعرفها
وصوت سراج الخائف يعلو منادياً بخوف من الخارج لكنه لا يرد
وزجاجة عطر ألقت حتفها مرة أخرى في المرأة فانقسمت لنصفين وقسمته أمامها
حريق مندلع بصدره ...
هشيم من نيران يلتهم ضلوعه ولا قدرة له على إطفاءه
هذة اللحظة لا يريد سوى القتل كي يشفي غليله
لا يرى سوى الدماء
وصراخ آخر وهو يخبط بكفيه على الشظايا أمامه فتتناثر الدماء لكنه لا يشعر بألم وحريق صدره أوعر
وتبقى الصورة أمامه وهو منقسم لأجزاء في زجاج المرأة المكسور كروحه تماماً ....
هو مكسور.... متناثر لشظايا...والدماء تلوث كل إنش في إنعكاسه !
منذ متى وكان كاملاً بالأساس؟!
منذ متى كان نظيف!؟
والوسواس القهري الملازم له..
!! يسطع
ينتهز فرصته في الظهور
ويلعب دوره الأزلى في خلق المعاناة !
أنت المنبوذ!!
أنت العبد الحر !!
أنت بخس الثمن!
بل أنت بلا ثمن !
أنت كل الرخص!
أنت بيدق المصالح!
أنت …. هباءاً منثوراً!!!!..
_____________________

على الجانب الأخر...!!
قبل ساعات فور أن خرج أكمل من المكتب ناظر رفعت ذهولها بحقد دفين !!
يبتسم بسخرية وهي تبدو كالخرقة هكذا منذ أن ذهب البدوي
لا تبكي ولا تتحرك
حشد الدموع في عينيها لكنها لا تنزل
فقط تناظر أثر خروج الأخر بذهول
هو يكره أكمل البدوي
منذ أن عملا معاً ..بل قبل حتى أن يعملا معاً
القصة بدأت مبكراً
حِيك ثوب الكراهية من البدوي الكبير الذي دوماً يكون له كالشوكة في خاصرته وهو يأخذ منه كل ما يريد
لقد كان هو من سعى لعمل أكمل معه وهو يعلم أن جموحه لن يجعل البدوي يؤثر عليه !
في البداية كان الأمر في تدبير قضية له تجعل البدوي ينقهر عليه !
لكن الحظ كان حليفه حين وضع الفرسة في المنتصف وعلم أن البدوي الصغير عشقها !
ومن العشق يخرج الذل !
عادت عيناه تمر على جسدها بشهوانية والأفكار الشيطانية تضج بعقله أيهما يجعل عقل البدوي الصغير يطير بعيداً
هل مثلاً فيديو صغير لملحمة عشقية له هو والمحامية على فراشه ؟!
يظن أنها كافية على الإطاحة بالبدوي الصغير !
لكن دوماً القادر لا يفكر أن هناك ما هو أقدر منه!!!
فبوسط كل ألاعبيه الشيطانية لم يكن يدرك أن من لضم الإبرة بالخيط من البداية لم يكن سوى البدوي وهو يزُج المحامية زجاً في طريقه ..!
وهناك على كرسيه المتحرك كان رجله يوفيه بأخر أخبار ابنه فهز البدوي رأسه قائلاً بجمود :-
"حسناً مرر خبر أنها مرغمة لسراج حتى يخبره
وخذ نسخة من ورقة الزواج العرفي وورقة عقد العمل الذي أمضاها عليها أيضاً له "
أومأ الرجل بإحترام ثم قال :-
"ماذا عن رجل رفعت الذي مرر لنا الأخبار "
لوى البدوى فمه بسخريه ثم قال وهو يشير له بكفه كي ينصرف :-
"أخرس له فمه كي تستحي عيناه بدلاً من أن نقتلعها !"

فور خروج الرجل استدار بكرسيه ينظر من النافذة وهو ينتظر الخطوة التي سيلجأ له ابنه فيها كي ينجده !..
______________________

بلدة..سنابل...
ركب عمر سيارته مر أخرى وهو يستند برأسه على المقود بتعب وقد خيم الليل!
لو حكى له أحد ما مر به اليوم لم يكن ليصدق ولو أقسم له على الكتب السماوية كلها !!
لقد تورط في الفتاة فعلياً ولا يعلم ماذا عليه أن يفعل !
منذ أن تركها وهو بالبلدة يتحرى الأخبار عله يتوصل لأحد لكن ما عرفه وتوصل إليه أخبره أن الفتاة يجب أن تظل متوفاة في نظر هؤلاء الجهلة
ما علمه أن الفتاة كانت وحدها في البيت وعادوا ووجدوا خطيبها والذي علم من الأفواة الثرثارة أنه كان عاقداً عليها كان معها بالمنزل وتوفى
حتى أنه توصل أن طبيب الصحة توصل أن الموتة طبيعية إثر أزمة قلبية
الأقوال كثيرة هناك من يقول أنهم ضبطوهم في وضع مخل
لكن أي وضع مخل هذا الذي يجعلهم يدفنوها حية لقد كان عاقد قرانه عليها بعلم القرية كلها !!
هوصحيح مقدر أنه وإن كان عقد قران لا يصح أن تسلم نفسها له لكنه مذهول من ردة فعل أهلها المتطرفة والأكثر غباءاً هو تشجيع بعض أهالي البلدة لهم على فعلتهم
أي غباءٍ هذا ؟!
وكأنهم يفضحون نفسهم بغباء عقولهم
لقد علم أيضا أن والدها بعد أن دفنها أغلق باب بيته مشهراً أنه لن يأخذ عزاء فيها كجروٍ وذهب!
أحد الرجال سمعه عرضاً يقول أنهم نقلوا والدتها للمشفى صباحاً والأقوال أنها فقدت النطق والحركة !
أي جحودٍ هذا!!
دعك بين عينيه بإرهاق وهو يضغط على المقود عائداً بسيارته دون أدنى علم ماذا سيفعل ؟!
فور أن وصل استقبلته السيدة فايزة وهي تسأله بإهتمام :-
"ماذا يا بني هل توصلت لشئ؟"
هز عمر رأسه بلا معنى وهو يسألها مغيراً الموضوع :-
"كيف حالها ؟!"
مطّت خالته شفتيها وهي تقول بأسف :-
"لقد عالجت جروح جسدها كلها ..الفتاة كانت مضروبة بوحشية يا عمر ..جسدها ملئ بالعلامات الزرقاء حتى أن بعضها تورم
لم ترضى أن تتناول طعامها ..ويبدو أنها لم تفيق من صدمة عودتها للدنيا بعد فتهرب بالنوم "
أطرق عمر برأسه مفكراً ثم رفع رأسه لها قائلا :-
"ألبسيها عبائة ووشاح من عندك يا خالتي من فضلك كي أخذها "
رفعت السيدة فايزة حاجبها قائلة بقلق :-
"إلى أين ستأخذها وهي بهذه الحالة "
تنهد عمر بهّم يثقل كاهله ثم قال بأقتضاب :-
"سأخذها إلى أمي تعتني بها "
كادت خالته أن تعترض فقاطعها قائلاً:-
" خالتي أنا أعلم أن عمي إبراهيم زوجك إذا علم بالأمر لن يقبل به فدعيني لا أقحمك في المشاكل "
لم تستطع أن تجادله وهي تعلم صحة كلامه فأومأت برأسها وهي تتجه ناحية غرفتها كي تفعل ما قال ودقائق وكان يحمل جسدها الضئيل للمرة الثانية بين ذراعيه ويضعها في سيارته لكن الفرق أن الوجه المتسخ كان أبيضا شاحباً وكأنها ماتت بالفعل سوى من أنفاس ضعيفة تناقض ذلك !!
ساعتين وكان يسمع شهقة مماثلة لشهقة خالته لكن هذه المرة من أمه وهي تفتح له الباب صارخة بذعر :-
"عائد لي بفتاة بين ذراعيك ياعمر ؟"
_________________________

: اليوم التالي ...
بمكتبها تلم متعلقاتها كي تغلق المكتب إلى الأبد
لقد خدعت أهلها أنها وجدت عملاً بشركة محترمة ففضلته على ما تلاقيه في مكتبها من متاعب
محترمة؟!
أااه ساخرة شقت صدرها فدفعت بكل ما أمامها أرضاً بجنون وهي تصرخ باكية خابطة على سطح المكتب المصقول ..
تجز على أسنانها بحرقة ورغبة عنيفة بالقتل تتلوى أمام وجهها بسادية..
والله لن تتركه يهنأ بذلها ..ستسلخ من جلده حياً حتى تنتقم وإن كان آخر يوم بعمرها
هي غدي البرعي كأي غانية يقترن اسمها بورقة زواج عرفي مع هذا القذر ؟!
تعض على سبابتها بعنف حتى أدمتها
تشعر بالقهر
بالعجز
بالذل والهوان
لو علم جدها ستكسر هامته بالبلدة كلها
لو علم والدها ربما يموت فيها
رباه ماذا عن أنس ..لو قتلها فيها لن يلومه أحد !
ألم توهمهم مراراً أن كل قضاياهاه سلمية ولا تخلُق عداوة مع أحد!
رباه ! ماذا عن شهاب !! هل تكسر من كان لها ظهراً طيلة عمره ؟
هل تخذله فيها وبفخره بها ؟
هي عاجزة ...مكبلة بل مشلولة ولا تدري كيف تخرج من مأزقها
تهز رأسها نفياً ضاحكة بسخرية ورؤية أكمل بالأمس لم تغادر صدرها
هل الدائرة تدور ؟
هل ما استنكرته عليه بالأمس وضِعت به اليوم!
أكمل البدوى يستنكر فعل لها هي غدي البرعي بعد أن كان وجهاً للاستنكار ذاته
لما كان يلومها بعينيه بل لما تشعر وكأنه كان يريد قتلها أو الأحرى حرقها
لما تلك الرغبة العنيفة بالبكاء في صدرها وكأنها قتلت أحدهم
ليحترق بالجحيم عليه اللعنة هو ورفعت وأمثالهم فقط لتتخلص منهم جميعاً
هبت من مكانها تدور كالعصفور الحبيس وهاجس شيطاني يعلو بأذنها أن تتخلص من روحها
عار انتحارها ولا عار شرفها ...
والعقل لا وجود له هنا والشيطان يسيطر برعونة وغشاوة الدموع تعمي فتندفع جهة المشرط الموضوع على سطح المكتب
تفتحه برعونة ..
تبكي بهستيرية والنصل اللامع يقترب من وريد ساعدها بإهتزاز ولم تكد تفعل حتى وجدت من ينزعه من كفها بقوة حذرة قائلاً بهمس خشن :-
"بحق الجحيم ماذا تفعلين ؟!"
مسحت غدي دموعها بعنف قائلة بشراسة :-
" ما الذى أتى بك هنا ؟"
امسكها من مرفقيها بقسوة وهو يجز على أسنانه هامساً بخشونة:-
"جئت لأرى أي جحيم زججتِ نفسك به بغبائك "
"ليس لك شأن بي"
قالتها بعند وهي تحاول أن تتملص منه وكأنها تأبى أن تنكسر أمامه إلا أنه لم يفلتها بل ازداد تشبثاً بها وهو يدفعها جهة الحائط بقسوة كادت أن تتأوه لها لكنه لم يمهلها وهو يتناول رقبتها بين كفه هامساً بشراسة :-
" صدقيني يا غدي يا برعي أنا قادر على أن أدفنك حية هنا والآن و سأكون راضياً ومتلذذاً بما أفعله بكِ من عذاب دون أن أجعلك تنالي راحة الموت
وصدقي أو لا تصدقي هذا كله لن يكفي أبداً إطفاء القليل من النار التي تنهش في صدري منذ أن رأيتك معه بالأمس "

أنزل كفه عنها وتركها تكح ببطئ أمراً بقسوة:-
" والأن دون حرف مجادلة أخبريني أي غباء جعلكِ تمضين له على الورقتين "
ناظرته بذهول فابتسم بسخرية قائلاً بتهكم لنظرتها به:-
"لا تنسي أنا أكمل البدوي
الوجه الآخر للشيطان !"
و دوماً قالوا أن الغريق يتعلق بالقشة وإن كانت تلك القشة هي نفسها التي قصمت ظهر البعير !
اندفعت تحكي له كل شئ منذ أن اختطفها رفعت حتى هذه الساعة وعمّ الصمت المشحون بضجيج الأفكار حتى نطق بحزم :-
"سأتزوجك"
وردها كان ضحكة مجنونة اقتطعتها قائلة بوجع مُكلل بالعار الذي لا يفارقها منذ ما حدث:-
"أجمع بين زوجين صدقني إن قلت أكثر من هذا أنا أستحق
لكن دعني أسألك هل سيكون شرعي أم عرفي أيضاً"

عاد يمسك بها غاضباً وقسى بضغط كفه على مرفقها فانفلت منها تأوه مكتوم لكنه لم يأبه له وهو يقول بتسلط :-
"هذا الحقير ليس زوجك بالأساس وإياكِ أن تعتبريه حتى !"
اقترب منها أكثر حتى كادت الأنفاس أن تختلط وواصل بقسوة :-
"تلك الورقة سأجعل تمزقها يرافق تمزق أحشائه "

صمت لثوانٍ ولأول مرة منذ أن أتى يتأمل محياها الباهت الذي لا يمت لإشراقها بصلة ..
يرفع كفه يتلمس وجنتها بقسوة كالمحموم وعيناه لا تفارقان ارتعاش شفتيها ثم همس بصوت كالفحيح لم يتخيل أبداً أنه يُسْمِعه لها :-
"تلك القُبلة التي أخذها من وجنتك يا ابنة البرعي سأعذبك عليها مراراً"
دفعته بقسوة كارهة أن يسيطر عليها قائلة :-
"ابتعد عني وكُف عن الجنون "
إلا أنه لم يبتعد بل اقترب أكثر محاصراً لها دون أن يلمسها هذه المرة سوى بعينيه ثم نطق بصوت مختنق بالعاطفة أرسل الرعشة بسائر روحها :-
"أقسم لكِ أن أفعل ....تلك الليلة التي عيشتها بالجحيم سأحرق روحك عليها وإن كنتِ مرغمة ….
عشقي الذي تلفظيه سأجعلك تدمنيه كالمخدر بين مسامك
لمستي التي تشمئزين منها سأجعلك تمؤين لها راغبة
وانفاسي التي تحبسين أنفاسك الأن حتى لا تستنشقيه سأجعله ترياقاً تلتهمينه بالليل والنهار
أقسم لكِ على وعودي يا أستاذة واعلمي أن ما من بدوي يقسم هباءا ً"
________________________

السادسة صباحاً ... صوت زقزقة العصافير يأتي من النوافذ مهللا ً _صوت إذاعة القرآن الكريم يبعث جو من الدفء والحميمية على المكان ...
أطفأت داليدا الموقد على اللبن وجففت يديها وخرجت من المطبخ متجهة إلى جدها لترى إن كان مستيقظاً حتى تطعمه الإفطار أم مازال نائم..
طلت داليدا عليه فوجدته نائماً لم يستيقظ بعد وإخوتها يجلسان يشاهدان التلفاز على أحد قنوات الأطفال .. منذ أن جاءت الأجازة وهم يستيقظون مبكراً كما كانوا في الدراسة جلست جوارهم تضمهم إليها وهي شاردة تنتظر أن يأتي وقت ذهابها للعمل فتتركهم وتنزل ..
هي محتارة من حال السيد رأفت معها
هو لطيف وكريم ..حازم في عمله إلا أنه أيضاً يعاملها معاملة خاصة لا تفهمها
يطلبها في مكتبه مرات عديدة بحجج مختلفة تخص العمل من الممكن أن يسأل عنها أي أحد غيرها
منذ أن استنجدت به لإيصال جدها للمشفى وهو لا ينفك عن الاتصال بها بدافع الاطمئنان ..
اليوم طلب منها أن تمر عليه بعد انتهاء دوامها مؤكداً على ذلك ولا تعلم لما لكنها غير مطمئنة ...!!
وعلى ذكر الوقت نظرت في ساعة الحائط التي على شكل مسجد صغير وترحمت على من ذهبوا ثم نهضت كي ترتدي ثيابها
بعد عدة ساعات كانت تطرق عليه باب مكتبه وتدخل فور أن أذن لها بالدخول

فور أن دخلت داليدا على رأفت ابتسم بأبتهاج و كأن يومه ابتدى من هذه الثانية
مرت عيناه عليها بنظرة حسية في فستانها العشبي الذي يشبه لون عينيها
شعرها البني الطويل الذي أخفت تعرجاته في ضفيرة ترتكن بدلال على كتفها حتى تعدت أسفل خصرها وقد تخلت اليوم عن وشاحها الصغير الذي يزين مقدمة شعرها (منديل)
كل ما بها جميل.. هادئ.. ومنعش
يشعر فقط بسماع صوتها أنه يحيا من جديد لذا طلب منها أن تمر عليه اليوم بعد انتهاء دوامها كي يفاتحها فيما استقر عليه وتهفو له روحه
حين شعر بتململها أمامه تنحنح مبتسماً وهو ينهض من وراء مكتبه مشيراً لها على الأريكة الجلدية في زاوية الغرفة كي تجلس
فعلت داليدا ثم ابتسمت بمجاملة وهي تقول بصوتها المغرد لأذنيه :-
"نعم سيد رأفت لقد طلبتني ..عساه خير"
فك رأفت زر سترته وهو يجلس على المقعد جوارها قائلاً ببشاشة :-
"خير يا داليدا فقط أخبريني أولا كيف حالك وحال أسرتك "
أومأت قائلة :-
بخير الحمدلله "
صمت رأفت لثوان ثم تنحنح قائلا:-
"أنظري يا داليدا أنا رجل متزوج ولي من الأبناء عمار ونور
وبالطبع تعلمي أني مهندس عشت معظم عمري متنقلاً بين الخارج ومصر وإلى الأن "
كانت داليدا تستمع إليه صامتة تناظره بالحيرة وهي لا تدري لما يقص عليها ذلك إلا أنها شحب وجهها وهي تسمعه يواصل بثقة :-
"أنا معجب بكِ منذ أن رأيتك وأشعر أن لي مشاعر تجاهك "

هبت داليدا من مكانها غاضبة وهي تقول باستنكار لا يخلو من الذهول :-
"سيد رأفت ما الذي تقوله ؟"
وازاها رأفت في وقفتها متلهفاً وهو يقول :-
" داليد اسمعيني ولا تتسرعي أنا بحاجة إليكِ"
اندفعت خطوة تتخطاه كي تخرج إلا أنه اعترض طريقها يمسك أحد كفيها عنوة وهو يقول بتلهف :-
"داليدا أنا أعرض عليكِ الزواج"
والجملة كانت مرافقة لجملة أخرى لم تكتمل من صدمة ما سمع صاحبها
" أبي لقد أتيت ل...."

انتهى


إسراء يسري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس