عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-21, 09:32 PM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل-الأول-
.
"تَاهَت خُطانا في الظَلام"
.
اليمن/صنعاء
الساعة ١:١٠صباحاً
فتحت مقلتيها ،عندما وصل صوت غريباً لمسامعها ،المكان مظلم وموحش،تتنفس ببطء شديد ،تسمع صوت غرغرة،صادرة من غرفة أختها التي تقع بجوار غرفتها ،وكأن أحداً يخنق أختها أو ملك الموت يسحب روحها ،،شعرت بقدميها يرتخيان عاجزة عن الوقوف،وجسدها يهتز وكأن زلزالاً يزلزلها من أقصى أعماقها،جلست بصعوبة، لتقف وهي تستند على طرف السرير،خطت خطوتين، تريد الذهاب لغرفة أختها، لتجثي على الأرض وتشعر بمغناطيساً يلصقها على الأرض،حاولت النهوض ،ولكن دون جدوى أغمضت عينيها بإنهيار ،شعرت بالإختناق ،وأن فمها خانها تريد الصراخ باسم أختها بعد أن اعتلى صوت أختها بالنجدة ،لتحاول الصراخ باسمها دون جدوى، شلت حركتها تماماً،وصوت شخصاً يضحك ،وصدى صوته يتردد بأذنيها ،أرخت جسدها المشدود،وأغمضت عينيها، لتتلو آية الكرسي مثل كل مرة.
أنتفض جسدها وفتحت عينيها على وسعها وهي تتعرق بشدة ،نظرت حولها بعينان مفتوحتان ،كل ماحدث قبل قليل كان حلماً أغمضت عينيها،وصوت تنفسها يسمع ،وقلبها ينبض كأنه طبول تقرع يوم العيد،فتحت هاتفها ،بعد أن أخرجته من الدرج الذي بجانب السرير على الجهة اليمنى ،كانت الساعة ١ والنصف صباحاً،لم تنم الا ربع ساعة فحسب بعد عراك طويل مع ضجيج عقلها الذي لايهداء،أستغفرت وتعوذت من الشيطان ،فتحت كشاف هاتفها،لتبعد اللحاف عن جسدها ويقع على الأرض خطت نحو غرفة أختها تتطمن عليها وعلى أبنيها،كان باب غرفتها شبه مفتوح ،أسترقت عينها اليسرى لقطة ،قطعت قلبها،ولزلزت كيانها ،كانت أخُتها تجلس على سريرها ،وتقلب صوراً ،وتتأملها كثيراً،ثم تتأمل صور زواجها ،تحاول كتم شهقاتها ،ودموعها تهبط لترتطم على تلك الصور المرصوفة،كانت أغلب الصور لولدها المتوفي ،وزوجها الخائن كما تزعم،تزوج عليها وتدهورت صحتها النفسية ومازاد الأمر سوءً موت ولدها البكر ،كان يبلغ من العمر١٠أعوام ،هذا الشيء الوحيد الذي يغفر لها كلما كشرت بأنيابها لتعضها وتبث السموم بقلبها المتعب،بعد طلاق والديها ،سافر والدها وتركها عند أختها غير الشقيقة "روايةية"ولديها أدهم عمره ٩ أعوام ودلال تبلغ من العمر٤ أعوام .
عادت لغرفتها بخطى متعثرة ،وأسنانها العلوية تضغط على شفتها السفلية ،لا تريد البكاء مع أنها ستنفجر،باتت ماهرة بالتحكم في مشاعرها والصمود ولازالت تطمح للمزيد،تريد أن تصبح قوية كالصخر لا يهزها شيء،يكفيها بكاء ويكفيها نحيب السنون الماضية ،ستجمد مشاعرها للأبد ، لا تريد حناناً ولا عطفاً ولا حباً "اكتفت من كل شيء حرفياً،وليست مستعدة للخوض في علاقات جديدة كانت صداقة او غيرها ،لقت من الخذلان ما يكفيها لأعوام عديدة ،كيف تضمن أن هناك من سيبقى معها ووالديها وهما والديها تخليا عنها وجعلاها تبكي كطفل ضائع بالزحام .قرأت الرسالة التي وصلتها من رئيسة صفهم "البيداء باكر دوام"تأففت بضجر لترمي بجسدها المتهالك على سريرها،وترمي الهاتف جانبها، أغمضت عينيها بقوة لتردد الأذكار ،تخاف ان يزورها ذاك الحلم مجدداً ككل مرة ،نظرت لكتبها المرصوفة بجانب رأسها "كيمياء،أحياء،فيزياء،رياض� �ات " الصف الثاني ثانوي،هذه السنة الدراسية ماقبل الأخيرة ولكنها السنة الأثقل عليها وعلى روحها،وحتى يوم الخميس عليهم ان يدرسوا لإكمال منهج الترم الثاني..
.
.
الساعة ٢:٥٠فجراً
يشاهد التلفاز بملل شديد ،لاشيء مهم كل شيء بات مملاً،رمى الريموت جانبه ليتأمل السقف بعينين جامدتين ،كل شيء كان يسعى للوصول إليه ،تحقق وأصبح حقيقة،المنزل ،والسيارة،والوظيفة حيث أصبح معلم أحياء،وأصبح دكتور مختبرات بأحد العيادات ،قبل سنوات كان حلمه ان يصبح معلماً والحمدلله تحقق ،وكم يستمتع بهذه المهنة،مدّ ركبتيه بعد أن كانت مطوية ،ليضغط بأنامله على كعب ركبتيه،تعب كثيراً حتى وصل لهذه المرحلة واستنزفت كل طاقته،ولازالت هناك عقبات كثيرة ستواجهه لاحقاً،أتت الأشياء الجميلة بعد أن ذاق المر وأعتاد عليه،ولم يعد يستمتع بسكر الأيام،الشوق يمزقه والحنين يبعثره،وحضن والدته هو فقط من سيجمعه.
تلك الأيام التي مضت ،لم تكن هينة بل سحقته مزقته عبثت بروحه ،عمره٢٥عام فقط وقد خطت بعض الشعرات البيضاء رأسه تحكي معاناة قسمت ظهره وهو بعز طفولته وبراءته،كان ينظر للأطفال بعينان جائعتان يشتهيان الحياة مثلهم يلعب بتلك الألعاب المغرية ويأكل من تلك المنتجات العجيبة المخصصة للأطفال ،يرتدي ثياباً جميلة مثلهم ،والأهم أن يكون برفقة والديه ،واحداً يمسك بيده اليمنى والأخر باليسرى ،ولكن مع الأسف أصبح يتيماً ووالديه على قيد الحياة،الأقدار جعلته أكبر من عمره بسنوات كثيرة جداً،سرقت ابتسامته بكل قسوة وبشاعة وكل تلك المعاناة سببها من؟؟سببها والده الذي أبعده عن أمه واختفى ليتركه مع زوجته الأولى،ولو كان بينها وبين الجنة ذنبه ماسامحها.
تنظر إليه من جانب الباب ،شارد الذهن ويداه تهمز ركبتاه ،فترة طويلة حتى لمحها اعتدل بجلسته وابتسم لينطق:تعالي ،أبتسمت لتقترب منه وتقبل رأسه ثم بدأت بعمل مساج لركبتيه ،نطقت برثاء:رماح ارتاح باكر مش ضروري تتعب نفسك. قبل رأسها ونطق بمكابرة :انا بخير بس اشوية تعب وبيخف ،ثم أردف وهو يعتدل بطريقة جلسته :سيري أرقدي عشان ما ترقدي بالفصل .هزت رأسها بالموافقة وتصنعت الابتسامه لتقبل رأسه،وتنطق :تصبح على خير ،لتقف وتغلق الأضواء ،وتعود لغرفتها بينما هو رد عليها متأخراً بصوت مرهق:وأنتي بخير سماهر، ليريح جسده على ضغط المجلس ويغطى عينيه بذراعه الأيمن ليغط بنوم عميق.
بغرفتها بعد أن عادت من عنده، تمسك الكتاب بكلتا يديها وقدميها تتحرك ذهاباً وأياباً،بحدود غرفتها، تريد حصد أعلى الدرجات ،حتى تفرح وتفرحه معها،تريد أن تثبت له أن المال الذي ينفقه عليها ،لايذهب سُداً ،بل ينبت أشجاراً تخرج منها ثماراً كثيرة ووفيرة.
ببلدهم هناك تدمير للمعنويات والأحلام وبالاخص"الفتيات" أما يحرمن من دراستهن بحكم أن لافائدة من دارستهن وأن نهايتهن ربات بيوت ،ويخافون عليهن أيضاً كما يزعمون ،ومن جملهم الشائعة:
"أنتي بنت ليش تدرسي وآخرتك للمطبخ.
تضيعي عمرك على الفاضي ومافيش أشغال للرجال بتحصلي أنتي.
ايش بتستفيدي من الدراسة تزوجي أحسن .
وإذا تزوجت ولم تكمل دراستها قالوا:ليش ماكملتي دراستك أحسنلك ،وهنا ندرك أن رضى الناس غاية لاتدرك،ولكنهن لا زلن يحاولن ويطمحن للقمم مهما كانت الصعوبات والعرقلات يكفيها أن الله عوضها بأبن أخيها الذي يقف بجانبها ويشجعها ،وتستند عليه عند الإنحناء ،ويجبرها عند الإنكسار .جلست على السرير وعينيها مثبتة على الصفحة٥٠ من كتاب الأحياء، ستفعلها،ستصل لما تطمح،نعم ستصل ،هل ياترى قرأت البيداء الرسالة ام أنها ستتغيب مثل اليوم؟ .
.
.
الصباح أشرقت الشمس لتساعد الأجساد على الدفء،بعد نزول المطر ليلة البارحة ،وبرودة الجو.
عدلت خمارها ومن ثم غطاء وجهها تنفست رائحة الصباح بعمق،ثم نظرت لساعتها السوداء التي تحيط معصمها ، كانت تشير للسابعة والنصف ،لازال الوقت مبكراً ستتمشى بالشارع قليلاً ،كان مليئاً بالمياه والوحل أثر نزول المطر فقد أكملت ملامح الشتاء ،تلفتت يمنة ثم يسرة،بعض المحلات التي تحيط الشارع لازالت مغلقة،وتفوح رائحة خبزاً شهية،بعض بسطات الخضروات مفتوحة،وأطفال يعملون بها وبعضهم يتناولن وجبة الإفطار على الرصيف ،أجبرتهم الأوضاع على العمل وترك المدارس،ثم تأملت طلاب الثانوية ببدلة المدرسة الكحليه ،والفتيات بعباءتهن الكحلية وحجابهن الأبيض ولثاماتهن والبعض كاشفات وجوههن،أولئك الطائشون الكارهون للدراسة ،يضحكون ويهربون يغيظون بعضهم،وحتى انهم يقطعون الشارع بتهور،يشترون من البقائل والمكتبات،أما الفتيات مجدات و مجتهدات يسارعن للوصول للمدرسة،أبتسمت بهدوء،والتفائل يدغدغ قلبها أشتاقت لأيام المدرسة ،ولكن لاتشتاق لتنمرهم البتة ونظرات احتقارهم ،كم لقباً باتت تحمل الأن ،واحد عانس مع أنها لم تكمل الخامس والعشرين من عمرها،واثنان قليلة تربية بسبب عملها المختلط وقيادتها لسيارتها،والكثير والكثير،من التنمر.
صوت من خلفها يتخلله البحة والهدوء :براءة
أدرات بجسدها لتنظر إليها بكامل حشمتها:صباح الخير بيبو
أبتسمت البيداء بإرهاق لتسلم عليها :صباح العسل ياعسل
أبتسمت براءة بشيء من السعادة ،ومثل ما أن هناك كثير من المتنمرين والحاقدين،مازال العالم مليئاً بالطيبين ردت على كلامها:انتي العسل.لتردف بتساؤل:كأنك تأخرتي .
نطقت بلا مبالاة وهي تحرك رجليها باتجاه المدرسة:انشغلت ياقلبي،ثم مشت بخطوات أسرع متجنبة الغوص في الوحل والمياه،أدارت بجسدها ولوحت لبراءة ،لو تأخرت أكثر سيعاقبها،تكن له الكثير من البغض.أبتسمت براءة بصفاء ،لتفتح العيادة بعد فترة طويلة ،وتفتح باب صيدليتها المطل على الشارع،تعمل وتعمل لأجل والدها ونفسها.
.
.
عشت إيماني وحبي أمميا
ومسيري فوق دربي عربيا
وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا.
الجميع يقف بثبات ورؤوسهم تنظر للأعلى كن فتيات أو فتيان وذلك العلم الشامخ يرفرف عالياً،
وقد كانت هذه السطور آخر سطور من النشيد الوطني ،ما يعني أنها تأخرت.
بجانبها نظرت إليها وضمتها ثم نطقت بفرح:الحمدلله ماتأخرت وحدي .
نظرت إليها البيداء بطرف عينيها وقد تكتفت ،ستعاقب ،ستعاقب.
أدركت الأخرى أنها لا تريد التحدث ،نظرت للطلاب وهم يدخلون الصف بطابور منتظم،وحتى الطالبات بنفس صفهن ، وجهت نظرها لوالدتها التي تنظف الساحة ،ألماً ضرب قلبها ،مابيدها حيلة ولو ذهبت لمساعدتها ستوبخها بعنف،فقدت والدها وفقدت البلد ولكنها لم تفقد الأمل بالله،تأملت عباءة والدتها المتسخة من الوحل ويداها الناعمتين والبيضاوتين أسمرتا ،وقد عبث بهما العمل وأصبحا منقوشتين بخدوش وندبات عميقة لن يمحيها الزمن،لا أحد يعلم أنها والدتها ،ليست هي من تخفي بل والدتها وتجهل السبب ،طول السبع سنوات الماضية عانت المُر والضيم مع والدتها ولم يلتفت عليهما أحد ولا أحد،تلك القصص طويلة ،ولو حكتها لاحتاجت لسبع سنين أخرى.لمعت عينيها وقبضت أصابعها بألم على والدها، حال مالمحتها تتنفس بتعب كيف لرقيقة و جميلة مثل والدتها أن تعمل بمشقة هكذا،ستحقق ماتطمح له وتعوض والدتها التي تضحي من أجلها ومن أجل سعادتها وحتى ثياب المدرسة التي ترتديها جديدة وبأعلى الأسعار من يراها يظن أن حالتها المادية ممتازة.
سحبتها من يدها اليمنى لتشهق وتصحى من شرودها ،لتنطق البيداء بغيظ:روان تحركي مش وقت تسرحي ،الأستاذ بيعاقبنا.
ابتسمت روان بوسعه على هذه النفسية ،بنات الصف ينادينها "بالمطوعة" لأن ثيابها محتشمة ولا تتمادى مع المعلمين ودائماً تنصحهن وتوجههن.
وصلا لجانب باب الصف وسمعاه ينطق:روان تدخل ،البيداء لعند المشرفة
نظرت اليه بحقد لتتجه نحو المشرفة ،وحتى تخيفها المشرفة وتحد من تأخرها قالت بقسوة أن من تتأخر عليها العودة للمنزل ،وهي بدون تفكير أخذت إذناً وعادت للمنزل.
.
.
المساء
كانت تعمل بكل ذمة وضمير ،تنظيف،ترتيب،غسيل الصحون،والثياب ،أخذت نفساً عميقاً ورمت نفسها على الأريكة التي تتوسط الصالة بلونها الأرجواني،تنظر إليه بحسرة وخيبة أمل ،يعبث بهاتفه ويبتسم ابتسامات غريبة ومريبة ،بالتأكيد يراسل حبيباته،نظرت للبلاط الأبيض ينصع والطاولة بالمنتصف تلمع والكراسي مرتبة،ثم لثيابها الأنيقة ،كل شيء مثالي ومرتب،وقفت بإرهاق وتوجهت للمطبخ ،لتأخذ سكينناً ووعاء،وتخرج تفاحاً وبرتقال من الثلاجة،ستشبع بطنها وليذهب ذاك الى الجحيم هو ومن تراسله،عمرها ٢١عاماً ،وتزوجت بعمر١٥عاماً صغيرة أليس كذلك قصتها طويلة جداً ، لديها طفل بعمر٥ أعوام ،وهو الشيء الوحيد الذي يطرد من رأسها فكرة الطلاق ،حتى لو كان ياسر قاساً عليها فهو حنون على ولده ،وطفلها راكان متعلق بكليهما .
صرخ بصوت عالي أفزع به راكان الذي هرع ليضم والدته من ركبتيها ،وبيده عدّة أوراق:انغام .أجابته بهدوء وهي تغلق أذني صغيرها:أيش تشتي
نطق بتذمر:وين الشاهي لازم أتكلم يعني.أخذت نفساً و ابتسمت لولدها بمكابره لتنطق بلطف متجاهلة نداءه:حبيب ماما وش معه
نطق بتساؤل طفولي بعد أن قبل وجنتها اليمنى:ماما ليش بابا يصيح كذا.
قبلت رأسه ونطقت بنفي:بابا يحبني ومايشتيني اتعب.ليمد لها ورقتين ،فتحت الورقتين المطويتان ولاحظت بقع شكلاه عليها،أبتسمت له ومسحت عن فمه الشكلاة التي تناولها قبل قليل ،كانت الأولى مرسوم عليها دائرة كبيرة ومن جانبي الدائرة دائرتين أصغر ،وقد رسم ملامح تشبه ملامح الدب ضمته لصدرها:ماشاء الله حبيب ماما فنان .ثم فتحت رسمة أخرى ،كان قد رسم شخصين بجانب بعض ووسطهما طفل.نطق وهو يدور على نفسه ويصفق:هذا انا وانتي وبابا،ضحكت بخفة وقبلت رأسه لتنطق:أحلى عائلة وأحلى كوكو،سحب الورق من يديها وهو مبتسم بوسعه لينطق:بعلم بابي ، مدحه والده مثل مدح أمه وأكثر وأعطاه نقوداً تقديراً لجهده،وراكان ينتفض من السعادة ويقلب النقود بيده،اما هي قدمت له الشاي،لينظر لها بطرفي عينيه، تجاهلت تلك النظرات لتعود غرفتها وتستلقي على سريرها ،لاتريد أن تتشاجر معه أمام ولدها لاتريده أن يتعقد وتغلط غلطة أخيها.
.
.
تبوك
الساعة ١٢صباحاََ
بأحد الشقق متوسطة الحجم التي تطل على الشارع ،رمى نفسه على سريره وأغلق أذنيه، وكأن طلب الزبائن يتردد بأذنيه ،حتى أن هادي أخبره انه يستيقظ آخر الليل ويهلوس ،ويتكلم بنومه مثل:طلبك جاهز،ايش طلبك، أستيقظ الآخر من نومه وفرك عينيه الحمراوتين لينطق بنعاس وخفوت:متى رجعت.
نطق الأخر بتعب ويديه تمسح وجهه:قبل شوية ،
نظر الآخر للسقف ونطق بمرارة وحسرة:ياخي متى بنرجع البلاد ونتزوج ونكون أسرة عمري يضيع قدام عيني والي مثلي قد عندهم من ثلاثه جهال
.ضحك عبدالرحمن مطولاً ثم تنهد مطولاً :حسك عند الزواجه يا ابن أخي قول متى بنرجع ونضم أحبابنا وأهلنا ،متى بنرتاح من هم الغربة وشقائها.
تنهد الإثنان وكل واحداً منهما سرح بهمه ،خمس سنوات من الغربة ،والبعد عن الأهل والأصحاب،تغربا وهما بعمر العشرين ،وعلى مايبدوا أنهما سيعودان بعد أن يخط الشعر الأبيض رأسيهما.
نطق هادي بقهر وهو يغطي جسده بالكامل:ياخي لو بلدنا صالحه،
قاطعه عبدالرحمن بأسى:أخ يا هادي اللوم مش على البلد اللوم على الي باعوها ،المفروض ان احنا نشتغل ببلدنا ،مرتاحين وجنب أهلنا،لاسامح الله من كان السبب.
نطق هادي بعمق وتنهيدة طويلة :آمين ،ثم أردف بضحكة رغم وجعه:تخيل البيداء أتصلت بي عشان تعلمني العصيد والمندي الي عملتهم وصلت ريحة العصيد لهنا،الظاهر تشتي تغيظني.ضحك عبدالرحمن بخفوت ونطق ،بعد أن تثاوب وأغلق عينيه بإرهاق :أختك ذي يشتي لها زوج عنده قلب سع الدنياء كلها،اليوم طردها الأستاذ من الصف وروحت البيت عناد .هادي بإبتسامة وهو يغلق عينيه:الله يوفقها ويعينها.
.
.
بنفس المنطقة ،بأحد المستشفيات.
:لاتستسلمي خليك قويه انتي قدها وقدود،محد يقدر يحطمك،الله معك ،بكل اوقاتك كوني مؤمنه بالله ولاتنسي قوله " وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"الحال مايدوم سمعت مره مقولة مضمونها ان حياتنا مثل الفصول الأربعة ولازم تتناوب عليك طول العام،بتلفحك الخيبات ،وتتجمدي بصقيع الوحدة ،وتتساقط الأحلام ،ويجي الربيع ويزهر حياتنا من جديد وهكذا،الله معانا بنومنا وقومتنا،وجهي لله سهوم دعائك أخر الليل والحال بتتيسر وبالأخير الله يجبر كسرك وخاطرك،لتنطق أخيراً بصوت متشحرج و كسير يتخلله الألم والحزن:الدنياء متعبة وأحنا لازم نرضى ونصبر عشان نفوز بالأخرة.
أطفئ التسجيل ليبتسم ابتسامة صغيرة، كيف يدمر كتلة التفائل تلك ،بل يجب وضعها بمكان لا يصل إليه إلا من يستحقه بجدارة،كأنها لؤلؤة يتهافت ويتنافس الجميع لإيجادها،وبالصدفة كانت من حليفه ،ليس حرفياً ولكنه يريدها بشدة بات يشعر بأنها جزء من يومه،يشعر أنه مجرم عندما يستمع للتسجيل وأنه ليس من حقه ولكن تلك الكلمات البسيطة تزرع زهوراً وردية بقلبه ليتها تعرف فقط ،كيف أحيت قلبة ،بعد أن عزى نفسه ومشاعره التي توفيت منذ زمن طويل ونسى كيف يحب ،أعادت الشعور بعد الله تعالى .أخذ هاتفه من على الطاولة السوداء التي أمامه والمليئة بالأوراق الكثيرة والأقلام المنثورة ، حظر رقمها ،لن يكون نذلاً ويفسد على نفسه ،يكفيه هذا التسجيل ،ليرسل تغريدة مضمونها .
-برحاب صحراكِ تهتُ عشقاً
تاركاً خلفي بساتين الزهور.
.
.
الساعة ٩مسائاً
يجتمعون على سفرة واحدة يتناولون وجبة العشاء،ويتبادلون الضحكات بينما والدهم يسكتهم يوبخهم.صمت الجميع بعد ان تحولت ملامح والدهم للغضب.دخل للتو عائداً من عمله بعد أن تمشي بشوارع تبوك،ليقف ويتأملهم للحظات،جراح توأمه وأخته حَلاه التي تبلغ من العمر ١٨عام ،وزوجة والده غلا،وأخيراً الإستخبارات،أخته أريام التي تبلغ من العمر٧ أعوام،عمه صقر بالأربعينات من عمرة أخ والده من أبيه وأمه يمنية وقد توفيت بنوبة قلبية منذُ زمن بعيد،وجدته والدة والده وجنسيتها سعودية ،وجده ذو الجنسية اليمنية ،وعمته سلوى أخت والده الشقيقة ليس لها وجود يبدو أنها تحتفل مع زوجها بنجاح ابنتهما الريم في الترم الأول ،وقد حصلت على الترتيب الأول.كاد أن يتخطاهم ليقطع عليه صوت والده الحازم :بتّار
أدار بجسده لينظر إليه بهدوء.نطق سند بشبه ابتسامة:تعال تعشى معنا.
هز رأسه بالنفي لينطق بإختصار: تعشيت برا ،ليكمل خطاه نحو غرفته ذات الألوان الكئيبة "أسود، رمادي ،وشيء قليل من الأبيض"رسومات بالأبيض والأسود ملصقة على الحائط ،وبعضها ملونة ،إضاءات خافتة ،كتب ذات أغلفة سوداء وبنية ،مرصوفة على مكتبته بأحد زوايا الغرفة ،بعض منها قصص رعب،والأغلب كتب علم النفس،أصبح طبيباً نفسياً وذا خبرة عالية جداً،أستحم وغير ثيابه ليرتمي على سريره ،أخذ ريموت التلفاز واشغله على محطة علمية،ذهنه لم يكن ينصت للقناة بل يتأمل صورته مع ابن خاله ،همس ببرود ويبتسم بهدوء:إن شاء الله أعرف مكانك و نلتقي قريب.

سند نظر لأبنائه كلهم قريبون له إلا بتّار،أخطئ بحقه عندما كان طفلاً وقسى عليه أكثر بمرحلة مراهقته ، ليتبين أخيراً أن كل ماكان يفعله خارجاً عن إرادته،كان يفتعل المشاكل وأتفه كلمة تشعله يبقى وحيداً لأيام ،لا يجالس أحد ولايملك أصدقاء ،وسند بطبعه غضب ولا يتحمل ،فكر و أخذه لقارئ مرة واحدة،وقد تحسن لأيام" ثم عادت حليمة لعادتها القديمة " ليرجع اللوم على تربيته هو ورفيدا وأنهما أفسدا تصرفاته بدلعهما الزائد له فقد كان ملاقاً ويحبهما بجنون ،أول سنة دراسية له،كان يحرم نفسه و يشتري لهما الهدايا من مصروفه على الرغم من صغر سنه ،كان مختلفاً عن البقية ،وكانا يدللانه دون أن يلحظ أخويه،وبعد وفاة والدته، بسبب تلك الضربة القوية والمضاعفات التي حصلت لها بسبب السكر،كتب لها الله الموت،لم يحمله الذنب لأنه شك بأن به شيء غير طبيعي ،ولكنه كان ينظر إليه بشيء من اللوم والمسؤولية،وما صدمة وجعل شياطينه تتجمع برأسه إتصال أحد معلميه عليه وأعلامه له أن بتّار يتعاطى حشيشاً مع أحد أصدقائه الفاسدين بالمدرسة ،لايدري ءابقى عظمة سليمة بجسده ذلك اليوم أم لا؟أستشار أحداً ونصحه بأخذه لطبيب نفسي وتبين بالأخير أن به اكتئاباً حاد،يجهلون سببه او بالأحرى أن نفسيته تأثرت بعد فقدانه لرماح ، والحمد لله بعد العلاج والتوجيهات والإنتباه له وتشجيعه، تحسنت حالته كثيراً وسلوكياته أيضاً ولكنه أصبح أكثر بعداً منهم .نظرت إليه غلا وابتسمت له يعني تفائل فالقادم أجمل،رد لها الابتسامة بابتسامة أجمل. كتمت تنهيدتها، ودموعها تحجرت بعينيها الحادة ،كل ما تراه يراودها خيال ولدها المسلوب ،كانا صديقان مقربان ،يلعبان سوية ويأكلان سوية،وحتى أنهما يتشابهان ببنية أجسادهما وبعض ملامحهما،ترى رماح فيه ،يقتلها شوقها.
.
.
بنفس الوقت
قبل رأسها وهو مفتخر بإنجازها لينطق بحنان ممزوج بفرح:من نجاح لنجاح حبيبة بابا.ضمته بقوة ،لتبتعد وتضع يده على يدها ،ثم يد والدتها.نظر إليهم أخيها الذي يبلغ من العمر ٢٢عام نطق بحنق وهو متكتف:طيب وانا.ضحكت مطولاً لتنطق:يلا نمير بلادلع ماصخ تعال وشاركنا .ضحك بخفة ليقترب منهم ،قطعوا الجاتو،البسيط الذي يتوسط الطاولة المغطاة بمفرش زهري ،ثم أخذ كل واحداً منهم كأس عصير.نظرت الريم لنمير وبتحدي:نشوف من بيكمله أول.شعرت بضربة خفيفة على رأسها ونمير أيضاً .نظرا لوالديهما وضحكا بخفة ليشربا العصير ويلغيا فكرة التحدي،لتنطق الريم بزعل وعينيها تتأمل والدها:يبه راسلت البيداء ووضحت لها أني أختها وأنكرت وقالت ما أعرفك وسحبت علي .عقد رويد حاجبيه لينطق بضيق: الظاهر انها تمزح معك البنت تحب ترفع ضغط أي أحد الله يسعدها ويهديها.نظرت إليه سلوى بلؤم شديد،تجاهل نظراتها المصوبة عليه،تلك النظرات تزيد من تأنيب ضميره،كل جمعة تراسله ويرد عليها باختصار شديد،سيتصل بها لاحقاً ،وسينسى مثل كل مرة.كانت الريم سعيدة بنجاحها ودت لو تحتفل مع حَلاة فهي بنفس صفها وهذه السنة الأخيرة لهما،ليدخلا بمرحلة جديدة "الجامعة" تناولوا الجاتو وهم يتبادلون الضحكات والأحاديث ولا تخلوا تلك الأحاديث من مزح رويد ودعاباته.
.
.
صباحاً بالمستشفى.
مغمضة عينيها بسلام ،وملامحها الجميلة مرتخية،يداها مشبوكة فوق بطنها،لاحياة فيها سوى قلبها الذي ينبض،أقترب منها وضم وجهها بيديه ليقبل رأسها وينطق بابتسامة خبيثة :بدري يا مهوي بدري عليك التعب.طبطب على وجهها ليناديها:مها حبيبي تسمعيني ،تحركت ملامحها بانزعاج ،ليتحرك رمشها ،وتفتح عينيها البنيتين و الواسعتان ،غفرت عينيها بصدمة وتجمعت دموع يتيمة تعلقت بأهدابها.نطق بنبرة مستفزة ويده اليمنى لازالت تطبطب على خدها:ما اشتقتي لي،هزت رأسها بالرفض القاطع وملامحها تميل للذبول والهلع.وضع يداه على رقبتها وضغط بخفة ،أغمضت عينيها بقوة ،سينهي ما تبقى ،سينهي الحياة ،ويذبل أخر وردة ببساتين قلبها القاحلة.أبعد يديه لتكح كثيراً وصدرها يعلو ويهبط،تشهق بعنف تريد إلتقاط أنفاسها،تشعر بصدرها يتمزق.رفعت يدها المرتجفة لمستوى فمها،لتغطية ابعدتها وتشوشت رؤيتها وهي تنظر لبعض قطرات الدم قد التصقت بها.نطق بتلاعب:زعلانه على طليقك رويد أمس أحتفل مع زوجته وأولاده ،وتارك بنتك معها تصحيها وتمسيها بكلام وهواش ،تركها بعد أن طعنها عدة طعنات غير مرئية.رمشت عدة مرات ثم أغلقت عينيها بأسى وحسرة ولكنها لن تستسلم ستكسب الأجر وتنال الثواب تشعر بالله قريباً منها مع انها،فقدت كل شيء"صحتها وقوتها وأبنتها ونفسها"كل هذا بسبب شيء سخيف أعمى بصرها وهدم بيتها..
.
.
- انتهى..
.
.


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس