عرض مشاركة واحدة
قديم 10-07-21, 10:10 PM   #84

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

دخلت للشقة باندفاع بعد ان تجاوزت الواقفة عند الباب بسرعة ، لتتوقف بمنتصف بهو الشقة لبرهة ما ان وقعت نظراتها على الجالس امامها وهو يسند يديه فوق ركبتيه ناظرا لها بابتسامة هادئة باتزان كعادته بكل مرة تصطدم نظراتها به .

حركت بعدها مقلتيها بعيدا عنه بملل وهي تتمتم بوجوم
"مرحبا بزوج شقيقتي ، اراك مبكرا بالحضور اليوم ، فلم يحن بعد موعد العشاء ، من باب الفضول لا أكثر فهذه شقتك بالنهاية"

ارتفع حاجبيه ببطء حذر بدون ان يندهش من وقاحتها اللامتناهية والتي اعتاد على مقابلتها منها ! ليتدخل بعدها صوت آخر قادم من خلفها وهي تقول بصرامتها المعتادة عند اللزوم
"اصمتِ يا ماسة واجلسي على الأريكة امامكِ بأدب ، فهناك ما يريد احمد ان يطلعنا عليه"

التفتت برأسها بعبوس نحو شقيقتها بالخلف وهي تعقد حاجبيها بجمود بدون ان تمنع الحيرة المتوجسة من احتلال تفكيرها بفعل كلماتها الأخيرة والتي يطغى عليها القلق والذي نادرا ما يخرج منها ؟

قال (احمد) بعدها بلحظات بجدية هادئة وهو يتنقل بنظره بينهما بقوة
"اسمعي يا ماسة ، اعلم بأنني اثقل عليكِ بطلبي وليس لديكِ الوقت لسماع اي شيء من احد وخاصة بأنكِ قد عدتِ من الخارج الآن ، ولكن الأمر مهم جدا وانتِ وشقيقتك عليكما سماعه مني فهو يخص حياتكما ، لذا هلا جلسنا قليلا وتكلمنا لبضع دقائق فقط"

اعادت (ماسة) وجهها للأمام بهدوء وهي تنظر بعينين جامدتين بدون اي حياة للذي كان يتكلم الآن باتزان هادئ بقوة كانت تتخلل نبرة صوته الشبيهة بوالده ، لتشعر بعدها بخطوات الواقفة من خلفها وهي تتجاوزها قبل ان تجلس بصمت بجانب زوجها وهي تقول بابتسامة عملية
"هيا اجلسي يا ماسة على الأقل احتراما لابن خالك والذي قطع عمله تحديدا ليتكلم معنا بموضوع مهم ، حتى انه لم يوافق على التكلم عنه بدون ان تكوني موجودة معنا"

زفرت انفاسها بغضب مكتوم وهي لا تصدق نبرة اللوم المبطنة والتي تلقيها عليها بسبب تأخرها بالعودة للمنزل والوقت والذي انتظر به سيد زوجها حضورها لينطق بموضوعه المهم والذي لا يستطيع قوله بدون وجودها وهو يقطع عمله من اجلها وكأنها المذنبة الوحيدة هنا بسبب عدم معرفتها بوجوده ؟ جلست بعدها فوق الأريكة المقابلة لهما وهي تضع الحقيبة فوق حجرها بقوة قائلة بحنق ساخر
"ما كان عليك حقا انتظار وصولي لهذا الوقت ، اتعبت نفسك ونحن الملامين بكل ما حدث معك ، لذا اعذر قلة ذوقنا ومنك السماح"

حركت (روميساء) رأسها بيأس منها وهي تنقل نظراتها للجالس بجانبها والذي كان ينظر لها بنفس ابتسامته الهادئة بدون ان يتأثر بسخريتها ، ليقول بعدها بلحظات بجدية صارمة وهو يضم قبضتيه معا فوق ساقيه
"لقد اتيت لأخبركم بأن والدي واقصد بكلامي خالكما قد وافق على عودتكما للسكن بالمنزل معنا كما كنا بالسابق ، وهو قد اخبرني بنفسه قبل يوم ان اخبركم بقراره واهتم بإعادتكما للمنزل بين افراد العائلة ، وايضا لقد اخبرني بأنه قد سامحكما على اخطائكما الأخيرة قبل هروبكما من المنزل وهو لا يحمل اي ضغينة نحوكما ، فما هو رأيكما"

مرت لحظات ساكنة بصمت قاتل ما ان انهى كلماته الأخيرة والتي نتج عنها سحابات ضبابية غيمت على الأجواء وعلى قلوب المستمعين له بصمت ، لتبادر بعدها بالكلام من نهضت عن الأريكة ببطء وهي تقول بهدوء مقيت
"هذا رائع ، الأب يخطط والابن ينفذ ونحن علينا بالتحرك حسب الأوامر المعطاة لنا......"

قاطعتها (روميساء) وهي تهمس بتشنج ممتعض مدركة المعنى المخفي بكلماتها الساخرة
"ماسة إياكِ والنطق بأي كلمة....."

عادت للكلام بقوة وهي تعود لسخريتها المعتادة قائلة بجفاء ونظراتها موجهة نحوهما
"لا توقفيني عن الكلام يا روميساء فهذه المرة لن اصمت ، وعليّ ان اقول واعبر عن رأيي الشخصي والذي كبته كثيرا وقد حان الوقت لتسمعوه"

عضت على طرف شفتيها بتوجس مما هي مقدمة عليه شقيقتها من كلام لن يسر احد ؟ بينما نظر لهما (احمد) بحيرة وهو يتوقف بنظراته على الواقفة امامه وهي تقول بابتسامة ساخرة بجمود
"لقد كنت اعلم يا احمد بأنك ستبدأ بخيانتنا يوما ما ولكن لم اكن اعلم بأنه سيأتي سريعا ، وصدقني كنت قد بدأت اثق بك ولكنك خيبت ظني بالنهاية وهذا هو المتوقع من ابن عائلة الفكهاني والتي نبذت وجودنا بينهم لسنوات ، وها انت تعيد نفس القصة ولكن بشكل مختلف وانت تحاول التخلص من وجودنا انا وشقيقتي من حياتك بعد ان قدمت لها عرضا مغريا بالحياة الهانئة والتي ستنتهي الآن بغمضة عين"

عقد حاجبيه بامتقاع وهو يقول بعدم فهم بعد ان شعر بأنه دخل بدائرة اتهامهما
"عذرا ولكني لم افهم اي كلمة مما قلتِ ، لذا هلا شرحتِ لي اكثر عن ما هو مقصدكِ من هذا التهريج"

حركت رأسها بقوة قريبة للقسوة وهي تتمتم بوجوم عابس
"سأخبرك الآن مقصدي ، اخبرني من هو الذي عرض على شقيقتي ان يقدم لها المساعدة والعون والحياة الهانئة بشقة لها وحدها وكل شيء تتمناه بشرط ان ترتبط به وتتزوجه بدون علم احد ، ومن هي التي وافقت على هذا العرض بدون ان تهتم بتشهير هذا الزواج وبأن هذا الزوج متزوج من غيرها وكل هذا من اجل تحقيق احلامها بالحياة والتي عانينا منها على مدار سنوات ، وبعد كل هذا تريد ان تتخلص منا بألقاء مسؤوليتنا لخالنا بعد ان ضقت ذرعا منا ومن المسؤولية الملقاة على عاتقك وما ان برئت ذمتك منا ، وخاصة بأنك لم تحصد للآن على اي نتيجة من هذا الارتباط الفاشل....."

قاطعتها الصرخة المنتحبة من التي وقفت على قدميها بارتعاش احتل جسدها بأكملها
"اخرسي يا ماسة ، ألم اقل لكِ ان تصمتِ ، لما لا تسمعين الكلام"

عبست ملامحها بغضب وهي تلتفت لشقيقتها قائلة بعبوس متعجب
"ألم تسمعي ما يقوله يا روميساء ، ام ان محبتكِ له وطيبته قد اثرت على عقلكِ واوقفته عن العمل ، فأنا اعلم جيدا بأنكِ تفكرين بقلبكِ اكثر من عقلكِ....."

عادت (روميساء) للصراخ بغضب وهي تقول بنبرة مهددة تخرج منها لأول مرة
"ماسة كفى لا اريد سماع اي كلمة منكِ"

زمت شفتيها وهي تصمت بالفعل ناظرة لشقيقتها بحزن طغى على نظراتهما وهي تعود طفلة تتعرض للتوبيخ على يد شقيقتها الكبرى بسبب تقصيرها بدروسها ، قطع الوجوم بينهما صوت من وقف عن الأريكة بهدوء وهو يقول بهدوء يحسد عليه بهذه الأجواء القاتمة
"اعتذر على سوء الفهم الذي حدث الآن ، ولكن كل الذي نطقتِ به يا ماسة غير صحيح ، ولم يكن هذا هو هدفي من إعادتكما لمنزل العائلة بل لأنه المكان المناسب للجميع وهو يكون منزل عائلتنا ومكانكم الصحيح ، وهناك يمكنني الاطمئنان عليكما اكثر بدلا من وجودكما وحدكما بهذه الشقة بدون اي احد معكما"

ردت عليه (ماسة) من فورها بملل
"حقا هذا هو هدفك ان تعيدنا لمنزل عائلتك بدون اي كرامة فقط لأن والدك امر بهذا وان تجمع زوجتك الأولى مع زوجتك الثانية والتي لن تتوانى عن التقليل من شأنها ، الحقيقة لم اعد استطيع التعبير على نبل هدفك....."

نطقت (روميساء) بكلمة واحدة من بين اسنانها بخطر
"ماسة"

وزعت (ماسة) نظراتها بينهما بجمود قبل ان تغادر بعيدا عنهما بصمت ، لتخلف من بعدها هدوء قاتم لم يقطعه سوى صوت (احمد) وهو يلتفت نحوها قائلا برفق
"اسمعي يا روميساء ، صدقيني انا لم يكن...."

قاطعته من كانت تنظر بعيدا عنه وهي تهمس بشحوب
"اعتذر على كلمات شقيقتي الوقحة ، والآن عذرا منك عليّ الذهاب ورؤية ماسة والتكلم معها ، ولا تقلق بشأن العودة لمنزل خالنا فأنا سأحاول إقناعها بشتى الطرق لنعود لمنزله كما طلب"

فتح شفتيه وهو ينوي الرد على كلامها قبل ان يعبس بتجهم وهو ينظر لخطواتها المبتعدة باتزان وهي تتجاهل وجوده تماما لأول مرة منذ معرفته بها لتكون ظاهرة جديدة بحياته ستغير كل موازين علاقتهما للانحدار مما هي عليه وهذا ما كان ينقصه لتكتمل علاقتهما الزوجية المعلقة .

_____________________________
دخلت للغرفة بعد ان طرقت على بابها عدة طرقات خافتة بهدوء لتنظر بعدها للجالسة على طرف السرير وهي شاردة بعيدا بالنافذة المفتوحة ومشهد غروب الشمس يظهر واضحا من خلالها ، تقدمت بعيدا عن باب الغرفة وهي تسير باتجاهها ببطء قبل ان تقف على بعد خطوات منها وهي تنظر لجانب وجهها الجامد بدون ان تحاول الالتفات نحوها وكأنها تمثال رخامي تجمد بمكانه .

تنهدت بعدها بلحظات وهي تقطع المسافة الفاصلة بينهما قبل ان تجلس بجانبها على السرير بهدوء وصمت ، لتقول بعدها بلحظة بخفوت شارد وهي تنظر للنافذة امامهما بهدوء
"لقد اخطأتِ كثيرا بالكلام يا ماسة وتجاوزتِ هذه المرة كل حدود التهذيب وقلة الذوق ، لم اكن ارغب بالصراخ عليكِ هكذا ولكنكِ من دفعني بتصرفاتكِ المتهورة ، فهذا الذي فعلتيه لا يغتفر ابدا وحتى لو كان من امامكِ قد اخطأ معكِ بشدة ما كان عليكِ قول كل هذا الكلام المسموم والمهين بحق شقيقتك وزوجها"

ردت عليها (ماسة) ببرود جليدي بدون ان تنظر لها
"هو الذي استفزني اولاً بكلامه ولم استطع عندها منع لساني عنه بما يستحق امثاله"

زفرت انفاسها بكبت وهي تقول بخفوت حازم
"ولكنه يبقى خطأ ، فهذا الذي كنتِ تكلمينه بهذه الطريقة يكون ابن خالكِ الكبير وزوج شقيقتك الكبرى ، لذا كان عليكِ ان تكني له ولو بعض الاحترام والتهذيب بوجوده"

صمتت كليهما معا بوجوم للحظات ، لتلتفت بعدها بوجهها من تخلت عن قناع الجمود وهي تهمس باستياء خافت
"هل ما تزالين غاضبة مني ام عليّ الاعتذار منكِ ومن زوجك المحترم"

عبست ملامح الأخرى وهي تلتفت بوجهها نحوها لتقول عندها بابتسامة جامدة
"وماذا تظنين مثلا"

عضت على طرف شفتيها بحنق وهي تهمس بامتعاض
"لو انكِ ما تزالين غاضبة مني حقا لما اتيتِ لغرفتي الآن لتكلميني بطبيعية هكذا"

اشاحت (روميساء) بوجهها بعيدا عنها وهي تتمتم ببرود
"حسنا لست غاضبة منكِ لتلك الدرجة والتي تصل لكي افكر بهجركِ تماما وعدم التكلم معكِ ، لأني اعلم جيدا إذا لم احاول التكلم معكِ الآن فلن تفعلي انتِ ايضا لأنكِ لا تحبين المبادرة ولا التكلم حتى لو كنتِ المخطئة بيننا"

حادت بنظراتها نحو شقيقتها ببرود وهي تهمس بابتسامة ساخرة
"هذا رائع ، وهذا يعني بأنني لست مضطرة للاعتذار من احد"

تنفست بإنهاك وهي تمسد بكفها على جبينها بوجوم شارد ، لتتابع بعدها الجالسة بجانبها كلامها وهي تقول بجفاء باهت شعرت به بصوتها البارد
"هل تريدين حقا العودة لمنزل خالنا محراب ، بعد كل ما فعلتيه لنعيش بسلام لوحدنا ونحقق كيان خاص بنا وحدنا كما كنا نتمنى فيما مضى"

ردت عليها بهدوء وهي تخفض كفها عن جبينها ببطء
"اجل يا ماسة ، هذا ما سيحدث فليس لنا خيار آخر غيره ، وإذا كان صاحب الشقة لم يعد يريد ان يستقبل وجودنا معه بشقته فليس لدينا خيار سوى العودة لمنزل خالنا محراب والمنزل المتبقي لنا ، بما اننا لا نستطيع ان نستأجر شقة لنا لوحدنا بالوقت الحالي قبل ان يتوفر المال الكافي لذلك"

فنظرت لها بغموض لدقائق قبل ان تهمس بهدوء بالغ
"وماذا عن زواجكِ يا روميساء وتضحيتكِ بالارتباط بأبن خالك من اجل الحصول على هذه الحياة ، ولا تنسي بأن دخولكِ لمنزل محراب سيكون مختلفا لأنهم سينظرون لكِ من هذه اللحظة على انكِ زوجة احمد ابن العائلة الكبير والذي خانهم ليتزوج بكِ ، فهل ستتحملين نظراتهم لكِ وخاصة التصادم والذي سيحدث بينكِ وبين زوجته الأولى والتي اكيد ستكون تخطط للقضاء عليكِ وعلى وجودك"

عقدت (روميساء) حاجبيها باهتزاز وهي تشدد من القبض على كفيها معا بدون ان تظهر اي من مشاعرها على ملامحها الشاحبة ، لتقول بعدها بثبات وقوة وهي تحارب دواخلها والتي تعصرها بألم
"غير مهم فهذا الزواج غير كامل الشروط ، يعني غير معترف به بيننا ولا يعتبر جزء من تلك التضحية ، لذا عليّ دفع ثمن الشرط والذي لم احققه بزواجنا بمغادرتي لهذه الشقة وترك هذه الحياة والتي لم تكن مكتوبة لنا بالاستمرار بها ، وبخصوص التصادم مع افراد العائلة ونظراتهم لي فهي لن تؤثر بي ولن تؤخذ حيزا بحياتي فهذه المعاملة قد اعتدت عليها من العالم ولن تختلف الآن بعائلة خالنا"

ابعدت نظراتها عنها بعبوس وهي تتمتم بامتعاض مستاء
"كنتُ اعلم بأن هذا الزواج فاشل بكل المقاييس"

حادت بنظراتها الخضراء الشاحبة باتجاه شقيقتها وهي تبتسم بهدوء قائلة بخفوت حزين
"لقد فعلتُ كل ما بوسعي يا ماسة لأجعل حياتنا اسهل علينا وابسط من حياتنا والتي عايشناها من قبل على مدار سنوات ، ولكنني فشلت مجددا بإيجاد سعادتنا بمكان عاد ورفضنا مرة أخرى ، وانا لا اعلم ما سبب كل هذا الرفض والذي نقابله من كل من نحاول مد يدنا له ، لننخدع بعدها بها ونعود لنفس النقطة والتي بدأنا منها ، ولكن اللوم بكل هذا لا يقع سوى عليّ انا عندما دخلت بهذه العلاقة بدون ان اتأكد من قدرتي على تنفيذ شروطها لأضطر لخسارة كل شيء بنيناه بالنهاية"

رفعت عينيها الزرقاء بجمود نحو شقيقتها وهي تتمتم بخفوت غير معبر
"وما لذي تفكرين بفعله الآن"

تنفست (روميساء) للحظات وهي تفتح حدقتيها على اتساعهما قائلة بغموض متصلب
"كل الذي افكر بفعله هو ان استمر بالعمل بتلك المدرسة فهي ستكون مصدر المال الوحيد المتوفر لنا ، وعندما نصل للثمن والذي يسمح لنا بشراء شقة عندها سيصبح لنا شقة خاصة بنا نعيش فيها لوحدنا واجمل من هذه بكثير ، فقط علينا بالانتظار والصبر قليلا يا عزيزتي"

اومأت برأسها بالإيجاب بشرود قبل ان ترفع ذراعيها لتحتضن شقيقتها بلحظة وهي تريح جانب رأسها على كتفها هامسة بخفوت ساكن
"انا اعتذر يا روميساء على كل ما اسببه لكِ من مشاكل ، واعتذر على كل كلامي والذي نطقت به امام زوجك احمد ، واعدكِ بأن احاول ان التزم الأدب اكثر بالمرة القادمة"

زفرت انفاسها بابتسامة شاحبة وهي ترفع ذراعيها بالمقابل لتعانق كتفيها بهدوء وهي تربت بيدها على شعرها بحنان دائما تغدقه لها من بين الجميع ، ليكون الصمت رفيقهما الثالث بالغرفة الساكنة وألوان الغروب قد بدأت بالانحسار بها والانسحاب تدريجيا آخذة كل شيء جميل معها وكل الذكريات والتي يحملها لهما هذا اليوم الطويل .

_____________________________
كانت تتكلم بشرود حالم كعادتها قبل ان تنتفض بجزع ما ان شعرت بقبضته القوية السمراء وهي تمسك بكفها بقوة من فوق سطح الطاولة بدون اي مقدمات قاطعا الهدر الطويل والذي كانت تمطره عليه من لحظة بحركة مفاجئة لم تعتدها منه ! لترفع بعدها نظرات حائرة بتوجس وقد غزى الاحمرار وجهها وملامحها برقة حتى تحولت لتورد متوهج عكس بريقه بمقلتيها العسلية الصافية .

ابتسم (جواد) بعدها بلحظات بهدوء متصلب وهو ما يزال يشدد على كفها بداخل قبضته بقوة قبل ان يقطع الصمت قائلا ببرود
"اريد التكلم معكِ بموضوع مهم ، لذا هلا اعرتني قليلا من انتباهكِ فما اريد التكلم عنه مهم جدا يا صفاء"

ابتلعت ريقها بارتباك منتفض بدون ان تظهره على ملامحها الناعمة وهي تشعر باسمها يخرج منه قويا مشدود الهمزة ، ولا تعلم لما شعرت بسعادة نطقه لاسمها بهذه الطريقة المحببة بالنسبة لها ؟

حاولت سحب يدها من داخل قبضته ببطء غير ملحوظ لتشعر بتشديده اكثر حتى سمعت صوت احتكاك مفاصل اصابعها بقسوة ، لتقول بعدها وهي تحاول الابتسام بإحراج وطبيعية لم تستطع اتقانها
"اجل اخبرني ، ما لذي تريد التكلم عنه معي ، وكلي آذان صاغية"

لم يستطع منع نفسه من الابتسام بانبهار طفيف من محاولتها لتكون على سجيتها المنطلقة بالرغم من الاحمرار والذي يكاد يفتك بها ويفجر الدماء بوجنتيها المتوردتين ! ليخفف بعدها من قبضته الساحقة لكفها وهو يشعر بارتجافها الواضح قبل ان يهمس بهدوء متزن
"هل انتِ بخير ، فأنتِ تبدين لي متوترة بعض الشيء وكأنكِ تنتظرين نتيجة فحصكِ على اختبار الثانوية"

فتحت شفتيها الورديتين عدة مرات قبل ان تغلقهما بتوتر عابس وهي ما تزال تحاول سحب كفها بارتجاف ، لترفع بعدها يدها الحرة وهي تتلاعب بخصلات شعرها الناعمة لترجعها لخلف اذنها قائلة بهدوء متشنج
"لا لا شيء انا بأفضل حال ، فقط اخبرني بما كنت تريد ان تقوله لي الآن"

رفع حاجب واحد بخفة وهو يراقب خصلات شعرها والتي كانت ترجعها لخلف اذنها عدة مرات قبل ان تعود للعبث بها والتلاعب بخصلاتها مجددا وهي تكاد تقتلعها من مكانها ، ليقول بعدها بلحظات وهو يتنهد بقوة مشددا على كفها والتي سحقها بقبضته ونظراته قد ازدادت اتساعا مع عقدة حاجبيه المعتادة
"اريد ان اعرض عليكِ امر ، واتمنى ألا اقابل الرفض منكِ"

توقف عن الكلام وهو يراقب ارتفاع عينيها نحوه بتوجس ليقول عندها بخفوت جاد
"هل تقبلين بالزواج بي يا صفاء"

انفرجت شفتيها بأنفاس ذاهلة مع اتساع حدقتيها العسلية بدون اي حركة قبل ان تعاود سحب كفها هذه المرة بقوة اكبر لتفلت يدها بعيدا عنه وهي تضمها لصدرها بارتجاف ساكن ، بينما كان الجالس امامها يراقبها بعينين سوداويتين باردتين وهو يتابع كل ردة فعل تخرج منها بانتباه حذر وهو يجزم رؤيته لتوهج غريب يحتل عينيها العسليتين بسعادة بلحظة خاطفة !

تنفست بارتعاش لوهلة وهي تفرك كفها المحمرة من قبضته بكفها الأخرى قائلة بخفوت متلعثم بتوجس
"هل انت جاد بما تقوله يا جواد ، أعني لما ترغب بالزواج بي ، ما لذي دفعك لتطلب مني مثل هذا الطلب المفاجئ ، اقصد......"

صمتت عن الكلام وهي تعض على طرف شفتيها بعجز بعد ان اختفت كل الكلمات من حلقها والذي جف فجأة عكس الكلام المنطلق والذي كانت تنطق به امامه من لحظات ! لترفع بعدها نظراتها بذعر نحو الذي كان يقول بحدة نفذت لدواخلها بارتعاد تجسد بعظامها
"لأني انتظرت هذه اللحظة طويلا دامت لعشرة اعوام كاملة لأصل بها للحمامة العسلية الصغيرة ، لأستحوذ عندها على قلبها الرقيق وسعادة العائلة والذي سيحقق لي كل مخططاتي وحروبي والتي بقيت معلقة بحياتي لسنوات ، لتكون عندها جزء من دفع ثمن بعيد الأمد طال كثيرا قبل ان يحين موعده المناسب لنضع به النقاط على الحروف وانتِ ستكونين تلك الحروف"

تجمدت ملامح (صفاء) برهبة وهي تعقد حاجبيها بتفكير منقبض ، لتقول بعدها بخفوت وهي ما تزال تضغط بقبضتها على صدرها
"انا لم افهم مقصدك....."

توقفت عن الكلام بدون ان تعلم بماذا عليها ان تتحدث وهي تشعر بلسانها قد انعقد عن النطق فجأة بهول ما تشعر به ؟ ليعود بعدها للكلام وهو يبتسم باتساع مريب فاجئها
"اهدئي يا صفاء لقد كنتُ اتكلم عن نص بفيلم شاهدته بالأمس ، لذا رغبت بمشاركته معكِ إذا كنتِ تودين مشاهدته ايضا"

اخفضت نظراتها بعيدا عنه بارتجاف وهي تتنفس ببعض الراحة بدون ان تمنع الشك من النهش بأحشائها من نبرته الغريبة بالتكلم معها وكأنه كان يتكلم عن أمر واقع حدث حقا ؟ نفضت الأفكار الأخيرة بسرعة عن رأسها وهي تهمس بوجوم مرح
"حقا فيلم ، لقد كنت قد صدقت كلامك لوهلة"

ابتسم لها بهدوء وهو يتمتم بدون مرح
"حقا هذا رائع"

عبست ملامحها وهي ترفع نظراتها له بتشوش لتقول بعدها بسرعة ببلاهة احتلت اطرافها
"صحيح لما قلت عشر سنوات ، هل هذا العمر الخاص ببطل الفيلم ، فأنا ارى بأنها فترة طويلة جدا وكبيرة على عمرك الحقيقي"

كان ينظر لها بغموض للحظات قبل ان يهمس بجمود بدون اي مواربة
"انا ابلغ من العمر اثنان وثلاثون عاما"

ارتفع حاجبيها بدهشة لبرهة قبل ان تتدارك نفسها وهي تهمس بخفوت مبتسم
"لست كبيرا جدا ، اقصد ما تزال صغيرا والعمر امامك طويل"

زمت شفتيها بتأنيب مما تنطق به من غباء غير محدود سيجعله يراجع حساباته جيدا بخصوص تقدمه للزواج منها مجددا ، ليقاطع بعدها افكارها صوته الجاد وهو يعود للابتسام بقوة بملامحه السمراء الحادة
"ولكن عرض الزواج ليس من ضمن الفيلم ، فأنا جاد تماما بطلبي من الزواج منكِ ، والسبب هو بأنني كما ترين قد اصبحت كبيرا بالعمر واريد ان اشكل عائلة تملئ فراغ وقتي وزوجة اثق بها لتكمل معي مشوار الحياة وتحمل معي اعباءها ، وبما انني قد اصبحت اعرفكِ جيدا بهذه الفترة القصيرة فقد وجدت بأنكِ الشخص المناسب والذي ابحث عنه ، فما هو جوابكِ"

عضت على طرف ابتسامتها بخجل والتي كانت تحاول الخروج بحياء بملامحها المتوردة وهو يعيد عليها طلب الزواج مجددا وهذه المرة مترافقا مع السبب والذي جعله يختارها تحديدا من بين الجميع ، ولكن هل من الصحيح ان تعطيه موافقتها الآن وبهذه السرعة قبل ان تؤخذ رأي احد بهذا الموضوع المهم والمصيري بحياتها ؟

انتفضت واقفة عن مقعدها بلحظات وهي تهمس بابتسامة صغيرة بتورد
"لن اجيبك الآن ، فأنا احتاج لبعض الوقت بهذا الموضوع المهم بحياتي ، وبعد ان اتخذ قراري سأخبرك بإجابتي ، والآن عليّ الذهاب وداعا"

اومأ برأسه بالإيجاب بدون اي تعبير منطوق على ملامحه وهو يتابع خطواتها وهي تخرج من المقهى وبكل خطوة تعود وتستدير نحوه لتبتسم له بخجل متورد وهي تلوح له بيدها بحركة غير ملحوظة قبل ان تختفي بلمح البصر مع ابتسامتها ، ليشيح بعدها بوجهه بعيدا عن مكان اختفاءها وهو يتنفس بجمود بعد ان شعر ببوادر ضعف قديم يتربص بكيانه امام رقتها الناعمة والتي تستطيع خداع الملايين من البشر ألا هو من كان شاهدا على دمار خلفته عائلتها لتكون سبب ذنب سيعيش عليه المتبقي من عمره .

يتبع................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس