عرض مشاركة واحدة
قديم 31-07-21, 09:52 PM   #111

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي


كانت تسند كتفها بجانب الجدار عند مدخل المدرسة وهي ترفع معصمها كل حين ناظرة للساعة بملل ، فهذه اول مرة يتأخر بها بالمجيئ على الموعد المحدد من انتهاء دوامها اليومي بالمدرسة على غير العادة ، فهل يعقل بأن يكون قد انشغل عنها بالعمل ونسيها ؟

تنهدت بشرود لوهلة وهي ترفع نظراتها الشاحبة للسحب الرمادية والتي كانت تخفي جزء من الشمس بمثل هذا الفصل من السنة والذي يكون الطقس به متقلبا مزاجيا بدون ان يستطيع احد التنبؤ بالقادم منه ، وهذا حال اليومين الماضيين بالمنزل والذين مروا على الجميع بهدوء المزاج المتقلب بدون ان يتوقع احد ما سيحدث بعدها ، وخاصة مع شقيقتها والتي اعتزلت الظهور امام احد وهي تحبس نفسها بغرفتها بعد عرض الزواج والذي اعلن عنه ابن خالها امامهم لتصبح كئيبة وباردة بمزاج متقلب لم يعد يطاق ابدا ، وهذا غير علاقتها الهادئة والتي يشوبها الجفاء بينها وبين زوجها بدون اي تقدم يحصى بينهما وهي التي لم تعد تراه كثيرا سوى بذهابها وعودتها من العمل واحيانا قليلة عند مائدة الطعام والتي تحضرها نادرا مرغمة فقط من باب الذوق والاحترام امام ساكني المنزل .

اخفضت نظراتها لموقع قدميها بوجوم قبل ان يتغضن جبينها بحيرة وهي تلمح اقدام صغيرة تقف بجانبها تماما ، لترفع بعدها بلحظة وجهها ببطء وهي تحدق بالوجه الطفولي والذي كان ينظر لها بسكون غريب بدون اي تعبير ظاهر بملامحه .

استقامت (روميساء) بوقوفها بلحظة وهي تضيق عينيها بتركيز قبل ان تقول بابتسامة صارمة بتشنج
"ما لذي تفعله هنا يا سامي ، أليس من المفترض ان تعود للمنزل الآن بعد انتهاء اليوم المدرسي"

اخفض الطفل رأسه للأسفل وهو يهمس بخفوت شديد
"لن اعود للمنزل ، فأنا انتظر قدوم ابي ليوصلني معه للمنزل"

ابتسمت بهدوء وهي تعقد حاجبيها بتفكير قائلة بوجوم
"ولما لم تذهب بحافلة المدرسة لتوصلك للمنزل ، فيبدو بأن والدك مشغول جدا الآن وسيتأخر كثيرا....."

قاطعها الطفل وهو يرفع وجهه بقوة قائلا بتصميم
"بل سيأتي ، وانا لن اذهب مع اي احد سوى مع والدي ، فهو وعدني بأنه سيأتي ولن يخلف بوعده ابدا"

حركت رأسها بابتسامة شاحبة فهذا الطفل يبدو متعلق بوالده بشدة لدرجة لا يريد الذهاب مع اي احد آخر غيره وقد لاحظت هذا ايضاً بالأيام الماضية فهو دائما يعاند جميع المدراء بالمدرسة برفضه بالعودة للمنزل بالحافلة مع باقي رفاقه بدون والده ليضطر بالنهاية ان يوصله احد من العاملين بالمدرسة بسبب عدم مقدرة والده بالمجيئ وانشغاله الدائم بالعمل ، ولكن ماذا سيحدث له عندما يشعر بالملل بعد كل هذا الانتظار ويخيب امله به وهو يخلف بوعده كالعادة مرة تلو الأخرى لتتدمر عندها صورة الوالد بعينيه مرة بعد مرة وهو يكتشف بأنه كان فقط ينتظر السراب لا اكثر ؟

انحنت على جذعها قليلا وهي تخفض وجهها امامه قائلة بابتسامة هادئة بلطف
"اسمع يا صغيري ، والدك مشغول جدا بالعمل وهو اكيد لا يريد منك ان تبقى تنتظره بالمدرسة لوحدك كل هذا الوقت ، لذا من الأفضل ان تذهب بالحافلة مع باقي رفاقك وعندما يصبح لديه متسع من الوقت سيوصلك"

تبرمت شفتيه بحزن وهو يهمس بعبوس طفولي
"اعلم بأنه مشغول جدا ، فهو منذ وفاة والدتي اصبح يهتم بكل شيء يخص حياتنا ، ولكني لا اريد العودة للمنزل لوحدي فأنا قد مللت كثيرا من بقائي الطويل وانا انتظره حتى يعود من العمل ، لذا سأبقى انتظره هنا حتى يأتي"

عبست ملامحها بارتجاف لوهلة وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه ببطء ما ان تذكرت ذلك الشعور المؤلم بالبقاء بمفردك وقتا طويلاً بمنزل فارغ موحش خالي من ساكنيه فقد جربته كثيرا بطفولتها عندما كانت تنتظر عودة والديها من العمل بكل يوم وهي ما تزال بعمر الرابعة فقط بدون ان يصدق عقل ان طفلة بعمر الرابعة تُترك لوحدها بدون رفيق ؟ ولكن كل شيء متوقع بعائلتها المجنونة ولا مجال للشك او الاعتراض على ذلك !

عادت بنظراتها امامها بسرعة ما ان صرخ الطفل بفرح طفولي
"لقد جاء ابي"

استقامت من انحنائها وهي تلتفت بسرعة للخلف ناظرة للرجل الانيق والذي كان يهرول باتجاههما ، لينطلق الطفل بسرعة نحوه بثواني قبل ان يتلقفه والده بسعادة وهو يضحك بفرح طفولي بالغ وكأن الحياة قد اشرقت بداخله .

انشرحت ملامحها بسعادة وهي تزفر انفاسها براحة طافت بملامحها لثواني ، لتنظر بعدها للرجل والذي تقدم نحوها بلحظات وهو يمسك بيد ابنه قبل ان يقف امامها مباشرة ليقول عندها الطفل بسعادة بالغة
"هذه معلمتي روميساء يا ابي والتي اخبرتك عنها من قبل"

نقلت نظراتها المتسعة بإحراج باتجاه الرجل والذي قال بابتسامة هادئة بود
"مرحبا يا آنسة روميساء ، لقد تشرفت بالتعرف عليكِ فأبني لا يكف عن الكلام عنكِ ، واتمنى حقا ألا يكون قد سبب لكِ الكثير من المشاكل"

حركت رأسها بالنفي بهدوء وهي تقول بابتسامة متزنة بلطف بقدر ما تستطيع
"لا تقلق يا سيدي فابنك سامي مهذب جدا وهو من الطلاب المتفوقين جدا عندي ، وانا سعيدة جدا بحضورك اليوم لاصطحابه معك ، فهو قد انتظرك كثيرا ولم يخب ظنه بك ابدا"

ابتسم الرجل بهدوء وهو ينقل نظراته لابنه الواقف بجانبه ليقول بعدها بلحظة بابتسامة هادئة بامتنان
"لقد استطعتُ انهاء عملي مبكرا اليوم ، لذا قررت ان آتي لاصطحابه معي ، وشكرا لكِ حقا على اهتمامك به"

اومأت برأسها بهدوء قبل ان تتسع عينيها الخضراوين بلحظة بوجل ما ان لمحت السيارة والتي تعرفت عليها من فورها وهي تقف بجانب الطريق والتي لم تنتبه لها ألا الآن ؟ لتقول بعدها بلحظات بابتسامة مرتبكة بهدوء
"حسنا عليك المجيئ بين الحين والآخر لاصطحاب ابنك معك فهو يحتاج لوجودك معه بشدة بحياته وخاصة بأنه قد فقد والدته بأهم مراحل طفولته ، لذا حاول اعطاء بعض الوقت لابنك بعيدا عن العمل ، فهو لن يضر العمل بشيء ، واتمنى ان تأخذ كلامي نصيحة تربوية مني"

عاد الرجل بنظراته لها لبرهة وهو يبتسم باتساع ناظرا لها بتركيز للحظات وما ان كان على وشك الكلام حتى سبقته التي كانت تسير بعيدا عنهما وهي تقول بعجلة
"انا عليّ الذهاب الآن ، فقد تأخرت كثيرا بالفعل ، وداعا"

استدار الرجل برأسه ليتتبع مسار سيرها وهو يحرك رأسه بابتسامة متسعة بهدوء ، بينما كان الطفل بجانبه يلوح لها بكفه ببهجة بالغة .

فتحت باب السيارة بلحظة لتجلس من فورها بجانب مقعد السائق قبل ان تغلق الباب بجانبها بحذر وهي تهمس بإنهاك
"لقد تأخرت كثيرا بالمجيئ هذه المرة"

لم تنتبه للنظرات الحادة والتي كانت تنظر لها لأول مرة بتركيز مستاء وهو يراقب خصلات شعرها السوداء والتي كانت متحررة من عقدتها لتستريح حول عنقها باستكانة وإغراء وبعض الخصلات القصيرة قد التصقت بوجنتيها الشاحبتين وكتفيها منحنين للأسفل بإنهاك واضح ، وهذا حاله منذ لمحها وهي تقف امام رجل غريب وهي تتكلم معه ببساطة وعفوية ضربته بمقتل !

قال بعدها بلحظات وهو يضيق عينيه بتجهم ساخر
"ولكني لا ارى بأنكِ متضايقة من تأخري ، بل تستمتعين بوقتكِ بالكلام مع الرجال والدردشة معهم وامام مدخل المدرسة"

عقدت حاجبيها بحيرة وهي تلتفت نحوه بعبوس لتفاجئ بنظراته الحادة والتي كانت تضيق برمادية قاتمة ارهبتها وهي تكاد تعريها بنظراتها الغريبة والجديدة عليها ، لتدير بسرعة نظراتها بعيدا عنه وهي تهمس بابتسامة هادئة
"نعم تقصد ذلك الرجل ، لقد جاء من اجل ان يوصل ابنه والذي يكون طالب عندي بالفصل ، وانا كنت فقط اكلمه عن مستوى ابنه بالمدرسة ولم اكن ادردش معه"

حرك رأسه بعدم رضا وهو يعيد نظراته بلحظة للطريق امامه قائلا بابتسامة صارمة بتصلب
"هذا الكلام تقولينه فقط عندما تكونين حرة بحياتكِ ، ولكنك الآن قد اصبحتِ زوجتي وعليكِ التقيد بما اقوله لكِ وآمرك به ، والوقوف مع الرجال او التكلم معهم بأي شيء ممنوع منعا باتاً وألا لا تحلمي بالعودة للعمل بتلك المدرسة مرة أخرى ، فإذا كنتِ تريدين الاستمرار بذلك العمل فعليكِ العمل بها بشروطي"

انفرجت شفتيها بأنفاس مذهولة قبل ان تعبس هامسة بوجوم
"هذا ظلم كبير"

تجاهل همستها الواضحة وهو يتابع كلامه الحاد قائلا بجدية صارمة
"وهناك شيء آخر ، من الآن وصاعداً ستتعلمين القيادة لتقودي سيارة خاصة بكِ وحدكِ بذهابكِ وعودتكِ من عملكِ بالمدرسة ، فأنا لا اعلم المواعيد والتي اكون بها متفرغاً لأصطحبكِ معي من العمل ، وقد اتأخر عليكِ مثل اليوم"

التفتت بوجهها بسرعة نحوه وهي تقول بابتسامة جانبية بارتباك
"لا داعي لذلك يا احمد ، يمكنني الذهاب والعودة بسيارة اجرة كما كنت افعل بالسابق بدون الحاجة لتعلم القيادة......"

قاطعها بأمر صارم بدون ان ينظر إليها
"لا يا روميساء لقد اتخذت قراري ، وانا ارى بأنه افضل حل هو ان تقودي سيارة خاصة بكِ فليس من الرائع ان تعود زوجة احمد الفكهاني كل يوم بسيارة اجرة ونحن نملك المئات من السيارات امام المنزل ، لذا ستفعلين ما أقوله لكِ بدون اي جدال"

ردت عليه بعبوس متوجس
"ولكن يا احمد ، انا حقا لا احتاج ولا اريد ان تكون بكل هذا الكرم معي....."

عاد لمقاطعتها وهو يقول بجفاء حاد ضاربا المقود بقبضته بقوة
"يكفي يا روميساء ، كم مرة عليّ ان اعيد واكرر بأنني اكون زوجكِ وانا الآمر هنا وما اقوله ستنفذينه بالحرف الواحد بدون اي اعتراض او امتنان لا داعي له ، فكل هذا من اجل مصلحة كلينا"

اعادت نظراتها الخضراء للأمام بشحوب وهي تكتف بلحظة ذراعيها فوق صدرها بقوة هامسة ببرود
"افعل ما يحلو لك"

ارتفع حاجبيه ببعض الدهشة لبرهة وهو يحيد بنظراته لها بضيق وقد ظهر الجانب الوقح منها وهي تبدو الآن متصلبة وعينيها الخضراء شاخصة بالبعيد ببرود جليدي ، ولكن ما يريحه بأن هذه العنيدة قد خضعت له اخيرا وكم يحب هذا الجانب الوقح والذي نادرا ما يخرج منها بعيدا عن الصرامة والهدوء والذي دائما تتحلى به امامه وهي تعامله وكأنه طالب عندها ، ليحرك بعدها بلحظات السيارة بعيدا عن جانب الطريق وهو يقول بهدوء بالغ بعد ان لانت ملامحه قليلا بعيدا عن التجهم
"ضعي حزام الأمان"

مرت لحظات بدون اي استجابة منها وما ان التفت بوجهه نحوها وهو ينوي وضع الحزام بدلا عنها حتى سبقته وهي تربط الحزام بطرف مقعدها بثبات متصلب بدون ان تنظر له وهي تعود لتكتيف ذراعيها فوق صدرها بقوة وكأن شيء لم يكن ، ليعود بعدها للنظر للطريق امامه وابتسامة صغيرة بدأت بالزحف لطرف شفتيه المتصلبتين بغموض بدون ان يعلم سببها ومن اين مصدرها ؟

__________________________
سارت بالطريق بخطوات ثابتة بتمهل وهي تنظر للمذاكرات بين يديها بهدوء ، لتتوقف بعدها امام بوابة المنزل الخارجية على بعد خطوات وهي تفكر بطريقة لتوصل هذه المذاكرات بدون ان تضطر لمقابلة اي احد من العائلة ، فهي تعلم جيدا بأن علاقتها بصديقتها اصبحت مشتتة بعض الشيء ومتدهورة وتحتاج للوقت لتعود كما كانت عليه فهكذا اعتادت ان تعامل علاقتها بصديقتها منذ الصغر عندما يحدث وتعتب عليها الاخرى او تغضبها .

تنهدت بهدوء وهي تراقب المنزل المتواضع امامها بوجوم والذي يتشابه كثيرا مع منزلها القديم والذي كانت تسكنه مع والدتها ، عبست ملامحها بتصلب لبرهة ما ان تذكرت بأن عليها ان تذهب لعملها بالشركة بعد ان تسلم هذه المذاكرات فقد يكون الآن مديرها يشتعل من الغضب بسبب تأخرها والذي اصبحت تتعمده باليومين الماضيين لتدفعه للجنون وكله عقاب لكي لا يحاول مرة أخرى التحكم بها وربطها بزواج ابدي رغما عنها وامام الجميع ، ولكن الذي يحيرها هو صبره والبرود الذي يتحلى به امامها بدون ان يتأثر بأفعالها والتي تستطيع ان تخرج الشياطين من داخل البشر فقط يمر بمرحلة غضب مستاء منها ليعود من فوره لبروده وكأن شيء لم يكن ! ولولا حاجتها الشديدة لهذا العمل لكانت تركته منذ اللحظة الأولى لها بذلك المكان .

انتفضت بعيدا عن البوابة ما ان خرج من المنزل والد صديقتها ليدخل بعدها بلحظة بسيارته الصغيرة والقريبة من باب المنزل ، لتتسع بعدها عينيها لوهلة بتوجس ما ان رأته وهو يتجه نحوها مباشرة ! سارت من فورها بلمح البصر بعيدا عن البوابة وهي تقف بزاوية بعيدة بجانب الجدار ، لتتنفس بعدها بلحظات براحة ما ان لمحت سيارته وهي تبتعد تدريجيا بالطريق حتى اختفت عن مرأى نظرها تماما .

ابتعدت عن الجدار بلحظة وهي تتخذ قرارها النهائي ، لتسير بعدها باتجاه المنزل وهي تتجاوز البوابة الخارجية له وما ان وصلت امامه تماما بلحظات حتى اخرجت القلم من حقيبتها قبل ان تجثو على ركبتيها وهي تضع المذاكرات امام عتبة المنزل لتكتب فوقها على ورقة بيضاء فارغة بأحرف كبيرة واضحة (من ماسة إلى صفاء ، انا اعتذر) .

استقامت بوقوفها ما ان انتهت وهي تدس القلم بحقيبتها قبل ان تستدير بلحظة لتعود من حيث جاءت بهدوء ، اغلقت بعدها بوابة المنزل الخارجية وهي تتمسك بقضبانها بيديها لبرهة لتبتسم عندها بشرود طاف على ملامحها للحظات ما ان تذكرت عندما كانت تهوى تسلق القضبان الحديدية للمنازل كهواية لديها لتدخل بدون إذنهم بينما تفضل صديقتها انتظارها بالخارج حتى تفتح لها الباب من الداخل ليبدأ عندها اللعب والمرح بحدائق الجيران الغنية بكل انواع النباتات وبخضارها بديع الجمال والغير موجود بالمنازل الاخرى .

انفرجت شفتيها بارتعاش ما ان اخترق صوت خشن افكارها وهو يهتف من خلفها بهدوء
"يا فتاة"

استدارت بسرعة للخلف وهي تنظر باستدارة عينيها الزرقاء القاتمة للشخص الواقف امامها على جانب الطريق الآخر ، ليسير بعدها بخطوات هادئة ليقطع الطريق امامها بلحظات وهو يتمتم بوجوم
"هل انتِ من عائلة مازن جلال"

تجمدت بمكانها لوهلة وهي تبتلع ريقها برهبة من وجود هذا الرجل هنا وبهذا المكان تحديدا فهي تعرف جيدا كيف تميز بين وجوه البشر والتي مرّ عليها عدد لا بأس به منها حتى تآلفت معها ومع اشكالها ، وهذا الوجه غير مبشر بالخير ابدا وخاصة مع نظراته الفاحصة لها بتركيز مع ندبة غريبة تحتل منتصف عقدة حاجبيه لتزيده إجراما !

عقدت حاجبيها بحدة بلحظة ما ان وقف امامها وهو يقول بابتسامة جانبية بغموض
"لا تقلقي يا جميلة فأنا لن اؤذيكِ ، فقط اريدكِ لبعض الوقت من اجل رئيسي"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس بتصلب حانق محاولة ضبط اعصابها امامه وكفها تبحث عن السكين بجيب بنطالها الخلفي
"انا لا افهم عن ماذا تتحدث يا سيد ، ولا اعلم من هو رئيسك"

اتسعت ابتسامة الرجل ببرود وهو يحرك يديه ببساطة قائلا بجدية خافتة
"اخبرتكِ بأن لا تخافي من شيء ، فكل ما نريده منكِ هو الوصول لشقيقك مازن فقد اختفى منذ مدة بدون ان نجد له اي اثر ، وهناك حسابات على رئيسي ان يصفيها معه وليس من الجيد تركها معلقة هكذا لأن رئيسي لا يحب التهاون ابدا بالعمل"

عبست ملامحها ما ان بدأت تفهم فحوى كلامه وسبب وجوده بهذا المكان وهو يظنها شقيقة ذلك المجنون وتقرب له ، وهذا يعني بأنها قد اصبحت الآن مستهدفة من قبلهم لتكون وسيلتهم للوصول لجحر ذلك الاحمق والذي لا تعلم اين هو الآن ؟ فحتى بعدم وجوده وبغيابه يسبب المشاكل للجميع ؟

تنفست بهدوء للحظات وهي تبتسم بسخرية هامسة بغيظ
"ومن الذي اخبرك بأني موافقة على كل هذا او ان اكون وسيلة تواصل بينكم وبين مازن من اجل افعاله والتي ليس لي علاقة بها"

حرك رأسه بجمود وهو يتمتم باقتضاب
"ليس امامكِ خيار آخر"

عضت على طرف شفتيها بتصلب مشتد لوهلة وهي ترفع يدها الممسكة بالسكين بسرعة خاطفة قائلة باندفاع متهور
"سأريك الآن خيار آخر يا......"

قطعت كلامها وهي تشهق بصدمة ممزوجة بالألم ما ان شعرت بضربة كالمطرقة تهبط على مؤخرة رأسها بقبضة من حديد لتغيبها عن العالم بأكمله بلحظات ، امسك بعدها بيدها المرتفعة بالسكين من معصمها ليتهدل عندها بلحظة جسدها للأسفل وهي تجثو على ركبتيها امامه بين طبقات غيابها عن الوعي قبل ان تفلت السكين من كفها بصمت لتقع بجانبها بقوة وهي تصدر رنين صاخب لاحتكاك الحديد بالأرض ، ليكون عندها آخر شيء تسمعه قبل ان يأخذها السواد بعيدا جدا حيث اعتادت ان تذهب هناك بكل مرة تتعرض بها للتعذيب الجسدي والنفسي وهي تتمنى ان تبقى به للأبد ولآخر يوم بعمرها بدون ان تفق منه على قسوة جديدة عليها التعايش معها مجددا !

__________________________________
بعد مرور عدة ساعات كانت تفتح عينيها بصعوبة وهي تشعر بشيء قاسي يسحب رأسها للأعلى وخصلاتها على وشك التقطع من الألم والذي يكاد يقتلع خصلاتها من مكانها وهي تجزم بشعورها بأنفاس باردة تحيط من حولها لتخترق غمامة الصمت المحدقة بها ، لتشعر بعدها بلحظة بغريزة الحذر وهي تنتفض بداخلها بانقباض حاد احتل اطرافها لتدفعها لفتح عينيها على اتساعهما لبرهة ليقابلها من فورها اول وجه من وجوه كثيرة تنضح منها الوحشية والقسوة والتي طبعت علاماتها على ملامح الناظر لها بدون اي رحمة وهي تنذر بالخطر الوشيك ، حفرت بعدها ابتسامة قبيحة على طرف شفتيه وهو يهمس بغموض
"لقد استيقظت"

انتفضت بوجهها للأمام بقوة ما ان قال الواقف على بعد خطوات منها بهدوء وهو نفسه من قابلها امام منزل صديقتها قبل ان يضربها على رأسها بقبضته ليغيبها عن العالم بأكمله
"اتركها الآن"

عبست ملامح الممسك بها من شعرها وهو يهمس بتصلب
"ولكن...."

عاد للكلام بصرامة اشد بحدة وهو يعقد حاجبيه مع ندبته والتي ظهرت بوضوح
"قلت لك اتركها ، ألم تسمع"

تركها بالفعل وهو يفلت خصلات شعرها لتتساقط حول وجهها باستكانة وتجعد من قبضته ، بينما كانت تراقب ما يحدث امامها بجمود شاحب وهي تلاحظ لأول مرة بأن هذا الرجل يبدو صغير بالعمر بالنسبة للرجال الآخرين والمتواجدين معه بنفس المكان ، لتحاول بعدها بلحظات تحريك يديها قبل ان تكتشف بأنها مقيدة اليدين والساقين بحبال متينة قوية لكي لا تستطيع تحريك اي جزء منهما وهي مقيدة بإحكام .

تنفست بغيظ مما يحدث معها وكأن حياة الإجرام والتعذيب تلاحقها بكل مكان بدون ان تتركها وشأنها ؟ وكل ما تتمناه هو ان تعيش يوما واحدا بعيدا عنهم بهدوء وراحة بال وكأنه قد كتب عليها ان تتجرع دائما من سمهم بسبب مشاركتها لهم بأعمالهم الحقيرة بالماضي !

عادت بنظراتها للواقف امامها بلحظة وهو يقول لها بابتسامة باردة بدون اي تعبير
"لم اكن اريد ان نصل إلى هنا ولكنكِ من ارغمني على فعل كل هذا ، بسبب عنادكِ وعدم التعاون معي ، وهذا كان خطأً كبيرا لا يغتفر منكِ فليس من السهل الفوز على رجل مثلي"

زمت شفتيها بحقد متأصل بحدقتيها الزرقاء الداكنة بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تنظر له بعينيها المتسعتين بقوة بدون اي مواربة ، ليتابع بعدها كلامه وهو يحك ذقنه بتفكير حاد
"يبدو بأنكِ فتاة اقوى مما تخيلت ، فأنتِ للآن لم تظهري اي من علامات الرعب او الهلع بعد ان تم اختطافكِ ببساطة ، وقد كنتِ من الجرأة لتحاولي مهاجمتي بسكينكِ الصغيرة ، فما هو سركِ يا جميلة"

استمرت بالنظر له بصمت واجم وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه ببرود ، ليقطع الصمت والذي كان يدور بينهم بالغرفة الصغيرة من اقتحم عليهم المكان وهو يقول بجدية صارمة
"لقد وصل الرئيس يا أوس"

التفت صاحب الاسم برأسه نحوه وهو يحرك رأسه بالإيجاب بدون كلام ، ليغادر الآخر المكان بأكمله بلحظة كما جاء واقتحمه ، ادارت حدقتيها بسكون باتجاه باب الغرفة بحيرة وهي تفكر بذلك الرئيس والذي اعلنوا عن قدومه الآن ، ليتحرك بعدها بلحظات الواقف من امامها وهو يستند بالجدار بعيدا عنها بقليل ليشعل سيجارة اخرجها من جيب بنطاله بهدوء ليبدأ بتدخينها بعدم مبالاة .

ارتعشت مفاصلها لوهلة بجزع ما ان دخل رجل قوي البنية للغرفة وهو يبدو كبير بالسن بعض الشيء وقد يكون الرئيس المزعوم والذي كانوا يتكلمون عنه الآن ، لتزحف بعدها للخلف لا إرادياً بشعور الخطر ما ان تقدم الرجل امامها عدة خطوات قبل ان تصطدم بساقي الواقف من خلفها وهي لا تجد اي مهرب تذهب إليه بعد ان حوصرت من كل الجهات ، وما ان وصل امامها مباشرة حتى اخفض نظراته الحادة لها من علو وكأنه يريد ان يسطو عليها وهو يبدو مثل الهرم امامها بسبب ضخامته امام حجمها ، ليخترق بعدها سمعها صوت خشن غليظ دب الرعب بطبلة اذنيها وهو يقول بغموض
"هل هذه هي الفتاة"

ردّ عليه المشغول بنفث دخان سيجارته وهو يقول بهدوء
"اجل انها هي"

حشرت انفاسها بحنجرتها بترقب وهي تنتظر ما سيحيل بها الآن بعد عبارة ذاك ، وما هي ألا لحظات فاصلة حتى حدث عكس ما توقعته تماما وذلك الجسد يستدير بعيدا عنها بلحظة ليتجه باتجاه آخر قبل ان يضرب بلمح البصر الواقف عند الجدار وهو يلكمه بمنتصف معدته بقوة ليسقط الآخر ارضا من فوره وهو يجثو على ركبتيه بترنح .

اخرجت انفاسها المحبوسة بثانية على شكل شهقة خافتة بذعر بدون اي صوت وهي تنظر للذي عاد بلحظة ليستعيد اتزانه وهو يسعل بقوة بفعل دخان السيجارة والذي اثر على احباله الصوتية ، بينما كان الرجل الواقف امامه يهمس بعصبية وهو ينحني بلحظة ليمسك بياقة قميص الآخر بعنف وقسوة
"ايها الاحمق ألم اخبرك بأن تمسك بشقيقة مازن صفاء جلال ، ولكن بدلا عن ذلك احضرت لي فتاة أخرى ليست المطلوبة ، والآن ماذا تريد مني ان افعل بك بعد هذا الخطأ الشنيع والذي ارتكبته ، وكأنك لم تتعلم شيئاً من اخطائك السابقة والتي ازدادت عندي اكثر مما هو مسموح به"

ابتلعت ريقها بتشنج لبرهة وهي تراقب بعيون متسعة بوجل ما سيكون مصيرها الآن فيبدو بأنها قد كشفت بالنهاية ولم تطلي الخدعة على رئيسهم كما حدث مع رجاله ؟ وهذا يعني بأن نهايتها قد اصبحت قريبة على ايديهم وليس بعيد عنهم ان يلقوا بجثتها بالطرف الآخر من العالم ليتخلصوا منها !

عقدت حاجبيها بوجوم ما ان قال الذي نفض قميصه وهو يقف بعيدا عن رئيسه بنزق
"لقد رأيتها وهي تخرج من منزل مازن جلال ، ليست مشكلتي بأنك لم تحدد لي شكل الفتاة جيدا حتى اخطأت بها ، لذا ارجوك توقف عن ألقاء كل اللوم عليّ بكل شيء افعله من اجلك ، فهذا امر مزعج ويدعو للضجر"

تجهمت ملامح المقابل له بشراسة قاتمة وما ان كان على وشك الرد عليه بقسوة حتى سبقه الآخر وهو يغادر من الغرفة بأكملها ببرود ليعود للتدخين بلحظة بسيجارته بعدم مبالاة متعمدة .

مرت لحظات طويلة قاتمة قبل ان يستدير مجددا ذلك الجسد الضخم باتجاه الفتاة وهو يتقدم امامها بهدوء ، اتسعت حدقتيها الزرقاء بتوجس ما ان جثى امامها بلحظة على ركبتيه ليمسك من فوره بذقنها بخشونة وهو يرفع وجهها مقابلا له رغما عنها بقسوة حادة ، لتقابل بعدها نظراته السوداء المتوحشة والمتغضنة قبل ان يقول بتفكير قاتم بنبرة صوته الغليظة
"لقد رأيت هذا الوجه من قبل ، ولكن اين يا ترى"

عضت على طرف شفتيها بألم بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تحاول اخفاء انفعالاتها وتشنجات جسدها خلف واجهتها الباردة والمنحوتة من صخر ، ليرتفع بعدها حاجبيه ببطء مترقب وهو يهمس بابتسامة شاردة بغموض
"الآن تذكرت ، انتِ ابنة قيس الروحية وشريكته بأعماله الإجرامية"

بقيت محافظة على ثباتها للحظات بدون ان تمنع زفرتها المرتجفة من الخروج من بين شفتيها المتصلبتين بقوة ، ليحرك بعدها رأسه بقوة فظة وهو يقول بثقة بالغة
"حسنا وجودكِ هنا سيفي بالغرض ، فأنتِ تكونين ابنة عمه قيس وهو اكيد سيفكر بإنقاذكِ بأية طريقة ، وعندما يصل سيكون عندها قد وقع بالفخ بمنتهى البساطة لنصل لمبتغانا اخيرا"

تصلبت ملامحها لوهلة وهي تهمس لأول مرة بسخرية بدون ان تمنع الاستهزاء من الخروج بنبرة صوتها الباردة
"ستكون اكبر واهم لو ظننت بأن مازن من الحماقة والتي قد تدفعه ليضحي بحياته ويأتي للموت بقدميه لإنقاذ فتاة مثلي لا تقرب له بشيء سوى ابنة زوجة عمه الروحية"

عبست ملامحه بامتقاع للحظات وهو يشدد من القبض على ذقنها بقسوة حتى سمعت صوت طرقعة عظامها قبل ان يهمس بابتسامة متغضنة بشر وبكل خباثة العالم
"لا تفرحي كثيرا يا فتاة ، لأنه إذا لم يظهر اي اثر لمازن بغضون ساعة فقط ، فعليكِ عندها الترحم على روحكِ والتي سننهي على الرمق الأخير بها قبل ان نتخلص من وجودكِ نهائياً ، وقد نقضي بعض الوقت الممتع معكِ يا جميلة قبل ان يحدث كل هذا ، لذا ترقبي ما سيحدث لكِ وانتظري القادم"

اتسعت حدقتيها بصدمة ممزوجة بالذهول ولأول مرة تشعر بالعجز بالنطق امام احد وكأن كل كلمات الحقد والتي كانت تحملها برأسها له قد اختفت نهائياً من ذهنها ليحل مكانها السكون الواجم للحظات ، بينما ابتعد عنها الرجل وهو يفلت ذقنها بهدوء ليستقيم بوقوفه بلحظة باتزان قبل ان يوزع نظراته بأنحاء الغرفة ببطء وهو يشير لهم بذراعه قائلا بصرامة حادة
"راقبوا الفتاة جيدا واياكم وان تغيب عن نظركم للحظة ، هل سمعتم ما اقوله"

حركوا الرجال رؤوسهم بطاعة تامة ليسير بعيدا عنهم وهو يخرج من الغرفة بأكملها بهدوء بعد ان كان يملئ الغرفة الصغيرة بضخامته وبصوته الكريه ، ليترك من خلفه التي كانت ما تزال جالسة على الأرض بتجمد بدون اي حركة وكل عضلة بجسدها قد توقفت عن العمل تماما ألا من دمعة صغيرة يتيمة شقت طريقها بوجنتها الثلجية ببطء شديد قبل ان تفارقها لتسقط على ارض الغرفة القذرة والقاسية مثل كل شيء يحيط بها الآن .

______________________________
كان جالس على الأريكة بصمت وهو يستند بيديه على ركبتيه ناظرا بتركيز للجالسة ارضا امام الطاولة والفاصل بينهما وهي منحنية الظهر امام الورقة والقلم يتحرك بين اصابعها بتوتر واضح وهو يشعر بعينيها تكاد تؤكل الورقة امامها من اتساعهما المريب وكأنها تحل معادلة رياضية ليس لها حل وليست مجرد ورقة تحوي على بعض الأسئلة بالدروس السابقة ليتأكد من مدى فهمها لمحاضراته وجميعها من ضمن الكلام والذي تحدث عنه بالمحاضرات السابقة ، وكل هذا يعتمد على مدى استيعابها وما تلقته من معلومات مرتبط بدروسها اليومية وكل امله ان لا تكون تعاني ببطء بالاستيعاب كذلك كما يحدث معها بالكتابة ، فهذا سيحتم عليه اعادة المحاضرة الواحدة لها مئة مرة ليصل لعقلها البطيء وهذا بحد ذاته سيكون اضاعة للوقت والجهد الثمين ، لم يمقت بحياته او يتذمر من مهنة التدريس كما يحدث معه الآن فهذه الفتاة قد غيرت كل موازين وظيفته والتي عمل بمجالها لسنوات !

حرك رأسه باتزان للحظة وهو يجول بنظراته بتمعن للتي ما تزال تحرك القلم بين أصابعها بتوتر تارة وتكتب به على الورقة بتعثر تارة أخرى ولوهلة احب مراقبتها وهي تبدو اقرب لطفلة عوقبت بنسخ الدرس على دفترها مئة مرة بسبب إهمالها وتقصيرها الدائم بوظائفها المدرسية ، وهو يتابع خصلات من شعرها القصير الناعم والتي كانت تتراقص امام جبهتها وكأنها تساعدها على التفكير بالحل وبعض منها كان يتلمس عينيها العسليتين وهي تعيق عليها رؤية الحل تماما بينما هي بالحقيقة تفشي لها بالإجابة لترشدها للنظر لها جيدا .

ابعد نظراته عنها بضيق لبرهة وهو يوبخ نفسه للمستوى والذي وصل له من التفكير ، ليخترق شروده صوتها الخافت وهي تهمس بمودة
"لقد انتهيت يا استاذ هشام"

التفت بسرعة نحوها وهو ينظر للورقة والتي كانت تمدها نحوه ، ليلقي بعدها نظرة على الساعة بمعصمه وهو يقول بجدية
"حسنا لقد اخذت كل وقتكِ والذي حددته لكِ ، ليتبين بأنكِ حقا سلحفاة"

عبست ملامحها بامتعاض وهو يتناول الورقة منها قبل ان يرفعها بلحظة امام نظره وهو يتفحصها بتمعن شديد ، بينما كانت هي تشاهده بتوجس مما ستحول لها النتيجة وهو يأخذ وقت اكثر مما يستحق بمراجعة الأسئلة حتى اتلف اعصابها المحترقة بلهفة بالكامل ؟

تنهدت الصعداء ما ان قال بهدوء وهو يحرك رأسه بقوة
"لا بأس بأجوبتكِ ، مستوى فهمكِ للدروس السابقة جيد"

رفعت نظراتها العسلية باتجاهه بشك وهي تتمتم بابتسامة مرتبكة
"هل هذا يعني بأني نجحت بالاختبار"

اخفض الورقة من امامه ببطء وهو ينظر لها بتركيز للحظات قبل ان يبتسم ببرود قائلا بثقة
"اجل نجحتِ بامتياز"

تهللت ملامحها بسعادة خاطفة وهي تبتسم باتساع مبتهج عكس بريقه بعينيها العسلية باخضرار مشرق ، لترفع بعدها يديها المضمومتين معا لأعلى صدرها وهي تقرب شفتيها منهما هامسة بأنين
"الحمد الله"

شرد للحظات بحركتها المفاجئة وكأنها انجزت انجاز عظيم بحلها لبعض الأسئلة وهو يرفع بلحظة حاجبيه بخفة وببعض التعجب بآن واحد مما يراه ! ليتنحنح بعدها بجدية وهو يلوح بالورقة قائلا ببرود
"حسنا بغض النظر عن بطئكِ بالكتابة يا سلحفاة ، فقد ابليتِ بلاءً حسناً بالنهاية وانا فخور بكِ جدا فلم يذهب تعبي بشرح دروس المحاضرات بالأيام الماضية هباءً ، وهذا كل ما يهمني"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تشعر بنبرة سخرية تخرج من صوته كما يفعل عادةً عندما يلقبها بالسلحفاة ، لتقول بعدها بلحظة باستياء غاضب
"توقف عن مناداتي بالسلحفاة"

ابتسم بهدوء بدون ان تتغير ملامحه المتزنة وكأنه يستمتع بإغضابها بهذا اللقب ، ليقول بعدها بلحظات بابتسامة هادئة بدون مرح
"هناك سؤال يجول بذهني منذ لقائي بكِ واريد ان اطرحه عليكِ ، وهذا إذا لم يزعجكِ الأمر"

زمت شفتيها بارتجاف متوجس بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تنتظر سؤاله المزعوم ، ليتابع بعدها بلحظات كلامه وهو يعود ليسند يديه فوق ركبتيه ناظرا لها بهدوء
"اريد ان اعلم السبب لبقائكِ لوحدكِ أغلب الوقت بدون اي زملاء او صديقات ، وقد لاحظت هذا بكل مرة ألمحكِ فيها بالجامعة ، هل تفضلين الوحدة لهذه الدرجة ولا تحبين تكوين الصداقات بالرغم من ان الجامعة تعج بكل انواع الطلاب وقد تجدين ضالتكِ من بينهم"

احنت حدقتيها للأسفل بحزن لبرهة وهي تضم قبضتيها معا عند حجرها قبل ان تهمس بتلك النغمة الحزينة مترافقة مع ابتسامة صغيرة
"كنت اهوى حقا تكوين الصداقات بطفولتي فهذا ما كنت اجيده واحبه من اجل ان نتشارك معا اللعب ، ولكن الأمر قد تغير عندما كبرت فلم اجد الوقت الكافي لأشكل صداقة مع احدهم فكما ترى انا عدتُ لحياة الاختلاط بعد فترة طويلة من الانقطاع ، وليس من السهل تكوين صداقة بوقت قصير او استعادة الثقة وتلك الروح المرحة والتي كنت اتحلى بها بطفولتي ، لذا تخليت عن هذه الرغبة بتكوين صداقات بما ان وجودها غير مهم وليس بالضرورة وجودهم ، يكفي دراستي وحلمي بالتخرج القريب وهو كل ما اسعى إليه بالوقت الحالي"

كان يحرك رأسه بانتباه شديد بصمت وهو يمسك ذقنه بقوة عاقدا حاجبيه بتشنج وهو يفكر بعيدا بكلامها والذي خرج بنغمة صوتها والتي تذيب قسوة الصخور ، وهو ليس بصخر حتى لا يتأثر بحزن صوتها والذي يبعث رعشة محببة بدواخله لم يشعر بها مع احدهم من قبل ! قال بعدها نافضا الأفكار الأخيرة عن رأسه والتي اخذته بعيدا جدا بدوامة مظلمة
"إذاً لم تجربي بحياتكِ ان تعقدي اي صداقات من باب التغيير والتجربة"

عضت على طرف شفتيها لوهلة بارتجاف وهي ما تزال تنظر للأسفل بوجوم لتهمس بعدها بلحظات بخفوت شارد وكأنها تكلم نفسها
"لقد جربت مرة ولكن لم يكتب لها النجاح فقد باءت بالفشل بعد فترة قصيرة"

عقد حاجبيه بتركيز حاد ولم يعجبه سير حديثها وحزنها والذي تحول لألم محفور بصوتها الخافت والتي لقطتها اذنه المرهفة ، ليتمتم بعدها بعبوس متصلب
"هلا وضحتِ كلامكِ اكثر ، وما هي التجربة التي فشلت ، هل صادقتِ احدهم من قبل"

رفعت نظراتها نحوه بوجل وهي تحاول تذكر ما نطقت به الآن بموجة شرودها ؟ لتنتفض بعدها بلحظة واقفة امامه وهي تهمس بابتسامة متسعة بتوتر
"صحيح يا استاذ هشام نسيت ان اسألك إذا كان هناك المزيد من الاختبارات عليّ تقديمها لأستطيع المذاكرة عليها غدا والاستعداد لها"

عقد حاجبيه بتفكير وهو يقول بجدية صارمة
"اجل هناك اختبار مهم بعد يومين ، ولكن للأسف لن استطيع المجيئ لمنزلك فأنا لست متفرغا بذلك اليوم ، لذا قررت بأنه من الأفضل ان تأتي انتِ للجامعة بعد يومين لتستطيعي تقديم الاختبار وتحت مراقبتي وسيكون بغرفة مكتبي فهذا هو الحل الوحيد المتوفر لنا الآن"

انفرجت شفتيها بارتعاش لوهلة وهي تهمس بجزع متلعثم
"أليس هناك حل آخر ، مثلا ان نؤجل الاختبار ليوم آخر....."

قاطعها بقوة من وقف امامها وهو يقول بعملية حادة
"لا استطيع يا غزل ، فأنتِ لستِ متأخرة بالدروس وبالمحاضرات فقط بل هناك ايضا اختبارات عليكِ تقديمها لكل مساق من تخصصك ، لذا علينا ان نتبع البرنامج والذي وضعته انا ألا إذا كنتِ تريدين تقديم اكثر من اختبار بنفس اليوم"

حركت رأسها بالنفي لا إراديا وهي تتخيل نفسها تقدم بكل دقيقة اختبار تلو الآخر فهذا اكيد سيزيد نسبة سخريته منها ورسوبها لتصبح اضحوكة امامه ، قطع عليها تفكيرها صوته الهادئ وهو يحمل حقيبته ليتجه بها لباب الغرفة قائلا بجدية
"لا تنسي يا غزل ، ذاكري دروسكِ جيدا وحاولي تحسين سرعتكِ بالكتابة ، فأنا اعلم بأنكِ تستطيعين فعلها كما استطاعت السلحفاة تجاوز خط النهاية بنجاح"

ارتفع حاجبيها بصدمة لبرهة مع شفتيها الفاغرتين بانشداه بذات الوقت وهي تنظر للباب والذي اغلقه من خلفه بعد كلماته الأخيرة والمتنافرة مع بعضها ، وهي لا تعلم إذا كان كلامه مدح ليشجعها ام كان ذم ليسخر منها كالعادة بلقب السلحفاة والذي ضاقت ذرعا منه وهو لا يتوقف عن تلقيبها به ؟!

يتبع............


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس