عرض مشاركة واحدة
قديم 31-07-21, 10:07 PM   #112

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
Elk

كانت تتلوى للأمام وللخلف بحركة رتيبة غير ملحوظة وهي تحاول تحرير قيد معصميها من بين الحبل المربوط عليهما بإحكام حتى انهكت قواها تماما ، لتتوقف بعدها بلحظة وهي تتنفس بنشيج متعب تشعر به يخرج من صميم روحها المنهكة من كل انواع الانتهاك والذي تتعرض له للآن وهو يجرح حنجرتها بأنفاس باردة كالأشواك ليخرج ويتناغم من فوره مع الأجواء الغائمة من حولها ومع انفاس المتجولين بالغرفة القميئة .

رفعت جفنيها الحمراوين ببطء عن احداقها لبرهة وهي تتنقل بنظرها بالمتواجدين معها بالغرفة والذين لا يتجاوز عددهم عن ثلاث اشخاص وجميعهم من اقوياء البنية وتتقارب اعمارهم بين منتصف الثلاثين والاربعين وما فوق ، ولكن الشاب اصغرهم والذي يقارب من عمر (مازن) لم يتواجد بالمكان بعد مجيئ رئيسهم وكأنه قد تخلى عن المهمة بأكملها بعد المشادة والتي حدثت بينه وبين رئيسه .

عضت على طرف شفتيها بقوة لوهلة وهي تفكر بسرعة مضيقة عينيها بتركيز حاد بمهرب من هذا المأزق قبل ان تقع نظراتها بلحظة بالنهاية على باب فرعي بالغرفة لم تنتبه له بالبداية ، لتفتح بعدها شفتيها بأنفاس باردة قبل ان تتحول لابتسامة ساخرة وهي تلتفت بنظراتها بحذر للواقف من خلفها بهدوء .

قالت بعدها بلحظات وهي تنظر له بثبات بدون ان تأبه بوجود البقية
"لو سمحت ، اريد الذهاب للحمام"

اخفض الرجل نظراته الحادة نحوها لثواني بدون اي تعبير وهو ينفث دخان سيجارته ببرود ، ليقول بعدها بابتسامة باردة وهو يلوح بالسيجارة امامها بحدة
"لا تفكري بلعب معي يا حلوة ، فأنا مهمتي هنا فقط مراقبتكِ وغير هذا لا استطيع فعل المزيد لكِ"

عقدت حاجبيها بوجوم بلحظة وهي تهمس بابتسامة متصلبة بقوة
"ولكني احتاج للحمام بشدة ولم اطلب منك ان تهربني من هنا ، وغير هذا انت بلا فائدة الآن لذا لن تخسر شيئاً إذا ارشدتني للحمام ، واعدك بأني لن احاول خداعك والهروب منك لكي لا تعاقب من رئيسك"

تجهمت ملامح الواقف من خلفها بقوة وهو يعصر قبضته بسيجارته والتي تحطمت بقبضته وهي تكاد تجزم بأنه سيلكمها بهذه القبضة بأية لحظة ، ليهمس بعدها بنبرة خافتة بخطر باهتزاز شعرت به بعضلات جسده
"هل كنتِ تسخرين مني الآن"

تجمدت ملامحها ببرود وهي تنظر له بترقب حذر ، ليتدخل بعدها صوت آخر من الاثنين الباقين وهو يقول بلا مبالاة
"لا بأس يا شعيب اتركها تذهب للحمام الملحق ، فلن يمانع الرئيس هذا ، والحمام قريب منا بالغرفة يعني لن تستطيع الهروب"

اومأ برأسه بحدة ونظراته ما تزال ساهمة بها بقوة ، ليحرك بعدها شفتيه بتصلب اشبه بالهمس بفظاظة
"اتبعيني"

تنفست ببعض الراحة وهي تنظر له يفك وثاق معصميها وقدميها من الحبال المربوطة عليهما ، ليستقيم بعدها بوقوفه وهو يمسك بذراعها بخشونة ليوقفها معه قبل ان يسحبها باتجاه الحمام الملحق بالغرفة ، وقف امام باب الحمام بلحظات وهو يفتحه امامها بقدمه بعد ان افلت ذراعها وهو يتمتم بأمر صارم
"امامكِ خمس دقائق فقط قبل ان افتح عليكِ باب الحمام ، لذا اسرعي بقضاء حاجتك بدون التفكير بأمور اخرى خارج هذا المكان"

حادت بنظراتها نحوه بحدة لبرهة وهي تمسد على معصميها بألم بعد ان طبع عليهما آثار الحبل ، لتتجاوزه بعدها وهي تهمس بغيظ
"وحش فظ"

اغلقت باب الحمام بسرعة من خلفها قبل ان تسمع تعليقه الوحشي وسيكون الآن يتوعدها بالقتل ، لتتنقل بعدها بنظراتها بتشوش بأنحاء الحمام الصغير متقشر الجدران وهو يبدو بحالة يرثى لها وهذا غير رائحته الكريهة والتي لا تطاق ابدا ، نفضت الأفكار عن رأسها وهي تركز بشيء واحد فقط وهو إيجاد منفذ للهروب من هذا المكان .

انتفضت بارتعاش سرى بأنحاء جسدها بتوجس ما ان شعرت باهتزاز طفيف بجيب بنطالها الأيمن ، لتخفض بعدها بلحظة كفها لمكان الاهتزاز وهي تتلمس قماش بنطالها الجينز الضيق حتى وجدت مصدر الاهتزاز والذي شلها عن الحركة لثواني .

اخرجت الهاتف من جيب بنطالها ببطء شديد وعينيها متسعتين باستدارتهما القاتمة ، لتعض بعدها على طرف شفتيها ما ان لمحت الاسم والذي اضاء بشاشتها بهذا الوقت لينبهها بوجود الهاتف والذي نسيت وجوده تماما بخضم ما حدث معها للآن .

حركت يدها لا إراديا وهي تجيب على الاتصال لتضعه من فورها بجانب اذنها ما ان صدح الصوت الغاضب بتوبيخ
"واخيرا اجبتِ على اتصالي يا سيدة ماسة ، لقد كدت اشيب وانا انتظر قدومكِ وانتِ بكل وقاحة تتجاهلين كل اتصالاتي وتتأخرين على عملكِ كالعادة ، لقد بدأت افقد الأمل منكِ حقا وقد وصل صبري معكِ لمنتهاه......"

توقف عن الكلام فجأة وهو يشعر بانقباض حاد بالأجواء لا يقطعه سوى صوت انفاسهما والتي تناغمت معا ببرودة ! ليقول بعدها بلحظات بعد ان خفت صوته بعيدا عن الحدة وهو يهمس بريبة جادة
"ما لذي يحدث معكِ يا ماسة ، تكلمي"

زمت شفتيها بقوة وهي تحاول استرجاع نفسها الهادئة لتقول بعدها بنشيج خافت بثبات
"اسمع يا شادي ، ليس لدي الكثير من الوقت لأشرح لك ، ولكن كل ما استطيع قوله لك الآن بأني محتجزة عند عصابة مجرمين اشرار وعليّ الهروب من هنا قبل غضون ساعة ، هل فهمت ما قلته"

مرت لحظات ساكنة بينهما وكأن من بالطرف الآخر قد اختفى عن الخط تماما ، وما ان كانت ستعاود الكلام بتصلب مرتجف حتى سبقها من بالطرف الآخر وهو يقول بهدوء جامد
"اخبريني اين هو موقعكِ ، هل تستطيعين تحديد المكان الذي انتِ متواجدة به الآن"

دارت بسرعة بعينيها بثواني بأنحاء المكان بحذر قبل ان تصل للنافذة الصغيرة والمفتوحة عند زاوية الجدار ، لتهمس بعدها للطرف الآخر بعجلة
"انتظر لحظة"

سارت من فورها باتجاه النافذة وهي ترفع نفسها على اطراف اصابعها لتلقي نظرة على المكان بالخارج بلحظات وهي تلمح امامها طريق مهجور وبيوت بعيدة تبعد عنها مئات الأميال قبل ان تصل للافتة بيضاء قريبة من مرأى نظرها كتب عليها بوضوح (طريق الصحراء الغربية) ، قربت الهاتف بسرعة لأذنها وهي تهمس بأنفاس ذاهبة بتحشرج
"لقد رأيتها يا شادي ، انا موجودة بطريق مهجور وعليه لافتة مكتوب عليها طريق الصحراء الغربية"

شهقت بجزع وهي تلتفت بدورة كاملة ما ان بدأ المتوحش بالطرق الصارم على الباب وهو يقول من خلفه بقسوة
"لقد انتهى الوقت هيا اخرجي من الحمام بسرعة"

قبضت على الهاتف لا شعوريا بجانب جسدها بقوة وهي تستمع لصوت الطرف الآخر وهو يصرخ بانفعال حاد
"ماسة ، اين ذهبتِ ، ماسة"

افاقت من صدمتها وهي ترفع كفها بالهاتف بارتجاف وما ان وصل لمجرى سمعها حتى همست بكلمات هادئة بدون اي حياة
"انا احتاج إليك ، لا تتأخر"

فصلت الهاتف من فورها قبل ان تسمع رده وهي تدير يدها لخلف ظهرها بلحظة ما ان فُتح باب الحمام بقوة حتى كاد يكسره ، تمسكت بحوض المغسلة من خلفها بتشبث وهي تلقي بداخله الهاتف ببطء وحذر ، بينما تقدم امامها من اجتاح المكان بلحظات قبل ان يمسك بذراعها بقسوة وهو يصرخ بصرامة حادة
"لما تأخرتِ كل هذا الوقت بالحمام ، وما لذي كنتِ تفكرين بفعله"

عبست ملامحها بتصلب بدون ان تجيبه بشيء ونظراتها معلقة به بدون اي مواربة ، لتزداد شراسة ملامحه بلحظة وهو يرفع يده عاليا ينوي صفعها قبل ان يوقفه الصوت الحاد عند باب الحمام وهو يصرخ بأمر قاطع
"اتركها يا شعيب وألا ستحدث مشاكل انت بغنى عنها ، وفهمك للأمر كفاية"

حادت (ماسة) بنظراتها لوهلة خلف كتف الواقف امامها لتلمح من عاد مجددا للمكان وهو نفس من احضرها لهنا وقد ظنت بأنه قد رحل بعيدا ، افلت الواقف امامها ذراعها وهو يستدير للخلف بلحظة بتجهم قائلا بتصلب
"ولكنك لا تعلم ما حدث انها....."

عاد للكلام وهو يبتسم ببرود حاد
"قلت لك كلمة وانت عليك ان تنفذها ، فأنا الذي يسير كلامي هنا بغياب الرئيس"

عبست ملامح الرجل بقوة قبل ان يندفع بلمح البصر وهو يغادر الحمام بأكمله بدون ان ينطق بأي كلمة ، لتعود بعدها للنظر للواقف عند باب الحمام وهي تفكر بأن رتبة هذا الشاب عالية بينهم وفوق الجميع وقد يكون من قرابة رئيسهم لذا يخول له فعل ما يشاء بعكسهم ؟

ارتفع حاجبيها بتوجس لوهلة ما ان تقدم الشاب امامها قبل ان يقول بابتسامة هادئة
"هل انتِ بخير"

اومأت برأسها بعدم فهم بدون ان تتأكد من سبب إيماءتها الآن ؟ ليضع بعدها ذراعه من خلفها وهو يشير بذراعه الآخر امامها قائلا ببساطة
"لنخرج من هنا"

ادارت عينيها امامها بقوة وهي تسير بعيدا عنه لخارج الحمام ، وما ان وصلت للغرفة حتى رفعت حاجبيها بدهشة لبرهة من الأنظار الغامضة والمتجهة نحوها بثبات ! لتخفض بعدها نظراتها بتوجس وهي تلمح صينية طعام لم ترها من قبل موضوعة ارضا وهي تحوي فوقها أرغفة خبز ومعها بعض الجبن والزيتون .

عادت بنظراتها بجمود للذي وقف امامها مباشرة وهو يقول بابتسامة جانبية بغموض
"اجلسي وتناولي طعامكِ ، فأنتِ لم تتناولي شيئاً منذ مجيئكِ لهنا"

تنهدت بحدة وهي تمسد على جبينها بتشوش مما تواجهه الآن من جنون محدق بها ومصير لا تعلم اين سيكون ؟ وكل ما يهم هذا البارد بأنها لم تؤكل شيء للآن وهي مجرد رهينة هنا ، انحنت بعدها بلحظات على ركبتيها وهي تجلس امامها بعد ان استبد بها التعب ولم تعد ساقيها قادرتين على حملها .

اتسعت عينيها بحدة وهي تنظر له يجلس امامها قائلا ببرود مريب
"ماذا ، ألم يعجبكِ الطعام"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي تهمس باستياء حاد
"لا اريد تناول شيء ، وهلا توقفت عن هذا الكرم معي فهذه إهانة كبيرة بحقي"

تصلبت ملامحه بلحظة بهدوء وهو يهمس بلا مبالاة
"كما تريدين يا جميلة ، وعندما تشعرين بالجوع سيكون هذا الطعام امامكِ ، من اجل ألا تلقي عليّ باللوم فيما بعد بموتكِ جوعا"

اندفعت بوجهها نحوه بلحظة بعد ان طفح بها الكيل وهي تتنفس بحدة لتهمس بعدها بابتسامة ساخرة باشمئزاز
"رجاءً لا تحاول تمثيل الرجل الطيب امامي لكي لا تحمل الذنب وتأنيب الضمير بسببي ، فأنت ستبقى هو الأساس بحالتي هذه يكفي بأنك من احضرني لهذا المكان لتكون المتورط الأساسي بما سيحدث لي ، ومهما انكرت فأنت ايضا مجرم مثلهم تماما ولا تختلف عنهم بشيء سوى بأنك تتخطاهم شراً بأضعاف"

كانت تتنفس بسرعة مضطربة وهي تنظر له بعبوس متصلب نحتت ملامحها من صخر بدون ان تصدر منهما اي حركة والوجوم يطغى على الأجواء من حولهما ، لتتراجع للخلف بلحظة تلقائياً بغريزة الحذر ما ان انتفض المقابل لها وهو يقف امامها بقوة قبل ان يندفع بعيدا عنها لخارج المكان بأكمله بصمت دام بينهم للحظات وكأنها قد اصابت وتر حساس بحياته بما فعلته وقالته بدون اي تردد او تفكير ! واسئلة كثيرة تدور بذهنها ما لذي تفعله هنا ولما قالت كل ذلك الكلام ؟ وإلى متى ستبقى تعيش بهذا الفراغ الموحش والذي تشعر به يتوسع بصدرها تدريجيا إلى ان يبتلعها بالكامل بدون ان يبقي على اي جزء بداخلها على قيد الحياة ؟

_______________________________
كان يسند ظهره لجذع شجرة يابسة ومتساقطة الأوراق وكأن سيقانها قد جفت تماما وفقدت لونها ورونقها حتى اصبحت على هذه الحال الذي يرثى لها ويدعو للشفقة عليها ، بينما كان هو شارد بالبعيد وتحديدا بضباب دخان سيجارته المتطاير وهو ينفث منه كل دقيقة بدون اي كلل او ملل ، ليعقد بعدها حاجبيه بحدة بلحظة مع الندبة والتي ظهرت بوضوح وهي تبرز بمنتصف عقدة حاجبيه كعلامة لا تزول وكأنها قد اصبحت جزء من شخصيته تأقلم معها منذ زمن ، ليطرق على ذهنه الشارد كلامها الأخير والذي كان بالنسبة له سكين حاد نبش الجروح القديمة بقسوة

(رجاءً لا تحاول تمثيل الرجل الطيب امامي لكي لا تحمل الذنب وتأنيب الضمير بسببي ، فأنت ستبقى هو الأساس بحالتي هذه يكفي بأنك من احضرني لهذا المكان لتكون المتورط الأساسي بما سيحدث لي ، ومهما انكرت فأنت ايضا مجرم مثلهم تماما ولا تختلف عنهم بشيء سوى بأنك تتخطاهم شراً بأضعاف)

عاد لينفث من دخان سيجارته بنفس اطول وبملامح متشنجة بغموض لا تعبر عن شيء سوى عن الجمود والبرود المتأصل بداخله منذ قرون ، لتحفر بعدها شبه ابتسامة حادة قريبة من السخرية المقيتة على طرف شفتيه وهو يتذكر كلام بعيد شبيه بكلام الأخرى ولكن بنبرة ساخرة وناقمة اكثر تحمل من الحقد الكثير والذي طعن فؤاده بمقتل بذات الوقت بدون ان تأبه صاحبته لذلك

(يا لك من مجرم حقير وكاذب انت ووالدك رئيس العصابة لقد خدعتني طول تلك السنوات وانت تمثل الحب عليّ وتظهر نفسك دائما امامي بصورة الشاب النبيل والطيب ولكن حقيقتك عكس ذلك تماما ، حتى انني اخجل من ذكر مسار علاقتنا والفخ والذي وقعت به وثقتي العمياء بك ، ليتبين بأنك مجرد مجرم حقير مطالب من القانون وحتى انك قد تجاوزت المجرمين الآخرين دناءة وفجورا فهم على الأقل لم يكذبوا عليّ ولم يخفوا عني شخصياتهم الحقيقية خلف قناع البراءة ، لن اسامحك ابدا يا اوس تذكر هذا جيدا واعلم بأنني منذ هذه اللحظة سأقطع كل صلة تربطني بك ويجمعني معك ، فأنا لن اضع يدي بيدي مجرم حقير مثلك ولا يشرفني ابدا ان اكون حبيبة او زوجة مستقبلية لشخص كريه مثلك)

ارجع مؤخرة رأسه للخلف بإنهاك ليسنده بجذع الشجرة من خلفه لوهلة وهو يتنفس الدخان المتبقي من بين شفتيه بهدوء وبألم عاد لينهش اطرافه المنقبضة بحرقة مزعجة ومقيتة لا تريد تركه وشأنه وهي تغيبه بضباب ذكرياته البعيدة ، اخفض يده الممسكة بالسيجارة بعيدا عنه بلحظة ما ان شعر بشلل طفيف يسري بساعده الأيمن باضطراب عاود لمضايقته وكأنه ينقصه الآن معالجة اضطراب ذراعه والذي يلازمه بين الحين والآخر وقد زاد مؤخرا .

رفع ذراعه الأيسر ليمسد بكفه على جبينه بعنف وهو يعود بذكرياته لكلام والده ورئيسه بالعمل والذي قاله تعقيبا على الذي حدث معه بدون ان يستخدم عبارات المواساة والغير متواجدة بقاموسه

(هذا افضل بكثير والآن يمكنك التركيز بالعمل كما بالسابق بعيدا عن كل قصص الحب التافهة والتي تأخذ فقط حيزا كبيرا بحياتنا بدون ان تفيدنا او ان تغير شيئاً من سير حياتنا ، لذا من الأفضل ان ننظر للأمام فقط ونفكر بالجانب الجيد من حياتنا فكل ما يهم هي مصلحة انفسنا وضمان حياتنا بعيدا عن الهم والحزن والذي يجلبه لنا الحب ، فهكذا هي الحياة عليك اقتناص كل لحظاتها الثمينة لحظة بلحظة قبل ان يسرقوها منك وتبقى بالنهاية مجرد حثالة لا فائدة منها)

تصلبت ملامحه فجأة وهو يخفض كفه بقوة ليرفع عندها ذراعه الأيمن ما ان خف اضطرابه قليلا وهو يحاول تقريب السيجارة من شفتيه قبل ان ينتفض بعنف مندفع لوهلة وهو يلقي بالسيجارة بأقصى ذراعه بعيدا وعينيه متسعتين بحدة من اسفل حاجبيه المعقودين بتحفز حاد ، ليستقيم بعدها بوقوفه بهدوء وهو يعود لقناع الجمود ما ان سمع صوت الخطوات المقتربة منه بصمت .

تنفس بروية وهو يلتفت بوجهه نحو الذي وقف بالقرب منه وهو يقول بجدية هادئة
"عليك ان تأتي وتراقب الفتاة يا اوس ، فقد اوصانا الرئيس بالحرص على عدم هروبها كما طلب منا لتنجح الخطة ، وألا عوقبنا جميعاً وانت ستكون الاكثر ضررا بيننا فهو يتصوب لك الاخطاء دائما وهذا الذي تفعله سيزيد رصيدك عنده"

ابتسم بهدوء وهو ينظر له بتركيز ليقول بعدها بلحظة وهو يحرك كتفيه ببرود
"لا يهم فهذا لن يغير شيئاً من معاملته لي ونظرته للأمور ، فأنا سأبقى امامه مجرد مجرم فاشل بالمرتبة الثانية لا فائدة منه ولا يعتمد عليه بشيء ، لذا لا يهمني إذا عاقبني هذه المرة ايضا او خاب امله بي ، فهو بكل الأحوال لا يطيق وجودي"

حرك الرجل امامه رأسه باستنكار وهو يقول بحدة مستاءة
"لهذا اخبرك دوما بأن تحسن اسلوبك بالعمل معه لتستطيع إعجاب والدك ورئيسك بالعمل وهذا سيحدث عندما تثبت له جدارتك وقيمتك امامه بتنفيذ اوامره بحذافيرها و....."

قاطعه (اوس) بملل وهو يستدير بعيدا عنه قائلا ببرود جليدي
"هذا لا يهمني يا سالم ولست مهتم بتغيير اسلوبي فهو يعجبني كثيرا ويروقني ، والآن عذرا منك عليّ الذهاب"

ردّ عليه بسرعة بتجهم
"هل سترحل"

ابتسم بهدوء وهو يحرك رأسه بالإيجاب قائلا بتصلب
"اجل سأغيب بضع دقائق وبعدها سأعود ، فهناك ما عليّ فعله الآن ومستعجل جدا ، لذا حاول الاهتمام بكل شيء بغيابي وإياك وان اعلم بأنكم قد اصبتم الفتاة بأي أذى او سوء لأني عندها لن ارحم اي احد منكم ، فهمت يا سالم ونبه هذا الكلام لكل افراد المجموعة"

كان يومأ برأسه بشرود وهو يتمتم بطاعة
"لا تقلق كل شيء سيكون تحت السيطرة"

ليغادر بعدها الآخر من امامه وهو يسير بعيدا عنه ونظراته ما تزال تلاحقه بغموض وهو للآن ما يزال غير مستوعب علاقة الابن بوالده والتي تبدو علاقة تشوبها التناقضات والتنافر بدون ان يظهر اي مودة عائلية بينهما وكأن كل واحد منهما قد نشأ من بيئة مختلفة عن الأخرى ؟

_____________________________
شددت من معانقة ساقيها بانقباض حاد وهي تزحف للخلف ببطء شديد ما ان انحنى امامها ذلك الوحش والذي كان على وشك صفعها بعد ان كسر عليها باب الحمام ، لتشيح بعدها بوجهها جانبا ما ان لفحها بأنفاسه الخشنة وهو يهمس بابتسامة جانبية بهدوء
"اسمعي يا حلوة ، ما رأيكِ ان نتفق معا ، انا اقدم لكِ حريتكِ بالهروب من هذا المكان بدون ان يتعرض لكِ الرئيس مقابل ان تعطيني اي شيء اطلبه منكِ"

تشنجت ملامحها بلحظات وهي تحيد بنظراتها نحوه باشمئزاز قبل ان تهمس بوجوم خافت
"وهل سيتضمن طلبك شيء حقير شبيه بك"

تصلبت ملامح الجالس امامها وهو يحاول الابتسام بجمود بدون اي تعبير ، ليرفع بعدها يده ببطء باتجاه وجهها وهو يربت على خدها بخشونة هامسا بفحيح منفعل
"هذا سيكون حسب ما اريده منكِ وما تستطيعين تقديمه لي لترضي به شخص متطلب مثلي....."

زمجر بغضب وهو ينفض يده بعيدا عن وجهها بلحظة ما ان عضت بأسنانها الحادة على جانب كفه ، لينتفض بعدها بمكانه وهو يقبض على خصلات شعرها من مؤخرة رأسها بعنف صارخا بوحشية
"يا لكِ من وقحة وتتجرأين على التعرض لأسيادك....."

تجمد بمكانه ما ان قصف صوت احدهم عند إطار باب الغرفة وهو يقول بغضب مكتوم
"توقف عن هذا يا شعيب ، فأنت بهذه الطريقة ستجلب نهايتك بتعرضك للفتاة ، فهي مجرد رهينة عندنا وعلينا مراقبتها حتى يعود الرئيس ويتكفل بها"

التفت (شعيب) بوجهه للخلف بقوة وهو ما يزال قابض على خصلات شعر الأخرى ليقول بعدها بابتسامة ساخرة بشماتة
"هل هذه الأوامر صادرة من ابن الرئيس اوس ، اين هو اصلا ولما غادر من المكان ، هل يعقل بأن يكون قد هرب من المهمة كما يفعل عادةً ، انه لا يجيد سوى اصدار الأوامر وكأنه رئيسنا وهو لا يستحق حتى ان يكون رئيس علينا"

عبست ملامح الذي تقدم امامه عدة خطوات وهو يقول بصرامة حادة
"اصمت يا شعيب فأنت بهذه الطريقة قد بدأت تتجاوز حدودك المرسومة مع ابن الرئيس ، فهذا الذي تتكلم عنه يكون اعلى مرتبة منك ولا تستطيع مجابهته لأنه يملك الحق بطردك من العصابة واذاقتك قسوة لم تذقها بحياتك"

اتسعت ابتسامته بعجرفة لبرهة وهو ينهض ليقف امامه بعد ان سحب شعر الساكنة من خلفه وهو يوقفها معه رغما عنها قائلا بابتسامة باردة بغموض
"لا تقلق فأنا لن افعل شيئاً مخالفا للقوانين ولست من الجنون حتى احاول مجابهة ذلك الطفل ، ولكني افكر بفعل شيئا مع هذه الفتاة لكي لا تحاول تجاوز حدودها معي مرة أخرى ، ولن يمانع احد على هذا ، فيبدو بأن ابن الرئيس غائبٌ الآن ولن يعود قبل ساعات"

تجهمت ملامح الواقف امامه وهو يمسك بذراعه الممسكة بشعرها قائلا بحزم جاد
"اتركها يا شعيب فهذه اوامر اوس وهو الذي قال بأن لا يتجرأ احد على التعرض لها ، لذا اتركها حتى يأتي الرئيس ويتصرف بأمرها قبل ان يحدث ما لا يحمد عقباه"

تجمدت ملامحه بلحظة وهو يعود للخلف نافضا يده بعيدا عن ذراعه ليلوح بعدها برأس التي اصبحت بجانبه وهو يشدد من القبض على خصلاتها قائلا بجفاء
"ولما كل هذا الدفاع والخوف على الفتاة ، ألا ترى بأنك تبالغ بكل هذا الحرص على سلامتها ، فهي مجرد فتاة عاهرة من تلك الفتيات اللواتي يعملن بمجال الإجرام ، فقد نسيت ما قاله الرئيس عنها بأنها ابنة قيس الروحية والمعروف عنها بشريكته السرية وسبب نجاح كل مخططاته الحقيرة ، وهذا يعني بأنها لا تقل عنا خباثة وحقارة ولن يمانع احد لو علمتها بعضا من دروسنا بالدناءة"

ازدادت ملامحه شراسة وهو يحرك رأسه بعدم اقتناع ، ليقطع الأجواء المشحونة بينهما دخول شريكهم الثالث من اعضاء العصابة وهو يجتاح الغرفة قائلا بانفعال لاهث
"مصيبة لقد اصيب عمار بساقه ، وهناك احدهم....."

توقف عن الكلام بانقباض وهو يحبس انفاسه ما ان شعر بشيء حاد مصوب فوق رأسه مباشرة ، بينما اتسعت العيون الناظرة له بصدمة ألا نظرات قاتمة بقيت مخفضة حدقتيها للأسفل بدون اي حركة وهي تشعر بالشحنات المتنافرة قد ملئت الغرفة الصغيرة حتى كاد يضيق المكان بهم جميعا !

اخترق ضباب افكارهم الذي كان يصوب فوهة المسدس فوق رأس الواقف امامه وهو يرفع يده الأخرى ليمسك بها كتفه بقسوة قائلا بتهديد خطر حفر بملامحه الجامدة
"إذا صدرت من اي احد منكم حركة واحدة ولو مجرد نفس فسأفرغ طلقات هذا السلاح برأس هذا الأحمق مثل ما فعلت بالذي سبقه ، لذا استسلموا لي بمنتهى الهدوء بدون مزيد من المشاكل والإصابات"

بقيت الوجوه جامدة بهدوء للحظات ونظراتهم ما تزال معلقة به قبل ان يرفع بسرعة المدعو (سالم) مسدسه وهو يصوبه برأس الفتاة الممسكة بها رفيقه قائلا بتصلب مشتد
"إذا حاولت اصابته بأي اذى ، فاعلم بأن رأس الفتاة سيكون هو الضحية وستخسرها مقابل الرجل والذي تصوب المسدس فوق رأسه"

ارتفع حاجبيه بخفة وملامحه ترنو بين الهدوء والجمود وكأنه غير مبالي بما يفعله وينوي على فعله بقتلها امامه وهو يقرب فوهة المسدس الخاص به من رأس الرجل وكفه تشدد على كتفه وهو يكاد يسمع صوت طرقعة عظام الرجل الممسك به بقسوة ، بينما التي ما تزال تخفض رأسها للأسفل وخصلاتها القابضة هي ما تعلقها عن السقوط وهي تتنفس بنشيج خافت تكاد تزهق انفاسها من المكان والذي شح منه الهواء فجأة بانهيار وشيك وهي تشعر براحة كبيرة وبدنو نهايتها قد اقتربت اخيرا وكأنها جسد معلق بين الحياة والموت !

اخترق فجأة بلحظة غادرة صوت الصفارات الخاصة بسيارات الشرطة على مقربة منهم ، لينسحب عندها بلحظة اللون من الوجوه الناظرة له وخاصة الذي كان يصوب بمسدسه على رأس الفتاة ، ليقول بعدها الذي كان يبتسم امامهم ببرود مشمئز
"لقد اخبرتكم ان تحذروا ، ولكنكم لم تسمعوا نصيحتي ، وها قد اتى من سيحاسبكم على شر اعمالكم والتي لن يكفيها عقاب السجن والذي يكونوا اقل ما يستحقه امثالكم ، لذا عليكم الآن التعامل معي باللين وترك الفتاة قبل ان يحدث ما هو اسوء من وضعكم والذي لا تحسدون عليه ، واظن بأن الهرب هو افضل ما عليكم التفكير به الآن"

سقطت ذراع المقابل له والممسكة بالمسدس بعد ان وصل به الرعب والخوف لأقصاه قبل ان يتحرك بعيدا وهو يجري لخارج الغرفة بأكملها بلمح البصر ، بينما تجهمت ملامح الممسك بالفتاة وهو ينظر للذي كان يتقدم باتجاهه بثبات بعد ان دفع الذي كان ممسك به بعيدا عنه بقسوة ، وما ان وقف امامه تماما حتى اخرج (شعيب) سلاحه الآخر من جيب بنطاله بلحظة وهو يقدم الساكنة بمكانها امامه بعد ان ترك شعرها ليلف ذراعه حول عنقها وهو يضع فوهة المسدس بجانب رأسها هامسا بشراسة
"خطوة اخرى امامها وسأقتلها بدون ان يرف لي جفن ، فأنا عكس ذلك الجبان لا اهاب احدا ولا الشرطة ، لذا من الافضل ان تتركني انا والفتاة لأني مهما حدث لن اتركها لأحد"

وقف امامه مباشرة وهو ينظر له ببرود يخفي الكثير ليبتسم بعدها بدون اي مرح وهو يتمتم باقتضاب
"وهل تظنني سأتركها بين يديّ مجرم مثلك وارحل ببساطة ، لقد اتيت لأخذ ما يخصني من هذا المكان لأرحل من هنا بسلام ، ولكن يبدو بأنكم لا تعرفون شيئاً عن السلام حتى اضطررت لأصيب احد من رجالكم الحمقى"

ضحك المقابل له باشمئزاز وهو يشدد من تطويق عنقها بذراعه بلحظة هامسا بخشونة ساخرة
"يا لك من سخيف يبدو بأنك من الاشخاص المتحضرين ومن سكان المدينة المترفة ، وهذا يعني بأنك لست من اقارب المدعو مازن والذي كنا نحاول استدراجه لهنا ، ولكن الغريب هو ما لذي يربطك بهذه المجرمة الدنيئة والفاجرة ، والتي تكون بعيدة كل البعد عن التحضر ام انها قد خدعتك بإخفاء ماضيها الملطخ بقذارة والدها الروحي وبعالمهما الإجرامي والذي يفوق عالمنا دناءة....."

شهق بانتفاض لوهلة ما ان غرزت الواقفة امامه بمرفقها الحاد بمنتصف معدته بلحظة خاطفة بكل قوة قبل ان تركله بقدمها من الخلف على ساقه ليسقط ارضا بجمود للحظات وهو يمسك معدته بألم متشنج بعد ان سقط المسدس بجانبه ، لتستدير بعدها نحوه بعنفوان وهي تعيد شعرها المنفوش للخلف بقوة قبل ان تنحني امامه قليلا بجذعها بلحظة لترفع يدها عاليا من فورها قبل ان تهبط بها على جانب وجهه الحاد بصفعة قاسية وبسرعة خاطفة وهي تعيد الكرة اكثر من مرة وكأنها تنفث به غضبها الوحشي والذي تحرر دفعة واحدة وهذا ليس جديد على فتاة تعايشت وتأقلمت بين اعتى الوحوش على وجه الأرض حتى اصبحت جزء من ذلك العالم والذي انكشف حقيقته لوهلة !

وقد كان كله يحدث امام نظرات سوداء متسعة بدهشة لم يفق منها بعد وهو يتقلب على سيخ مشتعل بانصهار بعد كلماته الصادمة لذلك المجرم بالنسبة له والتي كانت تخرج منه بثقة بالغة بدون ان يتبين صدقها من كذبها ؟ وإذا كان حقا مجرد تمثيل رخيص امامه من مجرم حقير مثله يحاول تشويه سمعة ابنة عمته امامه لا لشيء سوى للتسلية ؟ والافظع من كل ما حدث معه هو ردة فعلها على كلامه والصفعة والتي اهدتها لذلك المجرم بل الصفعات المتتالية بدون اي حدود او تردد وكأنها كانت تنتظر الفرصة المناسبة لتُقدم على هذه الحركة المتهورة والتي يراها قمة الامتهان والابتذال !

افاق من افكاره بامتقاع وهو يتابع خطوات التي سارت للحمام الملحق بصمت لتخرج منه بعدها بثواني قبل ان تتجه لزاوية بالغرفة لتلتقط حقيبتها ببساطة بدون ان يفهم شيئاً من حركاتها والتي تبدو مبرمجة على فعل شيء معين مثل الحواسيب ؟ بينما كان ما يزال الآخر ملقى على الأرض وهو يتلوى بألم وزمجرة وكأنها سمكة على وشك الموت من نقص الاكسجين بعد خروجها من الماء .

سارت (ماسة) باتجاهه بهدوء وهي تنفض جانبي سترتها الجلدية بقوة مرجعة شعرها للخلف قبل ان تتجاوزه بلحظة قائلة بخفوت لا حياة به وكأنه يسمع صوتها لأول مرة
"لنرحل من هنا"

التفت برأسه باتجاه باب الغرفة بقوة والذي خرجت منه للتو وهو يحاول استيعاب كم الحقائق والتي عليه التعايش معها مقدماً وتقبلها بحياته مرغما وفوقها حقيقة بأنها من النوع المرغوب به من قبل المجرمين والذين يحومون من حولها دائما بدائرة متسعة وهو يخشى فقدانها بمنتصف تلك الدائرة كلما غفلت عينه عنها بقصد او بدونه .

_______________________________
تنهدت بهدوء وهي تنفخ الهواء من شفتيها بوجوم وقنوط وحاجبيها البنيين معقودين برقة متناغماً مع تقاسيم وجهها الحزينة وكأنها قد انفصلت عن العالم بأكمله لتسبح بعالمها الآخر والبعيد كل البعد عن واقعها ولكن الاختلاف هذه المرة هو عدم ظهور ابتسامتها الحالمة والتي تشاركها دائما بكل لحظات شرودها وقد بدأت خيوط احلامها الوردية والتي لطالما تشبثت بها منذ طفولتها من الزوال من عالمها تدريجيا ، فما لذي تغير بها يا ترى ؟ ولما كل هذا الوجوم والحزن والذي يحيط بروحها منذ يومين واكثر وتحديدا منذ زيارته لمنزلهم واتفاقهم على شروط زواجها المزعوم والذي تبين بأنه سيكون مجرد عقد قران بالمنزل وبعدها تصبح زوجته ببساطة بدون اي حفلات او مقدمات نسجتها بوحي خيالها لتتحول احلامها ومطالبها الكثيرة بلحظة لمجرد سراب بعثرها الواقع ؟ فهل هناك المزيد عليها التضحية به وتحويله لبقايا احلام ما تزال تتشبث بأرض مخيلتها الواسعة ؟

شددت من القبض على يديها المستريحتين فوق ركبتيها حتى جرحت لحم باطن كفيها بأظافرها وهي تحيد بحدقتيها العسليتين لبرهة للهاتف الموجود فوق المنضدة وهو ساكن تماما بدون اي حركة ، لتزم بعدها شفتيها الورديتين بقهر مقيت وهي تنتظر اي اتصال منه ولو كان مجرد رسالة صغيرة تطمئنها بأنه مازال على الوعد ، ذلك الوعد والاتفاق والذي يتعلق بعقد قرانها والذي تحدد بنهاية الاسبوع وهو يعدهم بأن يجهز كل شيء بخصوص عقد القران القريب ولن يبقى لها عندها سوى ان تكون مستعدة بذلك اليوم لتذهب لحياتها الزوجية والتي لا تعلم ما تخبئ لها ؟

ولكن الذي يحيرها منذ فترة هو انقطاعه عنها وعدم الاتصال بها ولو من باب الذوق والاحترام باتجاه خطيبته والتي يربطه بها زواج قريب وحياة ابدية كما يحدث مع جميع المخطوبين ! هل يعقل بأنه لا يحبذ هذا النوع من الاتصالات ام انه يخجل من الكلام معها ؟ وكم سيكون هذا مضحكاً لو كان صحيحاً على رجل حاد ببشرة سمراء قاسية شبيه برجال المخابرات مثله يخجل من اجراء اتصال عابر يدور بينه وبين خطيبته !

تنفست بهدوء وهي تبعد وجهها بلحظة لتوجه نظراتها للذي كان يطرق على باب الغرفة مخترقا غمامة احلامها الشاردة ، لتسمح له بعدها بالدخول وهي تعتدل بجلوسها رافعة كفها لتمسح بها وجنتها المحمرة برفق .

رفعت نظراتها للداخل والذي كان يبتسم لها ببشاشة لا تفارق ملامحه المتغضنة بشحوب ، ليتقدم بعدها امامها عدة خطوات قبل ان يقف بجانب سريرها وهو يقول بخفوت متزن
"هل ازعجت خلوتكِ بدخولي لعالمكِ يا عروس"

ابتسمت بحياء وهي تقبض على كفيها معا هامسة بخفوت شديد
"لا انا فقط كنتُ شاردة بعض الشيء"

اتسعت ابتسامته بغموض وهو يهمس بثبات
"إذاً ألن تخبريني عن السبب والذي جعلكِ تتغيبين عن الجامعة ليومين متتاليين ، ولا تقولي بأن السبب هو زواجكِ القريب فهو لا علاقة له بكل ما يحدث معكِ ، ام انكِ تفكرين بترك الجامعة"

عضت على طرف شفتيها بتشنج لوهلة وهي تهمس بابتسامة حزينة بشرود
"لقد اخبرتك يا ابي ، انا فقط اشعر بالتعب والإرهاق وتفكيري مشتت بأمور كثيرة عليّ فعلها قبل موعد عقد القران بما انه بنهاية الاسبوع ، لذا ليس لدي الكثير من الوقت للانشغال بأمور اخرى غير عقد القران"

مرت لحظات ساكنة بينهما لا يقطعها سوى صوت انفاس الجالسة بمنتصف السرير وصدرها يرتفع ويهبط لا إراديا وبانفعال متهدج من تحت قميص بيجامتها القطنية ، لتسمع بعدها صوت خطوات ثابتة تتجه نحوها قبل ان يحط بيده على رأسها بلحظة وهو يمسح على شعرها البني الناعم بحنان قائلا بنبرة صوته المتعبة من المرض
"لا بأس يا صغيرتي افعلي ما يريحك وما ترينه مناسباً لكِ ، وتذكري بأن والدك سيبقى دائما موجودا بعالمكِ مهما ابتعدتِ عنه واصبح لديكِ عائلة خاصة بكِ وحياة مستقلة ، فأنا سأحاول ان ادعمكِ بقدر ما استطيع ما دام هناك روح تنبض بداخلي لم تأخذ مني للآن"

اغرورقت اطراف مقلتيها بالدموع السابحة بألم وهي ترفع وجهها ببطء هامسة بعبوس
"ابي...."

قاطعها بقوة وهو يضع مذاكراتها والتي كان يمسك بها فوق المنضدة الجانبية برفق قائلا بابتسامة جادة
"ركزي على مذاكراتكِ جيدا يا صفاء ، ولا تجعلي اي شيء يحطمكِ او يجعلكِ تتراجعين عن تحقيق احلامكِ بحجة انكِ اصبحتِ امرأة متزوجة ومستقلة ، وانا اثق بالخيار والذي ستختارينه بخصوص إكمال دراستك"

زمت شفتيها بحزن وهي تراقب والدها بعيون عسلية دامعة بصمت ، ليبتسم لها باتساع متغضن للحظات بكل حنان العالم قبل ان يربت على رأسها بهدوء ليسير بلحظة بعيدا عنها بصمت ، وقف بعدها امام باب غرفتها لبرهة وهو يمسك بمقبضه ليقول عندها بإشارة من رأسه للمذاكرات فوق المنضدة
"بالمناسبة لقد وصلتني هذه الأغراض عند باب بيت المنزل واعتقد بأنها اغراض مهمة جدا بالنسبة لكِ ، وخاصة بأنها من صديقتكِ العزيزة والغالية على قلبك ، لذا إياكِ ان تقاطعيها مرة اخرى فهؤلاء الاصدقاء لا تجدينهم كل يوم"

انفرجت شفتيها بارتعاش مذهول للحظات وهي تنظر لباب الغرفة والذي اغلقه من خلفه برفق ، لتنقل بعدها نظراتها من فورها للمذاكرات فوق المنضدة قبل ان تضيق عينيها لبرهة وهي تطيل النظر بها ما ان لمحت عبارة لقطتها بسرعة بمقلتيها الدامعة (من ماسة إلى صفاء ، انا اعتذر) .

لم تشعر بابتسامتها وهي تنير ملامح وجهها الحزينة ببريق سعادة فقدت طريقها منذ ايام ، لتضحك بخفوت تلقائياً بدون اي مرح فقط شعور قديم طفولي يدغدغ كيانها بسحر تلك اللحظات وكأنها عادت طفلة بعمر السبع سنوات تعاتب صديقتها وتقاطعها بطريقتها الطفولية لتحاول الأخرى إيجاد منفذ لتنير به روحها بصفاء الصداقة الأبدية والذي لا يتأثر بسوء الأوضاع فهكذا اعتادت وعلى هذا تعايشوا ، وها هي تصلها رسالة منها والتي تثبت بأنها لم ولن تنسى ذلك الرابط الصادق والذي يجمعهما منذ امد بعيد وبنفس الوقت ما تزال على العهد بينهما فقط تنتظر بعض الوقت حتى تتداوى القلوب وتعود لصفائها الدائم .

______________________________
كان يريح مرفقه على جذع الشجرة بجانبه ونظراته ساهمة بالبعيد بجمود مع حاجبيه المقوسين عند ندبة منتصف حاجبيه بحدة وهو يتابع بتركيز منقبض النافذة امامه والتي كان يظهر منها بعض الأخيلة المتحركة من خلف ستارها الخفيف والمتطاير مع الريح بدون ان يسمح له برؤية صاحبة الخيال والتي تسكن تفكيره وكيانه منذ فترة طويلة لم يعد يعلم مدتها ومن اين بدأت تحديدا ؟ فكل ما يعلمه بأنه لا يهنئ له بال ألا إذا رآها امامه ولو طيف من خيالها بدون ان يهتم بالألم والذي سيعذب روحه بالمقابل بعد ان لمح شيء منها ، وهو الذي حُرم من كل شيء يخصها منذ خرجت من حياته مخلفة فجوة مظلمة بدواخله لم يستطيع احد ترميمها وهي تزداد اتساعاً كالشرخ بدون ان يكون بمقدوره فعل شيء حيالها ، وماذا يستطيع ان يفعل مثلا بعد كل ما حدث وحصل لتصل علاقته بها لأسوء من الحضيض وكله بسبب كذبة اودت بحياته للجحيم لتصبح من شبه المستحيلات ان تعود لسابق عهدها وهذا ما يثبته كلامها الأخير له والذي كان مثل السم بالنسبة له فهي تُفضل الموت على العودة إليه ؟! ولكن يبقى هناك دائما امل يداعب مخيلته بكل يوم بأن كل هذا سيتغير يوما ما ليعود كل شيء كما كان عليه بالماضي وافضل وكأن شيء لم يكن .

ابتعد بسرعة وهو يخفض مرفقه بلحظة ليتراجع بخطواته وهو يستدير ليقف خلف الشجرة تماما ما ان لمح طيفها وهو يحاول سحب الستار بعيدا عن النافذة ، اخفض جفنيه المجهدين فوق عينيه بقوة وهو يشعر بنظراتها الموجهة للشجرة المختبئ من خلفها وهي تشكل حاجز بينهما بدون ان يتجرأ على مواجهتها ولو من نظرة من طرف عينيه والتي قد تكلفه كل ما يملك وخاصة بأنها ستزيد المسافة اكثر بينهما وقد تحرمه ايضا من بقايا رؤية طيفها وآخر ما تبقى لديه منها .

عقد حاجبيه بقوة وهو يقطب جبينه بحدة ما ان شعر باهتزاز الهاتف بجيب بنطاله ، ليخرجه بعدها بلحظات بملل قبل ان يجيب عليه قائلا بنزق
"ماذا تريد ، ألم اخبرك بأن تتصرف بدوني وتتوقف عن الاتصال بي ، فأنا ليس لدي وقت لكل هذه السخافات والتي يصدرها ابي....."

قاطعه من بالطرف الآخر وهو يقول بتلعثم مذعور
"ولكن الأمر مهم جدا يا اوس ، فقد فشلت المهمة بأكملها ، واكيد والدك سيقتلنا جميعا عندما يعلم بما حدث"

ضيق عينيه بتفكير للحظات وهو يصرخ انفعال
"ماذا تقصد بكلامك ، هل حدث مكروه للفتاة"

قال من بالطرف الآخر بسرعة بارتباك
"لا ليس هذا ما اقصده ، ولكن الذي حدث بأن الفتاة قد هربت مع الرجل والذي اقتحم المكان وقد جلب معه الشرطة ، ونحن الآن بمأزق كبير فالرئيس لم يعلم شيئاً بما حدث ، وحتى ان احد الرجال قد انصاب وامسكت به الشرطة مع رجل آخر"

ابتسم بهدوء بدون اي تعبير لبرهة وهو يهمس بلا مبالاة متجاهلا كلامه الأخير
"حقا هذا جيد ، كان عليك قول هذا منذ البداية ، لقد ارحتني حقا بهذا الخبر السار ، فقد كنت افكر بطريقة سريعة لأنتهي من هذه المهمة واتخلص منها ومن رئيسها"

ردّ عليه من بالطرف الآخر بعدم رضا
"ما هذا الكلام يا اوس ، لو سمعك الرئيس لما خرجت من بين يديه حياً ، انا اقول بأنه من حسن حظك انه يكون والدك وغير هذا لا احد يتحمل مثل هذه التصرفات الا مبالية والإهمال والذي تتعامل به بحياتك العملية وبمثل هذه المواقف الجدية....."

قاطعه بنفاذ صبر وهو يحرك رأسه بحدة
"يكفي يا سالم عليّ ان ارحل الآن ، وانت اسبقني لمقر الرئيس وانا قادم لن اتأخر عليكم ، لنرى ما هو نوع العقاب والذي سيسلطه علينا هذه المرة"

ردّ عليه من فوره بسخرية
"عليك ان تقلق على نفسك فأنت الذي تحصل دائما على النصيب الأكبر من العقاب ، وهذه هي مساوء ان يكون والدك رئيسك"

اقفل الخط بدون ان يضيف تعليق آخر على كلامه وهو يخفض الهاتف للأسفل بوجوم قاتم ، ليلتفت بعدها بوجهه ناحية النافذة والتي اصبحت مغلقة والستار يغطيها بالكامل بعد ان اختفى كل اثر من طيفها ، ليبتسم عندها بلحظة بشرود وهو يبتعد عن الشجرة وعن كل شيء موجود بمجالها وانفاسه تخرج متلاحقة بانفعال حاد عاد للسيطرة على دواخله بتشنج منقبض وهو يودع آخر خيال حطت عليه عينيه وعبارة واحدة تتردد بذهنه كلما غادر هذا المكان

(ارحل من هنا يا سفاح ولا تعد مرة أخرى ، واياك وان اراك امامي ولو لمحت طرف من خيالك فلن تتوقع عندها ما ستكون عليه العواقب)

_____________________________
كانت تريح جانب رأسها على زجاج النافذة وهي تنظر للطريق الطويل امامها ولغروب الشمس خلف الأفق والذي غيم على الأجواء بينهما لساعات بصمت قاتل بدون ان تعلم كم الساعة الآن وكم قضت من الوقت وهي على هذه الحال ؟ ولكن ما تعلمه جيدا وموقنة منه بأن حال الجالس بجانبها خلف المقود غير مطمئنة ابدا وقد تكون مشاعره الآن قد تغيرت نحوها كلياً بعد ذلك الحدث والذي كشف كل ما هو مستور حاولت دفنه بعيدا عن الأعين لتتعرى الحقيقة امامه بأقبح صورة ، وهذا واضح من طريقة إمساكه بالمقود بقبضتين متصلبتين وملامحه تتلون بين العبوس والاستياء بعيدا عن البرود والذي اعتادته منه وهو يضرب المقود بقبضته المتصلبة بكل دقيقة وكأنه يفرغ بها شحناته المتنافرة بهذه الطريقة قبل ان تخرج على شكل آخر لن يعجب كليهما وهذا هو اكثر ما يتميز به هذا الشخص هو ضبط النفس والتحلي بالصبر لأبعد الحدود !

تنفست بهدوء وهي تقطع الصمت القاتل والذي يكاد يخنقها لأول مرة وهي التي اعتادت على الصمت بحياتها هامسة بشرود
"هل انت بخير"

تصلب فكه بجمود لبرهة ما ان سمع همستها الخافتة ببرود وهو لا يعلم هل يفرح لأنها نطقت اخيرا بعد كل ذلك الصمت والذي ظن بأنها لن تخرج منه ابدا ؟ ام يحزن لأنها تسأل عن حاله ببساطة بدون ان تشعر بأي ذرة تأنيب ضمير على ما حدث امامه ؟ وهي للآن لم تقدم له التبرير الشافي والذي يطمئن قلبه وعقله عن العصف الذهني والذي حلى عليه منذ ذلك الكلام والذي ضرب ما تبقى له من منطق وتفكير ادراج الرياح .

فهل يفهم من كل هذا بأن كل ما حدث امام عينيه وسمعه بأذنيه صحيح ؟ وما لذي اوصلها لوقرهم ذاك من الأساس ؟ ألا إذا كانت جزء من ذلك العالم الإجرامي وكم يدعوه هذا للنفور والجنون ، ولم يعد يستبعد اي شيء يصدر عنها بعد ان رأى بعينيه طريقتها بصفع الرجل واطاحته ارضا بعد ان قلبت اللعبة والطاولة لصالحها واصبحت المجرمة هنا وهو الفريسة !

زفر انفاسه بحدة وهو يعود لضرب المقود بقبضته بقوة ليتمتم عندها بجفاء بارد
"وما لذي ترينه امامك"

ابعدت رأسها ببطء عن النافذة وهي تهمس بابتسامة باهتة ببرود
"لا تبقى صامتاً هكذا وقل ما يدور برأسك ، فهو افضل من كبته بهذه الطريقة والتي تدعو للشفقة"

زم شفتيه بوجوم وهو يعقد حاجبيه بغموض بآن واحد قبل ان يوقف السيارة بجانب الطريق بقوة حتى ارتد رأسيهما للأمام بدفعة طفيفة ، ليتنفس بعدها بانفعال منصهر يشعر به اشعل احشاءه بنيران مندلعة تأبى الخمود وهو ما يزال يشدد من القبض على المقود بقوة حتى ابيضت مفاصلهما واصبعه الإبهام يضرب بمقدمة المقود بحركة رتيبة مرددا بالاستغفار كما يفعل بتلك الطريقة عندما يجتاحه الغضب المجنون ، ليتمتم بعدها بعد عدة ثواني بجمود
"وماذا تتوقعين مني ان اقول مثلاً بعد كل ما حدث ورأيته ، بينما انتِ من عليكِ الشرح والتفسير لكل ما حدث معكِ منذ بداية وجودك بذلك المكان حتى خروجنا منه ، فما لشيء الذي يربطكِ بذلك المكان بل بالأحرى ما لذي يربطكِ بهؤلاء الأشخاص"

عضت على طرف شفتيها الحمراوين للحظات بصمت وعينيها الزرقاوين متسعتين ببهوت وكأنها قد انفصلت عن العالم بأكمله ليبقى عقلها فقط العالق بين الحاضر والماضي وفكرة واحدة تعصف برأسها على الدوام (ابنة المجرم تجاوزت والدها بأضعاف) .

انفرجت شفتيها بأنفاس حادة لوهلة وهي تتمتم بتصلب خافت
"ابنة مجرم ، وهل كنت تتوقع غير هذا منها"

تصلبت ملامحه وهو على وشك الانفجار بها بأية لحظة بدون ان تأبه بالضغط والذي يعاني منه وهو يكتمه بشق الأنفس ، ليعود لضرب المقود بقوة اكبر وهو يقول بغضب مكبوت
"هذا ليس وقت السخرية فكلامي واضح جدا ، ام تريدين مني ان ألقنكِ السؤال بطريقة اخرى حتى تفهمي"

التفتت بوجهها نحوه بترقب وهي ترفع حاجبيها بخفة قائلة بابتسامة باردة باستهانة
"وهل ستتجرأ على فعلها ، هل لديك الجرأة لمحاولة إرغامي على فعل ما لا اريد لتصل لما ترغب به والإجابة والتي تريح بها قلبك وعقلك"

ادار وجهه نحوها بتصلب ليصبح وجهه بلحظة مقابلا لها قبل ان يدنو منها اكثر ببطء حتى اصبح لا يفصل بينهما سوى شعرة فقط وهو يركز على عينيها بترقب مشتد وبحاجبين معقودين بحدة ليتتبع تفاصيل ملامحها الجليدية بافتراس قبل ان يتوقف لبرهة على ابتسامتها والتي تحتل شفتيها الحمراوين وهي تتسع بسخرية باردة متضامنة مع باقي ملامحها والتي تنضح سخرية وشماتة من توقعها وثقتها بفشله الذريع امامها ، ليهمس بعد عدة لحظات صمت بخفوت واجم وكأنه قد خسر للتو الحرب الباردة بينهما
"سحقاً لكِ من مجرمة"

انتفض وهو يرجع رأسه بعيدا عنها بحركة سريعة بجمود مع ارتفاع حاجبيها بدهشة بذات الوقت ، لتتعقد بعدها ملامحها بذهول متوجس ما ان خرج الآخر من باب السيارة وكأنه يحاول تقبل هزيمته امامها بعيدا عنها وهو يبدو قد اوصلته لدرجة من الغضب تفوق احتماله اكثر من أي مرة ؟

تنهدت ببعض الراحة بعد ان تخلصت من وجوده اخيرا والذي كان يسبب لها الإزعاج والضغط وكأنها محط استجواب ، ولكنها مع ذلك لا تستطيع ترك كل شيء معلقاً هكذا وألا قد يفكر باستخدام اسلوب آخر باستجوابها قد يوصلها لحافة الانهيار فهذا الرجل ليس بالهين ولا تستطيع التكهن بدواخله كما يظهر عليه بل يخفي من خلف واجهته الباردة مكر ودهاء تعلم عنه جيدا .

رفعت نظراتها لبرهة نحو الواقف على بعد خطوات من السيارة بجسده الطويل من تحت قميصه الناصع البياض والذي يظهر بوضوح عضلات ومنحنيات جسده المتصلبة بقوة من تحت نور الشمس الخافت بهذا الوقت من الغروب والشمس على وشك الرحيل ، ضربت بطرف أصبعها السبابة على جبينها بقوة لتفيق من افكارها البلهاء والتي ليس لها داعي الآن وهي تعزم امرها على الخروج إليه ، لتفتح بعدها بلحظة الباب بجانبها وهي تخرج منه بهدوء ونظراتها لم تفارق الجسد الواقف امامها يعطيها ظهره بوقفته المتصلبة امام غروب الشمس وبمنطقة تخلو من الأحياء السكنية وبأرض قاحلة .

سارت باتجاهه ببطء وهي تعانق سترتها الجلدية بذراعيها بقوة والرياح الباردة تتلاعب بخصلات شعرها الفوضوية من ايدي المجرمين بدون ان تهتم بترتيبها او إبعادها عن مجرى نظرها ، لتصل بعدها خلفه مباشرة قبل ان تتنحنح بتشنج لوهلة وهي تهمس بخفوت شديد
"اسمع ، متى سنعود للمنزل...."

قاطعها من كان يقف امامها بشموخ بدون ان يلتفت نحوها ولو قليلا
"هل حقا انتِ مجرمة مثل زوج والدتك قيس ام انكِ حصلتِ على اللقب فقط بدون ان تلطخي نفسكِ بمعناه"

زمت شفتيها بحنق وهي تهمس باقتضاب
"فكر بما تشاء ، فأنا لست مضطرة لأجيبك عن شيء"

شهقت بجزع ما ان استدار الجسد امامها دورة كاملة لينقض عليها بلحظة وهو يكبل ذراعيها بقبضتين قويتين وقبل ان تتدارك نفسها مما هي فيه كان يهمس امام وجهها وهو يشبع بشرتها الجليدية بأنفاسه الحارقة بسخونة
"اريد فقط جواب واحد وصريح ، ولن تفلتي مني قبل ان احصل عليه فقد وصلت لمرحلة لم اعد اميز بها بين الصواب والخطأ ، لذا تكلمي بوضوح هل ما قاله ذلك المجرم الحقير عنكِ صحيح ، وهل انتِ جزء من ذلك العالم الإجرامي وما يفعلونه فيه ، وماذا كنتِ تكونين بمنزل زوج والدتك"

انفرجت شفتيها بانشداه مرتعش للحظات وهي تهمس بانفعال حانق
"انت كيف تتجرأ....."

قاطعها وهو يصرخ بتصلب مشتد جمدها بمكانها كبرودة المكان من حولهما
"اجيبِ بنعم او لا ، وألا لن يمر هذا اليوم على خير ، فأنتِ لا تعرفين شادي الفكهاني كيف يصبح عندما يصل به الغضب لأقصاه ويتخلى عنه قناع الصبر والبرود"

عبست بارتجاف بلحظة ولم تعجبها نبرة صوته الجديدة عليها بآخر كلماته وعينيها متسعتين بتوجس قاتم ، لتخفض بعدها نظراتها للأسفل ببطء وهي تتمتم ببرود جليدي بعد ان قررت ان ترحمه بإجابته لتنتهي من هذا اليوم الطويل والذي استنفذ كل قواها الجسدية
"نعم"

شعرت فجأة بتشنج قبضتيه على ذراعيها وارتجاف عضلات صدره القريبة منها وهو يخفف من تكبيلهما بدون ان يتركهما ، لترفع بعدها نظراتها المتوجسة بحذر نحوه قبل ان ترفع حاجبيها بوجوم عابس ما ان لمحت نظراته السوداء القاتمة والتي كانت تنظر جانبا بتصلب بعيدا عنها بدون اي تعبير وكأنه لم يعد قادراً على النظر لها اكثر من هذا بعد ان قدمت له ذلك الجواب ! فهل بدأ يشعر بالنفور والاشمئزاز نحوها بعد إجابتها ؟

تغضن جبينها بألم موحش اطلقت سراحه ليتربص بروحها الباردة عند هذه النقطة لتحاول عندها تخليص ذراعيها من تكبيله بحركة عنيفة انزلت جانبي سترتها عن كتفيها قليلا ليظهر قميصها الداخلي بدون ان يسمح لها بالفرار ، ليعود بعدها للتشديد على ذراعيها بلحظة بقسوة وهو يقرب وجهها امام وجهه بحدة بدون ان يأبه بألمها ونظراته عادت للنظر لها بقوة وهو يهمس بخفوت مريب
"كيف حدث هذا ، هل كنتِ مرغمة على فعل كل هذا ام انكِ كنتِ تفعلينها بإرادتك الحرة"

عقدت حاجبيها ببطء شديد لبرهة وهي تتنقل بحدقتيها الزرقاء الداكنة بملامحه المتصلبة لتصل لعينيه السوداء والتي تكاد تبتلعها وتنهش دواخلها بدون اي رحمة وهي تحاول إخراج الحقيقة من جوفها ، نطقت بعدها بلحظات باستياء حاد
"لقد قلت بأنه سؤال واحد....."

قاطعها مجددا وهو يشدد على كلماته بحدة ومن بين اسنانه بتنافر وهو يحرقها بأنفاسه المشتعلة والتي اشعلت الأجواء من حولهما
"اجيبِ بمرغمة ام لا"

ردت عليه بصراخ منفعل
"مرغمة"

اخرج انفاسه براحة لتكون اقل سخونة على بشرة وجهها وهي تشعر بانقباض حاد بصدرها من كل هذا الضغط والذي تتعرض له منذ الصباح ، فمتى سينتهي كل هذا العناء ؟

وما ان رفعت وجهها نحوه حتى تجمدت نظراتها بلحظة على ابتسامته الغامضة ببرود بعد ان غاب التصلب عن ملامحه قليلا وكأنه قد حصل على مراده ! ليقول بعدها وهو يعبس بزاوية بابتسامته المريبة
"إذاً من هو السبب بوصولكِ لذلك المكان وعند هؤلاء الأشخاص ، هل يتعلق بماضي زوج والدتك ام من ابن شقيقه والذي خطفكِ من قبل"

تشنجت ملامحها لوهلة وهي تخفض نظراتها بوجوم لتهمس عندها بأنفاس باردة
"انه يتعلق بابن شقيقه وانا لست المقصودة بمخططهم"

حرك رأسه بعيدا عنها بتفكير للحظات وما ان كان سيعاود الكلام حتى سبقته التي عادت للانتفاض بقوة وهي تهمس بامتعاض خافت
"ألا يكفي هذا القدر من الأسئلة ، فقد مللت حقا من هذا الاستجواب المقيت"

نظر لها بهدوء للحظات وهو يحرر ذراعيها ببطء معيدا رفع سترتها لكتفيها برفق قبل ان يرفع يده لخصلة شعر طويلة كانت تتطاير مع الرياح امام عينيها وهي تحجب الرؤية امامهما ليدسها عندها خلف اذنها اليمنى بقوة وهو يتمتم امام وجهها بابتسامة هادئة بمغزى
"انتِ على حق بهذا ، سنتوقف هنا وليس من اجلكِ بل لأنه لدينا امور أخرى اهم علينا فعلها وحلها سوياً ، لذا لنسرع بإنجازها وبعدها سنفكر بباقي استجوابكِ والذي لم ينتهي بعد"

ارتفع حاجبيها بعدم استيعاب وبضعف قبل ان تتنهد بلحظة بإنهاك وبأنفاس مجهدة بكبت ، بينما ابتعد عنها الآخر بدون ان يطلق سراحها بنظراته والتي كانت تنظر لها بتركيز وبابتسامة هادئة ببساطة عادت لتحتل محياه من جديد وكأن غضبهما السابق والذي كان على وشك افتراسهما قد تبخر بلحظة غادرة غفلوا عنها !

نهاية الفصل وبانتظار آرائكم وتفاعلكم بفارغ الصبر


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس