عرض مشاركة واحدة
قديم 07-08-21, 09:37 PM   #115

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل العشرون

الفصل العشرون...........
كانت تجلس امام مكتبتها الخاصة وهي تمسك بالقلم بيد وتثبت الورقة بأصابعها بيدها الأخرى لكي لا تتحرك من مكانها وهي مشغولة بتسطير الجدول امامها بقلم الرصاص بتحديد والذي يحوي على اسماء الطلاب وارقام فصول كل واحد منهم بعد ان قضت ساعات وهي تحاول تنظيمه بالشكل المطلوب والمناسب والذي يعجب مدراء المدرسة العريقة لتستطيع تسليمه لهم كما طُلب منها ، فهذه هي وظائف المعلمة ومهامها اليومية والتي عليها إنجازها على اكمل وجه والمسؤولية الملقاة على عاتقها بخصوص طلابها بحجرات فصولها واي تقصير بحقهم سيكون كل اللوم عليها هي وحدها بما انها المسؤولة عنهم وعن كل مشكلة او تقصير يحدث معهم .

زفرت انفاسها بتمهل وهي ترفع يدها عن الورقة لتعيد خصلات غرتها المقصوصة عن حاجبيها بهدوء وهي تعقد حاجبيها بتركيز ، حادت بنظراتها قليلاً لبرهة للساعة الصغيرة والموضوعة عند زاوية المكتبة وهي تأخذ شكل الطائر العنقاء بتصميمها وقد كانت تشير للساعة الثامنة مساءً وهذا يعني بأن موعد العشاء مع العائلة قد حان فهذه العائلة اكثر ما يحرصون عليه هو اوقات ومواعيد الطعام .

زمت شفتيها بوجوم وهي تعود بنظرها للورقة امامها لترفع القلم بعيدا عنها وهي تغرزه بخصلات شعرها المعقودة معا بشكل ضفيرة طويلة لكي لا تضايقها بعملها ، تنفست بعدها بقوة وهي تتجاهل التفكير تماما بموعد العشاء فهي عليها ان تكمل عملها المتبقي وليس لديها الوقت للرسميات بين افراد عائلة لا يطيقون وجودها من اساسه وهي تشعر بنفسها بالفرد الثقيل على قلوبهم بالرغم من انها اصبحت زوجة ثانية لابنهم الكبير ولكن يبدو بأنه لا احد يريد تقبل هذه الحقيقة !

حركت رأسها بشرود لوهلة وهي تخفض القلم بعيدا عن رأسها لتخط به على الورقة من جديد وهي تزيد من الضغط على الخطوط السوداء القاتمة بالجدول امامها بتشنج حتى كادت تحفر بالورقة وتخترقها ، انتفضت بمكانها وهي تبعد القلم بسرعة مع استدارة وجهها بوجل بذات الوقت باتجاه باب غرفتها والذي كان يخرج منه صوت الخطوات عند جناحها بالخارج !

وقفت عن الكرسي بحذر وهي تتبع بانتباه صوت الخطوات قبل ان يتبعها صوت الطرق على باب غرفتها والصوت الهادئ بنبرته المتزنة تخرج من خلفه بتلك الصرامة المحببة
"روميساء ، هل يمكنني الدخول"

زفرت انفاسها بابتسامة هادئة وهي تفكر بأنه لم يزرها من قبل بغرفتها وبمثل هذا الوقت منذ دخولها للمنزل لأول مرة بصفتها زوجته ! نفضت الأفكار من رأسها بلحظة وهي تتجه لباب الغرفة لتفتحه بعدها بلحظات بصمت بدون ان تنظر له ، بينما تجمد الواقف خلف الباب بمكانه لبرهة ما ان لمحها امامه وهو يراها لأول مرة ترتدي بيجامة سماوية شتوية بلون البحر ولكن ما جذب انتباهه اكثر هو ضفيرتها الطويلة والمعقودة من مقدمة رأسها حتى نهاية خصلاتها والتي تصل لنهاية صدرها وهي مستريحة على كتفها الأيمن بسبب طول شعرها الكثيف وبعض الخصلات من غرتها المقصوصة والتي تمردت على الضفيرة بقيت تحف حاجبيها السوداوين وفوق جبينها العريض ، وهو الذي اعتاد على رؤيتها بتلك الهيئة الصارمة والمملة والتي تتقنها بوضع وظيفتها وكأنها تحمل كل هموم العالم فوق كتفيها والتي تظهرها اكبر من عمرها الحقيقي بكثير !

قطع عليه تأمله والذي طال كثيرا صوتها الصارم وهي تهمس بخفوت
"نعم يا احمد ، ماذا هناك"

رفع نظراته الرماية بغموض لوجهها وهو يقول بابتسامة هادئة
"لقد حان موعد العشاء ، ألا تريدين النزول"

عقدت حاجبيها بحيرة وهي تهمس بوجوم
"وهل وجودي معكم ضروري لتأتي بنفسك وتدعوني"

عقد حاجبيه بتصلب وهو يقول بتأكيد حازم
"اكيد وجودكِ ضروري ، فأنتِ زوجة ابن هذه العائلة إذا كنتِ قد نسيتِ ذلك"

ردت عليه بغموض وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بهدوء
"لم اكن اعلم"

زم شفتيه بجمود للحظات قبل ان يتنفس وهو يتمتم ببعض الجفاء
"ماذا افهم من هذا الكلام"

اخفضت نظراتها بعيدا عنه لوهلة وهي تعض على طرف شفتيها بتأنيب مما تفعله من تصرفات لم تعد تفهمها بنفسها ولم تخرج منها بحياتها ؟ لتقول بعدها من فورها بتفكير متصلب
"هل عادت ماسة من العمل"

تغضن جبينه بوجوم وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله قائلا ببرود
"لا لم تعد بعد لا هي ولا شادي"

اومأت برأسها بجمود بدون ان تضيف تعليق آخر ، ليتابع بعدها بلحظة الواقف امامها كلامه وهو يقول بنفاذ صبر
"إذاً ألن تنزلي لمائدة العشاء ، فقد تأخرنا كثيرا"

تنفست بهدوء لبرهة وهي ترفع وجهها نحوه قائلة بابتسامة معتذرة
"لا استطيع مشاركتكم على المائدة هذه المرة ، فلدي اعمال مستعجلة عليّ انهاءها ولا استطيع تأجيلها ، لذا شكرا على اهتمامك"

تجمدت ملامحه ببرود للحظات وهو يراقب نظراتها المتسعة بشحوب قبل ان يهمس بخفوت حاد
"ولكنكِ انتِ تقريبا لا تحضرين اغلب مواعيد الطعام مع العائلة وكأنكِ تتعمدين التهرب دائما بحجة العمل ، فهل هناك ما يضايقك ويجعلكِ تتعمدين عدم الحضور"

زمت شفتيها بارتباك وهي تحرك رأسها بالنفي تلقائياً قائلة باستنكار
"غير صحيح ، فأنا حقا لدي عمل مستعجل ، وإذا كنت لا تصدق يمكنك ان ترى بعينك فأنا لا ألهو هنا مثلما تفكر"

تابع بنظراته التي ابتعدت عنه وهي تشير بذراعها للورقة فوق مكتبتها بزاوية الغرفة قائلة بعبوس صارم
"انظر هذا هو العمل والذي قضيت عليه ساعات لأستطيع انهاءه وغيرها الكثير من المهام عليّ انجازها قبل موعدها بالغد ، فأنا لست مثل مجال عملكم احصل على كل شيء جاهزاً بدون بذل اي مجهود او تعب"

ارتفع حاجبيه بدهشة حادة بلحظة من كلامها المندفع والمهين بحقه وهو يشعر بأنه المقصود من كل كلامها وكأنها تعلم ما لذي يفعله بالشركة وينجزه يوميا ؟ فمن هو الذي يحصل على كل شيء جاهزاً بدون تعب ؟

تقدم عدة خطوات جامدة نحوها قبل ان يقف امامها مباشرة ونظراته مسلطة على حدقتيها الخضراء الكبيرتين بهدوء ليتمتم بعدها بلحظة بجمود مقتضب
"روميساء أتظنين حقاً بأن هذا هو ما افعله بمجال عملي وبالشركة والتي ادير اغلب اقسامها....."

انتفضت للخلف لا إرادياً وهي تحرك ذراعها جانبا بدون قصد لتصدم بلحظة كأس الماء الموجود فوق المكتب قبل ان يقع فوق الورقة بجانبها لينسكب عندها كل ما بداخلها على عرض الورقة والتي بدأت تنمحي نصف كلماتها مع الجدول ، وما هي ألا لحظات حتى شهقت بجزع من اندفعت للمكتبة وهي تمسك من فورها بالورقة برهبة والتي تبللت بالمنتصف وتداخلت كلماتها بقلم الرصاص ببعضها وكأن تعبها بأكمله وكل جهدها والذي بذلته بالساعات الماضية قد ذهب ادراج الرياح بغمضة عين !؟

بينما كان الآخر يراقبها بحاجبين مرتفعين بتوجس من ردة فعلها القادمة مما حدث قبل لحظة وقد نسي سبب مجيئه لغرفتها من الأساس ! ابتلع ريقه بارتباك لوهلة وهو ينظر لسكونها الغريب والجديد عليه والذي يخفي من خلفه اعاصير قد تهدد حياتهما بأكملها بطقس جديد فهو لم يجرب بحياته غضب هذه الصارمة والتي يتوقع منها الكثير من الخبايا ؟

تنفس بحشرجة خشنة وهو يهمس بعبوس متصلب
"اسمعي انا لم اقصد ان يحدث كل هذا....."

حبس انفاسه وباقي كلامه بلحظة ما ان التفتت بوجهها نحوه بملامحها الشاحبة والتي تلونت باحمرار قاني وبعيد كل البعد عن الخجل والحياء والذي كانت تقابله به دائما ! وما صدمه اكثر وجمد عقله عن التفكير لوهلة هو حدقتيها الخضراء الندية بدموع القهر والتي تظهر لأول مرة بأطراف حدقتيها المستديرتين باحمرار شاحب ؟

قطع الخطوات بينهما بلحظات وهو يقول بارتباك متوجس
"روميساء انا حقا...."

قطع كلامه من الدفع القوي بصدره من قبضتيها المضمومتين وهي تضربه بقوة قائلة بغضب مكتوم
"اخرج من الغرفة يا احمد ، اللعنة عليك لقد اضعت كل تعبي هباءً وضاع كل وقتي وجهدي ادراج الرياح ، وكله بسبب وجودك هنا"

تنفس بكبت وهو يستقبل ضربات قبضتيها على صدره العريض للحظات بصبر قد ينفث القليل من غضبها الناري والذي يخرج لأول مرة بهذا الشكل ، وهي تتابع كلامها بقهر وغل شديد
"سحقا لك يا احمد لو انك لم تأتي لغرفتي لما حدث كل هذا ، واضعت كل تعبي والذي اهدرته الساعات الماضية هباءً....."

توقفت عن الكلام ما ان علقت الغصة بحلقها واوقفت حنجرتها عن الكلام والذي سبب شرخ بها ، لتتنفس بعدها بتهدج وهي تشدد من القبض على الورقة بيدها بعد ان افرغت كل شحنات قهرها وغضبها المكتوم وقبضتيها ما تزال تضرب على صدره برتابة هدئت عن السابق .

رفع يديه ما ان شعر باستكانتها ليمسك بمعصميها بهدوء وهو يبعدهما عن صدره هامسا بروية
"هل هدئتِ الآن ، اسمعي انا ليس لي علاقة بما حدث معكِ فلم تكن ذراعي من اصطدمت بكأس الماء ، وايضا هذه الورقة ليست نهاية العالم فأنتِ يمكنكِ صنع غيرها صحيح"

رفعت وجهها ببطء نحوه لبرهة وهي تعض على طرف شفتيها بقهر لتفلت قبضتيها بعيدا عنه بقوة وهي تتمتم بجفاء
"الكلام سهل عليك يا احمد الفكهاني ، لأنك لا تعلم كم من الوقت والجهد والذي استغرقته لأنجز عملي على اكمل وجه لتأتي انت وتدمره بكل بساطة"

عقد حاجبيه بحدة بلحظة وهو يمسك بكتفيها بقوة قائلا بعنف مكبوت
"كفى لوم يا روميساء ، وبدل ان تلقي باللوم عليّ بما حدث معكِ ، فكري بحل لمصيبتكِ هذه فالتذمر لن يعيد ما فات"

رفعت حدقتيها النديتين بخضار غابة النخيل وهي تهمس بشفتين عابستين
"ماذا افعل"

عبست ملامحه باهتزاز وهو ينظر لوجهها القريب منه والذي تلون باحمرار محتقن بالدموع الندية والتي تحتل عينيها العشبية وهي تبدو شبيهة بطفلة اضاعت دميتها وتريد من يساعدها بإيجادها ، ليرفع بعدها يده وهو يمسك بجانب وجهها وإبهامه يمسح الدموع عن طرف حدقتيها تلقائياً ليدنو امامها بلحظة وهو يتمتم برفق
"لا تقلقي سنفكر بحل لهذه المصيبة فيما بعد ايتها الطفلة الباكية ، فهذا آخر ما افكر به امام ما اريده وارغب به الآن"

انفرجت شفتيها بارتجاف لوهلة وهي ترفع قبضتيها بينهما وجسدها يرتعش لا إراديا هامسة بخفوت متوجس
"ماذا تقصد يا احمد ، وايضا عليّ ان اعيد كتابة الورقة من جديد...."

تصلبت قبضته على جانب وجهها بلحظة وهو يضغط بإبهامه على وجنتها بقسوة قائلا بصرامة منخفضة
"ألم يحن بعد الوقت المناسب لننهي هذه اللعبة ونكمل هذا الزواج العقيم والذي يحتاج لموافقتك لاكتماله كما يجب ان يحدث ، وانا اخشى حقا من ان افقد البقية الباقية من صبري عليكِ يا روميساء"

تشنجت ملامحها بصراع داخلي وشفتيها منفرجتين بذهول وهي تشدد من القبض على يديها بقوة بدون ان تجد ما تجيب به وما عليها فعله الآن ؟ فهل تترك مصيرها لما هو مقدر له منذ البداية وتريح كليهما من هذا العناء والذي طال كثيرا ؟

اتسعت ابتسامته بهدوء ما ان شعر بقبضتيها والتي كانت الفاصل بينهما وهي تخفضهما للأسفل بسكون بدون ان تنتبه للورقة والتي سقطت منها امام قدميه ، ليتنفس بعدها براحة وهو يداعب خصلات شعرها المقصوصة عند حاجبيها قائلا بقوة
"سأعتبر السكوت علامة الرضا"

اتسعت حدقتيها الخضراء بوجل ما ان هبط بلمح البصر بوجهه ليلتقط شفتيها بشفتيه المتصلبتين بقسوة لم تعتدها منه وهو يقبلها بقوة اطاحت بعقلها وبقلبها بآن واحد والذي تشعر به سيخرج من مكانه بذعر وقدميها تتراجعان للخلف بارتعاش قبل ان تصطدم بالسرير بقوة لتقع جالسة عليه باللحظة التالية وهو يحرر شفتيها اخيرا ، لتتنفس بعدها بإنهاك ازهق انفاسها بدون اي نية بتحريرها وكل هذا بسبب صوت طرق قادم من باب الجناح بالخارج قطع الأجواء الحميمية بينهما يتبعه همس خافت غير مسموع لأذنيهما !

ادارت حدقتيها بلحظات نحو الواقف امامها وهي جالسة على السرير من خلفها بهدوء ، لتعبس بعدها بحزن لم تعرف مصدره وهي تهمس بخفوت
"اعتقد بأنه عليك الذهاب لرؤية الطارق"

حرك رأسه باتجاهها بغموض وهو ينظر لها للحظات بمشاعر غريبة لم تفهمها ولم تستطع فك رموزها بين رمادية عينيه الساكنة ؟ ليسير بعدها بعيدا عنها بثبات وبصمت ، وقبل ان تتنفس بوجوم كانت تسمع صوت اغلاقه لباب الغرفة بالمفتاح وهو ما يزال بداخلها !

انتفضت بمكانها على طرف السرير وهي تعقد حاجبيها بصدمة بذات الوقت قبل ان تهمس بتوجس
"احمد ما لذي...."

قال الذي ألقى بالمفتاح فوق المكتب بإهمال وهو يرفع ذراعيه جانبا ببساطة
"اعتقد بأننا نحتاج لبعض الوقت المنفرد لأنفسنا بدون تدخل اي احد من خارج هذه الغرفة وحدود حياتنا الخاصة ، فنحن بالنهاية زوجين ومن حقنا ان نستمتع بشهر عسلنا كأي زوجين طبيعيين وهذا حق من حقوقنا الزوجية ، وألا ماذا ترين انتِ"

فغرت شفتيها الممتلئتين بصدمة لوهلة قبل ان تتحول لضحكة خافتة لا شعورياً ولا تعبر سوى عن الذهول والذي تحولت به حياتها بأكملها ! وهذه ستكون نقطة جديدة بحياتها وصفحة ستغير كل موازين عالمها ، لتقول بعدها بلحظات بابتسامة مرحة بإحراج وهي تريح جانب وجهها على ملاءة الفراش بهدوء واستكانة مقلدة نبرته
"انت دائما على حق يا احمد وبكل شيء ، وألا ماذا ترى"

اتسعت ابتسامته بالتواء طفيف متلهف ليقطف من ثمار حديقته الغنية بعد ان نسي كلاهما موضوع الورقة وموعد العشاء مع العائلة ومعها الواقفة بالخارج تنتظرهما بدون ان يعكر شيء على لحظاتهما الثمينة والتي ستكون البداية لحياتهما الزوجية والتي طال انتظارها كثيراً واكثر مما ينبغي .......

_____________________________
طرق على الباب عدة طرقات قبل ان يدخل بهدوء وهو يقف عند إطار الباب ما ان سمع الإذن بالدخول ، ليرفع الجالس خلف المكتب رأسه باتزان وهو يعقد حاجبيه بقسوة وملامحه تتحول للجمود الصخري بلحظة مع اتساع حدقتيه الرمادية بتركيز حاد ، ليهمس بعدها بنبرة متصلبة ونظراته لم تفارق الواقف امامه
"يا مرحباً بالغائب الحاضر ، كيف قادتك قدماك لمكتبي بدون ان يدعوك احد ، لقد كدت انسى حقا وجودك بالعائلة وبأنك فرد بها"

ردّ عليه من كان يبتسم ببرود وهو يلوح بذراعه ببساطة
"شكرا لك على هذا الاستقبال الرائع يا ابي والذي لا يشابه اكيد اي استقبال لباقي افراد عائلتك ، فأنا دائما سأبقى المميز بينهم والمستثنى عنهم بالمعاملة والاهتمام"

ضيق عينيه بحدة لبرهة بدون اي مواربة وهو يضم قبضتيه معا فوق سطح المكتب قائلا بصوته الجهوري الحاد
"ما لذي جاء بك لمكتبي"

تجمدت ابتسامته للحظات وهو يحرك رأسه للأسفل بحزن تمثيلي قائلا بهدوء
"ليس هذا ما توقعته منك"

ضرب الجالس خلف المكتب بقبضته فوق سطح المكتب صارخا بقوة
"شادي"

رفع المقابل له ذراعيه لفوق رأسه بصمت مستفز وهو يشير بعينيه السوداء لجانبه بهدوء وبسكون تام ، وما ان حرك والده عينيه جانبا حتى لمح التي خرجت من الخلف بجمود قاتل لتقف بجانب ابنه وهي تنظر له بذلك البرود القاسي والغير متواجد سوى بعائلة الفكهاني والمتأصل بمقلتيها الزرقاء والموروثة من جينات عائلة والدتها وهو يشعر بها بكل مرة تقع عينيها عليها تعيد له صورة تلك الفتاة المجنونة لمخيلته والتي خلفت دمار وحطام من خلفها لتثير الألم بزاوية مظلمة بروحه وهي تعيد ذكريات بالعائلة يود لو يحرقها او يزيلها من حياتهم ومن ذكرياتهم وكأنها صفحة سوداء وانطوت نهائياً !؟

ولكن كيف سيحدث هذا وهي تعيد بوجودها الدائم كل تلك الذكريات المؤلمة والتي افقدتهم روح العائلة وجمالها لتذبل وتصبح بكل هذا الذبول والقبح ؟ وهو ما يزال للآن يذكر كل حرف من ذلك القسم والذي رن بزوايا جدران الغرفة الواسعة بصدى جهوري قوي خلف مرض وتعب استبد منه

(لن تعتب اقدامها منزل عائلة خرجت منها بإرادتها الحرة ومزقت بها قوانين واعراف العائلة ، وكل من يربط بها دماء مدنسة يخرج من رحمها لن يعترف بوجوده ولا بجزء من هذه العائلة ، واقسم بأن كل من يخالف هذه القوانين وهذا القسم ستلحقه لعنتي لمدى الحياة كما لحقت لعنتي من قبلكم بسلالة مايرين الفكهاني ، واياكم ان تقولي بأني لم احذركم يا عائلة الفكهاني)

اشاح (محراب) بوجهه بعيدا عنهما وهو يقبض على كفيه معا بقسوة ما ان تذكر ما حدث بعد ذلك القسم مباشرة والذي ادى على وفاة كبير عائلة الفكهاني بمرض مستعصي ليأخذ هو عندها السلطة كاملة من بعده بما انه الابن الذكر الوحيد بين إناث ، وهو لا يصدق كيف تحقق كلامه بعدها بسنوات ولعنته والتي دمرت حياة شقيقته (مايرين) بحياتها الزوجية من غضب والدها والذي لحق بناتها فيما بعد لتكون عبارة عن معاناة لمدى الحياة وخسائر فادحة الواحدة تليها الأخرى بداية بموت زوجها وعشيقها لتتورط بعدها بالزواج من مجرم وحقير لا يقل دناءة ورخص بنظرهم عن الأول ؟

عاد بنظراته للأمام لبرهة وهو يعود لقناعه الجامد ما ان تقدم ابنه امامه باتجاهه بخطوات واثقة قبل ان يستند بيديه على سطح المكتب بلحظة وهو يقول بابتسامة جانبية ببرود
"اريد التحدث معك ، فهل لديك وقت لتسمع ما يريد قوله ابن والدته"

تغضن جبينه بوجوم وهو يحيد بنظراته لوهلة للتي ما تزال ساكنة عند باب المكتب بصمت ، ليعود بنظره للأمام وهو يقول بسخرية قاتمة
"هل هذا ما اظنه صحيح"

ارجع رأسه للخلف تلقائياً باتجاه الواقفة عند الباب قبل ان يعود بنظره لوالده وهو يبتسم باتساع ، ليعض بعدها على طرف شفتيه بعبث وهو يحرك كتفيه قائلا بلا مبالاة
"اعتقد بأنه كما تظن وهذا حسب ما تفكر به نحونا"

تصلبت ملامحه بحدة بلحظة وهو يقول بصوته الصارم الحاد
"كفى سخافة يا شادي ، وتكلم مباشرة فأنا لا افهم بهذه الطريقة ، وإذا لم تتوقف عن هذه التصرفات الصبيانية فسأطلب منك مغادرة المكتب فورا ، فأنا ليس لدي وقت لمثل هذه الحماقات"

زفر انفاسه بملل وهو يرتمي من فوره جالسا على الأريكة بجانبه ليرجع ذراع واحدة لخلف رأسه وهو يهمس بتأفف وضيق
"انت تفهم جيدا إلى ماذا ألمح إليه ، ولكني مع ذلك سأشرحها لك بطريقة أخرى ، لقد قررت ان اتزوج بما انني بسن مناسب للزواج وقد وجدت بالفعل الفتاة المناسبة لي ، واقصد بكلامي هي ابنة عمتي الصغرى ماسة ، فما هو رأيك بقراري"

تجمدت ملامحه لوهلة بدون ان يظهر عليها اي معالم وهو ينقل نظراته للواقفة بمكانها تنظر بعيدا عنهم وكأن الأمر لا يخصها ! ليعود بنظراته لابنه وهو يبتسم ببعض السخرية حفرت على طرف شفتيه المتصلبتين قائلا ببرود قاتم
"هذا رائع ، يبدو بأنك تحاول اتباع مسار شقيقك الأول بزواج قريبتك الثانية والتي وقعت بلعنة جمالها انت ايضا ، بدون اخذ مشورة احد ولا اعطاء اعتبار لأحد....."

قاطعه بسرعة وهو يتقدم بجلوسه مسندا يديه على ركبتيه قائلا بثقة
"ليس تماما ، فهناك اختلافات شاسعة بيننا يا ابي ، فأنا بعد كل شيء لم اتزوج منها من خلف ظهرك كما فعل احمد وعقد قرانه بها بدون اخبار احد ، لأنني قد فكرت بأمور كثيرة اريد فعلها بزواجي مثل حفل زفاف وشهر عسل ومثل هذه الأمور والكثير الكثير اود فعله ، ألا توافقني بالرأي"

ارتفع حاجبيه بوجوم للحظات وكأنه يحاول ان يستشف حقيقة كلامه الواثق من النظر لعينيه السوداء الباردة المتحدية باستفزاز ، ليحرك بعدها رأسه بقوة وهو يهمس بابتسامة ملتوية بقسوة
"يبدو بأنه بعد كل شيء الجينات تحكم هنا ، أليس كذلك يا ابن جيهان"

اختفت ابتسامته بغموض مع عينيه والتي ضاقت بغمامة مظلمة لوهلة ما ان نطق بذلك الاسم ، فقط مجرد لحظة قبل ان يعود لقناع البرود الساخر وهو يهمس ببرود جليدي
"لا تحاول لأنك لن تستطيع احباطي بهذا الاسم والذي لا يحتل اي جزء من حياتي"

عقد حاجبيه بضيق للحظات وهو يهمس بخفوت متصلب
"ولكن لا تنسى بأن لها الشرف بإحضارك لهذه الحياة......"

قاطعه من قطب جبينه وهو يخرج عن سيطرته لأول مرة صارخا بانفعال مفاجئ
"كفى"

ادارت وجهها التي كانت تنظر بعيدا وهي ترفع حاجبيها بعدم فهم لما وصله له حديثهما والذي لم تسمع منه شيئاً ولم تتعب نفسها بذلك ! بينما قال الذي عاد لجموده القاسي وهو يكور قبضتيه بقوة
"يا لك من ابن عاق ، وما دخلني انا بكل هذه التجهيزات والتي يبدو خططت لها من قبل مع ابنة عمتك المصون وانا خارج الصورة دائما ، فما لذي جاء بك إلى مكتبي ألا إذا كنت تريد مني ان اصفق لك على هذا الإنجاز العظيم"

عاد بلحظة لهدوئه الظاهري وكأن شيء لم يكن لتنحني ابتسامته بميلان وهو يهمس بخفوت جاد
"لا بل اتيت من اجل ان تبارك لنا زواجنا وتكون حاضرا وشاهدا بكل طقوس زواجي ، فنحن ليس لدينا ولي امر او كبير بالعائلة غيرك ، لذا هلا وافقت على طلبنا يا أبي"

ارتفع حاجبيه بصدمة غير متوقعة لوهلة قبل ان تتحول بلحظات لتجهم صارم وهو يهمس بانفعال حاد
"شادي....."

قاطعه من فوره وهو يضع ذراعه امام صدره قائلا بابتسامة جانبية بقوة
"رجاءً يا أبي لا ترفض لي هذا الطلب ، واعدك بأني لن تطلب منك غيره ، وإذا كان ليس من اجلي فهو من اجل ابنة شقيقتك والتي تحتاج لوجود خالها والذي يكون ولي امرها بهذه المناسبة المهمة ، لذا كن كريماً معنا لمرة واحدة واعطنا موافقتك ودعمك ، فقد تستطيع التكفير قليلاً عن اخطائك والتي اقترفتها نحو ابنة شقيقتك"

نظر له بحدة قاتمة لبرهة وقد استطاع اللعب بالكلمات بدهاء ماكر ليصبح الظالم بينهما وهو يذكره بأخطائه نحو بنات شقيقته والتي ذاقوا بسببها الويل ، وهو لا ينكر بأنه قد اخطأ بشدة بنبذهما للمجهول بدون ان يعلم ما وصل بهما مصيرهما وكله بسبب قسم ولعنة والده والتي دبت الرعب والتأهب بقلوب جميع افراد العائلة منذ دهور وهي ما تزال تؤثر عليهم للآن ؟

نقل نظراته بعدها بلحظات للواقفة بسكون بعيدا عنهما وهو يضيق حدقتيه الرمادية بتركيز حاد بدون اي مواربة ، ليقول بعدها وهو يوجه كلامه لها لأول مرة بجمود جهوري
"هل انتِ موافقة حقا على هذا الزواج"

تشنجت ملامحها لوهلة بدون اي تعبير قبل ان تدير نظراتها نحوه بتركيز متصلب دام للحظات وكأنها دهور لتنطق بلحظة بخفوت بارد احدث صدى بالغرفة الواسعة
"اجل"

حدق للحظات بجمود مقلتيها الزرقاوين وكأنه ينتظر اي بادرة او اي علامة تدل على رفضها لهذا الزواج فهو يعلم جيدا من اي نوع تكون والذي لا يخضع لأي شيء بسهولة تامة مثل حال شقيقته المجنونة والتي رغم كل القيود والتي كانوا يحيطونها بها استطاعت الافلات منهم بالنهاية بدهائها وألاعيبها المشهورة بها منذ ان شبت عن الطوق !

اخفضت جفنيها الحمراوين بسكون بعيدا عنه لتحجب احداقها عنه ، ليحرك بعدها رأسه بعيدا عنهما وهو يهمس بجفاء بارد
"حسناً ، افعل ما تشاء"

انتفض (شادي) وهو يقفز بخفة بعيدا عن الأريكة ليخفض رأسه امام والده وهو ما يزال يضع ذراعه امام صدره بقوة قائلا بابتسامة باردة وهي تميل بجمود
"شكرا جزيلا لك يا أبي على كرمك الخالص معنا ، وصدقني نحن ممتنون جدا لك ولن ننسى لك هذا الدعم الرائع بوقوفك معنا بهذا الحدث المهم ما حيينا ، يا كبير عائلة الفكهاني"

_____________________________
سارت بالرواق الطويل بخطوات جامدة تستطيع سحق ما تصله قدماها بعنف بدون ان تأبه لذلك وملامحها ترنو بين الجمود والتصلب وبعض الاستياء والذي طفى على كل ذلك ما ان مرّ عليها تفاصيل ما حدث قبل دقائق معدودة وهي توضع بموقف لا تحسد عليه بعد ان تحاصرت من كل الجهات لأول مرة بحياتها القاسية بدون ان يترك لها منفذ وكأنها عادت تلك المجرمة الرخيصة والتي تتنازل وتحاصر من قبل الجميع ومن فوقهم والدها الروحي ورئيسها منذ كانت طفلة ووعت على الدنيا من حولها ، لتصبح حياتها تدور فقط بفلكه حتى خسرت كل ما تملك من كرامة وطفولة واحلام ليتبقى لها فقط سراب من حياة زائلة لا تعلم متى تنتهي وتريحها معها ؟

وعندما قررت اخيراً بأنها لن تنقاد خلف احد ولن تسمح لأحد بتقييدها عن حريتها ومحاصرتها رغم إرادتها ، ليأتي ذاك المتبجح ويبدأ بالتحكم بها واصدار اوامره وقيوده عليها وكأنها لعبة امامهم الجميع يحركها كيفما يشاء ! ولا تعلم ماذا يظن نفسه حقا ليفعل كل هذا معها بحجة القرابة المقيتة والتي لم يعترفوا بها سوى مؤخراً ؟

توقفت مكانها بقوة وبتجمد احتل كل انحاء جسدها ببرودة وكأنها تحولت لتمثال رخامي ملتف بملابس حددت تفاصيلها المشدودة بذبذبات غضبها النادرة وكلامه ما يزال يدور برأسها قبل وصولهم للمنزل بدقائق وهو يتكلم معها ببساطة بالغة وببعض الجدية الصارمة والتي يغلفها ببروده المعتاد

(اسمعيني جيدا يا ماسة ولا تحكمي على كلامي بمبدأ التسلط والتحكم بالذات ، فأنا اريد منكِ ان تسمعيني بعقلك الواعي وبالإنسانة المثقفة بداخلك وليس بذاتك المجرمة ، بالرغم من اني اشك بوجودها خلف غمامة جنونك والتي تطبق عليكِ ، فكل ما افعله من اجل مصلحتكِ اولاً واخيرا يا ابنة عمتي ، وبخصوص ما حدث معكِ بذلك المكان وما بعده فلن يعلم عنه احد وستنسين كل ما يتعلق به ، ولكن الذي عليكِ معرفته بأنكِ من الآن وصاعداً ستفعلين كل ما اقوله لكِ وتوافقين على كل خطوة افعلها بدون اي جنون او فوران ، لأنكِ لم تعودي ملك نفسك وحياتك ليست لعبة بين يديكِ تفعلين بها ما تشائين وتعبثين بها بين الوحوش الدنيئة ، وصدقيني إذا حاولتِ التمادي اكثر بالعبث بحياتكِ وعصيان الأوامر فلن اتهاون عندها بالتعامل معكِ وقد تصبح ابنة المجرم حقيقة تتناقلها كل الألسن وسيكون مصيرها لا شيء امام عقاب السجن)

تنهدت بتهدج ارتجف معها جسدها بانقباض وهي تشدد على اسنانها بحقد دفين لماضي اصبح يشكل تهديد خطير بالنسبة لها بدون سابق إنذار او تنبيه ! وهو يستخدمه كسلاح ليوقف اندفاعها وجنونها ويقيدها خلف قضبانه بطريقته الخاصة .

همست بعدها من بين نفير انفاسها بسخط حانق
"اللعنة عليك يا شادي الفكهاني ، لن اسامحك عليها"

حبست انفاسها للحظات ما ان سمعت الصوت الهادئ يقول من خلفها بحيرة
"لا داعي لكل هذا الغضب الناري والذي قد يؤذي بصحتك ، فهو لا يستحق كل هذا صدقاً"

استدارت للخلف بهدوء وهي تعود لقناعها الجليدي بلحظة قبل ان تبتسم بسخرية هامسة بخفوت
"انت مجددا ، لا اعلم من اين تظهر لي حقا"

ابتسم الوجه الطفولي امامها بثقة بالغة وهو يعقد حاجبيه بتركيز قائلا بتفكير
"هل حقا ستتزوجين من شقيقي شادي"

تجمدت ابتسامتها بدون اي تأثر لبرهة وهي تتمتم بوجوم
"ألا تعلم بأن استراق السمع من خلف الابواب عادة سيئة"

عبست ملامحه وهو يخفض نظره بعيدا عنها قائلا بهدوء
"انا اعتذر"

دققت النظر بهيئته للحظات بعيدا عن الملابس الرسمية والتي رأتها به بحفلة شركتهم وهو يبدو بكل الأحوال خاطف للأنفاس وملفت للنظر بوسامته المحببة الطفولية والموجودة بجميع افراد عائلة الفكهاني والتي تنبأ بمستقبل رجل اعمال شديد الوسامة ، ولكن الذي جذبها اكثر هو الشبه الكبير بينه وبين شقيقه (شادي) فلم يأخذ منه فقط وسامته المحببة بل اخذ تصرفاته وبساطته بالتعامل مع الأمور بطريقة تسحر القلوب وتطغى على شخصيته !

اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي توبخ نفسها على ما وصل إليه تفكيرها من انحدار كارثي ، لتستدير بعدها للأمام وهي تهمس ملوحة بذراعها بلا مبالاة
"اذهب للنوم يا زين ، ولا تتعب تفكيرك بشيء"

لتكمل بعدها سيرها باتجاه الرواق وبتجاهل للواقف خلفها يراقبها بعيون سوداء متسعة بدهشة فهي لأول مرة تهتف باسمه بدون ان تنساه وهذا بحد ذاته تقدم رائع !

وصلت (ماسة) بسيرها لممر محدد لتلمح من بعيد تلك المشعوذة والتي كانت تتجاوز الممر باتجاه معاكس لها بدون ان تفهم الثورة والتي كانت تحيط بها وهي تبدو خارجة من مكان جناح شقيقتها ! لتسرع بعدها بخطواتها بغريزة الخطر باتجاه جناح شقيقتها ، وما ان وصلت بلحظات حتى توقفت بصدمة ما ان ظهر امامها الذي كان ينظر لها باتزان مريب عبث الظنون برأسها ومن سبب تواجده هنا بهذا الوقت ؟

ما ان كان سيتكلم المقابل لها حتى سبقته التي دخلت من فورها للجناح لتتجه لغرفة محددة قبل ان تجتاحها بقوة بدون استئذان لترفع حاجبيها بعبوس لوهلة وهي تصدم بمرأى الغرفة الفارغة ، وما هي ألا لحظات حتى خرج من الحمام المرفق من كانت تبحث عنها وهي تجفف وجهها وشعرها بالمنشفة بين يديها بدون ان تنتبه لها .

تقدمت نحوها عدة خطوات قبل ان تقف امامها مباشرة وهي تضيق عينيها الزرقاء بقتامة بلحظة قائلة بوجوم
"ماذا حدث هنا"

اخفضت المنشفة عن وجهها وهي تنظر لها بعينيها الخضراوين باتساع مشدوه قبل ان تهمس بابتسامة مرتبكة
"ماسة ، متى عدتِ ، لم انتبه لعودتك"

تجمدت ملامحها لبرهة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قبل ان تميل قليلا امامها بتحديق متمهل وهي تلحظ الاحمرار الجديد والذي كان يطغى على ملامح شقيقتها الكبرى بعيدا عن الشحوب والحزن والذي كان يسكن ملامحها دوما وهذا غير توردها الملفت والذي انعكس بريقه بحدقتيها الخضراء الكبيرتين ، لتعود بعدها برأسها للخلف بقوة وهي تنظر بعيدا عنها قبل ان تشق ابتسامة صغيرة ملامحها الباردة بلحظة وهي تهمس بخفوت مستفز
"هذا يعني بأنكِ قد فعلتها اخيرا واصبحتِ زوجته بحق"

ارتفع حاجبيها بصدمة لوهلة من تحليلها المخجل بدون اي حياء وهي تتنفس بقوة قبل ان تصرخ بها بانفعال حانق
"ماسة ما هذا الذي تتفوهين به ايتها الوقحة....."

عادت بنظرها لها وهي تقاطعها بابتسامة كبيرة لأول مرة تصل لوجنتيها قائلة ببرود وهي تضم قبضتها امام صدرها بحركة كانت تفعلها بطفولتها لتعبر عن مدى انبهارها ودهشتها
"رائع سأصبح خالة عما قريب ، هذا اجمل خبر اسمعه بحياتي"

انحنت عينيها بحزن للحظات وهي تتبع حركتها الطفولية والتي كانت تتميز بها بالماضي لتفقد رونقها بمرور السنين ، عقدت بعدها حاجبيها بوجوم ما ان وقع نظرها على العلامات المحفورة حول معصمها بوضوح ، لتمسك بيدها من فورها وهي تتلمس برفق على العلامات حول معصمها هامسة بقلق
"ما هذه العلامات على معصمك يا ماسة"

تشنجت ابتسامتها لبرهة وهي تذوي بمكانها بلحظة ما ان تذكرت المسبب الرئيسي لهذه العلامات ، لتنفض بسرعة ذراعها بعيدا عنها وهي تقول ببرود متعمد
"ما بكِ يا روميساء ، هل هذا الوقت المناسب لمثل هذه الأسئلة ، وايضا عليكِ ان تفكري بموضوع الطفل القادم وتركزي كل انتباهك عليه"

افاقت بعدها من شرودها لتتسع حدقتيها بصدمة ما ان وصلها فحوى كلامها الأخير لرأسها وهي تهمس باندهاش متلعثم
"طفل"

ردت عليها التي سارت باتجاه باب الغرفة وهي تلوح بقبضتها للأعلى قائلة ببساطة
"اقصد عندما تنجبين اطفالاً كثيرين لهذه العائلة الكئيبة ، وتصبح المدرسة التي تعملين بها موجودة بمنزلك ، يا فرحة قلب احمد عليكِ"

فغرت شفتيها بشهقة مشدوهة بدون اي صوت ولا تعبر سوى عن الحقيقة والتي ضربت عقلها ببطء شديد معذب اوقف قلبها عن النبض لثواني ، بينما امسكت بمقبض الباب التي كانت تبتسم ببرود غير معبر بعد ان اختفت كل اثر للفرحة بملامحها وهي تهمس بهدوء شديد
"لقد اتيت لأخبركِ بأني قررت الزواج من شادي ، وهنيئاً لكِ بحياتك الزوجية الجديدة"

ولكن التي كانت مشدوهة بكلماتها بشحوب لم تفقه شيئاً مما قالته شقيقتها الأخرى والتي تبعتها بخروجها من الغرفة بأكملها بهدوء خيم على الأجواء من خلفها للحظات ، وتلك الواقفة بمكانها كانت تشدد من القبض على المنشفة بيديها وهي تشعر بغيوم ضبابية غيمت على حياتها فجأة وعلى قلبها بعد ان كان قد عرف الفرح اخيرا ليعود للتخبط من جديد بدوامة جديدة مركزها طفل جديد ومعاناة جديدة عليها التعايش معها بعد ان كانت قد نجت منها بصعوبة بالغة ، فكيف بوجود طفل معها ؟

_____________________________
ارتمت جالسة على طرف السرير بإنهاك وهي ترفع رأسها للأعلى بقوة لتتساقط خصلات شعرها الفوضوية بتدرج مموج لأسفل رأسها ويدها تمسد فوق حاجبيها بتشنج واضح ، بعد ان استنفذت كل قواها الذهنية والجسدية بهذا اليوم الكارثي والمتلف لأعصابها الباردة والتي ما تزال تتحلى بها لليوم لينتهي بكارثة افظع من جميع مما سبق !

ولكن الجيد من بين كل هذه الكوارث والتي ما تزال تتوالى عليها هو خبر اكتمال زواج (روميساء) المعلق رغم كل التعقيدات والصعوبات والتي كانت تواجهها وتحد على اكتمال علاقتهما وهذا يعني بأنها قد سلمت اخيرا لحياتها الجديدة مع زوجها وهذا اقصى ما تستحقه بعد حياة الشقاء وكمية العناء والتي اخذت منها كل مأخذ للسعادة والمتمثلة بحياة مستقلة وعائلة تحيطها بكل انواع الأمان ، ذلك الأمان والذي كان ابعد ما يكون عن حياتهما اليتيمة والمهددة بالدمار بأية لحظة وقد كانت بعض من حقوقهما بذلك السن والتي عليهما بكل مرة دفع ثمنها لينجوا منها بأقل الأضرار الممكنة .

اتسعت عينيها باستدارتهما الزرقاء الجامدة موجهة للسقف المزخرف من فوقها وهي تبتسم ببطء بارد لا يعبر سوى عن السخرية القاسية والمحيطة من حولها وبروحها المظلمة ، فهي ما تحتاجه عكس شقيقتها تماما ولن يمحي الأمان والعائلة اي شيء مما تشعر به بداخلها فقد وصل بها الرثاء على الذات لدرجة تلوثت معها كل ألوان حياتها والتي تخص احلام واماني الفتيات بسنها ليأخذ الجفاء حيزا كبيراً بحياتها ومكان امانيها فيما مضى ، فماذا ستكون احلام فتاة تحولت بيوم ما لسلاح يستخدم لأعمال حقيرة غير انسانية وقلبها كان هو ذخيرة السلاح ذاك بدون اي رأفة بروحها والتي كانت تدفن مع الأحياء بكل لحظة تمرّ عليها بحياتها ؟!

اخفضت رأسها بهدوء لبرهة وهي تنزل بيدها عن حاجبيها لتصل لعنقها وهي تضغط على جانبها بارتجاف منقبض ، لتحيد بعدها بنظراتها للحقيبة بجانبها للحظات قبل ان تمسك بها بيدها الأخرى وهي تخرج منها هاتفها بسكون جامد .

رفعت الهاتف لأمام نظرها بتصلب مشتد وهي تضغط على عدة ازرار بقوة لترسل بالنهاية رسالة قصيرة مكتوبة بأحرف مختصرة للرقم المحدد

(انتبهي على نفسكِ اكثر ومما يدور من حولكِ ولو كنت بمكانكِ لما خطت قدميّ لخارج المنزل بهذه الفترة ، فيبدو بأن مصائب شقيقكِ المخبول لن تتركنا وشأننا ، لذا احذري وكوني بخير بعيدا عن ثقتكِ العمياء بكل من حولكِ ، فليس لدي الوقت لأشغل تفكيري بالقلق عليكِ ايضاً)

اخفضت الهاتف بعيدا عن نظراتها الباردة وهي ساهمة بالبعيد بلا شيء ويدها تشدد على الهاتف لا إرادياً ، لتشعر بعدها برنين رسالة على هاتفها وهو يرج بيدها بخفوت بعث الرعشة بذراعها للحظة !

زفرت انفاسها بهدوء وهي ترفع الهاتف لأمام نظرها مجددا قبل ان تتسع حدقتيها بصدمة لبرهة ما ان اكتشفت بأن الرسالة ليست ممن كانت تظن رداً على رسالتها بل من آخر شخص كانت تنتظر منه رسالة

(مساء النور يا جميلتي المجرمة اقصد خطيبتي المجرمة ، اتمنى حقاً ألا تكوني ما تزالين غاضبة مني للآن وعلى وشك قتلي وتلقين عليّ بكل انواع الشتائم بقاموسك ، ولكن وقبل ان تكملي سيل شتائمكِ لا تنسي بأنني اصبحت املك مقاليد حياتكِ بأكملها وانتِ عليكِ بالخضوع لها بكل طاعة تامة ، وسبب رسالتي لكِ هو الاطمئنان على حالكِ وتذكيرك بما حدث اليوم من امور مهمة ستبقى مخلدة بحياتنا كذكرى رائعة لا تزول ، ولو تعلمين مدى الشوق الكبير والذي اشعر به لليوم والذي يعقد به الرابط الأبدي بيننا ، وليلة سعيدة لكِ يا خطيبة شادي الفكهاني)

كانت تشدد على الهاتف بين يديها بقوة تدريجيا وعينيها تتحول للونها الأزرق القاتم وكأن البحار تلوج بداخلها بظلام دامس على وشك ابتلاع كل ما تقع عليه امواجها وهي تعود لروحها البدائية المفترسة بلمسة إجرام قديمة والتي لا تعرف الرحمة وكأنه غير متواجد بقاموسها ! لتلقي بعدها باللحظة التالية بالهاتف بعيدا ليضرب من فوره بالجدار امامها قبل ان يقع ارضا وهي تتنفس بحشرجة وبانفعال حاد لن يرتاح قبل ان يقطعه لأشلاء وكأنه هو الهاتف نفسه .

نظرت بعدها بلحظات للهاتف المسكين والذي كان ملقى ارضاً بالزاوية بدون اي ذنب وقد كان قد اشبع من الضربات القديمة والخدوش حتى وصل لدرجة الاكتفاء ، وهذا حالها كلما استبد بها الغضب من شيء وكأنها وحش خامد تنتظر الفرصة ليفجر كل ما بداخله من كبت !

انتفضت واقفة تلقائياً وهي تتجه لمكتبتها عند زاوية الغرفة لتجلس امامها ببرود جليدي وهي تمسك بالقلم بعد ان فتحت المفكرة امامها لتبدأ بالكتابة عليها وكأن شيء لم يكن وهو اكثر ما تجيده بحياتها الخاوية وحافظت عليه لسنوات ، وبخصوص هاتفها فهي تعلم جيدا كيف تصلحه كما تفعل عادةً ليعود لسابق عهده مثل صاحبته والتي مهما تغيرت الظروف من حولها من تقدم وتأخر ستبقى كما هي .....

يتبع...............


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس