عرض مشاركة واحدة
قديم 07-08-21, 10:39 PM   #116

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

صباح اليوم التالي......
كانت تمسك بالكتاب بيد وهي تعض على طرف القلم والممسكة به بيدها الأخرى بتركيز حاد مشتت بعض الشيء واحداث البارحة لا تريد مغادرة عقلها ولا قلبها المعلق بتلك الليلة والتي وشمت آثارها ليس على جسدها فقط بل على روحها والتي دبت بها الحياة فجأة لتزهر بكل ألوان الجمال والتي كانت محرومة منها فيما مضى وابعد ما يكون عنها وعن حياتها المليئة بالمشاغل والمسؤوليات ، لتلقيها بعدها بثواني بنفس الدوامة المظلمة كالعادة ما ان تذكرت نتائج هذه العلاقة وتبعاتها والتي كانت قد غفلت عنها لتنجب منها أرواح ستتعلق بعنقها طيلة حياتها ولآخر يوم بعمرها ، فهل تجازف من جديد بحمل هذه الأرواح وإيصالها لبر الأمان بدون اي اذى وبحياتها المشتتة والتي لم تصل للسلام للآن ؟ لتعيد نفس خطأ والدتها وتعلق نفسها بأمل النجاة بأطفال لا ذنب لهم بهذه الحياة المعقدة وكما فعلت مع شقيقتها الصغرى والتي تحملت هي مسؤوليتها منذ كانت رضيعة لتتحمل رعايتها وهي لم تتجاوز عمر الخمس سنوات بعد !

تشنجت ملامحها لبرهة وهي تزيد من الضغط على اسنانها ما ان تذكرت عبارة قديمة مرت على ذهنها من طفلة صغيرة ذاقت من الحياة الكثير على ايدي البشر من حولها حتى خط الحزن والبؤس على حياتها خطوط من كل انواع الظلم لتصبح جزء من حياتها عليها التعايش والتأقلم معها ومن صميم روحها المنبوذة

(لما العالم بكل هذه القسوة معنا ، لما لا يتوقف الناس عن إنجاب الاطفال بهذا العالم المظلم ، فقط لو يعود الزمن للوراء لتمنيت ألا اولد بهذه الحياة ولا اخرج من رحم والدتي ، يا ليتني فقط ارى العدل بهذه الحياة والتي لم تخلق للأطفال امثالنا ، فقط لو يعود يوماً)

اتسعت حدقتيها بصدمة لوهلة وهي تعود للحاضر بعد موجة مشاعر اخذتها بعيدا بدون إرادة منها ما ان خرج الصوت الطفولي من بين الطلاب الجالسين امامها بالمقاعد الأمامية
"معلمة روميساء ، أليس هناك درس لليوم"

اومأت برأسها بقوة وهي تنفض عنه كل آثار الماضي والتي عرقلة عليها سير تفكيرها بغمامة مظلمة ، لتبعد القلم بسرعة عن فمها بعد ان شعرت بطعم الخشب بلسانها من فرط التوتر والذي كانت تشعر به بدون ان تنتبه !

وما ان كانت على وشك التكلم حتى قاطعها الصوت القادم من باب الفصل وهو يقول بخشونة صارمة سمعتها من قبل وسكنت طبلة اذنها بليلة امس
"لا يوجد درس لليوم ، لأنني بالحقيقة قد قررت اخذ المعلمة روميساء معي بإجازة قصيرة ، لذا يمكنكم اعتبارها راحة من الدراسة ليوم كامل"

اتسعت العيون الصغيرة الناظرة له والتي لفتت انتباههم بلحظة ومن كان شاردا بعيدا قد انجذب لكلامه بعد ان فتح آذانهم الصغيرة وحواسهم بكلامه والذي كان مفاجأة بالنسبة لهم ، بينما من كانت متجمدة بمكانها بصدمة ارتعش معها عامودها الفقري وهي تلتفت بوجهها نحوه ببهوت ناظرة له بذهول محرج لون وجنتيها بامتقاع وهي لا تصدق ما فعله الآن فما لذي ينوي على الوصول له بهذه الحركة ؟

وما ان التقت عينيها المتسعة بعينيه حتى دام الصمت بينهما بتواصل غريب وبطول ليلة امس عليهما وقد تغيرت النظرات بينهما لتكون مفضوحة بدون اي مواربة يغلفها القليل من الحياء بطبقة رقيقة خجولة ، قطع التواصل الغريب بينهما الصوت الصارخ بضحك طفولي
"انه زوج الاستاذة روميساء ، والذي انقذنا اليوم ، شكرا لك يا استاذ"

شهقت (روميساء) بصدمة وهي تضع كفها على شفتيها بذهول ممزوج بالحياء ما ان بدأت الضحكات الصغيرة بالخروج تدريجياً لتمتلئ القاعة الواسعة بلحظة بضوضاء صاخبة ، بينما ابتسم باتساع متزن من تقدم امامها عدة خطوات بعيدا عن باب الفصل وهو يتأمل إحراجها الصارم والذي لونها بلحظات بغضب الحياء وهي توجه نظراتها للأطفال بسخط واضح .

وما ان وصل امامها مباشرة حتى وجه نظره للأطفال وهو يقول بصرامة محببة
"كفى ضحكاً يا اطفال ، فأنتم بهذه الطريقة تحرجون المعلمة روميساء ، وهذا ليس لائقاً بمظهرها والذي قد يفسد جمالها امامي ، وهذا ما لن اسمح به"

عادت الضحكات للخروج بصخب اعلى مترافقا مع التصفيق الحار والتصفير وكأنها تحولت من قاعة تعليم محترمة لقاعة حفلات تضج بجميع انواع الضوضاء ! لتنقل بعدها بلحظات نظراتها بصرامة للواقف على بعد خطوات منها وهي تغرز اسنانها بطرف شفتيها بغيظ هامسة بوجوم
"توقف عن هذا يا احمد ، فأنت تشوه صورتي امام الطلاب"

حاد قليلاً بنظراته نحوها لوهلة وهو يغمز لها بطرف عينه بحركة غير ظاهرة جمدتها بمكانها لثواني ، ليعود بنظره للأطفال الضاحكين وهو يقول بصوت خشن فوق صوت ضحكاتهم البريئة
"حسنا يا طلاب الاستاذة روميساء ، عذراً ولكن على زوج الاستاذة الذهاب معها فنحن بعجلة من امرنا ، واتمنى لكم حقا إجازة سعيدة"

وما ان انهى كلامه حتى تدخلت (روميساء) من فورها وهي تهمس له بعبوس متصلب
"ما هذا الذي تفعله يا احمد......"

قاطعها من وقف بجانبها فجأة وهو يمسك بحقيبتها من على الطاولة بيد وبالكتب باليد الأخرى ليدسها بداخل حقيبتها قائلا بجدية هادئة
"ستفهمين كل شيء بعد قليل ، والآن علينا ان نسرع قبل ان ينتهي اليوم علينا ، لأننا لدينا ساعات كثيرة نقضيها معا يا زوجتي العزيزة"

فغرت شفتيها بارتجاف لوهلة عند كلماته الأخيرة والتي تنسبها له فهي قد سمعتها كثيرا من قبل ولكن ليس مثل الآن بعد ان اصبحت زوجته بحق وكل شيء بحياته ، انتفضت بلحظة بارتعاش ما ان استل الكتاب من بين يديها والذي نسيت امره ليدسه بداخل حقيبتها بقوة مع البقية قبل ان يمسك بكفها بدون اي مقدمات وهو يتخللها بقوة ليلوح بعدها بالحقيبة بيده الأخرى قائلا بمودة
"شكرا لكم على وقتكم ، والآن وداعاً"

رفعت نظراتها الخضراء المهتزة له بارتباك واضح وهو يوجه نظراته نحوها بحنية مع ابتسامة متزنة باطمئنان وهو يسحبها من يدها ليسير معها لخارج القاعة بأكملها وصوت نغمات ضحكاتهم الصغيرة تودعهم مع التصفيقات والتي بدأت بالهدوء مع ابتعادهم عن مدخل القاعة ، بينما كانت هي تحاول مجاراة خطواته الواسعة باتزان ونظراتها معلقة امامها وسمعها معلق من خلفها وكأنها تركت وألقت بكل شيء خلف ظهرها بدون ان تبالي او ان تفكر حتى ما دام هذا الشخص معها ويسير بطريق حياتها فلا شيء يستحق القلق عليه ولو كانت حياة كاملة تنتظرها مليئة بالهواجس امامها... لا شيء .

_____________________________
دخلت من باب الشركة امامها وهي تجر قدميها الواحدة تتبع الأخرى رغما عنها بعد ان اخذت طول ليلة امس وهي تفكر بترك العمل بالشركة وبأشراف ذاك المزعج والذي اصبح يشكل تهديد خطير بالنسبة لهدوء حياتها وهي تتمنى حقا لو تجد عمل آخر او بديل عنه لتخرج من حياة الجميع وتستقل لوحدها بدون اي تدخل من احد لتكوّن كيانها الخاص بها وحدها ، ولكن كلما اقتربت خطوة من تحقيق مرادها تعود العقبات لسد الطريق امامها بدون ان تترك لها اي مهرب وهي تحيط حياتها بأكملها بقفل منيع لن تستطيع التحرر منه بسهولة ، والآن اصبحت مهمتها الجديدة هي التخلص من ذاك الرباط الأبدي والذي قد يغلق عليها آخر منفذ للتحرر من حياتها لتبقى عالقة بتلك الدوامة طيلة حياتها القادمة .

كانت تسير مخفضة رأسها ببأس وملامحها لا تعبر سوى عن السخط الشديد قبل ان يتوقف بلحظة زحف قدميها امام من سد الطريق امامها فجأة بدون اي مقدمات ، لترفع بعدها وجهها الحجري ببطء لبرهة وهي تنظر ببرود للرجل الواقف امامها والذي اوقف طريقها بتعمد مستفز !

رفعت حاجبيها بغموض لوهلة وهي تنتظر سبب هذا العرض الصباحي والذي دفعه ليوقف طريقها الممهد ببأس ، ليقول بعدها بلحظات الواقف امامها وهو يبتسم لها ابتسامة عملية
"صباح الخير آنسة ماسة ، هل انتِ سكرتيرة المهندس شادي"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تومأ برأسها بصمت بدون اي كلام وكأنها مجبرة على الكلام معه بدون ان تعلم مناسبة هذا السؤال ؟ ليتابع بعدها المقابل لها كلامه بدون ان يهتم برأيها وهو يمد يده امامها قائلا
"مرحبا بكِ انا المهندس رامي من فرع الهندسة المعمارية ، لقد كنت اود بشدة التعرف عليكِ ، فقد عرفت بالصدفة من زملائي بأنكِ تملكين مهارات فوق المستوى تساعد ببنية المشروعات بحكم مجال دراستك الصعبة والتي لا يدخلها سوى من يختص بهذه الأمور"

تصلبت ملامحها بلحظة وهي تلوح بيدها هامسة بلا مبالاة
"انا لستُ....."

توقفت عن الكلام فجأة ما ان مرت على ذهنها فكرة ستحل مشكلتها العويصة وتكون المنفذ مما هي فيه الآن وكأنه قد انبعث امامها بهذه اللحظة بالذات بأسوء لحظاتها ، قالت بعدها بلحظات باهتمام وهي تصافح يده الممدودة امامها بقوة
"اهلا بك ، وانا تشرفت بالتعرف عليك ، وإذا كنت تحتاج لأي مساعدة بمجال المشاريع اخبرني ، انا بالخدمة"

ابتسم الرجل من فوره باتساع وهو يقول بثقة بالغة
"شكرا لكِ على اهتمامكِ يا آنسة ، ولن اتردد بطلب مساعدتك بأي وقت ، ولا تترددي انتِ ايضا بطلب المساعدة"

سحبت يدها بعيدا عنه وهي تضمها مع يدها الأخرى قائلة بابتسامة صغيرة بهدوء
"إذاً هل استطيع طلب المساعدة منك الآن ، بإيجاد وظيفة من اجلي خارج حدود هذه الشركة"

عقد حاجبيه بتفكير لبرهة وقبل ان ينطق بأي كلمة تدخل صوت آخر من خلفه وهو يقول بصرامة جادة
"ماسة لما تأخرتِ بالمجيئ للعمل اليوم ، لا وايضا تتسلين بالكلام مع مدراء الشركة ، ولكن لا داعي للعجب فقد اعتدنا على مثل هذه التصرفات منكِ والتي اصبحت طقوس يومية من حياتنا"

تجهمت ملامحها بغضب مكتوم بلحظة وهي تدير حدقتيها بعيدا عنه ببرود جليدي ، ليتنفس بعدها بغضب يشعر به كشعلة متقدة بداخله وهو يهمس بأمر
"هيا يا ماسة تحركي إلى العمل"

تدخل الثالث بينهما والذي كانوا قد نسوا امره تماما وهو يستدير نحو المتصلب بمكانه ليقول له باستنكار عابس
"انا لا اسمح لك بالتكلم بهذه الطريقة المهينة مع سكرتيرتك وحتى لو كانت تعمل عندك ، هذا لا يعطيك الحق بالتعامل معها هكذا وكأنها تعمل عند سيادتك ، وهي ليست مضطرة لتحمل مثل هذا الأسلوب الفظ بالتعامل معها وكأنها ليست بشر مثلك تماما ، يكفي بأنها قد قبلت بهذا العمل القليل على قدراتها والتي تطلب عمل افضل من هذا"

انفرجت شفتيها لوهلة بابتسامة ساخرة بشماتة من العرض المسرحي الصباحي والذي تغير فجأة بالموازين ليصبح عرض هزلي تحتاج إليه لتعدل به مزاجها وتعكر صفو حياتهم ! بينما نظراتها الزرقاء الداكنة تراقب متجمد الملامح ببرود وكأنها صخرة هادئة امام ذاك المدير البسيط والأنيق بحلة ظريفة .

ارتفع حاجبيها بصدمة ما ان حدث عكس ما توقعته تماما وهو يعود لقناع البرود الساخر ملقيا نظرة صغيرة باتجاهها بإشارة مغيظة قائلا
"اعتذر يا سيد فيبدو بأنني لم اسمع ما قلته جيدا ، هل كنت تتكلم عن ألماستي الجميلة ، عذرا ولكنك اخطئت الظن فهذه تكون زوجتي وهذا يعني بأنه يحق لي فعل ما اشاء بها بدون اي حق بالتدخل ، وشهامتك هذه احتفظ بها لنفسك بعيدا عن ممتلكاتي فهي تخصني وحدي ، وصدقني إذا اعدت هذا الكلام المتبجح امامي مرة اخرى فلن اضمن لك ما سيحدث عندها ومن الذي سيطرد من هذه الشركة بعد ان اكون قد مسحت بكرامته بكل اراضي الشركة"

تجمد الرجل بمكانه بصدمة بعد ان توقف الكلام بحلقه وكأنه يحاول استيعاب المفاجأة والتي حطت عليه بدون سابق إنذار ، بينما كانت الواقفة من خلفه تلعنه بكل انواع الشتائم بشفتيها العابستين بسخط وعينيها متسعتين بكامل استدارتهما بحدة ناظرة للذي كان يبتسم لها ببساطة مستفزة وكأنه يتعمد ان يخرج اسوء ما فيها بتقييدها بذلك الرباط وهو يجعله واقع امامها عليها تقبله ارادت ذلك ام رفضت ؟!

تحرك (شادي) امامها عدة خطوات وهو يتجاوز المتجمد بينهما لتسبقه بخطواته التي خرجت من جمودها بلحظة وهي تسير بعيدا عنه ببرود باتجاه الممر المؤدي للمكاتب بعيدا عنهما .

حرك رأسه بيأس منها وهو يلهم نفسه الصبر قبل ان يلحقها من فوره وهو يتبع المسار الذي سلكته ، وما ان وصل كليهما بلحظات لأمام باب مكتبه حتى امسك بذراعها من الخلف ليديرها نحوه بقوة وهو يقول بنفاذ صبر
"إلى اين تريدين الوصول بهذه التصرفات يا ماسة"

نفضت ذراعها بعيدا عنه بقسوة وهي تقول ببرود محتقر
"لا شيء فقط ارحل من حياتي ، وتوقف عن تشهير هذا الرباط الاحمق والذي حدث بتهديد منك ، فأنا لست سلعة بين يديك تعرضها امام الجميع على انها زوجتك"

تراجع للخلف قليلا وهو يقول بجفاء بارد
"انتِ من وافق على هذا الزواج وبحضور والدي يا ألماستي....."

قاطعته بصراخ منفعل وهي تضرب بقبضتها بالهواء
"قلت لك مئة مرة لا تخطئ باسمي يا كتلة البرود والعجرفة"

اتسعت عينيه بحدة بلحظة وهو يرفع حاجبيه بخطر مختلط بالجمود المحدق لتسبقه بسرعة من استدارت بعيدا عنه وهي تفتح باب المكتب باندفاع قبل ان تتوقف لبرهة ما ان قابلت آخر من تمنت رؤيته الآن وبهذه اللحظة بالذات ، فما بها المشاكل تتراكم امامها دفعة واحدة بدون ان تتركها تأخذ نفس ؟

تقدمت صاحبة العينان الخضراء والتي كانت تنظر لها بابتسامة رقيقة بدون اي تعبير ، لتنقل بعدها نظرها للذي وقف بجانبها وهو يرفع حاجبيه بدهشة مما يراه شبيه بحال الواقفة بجانبه وقد تجمد الزمن بين ثلاثتهم للحظات فاصلة .

قطعت الوقت بينهم من تنفست بهدوء وهي تهمس بابتسامة حاولت جعلها طبيعية
"صباح الخير شادي وبابنة خالك ايضاً ، سعيدة جدا برؤيتكما معا مجددا"

افاق من صدمته من تقدم امامها عدة خطوات وهو يبتسم لها قائلا بمودة بعيدا عن التجهم والشرر والذي كان يحتله قبل قليل من غريمته
"وانا سعيد جدا برؤيتكِ يا لينا ، ولكن ما سبب هذه الزيارة المبكرة"

لم تتغير ملامحها الرقيقة وهي تهمس بخفوت مبتسم
"ولكني دائما ما كنت ازورك بهذا الوقت يا شادي ، اعتقد بأن مشاغل الحياة واقاربك الجدد قد انسوك اصدقائك المقربين"

كانت ردة فعل الواقفة عند الباب الجمود القاتل وهي تشعر بنفسها مستهدفة بكلامها لتستدير من فورها بلحظة وهي تنوي مغادرة المكتب بأكمله قبل ان تثبتها بمكانها اليد والتي امسكت برسغها والتي دفعتها لتعود بنظرها للأمام وهي تنظر بحيرة واجمة للذي وقف بجانبها بلحظة وهو يقول بابتسامة جانبية ببرود
"اعتذر على هذا يا لينا ، ولكن المشاغل والتجهيزات بالآونة الأخيرة قد اخذت كل وقتي ، لذا اعذري فظاظتي يا عزيزتي"

ردت عليه المقابلة له وهي تتنقل بنظرها بينهما بتشوش
"ماذا تقصد بالتجهيزات"

رفع ذراعه وهو يضرب بقبضته على مقدمة جبينه قائلا بتذكر مستاء
"صحيح نسيت ان اخبرك ، بموضوع زواجي القريب من ابنة عمتي ، وانتِ اكيد ايضا مدعوة للحفلة والتي سأقيمها قريبا بهذه المناسبة"

ارتفع حاجبيها الاشقرين بصدمة وهي تفغر معها شفتيها بارتجاف منذهل بآن واحد دام للحظات بدون ان تفيق منه ، لتنتفض بعدها الواقفة بجانبه وهي تفلت يدها بعيدا عنه هامسة بطرف عينيها بحقد
"سحقا لك"

ليكون تعليقه على كلامها ابتسامة صغيرة مستفزة
"لم تري شيء بعد يا ألماسة"

زفرت انفاسها بتأفف مسموع وهي تغادر باللحظة التالية لخارج الغرفة بأكملها بدون ان تأبه بأحد ، ولا بالتي كانت تنظر لها بكل حقد العالم من غلفتها القسوة والجمود بعيدا عن الرقة وما يزال الذهول يحيط ذهنها ليُخرج كل شياطين الأرض من مخبئها وهي تصوبها على شخص واحد ليس هناك احد آخر غيره وهي تضعه لأول مرة بقائمة عقلها السوداء !

______________________________
انتفضت بجلوسها وهي ترفع وجهها بعيدا عن الكتاب بحجرها ما ان سمعت صوت تحطم صادر من الطابق السفلي يتبعها صوت ضوضاء خافتة صادرة من نفس المكان ! ليتغضن بعدها جبينها بوجوم وهي تجزم بمعرفتها الأكيدة بسبب هذه الضوضاء المعتادة والتي تحدث تقريباً كل يومين ولأسباب تافهة لا تحتاج لكل هذه الضجة والتي اصبحت لا تطاق ابدا وتسبب الصداع لرأسها بالآونة الأخيرة ؟ وخاصة مع كل هذا الضغط بالدراسة والمذاكرة والتي لا تنتهي بدون ان تنسى اختباراتها والتي تتوالى عليها الواحدة تلو الأخرى بدون ان تجد متسع من الوقت لتهتم بنفسها او تنظر لحياتها وهي تشعر لأول مرة بالكره للدراسة لم تشعر به بسنواتها الأولى بالدراسة ببناء الجامعة ؟ فهل المشكلة تكمن بها ام بأستاذها الصارم ؟

انتفضت مرة أخرى وهي تستقيم بعيدا عن الأريكة ما ان زاد صوت الضوضاء بالخارج ، لتلقي بالكتاب فوق الأريكة بإهمال وهي تتمتم بقهر المظلوم
"الرحمة ألا يستطيع الشخص ان يجد الهدوء بهذه العائلة"

خرجت من الغرفة بلحظة لتنزل السلالم بسرعة وهي تتجه للمكان الصادرة منه كل هذه الضوضاء ، وما ان وقفت بقرب باب المطبخ والخارج منه الضجة حتى تجمدت بمكانها لبرهة وعينيها متسعة بوجل ما ان اكتشفت بأن المشكلة اكبر بكثير مما توقعت ! وهي تنظر للمرأة الصارمة والتي كان يبدو عليها كل ملامح القسوة والجمود لتنحت بداخلها وتحولها لأقسى مخلوقات الأرض وقد كان هذا واضح بطريقة وقفتها الجامدة ونبرة صوتها الرنانة بحدة آمرة بعيدا عن اللباقة والتي تتحلى بها دائما ، فما لذي حدث لوالدتها اوصلها لهذه الحالة المتقدمة والتي لا تصل لها بسهولة لتخرج عن طابع ورداء اللباقة والرقي بحكم مرتبة عائلتها ؟ وهذا اكيد لا يحدث ألا إذا كانت مشاكل شقيقتها الكبرى له يد به !

نقلت نظراتها للخادمة الصغيرة والواقفة امامها والتي كانت تتلقى ذلك التوبيخ القاسي من والدتها وهي تبدو قد انخطف اللون من وجهها وكأن شبح الموت قد تلبسها للتو ! لتخفض بعدها بلحظة نظرها لسبب كل هذه المشكلة والتي كانت تدور حول تحطم طقم كامل من الكؤوس والموائد الكريستالية والباهظة الثمن والتي تبين بأنها من الطقوم المقدسة عند والدتها والتي تهتم بها وتحبها اغلى شيء عندها بالمنزل بأكمله ، فكل شيء عندها يهون ألا اشياءها المقدسة والتي تعطيها كل الأهمية .

حانت منها التفاتة باتجاه الخادمات المحصورات عند زاوية المطبخ وهمّ يشاهدون ما يحدث للخادمة بعيون متسعة بوجل بدون ان تتجرأ احداهن على التدخل لكي لا تصيبها من سهام والدتها والتي قد تنسف على وجودها بهذا المنزل بأكمله .

عادت بنظرها لوالدتها وهي تتنهد بيأس قبل ان تتقدم نحوهما بخطوتين لتقف من فورها امامها لتصبح عندها الفاصل بينهما ، لتقول بعدها بهدوء ظاهري متجاهلة نظرات والدتها والتي اصبحت موجهة نحوها
"ماذا هناك يا أمي ، لما كل هذه الضوضاء ببداية الصباح"

كتفت (جويرية) ذراعيها فوق صدرها بقوة وهي تقول باشمئزاز ناظرة للخادمة من خلفها بطرف عينيها بشر
"قبل ان تبدأي بالدفاع عنها ، عليكِ ان تعلمي اولاً ما لذي فعلته تلك البلهاء بطقم كؤوس كامل كان عليها ترتيبه بحرص بالخزانة ليتحطم بالنهاية بدون اي حس بالمسؤولية ، وهي لا تعلم قيمته وكم يكلف ثمنه ولو عملت ليل نهار لن تستطيع جمع نصف ثمنه"

اغتصبت ابتسامة صغيرة وهي ترفع ذراعيها جانبا للدفاع عن نفسها وعن الخادمة ان فكرت والدتها بالهجوم عليهما قائلة بخفوت وروية
"اهدئي يا امي ، والموضوع لا يحتاج لكل هذا الغضب الناري ، قد تكون قد اخطئت بدون قصد فهي اكيد لم تتعمد تحطيم موائد المطبخ ، لذا ارجوكِ سامحيها هذه المرة ولو من اجلي فهي ما تزال جديدة بالعمل"

تقدمت والدتها خطوة لتتراجع الأخرى للوراء قليلاً بتوجس ما ان تخصرت والدتها امامها بلحظة وهي تقول بصرامة حادة مشددة على كلماتها بحزم
"كم مرة اخبرتكِ يا غزل ان تتوقفي عن الدفاع عنها ، فهذه البلهاء لم تخطئ مرة او مرتين بل هي دائما تتعمد الخطأ متأملة ان نسامحها بسبب صغر سنها ومن بعمرها يستطيع إعمار منزل كامل وعائلة بعشر اطفال ، ولكن يبدو بأنها لا تنفع لا بزواج ولا بالعمل خادمة عند عائلة محترمة مثلنا"

ارتفع حاجبيها بدهشة لوهلة وهي تهمس بخفوت ساخر غير مسموع
"ولكن سلوى تزوجت بعمر الحادية والعشرون ، هل تظن نفسها تعيش بالقرون ما قبل الجاهلية"

عقدت حاجبيها ببطء حاد ما ان سمعت ضحكات خافتة خارجة من الخادمة والوحيدة والتي سمعت همسها لتصمت عندها من فورها ما ان وقعت نظراتها عليها بشر وهي تتمتم بخطر
"ماذا كنتِ تقولين الآن يا غزل"

تداركت نفسها وهي تبتلع ريقها بانتفاض لتحرك يديها بعشوائية قائلة بلا مبالاة
"قصدت بأنكِ تبالغين كثيرا بتضخيم المشكلة ، وهي اساسا ليست بكل هذا التعقيد ، فنحن نملك الكثير من طقوم الكؤوس الكريستالية بالخزائن الأخرى ويمكنكِ الاستخدام منها بدل ان تحتفظي بها وتقدسيها للأجيال القادمة"

عادت والدتها للصراخ باستنكار ما ان خرجت الضحكات هذه المرة من الخادمات الاخريات والمحصورات بالزاوية
"غزل"

قالت (غزل) بسرعة وهي تنظر لها وبنفاذ صبر
"ارجوكِ امي كفى ، اعلم بأنكِ لستِ غاضبة من تحطم الكؤوس بل انتِ غاضبة من امر آخر لا يتعلق بالكؤوس وهو ما جعلكِ تنفثين غضبكِ بالخادمات ليكونوا متنفس عن غضبكِ الناري ، وايضا انا اذكر بأني قد استخدمت هذه الموائد على الفطور ولم انتبه جيدا لترتيبها بالخزانة حتى سقطت مع الخادمة هكذا"

ردت عليها بحدة وبحاجبين معقودين بعدم تصديق
"كاذبة"

كتفت ذراعيها فوق صدرها كحركة والدتها الصارمة وهي تقول بهدوء بالغ وبحاجبين مرفوعين بثقة
"صدقي او لا ، هذه الحقيقة"

ضيقت عينيها بحدة قاسية موجهة نظراتها للواقفة امامها تجابهها بنفس النظرات العسلية الحادة بدون اي تردد او خوف من نتائج فعلتها وكأنها تتحداها ان تعترض على كلامها او ان تنكره وهذا هو ما تمتاز به ابنتها والشبيهة بوالدها بقوة المواجهة والصبر عند المنافسة بدون اي تخاذل حتى يعلن خصمها استسلامه ! ليحدث بعدها بلحظات ما توقعته ووالدتها تشيح بوجهها بعيدا عنها بإيباء قائلة ببرود جليدي بصرامة
"لا بأس يا غزل ، ولكن مرة أخرى لن اسامحكِ عليها لا انتِ ولا من يختبئ من خلفك"

عقدت حاجبيها بتركيز لبرهة وهي تتابع خطوات والدتها والتي ابتعدت لخارج المطبخ بعد كل هذه الضوضاء والتي جلبتها معها ، لتشعر بعدها بيد تربت على كتفها برفق قبل ان تلتفت نحو التي اخفضت رأسها ودموع الخزي ما تزال تملئ عينيها وهي تهمس لها بامتنان شديد
"شكرا جزيلاً لكِ يا آنسة غزل ، شكرا لا اعلم ماذا كان سيحدث لي لولا تدخلك"

اومأت برأسها بهدوء وهي ترفع يدها لتربت على كتفها هامسة بلطف
"لا عليكِ ، المهم ان تنتبهي على نفسكِ اكثر بالمرة القادمة ، فأنا لا استطيع انقاذكِ من امي بكل مرة"

اخفضت يدها ما ان رفعت المقابلة لها وجهها الشاحب وهي تبتسم لها بمحبة يناسب ملامحها الطفولية والتي تقارب بعمر السادسة عشر وهي تضطر للعمل خادمة بهذا السن لتحصل على يقوت يومها ، لتلتفت بعدها لباقي الخادمات الاخريات وهي تقول لهم بأمر جاف
"اسمعوا هذه المرة لن اقول لكم شيئاً عن غفلتكم عنها ، ولكن مرة اخرى اريد منكم ان تحرصوا اكثر على العمل بشكل افضل وتعليمها كل اصول العمل بدون ان تخطئ مجددا ، واياكم ان اعلم بأنكم تعطونها وظائف اكبر من سنها ، هل كلامي مفهوم"

حركوا رؤوسهم بلحظة بطاعة تامة بدون اي كلام ، لتتنفس عندها الصعداء وهي تلقي نظرة اخيرة باتجاه الوجه المبتسم لها بامتنان ، لتستدير بعدها وهي تغادر من المطبخ بأكمله وكل تفكيرها يتمحور حول دراستها المعلقة والتي لن تنهيها قبل موعد الاختبار بالغد وهي تشعر ببوادر الفشل والرسوب وشماتة استاذها قد بدأت تلوح لها بالأفق ! وكم ستكون إهانتها كبيرة عندما يحدث كل هذا وافظع من تحطم طقم كؤوس كامل والذي لن يضاهي شيئاً امام فشلها .

______________________________
كانت تشرب من كأس العصير امامها بمهل وهي تنظر لقطعة الفاكهة المعلقة بحواف كأس عصيرها الخاص بها والذي كان بنكهة البرتقال البرية وهو ما كان تحتاج إليه بعد وجبة طعام دسمة ملئت معدتها بها حد الشبع ، رفعت بعدها حدقتيها ببطء لبرهة باتجاه الجالس امامها والذي كان يتكلم مع النادل ونفسه من احضر لهم كل هذه الأطباق المنوعة من الأطعمة والتي اكتشفت معها مذاق جديد للحياة لم تجربه من قبل بأفضل المطاعم بالبلد كما لاحظت ! وكم تشعر بالإحراج الشديد من تواجدها بمثل هذه الأمكنة العريقة والتي كانت محظورة عنها فيما سبق لتصبح وهذا الشخص الجالس امامها جزء من عالمها المنغلق والذي بدأ ينفتح رويدا رويدا على يديه ، فهل السر يكمن بطبيعة الرجل المرتبطة به بعلاقة اكتملت بالأمس ؟ وليست متأكدة تماما من اكتمالها ؟

ارتبكت قليلاً ما ان وجه نظراته الغامضة نحوها بلحظة غادرة لتخفض عندها نظرها لكأس العصير من فورها وهي تعود لشربه بهدوء وصمت عادت لتقمصه ، بينما ابتسم الناظر لها بحنية بتلك الاحداق الرمادية والتي تخصها بنظرات لا يعلم عنها سوى صاحبها ؟ وهو يتسائل بكل مرة عن السعادة اللحظية والتي تبثها بروحه بنظرة لعينيها الخضراء الشاحبة بحزن صامت لا يليق سوى بمقلتيها الكبيرتين مثل غابة نخيل واللتين تحملان كل هموم العالم ومسؤولياته بداخلهما منذ ان وقع اسير عينيها باللحظة الأولى ؟

التفت للنادل مجددا وهو ينتهي من محاسبته ليرحل من امام طاولتهما ، عاد بنظراته للصامتة امامه وهو يتنحنح بخشونة قائلا بجدية هادئة
"هل اعجبكِ"

تركت كأس العصير وهي ترفع نظراتها نحوه بارتباك بذلك الاتساع المريب لتتدارك عندها نفسها وهي تهمس بخفوت مبتسم
"اتقصد الطعام ، اجل لقد اعجبني كثيرا وقد كان افضل طعام اتذوقه بحياتي"

اومأ برأسه بنفس الابتسامة المتسعة قبل ان يضحك بهدوء وهو يقول بابتسامة جانبية
"لقد ارحتني حقا برأيكِ فقد ظننت بأن كل المال والذي اضعته على الطعام قد ذهب هباءً ، ولكني كنت اقصد بكلامي العصير والذي امضيت عليه نصف ساعة وانتِ ما تزالين تشربين منه"

ابتسمت بإحراج استبد منها وهي تبعد كأس العصير من امامها بعد ان اكتشفت بأنها كانت مراقبة طول وقت استغراقها بشرب العصير بدون ان تنتبه لذلك ، لترفع بعدها يدها وهي ترجع خصلات شعرها الطويلة لخلف اذنيها قائلة بهدوء متزن عاد ليتلون بملامحها الشاحبة
"شكرا جزيلا لك على هذا الغداء الرائع وبمكان مدهش لم ارى له مثيل بحياتي ، فأنا لم ازر بحياتي مثل هذه الأماكن الفاخرة ، لذا شكرا لك على هذا الوقت والذي اضعته من عملك لتقضيه معي"

كان ينظر لها للحظات بصمت قاتم قبل ان يقول بابتسامة متزنة بثقة
"لا داعي لكل هذا الكلام والرسمية معي ، فقد ظننت بأن كل الحواجز قد انتهت من بيننا منذ ليلة امس وتحديدا منذ موافقتكِ على مشاركتي لحياتي لتكوني جزء من هذه الحياة بإرادتكِ الحرة ، فأنتِ بالنهاية زوجتي وليس هناك اي رسميات او امتنان بيننا بعد الآن ، سمعتي يا روميساء"

اخفضت وجهها وهي تتلاعب بخصلة مهملة فوق ياقة قميصها بتوتر ما ان عاد لتذكيرها بتلك الليلة والتي كانت اطول ليلة تمر عليها بحياتها ، ولا تعلم لما تبعث بها كل هذا التشنج والحياء بقلبها المنقبض بوجل وهذا غير السعادة الطفيفة والتي تطغى على كل هذا وكأنها ربحت بجولة الحياة لتكسب كأس العالم ؟

ابتلعت ريقها برهبة ما ان قال الجالس امامها بحزم ولطف
"هيا بنا لنذهب من هنا ، ام انكِ تريدين الانتظار حتى تنهي العصير"

زمت شفتيها بحنق وهي تنظر له بعبوس متصلب ، ليقف بعدها وهو يحرك رأسه بضحكة خافتة قبل ان يسير بجوارها ليرفع ذراعه نحوها بإشارة لها قائلا برفق
"هيا بنا يا روميساء الفاروق"

اتسعت ابتسامتها بهدوء بلحظة وهي تقف من فورها لتتمسك بذراعه بيديها برفق قائلة بتصحيح ظريف
"تقصد روميساء الفكهاني"

حدق بها بابتسامة اتسعت تلقائياً من عفويتها معه والتي تظهرها على سجيتها المحببة والتي تقتلها دائما بواقع الحياة ، ادار وجهه بسرعة للأمام وهو يتمالك نفسه مما يحول امره ما ان تكون هذه الفتاة بقربه وكأنها قد استولت على حياته وتفكيره بأكمله بدون اي مجهود يذكر فقط مجرد لعنة تجعله لا يفكر سوى بتفاصيلها الصغيرة كما قال والده من قبل !

وصل بها للسيارة المركونة عند طرف الطريق المقابل للمطعم ، وما ان وقف بجانب مقعد السائق حتى افلت يديها وهو يمد ذراعه بلحظة ليفتح باب السيارة وهو يشير بذراعه الآخر قائلا بغموض
"هيا يا روميساء اجلسي بمقعد السائق"

ارتفع حاجبيها بارتياب لوهلة وهي تنقل نظراتها منه للمقعد قائلة بدهشة
"ولكن يا احمد هذا مقعدك انت ، كيف تريدني ان اقود مكانك....."

قاطعها من رفع ذراعه ليربت على كتفها وهو يقول بهدوء واثق
"لا تقلقي يا روميساء فأنا لم اجن بعد ، قصدت بكلامي بأنني اود تعليمكِ بعض الأمور المهمة عن اساليب القيادة بما انه ما يزال لدينا متسع من الوقت وقد اخذت إجازة من العمل بالفعل ، لذا لا ضير من اعطائكِ بعض الدروس بالقيادة"

فغرت شفتيها بصدمة للحظات وكأنها تحاول التأكد من صدق كلامه لتتراجع بعدها قليلا للخلف وهي تهمس بشحوب
"لا يا احمد ، ما هذا الذي تقوله ، انا لا اريد تعلم شيء واستطيع العيش بدون تعلم قيادة السيارات والتي لا تناسبني من الأساس"

عقد حاجبيه ببعض الجمود بعد ان غاب عنه الهدوء والذي كان يتحلى به امامها ليقول بعدها وهو يشدد من القبض على إطار باب السيارة امامه بقوة
"ماذا قلنا عن هذا الموضوع يا روميساء ، لقد اتفقنا بالفعل وانتِ قد وافقتِ على تعلم القيادة ، فما لذي تغير الآن"

عضت على طرف شفتيها الممتلئتين بغيظ لما وصل به حالها وهو يحاول وضعها بالأمر الواقع ، لتقول بعدها بوجل وهي تلوح بذراعيها بتوتر
"ولكني ظننت بأنك لست جاد بذلك الموضوع لأنك كنت تبدو غاضباً جدا ، وانا ارى بأنه تافه جدا ولا يحتاج لكل هذه الجدية به....."

عاد لمقاطعتها بحزم اشد انتفضت مع نبرة صوته الصارمة وهو يقول
"روميساء كفى ، لقد قلت ما عندي وليس هناك داعي للنقاش اكثر ، وانتِ ستفعلينه ولو رغما عنكِ"

اخفضت نظراتها للأسفل بصمت وهي تحاول كتم انفاسها المصدومة بشهيق لا إرادي مما تتعرض له من الشخص والذي ظنت بأنه اجمل شيء حدث بحياتها ليتحول بلحظة لنسخة اخرى متحكمة عن زوج والدتها (قيس) ، وهذا ما كان عليها توقعه من صنف الرجال بأكمله كما كانت شقيقتها تقول دائما !

رفعت نظراتها بهدوء ما ان شعرت بيديه فجأة وهي تمسد على كتفيها بقوة تسللت لمفاصلها بلحظات ، ليقول عندها من كان يبتسم لها برفق حاني
"اسمعي يا روميساء انا اقدر رغبتكِ بعدم التعلم للقيادة بحكم تربيتك وبيئتك ، ولكنك انتِ الآن زوجة احمد الفكهاني ولا بأس من تعلم القيادة ولو من باب كسب الخبرة لتبقى معكِ للظروف القادمة والتي قد تواجهكِ بالمستقبل ، وايضاً لم اطلب منكِ القيادة الآن فقط اريد ان اعلمكِ القليل عن القيادة النظرية لا اكثر ، وسأترك الباقي لمدربتك والتي ستعمل على تعليمك القيادة فيما بعد"

فتحت شفتيها بارتجاف وهي تنوي قول شيء لتعود لأغلاقه بتوتر قبل ان تومأ برأسها بالإيجاب باستسلام ، ليمسك بعدها بذراعها وهو يدخلها لمكان مقعد السائق برفق قبل ان يغلق الباب من خلفها ليدور حول السيارة بلمح البصر ويدخل بالمقعد المجاور لها .

تنقلت بنظراتها برهبة بمزايا السيارة حديثة الطراز وهي لا تصدق بأنها ستقود هذه المركبة الرائعة والتي اكيد ستكون سرعتها عالية مثل مزاياها الكثيرة ! اخفضت نظراتها للذي كان يشير لها بيده للمقود امامها قائلا بعملية جادة بعثت الرعشة بعظامها
"اولاً امسكي بالمقود بيديكِ بإحكام فهو سيكون السبيل للتحكم بمسار سير السيارة بمنحنيات الطريق امامكِ ، يعني مثل الالعاب الالكترونية ذات مقود التحكم ولكن الفرق هنا بأن هذه واقعية ومن ستقودين امامهم ستكون ارواح حقيقية بين يديكِ"

لعقت طرف شفتيها بارتباك وهي تهمس بوجوم
"لم اجرب بحياتي الألعاب الالكترونية ، هل هذا يعفيني من القيادة الواقعية"

ردّ عليها بكلمة واحدة بحزم صارم
"لا"

اخفضت جفنيها بتعب للحظات قبل ان تنتفض بمكانها وهو يتابع كلامه بعملية جافة
"هيا يا روميساء توقفي عن التكاسل وافعلي ما اقول ، فما اقوله مهم جدا بتعلم القيادة النظرية وبعدها يأتي وقت القيادة التطبيقية"

اومأت برأسها بالإيجاب وهي تتمسك بيديها بالمقود كما قال وهي تشعر بتشنج مفاجئ احتل اطرافها لوهلة وهي تشعر بنفسها قد اصبحت مسؤولة عن عشرات الأرواح والتي قد تدوسها بعجلات السيارة بدون اي رحمة او رأفة ! عضت بعدها على طرف شفتيها بقوة ما ان نفذ صوته اعماقها وهو يقول بجدية مشيرا بقدمه للفرامل من تحت قدميها
"وهذه تكون الفرامل التي تدوسين عليها لتوقفي حركة السيارة....."

توقف عن الكلام فجأة وهو يشهق بألم ما ان داست على قدمه فوق الفرامل باندفاع لا إرادي ، لتتسع عينيها بوجل بلحظة وهي تبعد قدمها بسرعة من فوق قدمه والتي ابعدها من فوره !

نظرت بسرعة لملامحه المتشنجة وهو يخفض نظراته بعيدا عنها بدون ان تتبين اي شيء به ، لتبتلع عندها ريقها برهبة وهي تهمس بحذر
"احمد هل انت بخير ، انا آسف لم اقصد ، اخبرتك بأني لا اصلح لهذه الأمور...."

توقفت عن الكلام بصدمة ما ان قاطعتها ضحكته المرحة بانشراح وهو يرفع نظراته لها بهدوء ! ليضرب بعدها بطرف اصبعه على مقدمة جبينها بخفة قائلا ببرود
"غبية يا روميساء ، بدل ان تدوسي على الأرواح امامكِ دستِ على قدمي زوجك"

تبرمت شفتيها بعبوس وهي تبعد نظراتها عنه بغضب مكتوم متمنية ان تنشق الأرض الآن وتبتلعها من هذا الموقف المخجل اكثر من اي موقف آخر مرّ عليها ، شهقت بألم ما ان شد على خصلة طويلة من شعرها ليوجه رأسها للأمام قائلا بأمر هادئ
"هيا ركزي يا روميساء ، انتِ تضيعين وقتنا بهذا التكاسل وتزيدين من اخطائكِ عندي ، وهذا ليس جيداً على معلمة محترمة مثلكِ"

شددت من الضغط على اسنانها بتصلب حانق وهي تلوح بذراعها لتدفعه بعيدا عنها ، وما ان ابتعد عنها حتى عادت للقبض بيديها على المقود بتصلب وهي تشتم نفسها مما اوقعت نفسها به وهو يتجرأ ويعايرها بلقب المعلمة ! وكم تتمنى الآن لو انها اندفعت بكل قوتها وهي تدوس على قدمه الحمقاء حتى تسبب له العرج والذي سيجعله يندم على اليوم والذي فكر فيه بتعليمها القيادة .

يتبع..................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس