عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-21, 09:11 PM   #142

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثالث والعشرون

الفصل الثالث والعشرون...........
اوقف السيارة امام المنزل قبل ان يخرج منها وبلمح البصر كان يدور حول السيارة ليصبح بلحظات امام الباب المجاور لمقعدها وهو يفتحه لها بهدوء ، خرجت بعدها بمساعدة يده وهو يسحبها برفق قبل ان يقفل الباب من خلفها ، ليقف بعدها بجانبها وهو يهمس بابتسامة جانبية بهدوء
"هل انتِ بخير الآن ؟"

اومأت برأسها بشرود ونظراتها ساهمة بالبعيد بصمت قاتم ، لتخفض بعدها نظراتها ليده الممدودة امامها قبل ان ترفع يدها البيضاء الصغيرة ببطء لتضعها براحة كفه بلحظة ليشدد عندها بقبضته عليها بقوة ، ادار بعدها بلحظة حدقتيه بعيدا عنها وهو يسحبها من يدها باتجاه مدخل المنزل بخطوات ثابتة .

دخل من باب المنزل وهو ما يزال يسحبها من خلفه بصمت ، ليقف بعدها كليهما بمنتصف البهو الواسع ما ان تقابلا امام الفردين المجتمعين بالمكان .

بادرت بقطع الصمت صاحبة الابتسامة الكبيرة والتي اندفعت بلحظات امام شقيقتها لتعانقها من فورها بين احضانها بحنان ، قبل ان تمسك بكتفيها بقوة وهي تبعدها عنها قليلا لتمسح على جانب وجهها قائلة بسعادة متناقضة عن الأجواء الغائمة من حولها
"كم انا سعيدة بعودتكِ للمنزل من جديد يا حبيبتي ، لقد اخفتني عليكِ كثيرا ! ولكني حقا ممتنة لوجود شادي معكِ واهتمامه بكِ بفترة غيابك"

حادت بأطراف عينيها بحذر للواقف بجانبها بصمت يراقب ما يحدث بحاجبين مرفوعين بانتباه بارد تمثيلي ، لتعود بنظرها بضيق للتي عادت للكلام وهي تتابع باستياء حازم
"ولكن ما فعلته بآخر مرة من تهور وجنون لا يغتفر ابدا ! وسعيدة جدا لأن شادي اعادكِ لعقلكِ بالنهاية......"

قاطعتها التي امسكت بيدها بقوة وهي تهمس بتشنج عابس
"روميساء ارجوكِ !"

اتسعت ابتسامتها بمحبة وهي تضحك بخفوت ويدها تمسح على رأسها بصمت شاحب وبراحة ما ان رأتها امامها بخير وسلامة بعد خروجها من المنزل غاضبة قبل يومين ، ليتدخل بعدها صوت (احمد) وهو ينقل نظراته بينهم باتزان ووقار
"حمد الله على سلامتكما لقد طال غيابكما كثيرا عنا ! وبالمرة القادمة عليكما ان تنتظرا بعد حفل زفافكما لتهربا برحلة شهر عسل جديدة من اجل ألا نغضب احد من العائلة ونقلقها اكثر ، ولكن بما انكما قد ذهبتما بها وانتهى الأمر فلا بأس برحلة اخرى"

ردّ عليه الذي فهم المغزى من كلامه والرسالة والتي كان يحاول ايصالها له من دون الجميع وهو يقول له بهدوء بالغ
"لا داعي للتنبيه يا احمد ، فأنا اعلم جيدا بأني لم اخطئ بما فعلته عندما اخذت زوجتي بهذه الرحلة المفاجئة ! وبخصوص خوفكم عليها فهي زوجتي واكيد ستكون بأفضل حال معي وليس مع اي احد آخر ، لذا وفروا قلقكم هذا واريحوا قلوبكم فنحن ادرى بمصلحة انفسنا قبل الجميع"

غيم الصمت فجأة بأنحاء القاعة بمشاعر متنافرة ظهرت على السطح وعلى ملامح وجوه الحاضرين ، ليقطعها بعدها صوت التي كانت تسير بحذائها ذو الكعب العالي على الأرض الرخامية وقد لفتت كل الأنظار لها بلحظات معدودة ، وهي تتجه مباشرة امام التي امتعضت ملامحها فورا بضيق ما ان وقفت امامها بلحظات لتلوح بذراعها جانبا وهي تتبعها بصوتها المغري قائلة بسعادة منقطعة النظير
"مبارك عقد قرانكما ، اعلم بأن مباركتي متأخرة وقد تغيبت عن موعد عقد قرانكما ، ولكن كل هذا بسببكما فأنتما لم تعطياني المجال لأبارك لكما بعد هروبكما السريع ما ان تم عقد القران بدون اي تفكير بمشاعر افراد العائلة والتي كسرتم قلوبها بفعلتكم !"

ارتفع حاجبيها بدهشة باردة وهي تتمعن بجسدها المكشوف نسبيا ببطء وبنظرات مشمئزة من تحت ثوبها القصير والشفاف بعض الشيء وبدون اكمام ، وهو يذكرها بنوع ذاك الثوب والذي اختاره (شادي) من اجلها ! وكم تشعر بالنفور منه اضعاف ما ان تجسد على هيئة تلك المرأة .

بينما كانت نظرات الواقفة بقربها شبيهة بنظرة شقيقتها تلك ، ولكن الفرق بأنها كان يطغى عليها الوجوم ممزوج بالاستياء وهو يطفو على ملامحها من منظر ثوبها الفاضح والذي سيكون لفت كل عيون الرجال لها ومن بينهم زوجها والذي كان يسلط عليها النظرات من جهته منذ لحظة وصولها لهم بدون ان تفهم الخيبة والتي طافت على سطح ملامحها لوهلة ! وما ان التقت نظراتها بعينيه الرمادية الساكنة لبرهة حتى اشاحتها بعيدا عنه بضيق غير مبرر وكأنها لم تعد تطيق النظر له اكثر وبعد كل ما شاهدته منه ومن زوجته الفاجرة تلك ؟

عادت (سلوى) للكلام وهي تنقل نظراتها بينهما ببساطة قبل ان تقول بابتسامة صغيرة بمغزى وبأطراف حدقتيها الموجهة للأخيرة
"حقا هذا شيء رومانسي جدا لا نراه كل يوم ! ان تذهبا برحلة بعيدة بدون علم احد وتعودا منها ممسكين بأيديّ بعضكما البعض مثل عصافير الحب والتي تستعد للتحليق بعد يومين فقط من عقد قرانكما ؟ ولكن لما الصدمة إذا كانت الكبيرة فعلت نفس الشيء وسحرت ذاك الرجل المتزوج ! فلا عتب إذاً على الصغيرة !"

اتسعت العيون الناظرة لها بانشداه صادم دام للحظات ، ليقطعها بعدها التي ارتسمت السخرية على محياها وهي تتقدم امامها هامسة بنفور واضح ونظراتها ما تزال تدور على ملابسها الفاضحة
"ليس لأنكِ لم تستطيعي المحافظة على زوجك تلقين بعيوبك على الآخرين ! وصدقيني لو كان بيدي لجعلت زوجك ذاك يتزوج مني للمرة الثالثة ، لأريكِ عندها ماذا يستطيع ان يفعل سحر الصغيرة ؟ وكله من اجل ان اريكِ ضعف تفكيرك والنقص الذي تعانين منه بحياتك ويحتاج للعلاج"

تسمرت بمكانها للحظات بفعل الصدمة وقد بدأت النيران تتأجج بمقلتيها بحرارة ما ان فهمت مقصدها وقبل ان تتكلم سبقها الصوت والذي صدح من الخلف بأمر
"سلوى ، يكفي لهنا"

عبست ملامحها بضيق حانق وهي تنقل نظرها بين ثلاثتهم باشتعال صامت عاد ليتقد بدواخلها بنفس الحقد ، لترفع بعدها نظراتها بإيباء وهي تنفض شعرها المتشابك للخلف قبل ان تغادر بعيدا عنهم وبنفس الطريقة والتي جاءت منها .

افاقت من شرودها على اليد والتي ما تزال تمسك بكفها وهو يشدد عليها بلحظة هامسا بجفاء حاد
"لقد تجاوزتِ كل توقعاتي بجنونك ! إذاً تفكرين بالزواج من احمد وتعترفين بذلك امامي ؟"

حادت بأطراف حدقتيها الزرقاوين نحوه بوجوم قبل ان تهمس ببرود جليدي
"فكر بما تشاء"

اعادت نظراتها للأمام وهي تقول بإنهاك واضح
"عذرا منكم ! ولكني احتاج للذهاب لغرفتي"

وما ان انهت كلماتها حتى حاولت نفض يدها بعيدا عن قبضته بتمرد اجتاح كيانها فجأة حتى افلتها اخيرا بدون ان يترك اسر نظراتها وبابتسامته المائلة المتوعدة ، لتشيح بنظراتها بعيدا عنه بلحظة وهي تكمل سيرها باتجاه السلالم وامام نظراتهم بصمت عاد ليحوم بالمكان بغمامة باردة .

_______________________________
دلفت للغرفة وهي تسير باهتزاز واضح تكاد تقع من تعثر قدميها وتشوش الصورة امامها وهي تشعر بالصداع يكاد يفتك برأسها وبالحرارة المشتعلة والتي دبت فجأة بكل اطراف جسدها المتشنج بانقباض حاد ، لتجلس بهدوء على طرف السرير بعد ان استبد بها التعب وهي تدلك بيديها على صدغيها بألم حارق ارهق كيانها وكأنها بداخل فوهة البركان .

اقتحم بعدها بلحظات خلوتها صوت التي وقفت بقربها وهي تقول بهدوء صارم
"ماسة ماذا كان هدفك من ذلك الكلام ؟ والذي قلته امام العائلة بأكملها بدون اي حياء او احترام لأحد !"

تنفست بتهدج وهي تزيد من الضغط بأصابع يدها قائلة بخفوت بارد
"لا تقلقي يا روميساء فقد كان مجرد كلام لرد الإهانة لا اكثر ، فأنا من المستحيل ان افكر ولو مجرد تفكير بالزواج من زوجك المصون ، لأني سأكون عندها مجنونة لو دخلت بحرب الزوجات ، ولا افكر ايضا بتعدد الازواج بحياتي ، يكفي مصيبة الزواج المعلقة بها الآن"

عقدت حاجبيها بقوة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة بتصلب حانق
"توقفي عن ادعاء عدم الفهم يا ماسة ، انا قصدت ما هو هدفك من قول ذلك الكلام السام وعلى مسمع من الجميع ؟ أتعلمين ماذا سيظنون بكِ الآن وخاصة زوجكِ الحالي والذي يبدو كلامكِ لم يروق له ابدا"

اخفضت عينيها القاتمة بصمت وهي تعلم جيدا عن ماذا تتكلم وإلى ماذا تريد ان تصل له ؟ فقد رأت بالفعل غضبه المستعر من كلامها بنظراته وبكلماته الأخيرة المهددة لها والتي كادت تحرقها حية بدون ان تبالي بها ، فيبدو بأن مهمة استفزازه قد اصبحت من هواياتها اليومية وقد يغير يوما ما رأيه بها إذا وصل غضبه منها لأقصاه لتتخلص عندها من هذا الرباط بأكمله وتعود حرة كما تريد !

رفعت وجهها امامها ببطء وهي تهمس بابتسامة شاردة بقتامة
"وهذا هو المطلوب يا روميساء ويبدو بأني قد اصبت هدفي هذه المرة بنجاح ، ولا تهتمي بظنونهم بنا فهذا هو المتوقع من بنات المجرم وغير هذا مهما حاولتِ ادعاء اللطف امامهم فلن يصدقكِ احد وسيكذبكِ الجميع ، لذا لا داعي لكل هذا التمثيل وكوني على طبيعتك فهذا افضل لنا من اجل حياة سعيدة بهذه العائلة"

ساد صمت ثقيل بينهما للحظات قبل ان تقطعه التي تقدمت لتجلس بجانبها وهي تقول بجدية هادئة
"هذا يعني بأني كنت محقة بكلامي ولم يكن الهدف من ذلك الكلام ردّ الإهانة ! بل كان من اجل ان تلعبي بأعصاب زوجك بذلك الكلام الوقح وتتحديه بجنونك والذي ليس هناك عقل رجل يتحمله ، ولو كان كلامكِ صحيح بخصوص لقب بنات المجرم لما وافق رجال العائلة بالزواج بنا ، لذا عدلي افكاركِ والتي لا تقنع احد يعرف ألاعيبك جيدا"

ارتفع حاجب واحد بخفة وهي ما تزال ساهمة بنظرها بالبعيد لتهمس عندها باستياء خافت
"رائع ! هل هذه طريقة جديدة بتهديدي ؟"

عبست ملامحها بوجوم للحظات قبل ان تزفر انفاسها بيأس ، لتلين بعدها ملامحها قليلا وهي تقول بابتسامة هادئة بحنية
"اسمعي يا ماسة ، انتِ تخطئين كثيرا بهذه التصرفات المجنونة ، فقط من اجلي ان ترضي نفسك وتحققي ما تسعين له من افكار خاطئة لن تساعدك ابدا بحياتك القادمة ، فأنتِ توهمين نفسكِ وتظنين بأنكِ ستكونين افضل بدون اي رجل بحياتك ، وهذا اكبر خطأ من الممكن ان تقترفينه بهذه الحياة والتي تحتاج لرجل ليكمل معكِ بهذا المشوار ، واي كلام آخر او معتقدات فهو مجرد كلام فارغ لا وجود له من الصحة ، والزواج من رجل يحبك هو حلم كل فتاة"

حركت رأسها بشرود لبرهة قبل ان تحفر ابتسامة باهتة على طرف شفتيها وهي تهمس بخفوت
"ومن قال بأنه من الضرورة العيش مع رجل لتكوني حقا انثى ؟ او انه حلم كل الفتيات بالعالم ! انا ارى بأن افكاركِ لا تختلف كثيرا عن افكار صفاء الحالمة ، لذا اوقفا انتما الاثنتان الثرثرة عن هذا الموضوع لأني قد شبعت منه واكتفيت"

فركت جبينها بإحباط قبل ان تعود بالنظر لها وهي تتمتم بجدية صارمة
"حسنا لن نتكلم عن هذا الموضوع حالياً ، ولكن عليكِ ان تعلمي بأنه قد حان الوقت لتعتذري من جميع افراد العائلة على ذلك الكلام الوقح ، ومن بينهم زوجة احمد سلوى والتي تكون اكبر منكِ سنا ومن واجبكِ ان تكني له ولو بعض الاحترام....."

ارتفع حاجبيها بلحظة وهي تلتفت بوجهها نحوها قائلة باستنكار منفعل
"ماذا قلتي ؟ تريدين مني ان اعتذر من تلك الفاجرة والتي لا تستحق حتى ان انطق باسمها ! ولا اعرف حقا ما هو الذنب والذي اقترفه احمد بحياته ليعاقب بزوجة مثلها ! لا تملك سوى تعاليها الاحمق وانفها الطويل وعمرها الذي لا يتجاوز تفكير الاطفال......"

قاطعتها بصرخة صارمة وهي ترفع سبابتها نحوها بتحذير
"ماسة اصمتِ"

زفرت انفاسها بارتجاف وهي تشيح بوجهها بعيدا عنها بعنف ، لتتابع بعدها بلحظات كلامها وهي تهمس ببعض الحياء
"ماسة اصدقيني بالقول ، هل حدث شيء بينكِ وبين شادي ؟ يعني تفهمين ما اقول ؟"

عقدت حاجبيها بوجوم لوهلة قبل ان تتسع عينيها الزرقاوين بتشنج ما ان فهمت مقصدها ! لتلتفت بعدها نحوها بلحظة هامسة باندهاش
"ما هذا الكلام الذي تقولينه يا روميساء ! هل هذا الوقت المناسب لمثل هذا الكلام ؟......"

قاطعتها بحدة وهي تهمس بأمر
"تكلمي يا ماسة"

عضت على طرف شفتيها بغضب مكتوم قبل ان تدير رأسها بعيدا عنها هامسة بعبوس
"لا لم يحدث شيء مما تفكرين به ، اريحي نفسك"

زفرت انفاسها بهدوء وببعض الاطمئنان على حالة شقيقتها المتخبطة فهي متأكدة بأنها ليست مستعدة لمثل هذه الخطوة الواسعة بحياتها والتي تحتاج للوقت المناسب والذي تكون به هذه المجنونة بكامل عقلها ورجاحتها ، رفعت بعدها الأخرى يدها وهي تعود لتدليك رأسها بحدة بعد ان زاد الصداع اكثر حتى اصبح لا يطاق لتقول عندها بلهاث مجهد
"ارجوكِ يا روميساء ، لا اريد التكلم ، فقد اكتفيت من كل هذا"

تغضن جبينها بريبة لوهلة وهي تنظر لحالتها الغريبة والتي تغيرت بلحظة ؟ لتمسك من فورها بكتفها وهي تديرها نحوها بقوة قبل ان ترفع يدها وهي تتلمس على جبينها بحذر ، انتفضت وهي تبعد يدها بقوة قبل ان تهمس بعبوس متوجس
"حرارتكِ مرتفعة جدا يا ماسة !"

لم تجيبها التي كانت تلهث بتعب وسخونة شملت كل جسدها لتصل لروحها والتي تحولت بلحظة لجمر مشتعل يكاد يحرق احشاءها وكل ما تصله ألسنتها ، ولم تشعر بالتي نهضت من مكانها لتعبث بالأدراج بجانب سريرها وهي تتمتم بسخط منفعل عادة ما ينتابها عندما يهمل احدهم بالتصرف بحياته
"يا لكِ من حمقاء يا ماسة ، لا تهتمين بنفسكِ جيدا بالرغم من التنبيهات والتحذيرات والتي امطرها عليكِ دائما بخصوص صحتك ، ولكني دائما وكأني اكلم نفسي"

رفعت حدقتيها الزرقاوين باهتزاز والتي تشوشت بهما الرؤية باتجاه التي قدمت امامها قرص الدواء مع كأس الماء ، لترفع بعدها يدها بارتجاف وهي تلتقط قرص الدواء قبل ان تضعه بفمها ليتبعها بشرب كأس الماء من فورها على دفعات ، بينما التقطت منها المقابلة لها كأس الماء لتعيده لمكانه فوق المنضدة .

التفتت بعدها باتجاه التي ما تزال تلهث بتعب وبعض قطرات العرق بدأت تغزو جبينها الأبيض بوضوح ، لتتقدم بعدها امامها بصمت قبل ان ترفع يدها وهي تبعد خصلات شعرها الملتصقة بوجهها من العرق وبعض منها عالق بداخل ياقة الفستان ، لتجمع عندها كل خصلاته معا قبل ان تعقدها فوق رأسها بكتلة مستديرة وهي تلفهم بإحكام بخصلة من شعرها بحرص .

امسكت بذراعها برفق وهي توقفها معها لتسحبها باتجاه الحمام الملحق ، وما ان وصلت امام الحوض حتى ادارت لها صنبور الماء بقوة ليتدفق عندها بعنف ، قبل ان تحني بلحظة رأس الواقفة بجانبها برفق تحت الماء ليتدفق عندها بثواني على كامل رأسها وشعرها بانسياب .

بعد لحظات كانت تسحبها باتجاه السرير قبل ان تجلسها امامها والأخرى تسير معها بخنوع تام بدون اي اعتراض ، لتقول بعدها بنبرة عتاب من كانت تمسح قطرات الماء عن وجهها بالمنشفة بحرص بالغ
"لقد اخبرتكِ ان تنتبهي ألا ترتفع حرارتك اكثر مما ينبغي ، أنسيتِ ماذا حدث بآخر مرة ارتفعت بها حرارتك......"

قاطعتها من نطقت اخيرا وهي ترفع حدقتيها الدامعة بقطرات الماء قائلة بارتجاف احتل اطرافها
"هذا لأن الجو قد تغير عليّ يا روميساء ، لا داعي لتضخيم الأمر هكذا"

اخفضت المنشفة للأسفل وهي ترفع اصابعها امام عينيها بحذر ، لتنزع من فورها العدسات عنهما على مسمع اعتراضها وهي تهمس بامتعاض متمسكة بذراعيها بتشبث
"روميساء لا تفعلي......"

قاطعتها من نفضت ذراعيها للأسفل بعيدا عنها وهي تتجه صوب المنضدة لتضع العدسات بعلبتهما الخاصة بحذر قائلة
"ولا كلمة يا ماسة ، لن تستطيعي النوم براحة وهؤلاء بعينيكِ ، وعندما تتحسن حالتكِ قليلا ، يمكنكِ عندها وضعهما"

رفعت يدها وهي تعيد خصلاتها المبتلة للخلف هامسة بنشيج منخفض طغى على صوتها
"ولكن ما علاقة العدسات بمرضي ؟ هل هما السبب بارتفاع الحرارة !"

وقفت امامها وهي تلوح بسبابتها قائلة بصرامة قاطعة بقسوة نبضت بعينيها الخضراوين
"اصمتِ يا ماسة واسمعي الكلام ، والآن ارتاحي وانا سأذهب لأحضر لكِ الطعام المغذي ، ثواني واعود ، إياكِ والتصرف بحماقة بغيابي وألا ستندمين"

عضت على طرف شفتيها بكبت وهي تدير حدقتيها الزرقاوين بعيدا عنها هامسة بتذمر
"هذه قسوة بالغة منكِ !"

ابتسمت بحنان عاد ليغزو ملامحها الشاحبة بلحظة وهي تسير بعيدا عنها باتجاه باب الغرفة ، قبل ان تتوقف قليلا وهي تلتفت بنصف وجهها قائلة بعطف رقيق
"لقد اعجبني كثيرا الفستان الذي ترتدينه ، انه يجعلكِ مبهجة اكثر من السابق"

همست بخواء بدون ان تنظر لها
"وهل هذا شيء رائع ؟"

ادارت وجهها للأمام وهي تتابع السير قائلة بثقة
"اكيد فهو بحد ذاته تقدم !"

التفتت بوجهها ببطء نحو الباب والذي خرجت منه الأخرى ، لتتنهد بعدها بلهاث خفت عن السابق وبنار انطفئت بعض الشيء بخلجات روحها لتتبدل ببعض البرودة ، قبل ان تستلقي برفق على السرير من خلفها وحدقتيها الزرقاوين السماويتين بلونهما الطبيعي شاخصتين بالسقف من فوقها بسكون تام ، لتنخفض بعدها تدريجيا اجفانها على كل من احداقها المتسعة حتى انغلقت بالكامل بين ضباب عالمها ودموعها والتي اظلمت عليها الرؤية حتى انحصرت بداخل روحها وبداخل خلجات قلبها إلى ما لا نهاية ....

_____________________________
كانت تلهث بتتابع وهي تتلوى بمكانها كل دقيقة بدون توقف وشفتيها ترتجفان بهذيان غيم على احلامها بلحظة وهي تدخل بغمامتها السوداء والتي لا يتواجد بها سوى معاناة طفلة على اعتاب المراهقة قضت الحياة على آخر امل بها وسعادة دفنت بين الأنقاض مع الذكريات المنسية ، ليبدأ يحوم من حولها وهو يقتحم عالمها رغم مقاومتها المستميتة وغيوم من الأدخنة تأسر ضباب عقلها وتشكل قضبان حياتها ، وثرثرة مزعجة مقيتة مع أنفاس كريهة ما تزال تخترق اذنها وكأنها قربها تماما لا يفصلها شيء عنها وكلمات متداخلة لا تستطيع التبين منها سوى القليل وما حفظته عن ظهر قلب بدون ان تستطيع نسيانه وبعد ان حفر بهوة حياتها

(تعالي يا جميلتي لكي نمرح معا قليلا ولن يعلم احد بذلك)

(انتِ اجمل من رأت عينيّ ، ولن ارى بمثل هذا الجمال الشبيه بالقمر المكتمل)

(ما رأيكِ ان اعلمك القليل عن عملنا وصدقيني سيعجبكِ كثيرا ؟)

(انا اعدكِ بأنني سأحولكِ لملكة متوجة ولكن حينما ترضيني بما اريد وتقدمي لي مكسب مشبع ، وهذا يعتمد عليكِ يا جميلتي ، وصدقيني كل شيء وله ثمن وبحسب العطاء الذي تقدمينه وبالمقابل انتِ الرابحة بالنهاية)

(إياكِ وان تخبري العم قيس بشيء فهذا سيبقى سر صغير بيننا !)

انقبضت روحها بتلك الهوة مجددا وما ان تسمع تلك الكلمات النافرة والخارجة من عدة رجال ومن اقبح المخلوقات على وجه الأرض ومن صادفتهم كثيرا بحياتها ، لتعود لذكرياتها الغائمة وما يتبعه دائما بعد تلك الكلمات وهي توجه لهم حقدها الدفين نحو ذاك النوع من الذكور بأن تخرج لهم ابشع صفاتها وهي محاولة قتلهم بدون اي تردد بأي اداة حادة قبل ان يحاولوا النيل منها ، وما ان تفعل حتى يتراجعوا عن مسعاهم مخافة من جنونها وما سيحول حالهم من شرورها والذي لا يتضمن اي تراجع ، وما يكبح جنونها دائما وقبل ان تصل لنقطة قتلهم على يديها هو ذلك الصوت القاسي والذي يتبعه بقبضة حديدية وهي تمسك بذراعها بعنف
"توقفي يا مجنونة واتركي هذا الجنون عنكِ !"

وعندما تزيد مقاومتها له بكل قواها وهي تحاول خدشه بأظافرها واسنانها بحالة من الجنون الغير محدود والذي اطلق سراحه حتى يوقفها عندها بصفعة مدوية تزين جانب وجهها بقسوة لتجمدها بمكانها للحظات ، وما ان تستكين عن الحركة تماما حتى يسحبها من فوره بذراعها بقسوة قبل ان يلقي بها بداخل غرفتها بعنف مثل الدمية ، وهو يتمتم بتحذير خطير غير مبالي بالتأوه والذي خرج منها بقوة دفعه لها والتي سببت الكدمات بجسدها
"إياكِ وان تخرجي من الغرفة قبل ان تتعقلي وتكفي عن هذا الجنون ، فأنا لا ينقصني ان تعيش معي قاتلة بمنزلي ، ومرة أخرى إياكِ وان تقتربي من احد منهم ، هل فهمتِ ؟"

ليخرج عندها صوتها الخاوي بتأوه متألم بارتجاف طغى على جسدها النحيل
"هو الذي بدأ اولاً وحاول التقرب مني"

لم تسمع بعدها سوى صوت صفق الباب من خلفه وهو يقفله بقوة بالمفتاح ، وانفاسها ما تزال تخرج ببرودة خاوية وبلهاث مهتز اتعب خفقات صدرها وهو يحتل جنبات روحها وبجسدها الصغير والذي لم يتجاوز عمر الرابعة عشرة بعد ، ولكن الجيد بأنها ستبقى محبوسة بهذا المكان لفترة لا تعلم كم ستدوم وبعيدا عن كل الأنفس الكريهة والتي عليها تحملها طيلة حياتها القادمة ؟ وكم تود لو تقترب نهايتها بسرعة نبضاتها وتكون بين هذه الجدران قبل ان يعلن عن تحرير سراحها من جديد لتعود لمعاناة جديدة مع تلك المخلوقات الذكورية والتي تتربص لها بكل مكان .

عادت للتلوي بمكانها بحدة وبسخونة اشتعلت بكل جوانبها دفعة واحدة وهذه المرة مع شهيق منتفض ما ان عادت بذاكرتها لذلك اليوم المشؤوم قبل ست سنوات مضت والذي ارتفعت به حرارتها لأقصى درجاتها بعد ان نامت ليلتها بأرض المطبخ الباردة فاقدة الوعي عندما كانت تداوم بأعمالها اليومية المسائية ، وما تزال تذكر صوت شقيقتها المرتعب بعد عودتها للمنزل وهي تحاول افاقتها بشتى الطرق ، صارخة بهلع وهي تستنجد بالشخص الوحيد الموجود بحياتهما
"ارجوك يا عمي قيس افعل شيئاً ! حرارتها مرتفعة جدا وكأنها جمر مشتعل ، وهي حتى لا تستجيب لأي مناداة وقد حاولت كثيرا !......"

قاطعها ذلك الصوت البارد وهو يقول بنفاذ صبر بدون اي رأفة
"اصمتِ يا روميساء ، وخذي شقيقتك لغرفتها وبردي جسدها بالماء البارد قد تستعيد عندها وعيها"

ارتجفت وهي تتمتم باضطراب متلعثم
"ولكن ماذا عن الطبيب ؟ انها تحتاج للطبيب حالاً !....."

عاد لمقاطعتها بحدة صارخة وهو يلوح بذراعه بأمر
"وهل ترينني طبيب يا حمقاء ؟ اذهبي واتصلي برقم الطبيب ليأتي ويرى حالتها ! هيا تحركي"

لم تسمع بعدها سوى همسة خافتة من التي غادرت بعيدا عنها بلحظة
"حاضر"

بعدها بدقائق طويلة شعرت بها دهور وبعد ان ظنت بأن نهايتها وشيكة لا محالة كانت تشعر بتدفق الماء البارد مثل الحجارة الصغيرة يتساقط على جسدها بالكامل ، وهو يعيد خيوط ذهنها الضائعة بتشتت لمكانها وبشعور بالحياة والتي دبت بأعماق روحها الخاوية فجأة والذي جعلها تستعيد روحها الهاربة منها شبيهة بمعجزة خلقية !

ولكن ما لم تستطع استعادته بعد تماثلها للشفاء هو النطق والذي خسرته بسبب الحرارة العالية والذي اتلف احبالها الصوتية بدون رجعة ، وكم عانت كثيرا بتلك الفترة الوجيزة والتي جعلتها تلقب من بين مئة لقب (بالخرساء) ، وحتى بعد تلك الفترة وعودة سلامة نطقها كما كان فما تزال تعاني بالصمت التام بحياتها علمتها بأن النطق غير مهم بالحياة إذا لم يكن هناك احد ليسمعك ، والثرثرة الكثيرة لا فائدة منها إذا لم يكن هناك امر شيق تثرثر به ، لتحبس كل كلام العالم بداخل روحها المحجوزة بقضبان صنعتها بنفسها وبمنطق واقعها والذي تعايشت معه منذ الأزل .

يتبع...........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس