عرض مشاركة واحدة
قديم 13-09-21, 06:37 PM   #4125

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي




في قصر يعقوب الكانز..

كانت زاهية جالسة في مجلسها بعد أن عادت هي وزوجها من المشفى وبقي مُؤيد هناك ليتابعوا حالته..

رغم أنه لم يكن هناك في ساقه ما يستدعي القلق إلا أنه لم يهدأ بالها من أي قهر وعذاب بسبب ما عرفته اليوم عن زوجة ابنها رتيل..

كنّتها المفضلة التي اختارتها بنفسها من بين عشرات الفتيات ومن اعتمدت عليها في كل شيء وتفصيله في حياتها هنا.. يخرج منها كل هذا!

إلى الآن لا تصدق ما حدث! تكاد تقسم بأغلظ الأيمان بأنها لا تصدق أي شيء مما حدث!

لكن ماذا عليها أن تفعل الآن؟

لأنها لو أخبرت عائلة رتيل فلن ينتهي اليوم قبل أن يقتلوها دون حتى محاولة التأكد من صحة الكلام!

فهنا كل شيء إلا شرف وسمعة المرأة! لا يسمح لها أبدًا حتى أن تخدش!

دخلت نورين المجلس واتجهت إلى حيث تجلس حماتها وطالعت وجهها والانكسار المتجلي على مُحياها المجهد لتقول لها بابتسامة رقيقة

((لقد طلبت من منال أن تعد لك كوب عصير طازج يا عمتي بعد قليل))

خرجت زاهية من شرودها ثم نظرت لمُصعب الذي جاء هو وزوجته قبل ساعة هنا فبادلته الابتسامة بعد يوم طويل متحاملة على الألم الذي تشعر به..

مدّ مصعب يده يلامس كتف أمه وهو يقول باهتمام وقلق عليها

((أمي وجهك شاحب للغاية، كل هذا من أجل إصابة مؤيد؟ ألم يقل لكم الطبيب أنه سيكون بخير؟))

((دعك مني يا مُصعب.. هل سلمت على أخيك مازن؟))

أجابها مصعب بهدوء

((بالطبع يا أمي.. سبب زيارتي هنا كان رؤيته والتسليم عليه وعليك قبل أن أسافر))

سألته زاهية باهتمام

((كم ستطول مدة سفرك من أجل ذلك المؤتمر الذي تم اختيارك لتذهب إليه بعد مدة؟))

عقد مصعب حاجبيه قبل أن يقول

((أمي لن تزيد المدة عن أسبوعين، صحيح أن المؤتمر سيكون لثلاثة أيام فقط لكن سأحتاج لأسباب أخرى لتمديده لأسبوعين، لا داعي للقلق عليّ فهو بمدينة أخرى غير مدينتنا لا بلد آخر))

اعترضت زاهية بصوتها الواهن الأبحّ

((أسبوعين لن تزورنا فيهم ولن نزورك.. كثير يا مصعب))

تدخلت نورين في هذه اللحظة لتقول بحنق بالغ

((نعم أمك معها حق يا مصعب، أسبوعين هما مدة طويلة وإذا كنت مضطرا للذّهاب له فدعني أبقى هنا))

حدجها مصعب بنظرات صارمة وهو يقول بصوتٍ يشوبه الغضب

((إذا بقيت هنا فكيف سأدبر أموري لأسبوعين وحيدا؟ من سيكوي ملابسي وُيعد الطعام لي هناك؟ من سيوقظني على المواعيد؟))

استغربت الحاجة زاهية ما يدور بين هذين الاثنين وناظرت نورين التي كتفت ذراعيها بحنق.. تشيح وجهها عنه.. وتهمس بغيظ

((لكن ألا يكفي أننا انتقلنا بناء على رغبتك وإصرارك من بيت العائلة لبيت آخر مستقل أصغر ولا نأتي إلى هنا إلا مرة كل أسبوع! والآن تريد مني السفر معك لأسبوعين))

عادت الحاجة زاهية تنظر جهة مصعب بنفس الاستغراب وهو يرد بصوتٍ يعلو قليلا

((يكفي يا نورين ضغطًا عليّ، هل أنا ذاهب هناك للاستجمام والراحة؟ سيمر الأسبوعين بسرعة لو كففت عن التذمر))

طالعت نورين مكشره الجبين حماتها وقالت برجاء وهي تعقد حاجبها

((قولي شيئا يا عمتي وتدخلي أرجوكِ))

تنحنحت الحاجة زاهية تجلي صوتها قبل أن تقول بوقار مشوب بالحزم

((بماذا تريدين مني التدخل يا نورين! ابني محق في كل كلمة قالها، أنتِ زوجته وعليك أن تتواجدي أينما يذهب، الرجال لا يستطيعون تدبر كل شيء لوحدهم))

قالت نورين باختناق عبراتها

((ولكن أنا..))

قاطعتها زاهية بصرامة مشوبة بالحنية

((بدون لكن يا نورين، يفترض أن تتصرفي كامرأة ناضجة وصالحة وتطيعي زوجك في كل كلمة يقولها وبكل قرار يتخذه))

طالعت زاهية الحزن الخالص الرقيق المتجلي على ملامحها فعادت تحثها مسترسلة

((لطالما عرفتك هادئة ورزينة فظلي عند حسن ظني للنهاية))

تَفَتت ملامح الحزن والضيق من على ملامح نورين لترفع وجهها وهي تقول مبتسمة برضا

((حسنا معك حق))

ابتسمت زاهية برضا وهي تومئ وجهها لها في حين قال مصعب لزوجته وهو ينتصب واقفا

((هذا جيد الآن هيا يا نورين علينا المغادرة اسبقيني))

أطاعته نورين بهدوء وهي تعتدل واقفة وتغادر المجلس بعدما ودعت حماتها..

أما مصعب فلثم جبين أمه ثم همس لها بامتنان باسمًا

((كم أحب يا أمي حكمتك وطريقة إقناعك للكل، فليحفظك الله لنا))

ضحكت زاهية بخفوت أشرق وجهها الوضاء متحاملة على ما تشعره من آلام في داخلها بينما تسلم مودعة ابنها وداعية له..

ثم تنهدت ومدت يدها تداعب شعر يزيد الذي كان يجلس بجانبها.. فهي لا تبعده عنها طوال وجوده هنا..

كان مشغولا في اللعب على الجهاز اللوحي يلهي نفسه فيه لينسى شوقه العارم لأمه..

قاطعت منال الهدوء وهي تطرق باب المجلس

((تفضلي يا حاجة زاهية هذا الكأس))

غمغمت لها زاهية بشكر وهي تتناول منها كأس عصير برتقال طازج

((شكرا لك يا منال))

ثم كسى صوت منال الألفة والود وهي تناظر يزيد وتقول له بمرح

((وكأس الحليب الصغيرة هذه لك يا يزيد))

ناظرها يزيد باستغراب مألوف عليه مؤخرا ثم قال برفض مهذب

((لكن أنا لست ظمآن.. لا أريده يا خالة منال))

قالت منال له بحزم ممزوج بالحنان وهي تمسك الكأس وتمده له

((لا يجوز يا يزيد أن ترفض، عليك المداومة على شرب الحليب الطازج يوميا))

كان يزيد إلى الآن يستغرب معاملة منال وباقي من يعملن في هذا القصر وتغير معاملتهن معه!

فحتى عندما قام مالك بطردهن في الماضي بسبب سوء معاملتهن له، عدن للعمل وزاد بغضهن في معاملتهن معه!

لكن الآن مجرد أن عُرف بأنه حفيد سيد هذا القصر حتى اختلف كل شيء من جذوره في كل شيء!

آثر يزيد الاستجابة لإلحاحها وأخذ الكأس منها متمتمًا بعبارات الشكر..

رسمت منال له ابتسامة عريضة وهي تقول بصدق ظاهري

((صحتين على قلبك يا حبيبي الصغير))

وبمجرد أن غادرت منال المجلس نحو المطبخ ثم إلى حجرتها في الطابق السفلي حتى كشّرت عن وجهها وأظهرت واجهة الاشمئزاز..

لا تصدق أن هذا الصغير الذي كانت تعامله كابن للخدم تزجره وتوبخه حينًا.. وتعنفه حينا آخر مضطرة الآن لتعامله كابن أسيادها!

فجأة خفت الحقد والكره المشع في عينيها وهي تلاحظ فتح باب حجرتها فلفها الذهول..

من قد يكون اقتحم حجرتها في غيابها؟

ابنتها نجوم تمكث هذه الأيام في بيت عائلتها!

استدارت على عقبيها تهم بالمغادرة لتبلغ عن وجود أحد يملك مفتاح حجرتها دون علمها لولا أن سمعت صوت حركة وجلبة ما من داخل الخزانة..

شهقت وهي تتوجه نحو الخزانة وتفتح بابها لتتفاجأ بابنتها جالسة داخلها ومتكومة على نفسها..

جحظت عينيها وهي تحيط برسغها وتجرها للخارج..

وما إن أبصرت نجوم المرتجفة الضوء ووضحت لها ملامحها..

حتى صرخت منال بروع كالملسوعة وهي تحدق بمنظر ابنتها وآثار ضربات ودم ظاهر على وجهها وشعرها الأشعث.. وكأنها.. تعرضت.. لاعتداء غاشم!

بدأت تتجدد الدموع المتساقطة على وجنتي نجوم والدماء تنسحب منها وروحها تهوي بذاك الإعياء لتردد بصعوبة

((أنا أتمنى.. الموت.. يا أمي..))

.

.

بينما يسيران في الخارج متجهين نحو سيارته أحاط مصعب بذراعه كتفيّ نورين التي كانت على شفتيها ضحكة تطربه وتسعد قلبه..

فابتسم وقال بحزم مزيف

((اخفضي صوت ضحكتك الرنانة في الأرجاء، ستفضحيننا))

خفتت ضحكات نورين ورفعت رأسها تقول بدلال عابث

((لا أصدق يا مصعب كم أنتَ مخادع ماكر، لوهلة كدت أصدق تمثيلك))

ضيّق مصعب عينيه بابتسامة جانبيه وهدر

((تتحدثين أيتها الخبيثة كأنك الأخرى لم تتقني دورك، للحظة شعرت بك ستبكين من فرط حنقك وقهرك))

قالت نورين بنظراتٍ مشاكسة وضيقت عينيها بابتسامةٍ صغيرة

((هذا لأني تدربت جيدا على الدور الذي طلبت مني أداءه، لم أرد أن أخيب ظنك))

ضحكة صادحة انطلقت منهما الاثنين قبل أن يزمّ مصعب شفتيه بلا ندم على المسرحية التي قدمها قبل قليل ثم يقول

((أحب عائلتي لكن أكره اعتراضهم والتحكم في قرارات ومجريات حياتي حتى أنهم قد ظنوا أنه حق يكفله الشرع والقانون لهم.. لو عرفت أمي أو أبي أو حتى أخي مؤيد وزوجته بأننا ذاهبان لأسبوعين للبحر في مدينة أخرى للاستجمام فلن نتخلص من كلامهم وامتعاضهم، سيذلوننا على هذه السفرة لآخر حياتنا))

سألته بلهفة وحماس

((هل سنبقى هناك لأسبوعين؟))

غمز وهو يجيبها

((نعم لكن أول ثلاثة أيام ستكون للمؤتمر الذي كلفت للذهاب إليه ورابع يوم فعليًا ستبدأ فيه عطلتا))

قالت وهي تلامس ظاهر يده

((أنا متحمسة جدًّا ستكون هذه أول عطلة وسفر لنا منذ زواجنا))

أخفض ذراعه وطوق خصرها يضمها له أثناء مشيهما وهو يقول بصوتٍ أبح

((وأنا أيضًا متحمس للتحدي الذي وضعته لنفسي بتعليمك السباحة خلال هذه الأيام))

ذهلت نورين وهي تسأله

((ما الذي تقصده؟))

وضع عينيه في عينيها وقال بشقاوة

((ألم تخبريني في أول مرة ذهبنا بها للبركة بأنك تتمنين تعلم السباحة بعد أن فشل والدك في تعليمك إياها في صغرك؟))

توقفت نورين مكانها وابتعدت عنه لتنظر له جيدا بينما تسأله والدهشة تلف ملامحها الناعمة

((هل تقول الصدق يا مُصعب؟))

ابتسم تلك الابتسامة الخلابة وهو يؤكد

((وصدق الصدق، لا تتصورين كم بذلت مجهودا ليتم اختياري أنا للذهاب لذاك المؤتمر بعد أن عرفت بأنه سيقام في المدينة الوحيدة في بلادنا التي يتواجد فيها البحر، ثم بذلت مجهودا أكبر ليوافقوا على إجازتي بعدها))

برقت عيناها بحب جارف وهي تردد بعذوبة من أعماق قلبها

((أنا أحبك جدًّا يا أميري))

مد مصعب يده يمسك يديها الناعمتين بكفيه وقال بتهديد مصطنع

((قولي كلمة "أميري" وسأتراجع عن كل هذا))

اتسعت ابتسامتها برضا أنثى ممتلئة بالثقة وهي تعقب بمشاغبة

((بل أنتَ أميري، أنتَ تحب هذه الكلمة لكنك تكابر))

ردد بحنق ظاهري

((لا لا أحبها كلمة "أميري" هذه! فهي تقال لابن السابعة لا لي))

لم ترد بل رفعت كفه التي تضم يدها تنوي لثمها إلا أنه سحبها بقوة وهو يرفعها لثغره ويقبلها جاعلا قلبها يقرع طربًا قبل أن يأخذها بين ذراعيه بقوة..

هدرت وهي تبادله الاحتضان بنفس القوة واللهفة

((بل تحبها أنا متأكدة))

ابتعد عنها قبل أن يراهما أحد وهما واقفان في مدخل القصر ثم تابع المشي نحو سيارته المركونة متشابكي اليدين..

للحقيقة نعم هو لا يحب أن تنعته بهذه الكلمة لأنه لا يشعر معها بأنه أمير.. بل ملك..

منذ استقلالهم في بيتهم الصغير ذاك وهو يخرج تقريبا في الصباح وفي صدره دفء كبير لها..

يفكر فيها طوال فترة الدوام ومن شدة شوقه لا يقبل أي دعوة من أي صديق أو زميل للخروج بعد العمل فقط ليعود ويراها..

يعرف أن لا امرأة قادرة أن تثير اهتمامه فيها فهو رجل مشبع.. مشبع جدًّا بزوجته التي يعود من العمل إلى البيت ليجدها قد حضرت وجبة الطعام وتستقبله بابتسامة جميلة وثوب مبهج ورائحة عبقة..

وليلًا في غرفة نومهم تنهي وضع لمساتها الأنثوية الرومانسية ليقضيا ليالي ساخنة تدفئ الأجواء الباردة..

يشعر بها في دمه وفي كل ذرة من كيانه..

رباه كم هو شعور الاستقرار رائع!

لم يتخيل ولو لمرة في حياته بأنه قد يرزق بزوجة مثلها، يشكل وجودها في حياته فارقًا عظيمًا في قلبه وتوازنه وخطواته واستقامته واستقراره..

استقل مصعب سيارته دون أن يعرف أن أخيه مازن الذي كان يقف أمام نافذة غرفة نومه المُطلة على الحديقة الأمامية كان يراقبهما لوهلة قبل أن يعي على نفسه ويغض بصره..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس