عرض مشاركة واحدة
قديم 21-09-21, 09:48 PM   #1618

سما صافية

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية سما صافية

? العضوٌ??? » 394040
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,729
?  نُقآطِيْ » سما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond reputeسما صافية has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل التاسع والثلاثون
***********


يقود السيارة فى الطريق بين القرى بوجوم، قبضة يده اليمنى تعتصر المقود بعصبية ويتكأ بمرفق اليسرى على حافة النافذة، عينيه تتابع الطريق رغم شرود ذهنه فى عالم أخر
بجواره يجلس والده بشموخ يقبض على رأس عصاه العاجية ومقلتيه تحيد بين دقيقة وأخرى نحو ابنه البكرى الذى كعادته يكتم ألامه وأحزانه داخل بئر صدره الممتلئ بالشجن
زفر بعمق وثبت نظره على الطريق ليقول بعد برهة بصوته الرخيم دون أن ينظر لولده :- حمل مراتك مش أخر الكون ... ومن حجك تعيش حياتك كيف ما بدك
للحظة لم يأتى أحمد بأى حركة وكأنه لم يستمع لكلام والده وفى غضون وهلة نبهه عقله فالتفت بغتة نحو والده يرمقه بشرود والكلمات تتدافع داخل عقله ليستوعب الحديث
أعاد بصره نحو الطريق الغير معبد وتنهد بعمق وقد فهم مقصد والده ولكنه أتخذ قراره بالفعل فحياته لا تساوى شيئاً أمام سعادة بناته، فأجاب بخفوت :- ما عادش ياچى منيه يا أبوى ... أنا كل همى دلوك البنتة وكيف أحافظ عليهم وعلى تفكيرهم
رمقه والده للحظة وقال متعجباً من منطق أحمد الزاهد فى الحياة ونصحه بروية :- ما لهم البنتة!!.. هيتربوا أحسن تربية معززين مكرمين فى دارك وتحت عينيك ... لكن لازمن تبص لحالك أنت التانى يا ولدى ... لساتك فى عز شبابك هتجضى بجيت عمرك راهب ولا إيه!!
اختطف نظره سريعة نحو ملامح والده الجادة ثم عاد يتابع الطريق الترابى أمامة وعدلى يضيف بشئ من الانفعال والتقريع :- بكفاية أنك صبرت السنين ديه كلاتها على عشرة حرمة مش فهماك ولا مريحاك ... البنتة بيكبروا بسرعة وسنة والتانية وكل واحدة منيهم هتتچوز ويبجي لها دار ... وجتها هتلاجى حالك وشك فى وش حرمه مش طايج الحياة أمعاها
أرخى أحمد جفنيه لجزء من الثانية زافراً بضيق، لم يبقى للنساء مكان فى قلبه الذى جف عطشاً للحب والحنان، لقد أعتاد الوحدة والجفاف العاطفى فى حياته ويكفيه حب بناته، قال بخفوت مبرراً :- والله زهدت فى كل الحريمات يا أبوى
رمقه عدلى بمكر رجولى وقال بتلاعب لا يناسب وقاره وهيبته :- هو فى راچل يزهد فى الحريمات .. دول فاكهة الدنيا يا واد
التفت أحمد نحو والده بابتسامة شاحبة وقد انتشله والده قليلاً من تفكيره المضنى بحديثه عن النساء وهو يسرد ذكريات من حياته :-بالك أمك ديه كانت كيف مراتك إكده تُمام ... وحاطة كل تركيزها ومچهودها فيك وفى خواتك ولا كنها متچوزة ولما فكرت أتچوز غيرها أتبدلت كتير وبدأت تهتم بيا وبراحتى وده اللى صبرنى عليها لحد دلوك
اتسعت ابتسامة أحمد رغم شحوبها وقال متحسراً :- أمى واعية واستوعبت الدرس وغيرت من حالها (مال قليلاً برأسه نحو والده وكلتا يديه تقبض على المقود مردفاً بتلاعب) وكُمان بتحبك وباجية على خاطرك يا حاچ عدلى
رفع عدلى أصبعيه يبرم شاربه الأبيض الكث مردداً بتفاخر :- ما أنا أتحب يا واد ولا إيه؟
قهقه أحمد ضاحكاً وشاركه عدلى الذى استطاع بذكاء انتشال ابنه من أحزانه ثم ربت على كتفه برفق ناصحاً :- اسمع حديت أبوك وما تضيعش اللى باجى من عمرك وبص لحالك شوى ... شاور بس على أحلى صبية وأنا أچوزهالك وألف مين تتمنى أحمد بيه السمرى
حدجه أحمد بامتنان على دعمه ووجوده معه ثم قال بشئ من المرح ليطمئن نفس والده ويعلن عن رغبته فى ممارسة الفروسية عشقه الأول :- أنا كل اللى رايده دلوك أطير فوج ضهر سحاب وأتنفس هواء نضيف وأريح دماغى من كل شى
نظر عدلى نحو الطريق ولمح من بعيد تجمع كبير فى ساحة المرماح، عاد إلى جديته مرة أخرى قائلاً :- أدينا على وصول الشادر باين من بعيد أها ... أخوك لساته ورانا ولا متأخر؟
تسائل عدلى ليطمئن على فاروق الذى يتبعهم مع أولاده فى سيارته الخاصة، رفع أحمد نظره نحو المرآة الأمامية يرصد سيارة شقيقه التى تتبعه ومن خلفها سيارة كبيرة مخصصة لنقل الخيول تنقل فى جوفها سحاب وغالية

*****************

ترجل فاروق من سيارته الخاصة ومعه ولديه بعد أن وصلوا إلى ساحة المرماح، صف سيارته بجوار سيارة شقيقه وتجمعوا لدقائق قليلة يتبادلون الحديث واطمئنوا لنزول الخيل من السيارة المخصصة لهم وأصطحبهم محروس وبخاتى لتجهيزهم استعداداً للاحتفال
تقدم بعدها عدلى وأحمد إلى المكان المخصص لجلوس كبار العائلات بالصعيد بينما انتظر فاروق للاطمئنان على الخيل وتجهيزها ومراقبة الطريق لاستقبال عائلة البدرى
شرع محروس فى وضع السروج المزينة على ظهور الخيل باحترافية وتجهيزهم للسباق أما فاروق فالتفت نحو أبناءه يوجههم بنبرة حازمة :- مش رايد شجاوة وتهليل .. أحنا وسط أكبر عوايل فى الصعيد وسلوكم بيعبر عن أصلكم وعيلتكم ... عينكم على بعض وعليا أنا وعمكم فاهمين
حركوا رؤوسهم بإيماءات طائعة وعينى فارس تحيد نحو السيارة القادمة من بعيد ثم صاح بفرح وهو يشير نحوها :- خالى يوسف چه يا أبوى
لوى فاروق رأسه ينظر نحو السيارة التى توقفت بالقرب منهم وأصحابها يترجلون تباعاً، ضيق عينيه وقرب بين حاجبيه تعجباً وهو يرى يوسف بملابس صعيدية تقليدية يتقدم نحوه
أطلق فاروق ضحكة رجولية عالية يستقبل يوسف بها الذى تقدم نحوه رافعاً حاجبه بتحدى وهتف فى وجهه متذمراً :- خير إن شاء الله ... بتضحك على إيه يا أبو نسب؟
خفتت ضحكات فاروق قليلاً ليقول بنبرات مرحة :- والله ما عرفتك يا يوسف ... فكرتك واحد منينا
ضيق يوسف عينيه بغيظ وقال متحدياً وهو يدس يده فى جيب جلبابه الرمادى الفضفاض :- ليه!! ... هو أنا مش منيكم ولا إيه يا جوز أختى
واصل ضحكاته المرحة رغم نظرة التحدى التى رمق بها يوسف مغيظاً إياه :- منينا ... بس أنت تربية بنادر يا واد عمى
نفخ يوسف بغيظ وفاروق يواصل مشاكسته :- وبعدين لما تحب تربط العمة جولى وأنا أعلمك كيف تعجدها صُح لاچل ما تبجى صعيدى على حج
قطب يوسف حاجبيه متذمراً فى سره من شمس التى لم تُحسن عقد شال العمامة ورفع كفيه يعدل من وضع عمامته حول رأسه متسائلاً بجدية :- مالها!! ... مش مظبوطة ولا إيه؟
حرك فاروق رأسه بعدم رضا وهو يتفحص ربطة العمامة ظناً منه أن يوسف هو من اجتهد بربطها لنفسه لذلك شاكسه قائلاً :- كشكل مظبوطة ... لكن اللى ربطها يد ناعمة ما تعرفش كيف تشد شال العمة زين وهتفك منيك بعد شوية ... لسه عليك شوية علام يا واد عمى .. أتدرب أكتر يمكن تفلح
ضحك فاروق من جديد مردفاً وهو يتجاوز يوسف نحو جلال وطه المتابعين لمشاكسة الرجلين اللذان إعتادا عليها :- هملنى أسلم على الرچال
ومد يده نحو جلال وطه يرحب بهما بينما همس يوسف فى نفسه موبخاً "أنا غلطان إنى أعتمدت على المجنونة ديه فى ربط العمة، بس لما أرجع هتصرف معاها"
هتف الصغار مُرحبين بخالهم بسعادة وأقترح فارس وهو يخرج هاتفه المحمول من جيب بنطاله :- بدى أتصور أمعاك يا خال لاچل ما أمى تشوفك وأنت صعيدى
ضحك يوسف مع أولاد شقيقته ووقف يلتقط عدة صور معهما، عاد فاروق للحديث مع يوسف وجده يلتقط صور مع أولاده، ابتسم فى وجوههم وياسين يطالب والده بحماس :- تعالى أتصور أمعانا يا أبوى
تقدم فاروق بجوار يوسف وسحب طرف العمامة المرتخية على كتف يوسف فانحلت بسهولة فى يده، وقف مقابل يوسف ويديه تتحرك بتلقائية وقام بإعادة ربطها ببراعة وسرعة موضحاً :- الحكاية بسيطة مش شغلانة الرك على شدة اليد ... أها إكده تُمام
شعر يوسف بإحكام العمامة حول رأسه بشكل قوى وثابت فاستشعر الفرق بين اليد الرقيقة التى ربطتها فى البداية وبين قبضة فاروق القوية، ابتسم برقة على كلام فاروق عن اليد الناعمة التى ربطت له العمامة واستعاد صورتها وهى تتمايل بغنج بين يديه أثناء ربطها للعمامة، كم يعشق هذه اليد وهذه المرأة التى تثير جنونه
أفاق من خياله على كف فاروق القوى الذى وضعه على كتفه ليقفا سوياً جنباً إلى جنب وفارس يلتقط لهم عدة صور تخلد قصة صداقة نشأت بعد عداء كبير

******************


أصوات المزمار الصعيدى تنتشر فى الأجواء تحية للحضور من كبار عائلات الصعيد المتوافدين على المكان، أقترب عدلى من الجمع بصحبه أحمد يرفع كفه فوق رأسه بالتحية للجميع ومن بينهم سعيد وحمدى اللذين احتلا مكان فى المقاعد الأولى
نهض أحد الرجال الكبار سناً والذى يبدو عليه الهيبة والوقار لاستقبال عدلى الذى هتف بامتنان وهو يشير بكفه نحوه :- خليك جاعد مرتاح يا چعفر
قال الرجل بمودة مادحاً فى مكانة عدلى وهو يمد يده مصافحاً بإكبار بعد أن وقف فى مكانه :- الجومة لك يا عدلى بيه
التقط عدلى كف صديقه مصافحاً بمحبة وضمه بود مردداً :- ابن أصول يا چعفر ربنا يبارك فيك
نظر جعفر فى وجه عدلى يطمأن عليه قائلاً :- كنت لسه بسأل سعيد عنيك وجال إنك مش هتجدر تاچى ... فعجدت النية على زيارتك والاطمئنان عليك
رمى عدلى شقيقه الجالس جانباً بنظره إمتهان ثم وضع كفه العريض على كتف جعفر بود مُرحباً
:- وإحنا فيها يا حاچ چعفر تنور وتأنس فى أى وجت
فى نفس الوقت كان أحمد يصافح الرجال ويتبادل معهم الحديث خاصة المشاركين فى الحدث، لمح عدلى الحاج سليم مع ولده حسام بين الجلوس فمد يده مصافحاً ومرحباً به فى حين تقدم عدد من الرجال مرحبين بعدلى والاطمئنان على صحته تحت نظر سعيد الحانق، فمجرد ظهور عدلى فى أى مكان يفرض هيبته وحضوره على المكان ويلغى وجود سعيد ويقصيه عن الصورة تماماً
أفسح الرجال المكان لعدلى ليجلس فى صدر الشادر المعد لجلوسهم بجوار جعفر كبير عائلته، بدأ بعض الرجال فى الألتفات حولهما ومبادلتهم الحديث في حالة من التجاهل الغير متعمد لسعيد وولده اللذين تبادلا النظرات المغتاظة فيما بينهما
جال سعيد بنظره باحثاً عن ابنه الكبير وجده يقف بجوار فاروق ويتحدث معه بسلاسة ولو كان أقترب أكثر لتميز غيظا من الحديث الدائر بينهما حين قال ناصر بمهادنة مدروسة لتاجر شاطر يعرف هدفه جيداً فقال بعد التحية والسلام
:- كنت حابب أوضح لك موجفى يا ولد عمي في موضوع محاصيل التصدير والحديت ديه كلاته ... أنا ما ليش صالح به واصل واللى شايل الليلة ديه كلاتها حمدى
أومأ فاروق متفهماً لطبيعة كل أخ من أولاد عمه فناصر يختلف كلياً عن حمدي وينصب كل اهتمامه فى العمل والتجارة وكسب المال، وعندما أدرك أن لا فائدة من وراء خطة والده لسحب البساط من تحت قدمى فاروق تراجع وتركهم يغوصون وحدهم فى الخطأ، واصل ناصر حديثه بتأكيد ناعم
:- والشغل اللي بنا مستمر ومش هفضه أمعاك … ده شغلى الخاص بعيد عن شغل أبوى … وأنت خابر زين بيزنس إذ بيزنس
رسم فاروق ابتسامة مجاملة فى وجه ابن عمه مؤكداً
:- فاهم يا ناصر وأنا عطيتك كلمة وملتزم بها وأنت لك حرية التصرف سوا رايد تستمر أو.....
رفع ناصر كفه يوقف ابن عمه من مواصلة الحديث قائلاً باندفاع
:- مفيهاش أو يا ولد عمى … هيستمر إن شاء الله
أومأ فاروق متفهماً وواصلا الحديث الودى بينهما تحت نظرات سعيد الحاقدة الذى قلب شفته بنفور، فولده البكرى أول من قفز من السفينة وتخلى عنه وتركه مع حمدى يتخبطان سوياً لإرضاء رجال العائلة وتسير أعمالهم ليثبت جدارته بزعامة العائلة
دار سعيد ببصره فى أرجاء الساحة حيث يقف أحمد بالقرب من خيله وحوله بعض رجال القبائل، فاروق مع ناصر يتحدثون إلى أبناء البدرى وأنضم لهم حسام العزازى
أشتعلت نيران الحقد والغيرة فى قلبه فالتفت بغتة نحو حمدى الذى يجلس منفوخ الأوداج يضع ساق فوق الأخرى وينظر بتعالى للجميع بجواره ولكزه فى خاصرته بمرفقه موبخاً بخفوت :- ما تجوم تعملك منظر يا بجم .. ما أنتش شايف ولاد عمك واجفين كيف وسط الرچال ... حتى أخوك الناجص واجف چارهم
ارتبك حمدى فى جلسته وأنزل ساقه أرضاً متسائلاً بتردد :- أروح فين يعنى يا أبوى ... ولاد عمى بيركبوا خيل ومن أبطال المرماح كل سنة ... أنا هجف بيناتهم أعمل إيه؟
جز سعيد على أسنانه ناقماً على ذريته التى لا تسانده أو تشرفه فى أى مكان ولكز ابنه من جديد باستشاطة :- فز يا بغل من مكانك ... أتحدت ويا الناس واثبت أنك ابن كبير السمرية
نهض حمدى من مكانة بامتعاض وابتعد عن مجال رؤية والده وأشعل سيجارة مردداً بغيظ "مش فاهم متعصب إكده ليه ... بده أتعلم ركوب الخيل بعد العمر ديه كلاته"
وقف ينفخ دخان سيجارته فى الهواء، يشاهد حركة الرجال فى الساحة والفرقة الموسيقية تعزف بلا توقف ثم انصرف يتجول فى الأرجاء على غير هدى

****************

يتبـــــــــــــــــــع


سما صافية غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس