الموضوع: قبلة بلا شغف
عرض مشاركة واحدة
قديم 23-09-21, 11:57 PM   #6

بريق أمل

كاتبة في قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية بريق أمل

? العضوٌ??? » 381251
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 515
?  نُقآطِيْ » بريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond repute
افتراضي



جزء 1: قبلة بلا شغف


كانت واقفة هناك بين الجموع تتأمله بنظرات حزينة وهو يمسك بقبضة زوجته الجديدة ويسكنها ذراعه وكأنه يمنحها الحق في امتلاكه. تلك الذراع التي طالما تشبثت بها في مناسبات عديدة تباهي به الدنيا والسعادة تراقصها... نعم، كان زوجها وقبل أيام فقط أصبح طليقها! كانت شفاهه ترسم ابتسامة رضًا وهو ينزل بها الدرجات وسط احتفال بهيج حضره جمع كبير من أقربائه وأصدقائه فضلاً عن أهل العروسة... ليقفا قرب الأشجار الخضراء خارج قاعة الزفاف من أجل صورة تذكارية كما طلب المصور. بعيون أضحت زجاجية من تجمع الدموع فيها كانت تتأمله وهو يقبل عروسه على جبينها... لامست شفاهه ما فوق حاجبيها لتمنحها قبلة بطيئة وأضواء الكميرات تخطف تلك اللحظة من الزمن. قبلته تلك حملت معها شغفا خفيا استطاعت أن تبصر بريقه متلألئا في عيونه، متهللا مع أسارير وجهه... هل هي فقط من كانت قبلاته لها بلا شغف! باردة... بلا إحساس... كالثلج... مثل الصقيع! تساقطت دمعتان من تلكم المقلتين الذابلتين مسحتهما بكبرياء، وأولته ظهرها لتترك المكان قبل أن يبصرها أحد...
◇◇◇
في سيارة الأجرة وطوال الطريق كانت عيونها تنزف دموعا حارقة... دموعا تشق خديها وتحفر عليهما تفاصيل ألم مكبوت... ألم يغلي في كل قطرة تذرفها لتنزلق نزولا وتقع فوق صدر أعياه الشهيق.. مد إليها السائق العجوز بعلبة للمناديل الورقية وهو يقول بحزن: لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار... يظنها المسكين ترثي حبيبا غيبه الثرى ولم يكن يدري أنها كانت ترثي قلبها المفجوع وتئده حيا ينازع الموت حق الحياة!... تنهدت بعمق وأغمضت عيونها بأسى وهي تطبق جفونها بشدة تعتصر آخر القطرات العالقة ما بين أهدابها الكحيلة. لقد خطبها قبل سنة.. أو بالأحرى خطبها أهله وأقنعوه بها عروسا... وهو أبدى موافقته ولم يعبها! هو شاب في بداية الثلاثينات من عمره محترم ولديه وظيفة تكسبه دخلا لابأس به. لم يكن ذلك الوسيم بامتياز ولكنه رجل مقبول الشكل لا يعيبه شيء، لم يكن من النوع الذي يكثر الكلام وبدى مثقفا وذكيا في كل كلمة موزونة ينطقها... ولم تكن هي تهتم لشيء بقدر ما سحرتها الكريزما التي يتمتع بها... شخصية قوية ورجولة واحترام... تزوجا بعد أشهر معدودة من تعارفهما وسكنا بشقته الخاصة بحي راق من أحياء العاصمة. كان ينفق عليها وعلى المنزل بسخاء ويهتم بكل حاجياتها... هادئ في تعامله ولا يسيء إليها بأي كلمة، لكنها وبفطنة أنثى كانت تشعر ببروده... برود غير مبرر يجتاح مسام جلدها مثل الصقيع... تلك العيون السوداء كانت تحمل كل شيء إلا الحب! لقد أعياها تأملهما بتساؤل، ولم تخطئ يوما إذ لمحت طيف غيمة حزن تكدر صفاء بريقهما، لكنها أبدا لم تعرف أي ريح حملتها إليه... تشهد الصدق لم يهنها يوما ولم يجرحها بكلمة، لكن أنوثتها كانت تئن وجعا من ليلة تعانق فيها جسدا بلا روح... من قبلات لا شوق فيها ولا إحساس... رجل يمارس رجولته مثل أي واجب مدرسي يتحتم عليه إنجازه حتى لا يلومه أحد لتقصيره! ارتجف صوتها وهي تطلب من السائق أن يركن جانبا لتدفع له وتسرع الخطى نحو باب منزلها.

علم فور توقيع أوراق الطلاق بأنها حامل بطفله من أمها التي انفجرت فيه غاضبة رغم إصرار ابنتها على ترك الأمر سرا، فهي تكره أن يتراجع عن قراره فقط من أجل هذا الخيط الواهن الذي جاء ليشدهما إلى بعض أكثر... ولأن أبوته تحتم عليه رعاية هذا الطفل الذي لا ذنب له فقد تكفل باستأجار شقة لها والانفاق عليها طوال الفترة الماضية... لقد تحمل مسؤوليته كاملة تجاهها ولم يكن ينقصها شيء، في عيون البعض كان رجلا شهما يتحمل مسؤوليته، أما في عيونها فقد كان سعادة خُطفت من بين يديها لأنها لم تحسن التشبث بها... بل فعلت كل ما كان بوسعها لكنها خسرت بالنهاية أمام المرأة التي أحبها منذ الصغر... تلك كانت حلم حياته وأقصى ما كان يصبو إليه، وبسبب مشاكل عديدة لم يتمكن من الزواج بها. لكن وبمجرد أن أصبح الطريق خاليا أمامه من كل العراقيل حتى ترك كل شيء وركض إليها ليحققا معا حلم العمر... بل حتى هي لم تكن حجرة عثرة في طريقه تمنعه عنها! يااااااه كم هو مر أن تكون مجرد حبة قمح لا قيمة لها سقطت من كيس يزن مائة رطل! استلقت على الأريكة مغمضة عيونها وهي تفكر بتلك اللحظة... كيف يمكن له أن يكون محبا وعاشقا لهذه الدرجة! وهي التي ظنته كائنا خجولا لا يعبر عن مشاعره!... تعابير وجهه تلك تحرق أنوثتها وتذر رمادها في كل مكان... ألم تصلح يوما لأن تكون هي أنثاه التي تحرر فيه مشاعر العشق المتأججة! كانت قبلة واحدة أتت على كل ذرة كبرياء ادخرتها لتواجه الحياة من بعده... وتركتها تجتر سنين خيبتها الطويلة وتذرف دموع الحزن الموجع... حزن يحمل مرارة العلقم وضيق اللحود وقهرا يفتت الصخور... تسأل نفسها في كل مرة عن لحظات عابرة أشعرتها بالسعادة إلى جانبه وكلمات قالها أو حركات قام بها جعلتها تحلق في فرح... هل كانت سعادة حقيقية افتكتها من بين براثين القدر! أم أنها مجرد لحظات مزيفة وخادعة كان ينفقها عليها بداعي الشفقة ليس إلا! تكره غباءها الذي جعلها تهيم حبا به رغم أنه كان في عواطفه أبخل من تموز بالمطر... هل كان يخاف أن يمنحها قلبه ويقع في غرامها! ألقت الوسادة بعيدا لتستوي بجذعها جالسة وهي تلعن سذاجتها للمرة الألف! تأملت انعكاس صورتها على زجاج الطاولة القريبة... لم تكن تلك المرأة الباهرة الجمال... لا في العيون ولا الحواجب ولا الأنف ولا الشفاه المغرية. لكن تناسق ملامحها معا يعطيها منظرا مقبولا، كأي أنثى فطنة كانت تعتمد على أدوات التجميل لتجعل أنوثتها متدفقة... لكن ألم يكن هذا كافيا ليغري رجولته! لتتحرك عواطفه المتجمدة وليس فقط هرموناته! تراه كان يفتقد محبوبته وهو إلى جوارها!... اللعنة! هل تخيلها يوما هي وهو يبثها حبه! انتفضت واقفة بسخط والدموع تتجمع في مقلتيها من جديد... كم هو مؤلم أن تكون الكسيرة التي هي الآن! وساوسها ستقودها حتما للجنون! بحثت بين أغراضها عن جهاز قياس الضغط وجلست على السرير مثبتة إياه على ذراعها الأيسر... هي حامل ويجب أن تنتبه لصحة جنينها قبل كل شيء... وهذا الصداع الذي تشعر به الآن نذير سوء... لم يكن ضغط دمها مرتفعا بشكل كبير، ومع ذلك كانت تشعر وكأن قلبها سينفجر... تأملت تلك الغرفة من حولها بشجون... مازالت تذكر ليلة العمر بكل تفاصيلها الدقيقة... أسبلت أهدابها لا تريد استحضار خيالات الماضي حتى لا تزيد جراحها وجعا... يكفيها كم القهر الذي يعتمل بصدرها حتى الآن.
◇◇◇
كان صباحا مشمسا جميلا... أنهت مكالمة والدتها على الهاتف، ثم تركته على النضد واقتربت من النافذة تفتحها لتتخلل أشعة الشمس الستار وتضيء الغرفة الصغيرة... في فندق جميل في أحد المنتجعات السياحية. فتح عيونه وراح يتأملها وهي تجمع أغراضهما المترامية هنا وهناك... حتى مفاتيح سيارته كانت ملقاة على الأرض!.. أي جنون تملكه تلك اليلة! اقتربت منه بدلال لتقبله بحب وتهمس له بإغراء: صباح الخير يا عريس... ناظرها بابتسامة: صباح النور يا عروسة... وقفت من جديد بنشاط مستعدة لبدأ أول أيام حياتها مع الرجل الذي أحبته وضحت من أجله بالكثير تماما مثلما فعل هو... لقد جعلها أبوها تُخطب عنوة لابن عمها ورفض تماما أن يقبل بآدم رغم أنه لا يعيبه شيء... فقط لأنه أراد لها الزوج الأفضل الذي سيصونها ويحترمها، ضف إلى أنه كان رجلا متمكن ماديا ولديه مستقبل زاهر... عندما تمت الخطبة وانقطعت كل السبل بينهما قررت أم آدم تزويجه حتى يخرج من شجونه ويمنح نفسه فرصة أخرى. وظن هو أن زواجه والتزامه بمسؤوليات أسرته ستنسيه حبه الأول، وكانت تلك هي الخدعة التي وقع فيها الجميع... رغم أن زوجته صفاء لم تكن سيئة ويعرف أنها أحبته وأرادت كسب قلبه وامتلاكه إلا أنه لم يستطع أن يحبها أكثر من الحد الذي يجعله يحسن معاملتها ويشفق على قلبها من خذلانه! هل كان رجلا عاشقا مخلصا لحبيبته؟ أم مجرد زوج خائن حي الضمير! تلك دوامة لطالما تاه فيها دون أن يرسو على بر... بين قلبه الموجوع على حبيبته والمتنكر لجفائه مع زوجته كان هو يحترق على مهل... تشتعل نيرانه وتخبو... ثم تشتعل وتخبو دون أن تلتهب مرة واحدة لتنطفئ بعدها... هل كان عليه أن يستمر في كذبه وخداعها بادعاء حب مزيف!.. أم كان يجب عليه أن يتخذ قراره ويعلن عن الحقيقة مع تحمل العواقب! الفرق بسيط بين أن تكون رجلا صاحب مبدأ أو تكون مجرد خائن هارب!.. الفرق بينهما لا يخضع لأي قاعدة بل يتغير حسب وجهات النظر... سألته بدلال: هل أطلب الفطور؟ أجابها بشرود: أجل صفاء... شكرا. التفتت إليه كمن لُسِع ولم يبد أنه شعر بالخطأ الجسيم الذي ارتكبه... ناداها باسم صفاء! تلك المرأة التي وضعت بصمتها في حياته وجعلته ينطق اسمها بتلقائية مغيبا عن وعيه... حتى وإن جعلته يمحي كل عذاب بعده عنها فهي لن تستطيع جعل الزمن يعتذر عن مغبة إقحام اسم صفاء هذه حياتهما! رغما عنها كانت الغيرة تراقصها، لماذا يذكرها هذا الصباح!.. أهي عقدة الذنب التي ترافقه! أم أن ليلته معها حملت إليه ذكريات الأشهر الماضية! سألها بفضول: مابك؟... ألن تطلبي الافطار؟ اغتصبت ابتسامة زينت بها ثغرها على مضض ثم أولته ظهرها لتتوجه إلى الهاتف القريب، وهو يتأملها بإمعان... هل كان حبه لها يستحق كسر قلب صفاء رغم طيبته! سؤال لن يجد له جوابا في أي قاموس... إذ أنها معادلة متعددة الخسائر وليس المجاهيل. هي خسرته، هو خسر اعتباره، وزوجته الجديدة "رحاب" خسرت أهلها... هل كان الأمر يستحق كل هذا التعقيد!.. الزمن وحده من سيجيبه عن سؤاله...
◇◇◇
أنجبت طفلها بعد تسعة أشهر من الحمل وثمانية منذ الفاجعة، كان صبيا جميلا لم تعرف يوم ولادته إن كان يشبهها أم يشبه والده. على الأرجح كان مزيجا متناسقا بين ملامحهما معا. الغرة والحواجب لها، و الأنف والشفاه له... أما العيون فكانت مميزة لا تشبه أيا منهما. فرحت به أشد الفرح وحاوطها كل أهلها مباركين ولم يتأخر الأب عن الحضور فكان ملازما لها يهتم بما تحتاجه أوقات الزيارة، إلا أن كبرياءها كان يمنعها عن طلب شيء منه. لم تره طوال فترة حملها إلا مرتان عندما ساءت صحتها، لأنه ظل بعيدا يكتفي بوضع المال في حسابها والاطمئنان عن صحة الجنين عن طريق الهاتف على فترات متباعدة. لم تقبل برؤية زوجته فكرامتها منعتها من ذلك، ورغم حرصه على أن يجعل الأمور بينهما هادئة إلا أن صفاء رفضت أن تزورها ولا حتى أن تبارك لها... لماذا؟ لتشمت بها لأنها استطاعت تجريدها من زوجها الذي كان بين يديها في يوم من الأيام! الحقيقة أنها ما كانت لتمنع مشاعر الغيرة من السيطرة عليها، لأن قلبها الخائن مازال يذعن لحبه سرا... شيء ما يجعلها لا تكرهه رغم شتائم أمها وتحريض صديقاتها... دائما تبحث له عن أعذار وتكبر فيه تعلقه بحب حياته ومحاربته من أجله... أحيانا ترضخ للقدر وتقر بأنها لم تملك شيئا لتخسره بل كانت مجرد غراب أسود حط بين الحمامة والطاووس فلا هو بجمال الطاووس ولا رشاقة الحمامة فكان مصيره التهميش.

عانت طوال أشهر والحرقة بقلبها لا يداويها طبيب... افتقدته وأضناها الحنين لأيام جمعتهما معا... ولم يكن لها غير خيط واهن من حبل الذكريات تشد به شراع صبرها لتبحر في يم من الأحزان. هل نسيته؟ تقول أنها فعلت... لكن النار التي تلهب قلبها كلما رأته، تحرق ثوب الأنفة الذي ترتديه... حبها له يشعرها بالمذلة... كيف يحب المرء من تخلى عنه بمحض إرادته؟ كان الأجدر بها أن تكرهه كلما تذكرت رحيله عنها بكل برود... مرت أشهر عديدة وهي تعاهد نفسها وتقسم على أنها ستنساه لتبدأ من جديد، لكنها في كل مرة تحنث...أحيانا تجزم بأنها تستحق الصفع بالقبقاب! كلما جاء لرؤية ابنه استقبلته على حياء بحجابها الشرعي وأفسحت له المجال وأمه لملاعبة الصغير... كانت عيون حماتها كلها حزن وألم فهي مازالت تعتبرها الزوجة المناسبة له والتي سترعاه وتحفظه، أما رحاب فلم تكن غير امرأة قوية الشخصية من عائلة مرموقة تعلم أنه سيواجه المشاكل معها عاجلا أم آجلا بسبب ثقافته الشرقية المحافظة وطموحاتها التي لا تعرف حدودا ولا حواجز... كلما غادر المنزل سقطت أسيرة الآهات والشهقات... الفراق مجرم لا يعرف الرحمة... فكيف السبيل لنسيانه!.. إنه يعيش حياته بكل فرح بينما تعركها أشجانها كعرك الأديم!.. أليس من الظلم أن تعاني وحدها دون أن يتقاسم معها الوجع أحد! خرجت مرة رفقة صديقتها وابنها البالغ من العمر خمسة أشهر لتشتري له ثيابا جديدة، وكان من عادتها أن تقصد أكبر محل لبيع حاجيات الأطفال حيث تجد كل ما تريد وبأصناف متنوعة دون عناء. كانت تتخير له قبعة عندما فوجئت برؤية آدم ورحاب يتفحصان ثياب الرضع الجدد... شعرت بوهن شديد في أطرافها ولم تكد تتماسك حتى رجعت لرفيقتها أنسام التي كانت منكبة على الصغير تلاعبه ودفعت بالحمالة تسوقها أمامها باضطراب. صرخت بها: ما بك دست على قدمي! اعتذرت بهمهمة وأسرعت بالفرار. والأخرى تلحقها ولم تعرف سبب هروبها ذاك إلا عندما أصبحتا بالمنزل. بعصبية هدرت فيها: أي غبية أنت!.. ألأجل هذا تهربين! حدقت فيها بخجل ولسان حالها يقول" معك حق... أنت لاتحسين بالألم الذي يعصرني عصرا ويهرسني هرسا!" التزمت الصمت التام فاسترجعت أنسام هدوءها لتقول بهمس موجع: أعلم أنك مازلت تحبينه... إلى هذا الحد وانفجرت باكية تصرح بغيرتها الشديدة من زوجته التي تحضى بكل الحب والاهتمام... أوجعها أنه لم يكن حاضرا معها وهي تشتري أغراض ابنهما بل اكتفى بوضع مبلغ من المال في حسابها لتتكفل بالباقي. وحتى تلك الأغراض التي أحضرها بنفسه من المرجح أن زوجته انتقتها وإياه. من الواضح أنهما ينتظران مولودا والفكرة تحرقها رغم قابلية حدوثها... لكن قلبها الدامي أثخنته الجراح ولم يعد قادرا على احتمال المزيد... - هل من العدل أن يعيش حياته على سجيته بينما تقتلين نفسك كمدا! كان سؤالا طرحته عليها أنسام بموضوعية فلم تجد ما تقوله لها. عقلها يفرض عليها المنطق لكن قلبها البائس هو من يحتم عليها العيش تحت إذلاله! ارتعشت شفاهها قبل أن تنطق بصوت يخنقه البكاء: هل إلى نسيانه من سبيل؟ أومأت صديقتها بالإيجاب: إن كنت تريدين ذلك فأنت حتما تستطيعين... بقيت تنصت إليها باهتمام لتكمل بعد صمت: سنقتل كل ما من شأنه أن يهلكك... أوله الفراغ... توسعت عيونها: الفراغ!.. أنا بالكاد أجد وقتا بين الاعتناء بالمنزل والصغير... ردت عليها: ستعملين... اشغلي وقتك بعمل مفيد ودعك من البيتوتية فهي من ستقضي عليك... سألتها متوجسة: وهل سيقبل آدم بأن أعمل وأترك الصغير دون عناية؟ نهرتها بغيظ: أين عقلك يا فتاة!.. هل أخذ بمشورتك عندما اعتزم تطليقك؟ هزت رأسها نفيا لتهاجمها بسؤال آخر: زوجته محامية بارعة وهو يسمح لها بالعمل... هل تعتقدين أنها ستقعد بالمنزل بعد ولادتها لطفلها! أجابتها بسذاجة: ربما إن طلب منها... هو يقول دائما أن مهمة الأم الأولى والأخيرة هي الاهتمام بأبنائها. هدرت فيها من جديد: ستقتلني سذاجتك أي والله!... هي ليست غبية مثلك لتضحي بمستقبلها المهني وتجلس في البيت ترعى الأولاد... والدها قاض وعمها سياسي وإخوتها كلهم في مناصب مرموقة وهي مثلهم جميعا... هل تصدقين أنها ستبيع أمجادها وأمجاد أسرتها لتندب حظها في البيت مثلك! همت بالحديث فقاطعتها كمن لا يحق له أن ينطق حتى لا يزيد من رصيد حماقاته: لا يحق له منعك من مزاولة حياتك وهو يعرف هذا أكثر منك... والطفل ستعتني به أمك ولن ينقصه شيء... فكري بالمستقبل ولا تنظري نحو الماضي... حتى ابنك الذي تضحين من أجله سيكبر في يوم من الأيام ويؤسس حياته، سينتهي بك المطاف عجوزا وحيدة تعد خيباتها فوق مقعد هزاز. ولن أجاورك حبيبتي لأنني بعكسك سأحقق كل طموحاتي... نظرت إليها بذهول فأكملت الأخرى بصرامة مشيرة إلى قدر ضئيل ما بين سبابتها وإبهامها: الفرق بين تحقيق الأمنيات وانكسار الأحلام قدر ضئيل بهذا الحجم يسمى الطموح... ثم جمعت أغراضها وهي تكمل: عندما تخرجين من حدادك اتصلي بي. غير ذلك أنا لن أدخل لهذا المنزل الذي تعشعش الكآبة بين جدرانه!.. تركتها ذلك اليوم كسيرة تلملم شتاتها وتجبره... كانت تقلب كلماتها في رأسها بتمعن... الحق معها لقد أصبحت امرأة نكدة كل همها العويل والنواح... متى سينتهي كل هذا؟... متى؟ ◇◇◇ في صباح اليوم الموالي عادت أنسام بعد أن اتصلت بها صفاء واتفقتا على أن تبحثا عن عمل في المدرسة الملحقة بالجامع القريب. ففي بلادنا بكل مسجد هناك مدرسة للأطفال ما دون السادسة ليتعلموا الحروف والأعداد والأدعية وبعض السور القرآنية، يدخلها الغني والفقير على حد سواء خصوصا من لايتمكن من تسجيل ابنه في حضانة خاصة. هي متعلمة وقد تحضى بفرصة عمل كتلك... ليس المهم هو المكسب المادي بقدر ما يهمها أن تشغل وقتها في ما يفيد... كما أن ساعات العمل قليلة وستتمكن من الاعتناء بابنها كما يجب. عندما تم قبولها شعرت بالسعادة تسكن قلبها بعد دهر طويل... إنها تحقق أولى طموحاتها... هي إذن على الدرب الصحيح. ومثلما قالت أنسام آدم لم يحتج وأمه اقترحت عليها أن ترعى الطفل هي وأمها بالمناوبة ولم تكن لترفض الفكرة فبيت حماتها السابقة على بعد شارعين. بدا الأمر غريبا وصعبا بالبداية مثل أي عمل لم تتعود عليه، ليصبح يسيرا ومسليا بعد فترة وجيزة وتندمج تماما مع الأطفال الصغار لتصبح مثلهم الأعلى. في المقابل كان آدم كادحا في عمله يسعى لتوفير حياة أفضل لرحاب علها تفكر في ترك عملها وتربية طفلها ولو لبضعة سنوات حتى يشتد عوده فليس من العدل أن تتركه للمربية طوال اليوم. لقد رفضت أن تعتني به جدته من أبيه بحجة أنه صغير ويحتاج لعناية خاصة، حتى لا تكثر لقاءات آدم بصفاء... أرضعته لثلاث أشهر فقط لتنوب الرضاعة عنها في تغذيته. كرجل متعلم كان يعرف أن حليب الأم لا يمكن أن يعوضه أي حليب، لذا حاول نصحها بأن لا تنقطع عن ارضاعه حتى يكبر وإن كان لمرات قليلة باليوم، لكنها رفضت الفكرة وفطمته في شهره الثالث دون شفقة بحجة أنها لا تدر الكثير من الحليب. كان أحيانا يرجع إلى المنزل قبلها بساعات وتتأخر في الوصول من بعده، ثم تنشغل بأعمال البيت حتى لا يتهمها بالتقصير... أما هو فيجلس غالبا أمام شاشة التلفاز وهو يهز بابنه في مهده. عندما تنهي كل شيء تصبح منهكة خائرة القوى فهي تحارب على عدة جبهات. لطالما حاول أن يفهمها بأنه يحتاج إليها أنثى تهتم به وبابنه وتمنحه مزيدا من وقتها، لكنها دائما تخبره أنها تفعل كل ما بوسعها لتوازن ما بين العمل والمنزل. يعلم أن الأمر مرهق بالنسبة لها لكنه رجل يحب الاهتمام... ذلك الاهتمام الذي عودته عليه صفاء طيلة أشهر زواجهما التي تقارب السنة، لا شعوريا يجد نفسه تحن إليها... إلى كلامها المعسول وهي تضع أمامه الطعام، إلى لمساتها الحانية وهي تساعده في تزرير قميصه ليجهز للخروج... لقد كانت تعرف حزنه من نظرة واحدة وتسأله عن شحوبه على الدوام... كان منبهرا من تحليلها السريع لخلجاته، فيجدها أحيانا تحضر له فنجان قهوة في الوقت المناسب دون أن يسألها!.. التواصل بينهما كان عالي المستوى رغم شح المشاعر... صفاء كانت امرأة رائعة ولم تستحق منه ذلك الجفاء.

◇◇◇ مضت أربع سنوات... ◇◇◇

كانت الأمور مع صفاء تسير نحو الأحسن، أما مع آدم فقد ظلت تنتقل به من سيء لأسوأ... زوجته تهتم لما ينصحها به أهلها دون أن ترجع لمشورته، فبعد أن تصالحت معهم أعطتهم ولاءها التام... ولأنه وحسب ردها عليه في آخر جدال لهما هم يحرصون على نجاحها بينما أنانيته تدفع به للحد من طموحاتها... أنجبت له طفلا واحدا وعندما اقترح عليها أن ينجبا طفلا آخر أخبرته وبكل وضوح أنها لن تعمل مربية للأولاد!.. مع مرور الوقت كان يحس بأن الزمن يعاقبه ويقتص منه لما فعله بصفاء... تلك الغيمة الصافية التي لم يكدرها غيره ليترك دموعها تمطر على مر الفصول. هل كانت أمه محقة عندما أخبرته أن حياته مع رحاب ستصبح جحيما لا يطاق! لم يعد يشعر أنه رجل لديه كلمة نافذة في بيته، فغالبا كان يتنازل عن كثير من الأمور من أجل أن تستمر بهم الحياة دون مشاكل، بينما لم تقدم هي تنازلا واحدا ترضي به رجولته!.. دائما تضعه أمام الأمر الواقع وتحتم عليه الاختيار فلسان الحال يخبره إما أن يقدم مزيدا من التنازلات... أو يطلق رحاب ويفقد ابنه تماما مثلما فقد الأول. ورحاب ليست رحيمة كما هي صفاء لتسمح له برؤية فلذة كبده في كل حين! في أحد الأيام التقى بصفاء في منزل والدته وقد بقيت لشرب القهوة معها، سألها أن ينزه الطفل لبعض الوقت فلم ترفض واتفقت أن يعيده إليها قبل حلول الظلام. بعد صلاة العشاء اتصلت به لتسأل عن سبب تأخره فأخبرها أنه قد وصل، وعندما أطلت من شقوق النافذة شاهدته يمسك بقبضته الصغيرة متوجها إلى مدخل البناية. بعد لحظات طرق على الباب فغطت رأسها وفتحت له، لكن صغيرها تشبث بيده يدعوه ليريه ما رسمه اليوم... لم يكن من عادته أن يدخل بيتها من بعد طلاقهما لكنه وجد نفسه يرضخ لصغيره و يدخل غرفته ليشاهد رسوماته. لم يتأخر في الخروج ورافقته صفاء حتى الباب بلباقة، لكنه توقف فجأة وحدق بها... شعرت بقشعريرة تتملكها فتلك النظرات لم تكن عادية أبدا... لأول مرة في حياته يتأملها بتلك الطريقة. سألته بارتباك: تريد شيئا؟ أومأ بنعم واقترب منها أكثر ليهمس بندم: سامحيني... شعرت بتوتر شديد ولم تدر كيف تجيبه. ليواصل بنفس النظرة المستجدية: أعلم أنني أسأت إليك وجرحتك... تلك الكلمات مرت كالسيف تفتح الجراح المندملة... مضت أربع سنوات منذ أن عاهدت نفسها على نسيانه وهاهو يأتي الآن وبكل بساطة ليذكرها بجرمه! بلعت غصة بحلقها لتقول بارتباك: لا يوجد ما أسامحك عليه! أنت فعلت الصواب وأنهيت الحكاية قبل أن يطول العذاب... ما كان يمكننا العيش معا دون حب! ابتسمت بمرارة وهي تخبره كذبا أن ما فعله كان عادلا. لكن لا قلبه ولا قلبها صدقا ما تقول. وجدته يحدق بها بإمعان وشيء ما يتخلل تلك النظرات.. شيء لم تعهده ولم تعرفه! لم يكن ندما... بل كان أكثر من ذلك... كان يشبه نظراتها عندما يهفو قلبها إليه... تراجعت خطوة إلى الخلف غير مصدقة ما تخبرها به عيناه! لتهمس بخوف: وداعا... عاد لرشده بعد هذه الكلمة فأطرق للحظة ثم تابع طريقه: اعتني بمجد... أمسكت بالباب حتى تقفله فلم يغادر حتى تأملها من جديد ليردف: اعتني بنفسك... لأول مرة منذ سنوات شعرت بأنه يعني هذه الكلمة... يعنيها حرفيا... فظلت عيونها متعلقة بعيونه للحظة تبوح لها بسر دفين قبل أن يغادر. عندما أقفلت الباب وعادت أدراجها لم يكن عقلها ليجزم بما أحسته!.. أيعقل أنه بعد كل هذه السنوات لان قلبه ليحتويها! مالذي تتفوه به هذه الحمقاء! هو يحب امرأة واحدة اسمها "رحاب" باع من أجلها كل شيء... من أنت ها؟ من أنت؟ أطرقت بحزن... مازالت تطمع في أن يحبها رغم تعاقب السنين!.. ظنت أنها تجاوزت محنته لتجد قلبها الخائب يرنو إليه عند أول نظرة!.. تبا له! ◇◇◇ كان يومها عديا.. جاء الأولياء لأخذ نتائج أبنائهم الدراسية، وبعد أن انتهت من مقابلتهم جميعا واستعدت للمغادرة ناداها المشرف وأخبرها أنه قد جاء والد أحد التلاميذ متأخرا. استقبلته وقدمت له نتائج ابنه وهي تشكو له من مشاغباته وكثرة حركته وهو يستمع إليها بانتباه حتى سكتت فالتفت إلى الصغير: بماذا أوصتك أمك أيها القرد؟... ألم تقل لك أن تحسن التصرف! ليرد عليه الصغير: عمي أنت لن تخبرها أليس كذلك؟ أجابه بصرامة: بلى سأفعل! أشارت إليه بدهشة: لست والده! أومأ مبتسما: أنا عمه... لقد توفي والده قبل سنتين.. وأمه تعيش في منزل والدي ونحن نهتم بأولاد أخينا.. نطقت بعد أن زالت عنها الدهشة: هذا أمر رائع... لكن لماذا لا تأتي هي للسؤال عنه؟ أجابها: والدي صارم ولا يسمح لنساء البيت بالخروج.. تفهمت الأمر وتابعت تقول: المهم أن تخطلب منها تحفيظه الحروف بالمنزل... إنه متأخر بعض الشيء عن زملائه... أجابها وهو يتأمل وجهه المشاكس بابتسامة: سأفعل هذا بنفسي. أبدت رضاها لكلامه، والفضول يتملكها لتعرف لماذا قد يفعل شاب مثله هذا؟ أهو حبه لأخيه المتوفي! أم ربما تخطيط مسبق للإطاحة بزوجته!.. لن تستغرب الفكرة الثانية فقد باتت تعرف أن الرجل العاشق قد يفعل أي شيء ليظفر بحبيبته. وهذا لن يمنعه شيء إن رغب بزوجة أخيه الراحل، عليه أن يهيئ لها الأمر حتى لا ترفضه... هذا كل شيء. ليست تدري لماذا أصبحت تقحم نفسها في حياة الآخرين! وما همها هي إن اهتم بزوجة أخيه أم بابنة الحاجة رقية! اعتذر منها عندما رن هاتفه واستأذن في الرد لأنها مكالمة لا تحتمل التأجيل، ثم انزوى يقول كلاما كثيرا فهمت منه أنه مشترك في خدمة تطوعية وهم يسعون لجمع التبرعات. عندما انهى مكالمته رجع ليعتذر إليها بلباقة فوجدت نفسها تسأله: آسفة على التدخل ولكن... هل تجمعون التبرعات للمحتاجين؟ أجابها موضحا: أنا مجند ضمن جمعية خيرية تُعنى بمساعدة المعوزين... نجمع التبرعات، نشتري المواد الغذائية، ونوزعها على البيوت... كما أن شهر رمضان المبارك على الأبواب والمسؤولية تتضاعف... وكذلك التبرعات في هذا الشهر تزداد... سألته بفضول: هل تنظمون إفطارا جماعيا لعابري السبيل؟ أجابها: أكيد ككل عام... نحن نعمل على جمع المتطوعين. وجدت نفسها ترفع يدها بلهفة كطفلة صغيرة لتثبت حضورها: هل يمكنني أن أتطوع؟ أجابها مؤكدا: طبعا... تحتاجين فقط لتؤكدي حضورك في مكتب الجمعية... سأعطيك العنوان ورقم الهاتف. أومأت موافقة وشكرته مطولا وهي تأخذ منه البطاقة، فرد عليها بامتنان: نحن من نشكرك آنستي... وجودك سيسعدنا. كانت تلك فرصة جديدة لتثبت فيها ذاتها... شعرت بسعادة عارمة وهي تحمل القدر الضخمة رفقة زميلاتها لتضعها فوق النار ثم تبدأ بإعداد الطعام لأعداد كبيرة من الناس الذين يتوافدون على هذا المطعم كل مساء من أجل الافطار... الخدمة التطوعية عمل نبيل، وكل عمل نبيل يحمل الخير للغير يجد صاحبه في نفسه راحة وفي قلبه سكينة... جرب أن تسعد في يوم من الأيام أحدا وستعرف حتما ماذا أقصد... إعداد الطاولات قبل الآذان مهمة تتشاركها مع عزيز وبعض من الزملاء... عملهما معا طور معرفتهما ببعضهما فقد أصبحت تعرف أنه رجل خفيف الظل يحسن معاملة الناس ويستطيع بسهولة كسب ودهم... ببساطة كان محبوبا من الجميع سواءًا زملاؤه أم الناس الذين يقدم يد العون لهم...

انتهى شهر رمضان المبارك وجاء العيد والتبرعات كانت كبيرة، ما جعل الجمعية تخطط لزيارة إلى المستشفيات حتى تسعد الأطفال بهدايا العيد، ولكم كانت سعادة صفاء كبيرة عندما قُبِلت في هذه الخرجة التطوعية أيضًا. ولم تكن تعلم أن عبد العزيز أو عزيز كما يناديه أصدقاؤه هو من ساهم في وضع اسمها ضمن القائمة بعد أن شاهد سعادتها طيلة الفترة الماضية... وكأنه أحس بحاجتها الملحة لأن تكون عضوا فعالا في المجتمع دون الحاجة لأن تفضي له بشيء. رغم تعودهما على العمل مع بعض لم تكن علاقتهما لتتجاوز حدود المعقول. وأقصد بهذا إلقاء تحية أو سلام أو الضحك عندما يلقي بعض نكاته التي تجعلها تخرج عن صمتها التام لتتهلل أسارير وجهها الشاحبة بضحكة من القلب. أما هو فقد كان ينجذب إليها في كل يوم أكثر... فتاة متوسطة الجمال هادئة... رزينة وذات ابتسامة ساحرة... يقسم أنها عندما تضحك تصبح طفلة في عمر الزهور متعطشة للفرح والسعادة... إنها وردة حاصرها الجفاف وليس يدري السبب! عندما دخلت المشفى في ذلك اليوم وطافت بين أجنحته لم تكن تعلم ما ينتظرها... أبدا لم تخمن المفاجأة التي ستلقاها هناك! لم تعرف تلك المرأة الشاحبة الممسكة بيد ابنها الصغير. أو بالأحرى لم تذكرها... تقدمت منها لتلقي التحية مرفوقة بتهاني العيد مع قبلتين على الخد كما جرت العادة، ثم حيّت الصغير بعبارات طفولية عذبة وهي تحرك رأسها بمرح وقدمت له هديته متأملة الفرحة في عيونه... وقد غفلت تماما عن زوج العيون المراقبة لها بود تتفاعل مع كل حركة تبديها. كان عزيز يرى فيها امرأة صادقة وحنونة هي الأصلح لأن تصبح أم أولاده... لقد أحبها بصدق وليس يمنعه عنها إلا ظروفه المادية. كان الطفل في مثل عمر ابنها أو يصغره بقليل ما جعل قلبها يرق عليه أكثر... حتى أنها أحست أنهما متشابهين في بعض الأوصاف! سألت أمه بحزن: مما يعاني الصغير؟ أجابتها بألم: السرطان... كم كان هذا السؤال سخيفا! فهي بمستشفى الأطفال المصابين بالسرطان. تأملتها بإشفاق وقد اغرورقت عيونها حزنا لتهمس بأمل: سيشفى بإذن الله. ووضعت كفها الحانية فوق كتفها: ثقي بالله فإنه يصنع المعجزات... أومأت الأخرى مصدقة لكلامها ودموعها تنحدر على خديها بألم فلم تستطع تمالك نفسها وفكرت في الهرب قبل أن تفقد السيطرة وتغرق في البكاء. أحيانا يحتاج الأمر لدمعة واحدة تجر ترسانة من المآسي تجعله يبكي من دون توقف... فقط لأنه يجد راحة في البكاء. من لديه ذخيرة من الوجع وجب عليه ألا يعرضها للانفجار... ودعتها بحجة أن تكمل الجولة بالمستشفى وهمت بالمغادرة في الوقت الذي ولج فيه آدم من الباب يحمل كيسا به بعض الأغراض. التقت عيونهما لتتبادلا النظرات طويلا... لم تكن تعرف سبب مجيئه وظن هو أنها عرفت بمرض ابنه... قال بعد طول صمت: شكرا لمجيئك. تلك الكلمة نبهتها للأمر فعادت لتلتفت إلى الصغير وهي تربط الخيوط ببعضها: الطفل ابنك؟ أجابها مؤكدا: أجل... ألم تسمعي بمرضه؟ تذكرت أخيرا أنها لم تقابل حماتها السابقة منذ شهر بسبب انشغالها بالعمل التطوعي. وفهمت سبب غياب آدم كل هذه الفترة دون سؤال. قالت بأسف: لم أعرف بالموضوع... أنا هنا بمحض الصدفة... تأمل شارة الجمعية التي تلبسها رفقة زملائها وأبدى اهتمامه: هل العمل التطوعي مريح لك؟ ابتسمت بفرح لاهتمامه بما تفعله: أجل... أنا سعيدة بهذا العمل... رد الابتسامة بمرارة لا يستطيع إخفاءها، فقط ليخبرها أنه سعيد من أجلها، بينما كأم كانت تعرف كيف تمزق السكاكين الحادة قلب والد مكلوم... قالت بعد صمت: آسفة لأنني لم أعرف قبل الآن... أسأل الله أن يشفيه ويعيده لحضنك... لحضنكما قريبا... مالت عيونه لتحدق برحاب التي كان الانزعاج واضحا على وجهها ثم إلى صفاء التي كانت تردف: سأدعو له بالشفاء في صلاتي كل يوم... كن قويا وحسب... سيشفى بإذن الله... كانت تبثه الأمل في كلماتها بلسما يشفي سقام روحه... أحب إيمانها العميق بقدرة الرحمان... وتمنى أن يصدقها في تلك اللحظة... كم كان في حاجة لتلك الكلمات. عادت نظراته المقلقة تجتاحها مثل الزلزال... شيء ما في تلك العيون يسبي قلبها تماما مثلما حدث بالمرة السابقة... كانت تظن نفسها واهمة لكنها تؤكد لنفسها عكس ذلك. جاءها صوت عزيز وهو يستعجلها للرحيل فقطع عنها شرودها لتعتذر من آدم وتلحق به. تأملها تبتعد عنه مع بقية زملائها وقلبه المثقل بالأسى يسألها الغفران... يعلم أنها امرأة تستحق السعادة كاملة بلا نقصان... وأضحى يشك أنه خاسر ينكسر قلبه تماما مثلما كسرها في يوم من الأيام. اقترب من ابنه يتأمله بقلب دامي يمزقه الوجع... هل كان يجب أن يختبر الله صبره على ابنه!.. أم أنه يستحق وجعا كذاك ليعرف معنى الألم! سألته زوجته بفضول: من تلك التي كنت تحدثها؟ أجابها: صفاء... توسعت عيونها لتقول بحنق: جاءت لتشمت بي! زجرها بسخط: لم تكن تعرف بمرض الطفل من أصله! لا داعي لاتهامها... عندما تركت المستشفى في ذلك اليوم كان عليها أن تأخذ ابنها من بيت أبويها إلى بيت حمويها. بعد أن عرفت بمرض حفيدهم الآخر يمكنها أن تخمن انشغالهم هذا اليوم. مكثت هناك تلك الأمسية تستمع لتفاصيل درايتهم بالمرض وكيف أن الأمر حدث فجأة. كان قلبها يتمزق ألما على ذلك البريء الذي لا ذنب له ودموعها تنزف... إنها أم وتقدر معنى أن توضع في اختبار مماثل، دون أن تلحظ الواقف عند الباب يتأملها بود. حتى سمعت أمه تدعوه للدخول: آدم... تفضل بني.. إنها صفاء. أسرع إليه مجد مناديا: بابا... بابا... فجلس القرفصاء ليحتضنه بشوق ويمرغ وجهه بين ثيابه وخصل شعره. غزرت دموع صفاء في تلك اللحظة ولم تعرف كيف تداري وجعها عليه... وكأن عذابه يمر عبر شرايينه ليسكن قلبها... تراه يحمل قلبها بين ضلوعه!... ألهذا تشعر بضياعه وأسقامه!... هل أخذ معه قلبها في تلك اللحظة عندما قرر هجرانها!.. من المؤكد أنه يسجنه هناك خلف ضلوعه... لهذا لم تعد تعرف للحياة معنًا في بُعده... ولولا وجود أنسام في حياتها لماتت كمدا من بَعده. جلس على الأريكة وابنه في حجره يقدم له نقود العيد ويوصيه ألا يكثر من الحلوى. كانت أمه تتأمله بإشفاق حتى قالت: ألم يسمحوا لك بالبقاء. هز رأسه نفيا بشحوب: لا يسمح لغير أمه بالبقاء. ساد الصمت بعدها فاستأذنت صفاء بحرج: يجب أن أغادر... تأخر الوقت. أقسمت عليها أمه بأن تبقى للعشاء ورغم أنها أرادت الاعتذار إلا أنها لم تسمح لها، فرضخت للأمر وتعشت رفقة حمويها وابنهما كعائلة... رغم الطلاق كانت تشعر أنهم عائلة. ما يزالون عائلة واحدة حتى وإن كانت القلوب متفرقة... أصر آدم على أن يوصلها بعد أن أظلمت السماء، ووافقت بعد أن رافقتهما أمه. عندما ركن أسفل البناية كان مجد نائما فحمله عنها ليوصله حتى الطابق الثالث أين تقع شقتها. وظلت أمه بالسيارة لأنها تعاني من داء المفاصل. عندما وضعه على سريره غطته صفاء ثم لحقت به لتشكره. وقفت بالرواق ونظرت إليه بعيون يسكنها الحزن: شكرا لك آدم... نطقها لاسمه بعد كل تلك السنوات داعب قلبه فحملق فيها بشجون. لم تكن قادرة على استيعاب كم الألم المرتسم على وجهه فسارعت بالقول: لا تحزن... سيكون بخير. وهزت رأسها بحماسة والدموع تلمع بمقلتيها: سيشفى بإذن الله وسترى ذلك... قال بهمس: أسأل الله أن يبعد عنك الأحزان يا صفاء... وابتسم في وجهها بمرارة ثم ترك الشقة وغادر. دعاؤه لها جاء متأخرا جدا... مالذي يعرفه هو عن الاحزان؟.. هل جرب سنين الانتظار الطويل!.. أم أنه تعرف قريبا معنى الفقدان المرير! ◇◇◇ بعد أشهر من الصراع مع المرض انتقل الصغير إلى رحمة الله. رحيله تسبب في انهيار رحاب وانكسار آدم... البيت أصبح شاحبا والدنيا أعتمت في وجهيهما فجأة. كالعاد كان هو رجلا يتقن الصبر وادعاء الهدوء رغم فوران قلبه، بينما لم تستطع هي أن تتقبل فكرة موته حتى شارفت على الجنون!

مضت أشهر قاسية والجرح فيها ينزف... رحاب لم تعد المرأة التي كانت وآدم أصبح أكثر قربا منها يواسيها ويجبر قلبها بحبه وحنانه... بعد مضي عام استطاعت أن تتجاوز محنتها بانكبابها المتواصل على العمل، تماما مثل الذي يقتل أحزانه عن طريق الشرب... سألها آدم أن ينجبا طفلا آخر يعوضهما الذي فقداه لكنها رفضت مخافة ألا تكتمل سعادتها تماما مثل المرة الأولى... ورغم إصراره لم ينجح في اقناعها بالعدول عن رأيها. حتى أن أهلها نصحوه بأن يقنعها بزيارة طبيب نفسي علها تستعيد حيويتها القديمة بعد أن فشلوا هم في ذلك. وكالعادة كان الرفض هو جوابها الدائم. أصبح يشعر بالخواء التام... لم يعد لديه ما يشقى من أجله سوى مجد الذي أصبح يبثه كل الحب والاهتمام وازدادت بذلك لقاءاته مع صفاء الأمر الذي جعل رحاب تصرخ في وجهه كل مرة متذمرة حتى وضع لها حدا في احدى المرات: لا يحق لك منعي عن رؤية ابني! عادت لتصرخ بغضب: أتريد ابنا!.. سأنجب لك آخر... توقف عن زيارة تلك المرأة وحسب. حملق فيها بجمود قبل أن ينطق بصرامة: حتى وإن أنجبت لي بدل الولد الواحد عشرة سيظل مجد ابني ولن يمنعني عنه لا أنت ولا غيرك... مفهوم! وصفق الباب خلفه بشدة ليترك المنزل ويبيت في سيارته خارجا... هذه أول مرة يفعل شيئا مماثلا... أصبح يشعر أن حياته بلا قيمة... بلا معنى... بلا هدف... في لحظات الضياع تلك كان يحن إلى حضنه الأول وحب أفلت من بين أصابعه كحبيبات الرمل ليقبض من بعده على السراب... لم يعرف أنه أصبح يحبها لهذا الحد إلا عندما تاهت عنه وخبت عيونها المتوهجة بجنون عشقه!.. أي غبي كانه عندما ظن أن صفاء لم تكن حب حياته... ربما كانته وهو لا يدري... تعلقه برحاب أعمى بصيرته ومنعه من رؤية قلب مخلص لهواه... قلب نقي يتفنن في طلب رضاه، وهو عنه مدبر يريد سواه... بدل أن يرجع من العمل إلى بيته قصد منزل والديه واكتفى بالاستلقاء على الأريكة واضعا رأسه في حجر أمه مغمض العيون. راحت تداعب خصل شعره الأسود بحب مستشعرة لحزنه وألمه... لم يشكو إليها يوما همه لكنها كأم كانت تعرف ما يوجع قلبه من نظرات عيونه ومن خلجات تجتاحه. قالت بعد طول صمت: لماذا لا تتزوجان من جديد؟ فتح عيونه المغمضة دون كلام فتابعت بحب: أعلم أنك تحن إليها يا آدم... كانت زوجتك الأولى وبينكما ابن... ليس عيبا إن تزوجتها مرة أخرى... سألها بجمود: ورحاب؟ أجابته بصرامة: عليها أن تقبل بالموضوع كما قبلت صفاء قبل سنوات... أنت في كل الأحوال لن تطلقها... قال بسأم: وأكسرها مثلما كسرت الأولى من قبل!.. انها بحاجة إلي... قالت بثقة: اسألها... ناقشها وربما لن تمانع... أجابها بمرارة: تظنينها صفاء التي انسحبت بصمت! نهرته: ولكنك لن تطلقها!! بكل هدوء أكمل يقول: ستطلب الطلاق يا أمي... أنا أعرفها... ولا أريد أن أجرحها فوق جرحها لخسارة ابنها... تنهدت بغبن: كم أنت طيب يا آدم... ابتسم رغم شحوبه: أنت أمي ولا عجب في أن تريني طيبا... غيرك قد يراني رجلا أنانيا وبلا قلب... قالت بإلحاح: اصدقني القول يا بني... أنت ترغب في أن تعود إليها أليس كذلك. لم يجبها عن سؤالها فأيقنت أنه يريد ذلك لكنه لا يستطيع أن يرتكب نفس الذنب مرتين... في المرة السابقة كسر صفاء وهذه المرة سيكسر رحاب. أجابها بعد تنهد: أشعر أنه يجب أن ألقي بنفسي من فوق تلة ما لأخلص الجميع من شري... استنكرت الأمر بشدة وضربته على جبينه: كف عن قول السخافات يا آدم... لا تكرر مثل هذا الكلام! ◇◇◇ صرح لها عزيز عن نيته في التقرب منها بعد عام من تعارفهما واشتراكهما معا في العمل التطوعي... الآن يمكن أن تقول أنها أصبحت بخير وعافية وقد شفيت من مرض اسمه آدم... عملها، تطوعها واعتزازها بنفسها جعل منها امرأة جديدة بطموحات جديدة... لكن طلبه لها للزواج جعلها تترك كل شيء جانبا لتفكر بروية... عزيز رجل رائع... تشعر أنه مهتم بها منذ أشهر وتعرف جيدا أنه معجب بها لكنه لم يصارحها حتى يجهز ماديا لطلبها للزواج! أحبت فيه أنه رجل جاد لم يحاول التقرب منها من قبل ولا إثارة عواطفها حتى حسم أمره ونوى الحلال... ورغم معرفته بطلاقها وبوجود ابن في حياتها لم يشكل الأمر فرقا بالنسبة له فكما قال لها "قد أجد ألف امرأة عزباء لكنني لن أجد واحدة مثلك.." قوله هذا حمل لها تصريحا قويا لتشبثه بها الأمر الذي جعلها ترتاح له أكثر وتفكر جديا في الارتباط به. ذات مساء وهي عائدة من عملها التقيا صدفة بالطريق وسار معها حتى أسفل البناية، هناك حيث كان آدم ينتظرها ليأخذ ابنه، والتقى الثلاثة دون سابق موعد... شعرت بإحراج شديد وعرفتهما ببعض تاركة مجد يتعلق بوالده. بعد تحية وسلام أخذ ابنه وغادر بالموازاة مع رحيل عزيز تاركا إياها تصعد الدرج وقلبها متوجس يخشى تلك النظرات الحادة التي رمقها بها قبل أن يفترقوا جميعا. عندما عاد به في المساء وطرق على الباب فتحت له فاستأذنها في الحديث إليها لبعض الوقت ودخل إلى الرواق حتى لا يسمعهما الجيران. قال بثقة: صفاء... ألا تعتقدين أن قدومك إلى المنزل مع رجل غريب سيسيء لسمعتك؟.. خصوصا وأنت مطلقة. أجابته: هذه أول مرة... حدث الأمر بالصدفة... ثم إن عزيز يرغب في الزواج بي وهو رجل مستقيم... توسعت عيونه بعد هذه الكلمات ليهمس لها بدهشة: ستتزوجينه؟ أومأت موافقة: لن أجد رجلا مثله... إنه يعرف بابني وبطلاقي وهو مقتنع بي كزوجة. قال بانفعال: لا تجعلي تعثرك في الحياة يلقي بك عند أعتاب أي رجل يبدي اهتمامه بك. شعرت بالحنق من كلماته، أيظنها مجرد عاثرة حظ تبحث عن بعض الاهتمام! حملقت فيه بصرامة لتخبره: عزيز ليس أي رجل... أعرفه منذ عام وأعلم يقينا أنه الأنسب لي... شعر باحتقان الدم في أوردته ولم يعد يدري أيبارك خطوتها ويتمنى لها السعادة رغم ألمه، أم يصرخ بوجهها أنها لن تكون لرجل غيره! شعرت بانقباضه واختناقه الأمر الذي حدا بها لتهمس له بتوجس: ألن تبارك لي؟ أمسك بذراعيها بقبضتيه القويتين ولم يشعر أنه يوجعها من شدة الغضب ليقول بألم مكبوت: فكري مليا يا صفاء... لا يمكنك أن تتخذي خطوة كهذه دون تفكير... حاولت أن تخبره أنه يوجعها عن طريق تألمها فأفلتها من بين يديه لتقول بصراحة: أنا مقتنعة بعزيز... مقتنعة جدا. همس لها بحرقة أبصرت نيرانها في عيونه: تحبينه؟ لم تستطع أن تجيبه ولو كذبا... حتى هي لم تسأل نفسها هذا السؤال!.. التزمت الصمت التام فظنه حياء منها، لذا تنهد بغصة ليقول: لا تتزوجيه أنا أرجوك... حدقت فيه بتيه لا تفهم سبب رفضه... تراه يحرص ألا يتربى ابنه عند رجل غريب؟ قالت بعد تفكير: مجد سيبقى عند أمي ويمكنك رؤيته متى شئت أنت تعرف هذا... لن آخذه منك ولن أجعله يحب غيرك. أغمض عيونه بألم ليفتحهما على اتساعهما وهو يتأملها بالتياع: لن أحتمل أن تكوني له... شحبت ملامحها فجأة ليكمل بوجع: لن أتقبل فكرة أن تصبحي زوجة لرجل غيري... صرخت به من قهرها: لكنك لست زوجي... أنت لم تعد زوجي منذ سنوات... سنوات عديدة ألا تذكر! وأشارت للباسها الشرعي: أنظر إلينا... نحن غرباء. أجابها بإصرار: أبدا... ستظلين دوما أم طفلي. أشارت له بإصبعها محذرة: لكنني لست زوجتك... هدر فيها بغضب: كوني زوجتي إذن! ساد الصمت التام بعد هذه الكلمات وبقي الاثنان يتبادلان النظرات العميقة دون أن يجرؤ أي منهما على الكلام. بعد صمت قصير أحساه دهرا عاد ليقول: ربما لا يحق لي المطالبة بفرصة أخرى... لكنني سأفعل... من أجلنا... من أجلي ومن أجلك... عادت تلك النظرات الحارقة لتؤكد لها ما اعتقدته سالفا... لم يعد قادرا على إخفاء مشاعره أكثر ولا مداراة شوقه... ينبض قلبيهما بتناغم كبير على إيقاع واحد... كل ما كان ينتابها في عشقه يتجلى اليوم على وجهه... بحثت عن الشغف! وهي تبصر اليوم أكثر من الشغف... تبصر اللوعة والحرقة والعذاب... تبصر اليأس والرجاء والعتاب... تبصر كلاما لا تعبير له إلا في لغة العيون... قادرة هي على منحه الغفران؟.. وهل جرّمه قلبها يوما ليعفو عنه!.. النهاية

الجزء الثاني يوم غد بحول الله


بريق أمل غير متواجد حالياً  
التوقيع