عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-21, 06:25 PM   #819

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile9 الفصل الثلاثون - القسم الأول

الفصل الثلاثون

شروق


إذًا هكذا يبدو الإنسان عندما تنقلب حياته كما يعرفها رأسا على عقب..
عندما تأتيه معلومة واحدة فتنسف كل الحقائق التي سبقتها وتسقطها في هوة سحيقة لا قرار لها، بعد أن ظل من يحمل تلك الحقائق خلف ظهره يعاني من ثقلها حتى خارت قواه دون أن يشكو.. قبل أن يكتشف أنها لم تكن من البداية سوى مجرد سلسلة من الأوهام.. أو ربما أكاذيب..

كان حازم قد تلقى اسمه الحقيقي من سليم بحالة تشبه الذهول دون أن يعقب، حتى أنه تمدد أمامي على الفراش مستقرا برأسه على فخذي وأخذ يطالع سقف الغرفة في صمت مهيب، وكأنه لم يعد قادرا على تحمل كل تلك المفاجآت التي تعصف بكل ما ظنه واقعيا وثابتا في حياته..
بل وكأنه صمت لدقائق حدادا على روحه التي تمزقت لسنوات طويلة وهو يصدق عن نفسه خرافات مختلقة شوهت ماضيه وزلزلت حاضره وكادت أن تدمر مستقبله.

لن أدعي فهم ما يمر به الآن مهما حاولت أن أضع نفسي مكانه..
أسفي عليه.. هذا الشاب عاش وحيدا في ملجأ وهو يظن أنه بلا أصل وبلا هوية.. بل وقع بين براثن وحش سادي، ساق له من الأكاذيب أفظعها وعمد إلى ابتزازه واستغلاله لإجباره على تحمل ما لا يطيق، وارتكاب ما يكره من آثام تركت أطلالها تسحق ضميره وتكبله كلما حاول الفرار والنجاة بنفسه..

عانى طفلا بمفرده من مرض غريب ونادر ولم يجد من يسانده أبدا سوى طفل أصغر وأضعف، فاضطر هو في النهاية أن يتبناه وجدانيا ويصبح والده وأخاه وصديقه.. فبات يعطي من جديد بدلا من أن يجد صخرة حقيقية يستند عليها..

صحيح أن حسام كان داعما كبيرا له، وكذلك خالد، لكن دعمهما ربما أتى متأخرا نوعا ما بعد أن أصبح حازم قادرا على التأقلم ومواجهة ما تضعه الحياة في طريقه من عثرات وعقبات واختبارات قاسية..

أخذت أربت على رأسه برفق، ثم سألته بصوت خافت: "كيف تشعر الآن؟"..

مرت بضع ثوانٍ وحازم مازال صامتا حتى ظننت أنه لم يسمع سؤالي أو ربما تجاهل الرد، لكنه زفر بعدها ببطء وكأنه يحاول الخروج من دوامة الأفكار التي تتصارع في رأسه الآن، ثم قال: "لا أعلم.. يبدو الأمر بالنسبة لي وكأنني أشاهد من بعيد أمرا لا يخصني.. أو أقرأ بعض الأحداث في رواية.. أتفاعل مع ما يستجد من معلومات يكشفها الراوي، ولكنني متيقن أنها مجرد أحداث خيالية لا تعنيني ولا تخصني ولن تطالني تبعاتها أو تؤثر بي بأي شكل.. ثم أتذكر أنني بالفعل البطل هنا ويجب أن أفكر في كل ما تعنيه هذه الحقيقة الجديدة وما قد تسببه من تغيرات على حياتي.. حياتنا جميعا".

أطلق حازم ضحكة قصيرة ساخرة، ثم تابع بمرارة: "يا لي من بطل.. لم أكن يوما متحكما بزمام حياتي.. بل ظللت بيدقا بيد لاعب احترف الخديعة وأدمن الفوز حتى ولو كان الثمن أرواح بريئة.. أو قولي دمية ماريونيت خشبية لا تمتلك من أمرها شيئا.. طوال حياتي وأنا أقبع في خانة المفعول به.. لا أقدم على آية خطوة بدون تصريح مسبق وبمقابل لا أطيقه في بعض الأحيان.. يا له من شعور"..

مررت أصابعي بحنان بين خصلات شعره السوداء الناعمة، ثم علقت: "أما أنا فأشعر أنه لأمر رائع.. أن تكتشف من أنت فعلا.. ربما كان هذا إيذانا بأن تجد السلام أخيرا، فقد آن الأوان أن تودع الكثير من عذاباتك الماضية بعد أن أضحى بإمكانك أن تتناسى الكثير من الذكريات السيئة التي شكلّت ظلام سنواتك الماضية"..

رفع حازم حاجبيه حتى تلاقت أعيننا، ثم تساءل بجدية لا تخلو من التشكك: "أتظنين ذلك؟"..
أجبته بحماس: "بالطبع.. يجب أن تبني حياة سعيدة مع عائلتك وتقوى بيهم خصوصا أنهم فعلا يرحبون بك بينهم ويريدون ضمك تحت جناحهم لتعويضك عن ما مررت به.. وصدقني هذا أقل ما تستحقه"..

رد حازم بنفس النبرة الجدية: "لا أظن أن أي شيء قد يحدث مستقبلا بإمكانه دفعي لنسيان الماضي.. لقد انطبع بداخلي تماما لا يغادرني، وحتى بعد أن ظهرت الحقائق التي من شأنها طمسه نهائيا.. تبفى آثاره المزعجة تلتف حول عنقي وتكبلني بقبضتها القاسية.. وكوابيسي ليست سوى البداية".

قاطعته بحزم: "حازم.. يجب أن تنسى الماضي.. عليك أن تجعل هذا الأمر هو هدفك المقبل وأن تخصص له كل طاقتك.. لم أعهدك متخاذلا.. فأنت محارب باسل وشجاع منذ اليوم الأول.. وتستحق حياة سعيدة هادئة بعيدة عن الحزن والتخاذل والأوجاع المستمرة.."

توقفت عن الكلام ثم رمقته بنظرة حانية أودعتها كل مشاعري التي مازلت أتحفظ في إفلات لجام شفتيّ لأعلنها على مسامعه صراحة، ثم أكملت بنبرة مترجية: "لا تبخس نفسك حقها ولا تتراجع لمجرد أن الأمر يبدو غريبا وصعبا الآن.. كما أنني معك منذ الآن.. ولست وحدي.. لديك عائلة كبيرة تدعمك.. بدء من حسام وخالد وزينة وحنان وماما سناء.. وحتى عمك وابنه وباقي أفراد أسرتك".

سحب حازم يدي المستقرة بجانبي، ثم قربها من فمه ولثمها بحب وامتنان، لكنه لم يعقب..

مرت بضع دقائق أخرى، وأنا أفكر فيه..
حازم.. أو بسام..
يا إلهي.. كيف سأناديه؟ تُرى أي اسم سيفضّل بعد؟

همست بمزح خافت محاولة تلطيف الأجواء: "السيد العابس اسمه بسام"، فجاءني صوت حازم متسائلا: "ماذا همست؟ وعلام تضحكين؟"..

همست بنبرة أعلى قليلا: "لا أصدق أن اسمك بسام وأنت دائم التجهم والعبوس"..

تحرك رأس حازم قليلا حتى صارت نظراته مطرقة إلى الجانب تواجه الجدار ومط شفتيه بحزن، ثم قال بنبرة غلفها الألم بوضوح: "ربما لو كانت حياتي مختلفة.. وكنت قد نشأت في كنف والديّ وعايشت عائلتي بشكل طبيعي، لأصبحت بالفعل شخصا باسما وسعيدا.."

نبرة الأسى الواضحة في صوته لاقت صدى معذبا في صدري، فلم أشعر سوى بنفسي أنحني إليه وأرفع رأسه بكفيّ وأبثه قبلة ناعمة وحانية علها تدفئ قلبه الملتاع الذي قاسى كثيرا..

شهق حازم مصدوما في البداية، ثم تحرك متملما من نومته المقلوبة، ليعتدل جالسا، ويحتضن وجهي بأنامله، ثم يبادلني قبلة أكثر عمقا ودفئا.. ليبعد رأسه قليلا ثم يسألني مندهشا: "ليس وكأنني أمانع.. ولكن ما سبب تلك المبادرة المنعشة؟"..

أطرقت جفنيّ بخفر، ثم أجبته بنبرة صادقة: "شعرت أن والدي بشكل ما كان سببا في تعاستك وشقائك خلال سنوات طفولتك وشبابك.. فقد تربيت في ملجأه وقام بابتزازك بطريقة جعلتك تشعر أنك مدين له.. أنا آسفة لكل ما لحق بك من آلام ومصاعب و.... "

قاطعني حازم الذي عانقت شفتيه ثغري في قبلة جديدة أكثر قوة، وكأنه في تلك اللحظة كان يتهرب من الكلام ونبش الماضي، فقرر استبداله بالتعبير بعواطفه ومشاعره.. ليسحبني معه في جولة صاخبة من الغرام امتدت للساعات الأولى من الفجر، حتى هدأت مخاوفه واستكان بين ذراعيّ كمن وجد وطنه أخيرا بعد أن أمضى سنوات عمره أسيرا في سجن مقفر بقلب البراري بين الوحوش التي لا تعرف الرحمة..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس