الموضوع: على شرفات الحب
عرض مشاركة واحدة
قديم 14-10-21, 10:55 PM   #7

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل الثاني


بعد مرور عام ....

استيقظت في السابعة صباحًا على صوت المنبه المزعج , لكنها اليوم لن تُطفئه بتذمر لتعود للنوم كالعادة .... فاليوم أمامها طويل
وعليها استغلاله كي تنجز ما تبقى قبل الانتقال للمنزل الجديد قبل نهاية الأسبوع ... نهضت من سريرها لتتفحص مذكرة الهاتف ... لديها الكثير من المهام اليوم ... لكنها لن تكون متعِبة كثيرًا خاصة مع وجود السيارة الجديدة التي اشترتها ... ابتسمت للخاطر الأخير و هي تتذكر سعادتها عند شراء السيارة الذي تزامن مع انتهائها من دروس القيادة ... ستقودها اليوم للمرة الأولى ... لقد اجتازت اختبار القيادة بمهارة وهي مستعدة تمامًا للتجربة الحية في شوارع المدينة ... نهضت من سريرها
و توجهت للمرآة تطالع نفسها بشرود ...
" ابتسمي ... لقد مرت الأيام الصعبة و القادم سيأتي حاملًا معه خيرًا كثيرًا " ..
هكذا حدثت نفسها قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامه واثقة ... توجهت للحمام لكن استوقفها صوت رنين هاتفها المحمول .... طالعت اسم المتصل لتبتسم ابتسامة خفيفة قبل أن تجيب قائلة بهدوء
( صباح الخير )
ليصلها الرد من الجانب الآخر
( صباح الورد على أجمل وردة )
ضحكت قبل أن تجيبه بمرح
( يبدو أن أحدهم قد استيقظ بمزاجٍ رائق اليوم )
أتاها رده المداعب
( و كيف لا أكون كذلك و أنا ابدأ يومي بسماع أجمل و أرق "صباح الخير" سمعتها في حياتي )
هزت رأسها بيأس و أجابته بابتسامة
( حسنًا حسنًا ... ستغلبني بالكلام كعادتك )
ثم أردفت متسائلة
( لماذا أنت مستيقظ مبكرًا هكذا؟ ... ألست تتشدق دومًا أن الاستيقاظ المبكر للكادحين أمثالي بينما رؤساء مجالس إدارة الشركات الكبرى أمثالك لا يستيقظون قبل التاسعة )
وصلتها ضحكاته على الجانب الأخر قبل أن يجيب
( اليوم استثناء لأجل حبيبة قلبي ... سأمر عليكِ بعد ساعة لأوصلكِ للعمل ثم اتوجه للشركة )
أصدرت همهمة راضية ثم أجابته بترفع مصطنع
( شكرًا لعرضك الكريم سيد كريم ... لكنني و بلا فخر سأجري اليوم أول تجربة حقيقة لقيادة سيارتي الجديدة )
( اووووه ..... هل يعني ذلك أنكِ أصبحتِ من أصحاب السيارات و لن تحتاجينني بعد الآن لايصالك بسيارتي المتواضعة؟ )
هتف بها بمسكنة مصطنعة لتبتسم هي من لفظ "سيارتى المتواضعة" , الذي لا يليق أبدًا كوصفٍ لسيارته الفخمة حديثة الطراز ...
لكنها ردت بعجرفة تشاكسه
( نعم لقد قررت الاستغناء عن خدماتك )
ضحك يجاريها متسائلًا
( هل أفهم من ذلك أنكِ لن تقبلي دعوتي على الغداء اليوم بمناسبة الصفقة التي ربحتها بالامس؟ )
سارعت تقاطعه
( هل تمزح؟ .. بالطبع أقبل ... لقد وعدتني أن تصطحبني للمطعم الذي افتُتح حديثّا في شارع "٠٠٠٠٠")
قالتها مشيرة لأحد المطاعم الذي رأت إعلان افتتاحه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي و الذي كان وللمصادفة مِلك لِاثنين من زملائها منذ أيام الجامعة ..
بينما أجابها هو
( حسنًا طلبات "البرنسيسة" أوامر )
ضحكت بخفة قبل أن تجيبه لتحدد معه موعد اللقاء و تغلق الاتصال مبتسمة من مغازلاته التي لا تنتهي .. و تنهدت قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامة شاردة ...
"كريم" ... كريم نصار ... خطيبها , الشاب الثري و ابن رجل الأعمال "هاشم نصار" ... عريس ممتاز كما ترى أمها , لكن ذلك لم يكن سبب موافقتها على الارتباط به بالطبع ... كانت قد أجلَّت فكرة الارتباط و الزواج إلى أجل غير مسمى ... فالعمل و بناء المستقبل كانا لهما الأولوية بالطبع .... لكن مع الظهور المفاجئ للأستاذ كريم الذي اقتحم حياتها ليطاردها في مكان عملها مفاجئًا إياها برغبته في الارتباط بها , و رغم رفضها للأمر , إلا أنه تقدم رسميًا لخطبتها ... لتفاجأ بإصرار أمها عليه متعللة برغبتها في الاطمئنان عليها ... لكنها و أمام كل تلك الضغوطات أصرت على رفضها , إلا أنه تلقى إصرارها بصبر ليطلب لقائها محاولًا اقناعها بالموافقة .... لم تكن يومًا من فارغات العقول كي تنبهر بالشاب الثري خفيف الظل والوسيم ... الوسيم جدًا لا يمكنها أن تنكر .. لكنها وبالرغم من كل ذلك لم تتقبل اقتحامه المفاجئ لحياتها و محاولاته الكثيرة لاقناعها بشخصه , فلم تكن يومًا متلهفة للزواج كبنات جيلها .... بل بالعكس كانت غير مرحبة بالفكرة , والسبب كان رؤيتها للمثال الحي أمامها لأمها وأبيها في صورة مجسدة للزواج الغير متوافق مع اختلاف شخصية كل منهما لدرجه قد تصل إلى حد النقيض .... لكنها وللعجب واقفت في النهاية على الارتباط بكريم .... ليس لثرائه الفاحش و لا لوسامته الطاغية .... و لكنه و مع إصراره الغريب عليها يزعم أنه يحبها !!! .... لقد قالها لها ببساطة عندما طلب لقائها ليقنعها بالموافقة على الارتباط به
( أنا لا أدري حقًا كيف حدث هذا و تحولت مشاعري تجاهكِ من مجرد إعجابٍ إلى حب ... لكن ما أنا متأكد منه , أن مشاعري تلك حقيقية .... فقط لو تمنحيني و تمنحي نفسك فرصة ... يمكنكِ أن تعتبريه طلب لصداقتكِ و ليس عرض زواج ... فلنكن أصدقاء , ما رأيك؟ )
هذا ما سمعته منه بذهول بعد أن أربكها باخبارها أنه يحبها .... و لم تكن بمثل تلك السذاجة لتصدق حبه -المزعوم- هذا ولكنها مع رؤية إعجابه الواضح بها أرجأت اعترافه بالحب إلى طيشه الظاهر في تصرفاته ... لذلك قبلت صداقته و وافقت على عمل خطبة بشرط أن تكون طويلة لتحدد أبعاد العلاقة ... و قد وافق على شرطها مُرحبًا ... لا يمكنها أن تنكر أنه يعاملها بطريقة رائعة و بحبٍ واضح , و أنه ربما قد بدأ يدحض شكوكها في احتمال استمراية تلك العلاقه ... تحبه؟ .. لا لا .. هي لم تصل بمشاعرها معه حد الحب ... ربما إعجاب بشخصيته المرحة التي تميل إلى العبث , و المناقضة تمامًا لشخصيته داخل العمل , و التي رأتها بنفسها يوم دعاها إلى شركة والده التي يتولى هو إدارتها بمهارة ... يومها رأت منه وجه "رجل الأعمال الناجح" رغم صغر سنه الذي لم يتعدى التاسعة و العشرين ... لكنها على أية حال سعيدة معه
- على الأقل حتى الآن - ... خاصة و أن توقيت ظهوره في حياتها كان في فترة حاسمة ليساعدها في تخطي بعض العقبات ... انقطعت أفكارها بدخول شقيقتها الصغرى ملك ذات السابعة عشر عامًا , و التي اقتحمت الحجرة بدخولٍ عاصف , هاتفة باستياء
( ألازلتِ بملابس النوم يا صِبا؟ ... ما هذا الكسل ! )
ردت صبا بابتسامة هادئة
( صباح النور )
تأففت ملك تقول بنفاد صبر
( لا داعي لإضاعة الوقت في تحيات صباحية .... لقد تأخرت على المدرسة ..... هيا بدلي ملابسكِ لكي توصليني معكِ .... أريد أن أجرب السيارة الجديدة )
قالت جملتها الاخيرة بسعادة و هي تصفق بكفيها بحماس ... لتضحك صِبا ضحكة صافية قبل أن تجيبها
(حسنًا , و لكن ساعديني أولًا في اختيار زيًا مناسبًا حتى أنتهي من أخذ حمامي )
ثم أعطتها ظهرها متوجهة للحمام لتترك لِملك مهمة اختيار الزي .

==========================


وقفت سكرتيرة مكتبه تنهت بفعل المجهود الذي لا يتناسب مع شهور حملها الخمسة التفتت لزميلتها قائلة
( لا أدري سر تلك القرارات الديكتاتورية .....
" على الجميع الحضور إلى الشركة في الثامنة صباحًا " )
ضخّمت صوتها في الجملة الأخيرة ثم زفرت بتعب
( لم أستطع النوم طوال الليل بسبب تعب الحمل ... و الآن يأتي ذلك المتعجرف ليطالبني بالحضور مبكرًا لإنهاء أوراق الصفقات ... لو كنت أعمل بالكهرباء لما عذبتموني هكذا )
ضحكت زميلتها ثم ردت متنهدة بهيام
( ليتني كنت أنا سكرتيرته ... تعب العمل كله يهون أمام وسامته )
ردت الأخرى بحنق
( مالي أنا و مال وسامته .... لقد وقعت في فخ سبع الرجال زوجي و انتهى الامر .... كما أنه سمج ثقيل الظل , لا يمل من العمل ... فليذهب بوسامته تلك للجحيم )
ضحكت زميلتها و قبل أن تعاود التغزل به كان يظهر أمامها .... فشحبت ملامحها لتقف قائلة بارتباك
(مـ .. مرحبًا سيد أمجد )
( إن كنتما قد انتهيتما من فقرة النميمة الصباحية تلك فإن هناك عملًا مازال متأخرًا أتمنى أن ينتهي اليوم )
قالها بتجهم و نبرة غاضبة ليتوجه إلى مكتبه دون كلمة أخرى تتبعه سكرتيرته بتعثر ..
جلس أمجد خلف مكتبه و قال بجدية
( أريد تقريرًا بتفاصيل العروض المقدمة من الشركات الأخرى )
أومأت برأسها لتسجل ما يقوله في دفترها .... بينما تابع هو
( و أريدكِ أن تقومي بنشر إعلان على الصفحة الإلكترونية الخاصة بالشركة عن طلب موظفين جُدد ... سأرسل إليكِ التفاصيل )
ثم أكمل
( السيد مروان هو من سيتولى أمرهم )
أومأت برأسها مجددًا بينما صدح الهتاف المِرح من خلفها ..
( لقد سمعت اسمي ... خير اللهم اجعله خيرًا )
انصرفت السكرتيرة بينما جلس مروان قائلًا بمرح
( صباح الفل يا " كينج " )
رد أمجد و هو يقلب في الأوراق أمامه دون أن ينظر إليه
( ألن تتوقف عن ذلك اللقب؟ ... نحن مهندسين و لسنا تجار أعضاء بشرية )
ضحك مروان ليقول بتهكم
( يكفينا أن نُحضر الموظفين في الثامنة صباحًا لنكون أكثر شرًا من تجار الأعضاء )
رفع أمجد عينيه يقول بجدية
( لا وقت لدينا للدلال ... نحن نعمل على قدمٍ و ساق ... لا تنسىٰ أن الشركة افتتحت حديثًا
ونحتاج أن نثبت أنفسنا في السوق )
رد مروان ببساطة
( لقد قطعنا شوطًا لا بأس به في وقتٍ قياسي و أصبح لنا اسمًا في السوق )
تنهد أمجد و رد
( ما زال أمامنا الكثير يا مروان ... و لا تنسى أنه لولا دعم و تمويل الشركة التي كنا نعمل بها في الخارج لما حققنا ذلك النجاح )
تحدث مروان بابتسامة واثقة
( لا تقلق ... أنا واثق من نجاحنا )
ثم أكمل بغمزة عابثة
( كل شيء تحت السيطرة يا "كينج" )
زفر أمجد بسخط قبل أن تتغلب عليه ابتسامته
( حسنًا أرني همتك يا بطل ... سوف نعلن عن بدء دورات تدريبية للطلبة والمبتدئين ... الاستفادة من حماسهم مقابل إكسابهم خبرات بمرتبات مبدئية لا بأس بها ... ستتولى أنتَ أمر توزيعهم ما بين المواقع و الأعمال المكتبية )
حرك مروان حاجبيه يقول بعبث
( هذا هو الكلام المضبوط ... مبتدئين وطلبة ... هكذا تنفتح أنفسنا على العمل ... سيسرني كثيرًا الاطمئنان على خبرات الشباب )
حدجه أمجد بنظرة محذرة
( مروان .. عبثك مع الفتيات هذا خارج العمل فقط ... أما في الشركة لا أريد سوى الانضباط )
أومأ مروان دون أن يختفي العبث عن ملامحه ثم غادر المكتب ... ليتنهد أمجد شاردًا ... لقد استطاع تأسيس عمله الخاص في وقت قياسي بعيدًا عن أعمال والده ... و خبراته في سنوات العمل بالخارج ساعدته كثيرًا ... هذا بالاضافة إلى جهود مروان صديقه ... لقد كانا زملاء في الجامعة بالخارج و استمر العمل بينهما أيضًا ... قبل أن يقرر أمجد العودة ...
و ساعده مروان في بِدء تلك الشراكة سويًا .... مروان صديقه المقرب و كاتم أسراره ... رغم الاختلاف الشاسع بين شخصية كلاهما ... إلا أن أمجد يعتمد عليه بحق ... فعلى الرغم من شخصية مروان العابثة لكنه ماهر جدًا في مجاله و ذلك هو الأهم ... انتبه من شروده على صوت رنين هاتفه معلنًا عن اتصال من والده ...
أجاب الاتصال ملقيًا تحية الصباح ليأتيه صوت والده
( صباح النور ... كنت أتساءل إن لم تكن مشغولًا اليوم فأنا أريد أن أراكَ على الغداء )
عقد أمجد حاجبيه و رد بحذر
( هل حدث شيء؟ )
هتف والده باستياء
( هل يجب أن تحدث مصيبة كي نراكَ أم ماذا؟ )
حك أمجد جبهته و رد بهدوء
( لم أقصد كنت أتساءل فقط ... على العموم سأكون اليوم في المنزل بعد انتهاء العمل )
أغلق الاتصال مع والده و زفر بضيق .... هو يحاول التواجد في محيط العائلة قدر المستطاع ... و لكنه ما زال غير قادرٍ على التأقلم بشكلٍ كامل , يوزع وقته بين شقته الخاصة و منزل العائلة , و لكن هذا الوضع لا يعجب والده بالطبع ...
أزاح أفكاره جانبًا و عاود متابعة عمله محاولًا الانشغال عن تساؤلاته حول الموضوع المهم الذي يريده والده فيه ...

==================

خرجت من الحمام تجفف شعرها لتجد ملك قد جهزت لها ملابسها كاملة ... كانت ملك قد اختارت لها ملابس عصرية بسيطة مكونة من بنطال چينز و بلوزة أنيقة .... بدأت صِبا في ارتداء ملابسها , لكنها عدلت عن رأيها و اتجهت لخزانة ملابسها و بدأت في اختيار زيًا آخر ..
وقفت أمام المرآة تتطلع لنفسها برضا .. فستان أزرق كلاسيكي يصل إلى ركبتيها ... ارتدت تحته جوربًا أسود شفاف و حذائها ذو الكعب العالي ... لم تكن يومًا من محبي ارتداء الكعب العالي , لكن اليوم استثناء ... ستقابل خطيبها بعد العمل و عليها أن تبدو بصورة مناسبة لواجهته الاجتماعية .... لطالما كرهت المظاهر الدبلوماسية الباردة , و لكن وضعها الجديد كخطيبة لوريث عائلة نصار يحتم عليها الظهور بمظهرٍ لائق .... مشطت شعرها لتلفه في لفة أنيقة خلف رأسها تاركة خصلة أنيقه تنسدل على جانب وجهها ...
كانت قد خلعت الأسود منذ مدة كبيرة ... لم تُرِد أن تخدع نفسها أكثر من ذلك , لقد ارتدته بعد وفاة والدها لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أنها فعلت ذلك وفقًا للأصول ليس أكثر .. ولذلك لم تكد تمر فترة مناسبة حتى خلعته .. كفاها سوادًا عاشته في حياته .... فلتنعم بحياتها قليلًا بعيدًا عن آلام الماضي ... خرجت من غرفتها لتتجه إلى طاولة الطعام .... جلست بجوار ملك التي رمقتها بنظرة جانبية و قالت و هي تلوك الطعام في فمها
( لديكِ موعدًا مع "خطيب الهنا" إذًا )
ردت صبا بابتسامة سمجة
( كيف عرفتِ يا نبيهة عصركِ و أوانكِ؟ )
أجابتها ملك و هي ترتشف من العصير أمامها
( لم ترتدي الملابس التي اخترتها لكِ .... و أنتِ لا تتأنقين هكذا عند الذهاب إلى عملك إلا إذا كان لديكِ معه موعدًا )
قالت صِبا بغيظ
( هل تقصدين أنني لست أنيقة في المعتاد؟ )
تحدثت ملك و هي منهمكة في تناول طعامها
( ليس كذلك ... و لكنكِ لا تتخلين عن ملابسكِ الرياضية البسيطة إلا لأجل أن تتلبسكِ شخصية "خطيبة رجل مهم" )
ضحكت صِبا بيأس من تقريعات ملك الدائمة ... هي تعلم أنها لا تتقبل كريم خطيبها و لكنها لا تقول ذلك صراحة , و إنما تظهره من خلال انتقادها الدائم له ... بسبب و بدون !! ..
( صباح الخير ... أضحكوني معكم )
هتفت بها مريم بمرح و هي تنضم إليهما على الإفطار ... فردت ملك بمشاكسة
( تعالي لتري شقيقتكِ التي تلبستها روح سيدة الاعمال منذ أن تمت خطبتها من السيد كريم المدلل ذو البشرة الناعمة )
( ملك توقفي عن ذلك )
هتفت بها صِبا بحزمٍ مصطنع قبل أن تلتفت إلى مريم و تسألها
( أين أمي؟ )
( ها قد أتيت .... كنت أعد لكِ مشروبكِ الخاص حبيبتي .... أعلم أنكِ لا تبدئين يومكِ بدونه )
قالتها جيهان و هي تتجه لتشاركهم الإفطار .... شكرتها صِبا و تناولت منها الكوب لتنظر لها بإشفاق .... ما زالت ترتدي الأسود .... حزنها لا يزال ساكنًا في عينيها منذ وفاته رغم محولاتها لإظهار العكس ... تنهدت صِبا بحزن
" مازلتِ وفية له يا أمي رغم كل شيء .... ليتني أتمكن من العفو مثلما فعلتِ أنتِ "
ظلت صامتة دون أن تنطق بما دار بذهنها ...
و انتبهت على هتاف ملك
( هيا يا صِبا كي لا نتأخر )
فنهضت و هي تسأل مريم
( ألن تأتي معنا؟ ... سأوصلكِ في طريقي إلى الجامعة )
أومأت مريم برأسها لتقف و تتجه مع شقيقتيها نحو الباب .... لتهتف أمها
( أنتِ لم تتناولي شيئًا يا صِبا )
ردت صبا بهدوء
( لا بأس يا أمي .... كريم سيصطحبني لتناول الغذاء بعد العمل .... إلى اللقاء )

====================

كانوا على وشك ركوب السيارة لكن استوقفهم صوت سامر الهادئ بطبعه
( صباح الخير )
التفتت إليه صِبا مبتسمة
( صباح النور سامر ... كيف حالك؟ )
أجابها
( أنا بخير ... كيف حال دروس القيادة؟ ... أرى أنكِ قد بدأتِ في قيادة السيارة بالفعل )
ردت صِبا بفخر
( أجل لقد اجتزت الاختبارات و حصلتُ على رخصتي أيضًا )
ابتسم سامر قائلًا بإعجاب
( طوال عمركِ ماهرة في الحصول على ما تريدين يا ابنة خالي )
منحته صبا ابتسامة مرتبكة متجاهلة نظرته المعجبة ... قاطعت ملك المشهد ما إن هتفت بملل
( هيا يا صِبا سأتأخر على المدرسة )
ليلتفت إليها سامر ببشاشة
( مرحبًا "ملوكة" ... آه كيف حالك يا مريم ... عفوًا لم أنتبه لكما )
غمغت ملك بخفوت
( بالطبع لم تنتبه .... ففي وجود صِبا لا ترى عيناك سواها )
لكزتها صِبا محذرة ... بينما ردت مريم بارتباك
( مرحبًا يا سامر )
ثم ابتعدت لتركب السيارة دون كلمة أخرى ... فتبادلت صِبا و ملك النظرات الغامضة قبل أن تستأذن منه لينطلقوا بالسيارة تاركين سامر خلفهم يتأمل ابتعادهم بشرود ... و حسرة ...

=================

وصلت صِبا إلى مقر عملها ثم نزلت من سيارتها بحماس
( أحسنتِ يا صِبا )
قالتها لنفسها و على شفتيها ابتسامة واثقة ... لقد قادت سيارتها بمهارة ... ربما يبدو الموقف عاديًا بالنسبة لأي شخص ... أما بالنسبة لها فالأمر يختلف ... و أخيرًا بدأت تشعر بالتحرر من عُقد عبد الرحيم مأمون .... لطالما هدم ثقتها بنفسها .... و الآن تشعر ببداية قوتها .. بأنها تستطيع .... حتى و إن كان الامر مجرد نجاحها في قيادة السيارة و التغلب على خوفها ... كانت تسير في الرواق شاردة بأفكارها ... فلم تنتبه لتلك الكتلة المتحركة المهرولة نحوها و التي هتفت بصوت عالٍ جذب الأنظار
( مرحبًا بسيدة المجتمع المخملي )
أجفلت صِبا قليلًا ....ثم ابتسمت قائلة
( يبدو أنني سوف أصبح تسليتكن اليوم ...
ما زلت لم أتخلص من الصداع الذي سببته لي ملك طوال الطريق )
سارت بجوار محدثتها التي أكملت ضاحكة
( لن أسالكِ عن سر هذا التأنق فيبدو أن لديكِ موعدًا غراميًا )
ردت صبا بملل
( لا تبالغي يا نهى إنه مجرد موعد على الغداء )
ابتسمت نهى تقول بخبثٍ
( و هل تُسمين موعد مقابلة ذلك الوسيم خطيبك ذو الملامح الأوروبية و الهيئة الجذابة مجرد موعد عابر ! )
ضحكت صِبا مرددة بدهشة
( هل تغازلين خطيبي أمامي؟ )
- ( و هل أنا وحدي من تغازله؟ ... خطيبك أصبح محط أنظار إناث المدرسة كلهن حتى طاقم عاملات النظافة )
ردت صِبا بجدية مصطنعة و هي تتحرك في إتجاهٍ آخر
( من الجيد أنكِ أخبرتني بذلك حتى أمنعه من المجيء إلى هنا و سحر أنظاركن بوسامته الطاغية )
- ( صِبا لا تمزحي ... إن فعلتِ ذلك لن أسامحكِ .... )
ضحكت صِبا من أسلوب تلك المجنونة نهى التي تُعجب بشخصٍ كل يوم ... نهى هي زميلتها في المركز التي تعمل به .... علاقتهما لا تصل إلى حدود الصداقة المتينة وإنما هي الزمالة المتوطدة بِحُكم العمل في مكانٍ واحد .... و مكان العمل هذا هو مركز تعليمي لرياض الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ....
و التي عملت به صِبا بعد تخرجها و كان بداية استقلالها وقد وجدت نفسها فيه ... رؤيتها للأطفال سعداء تبهجها , أصوات ضحكاتهم تُدخل السرور على قلبِها .... ربما لأنها ترى فيهم طفولة لم تعشها هي أو ربما سعادة حُرمت منها .... كل ما تدركه أنها تجد نفسها في صحبتهم .... حتى أنها رفضت عروض كريم المتكررة بالعمل معه في الشركة متمسكة بعملها في المركز .... دخلت إلى الفصل و قبل أن تبدأ في عملها أتتها رسالة من كريم يخبرها أنه سيتأخر بالاجتماع و طلب منها أن تسبقه إلى المطعم على وعد باللقاء هناك .... أجابته موافقة قبل أن تغلق هاتفها و تنخرط في عملها .

===============

خرجت من الجامعة ترافق زميلاتها ... كانت شاردة عنهم تفكر
" هل أذهب؟ .... هل حُجتي مُقنعة؟ "
( مع مين تتحدثين و أين تريدين الذهاب؟ ... زهرة هل جُننتِ؟ )
انتبهت على هتاف زميلتها الضاحكة فأجابتها مبتسمة
( كنت أفكر في الذهاب إلى أخي أمجد في الشركة )
قالت زميلتها متسائلة بخبث
( اممم ... ذلك الوسيم الذي أوصلكِ إلى الجامعة من قبل؟ )
ردت زهرة و هي تخرج هاتفها
( نعم هو بِعينه ... وتوقفن عن مغازلة أخي فأنا أغار )
وقبل أن تسمع ردهن ابتعدت بالهاتف تتحدث مع أمجد لتخبره بمجيئها والذي تفاجأ من قدومها .... فردت بتلعثم
( لقد أخبرني أبي أنكَ ستحضر اليوم على الغداء ... و فكرت أن آتي لأصطحبك )
عضت على شفتيها بخوف من ألا يقتنع بكذبتها ... و لذلك زفرت بِارتياح عندما أجابها بلطف أنه في إنتظارها ... أغلقت الهاتف
وعادت لزميلاتها المنهمكات في وصف الوسيم أخيها لتقرص إحداهن في وجنتها مرددة بمزاح
( ألم أقل أنني أغااار؟ )
لتنفجر زميلاتها في الضحك قبل أن تودعهم لتركب سيارتها و تطلب من السائق التوجه إلى شركة أمجد .... ثم ابتسمت ابتسامة خبيثة تحدث نفسها
( استمتعوا أنتن بالوسيم أخي و دعوني أهتم
بِوسيمي الخاص )

=====================

وصلت إلى مقر الشركة متحمسة لتتوجه مباشرة إلى الداخل ... وقفت تنظر لنفسها في مرآة المصعد .... تتأمل هيئتها الغير مهندمة ... الغير مهندمة بالمرة !! ..
همست توبخ نفسها
( لقد فقدتِ صوابك حقًا يا زهرة ... أنتِ تُخططين للمجيء إلى هنا منذ ليلة أمس ... كيف غفلتِ عن اختيار زيًا مناسبًا أكثر أنوثة من هذا الـ ... )
عجزت عن إيجاد وصف لهيئتها المزرية ... فزفرت بضيقٍ من غباءها لتردد بحزن في محاولة منها للتحلي ببعض الثقة
( حسنًا ليس بشعًا لهذا الحد .... فقط كوني واثقة من نفسك )
انفتحت أبواب المصعد لتخرج متجهة لهدفها في مكتبه .... لكن الهدف لم يكن في مكتبه ... الهدف هناك أمامها .... بكامل وسامته وحضوره المشرق , بابتسامته وضحكاته العالية والتي تسمعها بوضوح من مكانها .... في ظروفٍ أخرى كانت لِتبتسم ببلاهة لرؤيته كالمعتاد ... ولكن وقوفه مع إحدى الموظفات هو ما أثار حنقها
( حسنًا ها قد اكتمل الوضع يا زهرة .... الأستاذ منشغل الآن بتلك " المائعة " أمامه )
قالتها بنزق لتتطلع بحسرة لتلك الحسناء الفاتنة وهي تحدثه بميوعة و إغراء واضح
( و ما هذا الذي ترتديه تلك الشقراء ! ...
هل نحن في ملهىٰ ليلي أم ماذا ؟! )
غمغمت لنفسها بغضب مبطن بالغيرة ...
وبغض النظر عن ملابس الموظفة الضيقة إلىٰ حد كبير , إلا أنها كانت بالطبع أرقى من بنطال زهرة الجينز و بلوزتها الواصلة إلى ركبتيها تُخفي خلفها جسدها الضئيل ... بينما شعرها معقودًا بإهمال .... كانت واقفة مكانها شاردة كَنُصب تِذكاري في وسط ميدان عام , قبل أن تلمع في رأسها فكرة .... ثم تحركت بسرعة متجهة إلى الحمام ... مرت عدة دقائق لتخرج بعدها مبتسمة بثقة بعد أن فكت عُقدة شعرها لتمشطه بشكلٍ أنيق تاركة إياه حرًا ...
وأدخلت بلوزتها داخل البنطال فبدت بشكلٍ أكثر أنوثة ... وتخلصت من إرهاق وجهها بوضع بعض الزينة التي بالغت بها قليلًا , لكن لا يهم ... المهم أن تبدو جميلة ... سارت بثقة نحو هدفها الذي مازال واقفًا مع تلك الشقراء المائعة و ما إن اقتربت حتىٰ قالت بِرقتها الغير متكلفة
( مرحبًا مروان )
التفت إليها بابتسامة واسعة ليجيبها مُرحبًا
( يا ألف أهلا وسهلاً بزهرتنا الرقيقة ...
لقد أخبرني أمجد بقدومكِ فقلتُ لنفسي أن أستقبلكِ هنا لأنه لم ينتهِ بعد من اجتماعه ... آه نسيت أن أعرفكِ بِغادة ... من أكفأ الموظفات لدينا في الشركة )
قال جملته الأخيرة بنظرات غير بريئة موجهة لغادة فاشتعلت الغيرة في قلب زهرة , لكنها تمكنت من رسم ابتسامة باردة على شفتيها ثم غمغمت من بين أسنانها
( قلتَ لنفسك أن تنتظرني هنا و في نفس الوقت تُغازل الموظفات )
عقد مروان حاجبيه يسألها
( ماذا قُلتِ؟ )
تنحنحت تجيبه بارتباك
( لا شيء ... كنت فقط أتساءل هل سننتظر أمجد في وسط الردهة أم ماذا؟ )
رد مروان بحرج
( بالطبع لا .... تفضلي في مكتبي إلىٰ أن ينتهي من إجتماعه )
تبعته زهرة بصمت ....
و في ركن ليس بِبعيد ... كانت هناك عينين رماديتين , متربصتين لكل حركة لها منذ وصولها ... يقف صاحبها بهالة ضخمة تُميزه ... يراقب -كعادته- تلك الزهرة التي لا تنتبه لوجوده .

=================


حاولت جاهدة التركيز فيما يقوله ... إلا أنها فشلت وقد خانتها عيناها تتأمل ملامحه الوسيمة ... ولمعة خصلاته البُنية المصففة تنعكس في عينيها ببريق يجعلها تبتسم ببلاهة متسائلة إن كان عليه أن يكون وسيمًا هكذا كلما رأته؟ ... بينما كان هو غافلًا عما تفكر بها
و هو يحدثها في موضوعٍ لم تسمع منه كلمة .... كان يتحدث و باستفاضة ... في أي شيء و كل شيء .. كعادته لا ينتهي كلامه ولا تنفد منه المواضيع ... لكن شيئًا من كلامه لم يُعنيها .... تركيزها كله كان مُنصبًا في أنها هنا معه ... رغم صداقته الطويلة بأخيها إلا أنها لم تكن تراه سوىٰ في تلك الإجازات القصيرة التي يعود فيها أمجد بصحبته ...
و بما أنها الاقرب لأمجد فبالتالي كانت تقضي معه أغلب أيام أجازاته ... لتكتشف في تلك الفترة أنها تكن مشاعر خاصة له ... هل تفرح لذلك أم يصيبها الحزن؟ ... فبرغم صداقته القوية بأخيها ... إلا أنها تعلم جيدًا أنه ليس في استقامة أمجد أبدًا ... علاقاته المتعددة مع النساء لا تنتهي , نساء أجمل وأرقى وأكثر أنوثة منها ... أيمكن أن يتركهن جميعًا و ينظر لها هي؟! ...
″ و لم لا؟ ... ما بالك يا زهرة ! ... هل أنتِ منعدمة الثقة لتلك الدرجة؟ ″
( بالطبع لا ! )
( ماذا بكِ زهرة؟! )
أجفلت ما إن سمعَت سؤاله المندهش ...
هل تحدثت بصوتٍ عالِ؟ ... هل سمع أفكراها المجنونة؟
ردت بإرتباك
( ماذا؟ ... أنا لم أقل شيئًا )
رفع مروان حاجبًا مرتابًا وقال بتعجب
( بل قلتِ لا )
(حقًا ؟! ... ربما من كثرة إرهاقي أصابتني الهلوسة )
عضت شفتيها تشتم لسانها دون صوت ....
خاصة بعد تبريرها الأحمق
″ أي هلوسة بالله عليكِ ... ماذا يقول عليكِ الآن؟ .. حمقاء أم ماذا؟! ″
كانت ملامح مروان المتبلدة هي المسيطرة على وجهه ... وهو يراها تخفض عينيها للأسفل و علىٰ وجهها تتوالى إنفعالات حمقاء ... أجلى صوته قليلًا ليناديها بخفوت
( زهرة ... هل أنتِ بخير؟ )
″ الآن فقط أصبحتُ بخير ″
رددها صوت أحمق بداخلها إلا أنها تماسكت وهي ترفع رأسها لتواجه عينيه تتصنع الثقة متناسية ما تفوهت به بحماقة منذ قليل
( نعم أنا بخير ... ماذا كنت تقول؟ )
كان علىٰ وشك إعادة كلامه لكن قاطعه دخول أمجد إلى المكتب ...
تقدمت زهرة نحوه بابتسامة مبتهجة ,
فمد أمجد يده ليصافحها إلا أنها اندفعت إليه تعانقه بعفوية .... أحاطها بذراعيه مبتسمًا بخفة وهو يسمعها تردد كم إشتاقت إليه
وتعاتبه على غيابه الطويل عن المنزل ... ابتعدت عنه ليردد بمرح لا يظهر إلا نادرًا
( اشتقت إليكِ يا عفريتة )
عبست زهرة لتقول معاتبة
( إن كنت حقًا قد اشتقت لي فلم لم تأتِ إلىٰ المنزل منذ فترة؟ )
رد أمجد بحنان
( كنت منشغلاً جدًا في العمل ... وها قد رأيتِ ما إن تفرغت حتىٰ رتبت لزيارة إلىٰ المنزل )
هتفت بغيظ
( لا تتحجج بالعمل يا أمجد ... ثم أي زيارة تلك التي رتبت لها؟ ... لقد أخبرني أبي أنه سيتصل بكَ لتأتي ما دُمت أنت لا تريد المجيء من تلقاء نفسك )
قالتها زهرة مستاءة ... فتنهد أمجد بأسف ...
هو لا يريدها أن تعتقد أنه يقصد الابتعاد عنها .... لكن كيف له أن يوضح لها الأمر ... لقد حاول التأقلم ... منذ عودته من السفر
و هو يحاول تنفيذ ما وعد والدته به .. لكن الأمر ليس سهلًا ... ليس سهلاً أبدًا ...
إنه ماضٍ بأكمله ... ماضٍ يكبله بأغلالٍ تؤلمه فلا هو بِقادر على التحرر منه و لا هو بقادرٍ علىٰ التأقلم معه ... لكنها هي زهرة لا تفهم ...
هو يريد الاقتراب و نسيان الماضي ,لكن كيف؟ ... كيف له أن يعود لحياةٍ ليست له ... لوطنٍ ليس له فيه مكان ... فهل من حلول؟ سوى أن يعيش كلاجئ ... يتنقل بين أمواج الحاضر و الماضي , تتقاذفه إلىٰ آلامها تارة
و إلىٰ آمالها تارة أخرى ... لحِين ترسو به , فإما الاصدام بصخور الماضي المؤلمة أو الرِسو على شاطئ المستقبل الآمن ...
انتبه على صوت زهرة المتأفف
( هل ستظل شاردًا هكذا طويلًا؟ .... سنتأخر على الغداء ... و الجميع هناك في انتظارنا )
تمالك أمجد نفسه ليهز رأسه مبتسمًا لها
ابتسامة باهتة لم تصل لعينيه .... قبل أن ينتبه لوجود مروان الذى كان يحدق به بإدراكٍ لما يدور بداخله من صراعات .... هز مروان رأسه مبتسمًا في مواساة صامتة التقطها أمجد فبادله النظر بصمت ... إلى أن صدح صوت زهرة مرة أخرى بإنفعال متعجب
( ما كل تلك الابتسامات؟ ... هل تتعرفان على بعضكما من جديد أم ماذا !! ... هيا يا أمجد سنتأخر )
خاطبها أمجد ضاحكًا
(حسنًا حسنًا ... توقفي عن التذمر )
ثم توجه بحديثه يخاطب مروان
( وأنت , اترك سيارتك هنا ... ستأتي معنا للغداء )
تقدم مروان نحوهما متحدثًا بمرح
( أنتَ تعلم بالطبع أنني لا أستطيع أن أفوت دعوة كهذه .... لكنه غداء عائلي علىٰ شرفك
وأنا بصراحة لا أحب أن يخطف أحد مني الأضواء )
ضربه أمجد بخفة في كتفه مرددًا بمرح مماثل
( لا تقلق ... الأضواء كلها لكَ فأنا متنازل عنها )
انصرفوا من الشركة ضاحكين لمزاح مروان المرِح ... و في داخله كان أمجد لا يزال متوجسًا من ذلك الغداء العائلي .

================

أنهت صبا عملها لتتجه إلى خارج المبنى .. استقرت في سيارتها لتنطلق بها مسرعة ... لقد استطاعت الإفلات بأعجوبة من ثرثرة نهى
و تحدثها بحالمية عن خطيبها الثري الذي تحلم به جميع الفتيات ...
ضحكت مرددة لنفسها
( يبدو أنني لم أفكر جيدًا في مدى جاذبيتك تلك يا خطيبي العزيز )
لم تكد تكمل جُملتها حتى صدح رنين هاتفها ... التقطته لترى اسم المتصل قبل أن تجيب مبتسمة بمرح
( مرحبًا بقارئ أفكاري )
وصلها صوته يقول بتملق
( هل كنتِ تفكرين بي؟ ... يبدو أن إحداهن تشتاق لي بشدة و هذا يشعرني بالإطراء )
ضحكت صِبا بمرح متجاهلة تلميحه بأنها اشتاقت له ... منذ خطبتهما و هو لا يتوقف عن محاولاته في توطيد العلاقة بينهما ...
و هي لا تنكر أنها بدأت تعتاد على وجوده اليومي في حياتها ومزاحه وتلميحاته التي لا تتوقف ... لكنها تدرك جيدًا أن الأمر بينهما لم يصل للحب , على الأقل من ناحيتها هي .. أما من ناحيته , فبصراحة هو لا يترك فرصة إلا و استغلها لإبداء مشاعره ... انتبهت من شرودها لتتذكر أنه مازال معها على الهاتف ...
تنحنحت تقول بحذر
( كريم .. هل ما زلت هنا؟ )
ليأتيها صوته قائلاً بهدوء
( أجل .. كنت أستمع إلى أفكاركِ )
عقدت حاجبيها تسأله بتوتر
( أي أفكار؟ ... هل تحدثتُ بصوتٍ عالٍ؟ )
أجابها ببساطة
( لا تحتاجين لرفع صوت أفكاركِ , فأنا يمكنني الاستماع لها جيدًا )
زادت ملامحها عبوسًا و هي تسأله بتوجس
(حقًا؟ ... و ماذا سمعت إذًا؟ )
أجابها بصوتٍ ممطوط
( أنكِ اشتقتِ لي مثلًا؟ )
أطلقت زفرة مرتاحة قبل أن ترد بفظاظة
( و هل سأشتاق إليكَ وأنا أتحدث معك على الهاتف و في طريقي لأقابلك .... ما هذا الغرور؟ )
ارتفعت ضحكاته لتبادله إياها قبل أن تنتبه إلى السيارة التي ظهرت أمامها فجأة ... شهقت صبا بعنفٍ لتضرب بقدمها على مكابح سيارتها ... إلا أنها كانت قد اقتربت من السيارة الآخرى بما يكفي لجعلها ترتطم بسيارتها في الجزء الأمامي من السيارة المقابلة ... ليسقط الهاتف من يدها ... و كان آخر ما سمعته هو صوت كريم الذي هتف بقلق
( صِبا .. ماذا حدث؟! )



انتهى الفصل


يتبع ...



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 14-10-21 الساعة 11:18 PM
شهر'زاد. غير متواجد حالياً