عرض مشاركة واحدة
قديم 16-10-21, 06:35 PM   #879

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Elk الفصل الثاني والثلاثون - القسم الأخير

حين عدنا للبيت، توجهتُ رأسا إلى الغرفة العلوية التي خصصتها لكي تكون مكتبا خاصا لي، فشرعت في إخراج الصور الفوتوغرافية المؤطرة التي تجمعني بوالديّ قبل خمس وعشرين عاما، وبدأت في توزيعها على أركان الغرفة المختلفة لتزينها وتعطيها دفئا عائليا عشت عمري كله وأنا أفتقر إليه..

أخيرا ستطوقني الذكريات، بعد أن خلت جدراني من الصور الشخصية إلا من بعض اللقطات التي حرص حسام على رصدها لنا معا لكي نصنع لنفسينا حياة خاصة بنا في أشد أوقات حياتنا قتامة..

كنت أستند على سطح المكتب وأنا غارقا في شرودي، أراقب ملامح أبي وأمي بالصور المؤطرة على الجدار المواجه لي، عندما اقتحمت شروق الغرفة بعنفٍ غريب، ثم أخذت تناظرني بعينين تغشاهما عشرات التساؤلات دون أن تسمح لأيٍ منهم بالخروج للعلن عبر شفتيها، لكنها استبدلت تلك الأسئلة، بسؤال وحيد، زفرته بانفعال مكتوم: "فيما ينشغل ذهنك هذه الأيام يا حازم؟"

زفرت بإجهاد لم أجد مبررا لتجاهله، وقلت لها مفصحا عن بعض الحقائق: "أحاول اكتشاف الصلة التي جمعت بين والدك ووالدي في الماضي.. فعمي يشك أن رحيم كان يعرف أبي بالفعل.. أي أنه احتجزني في دار الأيتام وهو يعلم هويتي جيدا.. وبدلا من أن يسلمني لعائلتي الحقيقية.. أصر على تنشئتي في ذلك المكان القذر الموحل.. بل وظل يعنّفني ويضربني فتزيد حالتي سوء، ليوهمني أنه يساعدني.. والدك أقنعني أنني أدين له فسرق شبابي وحياتي كلها وفاء لهذا الدين الزائف"..

قلت كلماتي الأخيرة صارخا غير قادرٍ على إخفاء نفوري من رحيم وغضبي المحتدم الموجه إليه كليا.. لكنني لم أستطع أن أعلن أمامها أن يد أبيها ملوثة بدم والديّ وأخي الذي كان قابعا في قرارٍ مكين ولم يكن قد وُلد بعد..
لم أستطع أن أصرخ مقسما أنني سأحرص على أن أجعله يدفع الثمن بكل ما أوتيت من قوة.. لكن عقلي كان يتلو ذلك القسم بكل عزمٍ ويقين..

شردت شروق قليلا، ثم انتبهت فجأة وكأنها تذكرت شيئا، فبادلتني النظر بتوجس وبعدها قالت بنبرة مقتضبة وكأنها لا تتحمل المزيد من المواجهة: "أآآااا.. أمر غريب.. لا أصدق أن يفعل أبي شيئا كهذا.. معك حق.. ابحث في الأمر.. بالإذن"، ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها بهدوء دون كلمة أخرى.. لتثير دهشتي بتصرفها الغريب..

حين أنهكتني الأفكار، قررت العودة لغرفة النوم، فوجدت شروق منكمشة في الجانب الخاص بها من السرير تدّعي الاستغراق في النوم، وأنا لم أكن في حالة نفسية أو ذهنية مناسبة للحديث معها الآن..

الأيام التالية، بادلتني شروق جفاء بجفاء واتسعت الهوة بيننا دون أن أقدم على رأب الصدع أو محاولة التمهيد لها أو التفاهم معها حول ما سيحدث خلال الأيام المقبلة..

في الحقيقة، كنت كلما استشعرت جفاءها، أهنئ نفسي على أنني بهذه الطريقة سأركز في خطة انتقامي دون خوف من رد فعلها بعد أن بدأت هي بالانعزال عني بالفعل، وكأننا تعاهدنا صمنا على أن نسير معا نحو مفترق الطرق الذي يلوح أمامنا، موقنين أن كلا منا سيضطر وقتها للسير في طريق مختلف..

يبدو أنني لن أسمع أبدا كلمة "أحبك" تغادر شفتيها لتتوجه نحو قلبي وتسكن فيه للأبد..

لن تمنحني هي تلك الذكرى الغالية التي أتوق إليها لتكن هي قوت أيامي المقفرة بعيدا عنها حين يفرض الفراق نفسه علينا..

على أي حال.. لقد حاولت.. ربما قصتنا لم تُكتب لها نهاية أسطورية كعالم ديزني.. فالوحش هنا لم يحصل على حب الأميرة ولن يتحول أبدا لأمير وسيم بنظرها..

بعد بضعة أيام، كانت القشة التي هدمت صرح علاقتنا الهش قد ضربتها في مقتل، وذلك حين كنت عائدا من لقاء جمعني بعمي والمحامي الخاص به، بعد أن تخلصت أخيرا من ترددي وأقدمت على تنفيذ الخطوة الأولى من الانتقام، مقررا التوجه بالفعل في الصباح الباكر لمقر النيابة لتقديم البلاغ مقرونا بالأدلة..

في ذلك اليوم، كنت منشغلا في غرفة المكتب أجهز كافة الأوراق، وأسحب المحتوى الرقمي على وحدة تخزين صغيرة، وحين تحركت لغرفة النوم، كانت شروق في حالة شبه عصبية، حيث ظلت تجوب الغرفة جيئة وذهابا وهي منغمسة في التفكير وبيدها هاتفها المحمول تقبض عليه بيدٍ من حديدٍ وكأنها تخشى فراره منها..

كانت تائهة فيما يأكلها من الداخل من أفكار لدرجة أنها لم تشعر بدخولي الغرفة، أو حتى اقترابي منها..

تسرب إليّ توترها، فسألتها برفق محاولا إظهار تماسكي أمامها: "ماذا بكِ يا شروق؟ لماذا تبدين مضطربة هكذا؟"

ارتجفت شروق اضطرابا، ثم همست بانفعال مسموع: "لقد عدت"، بعدها رفعت عينيها ونظرت لي وقالت بما يشبه الضيق: "لا شيء.. أنا بخير كما ترى"..

فعاودت سؤالها بخفوت محاولا استقراء سبب جفائها الذي طال لعدة أيام: "هل أكلتِ؟ تبدين ذابلة.. هل تضغطين على نفسكِ في المذاكرة؟"

صاحت شروق باستنكار: "أنت.. أنت.. هل لديك متلازمة (دكتور جيكل ومستر هايد)؟".
ثم شردت بعينيها وهمست بنبرة ظنت أنها لم تكن مسموعة لي،حيث قالت: (لماذا يبدو وديعا في بعض الأحيان وكأنه طفل ضعيف بلا حول ولا قوة.. يحتاج لمن يحميه ويربت على كتفيه.. ثم ينقلب في أحيان أخرى إلى ليث مخيف يتحين اللحظة المناسبة للانقضاض على فريسته؟)..

سألتها مستنكرا بضيق لم أستطع إخفاءه: "لا أحاول الانقضاض عليكِ يا شروق.. فقط أسألك إذا كنتِ قد تناولتِ شيئا اليوم"..

دارت هي خجلها من نطقها لكلماتها السابقة بصوت مسموع كشف لي بوضوح عما تفكر به، ثم حاولت السيطرة على الموقف عندما هتفت في غضب غير مفسر: "وما شأنك أنت؟ لماذا تسألني دائما إذا كنت قد أكلت أو نمت.. هل أنا ابنتك؟"..

كلماتها ألجمتني.. لأول مرة منذ أسابيع طويلة أستشعر منها النفور تجاهي من جديد، فوقفت أمامها كتمثال حجري مهيب أتلقى إهاناتها الصريحة والمستترة بقلب متوجع وصدر مكتوم وروح انكفأت على ما تبقى بها من شذرات.. منتظرا إعلانها الصريح بالرغبة في الانفصال..

ظنت شروقي أن كلماتها القاسية تبعثرت بين ذرات الهواء المحيط بنا، بينما هي في الحقيقة بعثرت تماسكي من الداخل..

أسلوبها اللاذع وحدتها النافرة ونظراتها المستاءة جعلوني أعود لتلك الفترة حين أعلن والدها خبر زواجنا بأمر ديكتاتوري دون تمهيد.. فتجمدت مكاني وأبت الكلمات أن تستقر على شفاه غلّفها الجليد، فلم أستطع الرد بأحرف منطوقة.. لكن عقلي كان يصرخ بالرد، فتركت لعينيّ مهمة الإفصاح.. وليتها تصدق..

بل أنتِ غاليتي.. أثمن كنوزي وأميرتي المحاربة.. ألا تعلمين أنك أهم وأجمل ما في دنياي؟ بإرادتك فقط تكسرين كل درع احتميت به من أنات هذا العالم حين تتخذين ذلك القرار المشؤوم.. فأنا أعلم جيدا أن انتصاري على والدكِ يعني هزيمتي أمامك.. والنتيجة.. خسارة فادحة للقلب..

لكن اعذريني يا حلم العمر.. يا حب العمر.. يا كل العمر..

لم تعد روحي قادرة على السكوت على انتهاكات والدك التي فاقت كل ما كنت أتصوره.. كنت مسامحا في حقي حينما كان ظلم والدك يخصني فقط.. لكنه قد طال عائلتي بأكملها قبل حتى أن يشتد عودي.. فبات القصاص فرضا..

آه لو تعلمي أنني لا أصدق حتى الآن أنكِ قد دخلت بالفعل عالمي.. كان دخولك لبيتي ومشاركتي حياتي درباً من الخيال لم أقو أبداً على أن أنساق إليه أو أتجرأ على أن أحلم به.. وأنا الذي تعلق قلبي بك في صمت متآمر ومتخاذل منذ سنين تماما كتعلق التائه في صحراء حارة بسراب يعلم أنه لن يرتوِ منه حين يصل إليه، بل سينهار صريع سعيه خلف الأوهام بآخر ما تبقى لديه من طاقته..

كنت المسؤول عن سعادتك وسأصبح أكبر مصدر لتعاستك..

لم أتخيل أبداً في أكثر أحلامي تطرفاً أنك ستمسين زوجتي وأن أمانك سيكون بيدي.. فيصبح فرضا عليّ حمايتك من كل شر.. بينما أكبر شر سيحيق بعالمك سأكون أنا المتسبب به.. سيكون خذلاني لكِ وإعلاني لفضائح والدك هو الوصمة التي ستلتصق بك من الآن فصاعدا..

ورغم كل ذلك، ستظلين قبساً من النور – تماماً كاسمك – يشع بداخلي ليحارب ظلامي كل صباح.. وستظل ذكرى أيامي معك طاقة هائلة من الدفء أستكين إليها فيضيء داخلي حالك الظلمة حين يأبى الشروق أن يبتسم لي وتشرد شمسي إلى عوالم أخرى بعيدا عن هذا الذي أغرقني بزيفه وظلمه..


قرأت شروق ما يختنق بعينيّ من اعترافات دون أن ترد، ولما أصابها اليأس من تبادلي الحديث معها، انسحبت بتوتر مضطرب وتوجهت صوب غرفة الاستحمام، فتهاويت أنا على المقعد المجاور، وأنا أعلم أن الغد لن يحمل لنا سوى.. الألم..

جلست لصمت في دقائق منتظرا خروجها من الحمام، لربما نتواجه مجددا ونعثر على نقطة وفاق، لكن رنين هاتفي كان الأسبق..

وحين ضغطت على زر استقبال المكالمة الواردة من رقم غير مسجل، جاءني على الفور صوت رحيم، وهو يصيح بخبث عفن: "استقبل عقابك يا مختل يا معطوب العقل.. أنا لن أفعل شيئا بعد.. سأؤخر انتقامي لما بعد انتقامها هي.. هي من ستذيقك الويلات أولا.. لقد أخبرتها ما هي بحاجة لمعرفته.. وهي نفرت منك بالفعل.. انتهى الأمر.. هي ستتركك.. ابنتي أنا وتربية أبيها.. ستنفذ ما أقنعها به والدها دون جدال.. سترحل لعائلة أمها في تركيا.. ستغادر للأبد وتتركك تتعفن هنا وحدك يا لقيط.. وهنا سيأتي دوري.. فأنا لن أتركك تنعم أبدا بعودتك لأحضان أسرتك البغيضة.. سأدمرك ببطء حتى لتشعر أن سنواتك السابقة في الملجأ هي الأكثر رفاهية في حياتك البائسة"..



نهاية الفصل
قراءة سعيدة وممتعة

أرجو أن أتعرف على آرائكم حول تطور الأحداث مع اقترابنا من الفصول الأخيرة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس