عرض مشاركة واحدة
قديم 23-10-21, 10:58 PM   #181

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي


سارت بالممر الطويل بخطوات ثابتة وهي تمسك بأطراف ثوبها الطويل بيديها بقوة...بدون ان تلقي اهتماماً لكل ما يجري من حولها وهي تصطدم بكل من يعترض طريقها بلا مبالاة وبغضب استبد بها وسيطر على ذرات صمودها الجبار امام كل ما يحدث معها ووصلت له...بالرغم من شخصيتها المعروفة بقوة الاحتمال الفولاذية والتي لم يستطع احد التفوق عليها فيها بهذا المجال وبشهادة الكثيرين بسبب كل ما مرت به منذ مولدها حتى هذه السن...وهو ما اعطاها مناعة وقوة لتتأقلم مع بيئتها الحالية وتتقدم بحياتها بقوة وإصرار مع كل الظروف والتي كانت تحيطها آن ذاك...ولكنها الآن تشعر بأنها قد استنزفت حقا كل ما لديها من طاقة احتمال كانت تفخر بها يوماً امام كل الكائنات المريضة بحياتها والذين اكثر ما كانوا يفعلونه معها هو استفزازها ومضايقتها بكل فرصة تسنح لهم ليخرجوها عن سيطرتها وعن برودها الجليدي...ولكن ما تشعر به الآن بنفسها وهي تتحول وتتقلب بكل ثانية بمشاعر غريبة غير مألوفة هو النقيض تماما عن شخصيتها الاصلية وعن كل ما تربت عليه بالسابق !

توقفت للحظات بجمود وبملامح متلبدة ساكنة بهدوء العاصفة بداخلها وليس بسبب تيارات افكارها والتي عصفت بذهنها بثانية وما وصلت له من تناقضات ، بل بسبب التي كانت تقف بنهاية الرواق تبعد عنها عدة امتار تشعر بها مثل الاميال بدون ان يحيل بينهما شيء ، لتبادر بعد عدة ثواني التي سارت امامها بخطوات خافتة بهدوء وهي تقطع الاشواط بينهما بقربها اكثر وبنظرات كانت تدور بكل مكان من حولها بدون ان تتجرأ على مشاركتها بنفس نظرات الاخرى والتي لم تتوقف عن التحديق بها لثانية .

وما ان اصبحت على بعد خطوات منها حتى تحركت التي خرجت عن جمودها وهي تسير نحوها مباشرة بصمت ، قبل ان تتجاوزها بهدوء بدون ان تعيرها اهتمام وهي تكمل طريقها بعيدا عنها ، توقفت فجأة ما ان سمعت الهمس الخافت من التي تركتها خلفها
"انا اعتذر"

تغضن جبينها بتصلب لبرهة بتعابير هادئة اخذت منها عدة لحظات قبل ان تتابع خطواتها ، ولكن ما لم تتوقعه ان تقف امامها بلحظة التي اندفعت قائلة بقوة مفاجئة
"انتظري قليلا....."

اجفلت بانتفاض ما ان نطقت المقابلة لها بضيق خافت وهي تلوح بذراعها جانبا لا إراديا
"ماذا تظنين نفسكِ فاعلة ؟"

ابتلعت ريقها بارتباك وهي تخفض وجهها بهدوء لتهمس مجددا بعبوس
"انا اعتذر مجددا"

زمت (ماسة) شفتيها بضيق وهي تنفض ذراعيها للأسفل هامسة بغيظ
"توقفي عن الاعتذار هكذا بدون سبب ! ام انكِ تحبين إذلال نفسك هكذا امام الآخرين ؟"

رفعت وجهها بسرعة وهي تهمس بخفوت وبابتسامة انحرفت بارتجاف
"بل لدي هناك سبب ، انا اقصد لقد كنت اعتذر عما سببته لكِ ببداية حياتكِ الزوجية ، فقد حدث كل هذا بدون إرادة مني والتي ارغمتني على اقتحام حياتكما بهذا الوقت تحديدا"

ضيقت عينيها للحظات وهي تعبس ببطء قبل ان تهمس بخفوت ذو مغزى
"عن ماذا تتكلمين يا آنسة ؟ فأنا لم افهم اي حرف مما نطقتِ به الآن ! هل تعانين من مشكلة وتجدين صعوبة بإخباري بها ؟"

ارتفع حاجبيها بتوتر وهي تقبض على يديها معا وكأنها تحاول صياغة الكلام بصراع مع نفسها ، ليخرج كلامها بالنهاية بتوتر شديد بدون ان تنظر لها
"لا لم اقصد هذا ، انا كنت اقول....."

صمتت وهي تعض على طرف شفتيها بألم عندما لم تجد القدرة على المتابعة اكثر بهذه اللعبة الخاسرة والتي تشعر بها اكبر من مقدرتها على الاستمرار وهي تعلق بها حياتها بأكملها ، قالت (ماسة) بعدها بخفوت عندما ضاقت ذرعا من انتظار المتخبطة امامها
"ما هو اسمكِ يا آنسة ؟"

اتسعت عينيها بلحظة وهي تجيب بخفوت متوجس
"اسمي هو وفاء ، اجل هذا هو اسمي"

اومأت برأسها بانتباه وهي تكتف ذراعيها بقوة لتعود للكلام قائلة بابتسامة هادئة بتفكير
"ولماذا جئتِ لهذا الفندق يا وفاء ؟"

ترددت قليلا بعبوس لوهلة قبل ان تهمس بوجوم
"الحقيقة لقد تعرضت للتهديد عدة مرات من قبل عائلتي ، لذا لجأت لمساعدة زوجك شادي من اجل ان يخبئني بهذا الفندق لبعض الوقت"

كانت تراقب كل انفعالات وجهها وهي تتكلم بتوتر مفرط بدون ان تحيد بنظراتها بعيدا عنها قبل ان تهمس بعد عدة لحظات بحيرة خافتة
"ولماذا كنتِ تتعرضين للتهديد ؟"

شددت اكثر على يديها بدون إجابة وهي تعاني بمشكلة عويصة بصياغة الجواب المناسب ، وقبل ان تجيب اكملت كلامها التي ابتسمت ببهوت بدون اي تعبير
"هل هو بسبب الطفل ؟"

حدقت بها بارتجاف شل حركتها بثواني بدون كلام والصمت يحاوط حديثهما بسحابات باردة على وشك العصف بهما بأجواء صقيعية جليدية ، لتتابع بعدها بلحظة التي شددت من تكتيف ذراعيها بقوة وهي تميل قليلا بوجهها قائلة بمغزى
"انتِ تبدين فتاة صغيرة لم تتجاوز منتصف العشرين بعد ، وايضا بسيطة الحال لستِ من طبقة الفتيات الاثرياء ، ولكنك تخفين اسرارا خطيرة وفواجع خلف مظهركِ الضعيف وما يوحي به شكلك ، وهذا قد يكون ايضا له عامل من اعراض الحمل والذي يبدو قد اثر على صحتك كثيرا وليس على حياتك فقط ، والسؤال الذي يطرح نفسه بين كل هذه الحقائق هو كيف حدث هذا الحمل ومن يكون والد الطفل ؟"

انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تتراجع بخطواتها قليلا من كل الجدران والتي اصبحت تحاصرها الآن والتي فرغت من الجميع سوى من نظراتها والتي ما تزال مسلطة عليها بقوة واستجواب ، لتخفض رأسها بسرعة وهي تهمس بنحيب مرتجف
"لا استطيع ان اجيبكِ فهذا امر شخصي يخصني وحدني ، ولا استطيع البوح به"

نفضت ذراعيها وهي تصرخ فجأة بانفعال هادر بإصرار غريب
"ولكن زوجي هو من مد يد العون لكِ ، إذاً فقد اصبح الأمر يخصني ايضا !"

تشنجت ملامحها بلحظة وهي تهمس تلقائيا بوجل
"إذا كنتِ تريدين معرفة كامل القصة ، لما لا تخبري زوجك بهذا وهو سيخبركِ بكل شيء حدث معي ؟"

تجمدت (ماسة) بمكانها بدون ان يعلو اي تعبير ملامحها الجليدية والتي بدأت القسوة بالنبض بداخلها وبألم جديد احتجز حدقتيها البحرية بدون إرادة منها ، لتبتسم فورا ببهوت وهي تعيد خصلات شعرها لخلف اذنها برفق هامسة بغموض
"لقد عرفت هذا مسبقاً"

عقدت (وفاء) حاجبيها بتوجس بدون كلام وهي تنتظر نهاية هذا الحديث المهلك والذي اخذ كل مقدرتها على الاحتمال ، لتنتفض داخليا ما ان شعرت بيد تربت على كتفها بقوة وصاحبتها تميل بوجهها امامها هامسة بابتسامة شرسة تبعث الريبة والخوف بقلب محدثها
"اسمعيني جيدا يا حلوة ، انا لا اعرف ما هي طبيعة علاقتكِ بشادي الفكهاني ؟ وما لذي يربط بينكما بالواقع ؟ ولكن الذي عليكِ معرفته والتنبه له مستقبلا لكي لا نتعرض للمزيد من الإهانات والتجريح هو بأن شادي قد اصبح زوج ماسة الآن ، يعني هو ملك فتاة واحدة وليس ملك لكل من ترغب به وتستنجد مساعدته ، وإذا اكتشفت ولو بالصدفة بأنكِ تخططين لتدمير حياتي بأي وسيلة كانت ، فأنا عندها لن اكتفي بالتهديد مثلما تفعل عائلتك معك بل سأصل لمستويات لم اصل لها بحياتي وقد تودي بحياتك للهلاك انتِ وابنكِ الذي لم يخرج للحياة بعد ، ومهما كانت مدى معاناتك الآن ومأساتها هذه فلا تواصلي كثيرا بالاستنجاد بزوجي لأني لن استطيع ان احمل صبر وشفقة كثيرة عليكِ وقد ينتهي كل هذا قريبا جدا ، فأنا قاسية جدا عندما يصل الأمر للاستيلاء على ممتلكاتي الخاصة والتي سبق ووقعت عهد امتلاكها بحياتي"

تسمرت بمكانها والدماء تنحصر بوجهها الذي شحب فجأة بشكل مريع ، بينما ابتعدت التي استقامت بمكانها وهي تنفض خصلات شعرها للخلف بإيباء وبابتسامة صغيرة بازدراء لا تحمل اي محبة ، قبل ان تغادر بعيدا عنها بجمود وثبات وبشخصيتها التي عادت لتقمصها بلحظة .

نظرت لها التي تركتها وحيدة شريدة بالممر وهي تهمس بأنفاس ذاهلة ما يزال تأثير كلامها يضرب روحها المتخبطة مثل السياط
"ستغضب مني لينا على هذا ! وهذا ليس جيد ابدا"

____________________________
جالسة على ارض الغرفة الباردة بسكون وهي تسند ظهرها لخشب السرير بهدوء تام اجتاح حياتها لوهلة وبعيدا عن كل احلامها العاطفية والطفولية والتي كانت ترسخ بذهنها على مدار سنوات وبعيدا عن ثرثرتها الفارغة والتي لم يعد لها طائل بحياتها...وهي تشعر بأمور غريبة واشياء قد تغيرت بداخلها وكأن رغبة الحياة المثالية قد انطفئت بظلام قلبها الخاوي والذي فقد كل شعور جميل طاهر ونقي وكل تلك المشاعر الجياشة بحياتها للأبد...حتى لم يتبقى لها اي سعادة حقيقية او نور تعيش عليه بعد كل تلك الأكاذيب الموجعة والتزييف بالمشاعر افقدتها حتى الثقة بالنفس وجزء من شخصيتها النقية المفعمة بالحياة...وفقط كل ما تريد معرفته ويُلح عليها بشدة هل احبها احد من قبل بنفس قوة مشاعرها بحياتها والتي كرستها لكسب محبة الآخرين بكل صدق مشاعرها ؟ ام انها كانت اضاعة للوقت الطويل ولمشاعرها الهادرة ومن اجل امر لا يستحق ؟!...

وماذا عن حب والدها والذي تشعر به الآن فقط بنقص وفوارق تفصلها عنه اميال وكأنه ليس والدها والذي عشقته منذ مهدها حتى هذه اللحظة ليكون التعويض عن وجود والدتها بحياتها ؟....وهي الآن تكتشف بكل شيء قد تغاضت عنه بعلاقتها بوالدها والذي لم يحبها ذلك الحب الابوي والذي يغدقه الوالد على اولاده...فهو ما يزال يفضل ابنه الكبير (مازن) عليها وهو ما اثبته عندما تستر على فعلة ابنه الخطيرة واستطاع حمايته بكل ما يملك لكي لا يصل لعقاب السجن واسوء...واما هي فقد كانت مجرد ثقل عليه طيلة تلك السنوات ليتخلص منها بزواجها وتركها بحال سبيلها وكل تلك المشاعر ما هي ألا تكلف ورسمية اتجاه الابنة الوحيدة لديه والتي ما ان تزوجت حتى اختفت معها كل تلك المشاعر اليتيمة...وهذا هو السبب وراء عدم السؤال عنها او الاتصال بها طيلة فترة زواجها وما ان اصبحت تحت مسؤولية رجل آخر .

شددت فجأة على قبضتيها وهي تنظر لضياء القمر البعيد من زجاج النافذة وذلك الصوت الذي اختفى منه كل لمحة حنان ما يزال يزرع الظلمة بقلبها الذي يقصف بصدرها بقوة بين كلماتها الباردة بدون اي حياة وكأنهما تتشاركان بنفس الخواء
"لقد ماتت غنوة بسبب طلقة رصاصة طائشة وصاحب السلاح الذي قتل غنوة هو شقيقك مازن جلال ، فهو بالحقيقة من استدرج غنوة لذلك الفخ والذي وقعت به بين براثن عصابة شريرة ، ولا اعلم ما حدث هناك وتفاصيل القصة جيدا ، ولكن ما حصل بعد تلك الجريمة هو محاولة والدك رشوة السيد متحت عم غنوة من اجل ان يبعد اصابع الاتهام عن ابنه ويسقط حقه بالمحكمة ، وهذا ما فعله متحت تماما وبدون اي تردد ما ان تقاضى اجره ، لتغلق بعدها القضية منذ ذلك الحين وكتب بملفها الشخصي بأن سبب الوفاة هو اصابة عرضية غير مقصودة"

ضربت فجأة على ساقيها بقبضتيها بقوة وهي تميل برأسها للأمام بحركة لا إرادية ، لتهمس بهدوء شديد وبحرقة ما تزال تسكن روحها وكأنها تهذي مع نفسها
"لما يا ابي ؟ لما فعلت هذا بي ؟ لما دافعت عن مازن وابعدته عن الخطر حتى تحولت انا لضحية افعاله ؟ ألم تكن تعلم بأن كل شيء بالحياة له ثمن وما تفعله سيرد لك عاجلاً ام آجلاً ! هل نسيت كل هذا من اجل الحفاظ على ابنك ؟ وانت تتناسى ابنتك الصغيرة والتي اوهبت حياتها بأكملها من اجلكما انت ومازن ، بالمقابل ما لذي فعله مازن لأجلك لتدافع عنه وتحبه اكثر مني ! لماذا لم تحبني يا ابي كما احببتك دائما ؟"

رفعت رأسها بقوة وهي تتنفس بارتجاف عنيف سرى بكامل جسدها بغصة تكاد تفتك بقلبها الحزين على عائلة تدمرت بفعل يديّ عائلتها واقرب الناس لقلبها ، رفعت يديها وهي ترجع شعرها الكثيف بأصابعها المخدرة لخلف وجهها المستريح على خشب السرير البارد ، لتنحني زاوية من ابتسامتها بذبول باهت وعقلها يرسم خيالات بعيدة عن واقعها وهي تهمس بخفوت تدفقت معها الدموع وهي تسيل من مقلتيها الواسعتين من جديد
"لقد اشتقت لكِ يا امي ، انظري ماذا فعلت بي عائلتك ؟ انظري ماذا فعل ابنكِ من جريمة شنعاء لا تغتفر ؟ حتى والدي لم يحاسبه على فعلته بل وقف بصفه وساعده بالإفلات من جريمته ؟ هل انا غير محبوبة يا امي ؟ هل ستكونين مثلهم لو كنتِ على قيد الحياة ؟ ليس عدلا ان اعاني كل هذا من عائلتي والتي قدمت لها كل شيء املكه ؟ هل هذه هي مكافئتي على اعطاء محبتي بدون حساب ما إذا كان سيبادلني الطرف الآخر نفس المحبة يا امي ؟ اريدكِ يا امي احتاجكِ بشدة ؟"

اخفضت رأسها ببطء وهي تدفن وجهها بلحظة بين ركبتيها بنشيج خافت وبنحيب صامت بدأ يخرج عن سيطرتها وهو يتحول لأنين موجع مذبوح وكأنها إيل مصابة قد تم اطلاق عيار ناري عليها من اسلحة البشر ، لترفع بعدها رأسها قليلا لضوء القمر لم تظهر منها سوى عينيها النديتين بالدموع وهي تخفض جفنيها فوقهما لثانية لذكريات بعيدة اخذتها لها مخيلتها ، وهي تعود الطفلة الباكية الشريدة والتي تبكي لأقل الأسباب التافهة ولكل حادثة بسيطة قد تأثر على قلبها الصغير بجرح كبير ، عندها كانت تجلس على سلالم الباحة الخلفية للمدرسة وهي تبكي بنحيبها المعتاد طفلة بالتاسعة من عمرها ، ليخترق بكاءها الصوت المغتاظ بنبرة طفولية وهي تقف على بعد درجتين منها
"كنت اعلم بأنني سأجدك هنا ايتها الباكية ! فأنتِ لا يحلو لكِ البكاء سوى بهذا المكان"

تجاهلتها وهي تستمر بالبكاء بنحيب مرتجف هز جسدها الصغير ، لتعاود الكلام التي اصبحت بجانبها تماما وهي تقول بنبرة صوتها الغاضبة وبشراسة بدأت تظهر بالعيان
"إذاً من الذي ضربك هذه المرة يا صفاء ؟ هيا اخبريني من اجل ان اخدش وجهه بأظافري وانهش لحمه بأسناني...."

انتفضت التي رفعت وجهها الصغير نحوها بوجل وهي تهمس بذعر مما تفكر به
"لا لم يحدث اي شيء مما تفكرين به ، وإياكِ والاقتراب من احد وألا سنطرد هذه المرة من المدرسة بأكملها بسبب تهورك"

تبرمت شفتيها بعبوس وهي ترتمي جالسة بجوارها على نفس الدرجة ، لتقول بعدها بأطراف عينيها بضيق واضح
"إذاً ما لذي يحزنك هكذا ؟ وما جعلكِ تهربين من الفصل بوقت الفسحة !"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تنظر امامها بدموع صغيرة ما تزال تسيل على وجنتيها بشكل خيوط رفيعة ، لتعانق بعدها ساقيها بهدوء وهي تهمس بخفوت باكي مثير للشفقة
"لقد طلبت مني المعلمة ان اكتب تعبير يتكلم عن محبتي لوالدتي ، وهذا لأنني تأخرت بتسليم وظيفتي دون عن باقي الطلاب وإذا لم اكتب فلن تضع لي درجة جيدة"

ارتفع حاجبيها بتفكير لبرهة قبل ان تلوح بكفها الصغيرة قائلة بسخط
"هذا سخيف ، كم اكره هذا النوع من الوظائف الغبية والتي لن تحدد مستوى ذكاء الطالب ! ولما لم تخبري تلك المعلمة البلهاء بأن والدتك غير موجودة لكي تعفيكِ من كتابة ذلك التعبير الفارغ ؟"

ردت عليها بهمس باكي وهي تمسح دموعها بكفها الصغيرة بصمت
"لم املك الجرأة على فعلها ، لقد خفت من ان تنظر لي بشفقة او ان تقول لي تلك الكلمات المواسية والتي سئمت من سماعها !"

كتفت (ماسة) ذراعيها فوق صدرها بتفكير وهي تقول بعبوس مستاء
"إذاً عليكِ كتابة اي شيء واختلاق موضوع التعبير من عقلك ، وهي اكيد ستصدق بدون اي شك"

نظرت لها للحظات وهي تهمس بخفوت حائر
"هل هذا ما فعلته بموضوع التعبير انتِ ايضا ؟"

اومأت برأسها الصغير بثقة وهي تهمس بابتسامة شقية بمرح
"وألا كيف ظننتِ اني سلمتها موضوع التعبير ؟"

اتسعت عينيها العسليتين لوهلة وهي تهمس بدهشة خافتة
"ولكن والدتك على قيد الحياة ويمكنك التعبير عن مشاعرك نحوها وكتابتها بصدق ؟ أليس افضل من التزييف !"

عبست ملامحها بهدوء وهي تريح كفها فوق وجنتها هامسة بلا مبالاة
"انتِ تعلمين بأن امي حياتها بأكملها دائرة بين العمل بالصباح والاهتمام بالبيت بالمساء ، وهذا يعني بأني نادرا جدا ما ان اتقابل معها او اتحدث معها بأي موضوع ، وحتى لو حاولت طلب مساعدتها بوظائفي المدرسية فهي ستراها اشياء تافهة وغير مهمة"

اخفضت عينيها العسليتين بحزن وهي تهمس بوجوم شارد
"انتِ محظوظة جدا بوجود والدتكِ بحياتكِ ، فأنا لطالما كنت اتمنى لو كانت والدتي معي مثل جميع الطلاب بالمدرسة لكنت عندها اسعد طفلة بالعالم"

التفتت نحوها بهدوء وهي تخفض كفها هامسة بجمود باهت
"يا لكِ من طفلة حالمة يا صفاء ! فليس كل ما هو ظاهر امامك حقيقي ، انا ارى بأنه من الأفضل ان تحافظي على الموجودين بحياتك حالياً بدون ان تفكري بالمفقودين ، فلا احد يعلم قيمة الموجود بين يديه سوى فاقده"

ارتفع حاجبيها الصغيرين باستغراب وهي تهمس ببراءة بما فسره عقلها الصغير
"هل تقصدين بأنكِ تفتقدين والدكِ كما انا تماما افتقد والدتي ؟"

اتسعت حدقتيها الزرقاوين بلحظة وهي تخفض نظرها لساقيها امامها قبل ان تتمتم بحزن طغى على صوتها الخافت
"لا اعلم حقا يا صفاء ! انا حتى لا اذكر اي لمحة ذكريات عنه ؟ لذا لا اشعر بأي حزن او حنين على فراقه من وجوده ، ولكن أتعلمين هذا افضل بكثير من تذكره لو بقيت معي ذكرياته بعد رحيله لكان ألم فراقه اكثر ألماً وحرقة ! ولما استطعت تجاوز امر رحيله وتركي لي وحيدة بالحياة بعد ان تنعمت بوجوده من حولي وتعلقت بمشاعره الدافئة التي كان يحيطني بها ، لذا كوني سعيدة بما انتِ فيه يا صفاء فأنتِ تعيشين بنعمة يتمناه الكثيرون"

رفعت عينيها الدامعتين للحظات قبل ان تهمس بشفتين مرتجفتين بمرارة الواقع
"ولكني افتقدها بشدة يا ماسة ، احيانا احلم بها كثيرا بنومي ويقظتي ، وعندما استيقظ واكتشف الواقع ابدأ بالبكاء بشدة واتمنى لو بقيت بالحلم معها ولم اخرج منه ، عندما ارى امهات الطلاب بالمدرسة كيف يكونون سعداء بقربهم ، اشعر بالغبطة نحوهم واليأس الشديد ، ويصل تفكيري اليائس لو ان والدي يستبدل بوالدتي....."

قاطعتها التي وقفت فجأة بقوة وهي تقول باستنكار عاتب
"ما هذا الكلام الاحمق يا صفاء ! كيف يصل تفكير فتاة مؤمنة مثلك لهذا المستوى السيء ؟ هل تتمنين الموت لوالدك لتعيش والدتك ؟ صدقيني حتى لو حدث هذا لكنتِ الآن تتمنين العكس وان يكون والدك هو الذي على قيد الحياة ، لا تفكري مجددا بهذه الطريقة وكوني ممتنة للحياة بأنها لم تحرمكِ من كليهما"

شهقت ببكاء وهي تعود لدفن وجهها بين ركبتيها بنحيب زاد عن السابق ، وهي تهمس بتعثر انفاسها بتشتت حزين
"انا اعتذر يا ماسة ، لا اعلم ماذا اصابني لأقول مثل هذا الكلام ! لقد اصبحت طفلة مزعجة وبكاءة بالفترة الاخيرة ، ويبدو بأن مازن كان على حق عندما قال عني بأني طفلة مثيرة للشفقة ويستطيع اي احد ان يضحك عليّ بكلمة صغيرة طائشة !"

تأففت بنفاذ صبر وهي تنظر بعيدا عنها بهدوء للحظات ، لتسير بعدها امامها وهي تنزل درجة واحدة تفصلها عنها قبل ان تمسك بذراعها وهي تهمس بابتسامة صغيرة بحماس
"اسمعي يا صفاء لقد وجدت لكِ الحل المناسب لمشكلتك هذه"

توقفت عن البكاء قليلا بدون ان ترفع وجهها نحوها ، لتتابع المقابلة لها كلامها بتشجيع وهي تهمس بابتسامة كبيرة بسعادة
"انا اقترح عليكِ ان تكتبي كل ما يشعرك بالحزن والاحباط بورقة بيضاء فارغة ، تكتبين بها كل ما يحلو لكِ وكل ما يعتمل بداخلك ، وصدقيني هذا سيريحك كثيرا ويخفف عنكِ وطأة الحزن قليلا وكأنك تراسلين والدتك حقيقة بدون ان تصل لها الرسالة"

رفعت رأسها ببطء وقد بدأت تتجاوب مع كلامها ، لتشرق ابتسامة خفية على طرف شفتيها الصغيرتين بارتعاش وهي تهمس بخوف متردد
"هل استطيع فعل هذا حقا ؟ وهل سينجح ؟"

شددت على ذراعها برفق وهي تبتسم لها بقوة مساندة لتوقفها بلحظة على قدميها وهي تستمد العون منها ، لترفع بعدها يدها الصغيرة امام شفتيها لتشير بأصبعي السبابة والإبهام بذلك العهد القديم هامسة بابتسامة متسعة بفرح
"ابتسمي فلا شيء يستحق حزنك"

زفرت انفاسها بهدوء وهي تغطي عينيها بكفها بخمول تسرب بجسدها مثل السحر على اثر تلك الذكرى البعيدة ، والتي تذكرها بعد كل شيء حدث معها بأنها لم تخسر كل جوانب شخصيتها العاطفية فهي ما تزال تحافظ على نقاء صداقتها والتي كانت العوض لها بهذه الحياة الكاذبة والتي خرجت منها بأحزان ومآسي اثقلت كاهلها الصغير .

تحركت من مكانها وهي ترفع نفسها على ركبتيها لتمسك بالمفكرة من المنضدة بجانب السرير...لتعود للجلوس على الارض مجددا كما كانت تفعل...وهي تلتقط القلم بداخل المفكرة الصغيرة قبل ان تتصفح بها قليلا...لتتوقف امام الورقة الفارغة وهي تبدأ بالكتابة عليها بهدوء بكل ما يعتمل بصدرها وكما علمتها صديقتها الوحيدة (ماسة) حتى نسيت مفعول هذه الطريقة بخضم مجريات حياتها الاخيرة...وها هي تعود مجددا لنفس الطريقة لتناجي بها وحدتها وحزنها مثل الظمآن والذي وجد بركة ماء ليرتوي بها عطشه ومثل المسافر والذي مهما باعدت المسافات بينه وبين وطنه فهو عائد بالنهاية لا محالة ...

_______________________________
فتحت باب الجناح بهدوء وهي تخطو للداخل عدة خطوات صامتة....قبل ان تغلق الباب من خلفها بهدوء وهي تسند ظهرها به بسكون تام...زفرت انفاسها عدة مرات بتشنج وهي تمسح جبينها بظاهر كفها بارتجاف...لترجع بعدها لا شعوريا لشعرها الفوضوي وهي تتخلله بأصابعها ليعود للخلف بقوة وينصاع لأمر اصابعها .

رفعت رأسها للأعلى وهي تعبس بارتجاف هامسة بلا وعي بعد ان فقدت جموح كيانها
"لماذا فعلتُ هذا ؟"

ضربت رأسها بالباب خلفها برفق وهي لا تصدق للآن كل ما تفوهت به شفتيها امام تلك الفتاة الغريبة !...لقد قالت كلام لم تفكر به يوما ولم يكن من ضمن مخططاتها وحساباتها القادمة !...ألم تكن تسعى دوما نحو الحرية والافلات من كل انواع القيود المحيطة بها منذ ان ولدت بهذه الحياة ؟...فما لذي تغير الآن بعد كل تلك السنوات بالعراك لتتصرف على هذا النحو المتناقض عن شخصيتها وعن منطقها ومنظورها بالحياة ؟

عضت على طرف شفتيها بكبت وهي تخفض كفها بعيدا عن شعرها...لتريحها فوق صدرها النابض من تحت سترتها وهي تستشعر صوت خفقات قلبها المنهك بطنين اصم اذنيها ما يزال تحت تأثير ما آلت إليه الأمسية...قبضت على يدها تلقائيا وهي تخفضها غصبا مذكرة نفسها بالحقيقة التي اكتشفتها بعد الزواج بدون ان تضع لها حساب او قرار...وما سيكون وضع علاقتها مع تلك المرأة الحامل بابن غير معروف الهوية ؟...ومع كل هذه التناقضات بحياتها ما تزال تتشبث بذلك الرباط الوهمي والذي يربطها بذلك الرجل الغريب القريب والذي اجتاح حياتها الفوضوية على حين غفلة...فما لعمل الآن وكيف ستتصرف مع كل هذه المشتتات الذهنية والعاطفية والتي اصبحت تحوم من حولها ؟

رفعت نظرها بهدوء باتجاه الذي وقف امامها على بعد خطوات وهو يقول بابتسامة جانبية بغموض
"واخيرا عدتِ ! لقد بحثت عنكِ بكل مكان بعد اندفاعك العنيف بين الحضور المتجمهرة من حولك والتي لفتت كل الانظار نحوكِ"

عبست ملامحها بصمت وهي تنظر له باتساع احداقها البحرية بدون اي تعبير او شعور سكن بدواخلها بثانية ، قطب جبينه بلحظة بارتياب وهو يتقدم امامها قليلا قائلا بصوت خافت مشتد
"صحيح اين كنتِ طول هذه الفترة ؟"

توقف بمكانه فجأة وقبل ان يصل لها ما ان نطقت صاحبة الملامح الجليدية بصوت خافت منحوت من حجر
"هل تعرف فتاة اسمها وفاء ؟"

تصلبت ملامحه للحظات نحتت بتقاسيم وجهه بقسوة نادرة ، ليبتسم بعدها ببساطة وهو يعود لغلاف البرود قائلا بتفكير حائر
"هل قابلتها ؟"

عقدت حاجبيها ببوادر الغضب وهي تحاول كبح جماحها وتقييدها بداخل خلجات روحها ، لتحرك بعدها ذراعها بلا مبالاة وهي تهمس بابتسامة صغيرة بغيظ
"لقد قابلت من لحظات فتاة غريبة اعترضت طريقي تدعى وفاء ، وكانت تحاول الاعتذار مني بسبب ذنب لم اعرفه ، وقد كانت تبدو بحالة يرثى لها وميؤوس منها اثارت شفقتي عليها ، ولكن ما لفت انتباهي بأنها قد جاءت لهذا الفندق لتستنجد بك تحديدا وتحميها من المخاطر المحدقة بها من حولها ، الحقيقة جميل ان تكون صاحب قلب كبير ومحب بتقديم الخير ومساعدة الفتيات المحتاجات ، ولكن ألا ترى بأنك قد بالغت هذه المرة بإعطاء هذا الاهتمام الزائد لتلك الفتاة !"

كان ينظر لها بهدوء بدون اي ردة فعل تعلو ملامحه الجامدة قبل ان يحرك رأسه بقوة وهو يتمتم بابتسامة ساخرة بمرح
"هل هذا تلميح بأنكِ تشكين بنوايا زوجك ؟ ام هو تهديد من نوع آخر خاص بزوجتي العزيزة ؟ والحقيقة الخيار الثاني يروقني اكثر"

زمت شفتيها بانفعال لوهلة وهي تخرج عن هدوئها بلحظة قائلة بضيق واضح
"انا لا امزح هنا ! وانت تعلم جيدا ما اريد الوصول له بكلامي ، لذا توقف عن لعبة الاستفزاز هذه"

ردّ عليها من فوره بجمود متصلب
"لا لم افهم ، وضحي سؤالك اكثر لأستطيع الإجابة عليه ونتوقف عن هذه اللعبة والتي بدأتِ بها اولاً !"

قبضت على يديها بقوة وهي تخفض نظراتها بارتجاف لا إرادي سيطر على نبضات قلبها الذي اصبح يضرب بقفصها الصدري بألم ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بكبت وهي تتنفس من بينهما ببطء شديد دام للحظات قبل ان تهمس اخيرا بخفوت بدون ان تمنع الارتجاف من الخروج بصوتها
"ما لذي يربطك بتلك الفتاة لتستنجد بك تحديدا ؟"

سكنت الاجواء بينهما للحظات طويلة دفعتها لترفع رأسها ببطء وبعد ان يأست من عذاب الانتظار ، لتقع عينيها البحريتين على عينيه السوداوين الباردتين واللتين جمدتاها بمكانها بمشاعر غريبة كانت تلوج بداخل كل منهما وبقوة تحدي نظراتهما ، قبل ان يجيبها الذي تنازل بإبعاد عينيه عنها لأول مرة تحدث من بين كل منافسة تدور بينهما وهو يتمتم بصوت غير مبالي
"ليست بالشخص المهم الذي تظنين ، ولا تعودي لطرح مثل هذا الموضوع مجددا فهو من الأمور الخاصة بي وليس على احد حق التدخل بها"

اتسعت عينيها بصدمة وهي تتلقى صفعة التهديد والجواب اقسى من تهديدها السابق ! فهل يحاول تحديها بالمثل ومجاراة كلامها الاخير ؟ لتهمس من فورها باستياء مذهول وهي تتأكد مما سمعت
"ماذا افهم من هذا الجواب ؟"

نظر لها بهدوء وهو يقترب منها قاطعا الخطوات الباقية بينهما قبل ان يصبح امامها تماما ، ليريح بعدها يده على الباب من خلفها وهو يدنو بوجهه قليلا بالقرب منها هامسا بصوت اجش خافت
"لا تفكري كثيرا بالجواب ، فأحيانا قلة التفكير بالحياة تجلب السعادة وراحة البال افضل من قضاء حياتكِ تفكرين بنفس المعضلة ! وانا كل ما اريده هي حياة هادئة ومريحة لا يوجد بها اي صعوبات او مطبات"

حركت رأسها بعنف وهي ترفع عينين متمردتين هامسة باستياء حانق ويديها تقبضان على ثوبها بتوتر متخبط
"لا ليس هكذا تحل الأمور ! ولن تستطيع الهروب من السؤال بهذه الاجوبة المبهمة والتي لا تقنعني ، فأنا لن يهدأ لي بال حتى اعرف الحقيقة كاملة وكل شيء يخص حياتك الماضية والتي سبقت دخولي لها"

ارتفع حاجبيه بخفة وهو يقترب اكثر امام وجهها ليهمس بابتسامة مسرحية بدهشة
"ماذا تقولين يا ماسة ؟ هل اصبحتِ تهتمين بحياتي لهذه الدرجة من التشوق والحماس لمعرفة كل تفاصيل حياة زوجك ؟"

كتفت ذراعيها بقوة مهتزة وهي تهمس بابتسامة ممتعضة بتصميم
"وماذا ان اخبرتك بأن هذه هي الحقيقة ؟ هل ستجيبني عندها على اسئلتي ؟"

عقد حاجبيه بهدوء وهو يقترب من جانب اذنها ليهمس بها بصوت عميق بعث الرعشة على طول ظهرها والذي تصلب فجأة بتحنط
"حسنا يا ألماستي إذا كنتِ تريدين الإجابات على اسئلتك ؟ فعليكِ انتِ ايضا بالمقابل الإجابة على جميع اسئلتي المتعلقة بماضيكِ كاملة بدون ان تخفي عني شيء ! هل انتِ مستعدة لتخوضي مثل هذا النوع من التحدي ؟"

زمت شفتيها بارتعاش وهي تهمس بعبوس متصلب
"ولكنك اصبحت تعرف كل شيء عني ، ماذا تريد ايضا ؟"

ردّ عليها بسرعة بكلمة واحدة بحدة
"كاذبة"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه لوهلة وهي تنشج بمكانها بانقباض احتل اطرافها ببرودة واظافرها تخدش خشب الباب البارد من خلفها لا شعورياً ، تصلب جسدها بلحظة ما ان امسك بذقنها بقوة ليدير وجهها ناحيته ببطء ، وما ان تقابلت النظرات بينهما لوهلة حتى لانت ملامحه بابتسامة صغيرة وهو يهمس بخفوت اجش
"يبدو بأننا قد تشاركنا اخيرا بنفس النقطة الماضي المجهول والحقائق المخفية خلف حواجز ثابتة ! ولكني اعدك بأنه ما ان تفتحي لي المجال لدخول عالمكِ المخفي وتفصحي عندها عن كل مكنوناتك ، فقط عندها سأجيبك عن كل اسئلتك الواردة وكل ما تودين معرفته !"

زمت شفتيها بعبوس بدون كلام وهي تنظر له بعيون زرقاء لأول مرة ينضح منها الحزن والاستسلام الخانع ، ليرفع بعدها اصابعه عن ذقنها بلحظة وهو يتجول بنعومة على شفتها السفلى بهدوء عدة مرات ، قبل ان تأخذ شفتيه مكان اصابعه وهو يقبلها برفق وببطء شديد عبث بخفقات صدرها بتشتت مشاعرها الوليدة والتي انحدرت لمستوى جديد دمرت معها باقي حواجز ألواح قلبها الجليدية والتي بنتها على مرور سنوات .

ابتعد عنها بنفس الهدوء وبصمت تام وهو يخفض يديه عنها ، وما ان استدار باللحظة التالية حتى انقضت عليه التي امسكت بذراعه بقوة وهي تتبعها بالهمس بخفوت مرتجف سيطر على ذرات انفاسها
"هل ما يربطك بها شيء اقوى من ان تستطيع ان تتخلى عنه ؟ هل هناك طفل بينكما ؟"

التفت نحوها بنصف وجهه للحظات وهو يهمس ببرود قاتم
"اجل ما يربطني بها شيء اكبر بكثير مما تتخيلين فهو يتجاوز إرادتي وإرادتك !"

ارتمت يديها جانبا بصمت تام احتل تقاسيم ملامحها المنحوتة بصورة الانذهال والذي اخترق صميم روحها بجليد قاسي وهو يصم اذنيها عن سماع المزيد من طرب خفقات صدرها ، اتسعت عينيها ببهوت ما ان سمعت صوته مجددا وهو يتابع كلامه بابتسامة هادئة بمغزى
"ابعدي عنكِ هذه الأفكار المنحرفة ، فأنا لست من هذا النوع من الرجال !"

تغضن جبينها بوجوم وهي تراقب الذي دخل للغرفة امامها بصمت احتل الاجواء من حولها بسكون ، لتزفر بعدها انفاسها بارتباك لوهلة وهي تمسح وجهها بكفيها بتعرق تشعر به يتصبب من كل زوايا وأروقة روحها الباردة ، لتخفض بعدها يديها فجأة وهي تبتسم ببهوت شاحب بلا وعي واصبعها يتلمس على شفتها السفلى بهوس ، قبل ان تهمس امام اصبعها الطويل بعتاب حانق
"احمق شادي الفكهاني"

_____________________________
كانت تفرك قبضتيها معا بتوتر بحجرها وهي تبتلع ريقها كل حين بارتباك تجلى على ملامحها الشاحبة بوضوح...وعينيها الدامعة تتابع حركة السائرة امامها بانتباه مشدود والتي كانت تتحرك جيئاً وذهاباً بعصبية واضحة على صوت طرقات حذائيها العاليين والذين يكادان يخترقان الأرض من تحتهم....لتخفض وجهها بانتفاض على صوت التي التفتت نحوها مباشرة وهي ترتكز على كعبي حذائيها قائلة بغضب مشتعل افترس ملامحها الجميلة
"إذاً ما هو تبريرك لما حدث ؟ وما هو عذركِ الذي منعكِ عن تنفيذ اوامري حسب الخطة المعطاة لكِ ؟ وانتِ بهذا التصرف الاخرق قد خرجتِ عن مسارنا الصحيح ، ما لذي لم تفهميه بالخطة لتفسدي كل ما بنيناه بلحظة غباء ؟"

زمت شفتيها بضيق وهي تهمس من بينهما بانفعال مرتجف
"اخبرتكِ بأن الأمر لن ينجح ، فأنا لا استطيع فعل مثل هذه التمثيلية الرخيصة وان اصل لهذا المستوى المنحط من اجل ان ارضي حضرتك....."

صمتت بارتجاف ما ان اصبحت تقف امامها التي انحنت نحوها بلحظة وهي تهمس بابتسامة جانبية بدون اي مرح
"حقا ما تقولين ؟ لقد كنت على وشك تصديق نواياك النقية لوهلة ، من يسمعك لن يصدق بأنكِ نفس الفتاة التي هربت من عائلتها وسافرت لبلاد اخرى بهوية جديدة لتقيم علاقة مع اول رجل قابلته بحياتها وتحمل بطفله بدون اي رباط رسمي بينهما !...."

قاطعتها التي رفعت رأسها بعنف وهي تهمس بانتحاب منفعل احمر معها وجهها بخزي المهانة
"غير صحيح لقد تزوجني رسميا ولم تكن علاقة عابرة...."

قاطعتها مجددا التي ابتسمت باستهزاء وهي تهمس بتعديل ساخر
"تقصدين لقد كان زواج عرفي ومزيف ! يعني لا وجود له بالواقع ، ولا يختلف عن الذي نطقت به قبل قليل"

اخفضت وجهها بخزي اكبر وهي تشدد من القبض على يديها حتى شعرت بالدموع وهي تسيل على خديها بسكون تام ، لتتصلب بعدها بمكانها ما ان امسكت بوجهها وهي ترفعه بقوة قبل ان يتبعها ابتسامة شامتة وهي تهمس بأمر
"هذا ليس الوقت المناسب للبكاء على ما ذهب ورحل ، بل عليكِ البكاء على مصيرك القادم إذا لم تنفذي كلامي جيدا ولم تسيري حسب ما هو مخطط ان يحدث واريد ، وألا اعدكِ بأن تكون ايامكِ القادمة مليئة بالحزن والآلام واكثر مما كانت عليه بالماضي !"

عبست ملامحها بارتجاف وهي تهمس بخفوت باهت بدون اي حياة
"هذه طريقة مهينة باستغلال نقطة ضعفي واستخدامها سلاح لتحركيني كما تسعين ونحو اهوائك الخاصة ، ألا تملكين اي رأفة وانتِ تخططين لتدمير حياة شخص لم يسبب لكِ الاذى بحياته ؟ فقط من اجل ان تحققي مآربك بطريقة لا تمت للحب بصلة !....."

انتفضت التي استقامت بمكانها بلحظة وهي تلوح بأصبعها امام وجهها بتحذير وبهمس شرس متعالي قلبت ملامحها للشر الساكن بداخلها
"اخرسي ولا تنطقي بحرف ، فأنا لا اسمح لحثالة من طبقتك ان تحاسب ابنة الوزير على افعالها والتي لا تقارن ببشاعة ماضيك وما ينتظرك بحاضرك ، وانا ارى بأنه من اجل الحفاظ على ما تبقى من جمال حاضرك ومن اجل مستقبل مشرق لك ولابنك الغالي هو اطاعة اوامري بالحرف الواحد ، فلا تنسي بأن قصتك ما تزال طي الكتمان ولا احد يعلم عن خفاياها كاملة سوى ثلاثتنا ، ولكن ماذا سيحدث عندما تتحقق تلك الكذبة الصغيرة ويصل امر الطفل لفرد من عائلتك بالخارج ؟ ماذا سيكون رأيه بالأمر ؟"

مسحت الدموع عن وجنتيها بقوة وهي تهمس بعبوس حزين
"ألا ترين بأنكِ تبالغين بتصوير قدري القادم ؟ فأنا لم اعد وحيدة بهذه الحياة وشقيقي ما يزال بصفي ولن يتخلى عني بهذه البساطة...."

قاطعتها بضحكة ساخرة قريبة من السعال المتشنج وكأن بلعوم قد علق بمنتصف حلقها ، لترجع بعدها بلحظات خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها بنعومة وهي تهمس من بين ضحكاتها الصغيرة بخفوت مستهزئ
"تقولين شقيقك صحيح ! انتِ تعلمين اكثر من اي احد آخر بأن شادي لا يعترف بك شقيقة او اي شيء آخر ، بل هو يشمئز حتى من كلمة شقيقة له تكون من والدته التي تخلت عنه ورحلت لتتزوج من رجل آخر ؟ وتتوقعين منه ان يسأل عنكِ او يعطيكِ جزءً من اهتمامه ؟ صدقيني لو كان بيده لسلمك واعادكِ لعائلتك منذ لحظة معرفته بوجودك ، ولكن يبدو بأنه ينتظر بعض الوقت قبل ان يفعلها !...."

قاطعتها التي وقفت باندفاع وهي تصرخ باستنكار منتحب
"لا لن يفعلها !...."

ارتفع حاجبيّ (لينا) بخفة ساخرة برسالة واضحة تقول لها بالحرف الواحد بأنها كاذبة وفقط تحاول اقناع نفسها بتلك الكذبة ، لتمسك بعدها بكتفيها بقوة وهي تهمس لها بابتسامة رقيقة بخبث الافاعي
"هل ستعلقين آمالكِ حقا على تلك الكذبة الواهية حتى ينتهي بكِ الامر بين براثن عائلتك والتي لن ترحمكِ ؟ لا تحاولي اقناعي بموضوع يخص شادي فأنا اعرفه اكثر من اي شخص آخر بالعالم حتى من نفسه فهو لطالما كان صديقي وعشيقي وانا كنت كل شيء بالنسبة له ، لذا اريد منكِ ان تساعديني بمهمة هزيمة تلك الحرباء ابنة عمته وازاحتها عن طريقنا لتحلو لنا الحياة ويبتسم لنا القدر !"

عبست ملامحها بارتجاف وهي تنظر لها بتمعن هامسة بخفوت واجم
"هل انتِ متأكدة من هذا ؟ اقصد ماذا سيحدث لو اخبرها شادي بالحقيقة كاملة وبقصة الطفل ؟ هكذا لن نستطيع خداعها بالتمثيلية وتدمير العلاقة بينهما !"

اتسعت ابتسامتها الجميلة بثقة وهي تهمس بلحظة بخفوت رقيق اقرب للغرور
"كما قلت قبل قليل انا اعرف شادي اكثر من نفسه ومن عائلته ، فهو اكثر ما يتصف به هو الصمت التام وعدم الافصاح عما يلوج بدواخله من مشاعر واسرار لا احد يعلم عنها ، مثل صندوق الاسرار المغلق والذي يكتم عليها لآخر نفس بحياته ، وخاصة بأن الأمر يتعلق بفضح شرف وسمعة مثل قصتك ، فهذه مساحته الخاصة بالحياة والتي لم يستطع احد تجاوزها فهي بمثابة الخطوط الحمراء بالنسبة له ، حتى انا اقرب صديقة له لم يسمح لي يوماً بتجاوزها !"

اخفضت نظرها بهدوء لوهلة وهي تقبض على يديها هامسة بضعف خانع
"سأفعل ما تريدين بشرط ان لا يصل هذا الخبر لعائلتي ولا لأي احد آخر ، فأنا اريد المحافظة على نفسي وعلى ابني ، ارجوكِ"

ربتت على كتفها بقوة وهي تقول بابتسامة كبيرة بسعادة مزيفة
"لا تقلقي يا عزيزتي سرك سيبقى دائما بمأمن معي ، ولكن إياكِ وان تخطئي مرة اخرى بتمثيل شخصية حبيبة شادي ، وألا لن اغفر لكِ هذه المرة زلتك ، حسنا !"

اومأت برأسها بشرود متصلب بدون اي شعور ، لتبتسم المقابلة لها باتساع انثوي وهي تستدير بعيدا عنها بلحظة ، لتتوقف من فورها ما ان همست صاحبة الصوت الهادئ بملامح باردة كالجليد
"لم تخبريني بأن زوجة شادي تعرف عن امر الطفل ! هذا لم يكن بالاتفاق ؟"

التفتت بنصف وجهها وهي تهمس بشبه ابتسامة باردة
"هذا ليس من شأنك ، فأنا ادرى بمصلحة خطتي جيدا وما ستكون عليه نتائجها المضمونة وإلى اين ستوصلنا ، انتِ فقط عليكِ باتباع كلامي بدون اي اعتراض او تذمر"

عضت على طرف شفتيها بكبت وهي تهمس بابتسامة هادئة بدون ان تمنع نفسها
"ولكن عليّ ان احذركِ هنا بأن منافستكِ بهذه اللعبة ليست بالخصم السهل الذي تتخيلين ويصوره عقلك ، فهي تبدو متعلقة بشدة بزوجها والذي ترسمين من حوله احلامكِ الكبيرة ولن يكون من السهل انتزاعه منها ! وقد لا تكون من النوع الذي يخدع او يتأثر بمثل هذه الألعاب والتي تلعبينها عليها ، لقد توجب عليّ تنبيهك فقط من اجل مستقبلكِ ومن اجل ألا تخسري ما تبقى من كرامتكِ المهدورة امامها بمنافسة تحددت نتيجتها مسبقا"

مرت لحظات هادئة جدا محملة بالبرود الجليدي قبل ان ينطق الجسد الجامد بمكانه ببساطة بدون ان تتأثر بأي كلمة نطقت بها
"هل انتهيتِ من ثرثرتك الفارغة ؟ فقد آلمتِ رأسي حقا بدون الداعي لذلك ! ومرة اخرى إياكِ والنطق بكلام زائد لم اطلبه منكِ ولم اعطيكِ الإذن به ، بل افعلي فقط ما ينطوي عليه دورك حفاظا على سلامتكِ انتِ وابنكِ"

شددت (وفاء) على يديها بصمت وهي تراقب التي خرجت من الغرفة بأكملها بهدوء وهي تتهادى على كعبي حذائيها بغرور واضح ، وما ان خفت صوت ضجيج حذائيها حتى ارتمت جالسة على طرف السرير بخمول وهي تنظر للفراغ امامها بلا هدف او قرار تستقر عليه بحياتها التي ازدادت تشتت وتعقيد ، ويدها تستريح على اعلى بطنها بشرود واجم وكأنها تحاول طمأنة نفسها وطفلها من العواصف القادمة بطريق حياتهما الشائكة والتي لم تخلو منها يوما .

نهاية الفصل بانتظار آرائكم بفارغ الصبر........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس