الموضوع: على شرفات الحب
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-11-21, 10:58 PM   #14

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل الخامس


ارتشفت صِبا العصير أمامها وهي تستمع إلى ثرثرة كريم عن إحدى البلاد التي زارها ... لقد أصر على تناول الإفطار معها بالخارج قبل أن تتوجه لعملها بعد أن تذمر لإنشغالها عنه في تجهيزات المنزل الجديد ...
اهتز هاتفها معلنًا وصول رسالة لتقرأها سريعًا وتلتفت إلى كريم الجالس أمامها قائلة
( سوف تدخل مريم إلى مقابلتها الآن ... إنها متوترة للغاية )
رد بهدوء
( لا داعي لهذا القلق .. لقد تأكدت بنفسي من وصول التوصية ... لن يضايقها أحد هناك )
حكّت صبا جبهتها تقول بقلق
( لو علمت مريم بأمر توصيتك ستقتلني )
قال بنبرة أظهرت تعجبه
( أنا لا أفهم حقًا ما المشكلة في ذلك؟! )
أجابته صبا بتوضيح
( مريم لا تحب أن يعاملها أحد كالصغار ... منذ أن كنا أطفالًا وهي تتصرف بنُضج ... ولذلك قلقتُ من أن يتم رفضها في أول وظيفة تتقدم لها ... فلجأتُ إلى التصرف دون علمها )
ليشاكسها كريم بتملقه المعتاد
( تلك هي جميلتي التي تهتم لأمر كل من حولها ... ولهذا السبب أحببتكِ )
أسبلت جفنيها مبتسمة .. بينما تابع هو
( سيكون المنزل الجديد جاهزًا بعد يومين ... هل أنتِ سعيدة الآن؟ )
أومأت بِـرأسها مبتسمة , تقول بابتهاج
( جدًا يا كريم ... لا أستطيع الصبر حتى نهاية الأسبوع )
استند كريم بمرفقيه على الطاولة يقول بترقب
( حسنًا هل يمكنني استغلال مزاجكِ الجيد لأقترح عليكِ أمرًا؟ )
هزت رأسها بتساؤل ... ليردف
( أرى أن فترة الخطبة قد طالت ... وبصراحة لا أجد داعٍ للانتظار أكثر ... ما رأيكِ أن نبدأ في تحضيرات الزواج؟ )
ظهر الرفض جليًا في عينيّ صِبا ... إلا أنها ردت بهدوء
( لكننا اتفقنا أن تكون فترة الخطبة طويلة حتى ندرس بعضنا جيدًا ... وأنتَ وافقتني على ذلك )
رد بِـاستهزاء لم يُعجبها
( عن نفسي فأنا لا أحتاج لكل تلك الفترة لدراستكِ وأنتِ تعلمين ذلك جيدًا ...
وبصراحة لم أكن أدرك أن فترة اختباركِ لي ستطول هكذا )
نقرت صِبا على الطاولة بأصابعها مستدعية المزيد مِن الهدوء ... ثم قالت بصبر
( إنه ليس إختبارًا يا كريم ... لكنني لن أتزوج من أول رجل يُلبسني خاتم خطبته دون أن أُفكر جيدًا وأتأكد من قراري ... أنا لست مراهقة )
احتدت نبرته قليلًا وهو يقول بنفاد صبر
( حسنًا فلنؤجل الزواج ... لا يوجد مشكلة ... لكن لو طلبت منكِ الآن أن نحدد موعدًا لعقد القران فهل ستقبلين؟ )
شعرت أنه أربكها .... ولَم يعطِها الفرصة للرد بل أجاب هو على سؤاله وقد بدأ غضبه يتصاعد
( الإجابة هي لا ... هل تعرفين لماذا؟ .. لأنكِ وببساطة لا تبذلين أى جهدٍ يذكر في هذه العلاقة ... وكأن أمر خطبتنا بِـرمته لا يعنيكِ )
اتسعت عينا صِبا متفاجئة من هجومه الحاد
وهي تشعر أن جزءًا من كلامه صحيح ... منذ أن تمت خطبتهما وهي لم تفكر جديًا في خطوة الزواج ... حتى أنها لم تستطع أن تفهم مشاعرها تجاه كريم ... هو بالنسبة لها لا يمثل أكثر من كونه خطيبًا مناسبًا ... لكن المشكلة أنه وبالرغم من محاولاته المستمرة في إثارة مشاعرها تجاهه إلا أنه لم يتعدَ تلك المكانة التي وضعته بها منذ البداية .. خطيب مناسب يبذل قصارى جُهده لإسعادها ولا يرفض لها طلبًا .. هي لا تستهين مطلقًا بمشاعره ولا تفكر في استغلاله ... لكن كيف ستتزوجه وهي تعلم جيدًا فى قرارة نفسها أنها ليست متأكدة من حقيقة مشاعره تلك !!! ...
ظلت على صمتها تتفاذفها الأفكار , ليزفر كريم وهو يُرجع شعره للخلف بيديه ... ثم وهو يبذل جهدًا كبيرًا للحفاظ على هدوءه
( هل ستظلين صامتة هكذا؟ )
أخذت صبا نفسًا عميقًا تقول بفتور
( كريم ... أنا حقًا رأسي مشوش هذه الأيام ... هل يمكن أن نؤجل أي مناقشة لوقتٍ آخر )
رد بغضبٍ مكتوم
( حسنًا كما تريدين ... لكن تذكري أن لصبري حدود )
نهضت صِبا ليقوم هو أيضًا بدوره ويتجها معًا إلى سيارته ... وقد كان الصمت ضيفهما الثقيل وكل منهما يتصارع مع أفكاره الخاصة ...

==================

جلست مريم على الطاولة الخاصة بالاجتماعات وبجانبها مجموعة من الأشخاص تتذكر البعض منهم عندما جاءت لتقديم أوراقها .. كانوا يجلسون جميعًا في انتظار وصول رئيسهم في العمل ... فركت مريم أصابعها بتوتر وهي تشعر فجأة أنها فقدت كل ما تمتلك من ثقة بالنفس ... أخذت نفسًا عميقًا تحاول تهدئة ضربات قلبها ...
بعد عدة دقائق فُتح الباب لتدخل السكرتيرة
وهي تخبرهم بوصول المُدراء ... وقفت كما فعل زملائها لإستقبالهم ... لتسمع صوتًا يتحدث إليهم بهدوء
( مرحبًا بالجميع ... أعرفكم بنفسي ... أنا أمجد شكري الراوي )
ردت التحية لترفع عيناها لمصدر الصوت ... تعجبت قليلًا وقد اعتقدت أن المدير سيكون أكبر سِنًا ... ثم حانت منها نظرة عابرة للشخص الواقف بجانبه ... لتشهق بصوتٍ مكتوم ما إن تعرفت على هويته وقد أربكتها نظراته المحدقة فيها ... فأشاحت بعينيها بعيدًا عنه وقد زاد ارتباكها من نظراته ....
بعد مرور بعض الوقت أنهى أمجد مقدمته ليردف بعملية
( السيد مروان هو من سيتولى أمر الإشراف عليكم جميعًا ... أتمنى أن أرى روح التعاون بينكم .. نحن نثق أنكم ستضيفون الكثير للعمل )
تمتم الجميع بالشكر لينصرف أمجد متجهًا إلى مكتبه ... وتحرك مروان ليقف على رأس الطاولة ... وضع يديه في جيبيّ بنطاله بينما يقول
( مهمتكم اليوم هي التعرف على نظام العمل ... ومِن ثَم سنبدأ في توزيعكم كلٌ في موقعه )
هز الجميع رأسه بما فيهم مريم التي كانت تلعن تصرفها الأحمق صباحًا أمام المصعد ....
سمعت صوت طرقات على الباب لتدخل السكرتيرة مرة أخرى لتتحدث إلى مروان وهي تعطيه ملفًا ... وما إن فتحه حتى رفع رأسه موجهًا نظراته لمريم التي انكمشت مكانها أكثر ... بعد انصراف الفتاة ارتفع صوت مروان آمرًا الجميع بالتوجه لبدء العمل ... نهضت مريم وقد وصل توترها أقصاه لتتجه مع زملائها إلى الخارج .... وقبل أن تصل إلى الباب سمعت صوته يناديها
( آنسه مريم ... لحظة من فضلكِ )
توجهت الأنظار ناحيتها بفضول بينما استدارت لمروان بتساؤل صامت ... وجه مروان نظرات صارمة لزملائها آمرًا فغادروا بأدب بينما تحرك هو لمكتبه وجلس عليه بهدوء , ثم رفع نظراته لتلك الواقفة أمامه ... تلاعبت مريم بخصلات شعرها ترجعها للخلف في توتر مما جعل نظرات مروان تنحدر لا إراديًا لأصابعها الرقيقة التي تمسك بخصلاتها ...
طال صمته مما جعلها تتململ في وقفتها ليتنحنح مروان قائلًا بتهذيب
( تفضلي بالجلوس )
جلست وهي تتساءل عن سبب طلبه منها بالبقاء وصمته الذي طال يوترها أكثر ...
تكلم مروان أخيرًا يقول بعملية
( آنسة مريم ... بما أنني الآن رئيسكِ المباشر فقد أردت توضيح أمرًا هام بما أنكِ ستعملين معنا هنا )
انتبهت مريم لكلامه ... ليردف بجدية
( منذ أن أسسنا هذه الشركة ونحن نبذل أقصى مجهوداتنا لإنشاء اسمًا لنا في السوق ... وقد نجحنا في ذلك بالفعل ... والسبب في هذا أننا منذ اليوم الأول ونحن نعمل بجد ولا نسمح بأي إستهتار )
عقدت مريم حاجبيها لترد ببعض الضيق
( بصراحة أنا لا أفهم سبب هذا الحديث ,
و معي أنا بالذات ... فهل من الممكن أن أفهم المطلوب مِني بالضبط وبدون مقدمات )
ابتسم مروان في داخله بإعجاب من رد فعلها وقد لاحظ أن ضغطه عليها لم يخيفها ...
لكن شيئًا لم يظهر على ملامحه وهو يردف
( بصراحة أنا لا أكره شيئًا أكثر من إدخال الوساطة والتوصيات فى العمل ... لا أستطيع أن أنكر طبعًا أن ملفكِ كان جيدًا إلى حد ما ... لكن نسبة قبولكِ كانت ضئيلة مقارنة ببعض زملائكِ )
هزت مريم رأسها وقد ازدادت علامات عدم الفهم على وجهها , وشعرت بالضجر من ألغازه فردت بضيق
( سيد مروان , هل يمكنك أن تتحدث بوضوحٍ أكثر ؟ ... إن كانت خبراتي لا تناسب حجم العمل هنا فلماذا تحدثَت إليّ شركتكم لإجراء هذا المقابلة ... وما الهدف وراء ما تقوله الآن؟ )
استطاع أن يستشعر غضبها رغم نبرتها الهادئة فرد موضحًا
( آنستي أنا لم أقلل من خبراتكِ بل بالعكس , ملفكِ جيد جدًا ... أنا فقط أود التنبيه أنني سأتغاضى عن أمر التوصية التي جاءت بِـاسمكِ وسأترك مهارتكِ في العمل تتحدث عنكِ )
عبست بعدم فهم
( أي توصية؟ .... لابد أن هناك خلط في الأسماء أو ما شابه )
فتح مروان ملفها الموجود أمامه لينظر لصورتها , يقول ببساطة
( من أين تعرفين السيد كريم نصار؟ )
اتسعت عينا مريم وقد اتضحت الصورة امامها .... ليحمر وجهها وهي تتمتم بصوتٍ منخفض غاضب
( فعلتِ ما برأسك يا صِبا )
( عفوًا؟ )
انتبهت له وقد لاحظ تغير ملامح وجهها فتنحنحت تقول بهدوء ظاهري وهي تحاول التصرف بلباقة
( عذرًا سيد مروان ... بإمكانك نسيان أمر هذه التوصية وترك المهمة لمهارتي كما طلبت ... هذا في حال إن كان وجودي مُرحبًا به هنا )
ثم نهضت من مكانها تتابع بنفس الاتزان
( أما إذا كان قبولي في هذا الوظيفة يعتمد فقط على تلك التوصية , فلا توجد لدي مشكلة في المغادره الآن إلى خارج الشركة )
نهض مروان بدوره ليدور حول مكتبه حتى وقف أمامها , يقول برزانة
( ستغادرين فعلًا ولكن ليس إلى خارج الشركة ... بل إلى مكتبكِ لكي تبدئي في معرفة طبيعة عملكِ هنا )
تنهدت مريم وهي تتغلب بأعجوبة على رغبة شديدة في البكاء , ثم شكرته مبتسمة بمجاملة وتوجهت خارج مكتبه تاركة خلفها ملفها في يده يتفحص صفحاته بتركيز ...
وفضول ...

=====================

جلس أمجد على كرسي مكتبه لينظر في ساعته متأففًا ... مِن المفترض أن يحضر فارس لمناقشته في أمر المشروع الذي أسنده لهما والدهما ... ما زال لا يفهم سبب إصرار والده على إشراف فارس على هذا الأمر ... فوالده يعلم جيدًا طبيعة العلاقة بينهما ...
و وجودهما في مشروعٍ واحد سيتسبب في خلافاتٍ أكبر ... قاطع أفكاره صوت مساعِدته تخبره عبر السماعة بوصول السيد فارس ... أعطاها الأمر بـإدخاله ليفتح ملفًا أمامه , يتفقده بلا مبالاة ...
مرت لحظات تبعها دخول فارس إلى المكتب , بخطوات هادئة , يقلب عينيه في المكان يتفحصه بتدقيق ... يتبعه رجل خمسيني وقور خمن أمجد أنه المحامي ... رحب أمجد بهما ثم أشار لهما بالجلوس ليشرع في حديثه بعملية
( لقد درست الأوراق التي تم إرسالها وأطلعت عليها فريق العمل ... سنحتاج فقط إلى مناقشة بعض التفاصيل قبل البدء بشكلٍ فعلي )
تكلم فارس بنبرةٍ التقط أمجد فيها بعض السخرية
( وهل سنناقش تلك التفاصيل وحدنا؟ ... أين فريق العمل؟ )
أجابه أمجد بِـابتسامة باردة
( فلنشرب قهوتنا أولًا )
ثم ضغط على زر الهاتف الداخلي ليتحدث إلى سكرتيرته التي جاءت بعد عدة دقائق تحمل أقداح القهوة , يتبعها مروان الذي تحدث بترحيب مبالغ فيه
( أهلًا بالسيد فارس .... مرت مدة طويلة على آخر لقاء )
ابتسم فارس ببرود وهو يتحكم بمهارة في انفعالات وجهه , متذكرًا اللقاء الذي يقصده مروان , والذي لم يكن سوى في إحدى الملاهي الليلية التي اعتاد الذهاب إليها مؤخرًا ... مد مروان يده مصافحًا وهو يبتسم بغموض لفارس الذي فهم جيدًا ما يرمي إليه ..
بينما تحدث أمجد بتساؤل حقيقي
( آخر لقاء كان على الغداء في منزل العائلة على ما أعتقد ... لقد كان ذلك منذ عدة أيام فقط )
التفت مروان لصديقه , قائلًا بنفس الابتسامة المتملقة
( نعم منذ فترة قصيرة ... لكنني أشتاق للناس سريعًا كما تعلم )
هز أمجد رأسه بعدم اقتناع وقد لمح احمرار وجه فارس ...
تحركوا جميعًا للجلوس حول طاولة الاجتماعات ليشرعوا في الحديث حول تفاصيل المشروع بعد حضور باقي الفريق ....
لم يستطع أمجد إنكار إجادة فارس الحديث بمهارة في تفاصيل العمل ...
كان يشرح الأمور بعملية واحترافية أثارت اعجاب كل من أمجد ومروان ... فعلى عكس أمجد , لقد تولى فارس أمور العمل مع والده فور تخرجه من الجامعة , فيما كان أمجد في الخارج وقتها ولذلك اعتمد عليه والده بشكل كبير ... وقد كان أمجد على علم بكل هذا , بجانب علمه أيضًا بمشاكل أخيه التي لا تنتهي خاصة بسبب سهراته المتكررة التي أثرت بالسلب على علاقته بوالده .... لكنه اليوم بالتحديد بدا كمن يشارك في منافسة ليثبت جدارته , وعينيه تذهبان كثيرًا لعينيّ أمجد ببعض التحدي ...
أنهى فارس حديثه , فتكلم مروان بموضوعية
( حسنًا , بما أننا الآن قد ألممنا بكافة التفاصيل فيمكننا توقيع العقود كي نبدأ في العمل )
تكلم فارس وعينيه في عينيّ أخيه
( نحن نحتاج إلى الانتهاء من تلك التعديلات في أقرب وقت حتى لا نعطل العمل في القرية السياحية ... ولذلك فسوف نضع في العقود مُدة محددة عليكم الالتزام بها )
نظر مروان لأمجد بتساؤل , فمنحه أمجد إيماءة خفيفة وتحدث
( لا مشكلة , نحن نعتمد تلك الإستراتيجية في كل صفقاتنا وقد عُرِف عنا الالتزام بالمواعيد )
وتم الاتفاق رغم تجهم وجه فارس وتعجب المحامي مما يحدث ...
بعد انصرافهم وقف أمجد يناظر الطريق من نافذة مكتبه ... ليأتيه صوت مروان متسائلًا
( هل أنا وحدي من شعرت أن أخاك يتعمد وضع شروطًا تعجيزية في العقد؟! )
لم تتغير ملامح أمجد سوى بابتسامة جانبية , وقال باقتضاب دون أن يلتفت
( لا يريد لتلك الصفقة أن تتم )
رفع مروان حاجبه ليقول بتعجب
( ولماذا إذًا كان يشرح تفاصيل المشروع بكل تلك الاستفاضة ... لقد أثار إعجابي حقًا )
استدار إليه أمجد وقد اتسعت ابتسامته أكثر , يقول بنفس البساطة
( و هذا هو المطلوب ... أن يُثبت نفسه كرجل أعمالٍ ماهر ... لكنني أعلم أنه يرفض هذا التعاون بين شركتنا وشركات أبي )
رد مروان وقد ازداد ذهوله
( لحظة ... هل ما أفهمه صحيح؟ .. هل يخشى أن تدمج أعمالك مع والدك وتتولى رئاسة مجلس الإدارة؟ )
أومأ أمجد برأسه بصمت ... ليضرب مروان كفًا بكف ضاحكًا بِاستهزاء
( لا أصدق أنه حقًا يفكر هكذا ... أنتَ من رفضت العمل مع والدك من البداية فما الذي سيتغير؟ )
هز أمجد كتفيه قائلًا بلامبالاة
( هو يخشى على منصبه , لكن ليس هذا هو المهم ... دعه يتخبط في اعتقاداته ولنركز نحن في عملنا )
ثم تابع وهو يتجه على مكتبه
( يجب أن نبدأ في العمل حتى ننجزه قبل الوقت المحدد ... كيف حال الاجتماع مع الموظفين الجدد؟ )
تغيرت ملامح مروان للعبث ليجيب بخبث
( كل شيء على ما يرام ... بصراحة أنا متشوق جدًا للعمل مع الطاقم الجديد )
عاد أمجد بظهره للخلف , ليقول بتحذير
( أنا لا أريد مشاكل في العمل ... تفهمني جيدًا أليس كذلك؟ )
ضحك مروان بشدة وهو ينهض من مكانه هاتفًا
( بل أنتَ من يفهمني دائمًا يا " كينج " )
ابتسم أمجد بغيظ , ثم قال من بين أسنانه
( مرة أخرى أسمعك تناديني بهذا اللقب وصدقني لن تجد الفرصة للعمل مع الطاقم الجديد )
ارتفعت ضحكات مروان المستفزة أكثر , بينما يقول بتهكم
( هل ستفصلني من العمل أم ماذا؟ ... لا تنسى أنني شريكك ويحق لي التأكد بنفسي من خبرات الطاقم الجديد )
نهض أمجد من مكانه ليقترب من صديقه ... ثم باغته بحركة سريعة وقد أمسكه من رقبته مقيدًا حركته ... ضحك مروان أكثر حتى سعل وهو يحاول التملص من ذراع أمجد دون فائدة ... كان أمجد يضحك باستمتاع هو الآخر , شاعرًا بالإمتنان لوجود مروان في حياته ... لطالما كان له دور كبير في مساندته حتى تمنى كثيرًا لو كانا أخوة ...
استغل مروان تراخي ذراع أمجد ليتحرك بخفة ويقلب الأدوار فيمسك هو برقبة أمجد ضاحكًا بِانتصار ... لم يقاومه أمجد لكنه قال ضاحكًا
( هل تليق تلك التصرفات برؤساء مجلس إدارة؟ ... ماذا لو رآنا أحدهم؟ ... نبدو وكأننا لازلنا مراهقين !!! )
أحكم مروان قبضته أكثر , ليرد متحديًا
( لا تحاول يا ابن الراوي ... هيا أرني مهاراتك )
ضحك أمجد وقبل أن يحاول التحرك سمع كلاهما صوت مديرة مكتب أمجد تتحدث على الهاتف اللاسلكي بأنهم يحتاجون السيد مروان في أمرٍ يخص العمل ...
ترك مروان رقبة أمجد ثم قال مشاكسًا وهو يعدل ثيابه
( أرأيت؟ ... كل الظروف تخدمني لمتابعة خبرات الشباب )
هز أمجد رأسه يائسًا , بينما تابع مروان
( سنكمل مباراتنا القتالية في وقت لاحق )
ثم غمز بعينيه بخفة لينصرف و هو يطلق صفيرًا عابثًا .

====================

زفرت زهرة بحنق هاتفة
( لماذا تأخر الطعام هكذا؟ ... أنا أتضور جوعًا ولم أتناول إفطاري )
تركت رحمة الكتاب الذي تقرأه لتلتفت إليها
( وهل منعك أحد من تناوله؟ )
شدت زهرة شعرها ساخطة
( لقد تأخرت في الاستيقاظ وكان عليّ الإسراع للجامعة ... كما أنكِ تتحدثين وكأنكم عائلة تشجع على الإفطار في المنزل ... لا يوجد ميزة واحدة على طاولة إفطاركم سوى فطائر أمي اللذيذة ... غير لذلك فلا يوجد سوى الوجوه الجامدة والصمت الذي يعم المكان )
ضحكت رحمة من طريقتها الطفولية مما أثار غيظ زهرة أكثر لتردف بحنق
( علام تضحكين ها؟ ... إنه خطأي أن استمعت إليكِ وجئت لتناول الغداء في النادي )
توقفت ضحكات رحمة بتنهيدة عالية , لتردف بجدية
( لقد فكرت أننا بحاجة لبعض التغيير ... خاصة ريهام ... لا يعجبني حالها هذه الأيام )
برمت زهرة شفتيها وهي تتجه بنظراتها لريهام التي تجلس بعيدًا تلاعب الأطفال بشرود ... لتعود بنظراتها لرحمة قائلة بتهكم
( أساسًا لم أصدقكِ عندما أخبرتني في الهاتف أن ريهام بصحبتكِ في النادي ... كيف أقنعتها بالمجيء؟ )
ردت رحمة بتبرم
( لقد كدت أخطفها عنوة لأقنعها بالخروج معي ... رأسها كالحجر هذه الفتاة )
تحدثت زهرة بنزق
( هل هي عادتها أم ستشتريها؟ ... لقد تسبب رأسها الصلب هذا في طلاقها )
زجرتها رحمة بتحذير
( زهرة ! ... إياكِ وفتح هذا الحديث أمامها .. لا نريد فضائح في النادي ... أنتِ تعرفين ريهام عندما تقفد أعصابها )
نهضت زهرة هاتفة بضجر
( لن أفتح فمي اليوم سوى لتناول الطعام ... سوف أذهب لأغسل يدي وعندما أعود أتمنى أن يكون الطعام موجودًا وإلا سأفترس ريهام نفسها )

====================

كانت في طريقها إلى حيث تجلس رحمة ... ليظهر أمامها أحدهم فجأة , والذي تحدث بابتسامة متملقة
( مرحبًا آنستي )
نظرت زهرة للشاب الواقف أمامها .. لم يعجبها اقترابه منها , فامتنعت عن رد تحيته , تناظره بتجهم وحاجبين منعقدين ...
شعر الشاب ببعض الإحراج من تصرفها ... لكنها تمسك بنبرته المتوددة , يقول بتهذيب ناعم
( بصراحة لقد رأيتكِ عدة مرات في النادي من قبل .. وكنت أنتظر فرصة مناسبة للحديث معكِ )
لم تتغير ملامح زهرة و ردت بجمود بارد ( الحديث معي في أي شيء بالضبط ! ...
هل أعرفك؟! )
شعر الشاب ببوادر غضبها , فقال بسماجة مَن يحاول تلطيف الأجواء
( إذًا فلنتعرف )
ثم مد يده مصافحًا وهو يعرف نفسه
( أنا سامح )
نظرت زهرة إلى يده الممدودة دون أن تبدي أي حركة ... صمتت لعدة ثواني ليسحب الشاب يده وقد احمر وجهه حرجًا , وتتحدث زهرة ببرود
( أنا لا أتحدث إلى الغرباء هذا أولًا ... ثانيًا عندما تكون في مكانٍ محترم فعليك التصرف باحترام حتى لا تجلب لنفسك المشاكل )
ثم تحركت لتكمل طريقها إلا أنه فاجأها بأن أمسك ذراعها بجرأةٍ أربكتها
( ألا يوجد ثالثًا؟ )
لم يكد يُكمل سؤاله المستفز حتى فوجئ بقبضة حديدية تلوي ذراعه الممسك بزهرة , وصوت يتحدث بشراسة
( ثالثًا , فلتعوِد نفسك ألا تمتد يدك على شيء لا يخصك ... هذا إن كنت بحاجة لبقاء ذراعك في جسدك )
اتسعت عينا الشاب رعبًا وهو ينظر لصاحب الصوت بهالته الضخمة وقامته الطويلة التي حجبت عنه الرؤية ... ابتلع ريقه ليتحدث بلهجة ظهر فيها الجبن بوضوح
( أنا لم أقصد مضايقتها ... كنت .. كنت فقط )
زاد الضغط على ذراعه فقطع جملته متأوهًا
وهو يرى ذلك الضخم يبتسم بوحشية
( قصدت أو لم تقصد فمن الأفضل لك عدم تكرار الأمر معها أو مع غيرها )
أومأ الشاب برأسه مرتعبًا ... وأطلق ساقيه للريح ما إن زال حصار الضخم له ...
كانت زهرة تتابع المشهد بقلق وهي تتلفت حولها وقد بدأت بعض الأنظار تتجه ناحية ذلك الضخم الذي أمسك بالشاب , وفارق الجسم والقوة بينهما ينبئ ببوادر شجار غير متكافئ الأطراف ... تنفست الصعداء ما إن رأته يتركه أخيرًا لتتنحنح قائلة
( شكرًا لك ... لم يكن هناك داعٍ لكل هذا ... أنا أعرف كيف أتدبر أموري في مثل هذه المواقف )
استدار إليها , يتحدث بنبرة عميقة ... جدًا
( لا داعي للشكر .... سأتحدث مع الأمن بشأنه , وسأتأكد بنفسي أن هذا الموقف لن يتكرر )
أومأت له بتشتت وقد انتبهت لهيئته المألوفة , وبينما تحاول تذكر أين رأته من قبل رن هاتفها ليقاطع تفحصها الأحمق له لتجد اتصالًا من رحمة ... شكرته مرة أخرى ثم استأذنت منه لتنصرف في طريقها ...
بينما ظل هو واقفًا مكانه , يراقب انصرافها حتى اختفت عن أنظاره ... فيتنهد تنهيدة حارة قبل أن يتحرك مغادرًا هو الآخر .


=======================


وقفت في شرفة غرفتها تراقب السماء بشرود ... ثم حانت منها نظرة لهاتفها تتفقده .. لا يوجد اتصالات ولا حتى رسالة واحدة منه ... إنها أول ليلة تمر منذ أن تمت خطبتهما ولا يحادثها فيها ... تنهدت وإحساس بالذنب بدأ يتسلسل إليها وهي تشعر أنها تمادت في فظاظتها معه هذه المرة ... هي لم تُغير موقفها ناحية طلبه بتعجيل الزواج , فهي ما زالت تحتاج للمزيد من الوقت لاتخاذ قرارها ... لكنها الآن تشعر بمدى فظاظة أسلوبها معه صباحًا , خاصة بعد مجافاته لها طوال اليوم ... وبعد أن كان يغرقها باتصالاته ورسائله , ها هو الآن يتبع أسلوب التجاهل ... طرقات على باب الغرفة أخرجتها من شرودها لتدخل مريم إلى الشرفة ما إن لمحتها ... استقبلتها صبا مبتسمة
( أهلًا بصغيرتي ... لقد عدتُ من عملي مرهَقة وذهبت في نوم عميق ولم تتسنى لنا الفرصة كي نجلس سويًا )
ثم أردفت بفضول
( هيا أخبريني كيف كان يومكِ الأول في العمل؟ )
كانت مريم تنظر إليها بهدوء وهي تحاول إخماد غضبها .... ثم أخذت نفسًا عميقًا تستجلب أقصى درجات التحكم في النفس
وقالت بجمود
( لماذا تحدثتِ مع كريم في هذا الأمر؟ )
عقدت صِبا حاجبيها لتهز رأسها قائلة بتساؤل
( أي أمر؟ ... هل تكلمتِ مع كريم؟ )
جزت مريم على أسنانها لتهتف بحدة
( لا داعي للمراوغة يا صِبا ... لكنني حقًا لا أفهم لماذا تصرفتِ دون علمي ! ... لقد أخبرتكِ أنني لا أريد أن يتدخل كريم في أمر عملي وأنني سأتدبر أموري )
أطلقت صِبا زفرة عصبية وقد أدركت مقصد أختها , ودون أن ترد تحركت تتجاوزها لتخرج من الشرفة وتتجه نحو فراشها تلقي بنفسها عليه ...
أثارت لا مبالاتها غضب مريم فتبعتها هاتفة بحدة
( لقد تسببتِ اليوم في وضعي بموقفٍ محرج مع مديري بالعمل ... أنا الآن في نظر الجميع مجرد فتاة مدللة لن تجيد التصرف ولذلك تستعين بمن يساندها )
ظلت صِبا على هدوءها , إلا أنها حركت رأسها ناحية مريم لتتحدث ببرود
( هل تلومينني لأنني أردت مساعدتكِ؟ )
( أنا لم أطلب هذه المساعدة ! )
هتاف مريم المحتج أثار جنون صِبا لتنتفض مكانها هاتفة بحدة
( و من يهتم ! .. أنا أقوم بمساعدتكِ لأنني أعلم جيدًا أنكِ تحتاجينها ... لأنني أعلم كم كنتِ متشوقة للحصول على تلك الوظيفة ... والآن بعد أن ساعدتكِ في الحصول عليها تتبجحين بأنني أفسدت أول مقابلة لكِ مع مديركِ ! )
ارتد رأس مريم للخلف وقد تفاجأت من هجوم صِبا الغير مبرر ... ظلت تحدق فيها وهي تراها تتنفس بغضب وصدرها يعلو
و يهبط انفعالًا ... اقتربت منها مريم تسألها بحذر
( صِبا .. ماذا بكِ؟ )
كان همس مريم الحنون هو كل ما تحتاجه صِبا لتجهش في البكاء وهي تجلس على سريرها تغطي وجها بكفيها ... ارتفع حاجبا مريم بدهشة من رد فعلها لتمد يدها تتلمس كتف صِبا وهي تهمس بِاسمها بحنان , لكن صبا نهضت من مكانها فجأة هاتفة باختناق
( رغم كل ما فعلته وما أفعله أظل أنا الشخص السيئ أليس كذلك؟ )
جن جنون مريم من انفعال أختها المفاجئ ... لتقترب منها وتمسك كتفيها بحزم هاتفة
( صِبا .. ما سبب كل هذا الإنفعال؟ ... ومن قال أننا نراكِ شخصًا سيئ؟)
مسحت صِبا دموعها بعنف لتهتف
( جميعكم تفعلون ... وها أنتِ قد فسرتِ مساعدتي لكِ بشكل خاطئ ... حتى كريم لم ... )
قطعت كلامها لتنظر لأختها بعجز .... فتنهدت مريم بإدراك وقد فهمت سبب غضب صِبا لتبتسم ابتسامة خفيفة , اقتربت منها لتضمها بحنان
( إذًا هذا هو السبب ... يبدو أن السيد كريم فعل ما يضايقكِ )
احتضنتها صِبا باحتياج .... واحترمت مريم صمتها الذي لم يدم سوى لحظات ... وسمعتها تهمس ببعض الذنب
( بل أنا من أغضبته )
سألتها مريم بصبر
( كيف؟)
رفعت صِبا رأسها تواجه عيني مريم لتقول بصوتٍ خفيض
( لقد طلب مني اليوم أن نبدأ في استعدادات الزواج ... وأنا رفضت )
ثم عضت شفتيها مردفة
( وبصراحة أشعر أنني كنت فظة قليلًا )
سحبتها مريم لتجلسها على السرير ثم جلست أمامها تواجهها , وسألتها بتعقل
( وهل هو غاضب منكِ بسبب رفضكِ أم بسبب أسلوبكِ في الرفض؟ )
عقدت صِبا حاجبيها ببلاهة
( وما الفرق الآن؟ ... المهم أنه غاضب ) أجابتها مريم بهدوء
( بالطبع هناك فارق ... إن كان غاضب من أسلوبكِ فله الحق في ذلك ... أما إن كان غضبه بسبب رفضكِ لعرضه فأنا لا أجد مبررًا لذلك ... طالما أنكِ لستِ مستعدة فيحق لكِ الرفض )
تنهدت صِبا تفكر في كلام أختها ليأتيها سؤال مريم الحذِر
( لكن السؤال الأهم الآن ... لماذا رفضتِ طلبه؟ )
حكت صِبا رأسها لترد بإنهاك
( أنا لا أشعر أنني مُهيئة لذلك الآن ... ولا يمكنني اتخاذ خطوة مهمة كهذه دون أن أنتهي من تكوين صورة واضحة عن كريم )
تفحصتها مريم بتدقيق , وخرج سؤالها بنفس الحذر
( صِبا .. ألا تحبين كريم؟ )
سألت مريم سؤالها بهدوء أربك صِبا , فلم تعرف بماذا تجيبها .... هي لن تخدع نفسها لتوهمها بأنها تكِن مشاعر خاصة لكريم ... الأمر كله ليس إلا مجرد خطبة لشخصٍ يبدو مناسبًا ...
وبرغم أنه لا يتوقف عن ذكر كم يحبها , وبرغم أيضًا أنها لا تصدقه بشكل تام , إلا أنها لم تخبره بأنها تحبه ... لأنها ببساطة لا تفعل ...
وقد كانت صريحة معه منذ البداية وهو تقبل صراحتها ولم يعترض ... رفعت عينيها لأختها تقول ببعض الإرتباك
( كريم شخص مناسب و .. )
قاطعتها مريم
( جميعنا نعلم منذ أن تقدم لخطبتكِ أنه شخص مناسب .... لكن الآن وبعد مرور عدة أشهر على خطبتكما , فمن المهم أن يكون لديكِ إجابة على هذا السؤال )
ردت صِبا بابتسامة يشوبها بعض السخرية
( وبماذا سيفيد الحب؟ ... أنتِ تعلمين جيدًا يا مريم أنني لا أهتم لمثل تلك السخافات ... لقد وافقت على خطبتي من كريم لأنني أردت بداية جديدة مع شخص يساعدني على ذلك ... لو كنت أبحث عن الحب فكان من الأولى أن أتزوج سامر )
تغيرت ملامح مريم عند ذكر الاسم , لكنها استعادت هدوءها لتسأل بثبات زائف
( ولماذا لم تتزوجيه؟ ... هل لأن أبي رفض؟ )
ردت صبا بنبرة قلما تظهر , نبرة تجمع بين السخرية والقسوة
( لا ليس لهذا السبب ... لقد رفضه والدكِ خوفًا من طمع عمتكِ منال في أموالنا ... ليس لأن سامر شخصًا سيئ )
ثم تنهدت وهي تتخلص من قناع السخرية لتقول بشرود
( سامر لا ينفعني ... هو يحتاج لمن تحبه بحق ... لمن تستطيع أن تعطيه ما يستحق من مشاعر ... وأنا لن أستطيع أن أقدم له ما يريد )
شعرت مريم بغصة مؤلمة شطرت حلقها نصفين ... فابتلعتها لتمسك بيد صِبا هامسة بقلق حقيقي
( لكن هذا لا يعني أن تقبلي بكريم كوسيلة للهرب نحو بداية جديدة ... تذكري أنكِ ستقضين معه بقية حياتك ... يجب أن تكوني متأكدة )
غطت صبا وجهها بكفيها هاتفة بضعف
( حسنًا , لكنني الآن لا أعرف حقًا ماذا أفعل؟ )
نهضت مريم من مكانها لتمسك كتفيّ صِبا , تمددها في سريرها برفق
( الآن عليكِ أن تخلدى لنومك لأن الوقت تأخر و لدينا عمل غدًا )
همست صبا مبتسمة بحنان
( كبرتِ يا فتاة وأصبحتِ تنامين مبكرًا لأجل عملكِ )
ضحكت مريم و انحنت لتقبل جبهة أختها برقة ... فتمسكت بها صبا متذمرة
( أنتِ لم تحكِ لي كيف كان يومك )
ثم تحركت قليلًا لتفسح مكانها وتربت على السرير قائلة
( ما رأيك أن تنامي بجواري الليلة , كما كنا نفعل ونحن صغار .. أشعر أنني لست بخير )
لم تفكر مريم وهي تندس بجوار أختها , تستمتع بعناقها الحنون ... ثم بدأت تحكي لصِبا ما حدث منذ دخولها إلى الشركة ... حتى غلبهما النعاس ليذهبا في نوم عميق ,
وكل منهما تتمسك بالأخرى ..

====================

توجهت إلى غرفتها بعد أن اطمأنت لنوم طفليها ... ألقت نظرة سريعة لساعة الحائط التي تشير للعاشرة مساءً ... لفت نظرها وجود علبة صغيرة على طاولة الزينة ... فعقدت حاجبيها لتتقدم ناحيتها ثم أمسكتها تتفقدها
و هي تتساءل بتعجب ... فتحتها بفضول فالتمعت عيناها انبهارًا ما إن قابلتها تلك القلادة الفضية الموجودة بداخلها .. قلادة رقيقة تحمل شكل قلبٍ صغيرٍ مزخرف ... كانت تتلمسها بنفس الانبهار إلى أن شعرت بذراعين يشتدان حول خصرها , فالتصق ظهرها بصدرٍ قوي و داعبتها أنفاس صاحبه .. فبادلته النظر بصمت خلال المرآة , بينما تسمعه يهمس في أذنها برقة
( صُنعت خصيصًا لأجلكِ ... أعلم أنكِ تعشقين الفضة )
لم يحصل على رد فعل سوى الصمت , لكنه التقط القلادة ليلبسها إياها , متحدثًا بنفس الهمس الساحر في تأثيره
( كل عام و أنتِ بخير يا رحمتي )
أغلق القلادة ليقبل عنقها برقة جعلت قدميها تتخاذلان بضعف ... رفع رأسه ليستند بذقنه على كتفها وهو لا يزال يحضتنها لينظر لعينيها بعشق .. ظلت رحمة محتفظة بوجهها الجامد ثم قالت ببرود
( وما المناسبة؟ )
عقد فارس حاجبيه , وسألها مبتسمًا بِشك
( ألا تعرفين حقًا؟ )
أجابته كاذبة
( لا )
كانت محاولة واهية , تُقنع نفسها بها كي لا تتجاوب مع قربه منها ... هي تذكر جيدًا تاريخ اليوم ... وكيف لها أن تنسى ! .. إنه ليس عيد زواجهما ولا حتى ميلادها .. بل هو أهم من ذلك بكثير .. إنه تاريخ اليوم الذي اعترف لها فيه بِحبه ... يوم أن أقسم لها أن ما من إمرأة غيرها سكنت قلبه .. ولا ستسكن غيرها فيه ...
( هل تذكرتِ الآن؟ )
همسته الرقيقة أخرجتها من شرودها لتزيح ذراعيه المحيطان بها و تلتفت إليه ... تواجهه بنفس النظرات الجامدة
( وبماذا سيفيدني التذكر ! ... لقد فات الأوان )
تطاير شرر الغضب من عينيه , ليهتف مستنكرًا
( أي أوان هذا الذي فات؟ .. ذلك اليوم هو أهم يومٍ في حياتنا معًا ... و أنا لازلت صادقًا في كل كلمة قُلتها وقتها )
عقدت رحمة ساعديها و قالت بجدية
( لم يعد هذا أوان الكلمات يا فارس ... الأفعال هي التي تتكلم الآن )
أحاط فارس خصرها بتملك ليقربها منه قائلًا بخشونة
( وأنا الآن أفعل ما بوسعي لمحو ما حدث )
ظلت على جمودها , تقاوم إشتياقها إليه , تقول بهدوء
( لكنني لا أشعر بأي تغيير )
قربها منه أكثر ليهمس بعذاب
( هذا لأنكِ لا تعطين لنفسكِ فرصة ...
أين ذهبت رحمة التي تقبلتني قديمًا بكل عيوبي؟ )
ابتسمت تقول بسخرية مريرة
( لقد قلتها بنفسك ... "قديمًا" ... كان ذلك قبل أن تخونني )
هزها من كتفيها ليهتف من بين أسنانه
( أنا لم أخنكِ أيتها الحمقاء .... لم أقترب لإمرأة سواكِ ... لقد أخبرتكِ مرارًا أن ما حدث كان خدعة سخيفة وأنا توليت الأمر )
كان يهتف بها و قد بلغ غضبه أقصاه وفاض به الكيل من تجاهلها له ....
بينما لم تهتز شعرة منها وهي تقول ببرود
( وماذا كان السبب وراء ذلك؟ ... أليست سهراتك كل ليلة في تلك الأماكن المشبوهة ! .. لتعود إليّ مخمورًا لا ترى أمامك )
ابتعد فارس عنها ليعطيها ظهره وهو يزفر بتعب مُتخللًا شعره بأصابعه ... ثم قال دون أن يستدير إليها
( وإن أخبرتكِ أنني سأتوقف عن ارتياد تلك الأماكن ... هل سيعود كل شيء كما كان؟ )
ردت رحمة بهدوء
( فلتصلح ما أفسدته أولًا يا ابن عمي ...
وبعدها نرى إن كنا نستطيع أن نعود كالسابق )
ثم تحركت تنوي الخروج من الغرفة ... إلا أنه أمسك مرفقها برفقٍ يسحبها إليه ويلصقها به ثم أمسك يدها ليضعها على صدره في موضع القلب ... نظرت رحمة إلى كف يدها الذي استقر على قلبه ... فابتلعت ريقها وهي تسمعه يهمس بصوتٍ احتوى على كل حنان العالم وصِدقه
( أقسم لكِ أنني لم أخنكِ ... أقسم أن هذا القلب لم ولن ينبض سوى ليهمس بِـحُبك ... سأصلح ما أفسدته يا رحمتي )
وأتبع وعده بقبلة حارة أودعها فيها كل ما يجيش به صدره , فدمعت عيناها بتأثر وصوته الحبيب يتسلل لقلبها ..... تتحكم في نفسها بأعجوبة حتى لا تعانقه بعنف ... ابتعد بوجهه قليلًا ليأسرها بنظراته العاشقة , يهمس بخفوت
( لا تخلعي القلادة )
ثم انحنى ليقبل القلب الموجود في القلادة قبلة طويلة جعلتها تغمض عينيها بتأثر لملمس شفتيه على بشرتها .... طالت قبلته حتى شعرت بأن قدميها أصبحتا كقدمي الدُمى من فرط مشاعرها ... رفع فارس رأسه أخيرًا لينظر لعينيها برجاء صامت , يتمنى لو تتجاوب معه و ترحمه من عذاب شوقه إليها ... لكنها التقطت ما يفكر فيه لتتغلب على لهفتها لقربه و تبتعد عنه كالمعتاد ... تاركة إياه خلفها يتنهد بإحباط .

===================

فتحت السيدة مشيرة غرفة باب ابنتها فتنهدت بقلة حيلة وهي ترى وقفتها الشاردة في الشرفة ... أغلقت الباب لتتقدم ناحيتها قائلة بحنان
( من الجيد أنكِ لازلتِ مستيقظة ... فأنا أريد التحدث معكِ في أمرٍ هام )
استدارت ريهام تسألها بوجهٍ جامد ونبرةٍ أشد جمودًا
( هل هو موضوع كل مرة الذي لا يتغير؟ )
هتفت والدتها بانفعال
( ولن يتغير حتى يلين رأسك الصلب هذا )
زفرت ريهام بضجر لتتحرك ناحية سريرها تجلس عليه بعنف , فتبعتها والدتها حتى جلست أمامها , ثم تابعت وقد استعادت هدوئها
( إلى متى هذا العناد يا ابنتي؟ ... أنا أريد الاطمئنان عليكِ )
ردت ريهام بعناد
( أنا بخير وسعيدة بحياتي هكذا )
أثارت جملتها حنق والدتها فهتفت مستنكرة
( وهل تُسمين هذه حياة؟ )
بلغ غضب ريهام أقصاه فلوحت بيدها , تهتف بحنق
( وماذا تريدين مني أن أفعل يا أمي؟ .. هل الزواج مرة أخرى هو ما سيغير الوضع؟! )
ربتت والدتها على كتفها , لتهمس لها ببعض الأمل
( وما المشكلة في ذلك حبيبتي؟ ... أنتِ لستِ أول إمرأة تتزوج من آخَر بعد طلاقها )
ردت ريهام بجمود
( هذا عندما أريد أنا تكرار تلك التجربة ... لكنني حاليًا لا أحتاج لوجود رجل في حياتي , ولا أظن أنني سأفعل مستقبلًا )
كادت والدتها تهتف بشيء , لكن قاطعها صوت طرقات على الباب لتدخل رحمة التي ما إن رأتها السيدة مشيرة حتى هتفت بغضب
( تعالي يا رحمة و انصحي ابنة عمك بأن تتعقل )
أشاحت ريهام بوجهها زافرة بسخط , بينما اقتربت رحمة لتجلس بجانب حماتها
( ريهام سيدة العاقلين يا زوجة عمي )
برمت ريهام شفتيها و قد أدركت بحدسها أن والدتها تدبر شيئًا مع رحمة ... وقد صدق حدسها عندما أردفت رحمة
( هي فقط تحتاج أن تعطي لنفسها فرصة لتفكر جيدًا في الأمر )
هتفت ريهام و قد طفح بها الكيل من تلك المحاولات
( أي أمر يا رحمة؟ .. لقد تحدثنا في هذا الموضوع عشرات المرات , وقد أخبرتكم أنني لا أفكر في الزواج مرة أخرى )
التفتت السيدة مشيرة لرحمة , وهتفت بغيظ
( أرأيتِ؟ ... لقد أخبرتكِ أن تلك الفتاة ستصيبني بالجنون )
ثم وجهت كلامها لريهام مردفة بحنق
( افعلي ما شئتِ يا ابنة شكري .. استمري في حماقتكِ , لكن أنتِ مَن ستندم في النهاية )
ثم نهضت لتنصرف من الغرفة متمتمة بكلماتٍ ساخطة ... فنظرت ريهام لابنة عمها بصمت ... لتتحدث رحمة بتعقل
( أنا أعلم جيدًا سبب رفضكِ للأمر ... لكن الآن عليكِ أن تنسي تجربتكِ القديمة وتفكري في نفسكِ )
ابتلعت ريهام ريقها , وتكلمت فخرج همسها خافت , ضعيف على غير عادتها
( أنا لم أستطع أن أحافظ على زواجي يا رحمة )
ثم أكملت و قد تحشرج صوتها
( لم أستطع أن أحافظ على الرجل الوحيد الذي أحببته )
ابتعلت رحمة ما ودت قوله , بينما تراكمت بعض الدموع في عينيّ ريهام و هي تهتف باستنكار
( والآن تريدون مني وبكل بساطة أن ألقي بكل هذا خلف ظهري وأتزوج بِآخر؟! )
اقتربت منها رحمة أكثر لتحتضنها بحنان ,
تربت على شعرها بينما تقول بمواساة
( نحن فقط نريد أن نراكِ سعيدة )
ابتسمت ريهام بتهكم لتبتعد عن رحمة وتمسح دموعها بكبرياء , قائلة بسخرية
( وهل ستكون سعادتي بالزواج من آخر؟ .. وهل هناك من يقبل بإمرأة مطلقة ومعها طفلة؟ )
ردت رحمة بثقة
( وما المشكلة في ذلك؟ .. أنتِ ما زلتِ صغيرة وكونكِ أمًا لن يمنعك من استكمال حياتكِ )
لم يبدو عليها التأثر من حديث رحمة المقنع ... فهزت رأسها تقول بشرود
( صدقيني يا رحمة لن أستطيع .. أنتِ تعلمين جيدًا معنى أن تعشقين رجلًا حد الجنون ... أنا لن أستطيع أن أكون مِلكًا لـرجلٍ آخر )
أنهت حديثها المتألِم لتعود مجددًا نحو شرفتها ... فتأملتها رحمة بإشفاق , وامتدت أصابعها تتلمس القلادة التي تزين رقبتها .. غامت عيناها بنظرة شاردة , تُحدث نفسها بأن للحب وجهًا آخر , قاسٍ ومؤلم .. يُوقِع صاحبه في هوة مظلمة بدلًا من أن يرفعه إلى عنان السماء ... وأن تلك الأحلام الوردية التي يرسمها لنا خيالنا , بإمكانها أن تتحول إلى كوابيسٍ سوداء ... تبتلعنا لنصطدم بأرض الواقع ... فينتهي بنا الحال ضائعين , عالقين فيه دون وعي ...
و دون أمل .


انتهى الفصل


يتبع ...


شهر'زاد. غير متواجد حالياً