الموضوع: على شرفات الحب
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-11-21, 11:21 PM   #20

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل السادس ...


أنهت مريم محاضراتها في الجامعة لتتوجه مباشرة إلى باب الخروج وهي تنظر في ساعتها ... لديها اجتماعًا في العمل ولا تريد أن تتأخر ... خاصة وأنها تسعى لإثبات نفسها بعيدًا عن تلك التوصية التي أُرسِلَت بِاسمها ...
بعد نصف ساعة كانت تخرج من المصعد الخاص بالشركة لتسير بخطواتٍ مسرعة صوب غرفة الاجتماعات ... إلا أن خطواتها تباطأت تدريجيًا وهي ترفع حاجبًا متعجبًا بينما ترى مروان والذي من المفترض أنه مديرها في العمل يتضاحك مع إحدى الموظفات ... ظهرت إمارات الامتعاض على وجهها وهي ترى تلك الفتاة تتمايل بغنجٍ مقصود بينما تفتح له الملف الممسكة به تتظاهر بشرح شيء ما بينما تقترب منه بميوعة ... أما هو فكان يركز نظراته عليها مستمتعًا بحركاتها المكشوفة لجذب انتباهه ...
قلبت مريم شفتيها بتقزز لتكمل طريقها بخطوات حازمة ... اقتربت منهم فتنحنحت بصوتٍ مسموع ليرفع مروان رأسه ناحيتها ... نظرت ناحيتهما بطرف عينيها باشمئزازٍ واضح جعل مروان حاجبًا واحدًا بتوجس وهو يلمح نظراتها المحتقرة ... ثم أنهى حديثه بسرعة مع الفتاة الواقفة معه ليتوجه هو الآخر إلى غرفة الاجتماعات التي دخلتها مريم للتو ...
كان يتحدث وهو ينظر إليها من حينٍ لآخر ... يراقب حركة أصابعها الرقيقة التي تتلاعب بخصلات شعرها بحركاتٍ عفوية إلا أنها تجذب أنظاره رغمًا عنه ...
أما مريم فكانت تشعر بالتوتر من نظراته المحدقة بها وهي تشعر أنها تخضع لمراقبته لكل سكناتها ...
أبعد مروان نظراته عنها ليكمل
( أمام كل واحد منكم ملف يشرح ما سيتم تنفيذه في موقع المشروع ... أتمنى أن تدرسوه جيدًا حتى نبدأ في التنفيذ ... شكرًا لكم يمكنكم الانصراف )
تنفست مريم الصعداء وسارعت بالخروج
وهي تشعر بنظراته التي تخترق ظهرها ...
جلست على المكتب المخصص لها في الغرفة التي تتشاركها مع زملائها وبدأت تطالع الملف , أمامها إلا أنها لم تستطع التركيز ما إن بدأ الحوار الدائر بين زميلاتها ... والذي بدأته إحداهن قائلة بهيام
( لم أرَ في حياتي مديرًا بمثل هذه الوسامة )
لترد أخرى بميوعة
( لم أستطع أن أُركز في كلمة مما قالها ...
و كيف أفعل وأنا أرى أمامي هذا الكم الهائل من الجاذبية؟ )
تدخل زميل لهن يقول باستخفاف
( ما هذه المبالغة؟ ... هو لا يبدو حقًا بكل تلك الجاذبية ... إنه فقط تأثير المال على هيئة البشر يا عزيزتي ... ما رأيكِ يا مريم؟ )
كانت مريم تتابع الحوار بصمتٍ دون أن ترفع عينيها عن الملف أمامها ... إلا أنها رفعت رأسها لتجيب بفظاظة
( رأيي أن هذا وقت عمل ومن المفترض أن أمامنا أشياء ننجزها أهم من الحديث عن مدى وسامة المدير )
انخرس زميلها من ردها ليتنحنح بإحراج وهو يتشاغل بالأوراق أمامه .... بينما زفرت مريم تحدث نفسها بضيق
( مالي أنا ومال المدير ووسامة المدير ... هل سأتزوجه؟! )
ثم هزت رأسها ساخرة وعادت لما كانت تفعله.

****************************

صعدت صِبا درجات السلم في نهاية اليوم وعيناها تتأملان جدران المنزل بشرود ...
هذه آخر ليلة لها هنا ... لقد تم تجهيز المنزل الجديد وسيتحركن غدًا للاستقرار فيه ... وقفت مكانها تتطلع للجدران التي ظهرت عليها آثار السنوات ... سنوات قضتها فيه منذ نعومة أظافرها تاركة خلفها في كل ركنٍ ذكرى ... ابتسمت ببعض المرارة وبعض الذكريات تطوف في ذهنها , والتي لم تكن أغلبها سعيدة على الإطلاق ... هذا المنزل الذي تمسَّك والدها بالعيش فيه رغم بساطته تنفيذًا لوصية جدها كي يجتمع أولاده جميعًا في منزلٍ واحد ... اتسعت ابتسامتها الساخرة من رغبته في لم شملٍ لم يجتمع من الأساس وهي تتمنى لو رأى رد فعل بناته على قرار والدها ...
لكنها عزمت أمرها على تركه في خطوة لَم تقدر عليها في حياته ... لم تهتم يومًا بقِدَم المنزل ولا بساطة الحي ... لكن شيئًا من التمرد داخلها دفعها لاتخاذ تلك الخطوة كأول بادرة للحصول على حياة أخرى جديدة ...
لربما ! ...
ابتسمت وهي تأخذ نفسًا عميقًا ثم تحركت إلى باب الشقة لتفتح حقيبتها بحثًا عن مفتاحها .... إلا أنها التفتت خلفها ما إن فُتح باب الشقة المقابلة ليطل سامر من خلفه تتبعه والدته ... ابتسم سامر ما إن رآها ليحييها بصوته الهادئ بطبعه
( مساء الخير يا صِبا )
ردت تحيته بابتسامة لطيفة سرعان ما تحولت إلى أخرى باردة حين التفتت لوالدته
( مرحبًا يا عمتي )
بنبرة أكثر برودة خرجت الأحرف من بين أسنان منال
( أهلًا )
اتسعت ابتسامة صِبا وتابعت بلهجةٍ ممطوطة
( من الجيد أننا تقابلنا حتى أودعكما ... فنحن سننتقل غدًا إلى المنزل الجديد )
تطاير الشرر من عينيّ منال وقد فهمت جيدًا إشارات صِبا في لإثارة غيظها ...
وفي المقابل تألقت ابتسامة الظافرة وهي تعلم أنها أصابت هدفًا .... وكأنها تخبرها أننا اشترينا منزلًا جديدًا بأموال أخيكِ التي كنتِ تطمعين بها ...
تنحنح سامر وهو يرى نظرات أمه الموجهة لصِبا ليرد بدلًا منها بنبرة حاول إظهار سعادته فيها
( مبارك يا صِبا ... لكن لا تقطعن الزيارات ... فهذا لا يزال بيتكن على أي حال )
ردت صِبا بابتسامة هادئة
( بالطبع سنفعل )
ثم عادت بنظراتها لعمتها تُلقي السهم الأخير
( أعلم أنكم ستشتاقون إلينا ... أليس كذلك يا عمتي؟ )
ردت منال وقد وصل غيظها أقصاه
( بالطبع ... وهل سنجد من هي أطول منكِ لسانًا يا ابنة جيهان )
حافظت صِبا على ابتسامتها المستفزة وأومأت لمنال بطريقة شبه متوعدة جعلت الأخرى تشيح بوجهها بتبرم .... بينما تنحنح سامر الذي أصابه الحرج من فظاظة أمه فآثر السلامة واستأذن من صبا بلباقة ليتحرك مع والدته إلى أسفل البناية بينما دخلت هي شقتها لتغلق الباب خلفها وتسمح لضحكة عالية بالخروج أخيرًا ...
استقبلتها والدتها المندهشة
( لقد سمعت صوت عمتكِ منال بالخارج ... لكن بعد رؤية سعادتكِ هذه فقد بدأت أشك في قدراتي السمعية )
ضحكت صِبا أكثر لتقترب من والدتها تعانقها بحنان
( بلى يا " جوجو " ... قدراتكِ السمعية ممتازة )
ردت والدتها ضاحكة بدهشة
( إذًا علامَ تضحكين؟ ... هل تبدل حال عمتكِ فجأة وعاملتكِ بلطف؟! )
هزت صِبا كتفيها ببساطة
( بالطبع لا ... لقد أخرجت لي أنيابها ونادتني بِابنة جيهان .... مسكينة تعتقد أنها تثير غيظي بذلك ولا تدرك أنني أحب هذا اللقب جدًا ... وأحب جيهان جدًا جدًا )
كانت تتحدث وهي تقبل رأس والدتها التي تضحك بسعادة ...
خرجت ملك من غرفتها لتكتف ذراعيها هاتفة بحنق
( الله الله ... تقفين هنا مع ابنتكِ المدللة تتسامران وأنا أكاد أموت جوعًا .... أين الغداء يا أمي؟! )
ردت والدتها
( اصبري قليلًا يا ملك حتى تأتي أختكِ مريم لنتناول الطعام سويًا)
كادت ملك تهتف بشيء لكن قاطعتها صِبا
( مريم ستتأخر اليوم ... لقد حادثتني وأنا في طريقي إلى هنا )
فرفعت ملك كفيها لتقول بنفاد صبر
( أرأيتِ؟ ... ستتأخر ... هيا يا أمي بالله عليكِ أنا أوشك على التهام ذراع صِبا من كثرة الجوع )
ضحكت المرأة بينما ردت صِبا مستنكرة
( وما ذنب ذراعي أيتها الشرسة؟ )
مطت ملك شفتيها ببرود
( حسنًا سأعدل عن ذلك وأتناول ذراع خطيبكِ الذي لا يخلو من الساعات الفخمة )
تغيرت ملامح صِبا لذِكر سيرة كريم بينما هتفت والدتها وقد تذكرت شيئًا
( صحيح يا صِبا ... لا تنسي إخبار كريم أنه مدعو على الغداء هو وعائلته في المنزل الجديد .... حددي معه موعدًا يناسبه ... لقد تعب معنا كثيرًا في تجهيزه )
ثم تحركت للمطبخ تاركة صِبا تنظر أمامها بوجوم ....
رفعت ملك حاجبًا واحدًا وهي تقول بِـابتسامة خبيثة
( لماذا لم تخبريها؟ )
هزت صبا رأسها تتساءل بعدم فهم
( أخبرها بماذا بالضبط؟ )
هزت ملك كتفيها قائلة بلامبالاة مصطعنة
( تخبريها بأنكِ تشاجرتِ مع كريم اللامع )
ضيقت صِبا عينيها وسألت بصوت شرير
( وكيف عرفتِ أننا تشاجرنا؟ )
لعبت ملك حاجبيها تقول بمشاكسة
( أنا لا يخفى عليّ شيئًا أختي العزيزة )
جزت صِبا على أسنانها ثم بغيظ
( إذًا فقد استعملتِ حواسكِ التجسسية واستمعتِ إلى حديثي مع مريم )
انتبهت ملك لخطورة ملامح أختها في تلك اللحظة ... فعادت خطوة للوراء وهي ترفع كفيها باستسلام
( لقد كان ذلك عن طريق المصادفة أقسم لكِ )
ما إن أنهت جملتها حتى تفاجأت بصِبا تهجم عليها بشراسة فانتفضت وسارعت تفر منها ركضًا .. وهتفت
( لقد كان صوتكما عالٍ ... ما ذنبي أنا ! )
ظلت صِبا تدور وملك تدور حولها بشقاوة مستمرة في هتافها
( يا فتاة انتظري بعد تناول الغداء , ليس لديً طاقة لهذه الحركات )
ثم أسرعت تفر لغرفتها وصِبا خلفها تصرخ بوعيد
( لن أترككِ اليوم يا ملك ... تعالي إلى هنا )

******************************
في اليوم التالي ....
وصلت سيارة صِبا إلى الحي الموجود به منزلهن الجديد ... فنزلت بصحبة والدتها وأختيها وهي تتفقد بعينيها ذلك الشارع الهادئ ... بدأنَ في حمل الحقائب حتى انتبهت صِبا لإمرأة متوسطة العمر تتبعها فتاتين ...
تقدمت المرأة ناحيتها تقول بتهذيب
( مرحبًا آنسة صِبا )
ردت تحيتها فتابعت المرأة بنفس الطريقة المبرمجة على نبرة التهذيب
( لقد أرسلنا السيد كريم لمساعدتكن في ترتيب الأغراض )
أومأت صِبا وقد تعرفت على هوية المرأة فقد سبق ورأتها عدة مراتٍ خلال زياراتها لمنزل عائلة كريم ....
أتاها صوت ملك تهمس في أذنها
( يبدو أنني سأبدأ في تغيير رأيي بشأن خطيبك المزركش ... لقد كنت أحمل هَم ترتيب الأغراض )
لكزتها صبا بتحذير وهي تبتسم للمرأة بمجاملة ... ثم تحركن إلى داخل المنزل ....

وعلى الجانب الآخر ....
خرجت سيارة أمجد فأخرجت زهرة رأسها من النافذة بنظرات فضولية
( يبدو أن جيراننا الجُدد قد انتهوا من تجهيز المنزل )
أومأ أمجد و هو يلقي نظرة سريعة على المنزل ثم التفت إلى زهرة
( هل نتجه إلى النادي مباشرة أم تريدين أخذ جولة بالسيارة معي أيتها الأميرة )
تلاعبت زهرة بخصلات شعرها لترد بابتسامة حلوة
( دعنا نتسكع قليلًا يا وسيمي )
أيدها بابتسامة مشابهة وهو يزيد من سرعة سيارته تاركًا نفسه لثرثرة زهرة المرحة ...

*************************

وصلا إلى النادى بعد نزهة طويلة في المدينة ... لتتعلق زهرة بذراعه وهي مستمرة في حديثها
( فقط لو استمعت لي وتناولنا غزل البنات )
رد أمجد باستنكار
( ألا يكفيكِ كل ما تناولناه؟ ... ثم كيف تريدنني أن أتناول تلك الحلوى الوردية كالفتيات ! )
احتجت زهرة لتهتف بتذمر
( كنت سأحضر لك اللون الأبيض يا أمجد )
علت ضحكاته وهو يهز رأسه بيأسٍ من طفولتها ... تأمل ملامحها المتذمرة مبتسمًا , شاعرًا بالامتنان لوجودها إلى جواره ... لطالما كانت زهرة هي ركنه الهادئ ... منذ أن كانت طفلة وهي تلتصق به وتتبعه أينما ذهب ... وهو بدوره كان يستمتع بصحبتها ... وكيف لا وهي تُشعره أنه حقًا مرغوب ... أن هناك من يرتاح لوجوده في منزلهم .... حتى بعد أن سافر لاستكمال دراسته ... لم تنقطع مكالماتهما بل على العكس زادت صداقتهما بشكلٍ أكبر وقد تشاركا تفاصيلهما ... لقد كان يزور المنزل فقط للتمتع بصحبتها ... وها هو قد عاد ليجدها كما هي ... شعلة متوهجة من الطاقة والحب ... انتبه على هتافها
( هل عدنا للشرود مجددًا؟ ... أين ذهبت؟ )
( معكِ يا صغيرة )
سحبته من ذراعه ليغيرا طريقهما وهي تتأفف بضجر .... فرفع أمجد حاجبه يسألها بتعجب
( ماذا بكِ؟ )
التفتت إليه لتقول بقنوط
( ألا ترى نظرات الفتيات نحوك؟ ... سيأكلنك بأعينهن ... لقد بدأت أشعر بالغيرة )
قهقه أمجد فلكزته زهرة بغيظ وهي تجز على أسنانها
( توقف عن الضحك بهذه الطريقة الجذابة وإلا فسوف يفترسنَك )
هز أمجد رأسه ليرد ممازحًا
( لم أكن أعلم أنني جذاب إلى تلك الدرجة )
تألق الحنان في ابتسامتها وهمست بعينين دافئتين
( بل أنتَ أوسم رجلٍ في العالم .... أين سيجدن مثلك؟ ... طول وعرض وجاذبية ... لا أعلم ماذا سأفعل عندما تتزوج ... أنا أشعر بالغيرة عليك من الآن )
رد مبتسمًا
( لن أتزوج ... سأتفرغ للتنزه معكِ والتسكع في شوارع المدينة )
ضحكت زهرة بسعادة وهي تتعلق بذراعه أكثر ...
( مرحبًا سيد أمجد )
التقطت أذناها عمق تلك النبرة فالتفتت نحو صاحبها وتتسع عيناها وقد تعرفت على هويته ...
بينما تسمع صوت أمجد يرد بترحيب
( أهلًا سيد راشد ... كيف حالك؟ )
رد راشد التحية بهدوء ... ولم ينسَ منح إيماءة راقية لزهرة التي وقفت صامتة بارتباك ... فركت كفها بتوتر وقد راودها القلق أن يتحدث أمام أمجد عن ذلك الموقف السخيف الذي تعرضت له ... رنَت إليه بنظرة خاطفة وقد جذبتها هيئته الشامخة ... همهمت لنفسها بفضول" اممم اسمه راشد إذًا "
استرقت نظرة أخرى ناحيته ...
" إنه ضخم جدًا "
هتف بها صوت طفولي في عقلها فكتمت ضحكتها وقد تذكرت هيئته ممسكًا بذلك الأحمق الذي ضايقها ... رفعت نظراتها نحوه مجددًا فاصطدمت بعينيه ترنو إليها ... فسارعت تشيح بوجهها المرتبك عنه ...
حين انصرف تابعت طريقها مع أمجد ولم يمهلها فضولها أكثر فسألت أخيها بلامبالاة زائفة
( هل هذا صديقك يا أمجد؟ )
كانا قد وصلا إلى الطاولة فجلس أمجد وأجابها بهدوء
( ليس بالضبط ... يوجد بعض الأعمال المشتركة بيننا منذ أن كنت بالخارج )
فسألته زهرة باهتمام
( هل كان يعمل بالخارج؟ )
أشار أمجد للنادل بينما يخبرها ببساطة
( لديه بعض الأعمال هناك ... لقد تعرفت عليه في رحلة عمل وكانت معه زوجته )
فغرت شفتيها وظهرت علامات الغباء والتبلد على وجهها بعد الكلمة الأخيرة
" زوجته ! " ... إنه متزوج ! ... لماذا إذًا كان ينظر إليها بتلك الطريقة الغامضة ... لقد أربكها بنظراته في المرتين اللّتان التقت به فيهما وقد حاصرها بعينيه ذات اللون الغريب ... حتى أنها احمرت خجلًا عندما حياها بنظراته منذ قليل ...
انكمشت مكانها وقد بدأت تشعر بالرهبة من المصادفة التي جمعتها به ....
وصل النادل ليطلبا طعامهما وسرعان ما اندمجت مرة أخرى في الحديث مع أمجد وقد قررت تجاهل التفكير في الأمر مؤقتًا ...

*******************************

دخلت صِبا غرفتها وقد تملّك منها الإرهاق بعد الانتهاء من ترتيب المنزل ... ارتمت على سريرها بعشوائية لتحدق في سقف غرفتها بشرودٍ لعدة دقائق .... ثم نهضت نحو مرآتها لتمسك بفرشاة شعرها وبدأت في تمشيط خصلاته بشرود بينما تتأمل صورتها في المرآة ... لقد انتقلن أخيرًا من منزلهن القديم ... ذلك كان أول ما سَعَت له في أولى خطواتها للتخلص من حياتهم القديمة ... والتخلص معها أيضًا من ذلك المكان الذي يحمل لها ذكريات مؤلمة ... لكن الآن كل ذلك قد انتهى , أليس كذلك؟ ... شمخت برأسها تبتسم ابتسامة قوية تطمئن بها نفسها كالعادة ... ثم تحركت بعدها تدور في غرفتها ... لتبتسم باستحسان من تلك اللمسات التي وضعتها السيدة التي أرسلها كريم ..
حدثت نفسها بإعجاب
( كريم ووالدته يُحسنان اختيار موظفيهم )
ثم وقعت نظراتها على هاتفها الموضوع أمامها لتسأل نفسها متحيرة
( أليس من الذوق أن أتصل به لأشكره؟ ... لقد تذكرنا رغم كل شيء )
ترددت قليلًا قبل أن تحسم أمرها لتمسك هاتفها وتضغط زر الإتصال ... لم تكد تمر بضع ثوانٍ حتى أتاها صوته الجاف
( مرحبًا )
ابتسمت تشاكسه
( إذًا فأنت فعلًا غاضب )
لم يصلها منه رد فتنهدت وتابعت تهدانه بنبرة ألطف
( شكرًا لأنكَ أرسلت لنا مَن تساعدنا )
صمت كريم لثوانٍ حتى أتاها رده المقتضب ( العفو )
استاءت من بروده فهتفت حانقة
( كريم !! ... توقف عن هذا الأسلوب )
لم يرد أيضًا .. فرفعت رأسها تردف بكبرياء
( على العموم لقد اتصلت لأشكرك ... وآسفة إن كنت قد أزعجتك ... تصبح على خير )
كادت تغلق الخط لولا أن أتاها هتافه
( صِبا انتظري )
صمتت وهي تسمع تنهيدته على الجانب الآخر قبل أن يهمس بصوت هادئ
( لن أنكر أنني ما زلت غاضبًا ... لكنني سأتغاضى عن ذلك لأنني اشتقتُ إليكِ )
عضت صِبا شفتيها وحدثته مبتسمة
( حسنًا أيها الغاضب المشتاق ... أنتَ مدعو لدينا على الغداء بأمرٍ من أمي ... حدد موعدًا مناسبًا لتأتي مع والديك )
رد كريم
( أنا أشتاق حقًا لطعام والدتكِ اللذيذ ... لكنني سأكون سعيدًا أكثر لو حولنا هذا الغداء إلى احتفالٍ صغير بمناسبة عقد قراننا )
حكت جبهتها بملل وقد عاد يرهقها بإلحاحه ... وهي من ناحيتها لا تريد أن تتسرع وتوافقه على طلبه ...
تنحنت صبا تقول بنبرة حاولت جعلها رقيقة ( كريم ... صدقني أنا أتفهم جيدًا رغبتك في تقوية علاقتنا .. لكن أنا فعلًا لا أشعر أنني مستعدة )
سمعت زفرة حادة يتبعها صوته الغاضب
( أنا لم أعد أفهمك يا صِبا ... لطالما غضبتِ مني بسبب محاولاتي في التقرب إليكِ ... وأنا احترمت رفضكِ وتقبلته ... والآن وأنا أطلب منكِ أن نعقد قراننا تتحججين !! ... إذًا فماذا تريدين بالضبط؟ )
أظلمت ملامحها حين ارتفع صوته في جملته الأخيرة ... ولم يعجبها ذلك الأسلوب ... فتكلمت
بنبرة صلبة وقد كسا البرود عينيها
( أنا التي لا تفهم سبب وضعك لعلاقتنا في إطار التلامس ... أنا اُقدِر جيدًا أن البيئة التي نشأت أنتَ فيها تتيح ذلك التقارب في فترة الخطبة ... لكننا اتفقنا منذ البداية أننا سنتعامل في هذه الفترة كصديقين )
همس كريم بتساؤلٍ عاتب
( وهل كنت أنا صديقًا سيئًا؟ )
لوحت بيدها لتهتف بعصبية
( بالعكس ... لقد كنت صديقًا جيدًا , ولكن عندما تنتقل من تلك الخانة وتتصرف كخطيبي فأنت ... أنت )
صمتت لا تعرف كيف تكمل جملتها ... كيف تخبره أنها أحيانًا تخشاه ! ... هي تعلم جيدًا بعلاقاته العابرة قبلها , وتقبلت كونه شابًا عاش برفاهية وتفتُح طوال حياته ... لكن تصرفاته معها أحيانًا تُشعرها ببعض الرهبة ... حين تلمح نظراته ناحيتها كدمية جميلة يرغب في امتلاكها ... كانت تعلم بعيوبه قبل خطبتهما ومع ذلك تقبلت اقتحامه لحياتها خلال سعيها نحو حياةٍ جديدة ... إلا أنها لا يمكن أن تنكر ذلك الإحساس الخائن بالتقزز الذي يتسلل إليها كلما اقترب منها من الناحية الحسية .. فتتخيل كيف ينظر لها بعينيه اللّتان اعتادتا نيل ما تريدان ...
قاطع أفكارها صوته الجامد حين حثها على المتابعة
( أنا ماذا؟ )
تنهدت صبا وقالت بمواربة تحاول تلطيف الأمر
( أنت تضغط عليَّ بهذا الإلحاح .. دعني أفكر قليلًا دون ضغط ...أرجوك )
رد بنبرة استشعرت فيها بعض البرود
( حسنًا ... لن أفتح معكِ هذا الموضوع طالما أنني أضايقك بإلحاحي )
زفرت بارتياح ومازحته
( والآن أيها السيد الغاضب .. هل سامحتني أم ستظل على خصامك؟ )
ابتسم كريم يقول بصوت ممطوط
( بصراحة كنت أفكر في التمادي قليلًا ... لكن شوقي إليكِ يغلبني )
ضحكت دون أن يختفي بداخلها القلق ... لكنها اندمجت معه في حديث طويل بعد أن تبدد التوتر وعاد إليه مرحه ...
حين أنهت الاتصال كانت بحاجة مُلحة لبعض الهواء البارد ... فتحركت نحو نافذة غرفتها وخرجت إلى الشرفة تستمتع ببعض النسمات اللطيفة بينما تراقب السماء بشرود ....

*****************************

أغلق أمجد الملف أمامه وهو يفرك عينيه بإرهاق ... لقد قضى نصف النهار مع زهرة ولم يعودا إلا في وقتٍ متأخر ليصعد إلى غرفته يُنهي بعض الأعمال ... نظر في الساعة ليجدها تشير إلى منتصف الليل ... لسعته نسمة باردة فتوجه للنافذة المفتوحة ينوي إغلاقها ... لكن شيء ما جذب أنظاره وجعله يطيل النظر للشرفة المقابلة , حيث ينعكس ضوءًا فضيًا منحه مشهدًا بهي , وسرق انتباهه دون إرادةٍ منه ...
وأمامه كانت تقف مغمضة العين , وجهها مرفوع للأعلى تتلقى ضوء القمر على بشرتها ..
تضم ذراعيها حول جسدها بشالٍ خفيف , وقد شاركتها نسمات الليل تلك الأمسية فداعبت خصلاتها الحرة التي تراقصت حول خصرها ...
بانشداه ابتلع ريقه ولَم يشعر أنه تحرك مقتربًا من سور الشرفة ...
فتعلقت عيناه بها وكانت لا تزال في غفلة عنه ... ثوبها المتطايرة أطرافه احتضن قوامها بنعومة منحتها رونق الحوريات ...
مرت الدقائق ما بين تأمله وشرودها ... حتى فتحت عينيها فجأة فاصطدم بلمعتها تحت ضوء القمر , حين أبصرها تمتم قلبه بنبضة مسموعة ...
وعلى الجانب الآخر وقفت صبا تلتقط أنفاسها المضطربة وقد أجفلها ذلك الظل الضخم الذي يحملق بها ... فابتلعت ريقها ودققت النظر في ملامحه , لكن الظلام الذي أحاط بشرفته جعل ملامحه مبهمة , فتسلل إليها بعض الخوف سرعان ما نفضته عنها , واستدارت لداخل غرفتها ...
انتبه أمجد من شروده ما إن لمحها تتحرك لتستدير بسرعة وشعرها يلتف حولها .. واختفت خلف نافذتها التي أغلقتها في وجهه ...
ظل واقفًا مكانه لعدة دقائق يحدق في الشرفة التي اعتاد رؤيتها مغلقة ... ثم تحرك ليدخل غرفته هو الآخر ... تمدد على سريره ليضع ذراعه أسفل رأسه مغمضًا عينيه باسترخاءٍ ... وذهنه يُعيده للمشهد الذي رآه لتوه حتى ذهب في نومٍ عميق ...

****************************

في صباح اليوم التالي زفرت مريم بضيق وهي تحاول التعامل مع ماكينة تصوير الأوراق أمامها ... ضغطت بعنفٍ على بعض الأزرار ليأتيها صوتًا تتراقص به التسلية
( هل أرى محاولة إتلافٍ لممتلكات الشركة أم ماذا؟ )
التفتت له بحدة ثم زمت شفتيها في تبرم وهي ترمق وقفته المسترخية يمسك في يده مشروباً ساخنًا يشربه بتلذذ ..
أعطته ظهرها وغمغمت بفتور
( ممتلكات الشركة لا تعمل من الأساس سيد مروان )
هز رأسه وقد اتسعت ابتسامته المستمتعة ... تقدم ناحيتها ينظر إلى الماكينة عاقدًا حاجبيه مُتظاهرًا بالتفكير ثم مَد يده يضغط بعض الأزرار حتى أصدرت الماكينة صوتًا وبدأت في طباعة الأوراق ...
رفع رأسه ينظر لها بابتسامة جذابة
( إنها الآن تعمل )
تظاهرت مريم بالانشغال في تنظيم الأوراق وتمتمت بخفوت
( شكرًا لك )
اعتقدت أنه سينصرف إلا أنه ظَل واقفًا مكانه ... فالتفتت إليه لتجده يتأملها وهو يرتشف مشروبه بتلك الطريقة التي بدأت تستفزها ...
فسألته بفتور
( سيد مروان , هل تحتاج لشيء؟ )
لم يرد عليها مباشرة ... بل أخذ وقته ليرتشف المزيد وقال
( لقد رأيتكِ في الشركة باكرًا ... ألم تذهبي إلى الجامعة اليوم؟ )
رفعت حاجبًا واحدًا وهي تتأفف في داخلها من تطفله , إلا أنها ردت بهدوء
( ليس لديّ محاضرات اليوم )
أومأ مروان بتفهم
( اعتقدت أنكِ تفوتين محاضراتكِ من أجل العمل ... لا نريد أن تتأثر علاماتكِ الجيدة )
ردت مريم بتهكمٍ خفي
( وهل تقرأ ملفات كل العاملين وتراجع علاماتهم في الدراسة؟ )
هز كتفيه يقول ببساطة رغم لؤم عينيها
( ليس جميعهم بالطبع ... ملفات محددة هي ما تسترعي انتباهي )
اشتعلت عينا مريم واحتد صوتها حين هتفت
( لا أعتقد أن هناك داعٍ لهذه التلميحات ... فأنا أقوم بعملي كأي موظف هنا ولا أستغل أي وساطة )
لم تتغير ملامح مروان الهادئة وهو يرد عليها بنبرة أكثر هدوءًا
( آنسة مريم ... أتمنى أن تنتهي سريعًا من تجهيز الملف الذي بيدك .. فأنا أريد مراجعته بنفسي )
ودون أن يكترث بملامحها المستنكرة تحرك من أمامها ليتوجه إلى مكتبه بخطواتٍ مسترخية ...
أما هي فظلت تحدق في ظهره بفمٍ فاغر وعينين تشتعلان غضبًا من بروده ...

*****************************

( ألن ننتهي مِن هذا الموضوع؟ .. هل ستظلين طوال الوقت تتشاجرين معي بسبب تلك التوصية ... هل أقتل كريم لترتاحي؟! )
صدح صوتها الغاضب بينما تحاول التركيز في القيادة ... لترد مريم الجالسة جوارها
( الخطأ ليس خطأ كريم بل خطأك أنتِ ... لأنني نبهتكِ يا صِبا ألا تطلبي منه تلك التوصية ...
والآن أنا مضطرة إلى تحمل سماجة ذلك اللذج مديري )
هتفت صِبا بنزق
( ولماذا تتحملين سماجته؟ ... أنا سآتي معكِ غدًا إلى العمل وأتحدث معه ... من يظن نفسه؟ )
لوحت مريم بكفيها باستنكار
( هل نحن في مدرسة بالله عليكِ؟ ...
ألا يكفيكِ أنني توظفت بتوصية والآن أحضر لهم ولي أمري ! )
نظرت لها صبا وقالت بفظاظة
( إذًا فلتصمتي وتوقفي عن الشكوى مِن مديركِ ... هل أنتِ طفلة لتتذمري من مشاكل العمل؟ ... لقد توظفتِ منذ بضعة أيامٍ فقط ! )
فجأة قاطعتها شهقة مريم التي صرخت برعب
( انتبهي يا صبا !! )
بأعجوبة نجحت في التحكم بمقود السيارة ثم ضغطت على المكابح فتوقفت على بعد خطوة واحدة من سيارة أخرى كانت على وشك الاصطدام بها ...
ظلت صِبا تنظر أمامها بعينين متستعتين وأنفاسٍ مضطربة ... تمالكت مريم أعصابها وربتت على كتف أختها بقلق
( هل أنتِ بخير؟ )
ردت صِبا بصوتٍ ذاهل دون أن تتخلص من حالة الصدمة التي تلبستها
( يا إلهي كدت أقوم بحادثٍ للمرة الثانية )
ثم التفتت إلى مريم تردف بصوتٍ بائس
( حادثتين في أسبوعٍ واحد؟! .. هذا كثير والله كثير )
وبتهورٍ فتحت باب سيارتها واندفعت ناحية سائق السيارة الأخرى ... لم تكد تهتف بما أرادت حتى انحبس الصوت في حلقها بشهقةٍ حادة ما إن تعرفت عليه ... فعضت شفتيها هامسة بولولة
( آآآه وبهذا تكون قد اكتملت ... هذا فعلًا ما كان ينقصني )
أما هو فلم تقل دهشته حين لمحها تنزل من سيارتها وتندفع نحوه ... تسمر مكانه وهو ينظر لهيئتها الغاضبة ووجهها المشتعل احمرارًا ... كانت قد وصلت إليه لتقف قبالته فحادت نظراته لشعرها الطويل الذي استقر بنعومة على كتفها في هيئة ذيل حصان ... أما عينيها فكانتا تشتعلا بزرقتهما تحت أشعة الشمس ..
ترتدي بلوزة زرقاء رقيقة تشبه لون عينيها فشكلتا معًا تناغمًا جذابًا ... ومض عقله وذكره بمشهد الشرفة بالأمس ...
وقتها لم تكن ملامحها واضحة كفاية , لكنه الآن يتأكد أنها هي ... ارتفع حاجباه بدهشة من تلك الصُدف , إلا أنه تنتحنح بخشونة يُجلي صوته ليتحدث بهدوءٍ مستفز مستغلًا صدمتها
( هل تقومين بحادث يوميًا كنوع من أنواع كسر الروتين أم ماذا؟! )
احتقن وجهها وتملكها الغيظ فألقت نظرة سريعة نحو مريم التي انزوت بجانب السيارة ... ثم التفتت إليه تصيح بفظاظة
( ألم يلفت انتباهك أن هذا هو ثاني حادث معك ... أنا أقود سيارتي يوميًا ولا يحدث شيء ... إذن فالمشكلة تكمن بك أنت )
ارتفع حاجبا أمجد بدهشة ليهتف وكأنه يخاطب مختلة عقليًا
( يا آنسة أنتِ لديكِ مشكلة في التحكم بسيارتكِ عند المنعطفات ... لقد كررتِ نفس خطأكِ الذي ارتكبتِه منذ أسبوع )
احتدم غيظها لشعورها بالإهانة , ورغم علمها بأنه محق إلا أنها رفضت الاعتراف بذلك وزمجرت بتحفز
( أنتَ يا هذا ... أنا لا أواجه أية مشاكل ...
وقيادتي رائعة جدًا بالمناسبة )
رمش بعينيه وهو يتأمل وقفتها المتحفزة وهي ترفع سبابتها في وجهه وتتحدث بتلك الجدية حتى كادت تقنعه أنه المخطئ فعلًا !! ...
لوى ثغره متهكمًا
( وهذا الحادث ماذا تسمينه؟ ... إثبات على قياتكِ المذهلة؟ )
زفرت صبا ترد بمكابرة
( أنتَ الذي تظهر أمامي بسيارتك فجأة ... هل تُعد مفاجأة لسيارات الشارع أم ماذا؟ )
ابتسم أمجد ابتسامة باردة وقال بسماجة
( يبدو أن مستواكِ في الكوميديا لا يختلف كثيرًا عن مستواكِ في القيادة )
ودون كلمة أخرى تحرك ناحية سيارته ليستقلها منطلقًا بها إلى داخل الحي ...
فغرت صِبا فمها بذهول من قصفه لها وظلت تحدق في سيارته التي ابتعدت ... ثم التفتت لمريم تقول بغيظ
( هل رأيتِ وقاحته؟ ... لَم أرَ في حياتي إنسانًا بتلك الوقاحة )
ضغطت مريم شفتيها وسألت بتوجس
( هل تعرفين هذا الشخص؟ )
لوحت صِبا بذراعها وهي تهتف حانقة
( إنه نفس الأحمق الذي اصطدم بسيارتي منذ أسبوع ... أرأيتِ حظي العاثر؟ )
تنحنحت مريم وكررت بحذر
( لقد فهمت من كلامكما أنه ليس الحادث الأول ... أنا أعني .. هل تعرفين من يكون هذا الشخص؟ )
زفرت صِبا وتحركت لتركب سيارتها ساخطة
( ومِن أين لي أن أعرفه ؟ ... هل ترين حياتي تحتمل شخصًا وقحًا وسمجًا وفظًا مثله؟ )
أغلقت مريم الباب المجاور لها وقالت وهي تحدق بقنوطٍ في الشارع الممتد أمامها
( هذا الوقح السمج الفظ هو في الواقع ... صاحب الشركة التي أعمل بها )

= ( مااااذااااا ؟!!!! )

****************************

( لآخر مرة سأقولها يا مريم ولن أكرر كلامي ... أنتِ لن تذهبي إلى تلك الشركة مجددًا ... انتهى الأمر )
هتفت بها صِبا وهي تغلق باب المنزل لترد مريم باستنكار وهي تتبعها
( هل فقدتِ عقلك يا صِبا ؟! .. تريدينني أن أترك عملي بسبب حادثكِ مع السيد أمجد؟ ... و ما ذنبي أنا؟ )
التفتت إليها صِبا لتشد شعرها صارخة بجنون
( لا تنطقي اسمه أمامي ... وأجل ... سوف تتركين العمل لديه ... هل تعتقدين أنني حمقاء لأتركك تذهبين إلى شركة يكون هو صاحبها؟ )
جاءت والدتهما تتبعها ملك و هما تتسائلان عن سبب صوتهما العالي فهتف مريم بغضب
( تعالي يا أمى وتصرفي مع ابنتكِ ... لقد عرفنا للتو أن مديري بالعمل هو نفس الشخص الذي اصطدمت صِبا بسيارته من قبل ... والآن تريدني أن أترك العمل لهذا السبب )
ضيقت صِبا عينيها لتتساءل بتركيز
( لحظة لحظة ... هل هذا الوقح هو نفسه مديرك بالعمل الذي يضايقك بشأن التوصية؟ )
برمت مريم شفتيها و هي تجيب
( لا ... إنه صديقه وكلاهما شركاء في تلك الشركة )
لوحت صبا بكفها متهكمة
( بالطبع ... من الطبيعي أن يملك هذا الوقح صديقًا بنفس سماجته )
ثم نظرت إلى مريم و هي تردف بقوة
( انسي أمر العمل تمامًا ... انتهت المناقشة )
لم تعطِها الفرصة للرد لتتحرك و هي تصعد السلم الداخلي للمنزل بخطواتٍ غاضبة ناحية غرفتها ...
جلست مريم بتعب على أحد الكراسي
وهي تضع رأسها بين كفيها ... فنظرت ملك لوالدتها ثم عادت تلتفت لأختها قائلة ببساطة
( لقد فقدت أختكِ عقلها )
رفعت مريم رأسها لتنقل نظراتها بين والدتها وملك .. وقالت بوجوم
( لقد رأيت سيارة السيد أمجد تتجه إلى داخل هذا الحي ... أتمنى أن يكون قد أتى فقط لزيارة صديق ... لأنه إذا كان ما أفكر به صحيحًا فهذا يعني أن الأيام القادمة ستكون حافلة بمزيدٍ من الشجار والصراخ ... وجنون صِبا )




انتهى الفصل

يُتبع ....


شهر'زاد. غير متواجد حالياً