عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-21, 12:07 AM   #613

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي جئت إلى قلبك لاجئة 💜

الفصل التاسع والثلاثون 💜
*********
" مامي"
هتفت بها ياسمين بنبرة ممطوطة ملؤها الشوق فيما تدلف من باب منزلهم، تسبق أبيها مهرولة نحو امها التي كانت تقف في بهو المنزل، تجاهد إعيائها وجسدها الضعيف كي لا تقع، فمنذ علمت أنها ستأتي وجاهدت وجعها كي تكون في استقبالها ولا تثير الذعر في قلب صغيرتها التي ارتمت في حضنها، تتشبث بقوة في خصرها، هامسة بشوقها بصوت مختنق باكي لتفيض دموع رقية وهي تضمها لصدرها، تكاد تخفيها داخل روحها، تقبل كل إنش في وجهها ثم تنظر لملامحها بشوق كبير قبل أن تعود لعناقها وتشم عبق رائحتها..
وقف حاتم على مقربة منهما، يكتم دمعته الأبية وفي نفسه ألف آهة وهو يتخيل عناق رقية لأحمد يوما ما، يتمنى لو لان قلب الأخير لأجل أمه، وقتها ستعود رقية لقوتها وشبابها، رقية التي فقدت شبابها تحت أنقاض وجعها، رغم أنها تكابر معاندة ألمها في كثير من الأحيان لأجل حاتم وياسمين لكن تبقى الغصة عالقة في حلقها.
سحبت رقية ابنتها وجلست على الأريكة لتعود لتقبيل وجنتها وهي تضمها تحت ذراعها قبل ان تمسح دموع ابنتها بينما الأخيرة تجفف دموع أمها، كلتاهما تزيل عن الأخرى المها ليجلس حاتم على الأريكة المقابلة يتأملهما، فهو رغم تخوفه من مجيئ ياسمين إلا أنه استحسن زيارتها لأمها خاصة لتلك الفرحة في عيني الأخيرة والممتزجة بدموعها.
همست رقية وهي تمسد وجنة ياسمين:
" كيف استطعت المجيء، أخيك ربما.."
قاطعتها ياسمين قائلة:
" لا تخافي أمي، نغم رتبت لكل شيء ولن يعرف!"
همست رقية بصوت مبحوح من الألم باسم نغم كأنها تشكرها لترد ياسمين:
" نغم أخت لي، دوما جانبي، لم تتأخر عني يوم!"
لامست رقية شعر ابنتها المجعد ثم قالت:
" وأحمد...؟!"
" أبيه، يغمرني بالحنان كأنه يعوضني سنين فراقنا يا أمي!"
قالتها ياسمين بصدق لامس قلب رقية التي شهقت وانحدرت دموعها فيما تضيف ياسمين:
" أخي يشبهك كثيرا يا أمي، كأنه عاش كل سنين عمره معك!"
آهة عالية كتمتها رقية بأناملها عندما ضمتها ياسمين قائلة:
" أمي، أخي سيعود، لن يفارقنا أبد، أثق في هذا!"
شهقات متتالية فلتت من فم رقية وهي تضم ابنتها لصدرها تطالبها بإعادة كلماتها لتتأكد أنها نطقت بها لتعيدها ياسمين على سمعها مرارا وتكرارا، أبعدتها رقية عن صدرها بلطف ونظرت لزوجها من خلف دموعها قائلة بتحشرج:
" سمعت يا حاتم، أحمد سيعود، سيعود!"
هنا لم يتحمل حاتم وانتفض من مكانه ليجلس جانبها يحاوطها بذراعه ويقبل وجنتها قائلا ( بلى يا أم أحمد، ألا ترين فرحة ياسمين بمعاملته، أحمد فتح لك بابا ولن يردك أبدا!")
★★★
هرول أحمد عبر الرواق المؤدي لدرجات السلم المؤدية للأسفل وقد كان غائبا عن كل شيء إلا صوت هالة الذي يأتيه عبر الهاتف، بنبرتها السامة حتى يكاد يشعر بلسان الحية يلدغ نغم والذي لا يدري كيف هو حالها وهي تقف أمامها، أنفاسه الصاخبة كانت تخبط في صدره بعنف بينما ينزل عبر الدرجات وقد نسى وجود المصعد في خضم خوفه بينما يرنو لمسامعه هاله تقول:
" طالما أحمد بيننا إذن يوجد لنا حديث معا!"
كلماتها كانت كصفعة لقلبه الذي ترنح لأطرافه وهو يتوقع ما قد تخبر به نغم ، ليلقي سبة وهو يهتف من بين أسنانه:
( تنتقمين مني في نغم يا عديمة الأدب!".
سحقت نغم أسنانها، تجاهد كي تقف ثابتة ولا تنهار، كلمات هالة بتلك الثقة لا تحمل سوى معنى واحد لن تخطئه أنثى بينما ترى تلك النظرة المتهكمة في عينيها والتي حملت الكثير، سحبت نغم نفس عميق وشمخت برأسها كأنها لا تهتم بما ستقوله هاله التي أردفت:
" البشمهندس، أغلق في وجهي كل سبل العمل!"
" تستحقين…!"
قالتها نغم باقتضاب ورغم لومها في نفسها لأحمد على هذا إلا أنها نطقت الكلمة بكبرياء ممزوج بعدم اكتراثها لتتجهم ملامح هالة التي احتد صوتها وهي تردف من بين أسنانها:
" ان يقطع رزقي وأظل بلا عمل، هذا ما أستحقه في نظرك !"
" أنت من اردت هذا فلو لم تقتربي من حياته لم يكن ليفعل هذا أبدا"
نطقت نغم تلك الكلمات بذات الكبرياء الذي لم يخل بنفس اللوم داخلها من أحمد وتمنت لو علمت قبل ذلك لما سمحت بهذا وربما كانت طالبته لأن لا يفعل، قطعت هالة لحظة الصمت القصيرة التي امتزجت بحنقها من نغم وهي تهتف بغيظ وقد أحست بأن أوراقها تقع ورقة تلو الأخرى:
" تدافعين عن رجل مثله!"
بحماية شديد انطلقت كلمات نغم متمنية لو خربشت تلك المرأة بأظافرها وهي تسمعها تتحدث هكذا عن أحمد :
" رجل مثله لا تقدره أمثالك!"
لصق أحمد الهاتف على أذنه، بينما يرنو له صوت نغمته المدافع عنه وتساءل هل ستكمل دفاعها لو نطقت هالة بما ستفجره بأي لحظة، هنا أطلق سبة أخرى وهو ينظر للسلالم التي لا تنتهي عندما سمع هالة تقول ساخرة:
" تثقين فيه كثيرا ولا تعلمين مع من تعيشين!"
هنا أحست نغم رغما عنها بتوتر يسري في خلايا جسدها لكنها ما لبثت أن نفضته سريعا وشدت قامتها بينما ترفع ذقنها قائلة، تضغط على الحروف:
" مثلك لن تعرفني على زوجي، لأنني أعلم جيدا من هو!"
ارتجف جسد أحمد ونبرة نغم الواثقة الممتزجة بكلمة زوجي والتي تغذي حبه لها داخله لكن ويلاه من انهيار صورته أمامها هكذا فكر وهو يسمع هالة ترد بكل ما حملته من حقد:
"هذا الرجل الذي تدافعين عنه، تلاعب بي!"
رغم الهزة التي اجتاحت نغم فور نطق هالة بتلك الكلمات إلا أنها هتفت بذات الثقة التي كما لو أنها لم تنقص إنش واحد:
" أحمد لا يفعلها، ربما أنتِ من فعلت!"
رمشت هالة لوهلة قبل أن تقترب خطوة واحدة من نغم وتنظر لها بشماته وهي تردف متهكمة:
" إسألي زوجك عن تلك القبلة التي قبلني إياها بحرارة!"
ثم تنهدت بطريقة ذات مغزى عندما لمحت اهتزاز مقلتي نغم:
" متأكدة مذاقها لا زال أثره على شفتي البشمهندس!"
كاد احمد يتعرقل في مشيته بينما يهرول في البهو بالطابق السفلي للشركة ، أحست نغم بالارض تميد بها ودوار يتلقفها بين ذراعيه بينما مرارة حلقها تكاد تشل لسانها عن النطق ونيران الألم تندلع في صدرها، ضحكة خافتة ساخرة من هالة أيقظت نغم من تلك اللحظة التي كادت تستسلم لها لتسحب نفسا عميق، تجاهد نفسها التي تؤلمها ثم قالت بنبرة حاولت ان تكون صلبة وقد كانت:
" تلك القُبلة أخبرني عنها أحمد…."
تجهمت ملامح هالة لتتحول من الشماتة للقهر ولكنها قالت تكذب نغم:
" وهل هناك رجل، يحكي لزوجته عن شيء كهذا!"
" عندما يكون هذا الرجل أحمد، نعم سيفعل!؛ لأنه صادق لا يخادع زوجته!؛ عندما تكون مجرد نزوة بلا قيمة فمن السهل أن يخبرني بهذا !.."
اشتعلت وجنتي هالة بغضب شديد تكز على أسنانها وتخبرها من بينهم أنها تكذب فلمعت عيني نغم بمكر أنثوي لم تعرفه يوما عندما قالت بنبرة ذات مغزى:
" دعيني أخبرك أنا...شيء ضعيه حلقة في أذنك!"
نظرت لها هالة بترقب وقد أحست بتلاشي طاقتها فيما تضيف نغم بنبرة ثقيلة واثقة ملؤها الوله:
"قُبلتي كالبركان، حارة!؛ حارقة!؛ مصهرة!؛ أزالت السموم من على شفتي احمد ليبقى أثرها هي فقط.."
ذراع قوية التفت حول خصر نغم بتملك، وأنفاسا عالية لفحت جانب وجهها لتلتفت لأحمد الذي أغلق هاتفه، اتسعت عيني نغم وقد أدركت ما غاب عنها!؛ أحمد كان يستمع لها عبر الجوال، ضغطت بكفها على الهاتف جانبها عندما قال أحمد لهالة بحزم ملتف بشدة وغضب لم يداريهم:
" أتيت لإثارة فضيحة …!"
زفرت هالة وقالت بتحد وهي تربع يديها على صدرها:
" جيد أنك فهمت ما أريده!"
ثم دارت بعينيها في المكان وأضافت:
" وأظن لا يوجد أفضل من هنا لفعل هذا!"
ضحكة متهكمة من أحمد الذي قال:
" وهل تظنين أنني أخاف، مثلك معروفة، والكل يدرك ما ترمي إليه لذا لن يسوئني ما ستفعلين!"
رنت هالة بنظرها في المكان حيث الأمن الخاص بالشركة والذي جاء خلف أحمد لتهتز عينيها، بينما يضيف:
" كلمة أخرى يا هالة، ستقضي ليلتك في السجن، تنامين مع اللصوص وقطاع الطرق وأعدك بأنك لن تجدي طاقة نور واحد لعمل جديد!".
أنهى كلماته والتفت عنها بينما تحدق في ذراعه التي تحاصر خصر نغم كما لو كان حزام أمان فيما هي القهر يتوغل لصدرها كنار حارقة، نظرت للأمن الذي أصبح كسد منيع بينها وبين أحمد ونغم فيما يدلفان لبهو الشركة.
شعرت نغم بطاقتها نضبت بينما تسير جانب أحمد ملتصقة فيه، غير منتبهة للعاملين في الشركة بينما ينظروا لمديرهم، يدخل يلف ذراعه حولها، ينظر لها بنظرة بدت لهم عاشقة فيما كانت ممتزجة برجاء لن يقرأه سواها، يحس برعشتها تهز كيانه، وقد أطبقت على شفتيها باحكام كأنها تمنعهما من الحديث!.
" إلغي كل مواعيدي اليوم، ولا أريد أي مقاطعة!"
كان هذا صوت أحمد بلهجته الرسمية المهيبة التي أعادت نغم من شرودها، تعي أين هي وتلمح نظرة السكرتيرة لها بينما تومأ لها باحترام وبسمة مقتضبة مقترنة بتحيتها لمعرفتها لها من خلال الصور الخاصة بزفافهما في صفحة أحمد الفيسبوكية، قابلت نغم ترحيب السكرتيرة بهزة من رأسها بينما تزداد رعشة جسدها وخجلها الذي اجتاحها رغما عنها من نظرة الفتاة الشابة تجاه ذراع أحمد الملتف حول حولها..
دلف أحمد لغرفة مكتبه وأغلق الباب خلفه لتنسحب فجأة من ذراعه كما لو كانت مياه الشاطيء تنحسر عنه، غاص قلبه وهو يراها تتقدم للداخل، توليه ظهرها التي تجاهد كي لا تظهر رعشته، فيما تزفر بعمق وتنظر حولها، تدعي عدم الاكتراث وهي تقول بنبرة حافظت على صلابتها رغم المرار الذي تسرب لها:
" مكتبك فخم بشمهندس، وأنيق!"
كز أحمد على أسنانه ، يدرك ما تحاول فعله، نغم تهرب من مواجهته! هو من عليه الهروب من المواجهة وملاقاة عينيها العاتبة لكن كل هذا تأخر، لقد خسر الشعور الحلو بلحظة زيارتها له، لم يكن له فرصة بمغازلتها والثناء على طلتها الفاتنة ببنطالها الأسود بقصته التي تشبه التنورة، تعلوه سترة بلون أحمر أسفلها بلوزة تليق عليهما مع وشاح يعلو رأسها بلون البلوزة، وقد لاق على وجهها البهي الذي رغم تلاشي حمرته الوليدة عنه إلا أنها لم تفقد رونقها، قبلت هداياه ولم يستطع ابداء فرحته بذلك، غصة تلو غصة، تخبط في قلبه، مرار يغمر روحه عندما تقدم نحوها ووقف أمامها بينما تتهرب من النظر له، أمسك ذراعيها وقال متوسلا:
" دعينا نتحدث…!"
شهقة خافتة فلتت من بين شفتيها أوجعته بينما يرى الألم في عمق عينيها ونبرتها فيما تقول بذات الصوت الصلد كذبا:
" ألن تسألني عن سبب مجيئي هنا بشمهندس!"
اهتز قلبه وهو ينظر في عينيها اللتين تغمرهما الدموع ، تسحب أنفاسا عديدة كي لا تبكي، يحس بحرقتها التي لا يعلم كيف يداويها، لم يفكر أبدا أن تعكر حياته بتلك الطريقة ، أن تطعنه في نغم التي تترنح في وقفتها رغم شموخها الزائف، هزها بلطف وقال بتوسل:
" سأعلم السبب ونتكلم كثيرا لكن علينا الحديث عما…"
تملصت من بين يديه واستدارت عنه، تمنعه من رؤية هذا الضعف في ملامحها، كي لا يرى دموعها الحبيسة وارتجافة شفتيها، تريد الهروب من هنا والبكاء بل الصراخ؛ ربما أزاحت هذا الألم في صدرها، تغار بل تغار بقوة، تتمنى لو كان حلم وانتهى، واستيقظت لترى نفسها تنعم في دفء صدره وبأن أول قبلة تنالها شفتيه ستكون حقها هي فقط كما ستكون هي له لو بات زواجهما حقيقيا…
استدار أحمد ليواجهها ليصعق من رؤية دموعها الصامتة التي انسابت على وجنتيها..
" لا تبكي...؛ أرجوك.."
قالها أحمد بلوعة ورجاء حقيقي لتهتز مقلتيها، تعي أنها لم تتحكم في مشاعرها، محطمة ومهلهلة على شفى الانهيار ولا تعلم متى تقع، هزت رأسها نافية وهي تمسح وجنتيها بتوتر وهتفت:
" أنا لا أبكي بشمهندس!'
احتضن وجهها بكفيه لتتلاقى عينيهما وهو يقول:
" لا عاش ولا كان البشمهندس حين يتسبب في بكائك يا نغم.."
هنا لم تقاوم كفها التي حطت على شفتيه تمنعه من الاسترسال في حديثه، لتحس بهما يرتجفان أسفل يدها، ونظرة عينيه تطوف على وجهها، قبضت يدها جانبها وأطرقت جفنيها عنه ، تحس بيديه اللتين تحاوطان وجهها تمنعها من السقوط..
" كنت مذبوح يا نغم!"
قالها أحمد بوجع شق قلب الأخيرة والتي نبهت كل حواسها لترفع عينيها المغرورقتين بدموعها بترقب فيما يضيف بذات النبرة الملتاعة وقد فكر بأنه لن يسألها ان تشاركه الحديث بل سيفيض لها بما يهلك قلبه ويحبسه عنه ربما وجد عندها الراحة:
" كنت وقتها رجلا مذبوح، قتل بسكين في ظهري..!"
انسابت دموعها فمسحها بكفيه قبل أن يمسك معصمها ويقودها تجاه الأريكة لتسير خلفه شبه واعية، جلست وقعد جانبها ثم زفر أحمد بلوعة وقال:
" أنا لا أبرر لنفسي خطئي لكني أخبرك أنني وقتها كنت في حالة ضعف قادتني لهوة عميقة ملؤها الظلام ولم أجد نفسي إلا عالقا في هذا السم!"
قال آخر كلماته ومسح شفتيه، يشعر بمرارة شديدة عليهما كأنها تلك اللحظة، يلعن ضعفه وغضبه الذي قاده لشيء كهذا، تأملته نغم باشفاق وألم كأنها تشاركه وجعه، أطرقت بوجهها وتلاعبت بالسوار في معصمها بينما أحمد تأمل موضع يدها وطال الصمت للحظات قبل أن تقطعه نغم بسؤال لم تستطع منعه عن شفتيها ، رفعت وجهها وقالت بنبرة خالية من الحياة:
" هل تعدى القبلة …"
اتسعت عيناه حتى كادتا تغادرا محجريهما وهتف:
" لا، أقسم لك لم يحدث ولم تتكرر بل لم أتعمد فعلها .."
قبض يده والتفت يحدق في الفراغ قبل أن يخبط بكفه في المنضدة ويقول مختنقا:
" ليت الوقت يعود ربما لم أكن لأفعلها!"
" بل كنت ستفعل بشمهندس، لأن الظروف كانت ستكون ذاتها!"
قالتها نغم بصوتها المتحشرج ليلتفت لها أحمد بملامحه الموجوعة وأردف:
" كان علي أن أكون أقوى وأواجه ألمي بدلا من الهروب منه"
" ما الذي حدث في هذا التوقيت ليقودك لامرأة كتلك!"
قالتها نغم وقد امتعضت ملامحها عند آخر كلماتها فيما تبحث عن خيط يجعلها تبعثر أوجاعها وغيرتها، أطبق أحمد على شفتيه بقوة قبل أن يحرر أنفاسه الحارة ويهمس بصوت خفيض:
" سأبدأ لك قبل عام !؛ لكن اسمعيني بهذا يا نغم!"
ودق بإصبعه السبابة موضع قلبها لتطرق برأسها تنظر حيث يشير ولم تجبه بل نظرت في عمق عينيه وهمست
( أسمعك..).
طيف ضعيف من ذكرى خطبته لسمر بدأ يلوح أمام ناظريه، ليحاول البدء من هناك، تماسك بصعوبة وهو يستند على فخذيه، يمنع نفسه من ملاقاة عيني نغم كي لا يتراجع عما سيحكيه وبدأ بسرد ما حدث منذ فسخ خطبته لسمر وحتى هذا اليوم الذي خرج فيه مع هالة، هنا رفع وجهه والتفت لها يتأمل ملامحها الشاخصة قبل أن يكمل ما دار بينه وهالة في السيارة وكوب القهوة التي سكبته على ملابسه والمتجر الذي ذهب له ليبدل ملابسه، عقدت نغم ملامحها عندما تكلم عن تلك البدلة التي اشتراها من أحد المتاجر ورغم أنه لم يذكر أي محل لكن شيء فيها ارتجف، عاقدة حاجبيها تتأمل ملامحه الغامضة التي تمنت لو سألته( تقابلنا من قبل!؟)
رمش كأنه يخبرها بصدق حدسها ليرتجف فكها بترقب ما لبث ان ذهب عندما استرسل أحمد ولم يعلق كثيرا على المتجر!؛ اختنقت وتناست كل شيء حين قص لها ما بعد ذلك، انقبض قلبها وأحست بحبل وهمي يخنق عنقها فيما أكمل كيف كسر مرآة غرفته وغيابه من عمله كي يبرأ من هذا الألم ومحاولاته كي يعيد العلاقة بينه وهالة للعمل وفقط لكن الأخيرة أصرت على تخطي الحدود وهذا ما رفضه هو وطردها دون أن يخسف بحقوقها ..
رفع رأسه ينظر لعينيها ليجد الدموع تكاثفت فيهما فهمس بصوت أبح من الوجع:
" لا تبكي يا نغم، اصفعيني، اصرخي في، قولي أنني مخطأ، أنني رجل بلا نخوة؛ دنئ، قولي ما تريدين لكن لا تبكي ولا تصمتي هكذا!".
تعلقت نغم بملامحه للحظات، ترى عينيه اللتين تحبسان دموع أبية وتمنت لو رجته أن لا يذرف دمعة واحدة، أن تسأله هل سيمر ما تشعر به الآن!؟ ولم تدر أنها بالفعل نطقت بما فكرت إلا عندما قالت:
" هل سيمر ما أشعر به الآن يا أحمد، هل سيزول المرار من قلبي..؟!'
آهة عالية فلتت من فاه وضم وجهها وقال بنبرة متحشرجة:
" نغم، لم أتمنى أن تعرفي بتلك الطريقة بل لم أتخيل ان تتهدم صورتي في عينيك وتريني بلا أخلاق !؛ أنا أرجوك أن تمسكي بيدي ونقف معا!"
احتضنت وجهه فجأة ليرتجف جسده بينما تقول من بين دموعها التي انسابت:
" ليتني أراك كما تقول، ليتني لا أثق فيك ، لكنني لا أفعل، لا زلت أراك البشمهندس أحمد رمزي ولم تتزعزع صورتك للحظة في عيني، شامخا، عاليا، بلا منازع!"
اعتصرت عينيها وأراحت يديها عن وجهه وهمست بقهر :
" لكنني موجوعة؛ أغـــار "
رمش بعينيه عدة مرات لا يصدق ما نطقت به، تلك الكلمة التي قالتها ممطوطة ملتاعة هزت بدنه ليرفع ذقنها بأنامله وتفتح عينيها بينما يهمس:
" ليس في قلبي سواك يا نغم وسأعيش عمري أكفر عن خطئي.."
دمعة عزيزة فرت من عينه لم يكلف خاطره لمسحها، تركها تسيل على وجنته ربما خففت من الألم في صدره ، كف ناعم كالبلسم مر على وجنته يمسحها برفق فيما تقول نغم وهي تنظر له:
" لا عاش ولا كان من يبكي البشمهندس أحمد رمزي!"...
تأوه بعلو ورجا لو كان لديه شجاعة لضمها ، أن يتمرغ في صدرها باحثا عن أمانه لكن خجل رهيب اجتاحه ليمنعه من أن يرتمي في حضنها، لم يستطع منع نفسه من ضم كفيها لتتلاقي عينيهما عندما قال بألم:
" كم أشعر بالعري أمامك يا نغم.."
تأملته الأخيرة لوهلة بينما تحس بضغط كفيه على يديها، ترى الألم العميق في عينيه، جاهدت ألمها وغيرتها التي تطفو على ملامحها لتقول بصوت هاديء:
" ألم تقل لي أننا سنداوي الشروخ في أرواحنا، دعنا نتدثر ببعضنا "
ارتجف فكه وهو ينظر لوجهها الذي تجاهد أن يحافظ على هدوئه رغم إحساسه بألمها ورغم تلك الدمعة التي تسيل على وجنتها في عناد لتخبره بحزنها، زفر طويلا وهمس:
" ألم أقل لك يوما بأنك قوية!؟"
هزت رأسها بنفي وهمست:
" كنت استطعت منع دمعي!"
أطبق على شفتيه لوهلة قبل أن يجيب بتحشرج:
" لا تمنعيه يا نغم وإلا أحرق داخلك، أعلم أنه حقك البكاء ولكمي في وجهي لكنني أطمع في حنان قلبك"
اغتصبت بسمة وقالت في محاولة للمرح:
" أتعلم أول مرة رأيتك فيها أردت أن أخربش وجهك!"
ضحكة خافتة فلتت من بين شفتيه قبل ان يرد في دهشة:
" لما….؟!"
" كنت جبل من الجليد يا أحمد .."
قالتها وهي تنظر في عمق عينيه ليرد متسائلا وكله ترقب:
" ولا زلت ترينني هكذا!"
"وهل يدفيء جبل الجليد البشر يا بشمهندس!؟"
قالتها وهي تسبل أجفانها بينما يرتجف قلبه في صدره ولا زال خجله منه يمنعه من عناقها فإن كانت تدعي القوة لأجل أن تحافظ على ما بناه معها فليس له الحق أن يزيد فوق أعبائها هكذا فكر بينما يراها تعود لتهربها من النظر في عينيه وتتملص من كفيه، استدار عنها هو الآخر و أطرق برأسه لوهلة يبحث عن باقي حديث في صدره عندما سمعها تقول:
" بشمهندس، دع النار تأكل بعضها ولا تدنس يديك!"
اعتدل في جلسته والتفت لها مضيق حاجبيه يتساءل عن مقصدها والذي لاح بالفعل في ذهنه لتومأ برأسها بنعم عندما لمحت فهمه لما قالت لتضيف:
" تلك المرأة اجتمعت مع من يشبهها وصدقني، لا حاجة لك بالتدخل لذا اتركها لتجد عمل ولا تقف في طريقها !"
زفر أحمد بقوة قبل أن يومأ بالموافقة، يدرك أن إمراة كهالة لا تعبأ لشيء ورغم أنه يستطيع مواجهتها لكنه أيضا لا يريد أن تستعيد نغم لقاء كهذا مرة أخرى..
دارت نغم بعينيها في الغرفة، مانعة أي حديث آخر يخص هذا الأمر الذي يؤجج الألم في صدرها، كان كطلب صامت أن يغير مسار حديثهما الذي وصل لأحمد كما لو كانت تحدثت .
" لم تخبريني عن سبب مجيئك؟!"
قالها أحمد بصوته الأجش الذي بحث عن صلابته لتلتفت نغم تدرك أخيرا أنها جاءت لأول مرة هنا، ألمته تلك النظرة في عينيها لم يكن يتمنى أن يستقبلها بتلك الطريقة، كان ليضمها لصدره طويلا، يخبرها بشوقه، ربما سرق من عينيها قبلة، وأثنى على جمالها، كلاهما خسر لحظة لن تتكرر، صوت نغم أخرجه من شروده بينما تقول بتلعثم:
" ياسمين…"
هتف بلهفة:
"ما بها!"
ربتت على كفه بتلقائية وهمست بحنو:
" لا تخف، هي بخير، أتراني كنت سأتي إليك الآن!"
نظر لكفها الناعمة التي ترتاح على كفه الموضوعة على فخذه ثم رنا بعينيه لها بترقب لتقول بذات النبرة المتلعثمة:
" ياسمين ذهبت لزيارة أمها.."
هنا سحب أحمد يده واستقام من مكانه، شبك يديه خلف ظهره وسار تجاه النافذة الزجاجية، تابعته نغم لوهلة قبل أن تقوم من مكانها؛ تسير نحوه وعينيها مثبتة على ظهره المتشنج، بسطت كفها على كتفه وقالت:
" ياسمين لها الحق برؤية أمها ورغم ذلك لم تحاول، لأجل أن لا تخسر قربها منك يا أحمد!"
إلتفت لها الأخير ليقول:
" هي من طلبتها!"
أطرقت نغم برأسها وقد فهمت أنه يقصد أمه قبل أن تنظر له قائلة:
" لا، هي متفهمة جيدا ولم تفعل!"
" إذن كان هذا سبب اتصال هذا الرجل البارحة!"
قالها أحمد يجاهد نفسه التي تتقلب على جمر، جزء منه يلين لأجل تلك المرأة وجزء يصرخ بلا، قاطعت نغم سهوه قائلة:
" لا لم يطلب، لكن كان على ياسمين أن تذهب حتى لو لم يفعلا، لذا قررت المجيئ لك وأخبرتها أنني سأتأخر معك حتى تنتهي من زيارتها!"
( كنت تستطيعين فعل ذلك ولا تخبرينني)
قالها أحمد بينما ينظر في عمق عينيها لترد عليه:
" لم أكن لأكذب عليك أبدا!"
كلماتها الصادقة هزت كيانه قبل أن تضيف:
" حتى ياسمين لم تكن لتكذب ولا تجعلها تفعل، لأنك إن انتبهت لخروجها، ستضطر للكذب عليك وهي لا زالت تحمل هم كذبها بشأن عودتها لمصر دون أهلها!"
مسد أحمد لحيته بتوتر قبل ان يلتفت عنها كي لا ترى هذا السؤال الذي يعانده ويظهر في عينيه( هل أمها بخير، أم مريضة!)
داخله يغلي، يفور ويصرخ عندما أحس بها تتحرك لتقف امامه لتستند على الزجاج فيما لم يعد يفصلهما سوى انشات، تأملها بعينين حانيتين محبتين، عندما رفعت وجهها له وقالت بنبرة جاهدت ان تكون قوية غير مهزوزة:
" أحمد، سامحها لو مهما كان بينكما!"
ارتجف جانب فكه وكاد يستدير لولا أن لحقت وأمسكت ذراعيه بكفيها الصغيرتين ليتجمد مكانه فيما تضيف:
" تذكر أنها أمك وبأنها مهما حدث تظل عالق في جدران روحها"
بسمة ساخرة لاحت على جانب شفتيه وهو يتذكر اللقاء الكارثي بينها وأبيه وتنازلها عنه لكن نغم لم تكترث لتكمل:
" أحمد، لو كانت أخطأت فتذكر أن لا أحد منا بلا خطيئة!"
أحست بجسده يهتز وقد اوجعها الألم في عمق عينيه لكنها جاهدت هذا وهمست:
" لكن من حاول التكفير عنها فالله تواب رحيم، ما بالنا نحن العباد نغلق قلوبنا في وجه أحبابنا "
( نغم، يكفي)
قالها بصوت متحشرج ، يشعر أنها تضغط على أوجاعه لكنها تابعت:
" أخاف أن تمر الأيام وتندم يا أحمد، لقد آن الأوان لتستعيد عائلتك!"
سحب ذراعيه منها والتفت يهمس بصوت عميق ملؤه الألم:
" عائلتي تخلت عني، أنا لم أفعل!"
كادت تنطق لكنه أضاف بحزم وهو يستدير لها:
" انتهى هذا الحديث لهنا!"
أطرقت بوجهها بحزن خفق له قلبه، كيف يؤذيها وهي الحبيبة التي تستطيع الطرق على أبواب قلبه المغلقة، كيف يخبرها بأن أمرا كهذا لم يكن لأحد المقدرة على الحديث فيه سواها وبأنه لأول مرة منذ سنين يسمع بقلبه!..
نفض كل هذا عنه ورفع ذقنها بأنامله ليقول ببسمة شاحبة :
" ما رأيك في غداء فاخر في أحد المطاعم!؟"
" موافقة….!"
همست بخفوت ليرد بصوت أجش بينما يطوف بعينيها على كل جسدها:
" تبدين فاتنة!"
ابتلعت ريقها تكاد تطرق بوجهها لولا أنامله أسفل ذقنها حين أضاف بعد نظرة مطولة على ملابسها:
" كما تخيلته تماما عليك، شكرا لقبولك هديتي!"
يتبع 💜💜


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس