عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-21, 10:53 PM   #238

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 723
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كانت تريح رأسها لظهر السرير المعدني وهي تحارب النعاس بشتى الطرق لينسج الخيوط حول عقلها ويسحبها لأحلامها بغفوتها المسائية والتي قيدتها بشباكها الفتاكة لتعيدها لتلك الهوة السوداء السحيقة والتي لم تكد تتخلص منها بأحلامها ، لتسمع بعدها لهاث انفاسها المتسارع ونبضات قلبها التي تكاد تنخر اذنيها بألم موجع وهي محصورة بزاوية بعيدة بجانب الاريكة الباردة وبعيدا عن كل الاعين المسترقة والمتسللة بالمكان ، كانت حينها تتكور بجلستها وهي تنظر بعينيها الدامعتين للأقدام الثقيلة المتحركة بالمكان بأصوات مثل قرع الطبول برأسها ويديها تحجبان اذنيها عن سماع اي صوت من الممكن ان يتسرب لمجرى سمعها ، وهي تنشج بمكانها بدموع صامتة كتمتها بداخل روحها هزت كيانها وعصرت قلبها الصغير بقبضة من حديد وكل شيء بداخلها ينتفض بعنف بحالة لا تنتابها سوى عندما تصل لموضع الخطر من تجربة فقدان احدهم بحياتها الباردة ، لتنتفض مجددا بطريقة مختلفة هزت جسدها بأكمله بارتعاش وهي تسمع صوت خطوات تستطيع تمييز وقعها على الأرض يتبعها الصوت الخافت برنة الحزن المتخلل بها
"ماسة اين انتِ ؟ ماسة اين انتِ يا صغيرة ؟"

بقيت على سكونها عدة لحظات قبل ان تصل الخطوات عند موضع جلوسها بثواني ، لترفع بعدها عينيها الدامعتين بهلع ما ان ركعت الاخرى على ركبتيها وهي تتنفس الصعداء هامسة براحة
"حمد الله انتِ بخير ، لقد اخفتني عليكِ بشدة يا ماسة !"

اخفضت يديها عن اذنيها ببطء لوهلة قبل ان ترتمي بأحضان شقيقتها باندفاع وهي تكمل بكاءها الصامت بنشيج متقطع اقتحم صدرها وهز كليهما معا ، لتهمس بخفوت مرتجف بأنفاس قصيرة طغى عليها رهاب الخوف
"لقد ماتت امي يا روميساء ، فقد رأيتهم وهم يحضرون جثة امي للمنزل ، وجاء عمي قيس ومعه مجموعة اناس غرباء"

مسحت على رأسها بكفها بحنان وهي تمسح بكفها الآخر دموعها التي سالت على وجنتيها هامسة بعتاب رقيق
"اخبرتكِ ان تبقي بغرفتك ولا تخرجي منها حتى اعود من المدرسة ! ولكنكِ عصيت أوامري وخرجتي منها كالعادة"

تمسكت بزي المدرسة الخاص بشقيقتها بتشبث وهي تهمس بنحيب زاد من ارتجاف جسدها الصغير
"ولكنك تأخرتِ كثيرا ، وقد وعدتني بعدم التأخر ، لقد ظننت بأنكِ قد رحلتِ مع امي !"

زادت من تطويق جسدها لتحصر انتفاضاته وهي تمتصها بجسدها والذي يتلقف دائما انفعالاتها وهي تهمس فوق رأسها بمحبة متجاهلة الخوف الذي زرعته كذلك بقلبها
"لا تقلقي يا صغيرتي الباكية ، انا ما ازال بجوارك للآن ، ولن اتخلى عنكِ بهذه البساطة التي تظنين ، فأنتِ وانا سنبقى دائما معا ولن يفصلنا عن بعضنا سوى الموت"

اراحت رأسها على صدرها ببعض الطمأنينة الخالصة والتي دائما ما تزرعها وتدخلها بقلبها بدفء وجودها بحياتها حتى اصبحت مقيدة بها برباط خفي لا يشعر به ولا يراه سوى من صنعه بينهما ، لتربت بعدها على رأسها وهي تهمس لها بتهويدة ناعمة بثت الراحة لكليهما لتفصلهما عن كل الاحزان التي تدور من حولهما
"اللهم ابعد الحزن والشقاء عن صغيرتي ، اللهم ابعد الوجع والألم عن طريق حياتنا ، اللهم احفظنا برعايتك الواسعة ، فنحن لا احد لنا سواك"

كان كلامها مثل المسكن لروحها والمرهم لجروحها وهي تلفها بخيوط من نور ربطت بين قلبيهما بهالة دافئة واطفئت انتفاضات خفقات جسدها وهي تبدل الطنين بأذنيها لصوت ضربات القلب بداخل صاحبة الجسد التي تحتويها وهي تخترق سمعها بنغمة تعايشت وتربت معها ، فلا احد يعلم بقيمة (روميساء) بحياتها والتي لم تكن يوما شقيقتها وحسب بل كانت الروح التي ولدت وانفصلت عنها بنفس الرحم لتسبقها بولادتها بخمس سنوات وهو ما يفصل بين سنوات حياتهما وما صنع الرباط الاخوي المتين بينهما بدون ان يكون هناك دخيل بعلاقتهما التي نشبت منذ الطفولة واستقرت لتأخذ مكان الوالدين ومكان افراد العائلة والتي تمثلت بهما وحدهما .

عصرت جفنيها فوق احداقها بقوة وشباك عقلها تعود لمرحلة تاريخية اخرى قبل سنوات مضت وما تلى احداث ومعاناة من وفاة والدتهما ، وهي ما تزال تتجرع الألم والشقاء والذي تضاعف على موت والدتها لتكون سلسلة جديدة من ذل وتجريح انهك كيانها ، وهي تسمع صراخ وتوبيخ من والدة طالبة بالمدرسة قامت بتشويه معالم وجهها بعد الإهانة التي تلقتها منها لتدخل معها بعراك حامي ، وصوت تلك المرأة الواقفة امامها تشدد على يد ابنتها كان يخترق شرود ذهنها بكلمات شرسة تكاد تنقض عليها
"يا متوحشة كيف تتجرأين على فعل هذا بابنتي ؟ ألم يعلمك احد الأدب بالتصرف مع زملائك ! هذا ليس تصرف فتاة طبيعية بل فتاة مجنونة فاقدة الأهلية ! واجزم بأنكِ لم تتلقي اي تربية سليمة بحياتك تعلمك التمييز بين الصواب والخطأ ! ولكني لن اصمت عن فعلتك هذه ! لن اصمت !"

ابتسمت الطفلة التي لم تتجاوز عمر الثانية عشرة وهي تستمع لكلام المرأة التي فقدت اعصابها على ابنتها التي اخذت منها نفس الوحشية والدناءة ، وهي تستقبل كلامها المهين والجارح بآذان مرهفة اعتادت على سماع شتى انواع الألفاظ من جميع امهات الطلاب بفصلها واللواتي لم يروق لهن تعاملها الشرس مع بناتهن حتى اصبحت الكائن المكروه والمنفر بالنسبة لهن ولبناتهن ، وهذه المرأة لا تختلف عنهن سوى بدفاعها الضاري عن ابنتها وهي تتابع صراخها الغاضب بوجهها باشمئزاز واستنكار بآن واحد
"اريد ان ارى والديّ هذه الفتاة حالاً لأخبرهم عن تربيتهم العاطلة لها والتي تشرف الدفن عليها ، فأنا لن اصمت قبل ان احضر جميع من يتولى مسؤولية هذه المتوحشة والتي كادت تصيب ابنتي بعاهة مستديمة ، فهذه الفتاة إذا لم تحول للحالات النفسية ولم تحل مشكلتها فقد تتكاثر وتصيب اطفال آخرين بالعدوة ! وكله بسبب إهمال واستهتار من والديها واللذان لم يعرفا كيفية تربية هذه الجرثومة !"

تجمدت ملامحها الباردة وهي تكور شفتيها الصغيرتين بشبه ابتسامة ساخرة على ذكر امر والديها واللذان لم يعد لهما وجود بحياتها ، ولكنها قد صدقت بجملة واحدة بأنهما لم يعرفا كيفية تربيتها لأنهما بالواقع لم يكن لهما وجود بجزء من مراحل تربيتها والتي تولت الحياة هذه المهمة ، ليقصف بعدها صوت المديرة التي كانت تجلس على المكتب المقابل لهم بغرفة الإدارة وهي تقول بكل عملية ما تزال تحافظ عليها
"ارجوكِ ان تسامحينا يا سيدة سعاد على الذي حدث لابنتك ، واتمنى ان نتغاضى عن كل الذي حصل فهو مجرد عراك اطفال ويحدث كل يوم بالمدرسة ، لذا ارجو منكِ ان تغفري لنا زلتنا هذه ونعدك بالانتباه على ابنتك بشكل اكثر حرصا وعدم الغفلة عنها ، وسنتأكد بالمرات القادمة من عدم تكرار هذا بين الطلاب مرة اخرى"

ولكن تلك المرأة زادت من شراستها بدون ان ترضخ للاستسلام وهي تهز ابنتها بجانبها وبيدها الاخرى كانت تشير بها على الفتاة امامها صارخة بعنف
"كيف تريدين مني ان اتغاضى عن فعلتها بعد ان شوهت ملامح الفتاة ؟ هل هي حقا فتاة طبيعية حتى تفعل مثل هذا التصرف ! انا لن اتراجع عن حق ابنتي المسلوب حتى تركع هذه الفتاة امامي وتعتذر من ابنتي امام الجميع ، وغير هذا لن اقبل بأي حلول تداري بها جروح وكرامة ابنتي المسكينة التي كانت ضحية بين يدي هذه المجنونة"

رفعت الطفلة رأسها باتجاه المديرة التي وجهت الكلام لها وهي تقول بأمر جاد
"هيا يا ماسة اعتذري من زميلتك ووالدتها"

ادارت رأسها باتجاه المعنية بكلامها قبل ان ترفعه بإيباء وهي تهمس بقوة نافرة تفوق سنها وكأنها تبصق الكلام بوجهيهما
"لن اعتذر على خطأ لم ارتكبه ، وابنتكِ التي تدعي البراءة هي التي عليها الاعتذار مني على إهانتي امام كل الفصل"

صدرت شهقة من الأم الشرسة وهي تزيد بكلامها من لهيب جنونها لتندفع تلقائيا بلحظات وهي ترفع كفها عاليا صارخة بكل قهر
"يا قليلة التربية......"

اخفضت وجهها الصغير لا شعوريا وهي تسمع صوت الصفعة تصيب شخص آخر غيرها بدون ان تلمسها ، لترفع وجهها برجفة خاطفة وهي تحدق باتساع مقلتيها الزرقاوين للتي وقفت امامها بذات اللحظة والتي وقع بها الكف على وجهها ليطبع بعلامة على وجنتها اليمنى من قوة الصفعة التي كادت تصيبها ، لتبتلع بعدها ريقها بلهاث طفيف هامسة بأحرف متقطعة باسم واحد
"روميساء !"

انتفضت المرأة الثائرة وهي تتراجع بارتجاف طغى على كفها والتي انزلتها برهبة حلت على الجميع ، ليقطع الصمت صوت المديرة مجددا التي تأهبت واقفة وهي تصرخ بتوبيخ قاسي خرجت عن صورتها الرزينة
"انا لا اسمح بحدوث مثل هذه التصرفات بمكتبي ، لذا اعتذر على هذا يا سيدة سعاد ولكن هذه المشاكل الشخصية بين ابنتكِ وبين الفتاة تحل بينهما وبالتراضي وليس بالصفع على الملأ ! فأنتِ ليس لديكِ اي حق بالتصرف من تلقاء نفسكِ وامام الإدارة والتي تهتم بسير كل شيء بالنظام وبالعدل مع الجميع ، وحق ابنتكِ سيأخذ بالطريقة الصحيحة وبدون اي مشاكل"

كانت المرأة على وشك قول شيء بعد ان استعادة ضراوتها لولا التي سبقتها بالكلام وهي تندفع امامها مخفضة رأسها بذل لتهمس من فورها برجاء حزين
"ارجوكِ يا سيدتي ان تغفري فعلة شقيقتي ماسة هذه المرة ، فهي لم تقصد ان تؤذي او تصيب ابنتكِ بمكروه ، وانا اعتذر بالنيابة عني وعنها على كل ما سببته لابنتكِ ، ارجوكِ ان تسامحيها يا سيدتي ونعدك بأنها لن تكررها ، ارجوكِ"

قبضت على يديها الصغيرتين بجانب جسدها بقوة وهي تنظر بدموع خائنة برزت على اطراف مقلتيها الثائرتين من الذل والهوان والذي تعرضه لشقيقتها لتتوسل السماح من الآخرين ، ليعود صوت المديرة ليعلو فوق اصواتهم وهي تقول بحزم حاد
"روميساء خذي شقيقتكِ ماسة وغادريها للمنزل ، وغدا صباحا اريد ان اراكما امامي بمكتب الإدارة ، هل هذا مفهوم ؟"

اجابت التي كانت تحني رأسها وهي تهمس بتهذيب وطاعة
"حاضر يا ايتها المديرة ، وشكرا لكِ على تفهمك"

وكان هذا آخر كلام يدور بينهم قبل ان تخرجا من المدرسة بأكملها بطريق العودة للمنزل ، كانت تمسك بيد شقيقتها الكبرى وهي تحدق بالصفعة الدموية التي ما تزال تزين خدها الايمن مثل علامة لا تزول ، لتعبس ملامحها بلحظة وهي تنفض يدها بعيدا عنها بعنف دفع كليهما للتوقف بمنتصف الطريق ، لتلتفت (روميساء) للخلف بدهشة وهي تراقب التي اخفضت نظراتها لتهمس بارتجاف منفعل ببؤس
"لما فعلتِ هذا ؟ من الذي اعطاكِ الحق بالتدخل بتلك اللحظة ؟ كم مرة اخبرتكِ ان تبقي بعيدة عن مشاكلي لكي لا يصلك الاذى ! فأنا استطيع تدبر امري وحدي بدون تدخلك"

تنهدت بهدوء وهي تنظر بعيدا عنها هامسة بشرود
"وكيف يمكنكِ تدبر امرك ؟ لقد كنتِ على وشك ان تفصلي من المدرسة بسبب تهورك والتطاول على الاكبر منكِ سنا !"

رفعت قبضتها الصغيرة وهي تلوح بها صارخة باستنكار
"لم ارتكب اي خطأ ولم احاول التطاول على احد ! كل الذي فعلته بأني دافعت عن نفسي امام تلك الحيوانات الهجينة ، هل اصبح الدفاع عن النفس جريمة ؟ هل تظنين بأني سأصمت عن حقي كما تفعلين انتِ واطلب السماح من كل من يقلل من قيمتي ؟....."

استدارت نحوها فجأة وهي ترفع اصبعها امام شفتيها هامسة بأمر قاسي
"اخرسي يا ماسة"

صمتت بالفعل كما تأمرها دائما والوحيدة التي تستطيع الصمت امامها بدون ان تأخذ حقها منها ، لتتنفس بعدها بتعب وهي تنحني امامها لتصل لطولها قبل ان تمسك بكتفيها ببعض الهدوء الذي ما تزال تتحلى به مع كل هموم الحياة الملقاة على كاهلها ، لتهمس بلحظات بابتسامة شاحبة ببعض الرقة
"كل الذي افعله يا عزيزتي من اجل مصلحتك ومستقبلكِ بالحياة ، فماذا سيفيد فصلكِ من المدرسة وجعل نفسكِ طعم امام الناس ؟ نحن علينا بالتأقلم بهذا العالم بقدر ما نستطيع ومحاولة التعايش مع هذا المجتمع الجديد ، لنستطيع ان نبني حياة لنا وحدنا بالمستقبل ولكي نقدر بالنهاية على التحرر من عبودية قيس ، لذا علينا بالتحمل والصبر وارضاء كل البشر الكارهين لنا حتى نصل للاستقلالية ، هل تستطيعين فعل هذا من اجلي ؟"

تنفست بنشيج وهي تخفض عينيها بدموع حبيسة هامسة بعبوس مستاء
"ولكني لا اريدكِ ان تتلقي الألم عني بعد الآن ، لن اتحمل ان اراكِ تتألمين بسبيل ارضاء البشر الكارهين لي ، لا اريد ان اكون ثقل وحمل عليكِ ، اريد فقط ان ينصفنا العالم يوما ! لما لا احد يحبنا ؟"

غيم الحزن عليهما لثواني قبل ان تسمع الهمس الخافت بنفس الكلمة الشهيرة والتي تستخدمها بكل المواقف
"لا تقلقي يا ماسة ، كل شيء سيكون بخير"

رفعت عينيها الواسعتين ببركتي الدموع وهي تنظر للوجه الباسم تزين خدها العلامة الحمراء والتي تحولت لبريق وردي باهت وكأنه لا هموم تحملها بداخلها ببسمة طفيفة مملوءة بالتفاؤل المعدوم بحياتهما فقط تتصنع الابتسام ، ولم تتحمل بعدها الغصة التي تحررت بروحها وهي تسكب دموعها السابحة على وجنتيها مثل خيوط امتلأت بالكثير من الغل والحزن والثورة والكثير تشابك وتداخل معها حتى انهارت باكية بنواح عالي شبيه ببكاء الأطفال ، لتشعر بعدها بثواني بالذراعين تحاوطان جسدها الصغير لتربت على احزانها وتطيب على جروحها بدون ان تبالي كليهما بالمكان وبالوقت الزمني الذي سجل بذكرياتهما للأبد .

فتحت عينيها بإنهاك وهي تفيق من هوة ذكرياتها السحيقة والتي تأخذها إليها بكل مرة ، لتميل برأسها جانبا وهي تتأمل النائمة على السرير المجاور لها بسكون تام وبراحة طافت على ملامحها الهادئة ، لا يقطع الصمت السائد بالمكان سوى صوت جهاز دقات القلب المنتظمة وحركات عجلات الاسطوانة المتصلة بها للآن .

نهضت بعدها عن السرير والذي وضعوه لها بطلب منها بنفس غرفة شقيقتها لتبقى بجوارها ما ان احتاجتها ، ولكنها لم تتوقع ان يغلبها الارهاق والنعاس وتذهب بغفوة مع ذكرياتها البائسة والتي تزورها بأسوء اللحظات وكأنها تتقصد ربط الذكريات مع مجريات الأحداث بعقلها الباطن !

سارت عدة خطوات باتجاه النائمة على السرير بدون حراك لتميل بلحظة بجذعها وهي تقرب اذنها من وجهها لتتأكد من انتظام تنفسها بخوف خفي ما يزال يسكنها ، لتزفر عندها انفاسها براحة وهي تستقيم لوهلة قبل ان تهبط ارضا بلحظات بخمول سيطر عليها لتجلس بجانب سريرها بتعب ارخى مفاصلها ، اسندت بعدها جانب رأسها على السرير وهي تحاول امساك الكف المتصلة بأنبوب المغذي لتشعر بنبضات معصمها مثل اكسير الحياة والتي تمدها بها منذ طفولتها لهذه اللحظة ، وهي ما تزال تعيش على نبضات قلبها التي كانت تسمعها بأذنيها بكل عناق يحدث بينهما بدون ان تتخلى عن دفء الشعور بها ، وهمسات متقطعة افلتت من بين شفتيها المرتجفتين بأنين حزين معيدة نفس مقولة شقيقتها
"كل شيء سيكون بخير ، انا اعدك"

_______________________________
دخل للمنزل بخطوات ثابتة وبقلب مثقل محمل بالهموم وعقل يتأرجح على لهب مشاعره الحبيسة منذ الصباح الباكر وكأنه بقارورة انغلق بها على نفسه بسلاسل حديدية قيدت عواطفه المدفونة التي كانت تعصف بذهنه على مدار ساعات طوال...وبدون ان يشعر احد بما يعانيه حالياً والتي فاقت معاناة فقدان اول طفل له ما يزال جنين برحم والدته لم يرى شيء من الحياة بعد...فهل هذا هو قدرهما من الحياة تجرع الألم بمجريات علاقتهما والتي لم تكد تنتهي بفرحة وجود طفل بينهما وثمرة حبهما لتعود لنقطة البداية من جديد ؟!

تنهد بتعب وهو يقف امام السلالم للحظات قصيرة وهو يفكر بالطريقة التي وقعت بها على بداية درجات السلم ! وكيف كان حالها بتلك اللحظات التي سبقت فقدانها للوعي ؟ وكم ارهقه التفكير بتلك المعضلة وخياله المرهف والذي رسم كل الصور برأسه لتكون وقعها اكبر على قلبه ومؤلمة اكثر من مشاهدتها حقيقة متجسدة امامه !

اكمل طريقه بصعود السلم ومع كل خطوة كان يزيد من ضربات قلبه المرهق مع كل ما شهده اليوم لتتشبث قبضته لا إراديا بحاجز السلم البارد باستماته لآخر رمق ، وما ان انتهى من مهمة صعود السلم حتى انتقل للمهمة التالية وهي التوجه لغرفة كبير العائلة ، وصل بعدها بدقائق امام غرفة والده وهو يطرق على الباب عدة طرقات بأدب قائلا بخفوت متزن
"ابي هل ما تزال مستيقظ ؟ ام اعود لاحقاً !"

تباطأت الطرقات على الباب حتى انضبت تماما وهو يصلب قبضته امام سطح الباب للحظات قبل ان يخفضها بعيدا ، ليزفر بعدها انفاسه بتعب اكبر كان يجثم فوق صدره مثل صخرة مدببة اثقلت على حياته ، ليقول مجددا بخفوت خاوي وهو يستدير بعيدا
"حسنا تصبح على خير يا ابي"

وصل بخطواته الثابتة للمسار المؤدي للغرف الخاصة لكل من زوجاته ، ليدخل بعدها عند اول جناح بالممر وهو يدلف بخطوات جامدة سرعان ما خابت ما ان لمح الكائن الجالس بسكون بمنتصف بهو الجناح المظلم ، ارتفع حاجبيه تدريجيا بدهشة لحظية وهو يحاول استيعاب صدمة وجودها بالمكان على عقله المشتت قبل ان يتبعها بالهمس بجمود باهت تراخت معه ملامحه المشدودة
"لما ما تزالين مستيقظة يا سلوى ؟ وماذا تفعلين خارج غرفتك ؟"

نهضت واقفة عن الاريكة بهدوء مريب قبل ان تسير نحوه بخطوات متأنية بتهادي واضح ، وما ان اصبحت مقابلة له على بعد خطوة حتى ارتمت على صدره بلحظة وهي تعانق خصره بذراعيها بقوة سمرته بمكانه لوهلة ، لتهمس بعدها بخفوت ساكن وكأنها تستعد لتلقي الخبر الاسوء ببرودة اعصاب
"لقد خفت كثيرا ، انا سعيدة بعودتك"

تجمدت عضلة فكه وهو يحاول تلقي الصدمة الجديدة بحياته والتي اصبحت عبارة عن سلسلة آلام لا تنتهي ، ليمسك بعدها بكتفيها برفق وهو يهمس بخشونة خافتة
"لما الخوف الآن يا سلوى ؟ ليست اول مرة اتأخر فيها بالعودة للمنزل !"

شددت من تطويق خصره بذراعيها وهي تغوص وجهها بصدره الصلب هامسة بين منحنيات عضلاته بدلال ناعم
"ولكنني خفت كثيرا من ان تكون قد رحلت وتركتني بعد ان ضقت ذرعا مني ، فقد كنت تلمح لي كثيرا بالآونة الاخيرة بأنك ستتخلى عني وستحاول التخلص مني بأقرب فرصة تحصل عليها !"

تنفس بجمود وهو يهمس باستنكار عابس
"ما هذا الهراء الذي تتفوهين به يا سلوى ؟ هل من كل عقلك تتكلمين عن هذا بعد كل ما حدث اليوم ؟ ألم تكوني متواجدة بالصباح عندما !....."

تراجع عن الكلام ما ان وصل للنقطة المهمة والتي دمرت وحسمت حياته اليوم بانتهاء فرحته الوليدة مؤخرا ، ليفيق من افكاره على صوت التي قالت بخفوت مريب بدون ان تنظر له
"وما هو الذي حدث اليوم ؟ كل ما اعرفه بأن زوجتك الجميلة قد نقلت للمشفى بالصباح بسبب إهمال واستهتار كبير منها بدون ان تقدر المسؤولية التي تحملها على عاتقها !....."

انتصب بعيدا عنها وهو يقول بجمود نافذ تسرب بعضلات جسده بلحظة
"انتِ ايضا يا سلوى ! لما لا يقدر احد المعاناة التي نمر بها الآن ؟ هل جميعكم تحملون كل هذه القسوة بقلوبكم ؟"

عضت على طرف شفتيها بتأنيب من كلامها الذي لم يكن يجدر ان يخرج منها الآن ، لتعود من فورها لترسم الحزن على محياها وهي تربت على ذراعه هامسة بالسؤال البديهي والذي خطر على بالها بلحظة
"كيف حالها الآن ؟ هل هي بخير ؟"

نظر لها للحظات بجمود صامت عبر عن الصراع الذي يسكن بدواخله وكل شيء كان يود قوله ، ليشيح بعدها بوجهه جانبا بهدوء وهو يتمتم بخواء بارد
"لقد نجت من مرحلة الخطر واصبحت حالتها مستقرة الآن"

اومأت برأسها بتفهم ساخر وهي مستمرة بالمسح على ذراعه لتهمس باستياء رغم معرفتها بالجواب مسبقا
"وماذا عن الطفل ؟"

عصفت ملامحه بكل انواع المشاعر المحجوزة بداخله ليمسد على جبينه بدوار مفاجئ وهو يستدير بعيدا عنها هامسا بصوت منهك خائر القوى
"يكفي كلام عن هذا الموضوع يا سلوى ، فأنا احتاج للراحة الماسة الآن وليس لدي الوقت او القوة لخوض اي نقاش معكِ"

امسكت بذراعه بسرعة وهي تهمس بابتسامة متملقة
"يبدو عليك التعب والارهاق يا احمد ، تعال واجلس قليلا واعدك لن ازعجك بالكلام ابدا"

وقبل ان يبدي اي اعتراض سحبته بسرعة من ذراعه باتجاه الاريكة بقوة بدون اي انتظار ، ليجلس من فوره على الاريكة بإنهاك استبد به وهو يريح رأسه على المسند من خلفه وكفه فوق عينيه بارتخاء تام ، بينما جلست الاخرى بجواره وهي ترفع كفها ببطء لتمسح بأصابعها على طول ذراعه بنعومة هامسة بحزن اتقنت تقمصه
"لم تخبرني بعد عن حال الطفل يا احمد ! هل اصابه مكروه ؟ هل هو بخير ؟"

تصلبت اطراف جسده برعشة خاطفة وهو يعصر عينيه بأصابعه بألم مبرح لا يريد ان يفارقه ، ليهمس بلحظة بنبرة خاوية تجردت منها كل معالم الحياة
"لقد رحل الطفل"

ارتسم الحزن والأسى على محياها بمهارة وهي تشدد بلمسات اصابعها على قماش سترته قبل ان تهمس بذهول مستنكر تلون بصوتها بلحظات
"هل هذا يعني بأن روميساء قد اجهضت الطفل ؟ مستحيل كيف من الممكن ان يحدث كل هذا بغمضة عين ! لقد كانت بالصباح بأفضل حال ولا تعاني من شيء ! كيف وصلت لهذه الحال ؟......"

قاطعها فجأة وهو يميل بجسده للأمام ليريح كفيه فوق ركبتيه هامسا بقهر شديد تحشرج بصوته
"انا السبب بكل معاناة تمر بها الآن ، لو كنت معها بتلك اللحظات ! فقط لو رضخت لطلبها وقضيت اليوم برفقتها ولم اتركها لذلك القدر والذي سرق منا طفلنا الأول والذي رزقنا به بعد تعب وشقاء خاض به كلينا ! ولكن كل شيء قد انتهى قبل ان نشعر به ونتنغم بسعادته والتي لم تقدر لنا !"

قبضت على يديها فجأة والجمود يكتسح محياها بدون اي شعور ، لتعود لترخي مفاصلها بثواني وهي تطوق هذه المرة ذراعه واصابعها ما تزال تدلك على ذراعه صعودا لكتفه بلمسات ناعمة ، لتقرب بعدها وجهها من جانب اذنه وهي تهمس بخفوت مغري بمواساة
"اهدئ يا عزيزي ، فهذا الذي تفعله بنفسك لن يفيدك بشيء سوى زيادة التعب الجسدي والمعنوي عليك ، وانت تبدو لي مرهق جدا وتحتاج للراحة التامة ، واراهن بأنك لم تأخذ قسط من الراحة منذ الصباح ! لذا دعني ازيح عنك هذا الألم واريحك من كل هذه الهموم والاحزان والتي تكتلت بروحك وقلبك ، وانا اعدك بأنك معي لن تشعر بأي معاناة بحياتك"

حرك رأسه بشرود متعب وكأنه لم يسمعها وهو يهمهم مع نفسه بكلمات مبهمة بحزن عميق يأبى ان يتركه ، لتستغل فرصة غيابه عن عالمه الحاضر وهي تتمادى بحركات يديها واللتين وصلتا لياقة قميصه بنعومة طوقت مشاعره الحبيسة واصابعها تتلاعب بأزرار القميص هامسة بشفتيها بابتسامة منتشيه بإغراء
"سلمني نفسك يا احمد ، وانا اؤكد لك بأني سأحررك من حزنك ومن تأنيب ضميرك بثواني ، فقط اعطني من وقتك القليل لأضمد على جراحك وامسح على آلامك"

عندما لم يصدر اي ردة فعل تمردت على صمته وهي تلصق نفسها بصدره لتطبع قبلاتها على جانب وجهه وهي تنزل بها على عنقه بسلاسة وبمحاولة ضعيفة لدمجه بعالمها واختراق حزنه بشغف وقوة قبلاتها ، لتشعر بلحظات بتصلب جسده المشدود والذي افاق من الخمول وهو يرفع رأسه بانتصاب لوهلة ليتبعها بالنهوض باندفاع وكأنه قد اصيب بصعقة اعادته لكامل وعيه ، تنفس بعدها بجمود صخري وهو يلتفت بنصف وجهه بعد ان عادت ملامحه لصرامتها المعتادة هامسا بجفاء بارد
"ما هذا الذي كنتِ تفعلينه يا سلوى ؟"

اعتدلت بجلوسها وهي تنفض خصلات شعرها المتشابكة بتمرد قائلة بحدة مرتجفة تداري بها إهانتها
"لقد كنت احاول مساعدتك بحزنك ، ولم اقصد ان اجرحك باختراق عالمك المنيع ، فيبدو بأن هذا العالم خاص فقط بك وبزوجتك الاخرى والتي ما تزال تأخذ عقلك للآن !"

عقد حاجبيه بحدة وهو يقول بعبوس صارم فقد السيطرة عليه
"ليس هكذا تتم المساعدة يا سلوى !"

لوت شفتيها بسخرية وهي تحرك عينيها بعيدا هامسة باستهزاء
"لا تقلق لن اكررها معك مجددا ، ويمكنك اكمال معاناتك مع تأنيب الضمير على اميرتك الحزينة"

تنهد بانفعال مكبوت وهو يحك جبينه بدوار مبرح ، ليلتفت بسرعة امامه وهو يتمتم بوجوم بعد ان عزم امره
"اذهبي للنوم يا سلوى ، فأنا لن استطيع السهر معكِ اكثر ، فلدي غدا صحوة مبكرة للذهاب للمشفى قبل شروق الشمس"

عندما لم يسمع اي ردّ منها اكمل طريقه لخارج الجناح بنفس الخطوات الثابتة ، ولم يسمع تلك الجملة القصيرة من الحاقدة من خلفه وهي تهمس بكل غل ما يزال يسيطر على كيانها المشروخ
"تستحق كل ما يحصل لك ولأميرتك الفاجرة الولهان بها !"

وصل (احمد) داخل غرفته وهو ينشر نظراته بخواء بأنحاء المكان الفارغ وكأنه يرى طيفها يحوم من حوله بهالة مأسورة ، ليرتمي بعدها جالسا على طرف السرير بلحظة وهو يمسك رأسه بيديه بألم كان يزداد ثقلا وكأنه يحمل الكون فوق رأسه حتى يشعر به يكاد ينفجر ، ليخفض يديه ببطء وهو يمسح وجهه بتعب لوهلة ما ان اجتاح ذهنه آخر كلمات سمعها من زوجته الجميلة ببسمتها المحبة والتي تعتلي محياها البشوش على الدوام وهو ما يزال يرى يدها التي كانت تلوح عاليا بحماس طفولي

(لا تتأخر بالعودة يا احمد ، فأنا سأكون بانتظارك بفارغ الصبر)

ضحك بحشرجة شعر بها تخرج من صميم روحه وهو يتهم القدر من سخريته منه والمتاهة والتي ادخله لها ، ولولا المجريات الاخيرة والتي حدثت معهما لكانا الآن يعيشان ليلتهما معا والتي كان من المفترض فعلها كما تواعدا من قبل !

قبض على يديه امام جبينه وهو يهمس بابتسامة مرتخية بتأنيب قاهر
"سامحيني يا عزيزتي ، فأنا بعد كل شيء لم اوفي بوعدي لكِ ، فلا انتِ استطعتِ انتظاري ولا انا استطعت العودة لكِ !"

______________________________
تغضن جبينها بضيق وهي تشعر ببرودة تلسع وجنتها مختلفة عن البرودة الساكنة بأطرافها والمخيمة من حولها شبيه بصقيع روحها...لترمش بعدها بعينيها المرهقتين عدة مرات بصعوبة حتى فتحتهما بالنهاية على اتساعهما ما ان اكتملت صورة الوجه المقابل لها على بعد سنتيمترات قليلة...لينطق بعدها الجالس بجوارها بابتسامة مائلة لمحتها رغم الظلام المحيط بهم
"واخيرا استيقظتِ ! لقد كنت قد فقدت الأمل من استيقاظك"

تسارعت انفاسها بلحظات وهي على وشك التكلم بغضب اهوج عاد لاحتلال روحها قبل ان تسبقها اليد التي كممت فمها وهو يقول بخفوت صارم
"احجزي غضبكِ قليلا يا ألماستي من اجل ألا يصل صوتك لشقيقتك النائمة"

رمشت بعينيها بارتجاف لحظي وهي ترفع حدقتيها باتجاه السرير الذي كانت تستند عليه وغفت هناك بمكانها ، لتعود بنظرها لنفس الشخص ما ان قال بهدوء جاد
"انا الآن سأبعد يدي عن فمكِ ، ولكن عليكِ ان تعديني أولاً بأنكِ لن تصدري اي صوت ، إذا كنتِ موافقة على كلامي حركي رأسكِ لأتأكد من صدق وعدكِ !"

حدقت به بمقلتيها الواسعتين بأمواج غائمة قبل ان تحرك رأسه بإيماءة طفيفة بجمود ، لتتسع بعدها ابتسامته بهدوء وهو يخفض كفه بعيدا عن فمها ببطء استشعر معه بدفء انفاسها وبنعومة بشرتها على اصابعه الخشنة ، وبلحظة كانت تنتفض بعيدا عنه وهي تزحف للخلف هامسة بعبوس واجم
"ما لذي تفعله بغرفة شقيقتي ؟ وكيف تتجرأ على دخولها بدون إذن ؟"

زفر انفاسه بيأس وهو يحرك رأسه علامة الملل هامسا بجمود
"كنت اعلم بأنكِ لن توفي بوعدكِ لي ، فأنتِ دائما تخالفين ظنوني !"

زمت شفتيها بحنق وهي تلوح بيدها هامسة بسخرية
"حقا ! لقد قلت ما اشعر به انا ايضا !"

عقد حاجبيه بتصلب قلبت ملامحه بعيدا عن المرح ، لتهمس من فورها بجدية وهي تتقدم بجلوسها بتحفز
"لم تجب على سؤالي ! ما لذي تفعله بغرفة شقيقتي ؟ هل تظن نفسك تملك المشفى ؟....."

قاطعها بصرامة اكبر وهو يتقدم بجلوسه مثلها حتى اصبحت وجوهما مقابل بعضهما البعض
"وهل تظنين نفسكِ تملكين غرفة شقيقتك ؟ تمنعين من تشائين وتدخلين إليها بالوقت الذي تريدين ! لقد نسيتِ بأن هناك اناس احق منكِ بدخول هذه الغرفة التابعة للمشفى الذي يعملون به"

ارتفع حاجبيها بارتباك ينتابها لأول مرة وهي تهمس بعبوس غاضب
"توقف عن السخرية بهذه الطريقة ، واجبني عن سؤالي ، ما لذي احضرك إلى هنا ؟ ألم يحن الوقت لتتركني انفرد مع نفسي قليلا"

مالت ابتسامته بافتراس احتلت ملامحه وهو يتمتم بأنفاس دافئة وصلت إليها عبر فحيح كلامه
"وهل تظنين بأني سأسمح لكِ بالانفراد مع نفسك ؟"

ابتلعت ريقها باضطراب بدون ان تجيبه بشيء وهي تحيد بنظراتها بعيدا عنه لوهلة ، لترتجف بلسعة خاطفة وهي تعود للشعور بنفس البرودة على وجنتها قبل ان تنظر بسرعة امامها وهي تحدق بعلبة العصير المعدنية التي كان يحملها بيده ، وجهت بعدها نظراتها بحيرة لصاحب اليد والذي قال بلحظة بابتسام هادئ
"ما رأيكِ بهذا ؟ لقد احضرت لكلينا علب عصير وشطائر للعشاء ، بما اننا لم نتناول شيء ولم نضع لقمة طعام بأفواهنا منذ الصباح ، وليس من الصحي النوم على معدة فارغة"

تجمدت ملامحها لوهلة وهي تتراجع بعيدا عنه هامسة ببرود
"لست جائعة ، ويمكنك الرحيل من هنا والاستمتاع بطعامك بعيدا عني"

تنهد للحظات وهو ينهض على ركبتيه بدون ان ينسى امساك ذراعها وهو يسحبها لتستقيم بالوقوف معه ، لتقاوم بعدها باستماته وهي تحاول سحب ذراعها ما ان وصل بها لباب الغرفة بثواني هامسة بشراسة مكتومة
"اتركني يا شادي....."

قاطعها بتشديد وهو يضع اصبعه على شفتيه هامسا بحزم
"هششش ، إياكِ وان تصدري اي نفس"

عضت على طرف شفتيها بامتعاض بدون كلام وهو مستمر بسحبها لخارج الغرفة ، وما ان اصبحا بالخارج حتى افلت ذراعها بصمت وهو يتقدمها بالسير بعيدا ، لتدلك بعدها على ذراعها بوجوم وهي تشاهد الذي جلس عند مقاعد الانتظار بهدوء ليشير بيده للمقعد بجواره بأمر .

رفعت رأسها بإيباء وهي تتقدم امامه لتجلس بالنهاية على اقصى طرف المقاعد بعيدا عنه ، ليرتفع عندها حاجبيه ببرود لوهلة قبل ان يغير مكانه وهو يجلس بالقرب منها ، وما ان حاولت النهوض مجددا حتى شبت اصابعه بذراعها وهو يهمس بكل ما يستطيع من ثبات متزن
"حاولي النهوض من مكانكِ لأجعل هذه الليلة لا تنسى بالنسبة لكِ !"

تسمرت قليلا وهي تعتدل بجلوسها بدون ان تصدر اي حركة اخرى ، ليرخي بعدها اصابعه على ذراعها بثواني وهو يخفض قبضته بعيدا عنها ، ليرفع بعدها الكيس بجانبه وهو يخرج منه شطيرة قبل ان يسلمها لها قائلا بهدوء
"امسكي"

نظرت للشطيرة بيده لبرهة قبل ان تمسك بها بهدوء بدون اي تعبير ، ليعود ليخرج من الكيس شطيرة اخرى له مع علب العصير المعدنية ، قبل ان يعود للنظر للساكنة بجواره وهي مشغولة بفتح غلاف الشطيرة ببطء شديد عبث بأعصابه ، ولم يتمالك نفسه بعدها وهو يرفع علبة العصير بلحظة بدون ان يمنع نفسه وهو يقربها من خدها كما فعل معها سابقا ، لترتعش بنفس الرجفة المثيرة وهي ترفع عينان غائمتين بزرقة داكنة هامسة بعبوس
"هلا توقفت عن فعل هذه الحركة ؟"

عض على طرف ابتسامته بإثارة وهو يلوح بالعلبة امامها قائلا بتسلية
"ولكنها تناسبكِ فهي باردة مثل برودة اعصابكِ تماما !"

عبست ملامحها بحنق وهي تبعد عينيها عنه هامسة بغيظ
"دائما تستمتع بفعل كل شيء يغيظني على حساب مشاعري وكبريائي"

ابتسم بهدوء وهو يضع علبة العصير فوق ساقيها قائلا ببرود متعمد
"هذه كذبة جديدة اختلقها عقلك الاحمق ، فأنا لا اذكر بأني قد ضايقتك من قبل على حساب مشاعرك وكرامتك !"

حركت عينيها بملل وهي تقضم من طرف الشطيرة بهدوء شديد لتلوك اللقمة بفمها بصعوبة وكأنها تحاول ان تستسيغ طعمها والذي اصبح اشبه بقطعة صخرة ببلعومها المتحجر بتقلبات معدتها ، لترفع بعدها علبة العصير بيدها الاخرى وهي تحاول فتح سدادتها المغلقة بإحكام بدون جدوى .

نظرت للجالس بجانبها والذي انشغل بتناول شطيرته بشرود بعيدا عنها ، لتبتسم بعدها بتفكير وهي ترفع علبة العصير لتضرب بها على خده كما كان يفعل معها ايقظته من شروده بلحظة ، التفت بسرعة نحوها بدهشة اتسعت بعينيه وهو يهمس بذهول عابس
"هل كررتِ نفس حركتي للتو ؟"

عادت لتحرك علبة العصير امامه وهي تشير بأصبعها الطويل للسدادة ، ليقول بعدها بحاجبين مرفوعين بتفكير
"هل تريدين مني فتح علبة العصير ؟"

اومأت برأسها بالإيجاب وهي تمد علبة العصير له ، ليتناوله منها بعبوس حائر وهو يفتح السدادة بأصبعه قائلا باستياء
"يمكنكِ قولها ببساطة ! لا داعي للخجل وتمثيل انكِ خرساء !"

تجاهلت كلامه وهي تنتشل العلبة منه ما ان انتهى من فتحها ، لترتشف منها بسرعة وهي تبتلع اللقمة القاسية بجوفها والتي اعاقت عليها مجرى التنفس والنطق لثواني ، لتتنفس بعدها براحة وهي تمسح على فمها بظاهر كفها بهدوء ، عبست ملامحها بلحظة وهي تستمع للذي كان يتكلم بيأس وهو ينظر بعيدا عنها
"يا للوقاحة ! ألن تتعلمي ابدا الأدب بالتصرف ؟ عندما يقدم لكِ احد معروف او يساعدك بشيء عليكِ برد الجميل له ولو بجملة امتنان صغيرة تعبر عن مدى سعادتك بمساعدته ، هل فهمتِ يا ذات الوجه العبوس ؟"

التفتت نحوه بغضب عند آخر كلمة نطق بها لتتقابل مع نظراته المسلطة عليها بقوة ، قبل ان تعود بسرعة للنظر امامها وهي تهمس بارتباك خافت
"شكرا لك"

ارتفع حاجبيه ببطء شديد وهو يحك ذقنه لوهلة قبل ان يهمس باستياء ساخر
"جيد لا بأس بأسلوبكِ الآن ، بالرغم من انه ينقصه اللباقة بالكلام والابتسامة الجميلة وانتِ تنطقين بالكلام امام محدثكِ ايً كان ! ولكن هذا ابعد ما يكون عنكِ يا ذات الوجه العبوس !"

انتفضت بغضب وهي تتقدم بوجهها امامه هامسة من بين اسنانها بشعلة على وشك التحرر من جنبات روحها
"توقف عن تلقيبي هكذا ! فهذه إهانة اسوء من كل الألقاب والتي قيلت عني من قبل"

حرك رأسه وهو يهمس بحاجب واحد بمكر
"حتى اسوء من لقب زرقاء !"

ضيقت عينيها الزرقاوين بقسوة وهي تهمس بشفتين متكورتين بغيظ
"اجل"

ارتفع حاجبيه باهتمام وهو يريح يده بجانب جسدها ليتابعها بالنظر عن كثب قبل ان يرفع يده الاخرى وهو يتلمس بأصبعه السبابة جانب وجهها هامسا بمغزى
"لن اتوقف قبل ان ارى الابتسامة تغزو تقاسيم وجهكِ وتبدل هذا الوجه العبوس ، عندها قد اتخلى عن تسميتك بذلك اللقب"

ارتجفت عضلة خديها تحت ملمس اصبعه المتمرد وهي تشعر بفورة مشاعرها الثائرة تتدفق لمحياها باحمرار طفيف اشعل وجهها بثواني ، لتشيح بعدها بوجهها بعيدا عن يده وهي تنتصب بجلوسها بعيدا عنه بجمود معيدة السيطرة على قيود عواطفها والتي اصبحت تتسرب منها مؤخرا .

اعتدل (شادي) بجلوسه بدون ان يبعد ناظريه عنها وهو يلمح طرف ابتسامتها التي غزت محياها لا شعوريا ، لتلوي عندها طرف شفتيه بابتسامة جانبية وهو يكتف ذراعيه قائلا بهدوء
"واخيرا بدأتِ تفهمين كلامي يا باردة ، انظري ما اجمل الابتسامة على وجهكِ وانتِ تحررينها من جحرها لتتألق على وجهك وتظهر انوثتها الطاغية !"

عضت على طرف ابتسامتها وهي تحيد بنظراتها نحوه هامسة بوجوم
"يا لك من ماكر بلعب بمشاعر الفتيات !"

تغضنت زاوية ابتسامته بدون كلام وهو يكمل تناول شطيرته المتبقية بهدوء غامض غيم عليهما سويا ، حاد بعدها بنظره نحوها وهو يحدق بعلبة العصير بيدها لوهلة ليقول عندها بلحظات بخفوت غامض
"هل ستنهين هذا العصير ؟"

اخفضت رأسها للأسفل قليلا وهي تهمس ببرود خافت
"لا لا اعتقد....."

اتسعت حدقتيها بصدمة ما ان انتشل علبة العصير منها بلمح البصر ليرتشف منها بثواني قليلة قبل ان تراها بعدها تطير وهو يلقي بها بسلة المهملات امامهما ، تنفست بارتعاش وهي تنظر له بحدة هامسة بعبوس حانق
"من سمح لك بشرب عصيري !"

مسح فمه بكفه وهو يهمس ببرود جليدي
"انتِ قلتي بأنكِ لن تكمليه ، وانا فعلت واجبي اتجاه الاشياء الخاصة بزوجتي لكي لا يشربه احد من بعدك"

انفرجت شفتيها بذهول غزى ملامحها وهي ترفع حاجبيها بآن واحد هامسة بغيظ
"ومن المختل الذي سيفعلها ويشرب من عصير خاص بغيره ؟"

حرك رأسه بابتسامة صغيرة وهو يلوح بيده هامسا بخفوت متسلط
"الاحتياط واجب ، فهذا الأمر لا تساهل او استهانة به !"

عادت بنظرها للأمام وهي تهمس بعبوس مستاء
"لا اعلم ما هي المتعة بشرب عصير غيرك بعد ان شرب منه ؟"

عض على طرف ابتسامته وهو يميل بوجهه نحوها حتى اصبح على مقربة من اذنها هامسا بتجويفها بصوت اجش متسلي
"متعة لا تضاهيها اي متعة بالعالم ! فما لا تعرفينه يا عزيزتي بأن هذه الامور تزيد من تجاذب القطبين المتنافرين ليصبحا اكثر توافقا واكثر تشاركية !"

حادت بنظراتها نحوه ببرود وهي تبتسم بميلان طفيف هامسة بخفوت ساخر
"يبدو بأنك مستمتع بلعب على كل اوتار علاقتنا لتجعلها عبارة عن تحدي خاص بك وحدك !"

اومأ برأسه بهدوء وهو يتلمس بأصبعه الخصلات القصيرة المتمردة امام اذنها ليعيدها للخلف برفق قبل ان يهمس بخفوت مرتخي
"هذه ساحة حربنا يا ماسة والتحدي هو الفيصل بيننا"

اشاحت بوجهها جانبا وهي تخفض نظرها للشطيرة بيدها للحظات ، لتقول بعدها بقنوط وهي تمد الشطيرة امامه
"إذاً هل تستطيع اكمال هذه الشطيرة عني ؟ من اجل ان تنجح علاقتنا كما تقول قوانين التجاذب عندك"

تراجع بجلوسه وهو يقطب جبينه بجمود بعيدا عن الهزل قائلا بجدية نافذة
"لا تحلمي بها ! عليكِ ان تنهي هذه الشطيرة كاملة من اجل ان تتغذي جيدا فأنتِ لم تتناولي شيء منذ الصباح ، ولا اريد سماع اي شكوى او تذمر بخصوص هذا الأمر"

نظرت للشطيرة بين يديها وهي تهمس بتذمر عابس
"يا للقسوة !"

زفر انفاسه بهدوء وهو ينهض عن المقعد بلحظة ليمسك بالكيس الذي يحوي بقايا الطعام ، قبل ان يلتفت نحوها لوهلة وهو يشير بيده للشطيرة قائلا بأمر صارم
"انا سأذهب لأحضر لنا كأسين من الماء ، وبهذا الوقت عليكِ ان تكوني قد انهيت طعامك لكي لا ارغمك على تناولها بطريقتي ، هل هذا مفهوم ؟"

ادارت عينيها بعيدا عنه وهي تهمس بصوت خافت بقهر وصله واضحا
"لم اعرفك قاسي هكذا !"

ابتسم بهدوء وهو يستدير للأمام ليهمس بآخر كلمات قبل ان يغادر بعيدا
"توقعي كل شيء يا عزيزتي ، فلا تنسي بالحب كل شيء مباح"

نظرت بسرعة باتجاه الممر الفارغ بعد ان اختفى منه يتبعه كلامه الاخير ، لتحني بعدها جذعها قليلا وهي تنصب مرفقها فوق ركبتها لتسند ذقنها على قبضتها وهمسة غادرت شفتيها مكررة كلمة من جملته
"الحب !"

نظرت بعدها للشطيرة الكبيرة تزينها اسنانها الصغيرة على زاويتها وهي تلوح بها امام وجهها بدون اي رغبة بإكمالها بعد ان اكتفت من تأثيرها على معدتها المتقلبة والتي تحملت الكثير اليوم ، لترجع بعدها رأسها لظهر المقعد وهي تشرد بعيدا بأفكارها هامسة بابتسامة هاوية تألقت على زاوية شفتيها بضعف
"اللعنة على هذا الحب وعلى تأثيره والذي بدأ يرهق كيانها !"

_____________________________
افاقت من النوم وهي تفتح جفنيها المرهقين بصعوبة على ضوء اشعة الشمس المتسلل من ستائر النافذة ، لترفع بعدها قبضتها المضمومة وهي تفرك بها عينيها بنعاس واضح ما يزال يسلط برمال سحره عليها ، وهي التي لم يغمض لها جفن طول الليل إلا بعد بلوج الفجر بساعات الشروق الأولى لتغفو فقط لساعات قليلة انهكت قواها .

حانت منها التفاتة جانبا بإنهاك قبل ان تتسع حدقتيها الغائمتين على اقصى اتساعهما لوهلة على مرأى السرير الفارغ المجاور لها ، لتنتفض بعدها لا شعوريا جالسة على السرير وهي توزع نظراتها بأنحاء الغرفة الفارغة باهتزاز طفيف غيم على نظراتها برهبة الخوف ، لتنهض عن السرير باللحظة التالية وهي تدور حول نفسها بتشتت لم تشعر به منذ سنوات وكأنها عادت لرهاب الطفولة الذي كان ينتابها بين الحين والآخر .

انتصبت بمكانها وهي تنظر بتوجس لباب الحمام المرفق الذي فُتح فجأة لتخرج منه من كانت تبحث عنها من لحظة برفقة الممرضة الخاصة بها وهي تمسك بمرفقها تساعدها على السير بخطوات متأنية ، بينما كانت (روميساء) تحاول سحب مرفقها بضعف وهي تتذمر هامسة بعبوس حانق
"اخبرتكِ بأنه ليس هناك داعي من وجودكِ معي بالحمام ومرافقتي إليه ! فأنا استطيع تدبر اموري وحدي ، فقد اصبحت بحال افضل واستطيع القيام بمهامي الشخصية لوحدي"

اجابتها الممرضة بأدب وهي تصر على مساعدتها بالسير معها بحرص
"لا بأس يا آنسة روميساء ، فأنا موجودة هنا لتقديم العون لكِ ومساعدتك بكل واجباتك الشخصية على اكمل وجه ، فهذه هي وظيفتي هنا"

لانت ملامح (ماسة) براحة تسربت بجزيئات وجهها لتحرر ابتسامة هاوية بشحوب ملامحها الرخامية ، قبل ان تهمس من فورها بلهفة لم تستطع السيطرة عليها
"روميساء"

التفتت (روميساء) نحوها وهي تغضن زوايا عينيها الخضراوين بحنان تخصه لها وحدها قبل ان تهمس بابتسام شاحب بلطف
"ماسة متى استيقظتِ ؟ ما يزال الوقت مبكرا على الاستيقاظ !"

عبست ملامحها بارتجاف وهي تشدد من القبض على يديها بانقباض احتل احشاءها وهي تسمع ذلك السؤال البديهي من شقيقتها بعد كل ما حدث معهما وبمجريات الأمس وكأنها عادت لطبيعتها الصارمة الامومية والتي تتلبسها على الدوام ، وكأنها لم تذرف اي دمعة بالأمس على فقدانها جنينها والذي لم يعش بداخلها سوى لنصف شهر فقط رحل مع الكثير من السعادة التي جلبها معه بغمضة عين !

افاقت من بحر افكارها على صوت المقابلة لها وهي تقول بعبوس غزى محياها بلحظة
"ماسة هلا طلبتي من الممرضة ان تتركني وشأني ؟ فأنا قادرة على تدبر اموري وحدي ، فهذه ليست اول مرة اتعرض بها لنكسة بحياتي والتي لا تقارن بما كنا نعيشه سابقا !"

عقدت حاجبيها ببعض الألم وهي تبدله بسرعة للجمود الصخري الذي اعتلى محياها لوهلة ، لتتقدم عدة خطوات امام شقيقتها قبل ان تمسك بذراعها وهي توجه كلامها للممرضة هامسة بعملية جادة
"يمكنكِ الذهاب الآن ، فأنا من سيهتم بأمرها من الآن وصاعداً"

ردت الممرضة من فورها بجدية هادئة
"ولكن هذا عملي انا ، ولا استطيع ترك المريضة بعهدتك فقد وصانا السيد فكهاني....."

قاطعتها فجأة بصوت خافت مشتد
"انا قلت اخرجي من هنا !"

تلبكت ملامحها بارتجاف وهي تخفض رأسها بطاعة هامسة بأدب
"حاضر ، سأذهب لأحضر فطور الآنسة روميساء ، عن اذنكما الآن"

غادرت بعيدا عنهما لخارج الغرفة بثواني ، لتقول بعدها التي كانت تنظر لها بامتعاض متذمر
"اخبرتكم بأني بخير واستطيع الاهتمام بنفسي ! لما تصرون على ملازمتي وكأني عاجزة ولا اقدر على فعل شيء ؟....."

كانت قد وصلت بها للسرير وهي تجلسها عليه قائلة بحزم غير مبالي بكلامها الاخير
"هذا من اجل مصلحتك يا روميساء ، فأنتِ قد اصبحت مهملة جدا بخصوص صحتك وغير مبالية بما يحدث معكِ"

جلست بتعب على طرف السرير وهي تسند نفسها بيديها على جانبي جسدها هامسة بابتسامة صغيرة بحزن
"وكيف ستقدرين على الاهتمام بي وانتِ بالكاد تستطيعين الاهتمام بنفسكِ ؟"

نظرت لها بعينين ضيقتين وهي تكتف ذراعيها بنفس صرامة شقيقتها قائلة بحزم
"لا تقلقي فأنا املك قوة سيطرة استطيع بها الاعتناء بنفسي وبكِ ، فأنتِ لست الوحيدة التي تملكين هذه القوة بالعالم !"

اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي تريح يدها فوق بطنها براحة هامسة بمحبة
"رائع ! يبدو بأنكِ قد ورثت بعض من جينات شقيقتك بعد كل شيء"

مالت ابتسامتها ببعض الشرود هامسة بهدوء
"اكيد ألسنا شقيقتين من نفس الوالدين !"

اومأت برأسها بهدوء وهي تمسح على بطنها هامسة بصوت انخفض ببهوت
"اجل"

زفرت انفاسها بصمت وهي تجلس بجوار شقيقتها على نفس السرير قبل ان تنظر بعيدا كما تفعل هامسة بخفوت
"كيف تشعرين اليوم يا روميساء ؟"

حركت رأسها بإيماءة طفيفة وهي تهمس باتزان
"بخير ، كل شيء بخير"

حادت بنظراتها جانبا وهي تعلق على كفها المستريحة على بطنها قبل ان يسبقها السؤال وهو يقفز لشفتيها بوجوم
"هل انتِ متأكدة ؟ فقد كنتِ بالأمس بحالة خطيرة جدا اقرب للموت....."

بترت كلماتها وهي تعيد ناظريها للأمام برجفة خاطفة سكنت محياها ، لتقول بعدها التي كانت تمسح على بطنها برفق هامسة برقة هادئة بدون اي حياة
"لا بأس يا ماسة فكل شيء مقدر بحياتنا عليه ان يحدث ، وهذا هو قدرنا بالحياة منذ ان ولدنا"

انتفضت بجسدها للأمام وهي تقبض على يديها فوق ركبتيها هامسة بتحفز مستاء
"تقولين مقدر ! لقد حدث كل هذا بسبب إهمالك بالانتباه على نفسكِ ، لم اعهدك بكل هذا الاستهتار يا روميساء ! لم اتوقع منكِ ان تصلي لهذا الحد بالإهمال بحياتك ! لماذا فعلت هذا بنفسكِ ؟ لماذا ؟"

مرت لحظتين غيم بهما الصمت المشحون بينهما قبل ان يصلها همسها بنبرة خافتة اقرب للجمود
"تتكلمين وكأنني تقصدت فعل كل هذا بنفسي وبطفلي ! لقد تحملت آلام كثيرة واخطاء بحياتي الماضية ، ولكنها لا تقارن بخسارة اغلى ما استطعت امتلاكه بحياتي وبجزء حي مزروع بداخلي ! لقد فاق هذا كل ألم كنت اشعر به لأنني ببساطة من قتله !"

رفعت رأسها ببطء وهي توجه لها نظرات خاوية اكتسحت حياتهما لوهلة ، لتهمس بعدها بحزن لحظي غيم على نظراتها
"انا آسفة ، لم اقصد ان اوجه لكِ اللوم"

حركت رأسها نحوها وهي تعيد الابتسامة الحانية على محياها هامسة بهدوء
"لا عليكِ يا ماسة ، فالمهم بكل هذا بأننا ما نزال احياء معافيين بعد كل حادثة او فاجعة نقع بها وهي ليست الأولى"

ادارت مقلتيها الزرقاوين بعيدا عنها وهي تهمس بخفوت بارد
"وهذا هو الجزء المؤلم بحياتنا ، الخسارة والحزن عليه بدون ان نشاركه الوداع او نرحل معه"

شحبت ملامحها بحزن لوهلة قبل ان تلوح بيدها بارتباك وهي تهمس مغيرة الاجواء البائسة بينهما
"حسنا ، لم تخبريني اين هو احمد فأنا لم اره منذ ان استيقظت ؟ هل ينتظر بالخارج ؟"

تجمدت ملامحها بلحظة وهي تكتف ذراعيها هامسة ببساطة
"لقد غادر المكان مساء الأمس لأنه لديه مسؤوليات اخرى بالمنزل والعمل عليه اتمامها ، لذا بقيت انا وشادي بالمشفى معكِ طول الليل حال إذا احتجتِ لوجود احد منا بجوارك او تدهورت صحتك"

اهتزت زاوية من شفتيها بوجوم سرعان ما بدلته بابتسامة متسعة وهي تهمس بجدية مزيفة
"اجل انتِ على حق لن يستطيع البقاء بالمشفى وترك عائلته واعماله المتراكمة بما انه المسؤول عن كل شيء بالعائلة ، كيف فكرت بأنه من الممكن ان يكون ما يزال موجود بالمشفى لهذه اللحظة ؟ حتى انتِ يا ماسة لم يكن من الجدير بكِ البقاء هنا مع زوجك طول الليل من اجل الاطمئنان عليّ ! فأنا كما قلت لكم استطيع تدبر اموري لوحدي"

نظرت لها بطرف عينيها بمغزى قبل ان تهمس بجفاء مغتاظ
"يبدو بأن رحيله مبكرا وعدم بقاءه بجانبك قد اثر عليكِ بشدة ، لذا تتكلمين بكل هذا التوتر المنفعل !"

ارتجفت اطرافها ويدها تقبض على اعلى بطنها لا إراديا لتلوح بعدها بيدها الحرة وهي تهمس بتوتر مشحون
"لا ليس هناك شيء من هذا الكلام ! فأنا اتفهم جيدا ظروف الناس ولا احمل شيء ضد احد"

عقدت حاجبيها بعدم اقتناع وهي تشيح بوجهها بعيدا عنها لتتأفف بعدها بنفاذ صبر وهي تهمس باستياء
"لا داعي لكل هذا التوتر والتمثيل امامي بأنكِ لم تتأثري ، والحقيقة بأنه لم يرحل بإرادته فقد ارغمناه انا وشادي على الرحيل بعد ان وجدنا بأنه ليس من الصحة بقاءنا جميعا بالمشفى ، لذا وافق على المغادرة بالنهاية بعد محاولات طويلة بين اخذ وشد"

اتسعت حدقتيها بانشداه لوهلة وهي ترفع قبضتها لصدرها الخافق بلهيب السعادة لم تستطع السيطرة عليها وهي تغمر كيانها بأكمله ، لتعقد بعدها حاجبيها بريبة وهي تعود بنظرها لها هامسة بمرح
"لماذا اشعر بأنكِ تحملين الكثير ضد احمد ؟ ما لذي فعله لتكوني بكل هذا الانفعال بالتكلم عنه ؟"

اسندت ذقنها فوق راحة يدها وهي تهمس باقتضاب بارد لم يخفى نفير انفاسها الشرسة منه
"ليس وحده من احمل ضده اللوم بل جميع من تسبب او كان عامل بأذيتك فأنا لن احمل له عندها سوى الكره والعداء ، وهو لن يكون استثناء عنهم وخاصة بأنه اقرب الاشخاص لكِ والمتوقع منه ان يكون السند والقوة لعائلتك الجديدة التي بدأت تثمر ، ولكن كما كنت اقول لكِ دائما لا تعطي ثقتك لكل من يعجبك وترينه بطل امامكِ فأنتِ لا تعلمين متى ستنقلب صورته هذه للنقيض ويتخلى عنكِ عند الحاجة !"

امتقعت ملامحها وهي تهمس بعبوس معاتب
"انتِ تبالغين بتصوير شخصية احمد ! فهو ليس هذا النوع من الرجال ، وايضا كل الذي حدث بالأمس كان بغيابه ومقدر ان يحدث وهو ليس له اي علاقة به ، لأنه من المستحيل ان يسمح لشيء ان يحدث لطفلنا فهو ابنه كما هو ابني !"

التفتت نحوها بلحظة وهي تهمس بعينين ثاقبتين بجمود تلون بصوتها الباهت
"هل تقصدين بكلامكِ بأنه يهتم لأمرك من اجل الطفل بداخلك لا غير ؟ ولو تخير بينكما فهو سوف يختار إنقاذ الطفل عليكِ !"

تجمدت النظرات بينهما بصقيع الاجواء التي غيمت عليهما سويا ، لتعبس بعدها صاحبة الملامح الشاحبة بهدوء وهي تشيح بوجهها باللحظة التالية هامسة بعصبية حانقة
"سحقا لنظرتكِ المتشائمة يا ماسة ! فقط لو افهم بماذا اخطئت معكِ لتتكلمي هكذا ؟ سحقا لكِ"

نقلت نظراتها للأمام وهي تهمس بابتسامة شاردة بغموض
"اعتذر لكوني ذات نظرة متشائمة"

مرت لحظات قليلة قبل ان يصدح صوت طرق خافت على الباب ليتبعها دخول الممرضة التي كانت تحمل صينية الفطور بين يديها ، لتنهض (ماسة) من مكانها وهي تتقدم بجمود امام الممرضة لتتناول الصينية منها بدون ان تنسى ان تشيعها بنظرات جامدة تستطيع تحجير قلب صاحبها ، بينما تراجعت الممرضة بأدب وهي تغادر امام نظراتهما المتناقضة عن بعضهما .

قطعت (روميساء) الصمت وهي تهمس بحزم غاضب
"ما كان عليكِ التصرف معها هكذا ! فهي لم تخطأ بشيء سوى وقوعها تحت كرهك العدائي"

استدارت امامها بهدوء وهي ترفع حاجب واحد هامسة بحدة
"ذنبها بأنها تعمل لصالح عائلة الفكهاني"

تنفست بيأس وهي ترتفع على السرير قبل ان تستقر جالسة عليه بتعب وكفها مستريحة فوق بطنها ، بينما وقفت (ماسة) بجوارها وهي تضع الصينية الخشبية ذات الاذرع السفلية على جانبي جسدها بحرص ، لتقول بعدها وهي تستقيم بهدوء عملي
"تناولي فطوركِ يا روميساء ، وانا سأذهب لأرى كيف الحال بالخارج ، ولأجهز اوراق خروجكِ من هذا المكان ، لذا اعتمدي عليّ بكل شيء"

قالت بسرعة ببسمة طفيفة مملوءة بالمشاعر ما ان همت بالمغادرة
"ماسة هل سيأتي احمد إلى هنا ؟ اقصد ألن يأتي لرؤيتي مجددا !"

تصلب جسدها بجمود للحظات وهي توليها ظهرها لتلوح بعدها بذراعها ببرود هامسة بجفاء
"قال بأنه سيأتي بالصباح قبل شروق الشمس ، ولا اعلم إذا كان صادقاً ام كاذباً ؟"

حركت رأسها بشرود وهي تمسد على صدرها بألم بحالة رهبة وخوف من اقتراب اللحظة وبعد كل ما حدث بينهما وتفوهت به بالأمس ، بينما تحركت الاخرى بخطوات ثابتة ازدادت سرعتها على الارض الرخامية وقلبها ما يزال يقرع بطبيعة غريزتها ولسان حالها يقول
(ارجوك لا تقتلها مجددا)

نهاية الفصل وبانتظار إعجاباتكم وتعليقاتكم على احر من الجمر ولا تحرموني من مشاركتكم وانطباعكم بالفصل🌹❤


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس